المحاضرة الثالثة: العلاقة التي تربط الديداكتيك بالبيداغوجيا وعلوم التربية

 أهداف الدرس: التعرف والتمييز بين المقاربات ومعارف علم النفس التربوي وفلسفة التربية.

 

هناك من يميز بين البيداغوجيا والديداكتيك، فالأولى تستند إلى مجموعة من النظريات والمبادئ وتهتم بنقل المفاهيم إلى المتعلمين ومساعدتهم على اكتساب المعارف، أما الديداكتيك فهي فرع من فروع علوم التربية تستهدف جوانب العملية التعليمية لتجديد التعليم والتعلُّم وتطويره، كما تهتمُّ بالتخطيط لأهداف التربية ومراقبتها وتعديلها مع مراعاتها الطرق والوسائل التي تسمح ببلوغ هذه الأهداف.[1]

1.3. البيداغوجيا

كلمة البيداغوجيا مصطلح يوناني مكون من شقين؛ الأول "بيدا" ويعني الطفل والثاني "غوجيا" ويعني القيادة والتوجيه، فكان البيداغوجي في تلك الحقبة هو الخادم الذي يرافق الطفل خلال ذهابه إلى المعلمين لتلقي العلم، ونظرًا لوظيفته تلك اعتبر البيداغوجي مربيًا وليس معلمًا، وفي هذا الصدد كتب فارون أنه: "إذا كان المعلم يعلّم فإن البيداغوجي يربي، لأن هذا الأخير هو من يسهر على رعاية الطفل والأخذ بيده، وهو من يختار له المعلم ونوع التعليم الذي يجده مناسبًا للطفل حسب رأيه". فالبيداغوجيا كانت عملية تربوية خارج الإطار المكاني والجغرافي للمدرسة، بينما العملية التعليمية كانت داخل المدرسة، وارتبطت البيداغوجيا بتهذيب الخُلق بالمعنى الشامل والأوسع، بينما التعليم ارتبط بمقدار التحصيل المعرفي بالمعنى الضيق.

بالمختصر البيداغوجي كان يُطلَق، في الغالب، على الشخص الذي يقود الطفل إلى المدرسة ويحمل لوازمه ويساعده في مذاكرة دروسه وكتابة واجباته المدرسية. ترجع البيداغوجيا إلى المتعلّم وقيادته وتعليمه ومرافقته في تعلّمه، فهي والحال كذلك من أقدم العلوم التربوية.

البيداغوجيا هي  علم التربية، سواء أكانت بدنية أم فكريّة أم أخلاقية قيمية.[2]

2.3. علوم التربية

هو مصطلح استعمل حديثا للإشارة الى مجموعة من الأبحاث والدراسات المتنوعة الاختصاصات التي تناولت التربية من مختلف الزوايا. ورغم حداثة هذه العلوم فإنها استطاعت أن تراكم عددا هائلا من النظريات والنماذج التفسيرية ،كما أنها تمكنت من تطوير اساليب ومناهج في البحث، جعلتها ترقى الى وضع العلوم "المعترف بها "من طرف المجتمع العلمي الدولي، حتى وان كانت تتداخل مع اختصاصات اخرى لا تهتم مباشرة بالتربية. غيران ما يضمن وحدتها هو موضوعها المشترك، أي التربية، وهو نفس الموضوع الذي يبرر تنوعها وتعددها، نظرا لأبعادها المتشعبة. رغم هذا التعدد، فان بعض التصنيفات استطاعت أن تستجلي هذه العلوم التربوية.[3]

هي وسيلةٌ أساسيّةٌ من وسائل البقاء والاستمرار، كما أنها ضرورةٌ اجتماعيّةٌ تهدف لتلبية احتياجات المجتمع والاهتمام بها، كما أنها أيضاً ضرورةٌ فرديّةٌ من ضرورات الإنسان، فهي تكوّن شخصيّته وتصقل قدراته وثقافته ليكون على تفاعل وتناسق مع المجتمع المحيط به ليسهم فيه بفعاليّة، ومن هنا شغلت التّربية الكثير من الباحثين والدّارسين على مر العصور، وكان لها قدرٌ لا يُستهان به من الدراسة والتحليل.

يرتبط علم التعليم ارتباطًا وثيقًا بالتربية وهي عملية التدريس بشكل أكثر تحديداً ، ومع ذلك تعتبر علوم التعليم هي دراسة تحسين العملية التعليمية ، ويمكن أن يشمل مجال العلوم التربوية فحص وبحث أساليب التدريس المختلفة وكيفية تلقي مجموعات من الطلاب لهذه الأساليب وكذلك عملية تحسين منهجيات التدريس.[4]

تهتم الديداكتيك  بمضامين التعلم وبالتفاعلات التي تربط بين كل من المتعلم والمعرفة قصد تسهيل عملية اكتساب المعرفة من قبل المتعلمين، وتركز على المفاهيم الأساسية التي تؤثر في المادة الدراسية، وتحلل العلاقات بينها، كما تسلط الضوء على الجانب الاجتماعي من عملية التدريس، وذلك عن طريق تدبير كيفية عمل المفاهيم في المجتمع، والممارسات الاجتماعية التي تحيل عليها. كما ينصب اهتمام الديداكتيك على تشخيص وتحليل وضعيات القسم، من أجل استنتاج الطريقة الملائمة لاشتغال هذه الوضعيات، بالإضافة إلى دراسة تمثلات التلاميذ وصيغ تفكيرهم، وتحليل طرائق تدخل المدرس، حتى تتضح الإمكانيات التي ينبغي اقتراحها من أجل تجويد عملية التدريس. وفي نفس السياق يعتبر محمد الدريج بأن الديداكتيك هي الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته ولأشكال تنظيم مواقف التعليم التي يخضع لها المتعلم، قصد بلوغ الأهداف المنشودة، سواء على المستوى العقلي المعرفي أو الوجداني أو الحسي الحركي أو المهاري. كما تتضمن البحث في المسائل التي يطرحها تعليم مختلف المواد، ومن هنا تأتي تسمية "تربية خاصة" أي خاصة بتعليم المواد الدراسية (الديداكتيك الخاص أو ديداكتيك المواد) أو منهجية التدريس، في مقابل التربية العامة (الديداكتيك العام) التي تهتم بمختلف القضايا التربوية.

هكذا نستنتج بأن الديداكتيك يحتل مكانة مهمة في العملية التعليمية التعلمية، نظرا لما ينطوي عليه من طرائق وتقنيات وأساليب تهدف بالأساس إلى تجويد عملية التدريس، وهي العملية التي تركز على المتعلم بالدرجة الأولى، وتجعله مشاركا في بناء التعلمات، بتوجيه من المدرس، وبالاعتماد على مجموعة من المعارف المخصصة لهذا الغرض، وهنا تتجلى أهمية الديداكتيك، هذا الأخير لا يسير بمعزل عن علوم التربية والبيداغوجيا، باعتبارهما يمهدان ويسهلان الطريق أمام ما تستدعيه العملية التربوية بشكل عام. من خلال ذلك، حاولت في هذا المقال تسليط الضوء على مفهوم الديداكتيك، وما يتضمنه من تفاصيل تهم بالأساس عملية التعليم والتعلم. وللإشارة فقد تم إنجاز هذا المقال بالاعتماد على مجموعة من المصادر والمراجع التي تتحدث حول الديداكتيك، كل ذلك من أجل توضيح الغموض الذي يحيط بهذا المفهوم.

وعليه يمكن القول إن العلاقة بين البيداغوجيا والديداكتيك وعلوم التربية هي علاقة تكاملية، يتم فيها استثمار مجموعة من المعطيات التي تروم خدمة العملية التعليمية التعلُّمية.

من خلال كل ما سبق إذن يظهر أن الديداكتيك ليس فن التدريس فحسب؛ بل هو نظرية موضوعها التدريس، وهي علم متشعب بتشعب عملية التدريس؛ لأن هذه العملية هي أخطر الممارسات الإنسانية؛ لأنها موجهة إلى عقول الناشئة من جهة، ومن جهة أخرى لأنها تتعامل مع أقطاب متعددة، مثل: المدرس، والتلاميذ، والمعارف، والمناخ الحضاري، والسياسة التربوية، والقيم المؤسسية.[5]

المراجع:

1-              نور الدين أحمد قايد وحكيمة السبيعي؛ التعليمية وعلاقتها بالأداء البيداغوجي والتربية، مجلة الوحدات للبحوث والدراسات، العدد8 2010.

  -2 Ferdinand Buisson, Dictionnaire de pédagogie, 1887.

3-  روني أوبير ترجمة عبد الله عبد الدايم. التربية العامة، دار العلم للملايين، بيروت، ط.1، 1967، ص 26.

-4 G.Mialaret,  Les sciences de l’éducation, Q.S.J,  1984.

 

5- أحمد شبشوب، مدخل الى الديداكتيك الديداكتيك العامة،  دفاتر التربية،  عدد 4 ، رمسيس الرباط،  يونيو 1997.

 

 



[1]  نور الدين أحمد قايد وحكيمة السبيعي؛ التعليمية وعلاقتها بالأداء البيداغوجي والتربية، مجلة الوحدات للبحوث والدراسات، العدد8 2010، ص33- 49.

[2]  Ferdinand Buisson, Dictionnaire de pédagogie, 1887.

[3]  روني أوبير ترجمة عبد الله عبد الدايم. التربية العامة، دار العلم للملايين، بيروت، ط.1، 1967، ص 26.

[4]. G.Mialaret,  Les sciences de l’éducation, Q.S.J,  1984, p 42.

[5]  أحمد شبشوب، مدخل الى الديداكتيك الديداكتيك العامة،  دفاتر التربية،  عدد 4 ، رمسيس الرباط،  يونيو 1997 ، ص 11.


المحاضرة الرابعة: مفهوم الفلسفة وطبيعتها.

الأهداف: التعرف على الفلسفة من حيث طبيعتها ومنهجها.

1. مفهوم الفلسفة:

المعنى اللغوي:

لفظ فلسفة مشتق من اليونانية وأصله (فيلا-صوفيا)، ومعناه محبة الحكمة ويطلق على العلم بحقائق الأشياء والعمل بما هو أصح. "[1]

" الفلسفة هي "الحكمة، التأنق في المسائل العلمية والتفنن فيها. علم الأشياء بمبادئها وعللها الأولى".[2]

المعنى الاصطلاحي:

الفلسفة هي "دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة تفسيرا عقليا، وكانت تشمل العلوم جميعا، واقتصرت في هذا العصر على المنطق، والأخلاق، وعلم الجمال، وما وراء الطبيعة".[3]

"كانت الفلسفة عند القدماء مشتملة على جميع العلوم ،و هي قسمان: نظري و عملي، أما النظري فينقسم إلى العلم الإلهي وهو العلم الأعلى ، و العلمي الرياضي وهو العلم الأوسط ،و العلم الطبيعي ،وهو العلم الأسفل، وأما العملي فينقسم إلى ثلاثة أقسام أيضا، أولها سياسة الرجل نفسه، ويسمى بعلم الأخلاق ، و الثاني سياسة الرجل أهله ، و يسمى بتدبير المنزل والثالث سياسة المدينة و الأمة و الملك"[4]

بعض التعريفات التي جاءت على لسان الفلاسفة تخص مصطلح الفلسفة:

تعريف أرسطو:" بقوله إنها العلم بالأسباب القصوى ، أو علم الموجود بما هو موجود. "[5]

تعريف ديكارت: قال: " إن الفلسفة أشبه بشيء شجرة جذورها ما بعد الطبيعة، وجذعها علم الطبيعة وأعضائها العلوم الأخرى،كالطب، وعلم الميكانيكا، وعلم الأخلاق." [6]

تعريف الجرجاني: " هي التشبه بالإله بحسب الطاقة البشرية لتحصيل السعادة الأبدية ".[7]

تعريف ابن رشد: "النظر في الموجودات و اعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، أعنى من جهة أنها مصنوعات و أنها كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم "[8].

تعريف فرانسيس بيكون :" هي التي تعمل على ايضاح لغة الكون وتفسير كلمات الطبيعة ، واثقة من أنه لا سبيل إلى التحكم في الطبيعة إلا بالخضوع لها". [9]

تعريف فتجن شتاين :" هي توضيح الأفكار توضيحا منطقيا أي توضيح القضايا وإزالة غموضها توصلا إلى حقيقة معانيها. "[10].

 طبيعة الفلسفة "خصائصها "

"إن أول ما تمتاز به الفلسفة هو محاولتها الكشف عن الحقيقة ومحاولتها معرفة الأشياء على حقيقتها. فالفلسفة في أبسط معانيها هي البحث عن الحقيقة و المعاناة في سبيل الوصول إليها و محاولة إظهارها و نشرها بين الناس."[11].

"تمتاز أيضا بالكلية و الشمول: فالفلسفة تحرص في المقام الأول على النظرة إلى الأشياء نظرة كلية ، و تميل بقوة نحو الوحدة أو التركيب و التأليف و التوحيد أو الكلية "[12].

تعني الشمولية أن التفكير البشري يمتاز بالكلية و العمومية معا مقارنة بالفكر العلمي الذي يمتاز بالتخصص و يكتفي بالبحث في المواضيع الجزئية للظواهر و القضايا، أما الفلسفة فهي محاولة لإدراك العالم في صورته الكلية وهو ما يتطابق مع تعريف أرسطو لها.

معنى ذلك أن الفلسفة لا تتقيد بقسم واحد من الوجود كما تفعل العلوم و إنما تدرس جميع الموجودات بغض النظر عن تحديدها (جامدة، حية، إنسانية، غيب...الخ )، فالفلسفة تحاول فهم المبدأ الذي بدأ منه الوجود و كذا الغاية التي سينتهي إليها.

فالفلسفة تحاول أن تجتنب النظرة الضيقة و تبتعد عن الاهتمام بالظواهر الجزئية فقط التي يصادفها الإنسان في حياته.

ويقصد بالشمولية في الفكر الإسلامي أن التفكير الفلسفي يستهدف أن تكون المعاني التي تضعها الفلسفة و الأحكام التي تقررها بالغة النهاية في الشمول طلبا الوصول إلى اتفاق أفراد الإنسانية جميعا عليها بغض النظر عن انتماءاتهم الاجتماعية و اختياراتهم الثقافية .

"الفلسفة كما تمتاز باتخاذ البحث عن الحقيقة غاية أساسية لها و بالنظرة الكلية والشمولية للعلم والوجود وبالمضمون الروحي للحقيقة التي تبحث عنها فإنها تمتاز أيضا باهتمامها البالغ بخير الإنسان و الإنسانية و لتوضيح هذه الخاصية نستطيع القول بأن الفلسفة هي في صميمها تساؤل عن معنى الحياة الإنسانية و سعي دائب من أجل تفهم حقيقة المصير البشري." [13]       

 "والفلسفة كما تمتاز بالتفكير النقدي الرصين، و الحوار الهادي الحر، و الاستقلال العقلي المحايد، والشك المنهجي. فالمرء حينما يفكر تفكيرا نقديا في كل ما بصدد النظر فيه، وليست الفلسفة بمعناها العام سوى حياة و نقد للحياة أو حياة و تحليل للحياة أو حياة أو تعلم للطريقة المثلى في الحياة. " [14]

نقصد بالنقد عدم قبول الأفكار أو رفضها ، إلا بعد تمحيصها أو التفكير فيها من خلال المنطق و الحجج العقلية ، و محاولة فحص قيمتها و قيمة الآراء التي تعبر عنها، ومحاولة تصنيف الأفكار ان كانت صحيحة أو خاطئة ، و هناك نقد ضعيف ، يستخدم للدفاع عن أفكار مسبقة يقتنع بها ، ونقد محكم او قوي، يطبقه الإنسان والفيلسوف على كل الافكار دون تمييز .

ويهدف الحوار الى الجدل مع الآخرين من اجل الوصول الى حقيقة ما، ويتميز الحوار الفلسفي بتقبل الآخر واحترام وجوده ، و استبعاد الآراء المسبقة ، وعدم التعصب للراي او الحكم من أحكام جاهزة مسبقة التحليل .

يتجه الشك في الفلسفة الى اتجاهين ، الأول هو الشك المذهبي او المطلق ، حيث يبقى الفيلسوف شاكا طوال حياته ولا يتوقف عن الشك دون الوصول الى جواب او حقيقة ، أما الثاني: الشك المنهجي وهو حين يتخذ الفيلسوف منهجا او اسلوبا حتى يقوده الى نتيجة منطقية او جواب او حقيقة.

الفلسفة "تمتاز أيضا بالبحث الحر و الاستقلال العقلي و يمتاز الفيلسوف أول ما يمتاز بروحه الاستقلالية. " [15]

" والفلسفة تمتاز بعد ذلك كله بأنها موقف قلق و حيرة و دهشة ". [16]

" الفلسفة تبدأ بالقلق الذي يعتري الأنسان حين تصادفه ظاهرة تتطلب تفسيرا . وتصدر عن الحيرة التي تستولي عليه حين يجد مشكلة تنتظر حلا".[17] " تنشأ عن الدهشة التي تنتابه عند الشروع في التفكير و تغريه بحب الاستطلاع."[18]

     لا يتوقف نشاط العقل لدى الإنسان حين يندهش، بل يحضره للتساؤل عن أسباب ذهوله حول أشياء ما ، أما الاستقلال : يقصد به أن التفكير الفلسفي لا يتم بالتبعية لأنه لا يعتمد على سلطة سوى سلطة العقل.

تجليات الدرس الفلسفي عبر التاريخ:

     إن الحديث عن الدرس الفلسفي يستدعي منا استحضار تاريخه باعتباره درسا ممتدا من اللحظة اليونانية الى غاية اللحظة الراهنة ، حيث لازال الدرس الفلسفي يشتغل على نفسه من الداخل والخارج باعتباره بناء مستمرا .

حينما نتحدث عن الدرس الفلسفي في الفترة اليونانية فلا بد استحضار "الميتوس" الذي كان في الفترة الشرقية السابقة على الفترة اليونانية ونقصد "بالميتوس" الجانب اللاهوتي ، الجانب الديني الأسطوري، الى غير ذلك، مع الثالوث سقراط وأفلاطون وأرسطو انعطف الدرس الفلسفي من "الميتوس" الى "اللوغوس " يعني العقل. ثم نفي الحال كذلك الى غاية الفترة الهلنستية ، حيث امتزجت الروحانيات الشرقية بالعقلانية اليونانية و أفرزت لنا مدارس زهدية مثل الرواقية و الأبيقورية و الأفلاطونية المحدثة الى غير ذلك.

الدرس الفلسفي عبر العصور

 في العصر اليوناني:  

"الفكر اليوناني لم يبدأ ناضجًا مكتملًا ولكنه بدأ موعظ في الأسطورة والشعر والقصص والروايات التي تجنح صوب الخيال، فقد عبرت أشعار هوميروس وهيزيود قديمًا في الإلياذة والأوديسة عن الأحداث التاريخية والأدبية وظلت لعقبة طويلة من الزمن فلسفة للتربية والتعليم في اليونان"[19].

ولقد تميزت الفلسفة اليونانية بثلاث مراحل:مرحلة النشوء، ومرحلة النضوج، ومرحلة الذبول.

كانت مسألة تأثر الفلسفة اليونانية بالحضارات الشرقية من المسائل التي شغلت المؤرخين، فيوجد "حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن الفلسفة اليونانية قد نشأت من نفاس اليونان بالشرق، فقد نشأت الفلسفة في المستعمرات التي أقامها اليونان في أيونيا الواقعة على حدود آسيا الصغرى حيث وجدوا أنفسهم في تماس مع الشعوب الشرقية"[20] فأخذ التفكير الأسطوري الخرافي يغزو المجتمع اليوناني إلى غاية تقريبا القرن السادس قبل الميلاد، بعدها ظهروا فلاسفة ما قبل الطبيعة أمثال طاليس، أنكسماندر، أنكسمانس، حيث نقدوا الفكر الأسطوري وأنتجوا تقسيم أن عقلية منطقية للظواهر الطبيعية، وتقوم الفلسفة (الطبيعة) عند الفلاسفة الطبيعيون في البحث عن أصل الكون ونشأته، ومن أهم فلاسفة الطبيعة الأولين طاليس.

يعتبر طاليس من بين الحكماء السبع الذين اهتموا بالسياسة والأخلاق. من بين آراء طاليس أن "الماء هو الجوهر الأوحد للأشياء جميعا ذهب طاليس إلى اعتبار أن الماء هو العلة المادية والجوهر الأوحد الذي تتكون من الأشياء والموجودات جميعًا"[21].

"وثمة قول آخر يذكره له أرسطو هو: "أن العالم مملوء بالآلهة" ويغلب أن يكون معناه أنه مملوء بالأنفس، أي إن كل فعل إنما هو من النفس وإن النفس منبتة في العالم أجمع فتكون المادة حيث ويكون الماد المؤلفة منه لأشياء حاصلًا على قوة حيوية حاضرة فيه دائمًا وإن لم تظهر دائمًا"[22].

       وكنتيجة لتلك الأجواد ظهرت في المجتمعات اليونانية من أساتذة الفلسفة ومعلمي الفلسفة الذي كان شغلهم الشاغل هو تعليم السكان للفلسفة مقابل المال. هؤلاء المعلمين أطلقوا على أنفسهم اسم السوفسطائيين ( ظهر السوفسطائيون في القرن الخامس). و"اتجارهم بالعلم فقد كان شائعًا حقًا، كانوا ينتقلون بين المدن يطلبون الشباب الثري وتتقاضونه الأجور الوفيرة، وكان هذا الشباب يهرع إليهم ليتقوى بالعلم فوق ما توفر له من أسباب الغلبة كالمال والعصبية".[23]

عرفوا السوفسطائيين بجدلهم المغالط واستعملوا وسائل الإقناع وذلك من خلال الحجاج "فجادلوا في أن هناك حقا باطلًا وخيرًا وشرًا وعدلًا وظلمًا بالذات، وأذاعوا الشكك في الدين"[24].

وبالتالي كنتيجة لانتشار فلسفتهم القائمة على الاختلاف والنسببة لإثارة جدل كبير جدا في المجتمع اليوناني بخصوص المعايير، رأى السوفسطائيون أنه لا وجود لمعايير مطلقة وأن الخير والشر، الخطأ والصواب كلها مفاهيم نسبية أي كل مجتمع يحددها طبقًا للإنسان نفسه ومن أشهر روادهم جورجياس وبروناغوراس كان منهجهم عبارة عن المنهج الاستقرائي التجريبي، ولقد اهتموا بالخطابة والبلاغة والسياسة والأخلاق "فقد أوشكت هذه الجماعة على القضاء على الفلسفة حتى جاء الفيلسوف سقراط.

سقراط:

تكمن عبقرية وعظمة سقراط أنه كان لا يعلم الناس شيئا بل كان يدعم عدم المعرفة ويجعل المتلقي عن طريق الجدل والنقاش هو بنفسه من يتوصل إلى معرفة الصواب بعقله. حيث" انتهج سقراط منهجًا جديدًا في البحث والفلسفة، أما في البحث فكان له مرحلتان "التهكم والتوليد": ففي الأولى كان يتصنع الجهل ويتظاهر سبيلهم أقوال محدثين، ثم تلقي الأسئلة ويعرض الشكوك شأن من يطلب العلم والاستفادة بحيث ينتقل من أقوالهم  إلى أقوال لازمة منها، ولكنهم لا يسلمونها، فيوقعهم في التناقض، ويحملهم على الإقرار بالجهل، وهذا ما يسمى بالتهكم السقراطي"[25]. "وينتقل إلى المرحلة الثانية فيساعد محدثين بالأسئلة والاعتراضات مرتبة ترتيبًا منطقيًا على الوصول إلى الحقيقة التي أقروا أنهم يجهلونها فيصلون إليها وهم لا يشعرون ويحسبون أنهم استكشفوها بأنفسهم وهذا هو التوليد"[26].

سقراط آمن على عكس السوفسطائيين بالعقل ورأى بأن العقل دائم وأزكى، وأن هناك بعض المعايير مطلقة وأن المعايير ليست نسبية كما يدعى السوفسطائيين. اهتم سقراط بالأخلاق والسياسة وتحدث عن فكرة الغاية وأن لكل شيء غاية حيث "انحصرت الفلسفة عنده في دائرة الأخلاق باعتبارها أهم ما يهم الانسان وهذا معنى قول شيشرون: إن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، أي أنه حول النظر من الفلك والعناصر إلى النفس، وتدور الأخلاق على ماهية الانسان"[27].

وفي حديثه عن فكرة الغاية يقول: "بأن في الكون مثلا أو نماذج هي بمثابات غايات أو حدود قصوي تسعى الأشياء المحسوسة إلى الوصول إليها ومحاولة الاقتراب منها ما أمكن، وهم سبب كون الأشياء وفسادها وكل شيء يصيرها هو سبب اقترابه منه أو مشاركته في مثاله".[28]

أقر سقراط بتماثل النفس الإنسانية العقل الإلهي "إذ يقول فيما رواه أكسينوفون: إن النفس هي سيدة البدن، وكما أن العقل الإلهي يحكم العالم، كذلك النفس تحكم علم البدن وتسيره كما تشاء"[29].

سقراط جاء ضد النظرة السوفسطائية وأراد نفسها، وذلك من خلال شرح المفاهيم الأخلاقية مثل الخير والشر، التسامح، فتبين لدى سقراط أن المعايير مطلقة فيما تخص الأخلاق تعتمد على العقل، عكس السوفسطائيين التي كانت ترتكز عندهم علم الذات.

     وتوالت الأحداث وبدأت السلطة في أثينا باتهام سقراط بتهم مشينة كإفساد عقول الناشئة وبالتالي حكموا عليه بالإعدام، حيث مات سقراط بتناوله للسم لأنه خالف تقاليد مجتمعه، "كانت الاتهامات الموجهة له شخصية وسياسية ومن بين هذه الأسباب "إنكار آلهة آثينا، وكان أكبر الكبائر عند الآثينيين؛ لأن كل مدينة كانت تعتبر آلهتنا جزءًا لا يتجزأ من تقاليدها المقدسة، وترجع إليهم الفضل في نشوئها وحمايتها وترقيتها، فالكفر بهم نكران للجميل"[30]. أما السبب الثاني "قوله بآلهة جدد"[31]. والسبب الثالث "إفساد الشباب، يقيمونه على أن سقراط يحدث تلاميذه ومستمعيه بآرائه في الآلهة، فينفرهم من الديانة الموروثة ويخصهم على التفكير الشخصي دون استناد إلى النقل والتقليد، فيضعف من طاعاتهم لوالديهم ومن إخلاصهم للدولة"[32].

العصور الوسطى.

بدأت المسيحية في الانتشار في أروبا وخاصة في عهد الإمبراطور قسطنطين وتم الاعتراف بالمسيحية عام 313م في كل الإمبراطورية الرومانية بعدما عمد الامبراطور قسطنطين، وأصبح أول امبراطور مسيحي حيث أدى بدوره لانتشار المسيحية، وفي عام 380م أصبحت المسيحية الدين الرسمي الإمبراطورية الرومانية. ومن هذه اللحظة أخذت الفلسفة منحى آخر تمامًا فكان الاهتمام بالبحث حول ما إذا كان يمكن فهم المسيحية بطريق العقل وهل يمكن التوفيق بين المعرفة والإيمان؟ فارتبطت الفلسفة بالقضايا الدينية، وكان فلاسفة القرون الوسطى رجال الدين وارتبطت الفلسفة بشدة بالمسيحية وكان من أشهر فلاسفة هذه المرحلة.

اعتقد توما الإكويني أنه لا يوجد اختلاف بين الدين وباقي المجالات الأخرى كالمنطق والعلوم التطبيقية. معناه أن الدين والمنطق يجب أن يتوافقا هذا الكلام كان من الأهمية في تلك الفترة ومن منصبه في أهم مؤسسة دينية في أروبا حيث أصبحت لفكرته تسمية وهي "المصالحة التوماوية بين العقيدة والمنطق فقد قال إن المنطق البشري هو من الله والعقيدة كذلك من الله، وبالتالي يجب أن يكون سبب لذلك ويجب أن تتوافق.

الفلسفة الإسلامية:

الفيلسوف ابن رشد:

الوليد محمد بن أحمد بن رشد (1126/1198م) يعد من أكبر وأعظم الفلاسفة المسلمين، وأعظم شارح لأرسطو على مر العصور "وهو كسابقيه من الفلاسفة الإسلاميين قد حاول التوفيق بين الفلسفة والدين وأكد الصلة القوية بل التشابه القوي بينهما"[33].

حيث تطرق في كتاب "فصل المقال" حول مشكلة التوافق بين الفلسفة والدين والعلاقة بينهما.

وتطرق أيضا الكثير من فلاسفة الإسلام حول هذه من بينهم المعتزلة وآخرون فهناك من كان يخضع الدين للفلسفة وهناك من أخضع الفلسفة للدين. وساد هذا الاختلاف بين الفلاسفة إلى غاية مجيء ابن رشد.

هذه الظاهرة ليست حكرًا أو أنها لم توجد مثلا سوى في الحضارة العربية أو في الفكر الإسلامي، لأنها في الواقع ظاهرة إنسانية، فأغلب النظم الدينية المختلفة والقديمة والحديثة وجد بها مفكرون حاولوا التقريب ما بين عقائدهم وعقائد أديانهم وبين الفلسفة، بمعنى أنهم ذهبوا إلى هذا الأمر وكانت غايتهم كمثل المفكرين المسلمين وهي غفلته الدين أو تدعيم الدين بأدلة عقلية منطقية إلى جانب أدلته النصية أو النقلية.

ابن رشد اعتبر الدين أو الشريعة هي حق لأنها منزلة من الله، أما الفلسفة فإنها استخدام للعقل الذي هو هبة من الله لذلك رأى أنه من المستحيل أن يخلق الله لنا عقول ويخلق بالمقابل شرائع مخالفة ومناقضة لهذا العقل، أي الدين لا يضاد الفلسفة بل هو يوافقها ويشهد لها بمعنى يعترف لها بشرعيتها ويؤكد على وجوبها، فمثلًا أهم عمل الفلسفة كما يقول فيلسوف قرطبة هو: "النظر في الموجودات"[34] يعني التفكير في العالم لكي يصل الإنسان بعقله إلى معرفة الصانع إلى معرفة الله وهذا برأيه هو ما خص عليه القرآن في الكثير من آياته "فاعتبروا يا أولي الأبصار"[35] يرى ابن رشد أن الفلسفة واجبة بنص القرآن الكريم الذي يدعو إلى استخدام هذا العقل إلى التأمل والنظم العقلي.

ألف ابن رشد كتاب تهافت التهافت "وذلك من خلال الرد على الغزالي في تهجماته على الفلاسفة في ثلاث مسائل التي أثارت الجدل في عصره وتصدى لها بن رشد بطريقة تتسم بالعمق والأصالة محاولًا التوفيق بين الدين والفلسفة بعيدًا عن التنازلات للدفاع عن حرية الفكر من أجل سحب الحجة من الغزالي الذي كان يرى تعارضهما التام من أجل تكفير الفلاسفة ومن ثمة تكفير الفلاسفة"[36].

يشدد ابن رشد على أن كلام القدماء فيه قدر من الصحة مثلما أن القرآن لا نقاش ولا يمكن إهمال حكمهم وأعمالهم لمجرد أنهم وثنيين بل من الأفضل أخذ الجيد من فلسفتهم وتطبيقها في الإسلام وبعد كل ما يتعارض مع القرآن.

كان الأوروبيون ينفرون من الإسلام والمسلمين، فهم عوض أن يفهموا ابن رشد على حقيقته شوهوه، وقسم المفكرين ابن رشد إلى قسمين الشارح والفيلسوف، وعرف بأنه كان فيلسوف المنهج حيث كان يلح كثيرًا على المنهجية في العمل ويؤكد دائمًا على المنطق ومراعاة الروابط المنطقية في التسلسل الفكري وهذا ما يدل على أنه منهجي في تفكيره.

العصور الحديثة:

روني ديكارت:

هذه الفترة من الزمن كانت مليئة بالأحداث والتطورات المهمة جدا والمفصلية على كل الأصعدة، نبدأ بالتناقضات في الأطروحات الفلسفية والفكرية المختلفة التي بدأت تتشكل وأخذت شكل التصارع فيما بينها، ظهور هذه الأطروحات المتناقضة والتشكك في الحقيقة لم يأت من فراغ وإنما أتى بناءً على عدة عوامل مجتمعة منها ضعف الفكر الديني وذلك بسبب ضربات العلم التي بدأ توجهها الفكر من خلال النظريات والاكتشافات الجديدة التي أوهنت ما كان يقوله كهنة الكنيسة مثلا لامتلاكهم الحقيقة المطلقة عن الكون وعن الحياة بشكل عام، أتى العلم وقال بأن هناك أمور كثيرة خطأ وأثبت هذا بالدليل وبالتأكد سبب هذا الأمر تراجع لهذا الفكر الديني. كل هذه الأمور دفعت ديكارت للتساؤل عن الحقيقة ومن هو على حق وكيف السبيل للوصول لحقيقة لا يمكن الشك بها أو بمصدرها. كانت هذه البذرة الأولى التي كونت لديه فكرة للبحث عن منهج يكون واضح وبسيط وسهل غايته الوصول إلى الحقائق عن طريق فحصها وإبقاء ما هو يقيني منها ورمي كل ما هو خاطئ أو مشكوك به للوصول إلى هذا الهدف عمل ديكارت على وضع منهج رأى فيه الطريقة الأمثل للوصول للمعرفة الحقيقية واستلهم هذا المنهج من مناهج الرياضيات والهندسة.

وضع ديكارت منهجه الجديد من مبدأين أساسيين وأربعة قواعد تطبيقية، المبدأين الأساسيين هما البداهة والقياس فالبداهة أو الحدس هي الفكرة السليمة الصحيحة التي تراها في ذهنك بصورة مباشرة فورية أي بدون الحاجة إلى تطبيقها والتدخل لا من الحواس ولا من التجربة ولا من أي وسيلة أخرى. هذه الحقيقة برأي ديكارت يجب أن تكون واضحة وجلية بحيث أنها لا تحتاج لأي تفسير أو لأي شرح أو لأي اختبار على الإطلاق، وذلك من خلال عملية بسيطة جدا مثل معرفتنا أن الأبيض غير الأسود، هذه حقيقة تقينية عقلية فكل هذه الحقائق هي بديهية عقلية يشترك بالتسليم بصحتها وأكيدها كل أينما وجدوا. ويقول: "لا أعني بالبداهة الاعتناء في شهادة الحواس المتغيرة أو أحكام الخيال الخادعة ولكن أعني بها تصور النفس السليمة المنتبهة تصورا هو من السهولة والتميز بحيث لا يبقى أي شك فيما تفهمه أي التصور الذي يتولد في نفس سليمة منتبهة عن مجرد الأنوار العقلية"[37]. "وعلى هذا النحو يستطيع كل إنسان أن يرى بالبداهة أنه موجود وأنه يفكر"[38] "ويفيد القياس عنده النظر على العموم أي كل أنواع الاستنباط وهو يعرفه بأنه العملية التي يستنبط بها شيء من شيء آخر ومعنى ذلك المرور من حد إلى آخر يتلوه أو ينتج عنه مباشرة وبالضرورة"[39].

أي هو العملية العقلية التي تتيح لنا أن نستنتج من الحقائق اليقينية والصحيحة أفكارًا أو أحكامًا تلزم عنها بالضرورة.

"ويلاحظ أنه بالبداهة تعرف الطبائع البسيطة ولكن المركبة تدرك بالقياس ثم إن القياس متتابع ولكن البداهة وقتية، والقياس يستمد ما له من يقين من الذاكرة بينما البداهة يقينًا حاضرًا"[40].

أما فيما يخص القواعد الأربعة، فالأولى: قاعدة اليقين ونصها "ألا أقبل على أنه حق، ما لم أعرف يقينا أنه كذلك، بمعنى أن أتجنب بعناية التهور، والسبق إلى الحكم قبل النظر وألا أدخل أحكامي إلا ما يتمثل أمام عقلي في جلاء وتميز بحيث لا يكون لدى أي مجال لوضعه موضع الشك"[41].

       يمكن صياغة هذه القاعدة بمصطلح آخر وهو البداهة وعدم قبول أو اعتراف بأي تصور أو فكرة ما لم تكن بديهية، طبقا للمبدأ الأول الأساسي الذي ذكرناه يجب أن تكون كل الأفكار أو التصورات التي نستطيع قبولها هي أولى وحقائق يقينية بديهية وإلا فإنها مرفوضة جملة وتفصيلًا باختصار عدم تصديق أي شيء ما لم يكن بديهيا يقينيا واضحا ومتميزًا.

القاعدة الثانية: "تسمى بقاعدة التحليل وبها ينبغي أن تقسم المعضلة التي تدرس غلى أجزاء بسيطة على قدر ما تدعو الحاجة إلى حلها على غير الوجوه"[42]. أي تكون بتقسيم القضية المراد التأكد منها إلى أكبر عدد ممكن من الأجزاء فكما نعلم القضايا والمشكلات الفكرية عادة ما تكون مركبة من عدة أمور وأجزاء مربوطة ببعضها البعض ومصاغة على هيئة قضية أو إشكالية ما .... ونحن بتقسيمنا لهذه القضية إلى أجزاء متعددة سنتمكن من فهم كل جزء وفكرة على حدى.

القاعدة الثالثة: التركيب "ويعبر عنها بقوله: أن أسير أفكاري بنظام بادئًا بأبسط الأمور وأسهلها معرفة كي أتدرج قليلا حتى أصل إلى معرفة أكثرها تركيبًا، بل وأن أفرض ترتيبًا بين الأمور التي لا يسبق بعضها الآخر بالطبع"[43]. وقد ذهب الأستاذ هملان إلى أن هذه القاعدة "هي أساس المنهج الديكارتي وأنها أظهر القواعد أثرًا عند تطبيق ديكارت لمنهجه على المعضلات"[44].

أما القاعدة الرابعة: الاستقراء " وهو يعرضها في هذه العبارة الموجزة أن أعمل في كل الأحوال من الإحصاءات الكاملة والمراجعات الشاملة ما يجعلني على ثقة من أني لم أغفل شيئًا"[45]. تقوم هذه القاعدة على أن نقوم بمراجعة كل الخطوات والبراهين التي مررنا بها وأثبتناها حتى نستطيع أن نكون متيقنين وعلى يقين تام بأننا لم شيء أو نهمل أي شيء في هذه القضية. "يجب أن تكون عملية الاستقراء التام متصلة غير متقطعة، إذ لو أننا أهملنا حلقة من الحلقات التي تتكون منها سلسلة الاستدلالات لانقطعت السلسلة ولما تبقى شيء من اليقين"[46]. "إذن يجب مع إحاطتنا بكل سلسلة القضايا أن ننتبه إلى تميز كل واحدة من الأخرى حتى لا يتطرق الغموض والإبهام إلى معرفتنا"[47]. هذه بعض أفكار ديكارت الوجيزة التي قدمها والتي قدمت الكثير للفلسفة وخدمت المناهج الفلسفية.

المرحلة المعاصرة:

يعتبر هذا العصر "عصر نشاط فلسفي مكثف، وتظهر فيه أسماء عدد كبير من المفكرين الكبار الذين يكتسبون نفوذًا وتأثيرًا، ومن هذه الوجهة، فإنه يمكن اعتبار هذه الفترة من أخصب فترات الحضارة الغربية الحديثة إنتاجًا فلسفيا"[48].

      لقد شكلت فلسفة جون ديوي ثورة على الفلسفات السابقة التجريدية والعقلية بصفة خاصة الفلسفة العقلية التي ظلت تبحث في مشاكل مرتبطة بأصل المعرفة باجتياز المعرفة كمسلمات فطرية، قالوا بأنه يولد الإنسان مزود بالمعرفة وبالتالي المعرفة قبلية، لهذا حاولت الفلسفة البراغماتية الرد على هذا الفلسفة باعتبارها فلسفة غير مجدية وغير عملية في حل مشكلات مرتبطة بحياة الإنسان، ووجهت انتقادات للفلسفة التجريدية التي اكتفت بالبحث في الأشياء الخارجية بحثًا حسيًا وأنكرت القضايا الإيمانية والدينية.

 



[1]د. جميل صليبا: المعجم الفلسفي: بيروت دار الكتاب اللبناني: ط1 1979. ج2 ص160

 

[2]المنجد الإعدادي بيروت دار المشرق ط3 ص450

 

[3] ابراهيم مصطفى و آخرون . المعجم الوسيط . معجم اللغة العربية ج1 ج2 ص751

 

[4] المرجع نفسه ص160

[5]المرجع نفسه ص160

[6] د. جميل صليبا. المعجم الوسيط ص160

[7] المرجع نفسه ص160

 

المرجع نفسه ص78[8]

[9] المرجع نفسه ص23

[10] المرجع نفسه ص24

[11] عمر التومي الشيباني ، مقدمة في الفلسفة الإسلامية ، الدار العربية للكتاب ،تونس ط3 1982 ص36

 

[12] المرجع نفسه ص36

 

[13] المرجع نفسه ص38 ص39 

 

[14]عمر التومي الشيباني ، مقدمة في الفلسفة الإسلامية ، الدار العربية للكتاب ،تونس ط3 1982 ص40 

[15] المرجع نفسه ص40

[16]المرجع نفسه ص42

[17]المرجع نفسه ص42

[18] المرجع نفسه ص42

 

 

 

 

[19]  حربي عباس عطيتو، ملامح الفكر الفلسفي عند اليونان، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية، س1992، ص12.

[20] المرجع نفسه، ص11.

[21] المرجع نفسه، ص19.

[22] يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، د.ط، سنة 2012، ص26.

[23] المرجع نفسه، ص62.

[24] المرجع نفسه، ص62.

[25] يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، ص69.

[26]المرجع نفسه، ص69.

[27] المرجع نفسه، ص70.

[28] د. حربي عباس عطيتو، ملامح الفكر الفلسفي عند اليونان، ص209.

[29] المرجع نفسه، ص210.

[30] يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، ص82، 83.

[31] المرجع نفسه، ص83.

[32] المرجع نفسه، ص83.

[33] عمر تومي الشيباني، مقدمة في الفلسفة الإسلامية، الدار العربية للكتاب، ط3، سنة 1982، ص77.

[34] د. عمر محمد التومي الشيباني، مقدمة في الفلسفة الإسلامية، الدار العربية للكتاب، ط3، سنة 1982، ص78.

[35] القرآن الكريم، سورة الحشر، الآية02.

[36] نعيم حبيب، الفلسفة وتطبيقاتها التربوية، دار وائل للنشر، ط2، سنة 2010، ص306.

[37] - روني ديكارت، مقال عن المنهج ترجمة محمود محمد الخضيري، الهيئة المصرية العامة، 1985، د.ط، ص139.

[38] - المرجع نفسه، ص139-140.

[39] - المرجع نفسه، ص140.

[40] - المرجع نفسه، ص140.

[41] - رونيه ديكارت، مقال عن المنهج، ترجمة محمود محمد الخضيري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985، د.ط، ص142.

[42] - المرجع نفسه، ص143.

[43] - المرجع نفسه، ص144.

[44] - المرجع نفسه، ص144.

[45] - روني ديكارت، مقال عن المنهج، ترجمة محمود محمد الخضيري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1985، د.ط، ص145.

[46] - المرجع نفسه، ص146.

[47] - المرجع نفسه، ص146.

 


المحاضرة الخامسة: التفلسف بدل الفلسفة.

الهدف: الاطلاع على الفرق بين الفلسفة والتفلسف والعلاقة بينهما

تمهيد:

تعد إشكالية التفلسف من بين أهم الإشكاليات التي لاقت اهتمام كبيرًا من طرف العديد من الفلاسفة والمفكرين أمثال أفلاطون وهيغل وسبينوزا وكانط، حيث اختلفت الأفكار حول إمكانية تعلم التفلسف، بخلفية أن فعل التفلسف يستدعي ملكة وفهم مسبق.

من بين الفلاسفة المؤيدين لفكرة تعلم التفلسف وتعليمه الفيلسوف إيمانويل كانط الذي اشتهر بمقولته "لا يمكن تعلم الفلسفة بل يمكننا تعلم التفلسف". تبين لنا هذه المقولة أن الفلسفة عبارة عن مضامين ونظريات تتمثل في تاريخ الفلسفة، أما التفلسف عبارة عن آليات منهجية.

       "لقد انطلق ايمانويل كانط من التمييز بين التفلسف وفكرة الفلسفة، إذ اعتبر أن فكرة الفلسفة كنسق مكتمل ليست سوى فكرة لعلم ممكن، أما فعل التفلسف فإنه موجود حقيقة وهو ينتصر عن كل نزعة، لهذا يقول: لا يمكننا تعلم الفلسفة لأن ما يمكن تعلمه هو من يكون قادرًا على استخدام ودمج كل المعارف كأدوات لتحديد الغايات الأساسية للعقل الإنساني من الحجج"[1].

"التفلسف يندرج حسب كانط ضمن اهتمامات الكبار الذين تمرسوا بما فيه الكفاية على استعمال العقل في دراسة قضايا العلوم والفنون، فإن التعليم الفلسفي يصطدم لا محالة بصعوبات كثيرة تخص ملائمته مع قدرات الشباب واهتماماتهم من جهة ومع طرق التعليم المدرسي الذي سبق أن تعودوا عليها في دراساتهم مواد تعليمية مخالفة للفلسفة. وتلك أولى المشاكل البيداغوجية التي شغلت تفكير كانط وهو يعلن عن برنامج دروسه الفلسفية"[2].

يقول: "بما أن هذه الفلسفة تشكل أحد انشغالات سن الرشد فلن تفاجئنا الصعوبات التي تواجهنا إذا ما أردنا ملاءمتها مع قدرات الشباب غير المتمرسة بعو والواقع أن الطفل على نهاية تعليمه المدرسي يقصد المرحلة الثانوية، يكون قد تعود على التعليم والتحصيل، وهو الآن يعتقد أنه سيتعلمه من الآن وصاعدًا هو التفلسف"[3]

 فالتفلسف ما هو إلا تفكير يمكن بواسطته إعمال العقل في مسائل عديدة علمية منها أم معرفية

لقد ميز كانط بين التفلسف كأسلوب عقلي والفلسفة كأسلوب معرفي.

"ففي المدرسة يعني التفلسف تمرينًا عقليًا يتطلب الأناة والصبر، وهو ما يسمى عند كانط كما عند أرسطو بالدياليكتيك، أما الفلسفة فإنها مطالبة بتحميل مسؤولية أخرى فهي لا تحدد ما معنى التفكير فقط، بل تقاس بمثال إنه مثال الفيلسوف النموذج L ideal du phylosophe الذي يعتبره كانط مشرع العقل الإنساني"[4].

يؤكد كانط من خلال مقولته: "على أن فكرة الفلسفة كشف مكتمل ليست إلا فكرة لعلم ممكن، بمعنى أنه لا يوجد بالفعل إن لم تكن مستحيل الوجود، أما فعل التفلسف فهو موجود ويمكن الحديث عنه وتنفيذه، يقول صاحب مقولة التفلسف: "الفلسفة كنسق مكتمل ليست سوى فكرة لعلم ممكن أما فعل التفلسف فإنه موجود حقيقة"[5]. "ويضيف كانط في هذا الصدد لا يمكننا أن نتعلم التفلسف كفعل للتفكير يفحص مبادئ الأنساق الفلسفية ومصادرها ويعمل على تأييدها أو رفضها، وبالتأكيد يصدر حكما شخصيًا قائمًا على خاصية النقد"[6]. مما يعني أن التفلسف عند كانط يعتبر آلية فعالة يستطيع من خلالها الإنسان أو الطالب أن يفكر بشكل حرية دون قيود وذلك باستخدام العقل.

"والواقع أن كانط لا يضع "التفلسف" موضوعًا للتعليم الفلسفي إلا لكي يؤكد صعوبة هذا التعليم المبدئية خارج الاعتبارات الديداكتيكية الخاصة بالفلسفة كمادة تعليمية وبالميتود ولوحظ الملائمة لإجراءات تعليمها"[7].

وهذا يعني أن التفلسف كتعليم يتطلب بعض الجهد من أجل فهمه وهضمه وهذا في حال عدم اقترانه بالديداكتيكن فهنا الديداكتيك هي أشبه بطريقة وأسلوب يسهل علينا عملية التفلسف أو بمعنى آخر "كيف تتفلسف".

"فالتفلسف كفعل للعقل الخالص، يتطلب درجة عالية من الاستغلال الذاتي في التفكير والتحرر من الأحكام المسبقة"[8]، أي التخلص من كل الصيغ الدوهمائية التي ينتجها العقل.

يقوم التعليم الفلسفي عند كانط على التمييز بين معرفتين معرفة تاريخية ومعرفة عقلية. "ويطلق كانط عبارة "معارف تاريخية" على تلك التي يحصلها الإنسان من مصدر خارج لذاته (انطلاقا من معاينة أحداث تاريخية أو عبر الوثائق التي تحكى وقوعها، أو عبر عمليات التعلم والتقليد، وعموما لا يستمد الإنسان هذه المعارف من ذاتها ولا يستنتجها من مبادئ عقله الخاص، بل يكتسبها بواسطة وسيط خارجي"[9].أي أن المعارف التاريخية هي عبارة عن معارف جاهزة تتعلم عن طريق الحفظ، يمكن اكتسابهل من تواريخ ومواد جاهزة يطلق عليها كانط " des connaissance et detis  "[10] "وإن نموذج الإنسان العارف الذي يؤسسه هذه المعارف التاريخية مجرد ذاكرة مشحونة بالمعارف، لكن تنقصه القدرة على التفكير كثيرًا خصوصا ملكة الحكم. والواقع أنه "يمكن للشخص ما أن يكون عارفا موسوعيا، يقول كانط، أي بمثابة آلة التعليم الآخرين بنفس الشكل الذي تلقى به تعليمه)، ومع ذلك فقد يكون محدود القدرة عند استعماله العقلي لمعارفه التاريخية"[11].

والمعارف العقلية "فهي التي يستمدها الإنسان بشكل قبلي من مبادئ عقله الخاص لذا يسميها "des connaissance et principes" دون استناد إلى مصدر خارجي" أي بعبارة أخرى هي مكتسبات قبلية يمكن استنباطها من العقل. صنف كانط الفلسفة ضمن المعارف العقلية مع الرياضيات، حيث تكون غير جاهزة في العقل، ويتحصل عليها العقل بدءًا من مكتسباته القبلية.

فالاختلاف بين الفلسفة والرياضيات لا يمكن في طبيعة موضوعهما، فالفلسفة موضوعها الكيف والرياضيات موضوعها الكم.

