تسجيل وتفسير نتائج اعمال التنقيب

اهمية التسجيل: يمكن القول ان الموقع الاثري بحد ذاته بمثابة مشغولة ناتجة عن النشاط البشري، ودراسته وحفظه واجب ذو اهمية بالغة، فكل تنقيب هو تدمير للترسبات وماتحتويه من قطع اثرية واماكن تواجدها الاصلية الا اذا سجلت على نحو جيد ودقيق، لحفظها نظريا، مما يمكن الباحثين اعادة تصورها، لذا يجب ايجاد نظام تسجيل يساعد في ذلك، يجب على هذا النظام ان يوفر المتطلبات الاتية:

1-  القدرة على جمع اكبر قدر ممكن من البيانات الاثرية الموضوعية والدقيقة والشاملة وبسرعة.

2-  عمل تتباع اثري طبقي.

3-  امكانية التحقق من كل المعلوما التي تم تسجيلها.

4-  الجمع بين مجموعات كافية من المواد الصناعية والبيئية لتحقيق غرضين اولهما اعطاء التتابع الذي حصلنا عليه تاريخ نسبي، والثاني تدعيم تفسير السياق.

5-  امكانية التطبيق في مواقع التنقيب مهما كانت الظروف او الحالات المطلوب تسجيلها.

اذا تم تسجيل اعمال التنقيب جيدا فيمكن عرضها في متحف الحفرية والذي يمكن اعداده بعد الانتهاء من اعمال التنقيب، ويمكن تقسيم التسجيل الاثري تقسيما مرحليا الى اعمال تسبق او تواكب او تلي الحفرية، كالاتي:

اولا: اعمال التسجيل قبل بدا الحفر:

تبدا قبل اجراء الحفرية لتسجيل حالة الموقع قبل اعمال التنقيب، واظهارا لنتائج الحفرية بعد ذلك حيث تختلف صورة الموقع بعد ان تبدا اعمال الحفر، وفيما يلي اهم اعمال التسجيل:

1-  الخرائط المساحية: يقوم مهندس المساحة قبل بدا الحفر باعداد الخرائط المساحية، موقعا عليها ومبينا منطقة الحفر، مع ربط الموقع بشيء مميز في المنطقة (هرم او ترعة...الخ) هذا كله يتطلب تحديد الجهات الاصلية بدقة.

2-  التصوير الفوتوغرافي: يتم تصوير المنطقة فوتوغرافيا بمجموعة متنوعة من الصور من زوايا مختلفة، وعادة مايتم ربط المنطقة بشيء بارز فيها.

3-  التصوير الفوتوغراميتري: يمكن الاعتماد لى الصور الماخوذة للموقع بهذه الطريقة قبل التنقيب تسجيلا لم كان عليه الموقع قبل الحفر، واظهارا لنتائج اعمال التنقيب والجهود المبذولة فيها، وهو تصوير ضوئي يكون من الجو يهتم بصناعة الخرائط.

4-  تحديد النقطة الثابتة: وهي من اساسيات اعمال التسجيل ويتم تحديدها قبل بدا الاعمال، حيث تؤخذ كل المقاسات بالنسبة اليها، ويعتبر تحديدها من الاعمال التمهيدية لاعمال التسجيل اثناء التنقيب.

5-  تحديد خط الاساس: اعتمادا على النقطة الثابتة يتم تحديد سلسلة من النقاط مع ايجاد خط اساس ثابت يسمح بتطوير النظام الشبكي الذي تقاس اليه كل نقطة في الموقع، ويجب ان يتم قياس خط الاساس بواسطة التيودولايت بالنسبة للنقطة الثابتة، وتعطى هذه النقطة بداية للعداد العام للموقع ومعالمه وتحديد مستوى اللقى، ويعتبر تحديد خط الاساس من العمال التمهيدية لاعمال التسجيل اثناء التنقيب.

6-  ترقيم مربعات شبكة الحفر: بعد تخطيط الحفرية، اذا تم اختيار النظام الشبكي يجب ترقيم المربعات حتى يمكن نسب اي لقية اثرية او مكتشف للمربع الذي وجدت فيه.

ويمكن اعتبار التسجيل ماقبل عملية الحفر اساسا لكل اعمال التسجيل التي تتم بعدهكما ستكون اهميته اكبر من مجرد عرض مجموعة من اللقى اذا اتخذ قرار تحويل الموقع بعد الانتهاء منه الى متحف حفرية.

ثانيا: تسجيل سير الحفرية: تتضمن الاتي.

1-  اليوميات: ويدون فيها كل ما يحدث في الموقع، ويجب ان لاتختلط فيه الاستنتاجات بالمعلومة الموضوعية، بل يجب ان تكون الاراء الشخصية منفصلة عن الملاحظة.

2-  تسجيل الطبقات: يتم تتبع الطبقات بوضع مسمار عند ظهور اي لون اخر في التربة ويبدا الترقيم من اعلى الى اسفل عكس تكونها. مع اخذ القياسات وكذا الرسم والتصوير.

يلي ذلك عمل خط ثابت وتثبيته على جانب مربع الخندق، وتقسيمه الى امتار، ووضع علامة عند كل متر ومن الأفضل تثبيت متر شريطي مواز للخيط وبنفس طوله حتى نستطيع تحديد اي مسافة على هذا الخيط بمجرد النظر اليه، بعد ذلك تؤخذ مقاسات رأسية عند مسافات مختارة بواسطة مقياس مدرج مثبت أسفله ثقالة، وبأخذ قياسات أفقية ورأسية يمكن تحديد اي بقعة في طبقات التربة ونقلها وفق مقياس رسم لسجلات الحفرية.

