المحور الثاني: إقتصاديات وسائل الإعلام / (الإذاعة والتلفزيون) و (الإعلام الجديد) نموذجا :
- الخصائص الاقتصادية للإعلام المرئي و المسموع :
• ارتفاع تكاليف الصناعة التلفزيونية و الإذاعية ، حيث تعتبر تكاليف انتاج البرامج الوطنية ( الداخلية ) و شراء البرامج المستوردة ( الخارجية ) باهضة وذلك من أجل تغطية التدفق، لكن تكاليف البث ضعيفة نسبيا .
• نفقات المحطات الإذاعية والتلفزيونية لا تتغير بزيادة أو نقصان عدد المشاهدين وهذا عكس الصحافة المكتوبة ، و منه زيادة حجم المشاهدة لا يؤثر على نفقات البرامج التلفزيونية و الاذاعية ولكنها تؤثر على الاشهار، في حين زيادة سحب جريدة ما يؤثر على نفقات الطباعة و يؤثر على الاشهار كذلك .
• صناعة الراديو و التلفزيون أكثر تعقيدا من صناعة الصحافة، فهي وثيقة الارتباط بسوق انتاج الحصص من جهة و بسوق الاستهلاك المرتبط بقطاع انتاج الأجهزة من جهة أخرى .
• يعتبر منطق البث ( التدفق ) ( flow logic ) عرض المنتجات التلفزيونية والاذاعية بواسطة البث الجماهيري المنطق الذي يحكم نشاط التلفزيون و الاذاعة، فبدلا من إعادة نسخ النموذج الأصلي لعمل معين، عدة مرات، أو توزيعه يتم بثه في وقت واحد إلى عدد كبير من المستهلكين، وبصيغة أخرى يتم عرض نفس البرنامج بواسطة البث على جمهور واسع، لا على شكل نسخ فردية قابلة للامتلاك، ويتم استهلاكه في نفس الوقت الذي يبث فيه .
- أسواق وسائل الاعلام المرئية والمسموعة:
أ- سوق المشاهدين والمستمعين: تعتبر السوق الأولية التي يتجه إليها المنتوج المرئي و المسموع سواء تعلق الأمر بالبث الهرتزي أو السلكي أو عبر الأقمار الصناعية، وسواء تعلق الأمر بتلفزيون الخدمة العمومية أو التلفزيون التجاري أو تعلق الأمر بالإشهار أو بالإتاوة أو الاشتراك أو الدفع بالمشاهدة .
ب- سوق المعلنين: تبيع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة مساحات من وقت البث للمعلنين المعنيين بالجمهور، و يسمح التوسع في السوق الأولية (أي زيادة الاقبال على المشاهدة) برفع حصة القناة أو المحطة من السوق الثانوية (سوق الاشهار و سوق التمويل العمومي: الاتاوة و الإعانة).
ت- سوق البرامج: تعتبر القنوات الإذاعية والتلفزيونية في الأصل قنوات مبرمجة للإنتاج ، و تلجأ هذه القنوات إما الى انتاج الحصص والبرامج أو شرائها من السوق .
ث- سوق الأجهزة (جهاز التلفزيون ، المذياع ، الهوائيات.. الخ): تتميز الإذاعة و التلفزيون بأنهما وسيلتان إعلاميتان توفر تجهيزات استقبال المتلقي لكي يتمكن من متابعة البرامج .
ج- سوق المالية: إن ارتفاع تكلفة الانتاج في وسائل الاعلام المرئية و المسموعة، و خاصة انتاج النموذج الأصلي، يتطلب البحث عن تمويل مسبق للإنتاج .
ح- سوق العمل: ويتشكل من الطاقم البشري الذي يساهم في الصناعة التلفزيونية والاعلامية مثل: الصحافيين، المنشطين، المبرمجين ..الخ
4- تكلفة المنتجات الإعلامية المرئية و المسموعة: تختلف تكاليف الإذاعة و التلفزيون باختلاف عدة عوامل: مضمون البرامج، مدة البرامج، طرق إرسال وبث البرامج، القناة، موقعه في الشبكة البرامجية .