"لذلك يجب التمييز بين الفلسفة والرياضيات استنادا إلى كيفية معالجة كل واحد منهما لموضوعه العقلي وهذا يعني استنادًا إلى عمل العقل ذاته الذي يحدد إمكانية المعرفة" وتقتضي هذه الإمكانية أن تكون الفلسفة معرفة عقلية تتم بواسطة المفاهيم فقط، بينما تكون الرياضيات معرفة عقلية بواسطة بناء المفاهيم"[12].

لم يبرز كانط اهتمامه الواسع على الفرق القائم بين المعارف العقلية والمعارف التاريخية وحتى على الفرق بين الفلسفة والرياضيات، وذلك لإمكانية تعلمها وتعليمها، فالمعارف التاريخية كما قلنا سابقًا هي عبارة عن معارف ومعلومات جاهزة يمكن تعلمها عن طريق التلقين والذي يعتبر من الطرائق التقليدية القديمةـ أما المعارف العقلية يمكن تعلمها من خلال طرائق يتم بناءها داخل العقل: ولهذا يتبين لنا أنه يوجد نمطين للمعرفة ميكانيكي الذي يعتمد على الذاكرة التي تقوم بتخزين الأفكار بدون تدبر أو إدراك.

أما الثاني فهو القدرة على التفكير الذاتي لممارسة عمليات التفكير والتأمل دون اللجوء إلى تخزين المعارف والمعلومات الجاهزة.

من جهة أخرى يذهب فلاسفة الحدس والإلهام أمثال شلوسر وسولبيرج إلى اعتبار أن الفلسفة والتفلسف مجرد ظاهرة لا تتطلب أي مجهود وأن الفلسفة ليست مرهقة للعقل بل العكس تماما. "بل هي مجرد موهبة لدى بعض العباقرة تجعلهم يحدسون ما يحدث فيهم داخليًا من حركات للنفس تجاه الأفكار دون بذل أي مجهود عقلي"[13] مثل هذه الأراء تنفي نفيا تاما امكانية تدريس الفلسفة والتفلسف، بمعنى آخر أن الفلسفة لم تكن تفكيرا منهجيا يعبر عم مسائل تخص التعلم والتعليم.

استنتج دريدا مجموعة من النتئج انطلاقا من مقولة كانط القائلة بضرورة تعلم التفلسف، ومن بين هذه النتائج: حسب منظور دريدا الفلسفة يمكن تدريسها بغير الحاجة إلى تعلمها، بمعنى أن الأستاذ يمكن أن يدرسها من غير أن يدرسها، فهو لا يعلم المضمون والموضوع الخاص بها، بل كيفية التفلسف والطرق المناسبة للنقاش في المسائل أو القضايا المطروحة.

تعددت المواقف والأراء حول تدريس الفلسفة وانقسمت إلى قسمين: الاتجاه الأول: يتميز بيداغوجيا خاصة ولا يعتمد على ديداكتيك، أما الاتجاه الثاني فهو: "التدخل البيداغوجي والديداكتيكي من أجل تنظيم ونقل المعرفة وتوجيه تفكير المتعلم نحو أهداف معينة، إذ أن الفلسفة لا يمكنها أن تطل بمنأى عن التطورات التي عرفتها نظريات التربية والتعلم، فضرورة التجديد تفرض نفسها لكي يظل تدريس الفلسفة ممكنا وفعالا"[14].

تطرق كانط إلى النقد الذي يعد الركيزة الأساسية لتعلم التفلسف حسبه، وذلك من خلال تدريب الطلاب على التفكير الحر القائم على التركيب والتحليل، ويعتبر وسيلة لعدم الوقوع في المغالطات والأكاذيب، "ويظل النقد لدى كانط التجربة الأصيلة للتفلسف في العصر الحديث"[15] ويعد " البداية الجذرية لكل تفلسف ممكن لأنه يحدد شروطه داخل العقل وداخل المؤسسة الجامعية، ويجب على كل من يريد التفلسف داخل هذا العصر، أن يتعلم النقد، وذلك هو المعنى الدقيق لعبارة "تعلم التفلسف" داخل سياق الميتود ولوجيا المتعالية (نقد العقل الخالص) ولا ينبغي أبدًا تأويلها خارج هذا السياق"[16].

2- تعليم الفلسفة عبر تاريخها:

هناك العديد من الفلاسفة الذين أكدوا على تعليم الفلسفة، من بينهم هيغل الذي اتخذ رأيا مغايرًا للفيلسوف ايمانويل كانط القائل بتعلم التفلسف، حاول هيغل أن يبين لنا أنه يمكن تعلم الفلسفة انطلاقا من تاريخها فعاليا ما كان مؤرخوا الفلسفة يقدمون المذاهب التي يعرضونها كمجرد تعاقب الأراء التمبانية، بحيث كان يروق لهم أن يقابلوا بعضها مع البعض الآخر بصورة جذرية، مما يؤدي إلى تنويع النتائج الارتيابية"[17]. وكان هيغل ضد الرأي الذي جاء في كتابه محاضرات في تاريخ الفلسفة. "إن الفكرة الموجهة التي قادته في تطوافه عبر صالة أبطال الفكر" هي أن  السستلمات التي حرضها يجب أن تعتبر كمراحل متعاقبى لتطور واحد بعينه: إنه تطور الفكر البشري الذي يتقدم عبر العصور تقدما دياليكتيا"[18] أي بمعنى أن فلسفة هيغل هي فلسفة اهتمت بالتاريخ وتقوم على الجدل أي الفكرة ونقيضها.

قام هيغل بنقد كانط وذلك عبر منهجه الجدلي، أي الجدل الداخل والخارج حيث يقر هيغل على ضرورة تعليم الفلسفة أي لا نستطيع نفي التفلسف عن تاريخ الفلسفة، وكل تمرين فلسفي يقتضي سيرورة التاريخ، فيقول في انتقاده "ارتكب خطأ فادحًا عندما أكد أن المرء لا يتعلم الفلسفة بل التفلسف، كما كان المرء يتعلم النجارة لا كيف يصنع مائدة أو كرسي"[19] .

"إن امتلاك الفلسفة في نظر هيغل لا تأتي إلا بقبول المشقة وبالجهد المبذول من أجل تعلمها والتدرب عليها"[20].

ومنه فإن "تدريس الفلسفة سوف يمكن التلميذ أن يضع المسائل الفلسفية في سياقها الحضاري المناسب وتاريخ الفلسفة هو بمثابة الفضاء الذي يتنفس داخله الفكر، وبالتالي فإن هذا التاريخ سيوفر للمتعلم إمكانية التساؤل وطرح المشكلات الفلسفية الأساسية وفي هذا السياق كتب تراند راسل في مقدمة كتابه: "حكمة الغرب من الصعب أن تمارس التفكير الفلسفي بالتفلسف" اعتمادًا على مفاهيم أو قضايا عامة"[21].

"يؤكد هيغل من خلال تجربته في التدريس من أن يجعل منها قرارا فلسفيا، لأجل الإبقاء عليها داخل المؤسسات التربوية ومنه ضرورة تدريسها"[22].

تمثلت طريقة عرضه للدرس الفلسفي: حيث كان يملي بنود وعبارات أو بمعنى آخر محاضرات، ويقوم بشرحها، وكان حريصا على انتباه طلبته وذلك من خلال مراقبته لما سجلوه.

هذا ما جاء في قضية "تعلم التفلسف" و"تعليم الفلسفة" من رافض ومؤيد.

 



[1] إبراهيم الوثيقي: طرق تدريس الفلسفة بالسلك الثانوي التأهيلي، مقاربة تشخيصية تقويمية لأساتذة مادة الفلسفة (الثانية بكالوريا آداب أنموذجًا)، ط1، سنة 2020، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين، ألمانيا، ص52.

[2] - عبد الحق منصف كانط ورهانات التفكير الفلسفي من نقد الفلسفة إلى فلسفة النقد، مطابع إفريقيا الشرق، المغرب، 2007، ص277.

[3] - المصدر نفسه، ص277.

[4] - إبراهيم الوثيقي، طرق تدريس الدرس الفلسفي بالسلك الثانوي التأهيلي مقاربة تشخيصية تقويميت لأساتذة ومفتشي مادة الفلسفة، المركز الديمقراطي العربي، ط1، 2020.

[5] - محمد متوكيل، الدرس الفلسفي داخل المؤسسات التعليمية تفلسف أم فلسفة.

[6] - ahwer.oy/dedt/ahwer.art.asp ? aid 10204.

[7] - عبد الحق منصف، رهانات التفكير الفلسفي من نقد الفلسغة إلى فلسفة النقد، إفريقيا الشرق-المغرب، ص277.

[8] - المصدر نفسه، ص277.

[9] - المصدر نفسه، ص288.

[10] - المرجع نفسه.

[11] - المرجع نفسه.

[12] - عبد الحق منصف، رهانات النفكير الفلسفي من نقد الفلسفة إلى فلسفة النقد، ص278.

[13] - المرجع نفسه، ص283.

[14] - إبراهيم الوثيقي، تدريس الدرس الفلسفي بالسلك الثانوي التأهيلي مقاربة تشخيصية تقويمية لأساتذة ومفتشي مادة الفلسفة، ص37.

[15] - عبد الحق منصف، رهانات التفكير الفلسفي من نقد الفلسفة إلى فلسفة النقد، ص289.

[16] - المرجع نفسه، ص289.

[17] - زينيب سيرو، هيغل والهيغلية، ترجمة، د.أدونيس العكرة دار الطليعة، بيروت، ط1، فبراير 1993، ص11.

[18] - المرجع نفسه، ص11.

[19] - إبراهيم الوثيقي، ص53.

[20] - مصطفى الكاك، مشكلة تدريس تاريخ الفلسفة، مقال.

[21] - إبراهيم الوثيقي، ص54.

[22] - عبد القادر بودومة، فلسفة الأستاذ في مقابل أستاذ الفلسفة كانط، هيغل.


جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف. كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، قسم العلوم الاجتماعية. السنة الجامعية: 2022/2023. التخصص: فلسفة غربية حديثة ومعاصرة+فلسفة عامة+فلسفة عربية اسلامية+فلسفة تطبيقية+ سنة ثالثة فلسفة عامة، المستوى: ماستر1و2  عنوان المقياس: تعليمية الفلسفة

الأستاذ: جعرير محمد

 

المحاضرة الثانية: النشأة التاريخية للتعليمية  

    أهداف الدرس:

التعرف على مراحل وأسباب تطور طرائق التعليم والظروف التي ساهمت في بروز هذا الحقل البحثي الجديد في عالم البحث في نشأة التعليمية.

  الأسباب غير المباشرة وراء ظهور التعليمية     

 شهدت الفترة الممتدة بين نهاية الستينات وبداية السبعينيات– ثراء معرفيا وعلميا كبيرا لم تعرف له مثيلا -من قبل- الدول الأوروبية والعربية ،والسبب في ذلك يعود إلى انكباب العلماء والباحثين بصورة مستمرة في البحث ، ولمدة طويلة نتج عنها ظهور تخصصات جديدة كان لها الدور الكبير في تدعيم الأرضية العلمية لظهور هذا الحقل البحثي الجديد و الذي اتفق على تسميته الباحثون الذين يشتغلون في مجاله بالتعليم

  السبب المباشر في ظهور التعليمية

إذا كان الثراء المعرفي العلمي النظري الذي شهده ميدان اللسانيات ، وعلم النفس وعلم التباري، قد كان بمثابة الأرضية العلمية غير المباشرة التي أدت إلى ظهور التعليمية، فإن الفشل المدرسي (L’échec scolaire) الناتج عن تدني المستوى التحصيلي للمتعلمين في كل المواد التعليمية: الرياضيات، والفيزياء، والقراءة، والقواعد، والتعبير…الخ. يعد العامل المباشر وراء ظهور التعليمية، حيث لم يعد الفشل المدرسي يمس نسبة قليلة من المتعلمين، بل امتد إلى جل الشريحة المتعلمة، وذلك بنسب كبيرة وخطيرة ، لم يعهد عليها النظام التربوي القديم ، الذي كان التلميذ الضعيف فقط الذي يعاني من مشكلة الفشل المدرسي فيه ، غير أن هذه المعضلة اتخذت في نهاية الستينات وبداية السبعينات بعدا محليا وعالميا، تقاسمت كل بلدان العالم منها: فرنسا، وإنجلترا، وإيطاليا، وإسبانيا… مخاطره ومشكلاته.

 (Nivacatach,1986,P.6) (Michel Develay,1992,P. 67) هذا الوضع التربوي الجديد الذي آل إليه التعليم شجع الديداكتيكيين وذلك نتيجة لأبحاثهم المتميزة في دراسة مشكلة الفشل المدرسي بمنهجية خاصة ودقيقة شجعتهم فيما بعد إلى اعتبار الديداكتيكية كحقل بحثي متميز جديد دخل إلى الساحة العلمية.

فبعدما كان مصطلح الديداكتيكية في اللغة الفرنسية في الماضي، مرادفا لكل ما هو مدرسي (Scolaire) ويقصد به الطريقة (Magistrale) لتوصيل المعرفة، فإن هذا المصطلح قد عرف –ابتداء من السبعينيات- تطورت كبيرة. (Universalis corpus7,P.301)  في مجال منهجية البحث التطبيقية، ومنهجيته النظرية الاصطلاحية، مما جعل الديداكتيكيين ينادون باستقلالية هذا العلم، والنظر إليه كتخصص مستقل بحد ذاته عن العلوم الأخرى.

 (Michel Develay,1992,P. 67) حيث اختص الديداكتيكيون بدراسة الفشل المدرسي من خلال ظاهرة الأغلاط

 المرتكبة من قبل المتمدرسين، حيث صاروا يتعاملون مع الخطأ كمرض، فأطلقوا عليه تسميات جديدة منها عسر القراءة(dyslexie)، عسر الكتابة  (dysgraphie)،وعسر القواعد، وعسر الحسابالخ. ومنذ ذلك الحين صارت تلقب هذه المشكلات المدرسية بأمراض العصر .(les maladie du siècle) (Denis Bartout et al,1977,P.5)

  تعليمية أم تعليمات

استخلاصا من القراءة للرصيد المعرفي العلمي الديداكتيكي استنتجنا، أن هناك نوعين من التعليمية:

التعليمية الخاصة (La didactique spécifique) ، والتعليمية العامة (La didactique Générale)

علاقة التعليمية العامة بالتعليمية الخاصة

ترتبط التعليمية العامة بالتعليمية الخاصة من حيث موضوع الدراسة، فكليهما يهدفان إلى تحليل سيرورات الاكتساب أو عدم اكتساب المعارف وحسن أدائها للتعرف على العوائق والصعوبات وتعيين طبيعتها واتجاهاتها وذلك عن طريق دراستها في   الأهداف والمحتويات والطرق عبر المثلث الديداكتيكي الذي يضم المعلم والمتعلم والمعرفة .هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ،فإن التناول المنهجي للتعليميين: العامة والخاصة، يتسمان بالتجريبية والتطبيقية لأن مبادئهما تقومان على أسس البحث الأمبريقي، ذلك أن الديداكتيكيين على ما يذهب إليه أستوفي وجماعته (Astolfi & al) ينطلقون من الميدان مباشرة حتى يتسنى لهم الملاحظة المنتظمة (Systématique) للأحداث في موقعها الطبيعي من أجل دراستها (J.P.Astolfi,1996,P.21) وذلك بإتباع أسلوب المساءلة والتحقيق وملاحظة كل ما يحدث في الموقف التعليمي، وذلك بغية الوصول إلى التحديد الدقيق للخلل والكشف عن دخيلته وكنهه.غير أن ذلك، يتم بمتناولات بحثية مختلفة، تختص كل تعليمية بتصميمها بشكل خاص يميز كل تعليمية عن الأخرى في البحث والدراسة.

(L’aurance cornu,1992,P.18) ويبقى الاختلاف المميز للتعليمية العامة عن التعليمية الخاصة أن الطبيعة البحثية للتعليمية العامة ذات طبيعة متنوعة يمكن استغلال نتائجها البحثية في أي مادة تعليمية، وذلك لارتباط أبحاثها بالاكتساب العام أو عدمه لأي نوع من المعارف وحسن أدائها (Universalis corpus 7,2002,P.303) محاولة من وراء ذلك الكشف عن القوانين العامة والأحكام التي تتحكم في عملية التعليم والتعلم في أي مادة تعليمية من خلال العناصر العامة التي يحتويها المنهج التعليمي، سواء تعلق الأمر بالطرق أم المحتوى ، أم الأهداف، أم الوسائل التعليمية…الخ. في حين ،ينصب اهتمام التعليمية الخاصة بكشف قوانين الاكتساب أو عدم اكتساب المعرفة في كل مادة تعليمية على حدي وذلك للطبيعة الخصوصية التي تطبع كل مادة تعليمية وتميزها عن مادة تعليمية أخرى. وعليه ،فإن التعليمية الخاصة تبحث في نطاق أضيق إذ تنحصر أبحاثها في الكشف عن القوانين المتعلقة بمادة تعليمية واحدة. (عبد الله قلي،2002،ص124).

