في كل المجتمعات ( البشرية أو التنظيمية أو الهيكلية ) بل في كل وسط اجتماعي من الثابت أن أفضل وسيلة لحل النزاع هي تلك التي تقتضي بأن يتم ذلك عن طريق الاتصال بين الأطراف المعنية أنفسهم، بشرط ان يكون ذلك عدم رغبة فرض واجبات لا يملكها طرف معين أو الرغبة في هضم حقوق الطرف الآخر أو طرف آخر غائب عن عملية المفاوضات، و لكي يكون هناك تفاوض لابد من وجود شيء يتم التفاوض عليه يدخل في سلطة أو اختصاص الأطراف المعنية، و إذا كان التفاوض في جوهره ليس ألا تبادل وجهات نظر حول مسألة أو موضوع معين

        فإن (التفاوض) عملية قديمة قدم التاريخ و هو تبادل وجهات النظر للتوصل إلى حل مناسب لجميع الأطراف، حيث أن الحضارات البشريــة عرفت (التفاوض ) بقصد تحقيق الأهداف السياسية، والمنافع الاقتصادية، وأحياناً، الغايات العقائدية . فاستخدمت الأقوام التفاوض في تنظيم العلاقات فيما بينها، ومع غيرها . كما أن المفاوضات العسكرية ( الحربية ) كانت أسلوباً شائعاً، نتيجة كثرة الصدامات المسلحة التي كانت تنشب، فيما بين القبائل، أو المدن، أو الدول أو الشعوب، أو الأمم . وهكذا شاع أسلوب المفاوضة في السلم، وفي الحرب فنحن نعيش عصر المفاوضات، سواءٍ بين الأفراد أو الدول أو الشعوب ؛ فكافة جوانب حياتنا هي سلسلة من المواقف التفاوضية، حيث تظهر ضرورة التفاوض و أهميته آثراً واضحاً على الحياة الدولية .

          ومن ناحية أخرى فإن التفاوض يمثل مرحلة من مراحل حل القضية محل نزاع إذ يستخدم في أكثر من مرحلة، وغالباً ما يكون تتويجاً كاملاً لهذه المراحل؛ فالتفاوض كأداة للحوار يكون أشد تأثيراً من الوسائل الأخرى لحل المشاكل إلا أن بعض إجراءات و برتوكولات التفاوض تخضع لعمليات سياسية بعيدة عن ماهية التفاوض القانونية، خاضعين لاعتبارات أخرى يكون فيها الطرف الأضعف الأداة الأسهل لتنفيذ الشروط التي يبدها الطرف الآخر للتفاوض

             بدأ تناول موضوع التفاوض الدولي بواسطة مجموعة من الدارسين والممارسين للفن الدبلوماسي منذ عدة قرون وعلي الأخص منذ عام 1716م "فرانسيس دي كاليرس" وعام 1778م"فورتن" غير أنه منذ عام 1960م أصبحت هنالك دراسة نظامية للتفاوض وهذه الدراسة دفعت إلي تحليل عملية التفاوض بعيداً عن دراسات الحالة وكذلك بعيداً عن افتراض أن الدبلوماسية تمثل فقط شكل من أشكال الفن.

               فالمنهج التقليدي الأول: هو منهج دراسة الحالة. حيث أن كل عملية تفاوضية هي عملية لها طابعها المميز وبالتالي لا يمكن استنباط مبادئ عامة حول هذه العمليات. والمنهج التقليدي الثاني: هو الذي يتعامل مع التفاوض باعتباره فن، فهو يري أن التفاوض يتم من خلال دبلوماسين محترفين يتعاملون مع العملية التفاوضية من منظور ذاتي ومن خلال فهم شخصي بشكل لايمكن من خلاله الوصول إلي قواعد عامة ومبادئ ثابتة من هذه العمليات.

          وبالتالي فإن أي من هذين المنظورين لم يتعامل مع التفاوض باعتباره موضوع يمكن تحليله بطريقة علمية وقابلة لاستنتاج عموميات معينة وقد بدأت الفترة الحديثة لتنظيم التفاوض الدولي بواسطة مجموعة من المحللين وعلي رأسهم" توماس"في كتاب"إستراتيجية الصراع1960 "و"أناتول ربورت"في كتاب"الحروب المباريات والمناظرات1960 "و"فريد تشارلز" في كتاب"كيف تتفاوض الدول" وفيما يلي سيتم التطرق إلى ماهية التفاوض: