محاضرات في علم النفس الجنائي مستوى ماستر-1- تخصص جريمة

                                د/ بوداني صفية أستاذة علم النفس الاجتماعي - جامعة حسيبة بن بوعلي -

               

 

المحاضرة رقم 01:

تمهيد:

تكاد الجريمة أن تكون الشغل الشاغل لكل المجتمعات ولكل التخصصات العلمية في العلوم الاجتماعية والبيولوجية، ولفهم أعمق للسلوك الاجرامي والجريمة سنتطرق في هذا البحث الى:

ماذا نقصد بالجريمة، ومتى نقول أن هذا السلوك هو سلوك اجرامي، وهل السلوك الاجرامي يعود الى الوراثة أم الى عوامل اجتماعية، أم الى عوامل نفسية غريزية تدفع المجرم الى سلوك لا سوي أم الى عوامل مكتسبة تعود الى طبيعة التنشئة الاجتماعية التي يمر بها الفرد في بيئته، أم أن سلوك الجريمة يعود الى مجموعة من العوامل المتكاملة التي دفعت بالفرد الى ارتكاب السلوك الاجرامي، وهل يمكن تصنيف المجرمين من حيث خصائصهم النفسية أم من حيث خصائصهم البيولوجية أم على أساس نوع الجريمة التي يرتكبونها أم على أساس أساليب التنشئة الاجتماعية التي يتلقونها، وهذا كله من أجل تفسير السلوك الاجرامي وأسباب اندفاع الفرد الى هذا السلوك، وهل هذا الفرد يقبل الردع والعلاج، أو الاصلاح أم يطبق عليه القصاص.

  هذا هو الشغل الشاغل والموضوع الجاذب الذي يهتم بالبحث فيه علم النفس الجنائي من أجل فهم سلوك الجريمة و فهم أسبابها الحقيقية التي تتحكم فيها.

اذا كان علم النفس يهتم بدراسة سلوك الانسان فهو يشترك مع القانون الذي هو تقييد للسلوك الانساني، بمعنى أن القانون هو مجموعة من القواعد والانظمة التي تضعها الدولة ويلزم الاقرار بطاعتها والاذعان لها، ان القانون هو المبادئ المقررة، من قبل السلطات اعليا أو ولاة الاسر، لأن القانون نسق من القواعد تحدد سلوك الانسان، حيث أن هذا الفعل مطابق للقانون وإن ذاك الفعل غير مطابق فتبيح الاول وتجرم الثاني، وهذا ما يقصد به أن القانون تقييد لسلوك الفرد.

ان الموضوعات التي يتقابل فيها علم النفس مع القانون هي المنطقة التي تمثل علم النفس الجنائي وميدانه، بحيث أن علم النفس الجنائي هو فرع من فروع علم النفس التطبيقي يهتم بدراسة السلوك الانساني في اطار تعامل هذا السلوك مع القانون، أو أن علم النفس الجنائي هو فرع من فروع علم النفس، يهتم بتطبيق، المعارف النفسية، في المجال الجنائي، أو الاجرامي، كأنه تطبيق للمبادئ علم النفس في المواقف التي يتعامل فيها الانسان مع القانون

  وأن فهم علم النفس الجنائي كتخصص في العلوم الاجتماعية يتطلب منا التطرق الى علم البيولوجيا الجنائي وكذلك علم الاجتماع الجنائي، اضافة الى علم النفس القضائي وسنتوقف عبر بعض مفاهيم هذه العلوم وذلك لفهم علم النفس الجنائي.