يستنتج مما جاء، أن التعليمية العامة تهدف إلى كشف المنطق العام المتحكم في سيرورات التعليم والتعلم في كل المواد التعليمية ، أما التعليمية الخاصة، فإن هدفها يقتصر على كشف المنطق الخاص المميز لسيرورات التعليم والتعلم في كل مادة تعليمية فقط.

 هل التعليمية علم قائم بحد ذاته؟

على الرغم من التطورات الكبيرة التي عرفها الحقل البحثي الديداكتيكي، وبنائه للنظرية الديداكتيكية العامة المعروفة بالتعليمية التجريبية(Didaxologie)  أو التعليمية العلمية (Paraxologie) (L’aurance cornu , ibid. ,P.39)  فإن الجدل بين الباحثين في الميدان التعليمي والتربوي بتخصصاته المختلفة لا يزال قائما فيما بينهم حول ما إذا كان بإمكاننا اعتبار ديداكتيكية اليوم .وذلك بعد أكثر من عشرين سنة من البحث المتواصل- علما قائما بحد ذاته، وبالتالي الاعتراف بميلاد تخصص جديد في عالم علوم التربية والتعليم.

بداية يجدر التنبيه إلى أن هناك مجموعة من الباحثين لا تزال تنظر للتعليمية على أنها فرع من الفروع العلمية التي انفصلت عن علوم التربية وبالأخص البيداغوجيا، وذلك لاستمرارية التعليمية الاعتماد على الاختصاصات التي يطلق عليها باختصاصات  الدعم، أو الاختصاصات التكملة، في البحث والمتمثلة أساسا في علم النفس المعرفي، وعلم النفس المدرسي، وعلم التربية، والبيداغوجيا، واللسانياتالتطبيقية والفلسفة، والابستمولوجيا (عبد الله ، قلى ،2002،ص123).

بناء على هذا، فان التعليمية لا تزال  في أبحاثها النظرية  ترتكز على المفاهيم النظرية المتوصل إليها في الاختصاصات المذكور ة أضف إلى هذا، أن مكانة التعليمية في المؤسسات العلمية منها الجامعات والمعاهد غير واضحة المعالم في مجال البحث والدراسة، ففي إيطاليا وسويسرا تعتبر التعليمية مرادفا لمادة ترتبط بعلم النفس، وعلم اللغة، و في دول أخرى فإن التعليمية والبيداغوجيا صوان لا يميز بينهما.

 (عبد الله قلي،2002،،ص117) وفي بعض الدول فإن التعليمية وعلم النفس اللغوي يعدان تخصصا واحدا.

بينما نجد في المقابل رهطا آخر من الباحثين يصرون -منذ منتصف السبعينيات على أن التعليمية ،لاسيما بعد نجاحها في تأسيس الإطار النظري والمنهجي الخاصين بها في البحث - على أن التعليمية تعد كتخصص جديد دخل إلى ميدان البحث العلمي والدراسي. وهذا ما يدفع بالديداكتيكيين إلى يومنا الحالي بالمناداة- على ما يذهب إليه دانيال لاكومب في الموسوعة العالمية منذ الثمانينات - بانفصال هذا التخصص البحثي الخصب بذاته عن العلوم الأخرى، ومن بين هؤلاء الباحثين نذكر غاستون ميالاري (Gaston Mialaret) الذي يصر على أن التعليمية تعد تخصصا جديدا ضمن التخصصات العديدة لعلوم التربية.

وقد أيدته في هذه الفكرة لورانس كورني(l’aurance cornu)  التي تصر بدورها على أن تخصص التعليمية لا ينتمي إلى تخصص علم النفس أو تخصص البيداغوجيا، أو تخصص التاريخ، أو تخصص الابستمولوجيا، بل إن للتعليمية هوية و مشاكلا ومنهجا، خاصة بما يجعلها متميزة عن كل هذه التخصصات المذكورة.

 (L’aurance cornu ,ibid ,P.42) وقد توصلت الديداكتيكية إلى تحقيق هذا المبتغى على مذهب كلود راسكي  (Claude Rasky) بفضل جمودها الحثيثة في تحديد مواضعها البحثية بدقة وكذا في تعيين المحاور الكبرى الخاصة بها في البحث، بالإضافة لاكتشافها تناولات بحثية جديدة (Des approches de recherche nouvelles) مكنتها من دراسة مشاكل التحصيل بصورة تطبيقية امبريقية (Claude Rasky,1996,P.11) مختلفة عن الدراسات التي كانت سائدة في هذا المجال في السابق.

غير أن السؤال الذي لا يزال يعتريه بعض الغموض واللبس، وهو بحاجة إلى إجابة دقيقة متمثل في الفرق الذي يفصل بين البحث الديداكتيكي والبحث البيداغوجي، ذلك أن هذين التخصصين يجمعهما مثلث ديداكتيكي بحثي واحد الشامل لعناصر المعرفة ،والتلميذ، والمعلم.

وعليه ،فإن نموذج النظام البيداغوجي والنموذج الديداكتيكي(Le modèle du système pédagogique ou didactique)  نموذجان متماثلان من حيث محاور البحث العامة، ويبقى الفاصل الذي يفصل بينهما متمثلا في طرق تناول هذه المواضيع أو المحاور الكبرى، حيث تركز الديداكتيكية في أبحاثها على السيرورات أي سيرورات التعليم، و سيرورات التعلم، و سيرورات التكوين، التي تحكم الموقف التعليمي، مستعينة في ذلك بتصميم نماذج تعليمية تتسم بالتطبيق في تفسير أبعاد العراقيل الكامنة وراء الأخطاء وانتشار ظاهرة الفشل المدرسي .

 (Michel Develay,1995p 64)، في حين ،لا يزال البحث البيداغوجي ينقصه كثيرا البعد المباشر والبعد التطبيقي في دراساته ، وبالتالي لا يزال الجانب النظري يطغى على دراساته، مما يدفعنا إلى القول:

أن النماذج البيداغوجية لم ترق إلى مستوى النماذج الديداكتيكية في تشخيص موطن الخلل وتوضيحه وشرحه بالطريقة العلمية الدقيقة التي توصلت إليها التعليمية في أبحاثها ودراساتها والتي ساعدت المعلم بشكل كبير في فهم أسباب الخطأ وكيفية تجاوزه.

إن البحث في مجال الديداكتيكية يتطور بشكل متجدد ومتواصل مركزا في أبحاثه على مختلف الطرق التي يواجه بها المتعلم تلقي المعارف والمعلومات أثناء خضوعه لعملية التعليم والتعلم. يفهم من هذا ، أن الديداكتيكية لا تركز -كما هو الحال مع البيداغوجيا- على تفاعل المعلم بالمتعلم فقط، بل تتجاوز ذلك إلى التركيز على مسألة الطرق التعليمية المتباينة المستعملة من قبل كل متعلم في عملية التعلم ،جاعلة أمام نصب أعينها المتعلم المسؤول الأول في معركة التعلم أو عدم تعلم أي مادة تعليمية.

كما يمتاز البحث الديداكتيكي بتكيفه السريع والمتجدد لاسيما في ظل الانفجار المعرفي العلمي الذي تشهده الساحة العلمية في كل مجالات تخصصاتها العديدة كل يوم، مما يبرهن اكثر على مدى القدرة العلمية الفائقة التي يمتاز بها الخبراء الديداكتيكيين في قراءة هذا الرصيد العلمي المعرفي الهائل، واستغلاله بشكل محكم في أبحاثه والذي انعكس بشكل إيجابي على التطوير المستمر للمتناولات البحثية التطبيقية، وكذا في التصميم الجيد والفعال للنماذج الديداكتيكية فيما يخص كل عنصر من عناصر المادة التعليمية سواء تعلق الأمر بمضمونها أو تطبيقها في أي وضع تعليمي بيداغوجي محدد مستعملة في ذلك طرق ووسائل تقنية ساعدت المعلمين بشكل مباشر في حل المشكلات التي يعانون منها في التعليم، ويعود سبب ذلك إلى انطلاق التعليمية من القسم مباشرة ، وكذا معايشتها الميدانية للمشاكل في محيطها الطبيعي. وبهذا فإن الاستراتيجية المتبناة من قبل الديداكتيكية يقوم أساسها على استراتيجية التغيير المستمر للأهداف والطرق والمحتويات، وذلك قصد تجديدها حسب متطلبات البحث العلمي من جهة، وحاجات المجتمعات من جهة أخرى، منتهجة في أسلوب تغييرها الأسلوب المباشر في الفعل.

(Michel Develay,1995p 73) (C’est une science d’action directe) انطلاقا من التجديدات المستحدثة من قبل الديداكتيكية منذ نشوئها إلى وقتنا الراهن، يمكن استخلاص أن هذا التخصص الفتي قد استطاع بفضل جهود خبرائه الباحثين الذين ينتمون إلى تخصصات متباينة ومتكاملة فيما بينها، أن يؤسسوا بالفعل نظرية عامة للديداكتيكية في مجالها النظري التطبيقي التي سمحت لهذا الحقل البحثي أن يفرض نفسه كتخصص جديد في علوم التربية، لاسيما بعد النجاح المتميز الذي حققه هذا التخصص في الاختيار الدقيق سواء للموضوع أو منهج دراسته.

وبتحقيق الديداكتيكية هذه المرامي المنهجية والنظرية، يمكن لنا من هذه الزاوية تأييد رأي الديداكتيكيين المؤيد لاستقلالية هذا التخصص بذاته عن تخصصات علوم التربية الأخرى، وبالتالي القول في نهاية مطاف هذا البحث أن الديداكتيكية علم قائم بحد ذاته.

الـخـاتمـة

تمكنا من خلال السرد التاريخي للمراحل المختلفة لنشأة الديداكتيكية التعرف على المبررات النظرية والمنهجية التي اعتمدها الخبراء الديداكتيكيين في المناداة باستقلالية هذا التخصص العلمي الجديد بذاته من الناحية العلمية دون الناحية المؤسساتية، بدليل أن هذا التخصص لايزال  يدرس في مختلف الجامعات العالمية في إطار تخصصات مختلفة التسميات،والتي يسعى الديداكتيكيون في الوقت الراهن إلى تحقيق هذا البعد العلمي الذي لا يزال محل نقاش وخلاف بين الديداكتيكيين إلى الوقت الراهن، والذين يسعون إلى وضع حد له بالبحث المكثف والمتجدد والمتواصل لتدعيم الأسس المفاهمية والمنهجية، بصورة أكثر ثراء وعمق تمكن الديداكتيكية من تحقيق مكانة واحدة خاصة بما في المؤسسات العلمية على مستوى كل بلدان العالم.


المحاضرة الأولى: مدخل إلى التعليمية

أهداف الدرس:

- تدريس طرائق التعليم من خلال التعريف بالتعليمية.

مقدمة

إن العملية التعليمية التعلمية تتطلب الإحاطة بجميع مكوناتها، وكل ما يحيط بها من علوم التربية والبيداغوجيا والديداكتيك، ولعل هذا الأخير يكتسي أهمية بالغة، إذا اعتبرنا أنه مرتبط بالجانب التطبيقي من العملية التعليمية التعلمية، وبالتالي يمكن القول بأن الديداكتيك يشكل ضرورة ملحة بالنسبة لعملية التدريس، باعتباره يساهم في تمكين الأطر التربوية من أداء أدوارها بشكل فعال، وذلك من خلال التوفيق بين المناهج والبرامج الدراسية مع وضعيات التدريس المختلفة. ويساهم الديداكتيك  كذلك في ضبط الإجراءات والآليات المناسبة لتدريس المادة الدراسية، بالإضافة إلى التخطيط الذي يساعد في تحقيق الأهداف والكفايات. كما يمكن اعتبار الديداكتيك بمثابة تصور يوضح فلسفة المنهاج، ويساعد على استنتاج مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة في العملية التعليمية التعلمية.

وانطلاقا من أن الدرس الفلسفي أساسا هدفه تحقيق تمثل سلوك المتعلم الخاص بتنمية جملة من القدرات والكفايات، (القدرة على النقد وعلى التحليل والتركيب...)، وهو ما يجب على المدرسين انطلاقا من وظيفتهم الديداكتيكية، تأصيلها وترسيخها في البنيات المعرفية الذهنية والمنطقية للمتعلمين، تحقيقا لما هو مراهن عليها في الدرس الفلسفي كاختيار استراتيجي في التوجيهات الرسمية، وذلك من خلال توعيتهم بخلفياتها والدفع بهم إلى استبصار قيمها النبيلة وأبعادها المنهجية في تفكيك الواقع ومحاولة الارتقاء به نحو الأفضل، وبهذا فإن تدريس الفلسفة يجب أن يرتكز على تعلم التفكير الذاتي بهدف تعويد وتدريب العقل على الممارسة النقدية.

كيف يمكن إخضاع الأنشطة الفلسفية إلى وضعيات ديداكتيكية؟

2.مفهوم الديداكتيك

1.2-المعنى اللغوي للديداكتيك

تعني كل ما يهم التدريس والتعليم، ويقابله في الترجمة إلى العربية عدة مفردات؛ كعلم التدريس أو فن التدريس أو منهجية التدريس، والتدريسية أو علم التعليم أو التعليمية، والتربية الخاصة أو الديداكتيك أو الديداكتيكا.

كلمة الديداكتيك، في اللغات الغربية مشتقة من الكلمة اليونانية "didaktikos" وتعني: فلنتعلم؛ أي: يُعلِّم بعضُنا بعضًا، والمشتقة أساسًا من الكلمة الإغريقية " didaskein" ومعناها التعلُّم، وقد استخدمت هذه الكلمة أول مرة في التربية مرادفة لفن التعليم، وقد استخدمها "Comenius " والذي يعدُّ الأب الروحي للبيداغوجيا منذ سنة 1657 في كتابه "الديداكتيك الكبرى"؛ حيث يعرفها بأنها: الفن العام للتعليم في مختلف المواد التعليمية، ولا يعتبرها فنًّا للتعليم فقط؛ بل للتربية أيضًا، إن كلمة حسب Comenius تدل على تبليغ وإيصال المعارف لجميع الناس، فنجد في اللغة العربية مجموعةً من المصطلحات تقابل مصطلح " didactique " تعليمية، علم التدريس، علم التعليم، التدريسية.[1]

وتعني حسب قاموس روبير الصغير Le petit Robert ، درس أو علّم enseigner ويقصد بها كل ما يهدف إلى التثقيف وكل ماله علاقة بالتعليم.[2]

ظهر مصطلح الديداكتيك  في النصف الثاني من القرن العشرين. ومن خلال التعاريف التي وضعت له في القواميس؛ كان معناه: فن التدريس أو فن التعليم. ومنذ ذلك الوقت أصبح مصطلح الديداكتيك  مرتبطا بالتعليم، دون تحديد دقيق لوظيفته.[3]

وفي سنة 1988 اعتبره أندري لالاند André Lalande فرعا من فروع البيداغوجيا، موضوعه التدريس.[4]

2.2-المعنى الاصطلاحي للديداكتيك

أول من استخدم كلمة الديداكتيك  في التربية كمرادف لفن التعلّم، هو كومينوس أو كامينسكي أو Comenus ، الذي يعد الأب الروحي للبيداغوجيا وذلك سنة 1657، في كتابه الديداكتيكا الكبرى، حيث يعرفها بالفن العام للتعلّم في مختلف المواد التعليمية، ويضيف بأنّها ليست فنا للتعلّم فقط بل للتربية أيضا، إن كلمة ديداكتيك حسب كومينيوس تدلّ على تبليغ وإيصال المعارف لجميع النّاس.[5]

وترتبط  الديداكتيك  بمنهجيات تدريس مادة أو تخصُّص معين، كما يفيد التفاعلات التي قد تتحقق في وضعية تعلمية تعليمية بين معرفة محددة ومدرس تلك المعرفة.[6] وتهتم  الديداكتيك بالوضعيات التدريسية، والتي يلعب فيها المتعلم دورًا أساسيًّا، وينحصر دور المدرس في تسهيل عملية التعلُّم، بتصنيف المادة الدراسية تصنيفًا يتلاءم مع حاجات هذا المتعلِّم وتحديد الطريقة الملائمة لتعلُّمه وتنظيم فضاء ومجال التعلم.[7]

فنجد أن هناك من يعتبر الديداكتيك  بمثابة علم مساعد للبيداغوجيا، وتسند إليها مهمات تربوية عامة من أجل إنجاز تفاصيلها. وهناك أيضا من يعتبرها بمثابة تأمل وتفكير في طبيعة المادة الدراسية، وغايات تدريسها، بالإضافة إلى صياغة فرضيات خاصة انطلاقا من المعطيات المتجددة والمتنوعة باستمرار، كما أنها دراسة نظرية تطبيقية للفعل البيداغوجي المتعلق بتدريس تلك المادة. ومن خلال ذلك نستنتج أن الديداكتيك تتمحور حول المتعلم والمادة الدراسية والمدرس، وموضوعها هو سيرورة التعلم والفعل البيداغوجي، وتستمد مرجعياتها من علم النفس وعلم الاجتماع ونظريات التعلم، أما حقلها النظري فهو البيداغوجيا، وتتمثل مهمتها في التأمل في طبيعة المادة الدراسية وغايات تدريسها، بالإضافة إلى صوغ فرضيات، وحل مشكلات التعلم.وغالبًا ما يستعمل لفظ الديداكتيك كمرادف للبيداغوجيا، بيد أنه إذا استبعدنا بعض الاستعمالات الأسلوبية، فإن اللفظ يوحي بمعانٍ أخرى، تعبر عن مقاربة خاصة لمشكلات التعليم، وقد ارتبطت الديداكتيك في دراستها بعلم النفس ونظريات التعلُّم والسوسيولوجيا، واستعارت مفاهيمها من علوم ومجالات معرفية أخرى، وكانت حسب "أبليهنس" علمًا مساعدًا للبيداغوجيا، كما أسند إليها دور بناء الإستراتيجيات البيداغوجية المساعدة على بلوغ الأهداف، أما حديثًا فقد تطوَّرت الديداكتيك نحو بناء مفهومها الخاص بفعل تطور البحوث الأساسية والعلمية، وبدأت تكسب استقلالها عن هيمنة العلوم الأخرى.