و تتمثل تكاليف الصناعة الاعلامية المرئيةو السمعية بعض النظر عن مصاريف التجهيز و مصاريف التسيير التي تحتاجها أي مؤسسة إعلامية تلفزيونية و اذاعية فيمايلي :
• تكاليف دراسة سوق المشاهدين أو المستمعين .
• تكاليف انتاج البرامج .
• تكاليف شراء البرامج حسب عدد مرات البث ومدته .
• تكاليف الارسال و البث .
- إقتصاديات وسائل الإعلام الجديد:
لقد تعقدت الجوانب الاقتصادية للإعلام الجديد مع اتساع نطاق ما يعرف بـ"اقتصاديات المعرفة" المتصلة بديناميات البحث العلمي والإبداع التكنولوجي، أصبحت تقنيات تكنولوجيا المعلومات والفضاء الإلكتروني، محلاً لآليات السوق، إذ إن طبيعة الإنترنت والمواقع الإلكترونية تجعل من محتوى مادة الإعلام الجديد والمواقع الإلكترونية Websitesخاضعة لمنطق السلع المادية، مع ميزات وخصائص مختلفة عن السلع التقليدية؛ وهو ما عزز بدوره منطق اقتصاديات الإعلام الجديد الذي يفترض وجود جماهير تتمتع بالاستقرار، ويسهل تحديدها، ويمكن التعامل بشأنها (بيعًا وشراء). لكن الجماهير أضحت مجزأة بصورة متزايدة، بمقتضى عدد مصادر وسائل الإعلام المتاحة لهم، التي يمكنهم من خلالها التعبير عن خياراتهم المتعلقة بالمحتوى الإعلامي. وهنا تجدر الإشارة إلى أهم خصائص اقتصاديات الإعلام الجديد، كما يلي:
1- الطابع اللامحدود لإقتصاديات الوفرة: فمع تنامي “اقتصاديات الوفرة” أو “الحجم” التي تتميز بها اقتصاديات الإعلام الجديد، لا تكلف عملية المادة الإعلامية شيئًا، فضلاً عن أن كل الأعباء والتكاليف تنفق قبل الإنتاج. بجانب ذلك، فكلما زاد الطلب على المنتج، زاد امتصاص التكاليف الثابتة، وكلما زادت المبيعات خفضت المؤسسة أسعار البيع، ومن ثَمَّ زيادة المبيعات فتتحقق الأرباح وتنعدم التكلفة .
2- مرونة الطلب على وسائل الإعلام الرقمية: نتيجة للتغيير في أذواق المستهلكين الذين أصبحوا أكثر إقبالاً على متابعة الإنترنت، فضلاً عن أزمة الثقة المثارة تجاه الوسائل التقليدية نتيجة تبعيتها للحكومة وأصحاب المصالح والنفوذ التجاري من رجال الأعمال. بجانب ذلك، ولأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، يتوقع أن تؤثر إيجابًا على زيادة الطلب لكونها أقل تكلفة على المستهلك ..
إن الآليات التسويقية التي يستخدمها الإعلام الجديد مع اتساع نطاق تكنولوجيا الإعلام الجديد، سهلت الشبكة العنكبوتية ظهور كيانات وسيطة (أفراد أو مؤسسات) بأشكال متعددة شكلت في مجملها قطاع الإعلام الجديد ما بين صحف إلكترونية وتطبيقات إخبارية News Apps، وهو ما أحدث طفرة كبيرة على مستوى الآليات التسويقية التي يستخدمها الإعلام الجديد. فبداية، ومنذ مرحلة إنتاج المواد الإعلامية، تقلصت التكلفة الحدية لإنتاج هذه المواد إلى مستوى الصفر، فمع ارتفاع استهلاك المادة الإعلامية لتكاليف الإنتاج، اقتصر الأمر على تكاليف النسخة الأولى مع وصول تكلفة النسخ التالية (مجرد تحميلها) إلى مستوى الصفر. ومع قابلية هذه المواد للاستنساخ، فإن ذلك لا يؤثر على جودة المنتج، ولا على تكلفته. أمَّا ما يتعلق بعمليات التوزيع، فإن الطفرة التي طرأت على الفضاء الواسع للشبكة العنكبوتية، ذات الطابع العولمي، جعلت هذا المحتوى متاحًا للمتلقي.