التعريف بعلم النفس الجنائي:

يشير مفهوم علم النفس الجنائي في بعض الأدبيات الى أنه تلك الدراسة التي تهتم بتطبيق المعرفة النفسية في النظام القانوني، أي هو تلك الممارسة التطبيقية لعلم النفس في المجال القانوني" Bartol,2016: p,29)، كما يعرفه رونالد روش Ronald roesh أن علم النفس الجنائي هو تلك الممارسة السريرية ضمن النظام القانوني"( Bartol، ترجمة ذيابة 2016: ص29)

ويعرف علم النفس الجنائي criminal psychology ، على أنه المجال الذي يبحث عن العوامل النفسية لظاهرة الجريم، والمتمثلة في مجموع العل النفسية، كالاختلالات الغريزية والعواطف المنحرفة، والعقد النفسية، والامراض النفسية، والتخلف النفسي، وذلك من خلال أنصار المذهب النفسي في تفسير الجريمة، وعلم النفس الجنائي، حيث يعد هذا العلم فرع من فروع علم النفس الاجرام  la criminologie الذي يهتم بالبحث عن عوامل الجريمة، النفسية والبيولوجية والاجتماعية.

ويعرف علم النفس الجريمة هو مجال بحث مشترك بين علم النفس وعلم الاجرام، حيث يهتم مواضيع متعددة كالاهتمام بالضحية والمجرم والجرائم الجنائية ، وجنوح الاحداث، والعنف، والاعتداء الجنسي، والدعارة، واساءة معاملة الاطفال والكبار، الظروف النفسية التي يمر بها الجانح أثناء أداء الشهادة، الظروف النفسية التي يمر بها الضحية بعد الاعتداء، ظروف السجين النفسية للمجرم داخل السجن، حياة المجرم بعد الافراج وعلاقته ببيئته الاجتماعية...الخ

"انه يمثل حلقة الوصل بين علم الاجرام من جانب وعلم النفس من جانب آخر" ( رؤوف عبيد، 1977: ص13).

 

 

المختص في علم النفس الجنائي:

يهتم المختصين في علم النفس الجنائي، "بالدراسات القانونية وبالجوانب الجنائية والمدنية في الدعاوى التي تنظرها المحاكم، حيث يتساءلون عن تأثير الاعلام في قرارات المحلفين بإدانة أو براءة المتهم، ويدور الحوار العلمي، حول طبيعة عملية الاتصال أو التواصل، ونقل المعلومات في أثناء سير المحاكمات Trials، وهل يمكن الاكتفاء بجعل مجموعة المحلفين، وغير ذلك من التساؤلات التي تعكس المؤثرات النفسية في مسار الدعاوي الجنائية والمدنية، وفحوى هذه البحوث السيكولوجية البحث عن أساليب لمكافحة الجريمة أو منعها، أو التقليل من معدلاتها ويدخل في ذلك تغليط العقوبة وكيف يشعر الناس بالعدالة وتطبيقها"( عبد الرحمن محمد العسوي، 2006: 143،144).

 المختص في علم الاجتماع الجريمة:

يعد علم النفس الجنائي تخصصا مهما للمختص الاجتماعي الجنائي وذلك من أجل الفهم العميق للظاهرة الاجرامية، والسلوك الاجرامي، وفهم أسبابها الحقيقية المتكاملة.

تعريف الجريمة:

الجريمة هي كل فعل او امتناع عن الامتثال للقانون الوضعي أو تعدي على خصوصية الآخرين يعاقبه عليه القانون، والجريمة "هي كل سلوك مخالف لما ترتضيه الجماعة"( أكرم نشأت ابراهيم، 2009: ص17).

الجريمة هي السّلوك الذي لا تقبله الجماعة، أو بعبارة أدق هي السلوك الذي لا يقبله غالبية أفراد الجماعة ، وقد يجرم بنص من القانون، وذلك لخطورته على أمن وسلامة أجسام وأعراض وحرية وحرمة ممتلكات الأفراد، وقد لا يجرمه القانون لعدم بلوغه ذلك المدى من الخطورة في نظر الجماعة، أو بالأحرى في نظر الجماعة التي تتمتع منها بنفوذ وسلطان سياسي أو اجتماعي، أو اقتصادي، مما يجعل بمقدورها، أن تفرض وجهة نظرها على القانون من خلاله" ( أكرم نشأت، نفس المرجع: ص17)