3.2. المثلث الديداكتيكي وأقطاب المثلث التعليمي:

هو ذلك المثلث المعبِّر عن الوضعية التعليمية باعتبارها نسقًا يجمع بين ثلاثة أقطاب غير متكافئة هي: تلميذ، ومدرس، ومعرفة، وما يحدث من تفاعلات بين كل قطب من هذه الأقطاب في علاقته بالقطبين الآخرين.

 أقطاب المثلث التعليمي: يتكون المثلث التّعليمي من ثلاثة أطراف مهمة المعلّم والمتعلّم والمعرفة، وهذه الثلاثية تتفاعل فيما بينها، لتنتج تعلّما قائما على التكامل وهي كالآتي:

المعلّم: يمثل المعلّم الركيزة الأساسية التي تساهم في نجاح العملية التعليمية لأنّه يعتبر موجها ومرشدا ومالكا للمعرفة والكفايات التي تجعله مؤهلا لتبليغ الرسالة، ويعتبر منشأ ومحفزا ومنظّما يدفع طلابه إلى الابتكار، فهو بهذا تحول من محور التعلّم إلى موجه ومنشط للتعلّم، والمعلّم باعتباره قطبا من أقطاب هذه العملية لابد أن تتوفّر فيه خصائص معرفية وشخصية وهذا ما نوه إليه عبد العليم إبراهيم بقوله: "المقومات الأساسية للتّدريس إنّما هي تلك المهارة التي تبدو في موقف المدرس وحسن اتصاله بالتلاميذ وحديثه إليهم واستماعه لهم وتصرفه في إجاباتهم وبراعته في استهوائهم والنفاذ إلى قلوبهم إلى غير ذلك من مظاهر العملية التّعليمية الناجحة".[8]

المتعلّم: يعد المتعلّم محور العملية التّعليمية، فهو في سعي دائم لاكتساب مختلف المعارف والخبرات والمهارات اللغوية من خلال الإسهام الفعال في بناء هذه العملية، فإذا في التّعليم التقليدي لا يملك أي دور في العملية التّعليمية باستثناء تلقيه للمعلومات التي تملى عليه ليحفظها بهدف استرجاعها وقت الامتحان، فإن المقاربة الجديدة للمناهج تعمل على إشراكه مسؤولية القيادة وتنفيذ عملية التعلّم من خلال تحفيز بعض أجزاء المادة الدراسية وشرحها، كما تتيح له الفرصة لبناء معارف بإدماج المعطيات والحلول الجديدة في المكتسبات السابقة.[9]

 المعرفة: (المحتوى): هو كل ما يقدم للمتعلم من معلومات ومفاهيم ومهارات وقواعد وقوانين، وما يرجى إكسابه لهم من قيم اتجاهات وميول، فالمحتوى هو تحديد ماذا تدرس؟ ويمكن القول إن المحتوى هو وسيلة تحقيق أهداف المنهج، ويبني، إذن فالمحتوى هو  المحتوى التّعليمي لأي مقرر،[10] أو وحدة دراسية حول فكرة أساسية كبيرة يراد للتلاميذ أن يتعلّموها الغاية التي يسعى المعلّم إلى إيصالها للمتعلّم، وهو يعب عن حاجات المتعلّم وميولاته في أغلب الأحيان، ويمكن أن نشير هنا أن المحتوى يكون صادقا كلّما كان وثيق الصلة بالأهداف المسطرة، وكذلك كلّما كان متماشيا مع الأفكار الحديثة التي ثبتت صحتها.[11]

إن كلّ قطب من أقطاب المثلث التّعليمي يعتبر مهما في العملي التّعليمية ولا يمكن الاستغناء عنه مهما يكن.

العلاقة بين رؤوس المثلث التّعليمي: يمكن الكشف عن النسق الديداكتيكي  بمثلث تتكامل فيه أقطاب ثلاثة هي: المعلّم والمتعلّم والمعرفة ( المادة الدراسية )، إلا أن هذا التفاعل يتم التأكيد فيه على علاقة هذه الأقطاب بالمعرفة، أي على ما يمكن تسميته بالأطراف الثلاثة لموضوع الديداكتيك: البعد الإبستمولوجي (العلاقة بين: مدرس ــ معرفة (البعد السيكولوجي) العلاقة بين: متعلم ــ معرفة . (البعد البيداغوجي) العلاقة بين: مدرس ــ متعلم.

( المثلث الديداكتيكي) الذي يركز على التحليل النسقي للديداكتيك ومختلف العلاقات التفاعلية بين مكونات الفعل الديداكتيكي وهي المدرس والمادة والمتعلّم، والأقطاب الثلاثة هي: [12]

- القطب البيداغوجي: ويربط علاقة المدرس بالمتعلّم، ويوثّقها مفهوم التّعاقد الديداكتيكي، ويركّز على الاتفاقات التي تحدد أدوار ومهام المدرس والمتعلّم، والتي تجعل التواصل التربوي الصفي يعرف سبيله للنّجاح، فالحياة مبنية على التّعاقد ورباط الميثاق، والحياة التّربوية أولى بها فغياب التعاقد الديداكتيكي يفضي إلى فوضى وغياب المردودية، وغياب جودة الفعل التّربوي.

- القطب السيكولوجي: ويربط علاقة المتعلّم بالمادة المتعلّمة، وتمثلاته حولها، واستعداده للتّفاعل معها، من خلال

استدماج المكتسبات القبلية، بغية بناء معرفة جديدة، وكلّما تم استثمار تمثلات المتعلّم في بناء معارف جديدة، كلّما تفاعل وشارك في بناء تعلّماته والأمر ينعكس.

- القطب الإبستمولوجي: ويركّز على العلاقة بين المدرس والمعرفة، أي الكشف عن الآليات التي يتم تفعيلها داخل العلبة السوداء كما سماها أحد الباحثين، المعرفة للمدرس، وحقول استمداده لها، وهذا جوهر بحث الدراسة، تبرز مهارة المدرس في تجويد فعل النّقل الديداكتيكي من خلال مجموعة العمليات الإستراتيجية التّخطيطية التي يعتمدها المدرس لنقل المعارف من مستواها الأكاديمي العام إلى المستوى المبسط المتعلّم، من خلال التّفاعل الإيجابي بينه وبين المتعلّم في بناء المعرفة من خلال التّوجيه الهادف والتّواصل الصفي البناء بغية استثمار الموارد المدمجة، لتحقيق مرامي المنهاج المدرسي والتّوجهات التّربوية، وتفعيل الأطر المرجعية للمادة قيد الدرس. . 4.2. التعاقد الديداكتيكي:

بدأ مفهوم التعاقد الديداكتيكي يتبلور في الظهور مع أعمال ودراسات الباحث التربوي بروسوG. Brousseau، وهذا المفهوم يراهن على سلوكيات المدرس المنتظرة من التلاميذ وعلى سلوكيات هؤلاء المنتظرة من المدرس، وعلاقات هؤلاء وأولئك بالمعرفة المستهدفة من قبل عملية التعلُّم.[13]

وعليه يمكن القول: إن التعاقد الديداكتيكي هو تلك القواعد التي تتحدد بصورة أقل وضوحًا على ما يتوجب على كل شريك أن يمتثل له ويلتزم به، وهو بمثابة قانون يحدد موقع كل من المدرس والمتمدرس ومستويات المسؤولية الموكولة لكل منهما.

نستخلص أن الديداكتيك   مجموع الطرائق والتقنيات والوسائل التي تساعد على تدريس مادة معينة له ثلاث مستويات:

الديداكتيك العامة: وهي التي تسعى إلى تطبيق مبادئها وخلاصة نتائجها على مجموع المواد التعليمية.

الديداكتيك الخاصة: وهي التي تهتم بتخطيط عملية التدريس أو التعلم لمادة دراسية معينة.

الديداكتيك الأساسية: وهي جزء من الديداكتيك يتضمن مجموع النقط النظرية والأسس العامة التي تتعلق بتخطيط الوضعيات البيداغوجية دون اعتبار للممارسات التطبيقية وتعني أيضا الديداكتيك النظرية.[14]

 

 

 

 

المراجع:

1-   محمد الدريج؛ عودة إلى تعريف الديداكتيك: دراسة جديدة، الموقع الإلكتروني: صحيفة الأستاذ، 13 أكتوبر 2012. https://www.profvb.com/vb/t99561.html، تاريخ تصفح الموقع 03/01/2020.

2-   بعيسى أحسنات، حول مقاربة المنهاج الدراسي في مجال التربية والتعليم،( من البيداغوجيا والدي داكتيك إلى المنهاج الدراسي)، جريدة الحوار المتمدن، العدد 2342) ،14/07/2008 .

 3-   أحمد أوزي، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، الرباط. مجلة علوم التربية. 2006.

4-   عبد اللطيف الفارابي وآخرون، معجم علوم التربية ـ مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، سلسلة علوم التربية، عدد 9 و10. مطبعة النجاح الجديدة. طبعة 1994.

  5-  محمد الدريج، العودة إلى تعريف الديداكتيك أو علم التدريس كعلم مستقل، مجلة علوم التربية، العدد 47 ،مارس 2011.

  6- الحسن اللحية؛ دليل المدرس التكويني المهني، دار الحرف للنشر والتوزيع، ط 1، 2008م.

  7- محمد الصدوقي، المفيد في التربية؛  د ط،  دت.

  8- عبد العليم إبراهيم، الموجه الفني لمدرسي اللّغة العربية، ط14 ، القاهرة، دار المعارف.

  9- ليلى بن ميسية، تعليمية اللغة العربية من خلال النشاط المدرسي غير الصفي، رسالة ماجستير، جامعة فرحات عباس، سطيف، الجزائر، 2010 .

 10-  كوثر حسين كوجة، تنويع التّدريس في الفصل ــ دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي، مكتبة اليونسكو الإقليمي، بيروت، لبنان، 2008.

11-   لخضر لكحل وكمال فرحاوي، أساسيات التّخطيط التّربوي، النّظرية والتّطبيقية، وزارة التربية الوطنية، الحراش،  الجزائر، 2009.

  12- عبد الوهاب صديقي،  النّحو الوظيفي وديداكتيك  اللّغة العربية نحو منهجية تدريس وظيفي، دار أمجد للنّشر والتّوزيع، الأردن، ط1، 2017.

 13-  عبدالعزيز الأمراني؛ مدونة علوم التربية، عرض حول موضوع مدخل عام إلى الديداكتيك، 2014-2013.

  14-Renald Legendre. Larousse, Zita De Koninck, Numéro 73, Paris, mars .

 

 



[1]  محمد الدريج؛ عودة إلى تعريف الديداكتيك: دراسة جديدة، الموقع الإلكتروني: صحيفة الأستاذ، 13 أكتوبر 2012. https://www.profvb.com/vb/t99561.html، تاريخ تصفح الموقع 03/01/2020.

[2]  بعيسى أحسنات، حول مقاربة المنهاج الدراسي في مجال التربية والتعليم،( من البيداغوجيا والدي داكتيك إلى المنهاج الدراسي)، جريدة الحوار المتمدن، العدد 2342) ،14/07/2008 ،ص3 .

[3]   أحمد أوزي، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، الرباط. مجلة علوم التربية. 2006. ص140.

[4]  عبد اللطيف الفارابي وآخرون، معجم علوم التربية ـ مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، سلسلة علوم التربية، عدد 9 و10. مطبعة النجاح الجديدة. طبعة 1994، ص68.

[5]   محمد الدريج، العودة إلى تعريف الديداكتيك أو علم التدريس كعلم مستقل، مجلة علوم التربية، العدد 47 ،مارس 2011، ص1 .

[6]  الحسن اللحية؛ دليل المدرس التكويني المهني، دار الحرف للنشر والتوزيع، ط 1، 2008م، ص249.

[7]  محمد الصدوقي، المفيد في التربية؛  د ط،  دت،  ص 5.   

 

[8]  عبد العليم إبراهيم، الموجه الفني لمدرسي اللّغة العربية، ط14 ، القاهرة، دار المعارف، ص 25.

[9]  ليلى بن ميسية، تعليمية اللغة العربية من خلال النشاط المدرسي غير الصفي، رسالة ماجستير، جامعة فرحات عباس، سطيف، الجزائر، 2010 ،ص9.

[10]  كوثر حسين كوجة، تنويع التّدريس في الفصل ــ دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي، مكتبة اليونسكو الإقليمي، بيروت، لبنان، 2008، ص 96 .

[11]  لخضر لكحل وكمال فرحاوي، أساسيات التّخطيط التّربوي، النّظرية والتّطبيقية، وزارة التربية الوطنية، الحراش،  الجزائر، 2009، ص 128.

[12]  عبد الوهاب صديقي،  النّحو الوظيفي وديداكتيك  اللّغة العربية نحو منهجية تدريس وظيفي، دار أمجد للنّشر والتّوزيع، الأردن، ط1، 2017، ص 27-29.

[13]  عبدالعزيز الأمراني؛ مدونة علوم التربية، عرض حول موضوع مدخل عام إلى الديداكتيك، 2014-2013، ص 47.

[14] Renald Legendre. Larousse, Zita De Koninck, Numéro 73, Paris, mars 1989, p. 680


تعليمية الفلسفة

رأينا في دروس سابقة أن التعليمية ( الديداكتيك ) تنقسم إلى قسمين أو نوعين ، ديداكتيك عامة ونعني بها تعليمية المواد « وتسمى أيضا التعليمية الأفقية ، وهي التي تكون مبادئها وممارستها قابلة للتطبيق مع كل المحتويات وكل المهارات ، وفي كل مستويات التعلم نقدم المعطيات الأساسية والضرورية للتخطيط بكل موضوع وبكل وسائل التعلم لمجموع عناصر الوضعية البيداغوجية »، أي دورها هو تقديم المبادئ الأساسية والقوانين العامة والمعطيات النظرية المتحكمة في العملية التربوية ، مثل منهاج التدريس والوسائل البيداغوجية وكيفيات التقويم .

أما النوع الثاني من التعليمية يطلق عليها اسم التعليمية الخاصة وهي « ديداكتيك المادة ، فهي تهتم بتدريس مادة من مواد التكوين من حيث الطرائق والأساليب الخاصة بها وبالتالي يمكن أن نتحدث عن ديداكتيك اللغة ، ونعني بذلك كل ما يتعلق بتدريس مهارات اللغة كالقراءة والتعبير والكتابة » ، أي أن التعليمية الخاصة هي تعليمية المواد حيث تقدم للمعلم التوجيهات التي هو بحاجة إليها كما تهتم بمراقبة العملية التربوية وتقويمها ، إنها تهتم بالمادة وتحديد المهارات اللازمة لتحقيق النجاح في تدريسها ، وعليه مثلا لكل مادة من المواد التي تدرس تعليمية خاصة بها فإن للفلسفة أيضا تعليميتها الخاصة بها .

- ففيما تتمثل هذه التعليمية ؟

- إن الهدف من تعليم الفلسفة ليس هو اكتساب متعلمها مجموعة من المعارف الفلسفية التي تساعده في تحليل مواضيع الامتحانات فقط وإنما الهدف الأساسي منها ، هو إكسابه كفاءات التفكير الفلسفي وتعويده على ممارسة التفلسف ، فالتلميذ يكتشف الحقيقة من خلال التفلسف وبالتالي إخضاع الدرس الفلسفي للديداكتيك كما يرى ميشال توزي هو توسيط لبلوغ هذا الهدف، ولأجل ذلك وضع توزي فرضية ديداكتيك للتفلسف أي دايداكتيك خاصة بالفلسفة مفادها التفريق والتمييز بين التفلسف أما التلميذ وإكسابه كفاءات التفلسف ( المفهمة ، الحجاج ، النقد ، التعليل ...الخ ) وعليه فإن ديداكتيك الفلسفة تتحد بين التعليم والتعلم أي بين تعليم الآخرين التفلسف ، وبين الممارسة الذاتية لفعل التفلسف .

- ولكن السؤال المطروح : هو كيف ندرس الفلسفة ؟

- إن ما نعلمه لطالب الفلسفة هو الدحض ، والحجاج ، وهما إن صح التعبير تقنيتان مهمتان في التفكير الفلسفي وفي الممارسة لفعل التفلسف ، وقد تضمنتها الطريقة الحوارية التوليدية السقراطية ، فقد استخدم سقراط هذه الطريقة في التعلم وقد استلهمت النظريات التربوية الحديثة هذه الطريقة في مجال التعلم نظرا لأهميتها .