تسجيل الحفرية المفتوحة:

الاولوية في الحفرية المفتوحة تكون لتسجيل المسقط الافقي حيث تغير النموذج الاساسي في المنهج الاثري تبعا لهذا الاسلوب من الرؤية الرأسية المستوية للموقع الى رؤية افقية او طبوغرافية، لذلك نستخدم بطاقة تسجيل لكل حلقة مفردة اي لكل طبقة من طبقات السياق الاثري الكامل، وهذه العملية تقوم بنفس الدور الذي يؤديه دفتر اليوميات في النظام الشبكي، وهي افضل في التحليلات لان كل وحدة تكون في صفحة مفدة، يمكن اعادة ترتيبها بسهولة وتجميعها في مجموعات او فترة زمنية  في تحليلات لاحقة، ويتكون نظام التسجيل الذي يحقق المتطلبات الاساسية لتسجيلات التنقيب المفتوح من العناصر الجوهرية الاتية:

-       عمل مسقط افقي لطبقة من الموقع.

-       وصف مدون للطبقة من الموقع يتضمن وصفا موضوعيا، وتفسيرا مستقلا.

-       ايجاد علاقات طبقية لكل طبقة من الموقع، وذلك بما قبلها ومابعدها من الطبقات من الموقع.

-       اخذ عينات بيئية من كل طبقة عند الضرورة.

-       تجميع وحصر كل اللقى المكتشفة في كل طبقة.

-       تصوير كل طبقة من الموقع عندما تعتبر جزءا من معلم هام.

ثالثا: التسجيل مابعد انتهاء اعمال الحفر: يمكن القيام بالتسجيلات التالية: يمكن القيام بالاعمال التالية:

1-   الخرائط المساحية: موضحا عليها كل ماظهر في الحفرية من مكتشفات ثابتة لدراسة الموقع وتاريخ الاثار في المنطقة، ومعرفة الاقدم والاحدث تبعا للمكان.

2-   التصوير الفوتوغرامتري: لنستطيع مقارنته بالتصوير القبلي.

3-   التصوير الفوتوغرافي: يساعد في تسجيل الموقع وابراز نتائج الحفرية، ويمكن ربط هذه الصور بشيء بارز في الموقع.

4-   سجلات االحفرية: يجب ان تكون هناك عدة سجلات منها:

-       سجل اليوميات

-       سجل الخندق او المربع

-       سجل الفخار

-       سجل اللقى الاثرية

-       سجل اللقطات وسجل الصور، وسجل السلبيات.

تفسير نتائج الحفرية:

بعد جمع كل الحقائق والمعلومات حول الحضارة التي كانت تقبع في ذلك الموقع يجب بث الحياة من جديد زابرازها في صورتها الانسانية، ينقسم هذا التفسير لمرحلتين الاولى يعمل المنقب على تحديد تاريخ لكل مايبدو ويكتشف وقيمته لمن استعمله من القدامى، والثانية يستخدم المنقب هذه المعلومات الاولية لتحديد الخلفية الحضارية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية لذاك المجتمع القديم.

1-   التفسير الزمني: عند الرجوع الى الماضي تصبح معرفتنا بسيطة، فتنصب دراستنا على عصور زمنية اطول لانه في عرف عالم الاثار يعتبر القرن فترة قصيرة جدا، حتى وان حوى احداثا كثيرة، وفي الموقع ترتبط الطبقات بعضها ببعض والمكتشفات الاثرية، فعند معرفة تاريخ لقية اثرية ما يمكن تحديد تاريخ الطبقة علما بانه عندما يكون هناك شك في نسبة اي لقية اثرية للنهاية السفلى لبقعة طبقية او للجزء العلويمن البقعة الطبقية الواقعة اسفلها يجب نسب اللقية الى البقعة الطبقية العليا، لان البقعة الطبقية تؤرخ باقدم مكتشف او لقية اثرية بها وليس باحدثها.

2-   تحديد الغاية من المعالم والمكتشفات التي وجدت بالموقع الاثري: تعتبر العملة والنقوش هي الوحيدة التي تحمل تواريخ محددة بصفة مباشرة، اما المكتشفات الاخرى فتؤرخ عن طريق عوامل اخرى كالمادة والشكل ولاطراز وطريقة صناعتها...الخ، او لطبقة التربة التي وجدت بها وموقعها تحت او فوق مكتشفات اثرة مؤرخة، او من ارتباطها في مكان محكم الغلق مع لقية اثرية اخرى.

3-   التفسير الحضاري: بعد تحديد اللقى الاثرية والغاية منها، يجب معرفة الى اي مجموعة حضارية تنتمي هذه الاثار؟ هل هم مواطنون للمنطقة؟ ام مهاجرون اتو للايستيطان؟ واذا كان الامر كذلك، فمن اين اتو؟ لماذا اتو؟ ماذا كان تموينهم من الغذاء؟ وهل مارسو الزراعة؟ وماحجم واتساع مزارعهم؟ وكيف مارسو الزراعة؟ ماهي حرفهم؟ هل كانو تجارا؟ مع اي جماعات مارسو التجارة؟ فيما كانو يتاجرون؟ ماهي طرق تجارتهم؟ ماهي السلع المتاجر بها؟ ماحجم هذه الجماعات؟ ماهي معتقداتهم الدينية؟ ماهو فكرهم الفلسفي؟ ماهي مؤسساتهم الاجتماعية؟...الكثير من الاسئلة.

هذه الاسئلة لمعرفة الانسان من خلال مخلفاته الاثرية.