تعريف السلوك الاجرامي:

"ان المفهوم القانوني للسلوك الاجرامي لا يتعارض بحال – بل يتفق – مع المنظور السيكولوجي للسلوك السوي، فالسلوك الاجرامي يتصف بعدة خصائص، منها الحاق الضرر بالآخرين أو ممتلكاتهم، وأن يكون هذا الضرر محددا بنص قانوني، وأن يتوافر عنصر القصد، لدى مرتكب الفعل الى غير ذلك من الخصائص"( محمد شحاته ربيع وآخرون، بدون سنة: ص21).

المحاضرة رقم 02

تاريخ علم النفس الجنائي:

ان معرفة تاريخ علم النفس الجنائي، هو ربط حاضر هذا العلم بماضيه، وهذا الفرع من علم النفس لا يختلف في اهتماماته كاهتمامات فروع علم النفس الاخرى، حيث يهتم هو الآخر أيضا بالفرد وسلوكه لكن في صورته السلبية أكثر ويهتم بالفرد في علاقته بالآخرين في صورته السلبية ولا يمكن سلخ هذا التخصص عن بحوث الفروع الاخرى من علم النفس ذلك كون الفرد كل لا يتجزأ في بيئته وعلاقته مع الآخرين.

فدراستنا لتاريخ علم النفس الجنائي مرتبط بدراسة تاريخ علم النفس بوجه عام، ويعد العالم كاتل هو أولى الباحثين في علم النفس الاجتماعي الذي اهتم بدراسة وتقيم الشهادة من الناحية السيكولوجية، وذلك كان سنة 1893.

 " وفي عصر كاتل وهو فجر علم النفس التجريبي، كان علماء النفس في أوربا خاصة ألمانيا، على قناعة بالأثر الذي لا يمكن انكاره للإيحاء على عمليات الاحساس والادراك في المجالات اليومية المختلفة ومنها مجال الشهادة الجنائية، حيث رأى كاتل في حينه أن المحامي حزب الذمة يمكن أن يوجه الى الشاهد العدل الصادق حسن النية، العديد من الاسئلة الخبيثة بحيث تشكك في شهادته وتجعلها تبدو قاصرة أو متناقضة، ولعل القضاة يعرفون أكثر من غيرهم، أمثال هذه الأمور، كما بين الى أن هناك عوامل أخرى يمكن أن تؤثر على كفاءة الشهادة، رغم حسن نية الشاهد ورغبته في أن يعطي شهادة دقيقة موثوق بها مع تعرضه للنسيان" ( محمد شحاته ربيع وآخرون، نفس المرجع: ص25).

وتعد هذه التجربة أولى بدايات البحث في ميدان علم النفس الجنائي، حيث اهتمت هذه الأخيرة بدراسة العوامل النفسية التي تؤثر على كفاءة الشهادة القضائية، ومن الطريف أن نذكر أن هذه التجربة، أجريت على عينات أخرى من الطلاب في الجامعات الأمريكية وكانت نتائجها مشابهة الى حد كبير الى نتائج تجربة كاتل" ( محمد شحاته ربيع وآخرون، نفس المرجع: ص26).

في أوربا قام ألفرد بينيه "Binet  " عام 1900 بإجراء دراسات عن كفاءة الشهادة القضائية، ونشر عام 1905 كتيبا بعنوان دراسات في علم النفس القضائي، وقد أجر العالم شترن " Stern " عام 1901 تجربة رائدة في علم النفس الجنائي، حضرها طلاب جامعة برلين، الذين يدرسون القانون، وكانت التجربة عبارة عن معركة بين اثنين من الطلاب بسبب خلاف حول احدى القضايا، بحيث أن أحدهما سحب مسدسه في مواجه الآخر، وهنا تدخل Stern وأنهى المشاجرة، حيث كانت المشاجرة تمثيلية مرتبة سلفا، بين الطالبين المشاركين فيها بإيعاز من Stern وبعد انهاء المشاجرة طلب  Stern من الطلبة المشاهدين، الذين يدرسون القانون ويعرفون العوامل المؤدية الى تحريف الشهادة، فإن أحدا من الطلاب لم تكن شهادته دقيقة تماما، بل حفلت جميع الشهادات بالأخطاء، ما بين 4 أخطاء الى 12 خطأ لكل طالب.