ففي الطريقة الحوارية يظهر التفاعل بين المعلم والمتعلم ، ويأخذ النقاش حصة الأسد فلا يصبح المعلم هو المسيطر على العملية التعليمية مثلما هو الحال في طريقة الإلقاء ، بل تقديم الدرس بالطريقة الحوارية يجعل المتعلم يساهم في إنجازه ، ويعوده آليات التفكير الفلسفي كالتعبير عن الرأي والحجاج والنقد ، والتحليل ...الخ

كما يعلمه الدحض ، الذي كان يستخدمه سقراط وهو سؤال توليدي حيث كان سقراط يطرح السؤال ويستمع إجابة خصمه ( السوفسطائيين ) ويتظاهر أنه يوافق على إجابتهم ، ثم يواصل في طرح الأسئلة إلى أن يصل إلى مرحلة إيقاع خصمه في التناقض .

- أما البرهنة أو الحجاج : فهو دعامة التفكير الفلسفي إذ لا يمكن تقديم الموقف من موضوع ما دون تقديم الحجاج ، وقد استخدم سقراط الحجاج في محاورة فيدون ( نظرية الأرواح ).

وقد شكلت الطريقة الحوارية – الجدل الفلسفي ومنه شكلت الطريقة الجدلية التي تستخدم في تحليل المقالات الفلسفية وبالنسبة لأفلاطون فإنه اشترط في تعليم الفلسفة شروط خاصة وهي أن يخضع المتعلم إلى تدريب خاص مدة ثلاثين عاما يتكون خلال  هذه المدة ويتعلم : الرياضيات ، والأدب والموسيقى والعلوم ثم يتدرب على الديالكتيك ( الجدل ) مدة خمس سنوات، بعدها يتدرب على مسؤوليات وطنه مدة خمسة عشرة سنة ، وبعدها يأتي بتعلم الفلسفة، هذا عن واقع تعلم الفلسفة في الحضارة اليونانية أما في العصر الحديث ، فإننا نجد إيمانويل كانط مثلا يركز على أهمية تعليم فعل التفلسف قائلا : « لا يمكننا أن نتعلم الفلسفة بل يمكننا أن نتعلم التفلسف ، فتعلم التفلسف يعني استخدام العقل ومن ثمة تدريبه على حل المشكلات. أما فردريك هيغل فإنه يشترط على مدرس الفلسفة أن يتوفر فيه شرطان يراهما مهمان لتعليم الفلسفة وهما : الوضوح والعمق ، وأن يتدرج في تدريس الفلسفة تدرجا يتناسب مع مستوى المتلقي ومع الحصص الزمنية المخصص له».

 أما ميشال توزي وهو أستاذ علوم التربية بجامعة مونبيليه الفرنسية فقد وضع نظريات ديداكتكية ، بغية إدماج الفلسفة في النظام التعليمي الفرنسي ، وقد طالب بضرورة تدريس الفلسفة في جميع المستويات الدراسية ( إبتدائي – ثانوي ، جامعي ).

·        لكل مادة من المواد التي تدرس أهداف مسطرة تفرضها أسئلة مهمة غالبا ما تنحصر في الأسئلة التالية :

ماذا ادرس ؟ كيف أدرس ؟ ولماذا أدرس ؟ وهي الأسئلة نفسها التي وجب على مدرس الفلسفة أن يطرحها ويجيب عنها لأن ذلك يساعده في تسطير الأهداف وهذه الأخيرة تساعده في وضع مخطط عام للتدريس وكذلك للدرس .

ففي الفلسفة حينما نتساءل عن " ماذا أدرس "؟ فأنا أتساءل عن مضمون المادة ، أي عن المواضيع التي أدرسها للتلميذ وهي مواضيع محددة سلفا في المقرر الدراسي من طرف لجنة مكونة من مختصين تختارهم الوزارة ويختلف مضمون ( البرنامج ) مادة الفلسفة من دولة إلى أخرى وقد أشار جان بياجيه إلى هذا في قوله :

« إن للفلسفة قيمة قيمة ثابتة ومشتركة لدى كل الأنظمة في تنوعاتها وحاملة لقيم واسعة ، إنها إيمان معقلن ، وعلى هذا الأساس يختلف مضمونها التعليمي من بلد لآخر ».

وعليه فإن مضمون مادة الفلسفة في الجزائر ، يختلف من مستوى لآخر ، فبرنامج السنة الثانية آداب وفلسفة ، يختلف عن برنامج السنة الثالثة فلسفة ، وبرنامج شعبة الآداب والفلسفة في السنة الثالثة يختلف عن برنامج الشعب العلمية وهكذا.

فنجد مثلا مضمون مادة الفلسفة الخاص بالنسبة الثالثة آداب وفلسفة يتمثل في الإشكاليات التالية ( في إدراك العالم الخارجي ، الأخلاق الموضوعية والأخلاق النسبية ، فلسفة العلوم ، والفن والتصوف بين النسبي والمطلق ) وطبعا كل إشكالية مجزأة إلى مجموعة من المشكلات .

- كيف أدرس مادة الفلسفة ؟

- لا توجد طريقة واحدة في تدريس الفلسفة بل هناك عدة طرق وهي :

طرائق تدريس الفلسفة

 

 


الطريقة الإلقائية        الطريقة الحوارية       التدريس بالنصوص             حل المشكلات

                                                             الفلسفية

يعتمد فيها الأستاذ          التفاعل بين المعلم                                               الاعتماد

 على المحاضرة            والتلاميذ في             توظيف النص                  على طرح

أي يكون هو            إنجاز الدرس                   لخدمة وإثراء                      الوضعيات

المحاضر               سؤال جواب                     ما تم تناوله                      المشكلة

 والمتعلم                                                في الدرس                         وإيجاد

متلقي فقط                                                                                حلول لها

لماذا ندرس الفلسفة ؟

أي ما هي الأهداف المرجوة من تدريس الفلسفة؟

بالنسبة لتدريس الفلسفة  في الجزائر ، فإن أهداف تدريس هذه المادة مشار إليها سلفا في الكتاب المدرسي الخاص بالفلسفة وهي كالتالي :

01- تأصيل روح التفتح والاعتدال في إبداء المواقف أو الرأي ومرونة التصرف مع الآخر .

02- إدماج الفرد في الكيان الاجتماعي العام ، عضوا ناجحا منتجا وفعالا .

03- عقلنة أساليب التعامل مع الأفكار والوقائع والأشياء بما ييسر التكيف معها وذلك بتمكين الفكر من تنمية منهجية الصورية والتحليل ، والتركيب ، والنقد ، والاستدلال .

04- ترقية أنماط البحث والتقصي على أساس الموضوعية العلمية .

05- تفعيل الجانب العلمي في التصدي لمختلف المشكلات والسعي إلى حلها »

* إن التعليم في مراحله الأولى وقبل ظهور طريقة التدريس بالمقارنة بالكفاءات ، كان يكتفي بإكساب التلميذ ( المتعلم ) معارف مختلفة في شتى المواد ، وكان الهدف واحد وهو تمكين المتعلم من توظيف هذه المعارف لحل أسئلة الامتحان ، ولم يكن يعنيه إكساب المتعلم كفاءات يستطيع توظيفها لحل المشاكل التي تعترض حياته ، إلى أن ظهرت طريقة المقاربة بالكفاءات ، وهي طريقة في التدريس تركز على التحليل الدقيق للوضعيات التي يتواجد فيها المتعلمون أو التي سوف يتواجدون فيها .

- كما أنها تنص أيضا على تحديد الكفاءات المطلوبة لأداء مهمة ما ومن مزايا هذه الطريقة أنها :

01- تعمل على تنمية قدرات المتعلم العقلية ( المعرفية ) ، العاطفية ( الانفعالية ) والنفسية والحركية .

02- تحفيز المتعلمين على العمل ، وتعمل على انضباط التلاميذ من خلال تكليف كل واحد منهم بمهمة تتماشى مع ميولاته

03- تكتسب المتعلمين كفاءات تساعدهم على مواجهة مشاكلهم اليومية وإيجاد حلول لها .

04- وعليه فإن الأستاذ في هذه الطريقة يلعب دور الموجه والوسيط بين المعرفة والمتعلم .

05- كما أنها طريقة تمزج بين التلقين والحوار .

06- في هذه الطريقة يساهم كل من المعلم والمتعلم في بناء الدرس .

07- كما أنها ترتقي إلى المعارف الإجرائية ، التي يمكن أن يوظفها المتعلم في حل مشاكله اليومية.

تعليمية أو ديداكتيك الفلسفة

 

1. مقدمة:

إن العملية التعليمية التعلمية تتطلب الإحاطة بجميع مكوناتها، وكل ما يحيط بها من علوم التربية والبيداغوجيا والديداكتيك، ولعل هذا الأخير يكتسي أهمية بالغة، إذا اعتبرنا أنه مرتبط بالجانب التطبيقي من العملية التعليمية التعلمية، وبالتالي يمكن القول بأن الديداكتيك يشكل ضرورة ملحة بالنسبة لعملية التدريس، باعتباره يساهم في تمكين الأطر التربوية من أداء أدوارها بشكل فعال، وذلك من خلال التوفيق بين المناهج والبرامج الدراسية مع وضعيات التدريس المختلفة. ويساهم الديداكتيك  كذلك في ضبط الإجراءات والآليات المناسبة لتدريس المادة الدراسية، بالإضافة إلى التخطيط الذي يساعد في تحقيق الأهداف والكفايات. كما يمكن اعتبار الديداكتيك بمثابة تصور يوضح فلسفة المنهاج، ويساعد على استنتاج مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة في العملية التعليمية التعلمية.

وانطلاقا من أن الدرس الفلسفي أساسا هدفه تحقيق تمثل سلوك المتعلم الخاص بتنمية جملة من القدرات والكفايات، (القدرة على النقد وعلى التحليل والتركيب...)، وهو ما يجب على المدرسين انطلاقا من وظيفتهم الديداكتيكية، تأصيلها وترسيخها في البنيات المعرفية الذهنية والمنطقية للمتعلمين، تحقيقا لما هو مراهن عليها في الدرس الفلسفي كاختيار استراتيجي في التوجيهات الرسمية، وذلك من خلال توعيتهم بخلفياتها والدفع بهم إلى استبصار قيمها النبيلة وأبعادها المنهجية في تفكيك الواقع ومحاولة الارتقاء به نحو الأفضل، وبهذا فإن تدريس الفلسفة يجب أن يرتكز على تعلم التفكير الذاتي بهدف تعويد وتدريب العقل على الممارسة النقدية.

كيف يمكن إخضاع الأنشطة الفلسفية إلى وضعيات ديداكتيكية؟.

2. مفهوم الديداكتيك

الديداكتيك هي، بالأساس، تفكير في المادة الدراسية بغية تدريسها، فهي تواجه نوعين من المشكلات: مشكلات تتعلق بالمادة وبنيتها ومنطقها، وهي مشاكل تنشأ عن موضوعات ثقافية سابقة الوجود ومشاكل ترتبط بالفرد في وضعية التعلم وهي مشاكل منطقية وسيكولوجية. فالديداكتيك ليست إذن حقلا معرفيا قائما بذاته، وذلك على الأقل في المرحلة الحالية من تطورها، وقد لا تكون مدعوة لأن تصبح حقلا معرفيا مستقبلا، ومع ذلك، ليس ثمة شك في وجود مجال للنشاط خاص بتدريس مختلف المواد الدراسية. والذي يتطلب بحثا مستمرا قصد تحسين التواصل، وبالأخص، البحث في كيفية اكتساب المتعلم للمفاهيم.[1]

1.2     المعنى اللغوي للديداكتيك:

تعني كل ما يهم التدريس والتعليم، ويقابله في الترجمة إلى العربية عدة مفردات؛ كعلم التدريس أو فن التدريس أو منهجية التدريس، والتدريسية أو علم التعليم أو التعليمية، والتربية الخاصة أو الديداكتيك أو الديداكتيكا.

كلمة الديداكتيك، في اللغات الغربية مشتقة من الكلمة اليونانية "didaktikos" وتعني: فلنتعلم؛ أي: يُعلِّم بعضُنا بعضًا، والمشتقة أساسًا من الكلمة الإغريقية " didaskein" ومعناها التعلُّم، وقد استخدمت هذه الكلمة أول مرة في التربية مرادفة لفن التعليم، وقد استخدمها "Comenius " والذي يعدُّ الأب الروحي للبيداغوجيا منذ سنة 1657 في كتابه "الديداكتيك الكبرى"؛ حيث يعرفها بأنها: الفن العام للتعليم في مختلف المواد التعليمية، ولا يعتبرها فنًّا للتعليم فقط؛ بل للتربية أيضًا، إن كلمة حسب Comenius تدل على تبليغ وإيصال المعارف لجميع الناس، فنجد في اللغة العربية مجموعةً من المصطلحات تقابل مصطلح " didactique " تعليمية، علم التدريس، علم التعليم، التدريسية.[2]

وتعني حسب قاموس روبير الصغير Le petit Robert ، درس أو علّم enseigner ويقصد بها كل ما يهدف إلى التثقيف وكل ماله علاقة بالتعليم.[3]

ظهر مصطلح الديداكتيك  في النصف الثاني من القرن العشرين. ومن خلال التعاريف التي وضعت له في القواميس؛ كان معناه: فن التدريس أو فن التعليم. ومنذ ذلك الوقت أصبح مصطلح الديداكتيك  مرتبطا بالتعليم، دون تحديد دقيق لوظيفته.[4]

وفي سنة 1988 اعتبره أندري لالاند André Lalande فرعا من فروع البيداغوجيا، موضوعه التدريس.[5]

2.2. المعنى الاصطلاحي للديداكتيك:

أول من استخدم كلمة الديداكتيك في التربية كمرادف لفن التعلّم، هو كومينوس أو كامينسكي أو Comenus، الذي يعد الأب الروحي للبيداغوجيا وذلك سنة 1657، في كتابه "الديداكتيكا الكبرى"، حيث يعرفها بالفن العام للتعلّم في مختلف المواد التعليمية، ويضيف بأنّها ليست فنا للتعلّم فقط بل للتربية أيضا. إن كلمة ديداكتيك حسب كومينيوس تدلّ على تبليغ وإيصال المعارف لجميع النّاس.[6]

وترتبط  الديداكتيك  بمنهجيات تدريس مادة أو تخصُّص معين، كما يفيد التفاعلات التي قد تتحقق في وضعية تعلمية تعليمية بين معرفة محددة ومدرس تلك المعرفة.[7]  وتهتم  الديداكتيك بالوضعيات التدريسية، والتي يلعب فيها المتعلم دورًا أساسيًّا، وينحصر دور المدرس في تسهيل عملية التعلُّم، بتصنيف المادة الدراسية تصنيفًا يتلاءم مع حاجات هذا المتعلِّم وتحديد الطريقة الملائمة لتعلُّمه وتنظيم فضاء ومجال التعلم.[8]

فنجد أن هناك من يعتبر الديداكتيك  بمثابة علم مساعد للبيداغوجيا، وتسند إليها مهمات تربوية عامة من أجل إنجاز تفاصيلها. وهناك أيضا من يعتبرها بمثابة تأمل وتفكير في طبيعة المادة الدراسية، وغايات تدريسها، بالإضافة إلى صياغة فرضيات خاصة انطلاقا من المعطيات المتجددة والمتنوعة باستمرار، كما أنها دراسة نظرية تطبيقية للفعل البيداغوجي المتعلق بتدريس تلك المادة. ومن خلال ذلك نستنتج أن الديداكتيك تتمحور حول المتعلم والمادة الدراسية والمدرس، وموضوعها هو سيرورة التعلم والفعل البيداغوجي، وتستمد مرجعياتها من علم النفس وعلم الاجتماع ونظريات التعلم، أما حقلها النظري فهو البيداغوجيا، وتتمثل مهمتها في التأمل في طبيعة المادة الدراسية وغايات تدريسها، بالإضافة إلى صوغ فرضيات، وحل مشكلات التعلم. وغالبًا ما يستعمل لفظ الديداكتيك كمرادف للبيداغوجيا، بيد أنه إذا استبعدنا بعض الاستعمالات الأسلوبية، فإن اللفظ يوحي بمعانٍ أخرى، تعبر عن مقاربة خاصة لمشكلات التعليم، وقد ارتبطت الديداكتيك في دراستها بعلم النفس ونظريات التعلُّم والسوسيولوجيا، واستعارت مفاهيمها من علوم ومجالات معرفية أخرى، وكانت حسب "أبليهنس" علمًا مساعدًا للبيداغوجيا، كما أسند إليها دور بناء الاستراتيجيات البيداغوجية المساعدة على بلوغ الأهداف، أما حديثًا فقد تطوَّرت الديداكتيك نحو بناء مفهومها الخاص بفعل تطور البحوث الأساسية والعلمية، وبدأت تكسب استقلالها عن هيمنة العلوم الأخرى.