بجانب ذلك، فمع انخفاض الأسعار حينما يتجه المنتجون إلى تخفيض الأسعار حيث تكون أول نسخة يتم انتاجها من الخدمة الإلكترونية مرتفعة مقارنة بالتكلفة الحدية المتناقصة مع كل نسخة إضافية يتم انتاجها. ونتيجة لذلك يتزايد العائد الاقتصادي مع الإنتاج الإضافي، لأنها أصول غير ملموسة لا تفنى باستهلاكها؛ وهو ما يسهم في زيادة حدة المنافسة التجارية بين وسائل الإعلام في الحصول على المزايا التكنولوجية من أجل التوسع أكثر من الأسواق وتحقيق الكثير من الأرباح . كما أن الطفرة التكنولوجية التي طرأت على الإعلام الجديد تزامنت مع تغيرات هيكلية كبيرة في نمط الإنتاج والتسويق والإعلان والاستهلاك للمادة الإعلامية، وهو ما يبرز العديد من الأنشطة الجديدة في المجالات الإعلامية، فضلاً عن التغيرات التي طرأت على إدارة المؤسسات الصحفية وأشكال تنظيمها واستراتيجيتها، بل إنشاء وتطور مؤسسات اقتصادية في قطاعات التكنولوجية للإعلام. هنا انعكست تلك التحولات على كافة جوانب اقتصاديات الإعلام، وفي مقدمتها مسألة التسعير والدفع الإلكتروني لشراء المادة الإعلامية وغيرها، مثل: عمليات الإنتاج والتوزيع والتسويق والإنتاج والتسويق الرقمي. فالعديد من وكالات الأنباء تطبق وسائل الدفع الإلكتروني للوصول إلى الموقع سنويًا .
كما أن الهيمنة الرأسمالية على الإعلام الجديد ارتبطت نشأة وانتشار وسائل الإعلام الجديد بالطفرة الرأسمالية التي طالت تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وهو ما انعكس على هيمنة ملحوظة للمؤسسات الاقتصادية العاملة في مجال التكنولوجيا، مثل شركة “فيس بوك” بمجال التواصل الاجتماعي، وشركة “جوجل” في مجال البحث، على وسائل الإعلام التقليدية التي دخلت دائرة المعاناة نتيجة تراجع الإقبال على خدماتها لحساب الوسائل التقليدية، فدخلت شركتا “فيس بوك” و”جوجل” في علاقات تعاقدية مع عدد من مؤسسات الإعلام التقليدي، وكانت هاتان الشركتان هما الرابحتين الكبريين؛ فقد دخلت شركة “غوغل” عام 2017 في عملية تفاوضية مع بعض شركات النشر والإعلام العالمية الكبرى، مثل: “تايمز”، و”سي إن إن”، في إطار مشروع جوجل الجديد الذي يستهدف توجيه القراء من محرك البحث “جوجل” إلى المواد الإعلامية الصادرة عن وسائل إعلام متحالفة مع “جوجل” بسرعة تنافسية مقارنة بغيرها، وذلك عبر الهواتف الذكية؛ وهو ما يكشف عن مساحة متنامية للسيطرة والنفوذ الذي تمارسه مثل هاتين الشركتين العملاقتين على وسائل الإعلام التقليدية، وخاصة مع تراجع إيراداتها من الدعاية والإعلانات في ظل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم منذ 2009 .
*****المراجع******
1/ عباس مصطفى صادق، الإعلام الجديد دراسة في مداخله النظرية وخصائصه العامة .
2/ محاضرات الدكتورة بوزيفي وهيبة، إقتصاديات وسائل الإعلام، لطلبة السنة الثانية إعلام .
Stave Jones, Encyclopedia of New Media: An Essential Referemnce to Communication and Technologu, SAGE Publication
4/ أمجد المنيف، اقتصاديات الإعلام الجديد وحدود الحرية التاريخ والوقت: السبت12 جانفي 2019 .
5/ محاضرات الأستاذ إبراهيم الخليل بن عزة، مقياس اقتصاديات وسائل الإعلام، جامعة الشلف - الجزائر، 2017/2021 .