وقد كانت الواقعة الرئيسية في هذه التجربة، هي سحب أحد المتشاجرين، لمسدسه، التي كانت مجالا للعديد من أخطاء الشهادة حيث بلغت الاثارة ذروتها عند سحبه، وقد توصل Stern الى أن الانفعالات الشديدة تؤدي الى تدني كفاءة عملية الاسترجاع أو التذكر، بمعنى أن أخطاء التذكر والاسترجاع اذا كانت عملية المشاهدة، لواقعة ما، مشحونة بشحنة انفعالية قوية، وقد استمر اهتمام Stern بموضوع الجوانب النفسية للشهادة القضائية، وهذه الدورية العلمية توسعت فيما بعد، وقد ناقشت هذه الدورية موضوعات هامة، في هذا المجال، كدور الاسئلة الايحائية، من المحقق في تحريف الشهادة، والعوامل المؤدية الى الانحياز في الشهادة القضائية، مثل الاتجاهات والافكار المسبقة، وموضوعات أخرى مثل الشهادة الجنائية للمسنين، وأثر تقادم العهد بالواقعة على دقة الشهادة الجنائية، بحيث يمكن القول أن علم النفس الجنائي بدأ بدراسة الشهادة الجنائية، وتوسعت أبحاثه في سنة 1908 لتشمل موضوعات عديدة في علم النفس التطبيقي.

ومن مظاهر الاهتمام بعلم النفس الجنائي، هو الاستفادة من خبراء علم النفس في تقيم الشهادة القضائية، ومن القضايا الشهيرة التي عرفت في هذا المجال الاهتمام بوقائع الجريمة التي وقعت عام 1896 في ألمانيا أين اتهم فيها رجل بقتل ثلاثة نساء، وقد قام بدراسة هذه القضية عالم علم النفس نوتزينج " Notzing " حيث صاحب تحقيق هذا العالم في القضية ضجة اعلامية كبيرة"( محمد شحاته ربيع وآخرون، نفس المرجع: ص27-28) .

وقد ارتآى "نوتزينج" Notsing أن هذه الضجة الاعلامية أثرت على شهادة الشهود بحيث أصبح الشهود بسبب الضجيج الاعلامي لا يميزون بين الوقائع التي كانوا شهودا عليها، وبين الوقائع التي تداولتها الصحف وما حفلت به من مبالغات وإثارة، أي أن الشهود أصبحوا يخلطون بين ما شاهدوا بأنفسهم وبين ما تروجه الصحف من معلومات عن الحادث، بحيث يتأكد تأثير الايحاء على تذكر الواقعة الجنائية وعلى شهادة الجنائي.

بعد هوجو منستربرج Munsterberg وهو عالم أمريكي الجنسية ألماني الأصل اهتم هذا الأخير بتطبيقات علم النفس في مجالات الحياة اليومية، وعلى رأسها المجال الجنائي والمجال الصناعي، حيث يعد الأب الروحي لعلم النفس التطبيقي لقد أصدر منستربرج كتابا بعنوان على منصة الشهادة حيث أشار فيه الى مشاهداته وملاحظاته التي استخلصها لما يقع أثناء المحاكمة من مدخلات وأكد في هذا الكتاب على أن علماء النفس بمعلوماتهم وخبراتهم عن موضوعات هامة مثل الادراك والتذكر يستطيعون جيدا فهم الجوانب النفسية في الشهادة القضائية ومع ذلك فقد أشار في نفس الكتاب الى الانحيازيات والانفعالات والدوافع فيها قدر من النقص والتناقض وهذا الكتاب لم يلقى قبولا من الجهات القضائية رغم شعبيته في ذلك الوقت وربما يرجع ذلك الى أن علم النفس لم تكن له قاعدة معلوماتية قوية بحيث يلق قبولا لدى رجالات القضاء.

وفي عام 1914 نشر" Munsterberg " مقالة تحت عنوان الجوانب النفسية عند المحلفين وكانت هذه الدراسة نتيجة بحوث أجريت على الطلاب والطالبات في جامعتي هارفرد وراد كليف، ومن الطريف أن نذكر أنه في هذه الدراسة أكد على ضرورة استبعاد النساء من هيئات المحلفين وذلك على أساس أن الطالبات أقل كفاءة في دقة الأحكام واتخاذ القرارات من الطلاب.

فرغم بعض التحفظات التي أثيرت حول Munsterberg بسبب القطيعة التي تبب في اثارتها بين القانون وعلم النفس وذلك ربما لرفض أعضاء الهيئة القضائية ما اعتبروه منه تدخلا في عملهم إلا أن  انجازاته تعد جزءا لا يتجزأ من تاريخ علم النفس الجنائي "( محمد شحاته ربيع وآخرون، نفس المرجع: ص28).

 

 

 

المحاضرة رقم 03

بعض الرواد في تخصص علم النفس الجنائي:

في الوقت الذي ظهرت فيه أعمال منستنربرج فإن علماء النفس الامريكيون وهو فرنالد Fernald، وذلك بالتعاون مع أحد أطباء علم النفس الأمريكي وهو هيلي Healy قاما بتأسيس أول عيادة نفسية متخصصة في علاج أحداث الجانحين عام 1909، تحت اسم مؤسسة الأحداث السيكوباتيين، وكانت مهمة هذه المؤسسة تقديم الاستشارات والتشخيصات الاكلينيكية لمشكلات الأحداث ويعتبر فرنالد Fernald الذي حصل على الدكتوراه عام 1907 من جامعة شيكاغو، ويعد من علماء النفس الأوائل الذين عملوا بالتعاون مع الأطباء النفسانيين، كما يعد من العلماء الأوائل الذين إختصوا بدراسة المشكلات النفسية للأحداث تشخيصا وعلاجا، وقد تطورت هذه المؤسسة وتغير اسمها عام 1914، الى معهد خدمات الأحداث الجانحين، وقد استخدم هيلي وفرنالد اختبار بينيه في تحديد نسبة ذكاء الأحداث، ولكنهما شعرا شعورا قويا بالحاجة الى اختبارات ذكاء أدائية وأصدرا عام 1911 اختبارا لقياس الذكاء العملي والذي حيث يعد لهذا الأخير قيمة علمية تاريخية كبيرة.

وشارك العديد من علماء علم النفس في المجال الجنائي، وذلك بتطبيق الاختبارات النفسية المختلفة على الأحداث والمجرمين، وهذا بناء على طلب السلطات القضائية، حيث شهدت فترة ما بين الحربين نهضة كبيرة في هذا الميدان، حيث كان الاختصاصيون في علم النفس يعملون مع الأطباء النفسيين في المؤسسات التي تساهم في تشخيص حالات انحراف الأحداث وعلاجها، بحيث يمكن القول أن دورهم كان في الصف الثاني بعد الأطباء النفسانيين، وكانت النساء العاملات في هذا المجال التطبيقي الأكثر مساهمين في هذا المجال.

ومن جهة أخرى بدأ توفير الخدمات النفسية في سجون مدينة نيويورك عام 1913 وفي عام 1916 أين تم انشاء أول مختبر سيكوباتي ملحقا بقسم الشرطة، في مدينة نيويورك وكانت مهمة هذا المختبر هو اجراء الفحوص الطبية، والنفسية للسجناء وكانت هيئة العمل مكونة من الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين.

وكان لويس ترمان Terman أول عالم نفس يطبق الاختبارات النفسية على المتقدمين للعمل في سلك الشرطة، حيث طبق عليهم اختبار ستانفورد وبينيه، وكانت أعمار المتقدمين الى العمل تتراوح ما بين 21-38 سنة وكانت أغلبية المتقدمين الى المهنة ذوي مستويات متدنية. وكذلك اهتم لويس ثرستون

Thurstone  بتطبيق الاختبارات النفسية على المتقدمين للالتحاق بوظائف الشرطة حيث قام عام 1922 بتطبيق الاختبار " ألفا " لقياس الذكاء اللفظي على المتقدمين لوظائف الشرطة في المدينة دترويت، حيث بين ثيرستون أن مهنة الشرطة لا تجتذب الناس ذوي الذكاء المرتفع  للعمل فيها.

وفي دراسة أخرى أجرتها مود ميريل Merril  عام 1927 قامت بتطبيق اختبار ألفا على مجموعة من رجال الشرطة، وكانت نسبة ذكاء هذه المجموعة مختلفة عن سابقتها حيث بلغ متوسط نسب الذكاء للمتقدمين للعمل في الشرطة كان عاليا.

وفي بدايات القرن 20 اهتم علماء النفس كذلك بدراسة كيفية تفسير السلوك الاجرامي والتعرف على أسباب الجريمة، وقد دارت هذه الدراسات في دائرة القياس النفسي، حيث أسفرت نتائج دراسات جودارد Goddard أن معظم الجانحين سواء كانوا من الأحداث أو الكبار تتدنى نسبة الذكاء لديهم عن المتوسط بحيث ظهر اتجاه تفسيري يقرن بين الجريمة وتدني نسبة الذكاء.

هذا وقد ساهم بعض علماء النفس في تفسير السلوك الاجرامي وذلك في اطار نظرياتهم التي قدموها تحت اسم نظريات الشخصية كنظرية فرويد.

اسهامات علم النفس الجنائي في مجال عملية المحاكمة:

في بداية القرن العشرين كان الاهتمام بتطبيق علم النفس الجنائي في مجالات مختلفة من بينها مجال عمليات المحاكمة، حيث قام أحد علماء علم النفس في بلجيكا وهو فارندونك Varendonck  عام 1911بعمل فحص لشهادة جنائية في قضية مثيرة حيث اتهم أحد الأشخاص بارتكاب جريمة اغتصاب وقتل طفلة في التاسعة من عمرها، وكان شهود القضية طفلين كل منهما في حدود العاشرة من أصدقاء المجني عليها، وقد برهن Varendonck على عدم دقة استرجاع الأطفال في هذا السن للأحداث مما شكك المحلفين في شهادة طفلين، واعتبر المتهم غير مذنب وأطلق سراحه.

وكذلك نشر Setron عام 1939 دراسة عن أخطاء عملية التذكر عند الأطفال وعند الكبار وأنها قد تعود الى أساليب الاستجواب ذات الطابع الايحائي سواء من هيئات الدفاع أو هيئة الاتهام.

وفي عام 1911 قام كارل مارب Merbe بتقديم استشارات علمية للجهات القضائية عن الوقت المنصرم بين ظهور المثير وحدوث الاستجابة، أي زمن الرجع بحيث برئت ساحة سائق أحد القطارات ارتكاب حادثة واتهم بالإهمال واتضح في الاخير عدم اهماله وأن الحادثة كانت راجعة بسبب وجود فرق زمني بين ظهور المثير وحدوث الاستجابة، وفي نفس السنة قدم مارب استشارة في قضية أخرى حيث وضح لهيئة المحكمة أن شهادة الأطفال الجنائية تعوذها الدقة وتؤثر عليها القابلية للإيحاء وكانت هذه القضية حساسة، حيث توجه الاتهام الى بعض مدرسي أحد المدارس الألمانية بالتحرش الجنسي بالتلميذات، وقد أقنع مارب المحكمة، بأن الادعاءات الصادرة من التلميذات حيال مدرسهم غير دقيقة وبرئت ذمته في الاخير.

في الأخير نقول أن البحث في علم النفس الجنائي ساهموا كثيرا في تقدير الشهادات في المحكمة كما ساهموا كثيرا في انتقاء المنخرطين في سلك الشرطة وذلك باستخدام كل نتائج البحوث والدراسات التي توصل اليها ميدان علم النفس كما كان يهتم بتطبيق الاختبارات النفسية في المجال الجنائي وهذا تماشيا مع ظهور حركة القياس النفسي في تلك الفترة .

المحاضرة رقم 04:

موضوعات علم النفس الجنائي:

  •  طبيعة ومدى اجرام الاحداث:
  • تعريف الحدث Mineur
  • يعرف الحدث اصطلاحا: "على أنه شخص لـم تتـوفر لـه ملكـة الإدراك و الاختیـار لقصـور عقلـــه عــــن إدراك حقــــائق الأشــــیاء، و اختیـــار النــــافع منهــــا، و النــــأي بنفســـه عــــن الضــــار منهــــا، و لا یرجع هذا القصور في الاختیار إلى علة أصابت عقله، و إنما مَرَدُّ ذلك إلى عدم اكتمال نموه و ضـعف فـي قدرتـه الذهنیـة و البدنیـة بسـبب وجـوده فـي سـن مبكـرة لـیس فـي اسـتطاعته بعـد وزن  الأمـور بمیزانهـا الصـحیح و تقـدیرها حـق التقـدیر"( معوض عب النواب، 1995: ص14).
  • و تجـدر الإشـارة إلـى أن تحدیـد مفهـوم الحـدث یختلف باختلاف توجهات المهتمين بدراسة هذا المفهوم وضبطه سواء في علم النفس العام أو  علم النفس الجنائي أو علم الاجتماع أو القانون. فمفهوم الحدث في علم النفس هو: " الصـغیر منـذ ولادتـه حتـى یـتم نضـجه النفسـي و تتكامـل لدیـه 3 عناصر الإدراك و الرشد "( محمد عبد القادر قواسمية، 1992: ص49) . أما الحدث بالمفهوم الاجتماعي فهو ذلك " الطفل الصغیر الذي تتكامل لديه عناصر الشخصية من الميلاد حتى الرشد وفق مرحل نمو مختلفة وأساليب اجتماعية مختلفة  حتى یتم نضـجه الاجتمـاعي و تتكامـل لدیـه عناصـر الرشـد المتمثلـة فـي الإدراك التـام، أي معرفـة الإنســان بصـفة عامة و طبیعـة عملـه و القـدرة علـى تكییـف  سـلوكه و تصـرفاته مع مـا یحـیط بـه مـن ظـرو ف و  متطلبات البيئة الاجتماعية التي  يعيش فيها" ( صالح علي الزين، 1995: ص2012) 
  • ان كم السلوك المنحرف والمبلغ عنه للقانون هو جانب غير معروف وغير متوفر البيانات عن مدى انتشار جنوح الأحداث، والمعرفة بها على نطاق واسع، ويمكن تقسيم الاعمال غير القانونية التي يرتكبها الأحداث الى خمس فئات رئيسية هي:
  • الاعمال غير المشروعة والموجهة اتجاه الأشخاص
  • الاعمال غير المشروعة والموجهة ضد الممتلكات
  • جرائم ضد المخدرات
  • الجرائم المرتكبة ضد النظام
  • جرائم الحالة"( Batol,2016: p337)
  • ان هذه الجرائم لدى الصغار يمكن مقارنتها مع تعريف بعض جرائم الكبار ومع جرائم المكانة هذه الاخيرة لا يمكن الفصل فيها الا من خلال محاكم الاحداث