إن الديداكتيك هي الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم التي يعيشها المتعلم، لبلوغ هدف عقلي أو وجداني أو حسي حركي. وتتطلب الدراسة العلمية، كما نعلم، شروطا دقيقة منها بالأساس، الالتزام بالمنهج العلمي في طرح الإشكالية ووضع الفرضيات وصياغتها وتمحيصها للتأكد من صحتها عن طريق الاختبار والتجريب. ومن حيث الموضوع تنصب هذه الدراسة على الوضعيات التعلمية، التي يلعب فيها المتعلم (التلميذ) الدور الأساسي. بمعنى أن دور المدرس يتحدد في تسهيل عملية تعلم التلميذ بتصنيف المادة التعليمية تصنيفا يلائم حاجاته، وتحديد الطريقة الملائمة لتعلمه، وتحضير الأدوات الضرورية والمساعدة على هذا التعلم. ويبدو أن هذه الاجراءات ليست بالعملية السهلة، إذ تتطلب الاستنجاد بمصادر معرفية مساعدة، كعلم النفس لمعرفة هذا التلميذ وحاجاته، والتربية لتحديد الطرق الملائمة. وينبغي أن يقود التنظيم المنهجي للعملية التعليمية التعلمية، إلى تحقيق أهداف تراعي شمولية السلوك الإنساني. أي أن نتائج التعلم ينبغي أن تتجلى على مستوى المعارف والقدرات التي يكتسبها المتعلم، وعلى مستوى المواقف الوجدانية، وكذلك على مستوى المهارات الحسية الحركية، التي تتجلى مثلا في الفنون والرياضات .

3. المثلث الديداكتيكي وأقطاب المثلث التعليمي:

هو ذلك المثلث المعبِّر عن الوضعية التعليمية باعتبارها نسقًا يجمع بين ثلاثة أقطاب غير متكافئة هي: تلميذ، ومدرس، ومعرفة، وما يحدث من تفاعلات بين كل قطب من هذه الأقطاب في علاقته بالقطبين الآخرين.

 أقطاب المثلث التعليمي: يتكون المثلث التّعليمي من ثلاثة أطراف مهمة المعلّم والمتعلّم والمعرفة، وهذه الثلاثية تتفاعل فيما بينها، لتنتج تعلّما قائما على التكامل وهي كالآتي:

المعلّم: يمثل المعلّم الركيزة الأساسية التي تساهم في نجاح العملية التعليمية لأنّه يعتبر موجها ومرشدا ومالكا للمعرفة والكفايات التي تجعله مؤهلا لتبليغ الرسالة، ويعتبر منشأ ومحفزا ومنظّما يدفع طلابه إلى الابتكار، فهو بهذا تحول من محور التعلّم إلى موجه ومنشط للتعلّم، والمعلّم باعتباره قطبا من أقطاب هذه العملية لابد أن تتوفّر فيه خصائص معرفية وشخصية وهذا ما نوه إليه عبد العليم إبراهيم بقوله: "المقومات الأساسية للتّدريس إنّما هي تلك المهارة التي تبدو في موقف المدرس وحسن اتصاله بالتلاميذ وحديثه إليهم واستماعه لهم وتصرفه في إجاباتهم وبراعته في استهوائهم والنفاذ إلى قلوبهم إلى غير ذلك من مظاهر العملية التّعليمية الناجحة".[9]

المتعلّم: يعد المتعلّم محور العملية التّعليمية، فهو في سعي دائم لاكتساب مختلف المعارف والخبرات والمهارات اللغوية من خلال الإسهام الفعال في بناء هذه العملية، فإذا في التّعليم التقليدي لا يملك أي دور في العملية التّعليمية باستثناء تلقيه للمعلومات التي تملى عليه ليحفظها بهدف استرجاعها وقت الامتحان، فإن المقاربة الجديدة للمناهج تعمل على إشراكه مسؤولية القيادة وتنفيذ عملية التعلّم من خلال تحفيز بعض أجزاء المادة الدراسية وشرحها، كما تتيح له الفرصة لبناء معارف بإدماج المعطيات والحلول الجديدة في المكتسبات السابقة.[10]

 المعرفة: (المحتوى): هو كل ما يقدم للمتعلم من معلومات ومفاهيم ومهارات وقواعد وقوانين، وما يرجى إكسابه لهم من قيم اتجاهات وميول، فالمحتوى هو تحديد ماذا تدرس؟ ويمكن القول إن المحتوى هو وسيلة تحقيق أهداف المنهج، ويبني، إذن فالمحتوى هو  المحتوى التّعليمي لأي مقرر،[11]  أو وحدة دراسية حول فكرة أساسية كبيرة يراد للتلاميذ أن يتعلّموها الغاية التي يسعى المعلّم إلى إيصالها للمتعلّم، وهو يعب عن حاجات المتعلّم وميولاته في أغلب الأحيان، ويمكن أن نشير هنا أن المحتوى يكون صادقا كلّما كان وثيق الصلة بالأهداف المسطرة، وكذلك كلّما كان متماشيا مع الأفكار الحديثة التي ثبتت صحتها.[12]

إن كلّ قطب من أقطاب المثلث التّعليمي يعتبر مهما في العملي التّعليمية ولا يمكن الاستغناء عنه مهما يكن.

العلاقة بين رؤوس المثلث التّعليمي: يمكن الكشف عن النسق الديداكتيكي  بمثلث تتكامل فيه أقطاب ثلاثة هي: المعلّم والمتعلّم والمعرفة (المادة الدراسية)، إلا أن هذا التفاعل يتم التأكيد فيه على علاقة هذه الأقطاب بالمعرفة، أي على ما يمكن تسميته بالأطراف الثلاثة لموضوع الديداكتيك: البعد الإبستمولوجي (العلاقة بين: مدرس ــ معرفة (البعد السيكولوجي) العلاقة بين: متعلم ــ معرفة . (البعد البيداغوجي) العلاقة بين: مدرس ــ متعلم.

1.3. العلاقة بين رؤوس المثلث التّعليمي:

إن المثلث الديداكتيكي يركز على التحليل النسقي للديداكتيك ومختلف العلاقات التفاعلية بين مكونات الفعل الديداكتيكي وهي المدرس والمادة والمتعلّم، والأقطاب الثلاثة .[13]  أي يمكن الكشف عن النسق الديداكتيكي  بمثلث تتكامل فيه أقطاب ثلاثة هي: المعلّم والمتعلّم والمعرفة (المادة الدراسية)، إلا أن هذا التفاعل يتم التأكيد فيه على علاقة هذه الأقطاب بالمعرفة، أي على ما يمكن تسميته بالأطراف الثلاثة لموضوع الديداكتيك: (البعد الإبستمولوجي) يمثل العلاقة بين: المدرس ــ المعرفة، (البعد السيكولوجي) ويمثل العلاقة بين: المتعلم ــ المعرفة، و(البعد البيداغوجي) الذي يمثل العلاقة بين: المدرس ــ المتعلم.

والأقطاب الثلاثة هي:

- القطب البيداغوجي: ويربط علاقة المدرس بالمتعلّم، ويوثّقها مفهوم التّعاقد الديداكتيكي، ويركّز على الاتفاقات التي تحدد أدوار ومهام المدرس والمتعلّم، والتي تجعل التواصل التربوي الصفي يعرف سبيله للنّجاح، فالحياة مبنية على التّعاقد ورباط الميثاق، والحياة التّربوية أولى بها فغياب التعاقد الديداكتيكي يفضي إلى فوضى وغياب المردودية، وغياب جودة الفعل التّربوي.

- القطب السيكولوجي: ويربط علاقة المتعلّم بالمادة المتعلّمة، وتمثلاته حولها، واستعداده للتّفاعل معها، من خلال

استدماج المكتسبات القبلية، بغية بناء معرفة جديدة، وكلّما تم استثمار تمثلات المتعلّم في بناء معارف جديدة، كلّما تفاعل وشارك في بناء تعلّماته والأمر ينعكس.

- القطب الإبستمولوجي: ويركّز على العلاقة بين المدرس والمعرفة، أي الكشف عن الآليات التي يتم تفعيلها داخل العلبة السوداء كما سماها أحد الباحثين، المعرفة للمدرس، وحقول استمداده لها، وهذا جوهر بحث الدراسة، تبرز مهارة المدرس في تجويد فعل النّقل الديداكتيكي من خلال مجموعة العمليات الإستراتيجية التّخطيطية التي يعتمدها المدرس لنقل المعارف من مستواها الأكاديمي العام إلى المستوى المبسط المتعلّم، من خلال التّفاعل الإيجابي بينه وبين المتعلّم في بناء المعرفة من خلال التّوجيه الهادف والتّواصل الصفي البناء بغية استثمار الموارد المدمجة، لتحقيق مرامي المنهاج المدرسي والتّوجهات التّربوية، وتفعيل الأطر المرجعية للمادة قيد الدرس.

  2.3. التعاقد الديداكتيكي:

بدأ مفهوم التعاقد الديداكتيكي يتبلور في الظهور مع أعمال ودراسات الباحث التربوي بروسو Brousseau، وهذا المفهوم يراهن على سلوكيات المدرس المنتظرة من التلاميذ وعلى سلوكيات هؤلاء المنتظرة من المدرس، وعلاقات هؤلاء وأولئك بالمعرفة المستهدفة من قبل عملية التعلُّم. 

وعليه يمكن القول: إن التعاقد الديداكتيكي هو تلك القواعد التي تتحدد بصورة أقل وضوحًا على ما يتوجب على كل شريك أن يمتثل له ويلتزم به، وهو بمثابة قانون يحدد موقع كل من المدرس والمتمدرس ومستويات المسؤولية الموكولة لكل منهما.

نستخلص أن الديداكتيك مجموع الطرائق والتقنيات والوسائل التي تساعد على تدريس مادة معينة له ثلاث مستويات:

الديداكتيك العامة: وهي التي تسعى إلى تطبيق مبادئها وخلاصة نتائجها على مجموع المواد التعليمية.

الديداكتيك الخاصة: وهي التي تهتم بتخطيط عملية التدريس أو التعلم لمادة دراسية معينة.

الديداكتيك الأساسية: وهي جزء من الديداكتيك يتضمن مجموع النقط النظرية والأسس العامة التي تتعلق بتخطيط الوضعيات البيداغوجية دون اعتبار للممارسات التطبيقية وتعني أيضا الديداكتيك النظرية.[14]

4. العلاقة التي تربط الديداكتيك بالبيداغوجيا وعلوم التربية

هناك من يميز بين البيداغوجيا والديداكتيك، فالأولى تستند إلى مجموعة من النظريات والمبادئ وتهتم بنقل المفاهيم إلى المتعلمين ومساعدتهم على اكتساب المعارف، أما الديداكتيك فهي فرع من فروع علوم التربية تستهدف جوانب العملية التعليمية لتجديد التعليم والتعلُّم وتطويره، كما تهتمُّ بالتخطيط لأهداف التربية ومراقبتها وتعديلها مع مراعاتها الطرق والوسائل التي تسمح ببلوغ هذه الأهداف.[15]

1.4. البيداغوجيا

كلمة البيداغوجيا مصطلح يوناني مكون من شقين؛ الأول "بيدا" ويعني الطفل والثاني "غوجيا" ويعني القيادة والتوجيه، فكان البيداغوجي في تلك الحقبة هو الخادم الذي يرافق الطفل خلال ذهابه إلى المعلمين لتلقي العلم، ونظرًا لوظيفته تلك اعتبر البيداغوجي مربيًا وليس معلمًا، وفي هذا الصدد كتب فارون أنه: "إذا كان المعلم يعلّم فإن البيداغوجي يربي، لأن هذا الأخير هو من يسهر على رعاية الطفل والأخذ بيده، وهو من يختار له المعلم ونوع التعليم الذي يجده مناسبًا للطفل حسب رأيه". فالبيداغوجيا كانت عملية تربوية خارج الإطار المكاني والجغرافي للمدرسة، بينما العملية التعليمية كانت داخل المدرسة، وارتبطت البيداغوجيا بتهذيب الخُلق بالمعنى الشامل والأوسع، بينما التعليم ارتبط بمقدار التحصيل المعرفي بالمعنى الضيق.

بالمختصر البيداغوجي كان يُطلَق، في الغالب، على الشخص الذي يقود الطفل إلى المدرسة ويحمل لوازمه ويساعده في مذاكرة دروسه وكتابة واجباته المدرسية. ترجع البيداغوجيا إلى المتعلّم وقيادته وتعليمه ومرافقته في تعلّمه، فهي والحال كذلك من أقدم العلوم التربوية.

البيداغوجيا هي  علم التربية، سواء أكانت بدنية أم فكريّة أم أخلاقية قيمية.[16]

2.4. علوم التربية

هو مصطلح استعمل حديثا للإشارة الى مجموعة من الأبحاث والدراسات المتنوعة الاختصاصات التي تناولت التربية من مختلف الزوايا. ورغم حداثة هذه العلوم فإنها استطاعت أن تراكم عددا هائلا من النظريات والنماذج التفسيرية ،كما أنها تمكنت من تطوير اساليب ومناهج في البحث، جعلتها ترقى الى وضع العلوم "المعترف بها "من طرف المجتمع العلمي الدولي، حتى وان كانت تتداخل مع اختصاصات اخرى لا تهتم مباشرة بالتربية. غيران ما يضمن وحدتها هو موضوعها المشترك، أي التربية، وهو نفس الموضوع الذي يبرر تنوعها وتعددها، نظرا لأبعادها المتشعبة. رغم هذا التعدد، فان بعض التصنيفات استطاعت أن تستجلي هذه العلوم التربوية[17] هي وسيلةٌ أساسيّةٌ من وسائل البقاء والاستمرار، كما أنها ضرورةٌ اجتماعيّةٌ تهدف لتلبية احتياجات المجتمع والاهتمام بها، كما أنها أيضاً ضرورةٌ فرديّةٌ من ضرورات الإنسان، فهي تكوّن شخصيّته وتصقل قدراته وثقافته ليكون على تفاعل وتناسق مع المجتمع المحيط به ليسهم فيه بفعاليّة، ومن هنا شغلت التّربية الكثير من الباحثين والدّارسين على مر العصور، وكان لها قدرٌ لا يُستهان به من الدراسة والتحليل.

يرتبط علم التعليم ارتباطًا وثيقًا بالتربية وهي عملية التدريس بشكل أكثر تحديداً ، ومع ذلك تعتبر علوم التعليم هي دراسة تحسين العملية التعليمية ، ويمكن أن يشمل مجال العلوم التربوية فحص وبحث أساليب التدريس المختلفة وكيفية تلقي مجموعات من الطلاب لهذه الأساليب وكذلك عملية تحسين منهجيات التدريس.[18]

تهتم الديداكتيك  بمضامين التعلم وبالتفاعلات التي تربط بين كل من المتعلم والمعرفة قصد تسهيل عملية اكتساب المعرفة من قبل المتعلمين، وتركز على المفاهيم الأساسية التي تؤثر في المادة الدراسية، وتحلل العلاقات بينها، كما تسلط الضوء على الجانب الاجتماعي من عملية التدريس، وذلك عن طريق تدبير كيفية عمل المفاهيم في المجتمع، والممارسات الاجتماعية التي تحيل عليها. كما ينصب اهتمام الديداكتيك على تشخيص وتحليل وضعيات القسم، من أجل استنتاج الطريقة الملائمة لاشتغال هذه الوضعيات، بالإضافة إلى دراسة تمثلات التلاميذ وصيغ تفكيرهم، وتحليل طرائق تدخل المدرس، حتى تتضح الإمكانيات التي ينبغي اقتراحها من أجل تجويد عملية التدريس. وفي نفس السياق يعتبر محمد الدريج بأن الديداكتيك هي الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته ولأشكال تنظيم مواقف التعليم التي يخضع لها المتعلم، قصد بلوغ الأهداف المنشودة، سواء على المستوى العقلي المعرفي أو الوجداني أو الحسي الحركي أو المهاري. كما تتضمن البحث في المسائل التي يطرحها تعليم مختلف المواد، ومن هنا تأتي تسمية "تربية خاصة" أي خاصة بتعليم المواد الدراسية (الديداكتيك الخاص أو ديداكتيك المواد) أو منهجية التدريس، في مقابل التربية العامة (الديداكتيك العام) التي تهتم بمختلف القضايا التربوية.

هكذا نستنتج بأن الديداكتيك يحتل مكانة مهمة في العملية التعليمية التعلمية، نظرا لما ينطوي عليه من طرائق وتقنيات وأساليب تهدف بالأساس إلى تجويد عملية التدريس، وهي العملية التي تركز على المتعلم بالدرجة الأولى، وتجعله مشاركا في بناء التعلُمات، بتوجيه من المدرس، وبالاعتماد على مجموعة من المعارف المخصصة لهذا الغرض، وهنا تتجلى أهمية الديداكتيك، هذا الأخير لا يسير بمعزل عن علوم التربية والبيداغوجيا، باعتبارهما يمهدان ويسهلان الطريق أمام ما تستدعيه العملية التربوية بشكل عام. من خلال ذلك، حاولت في هذا المقال تسليط الضوء على مفهوم الديداكتيك، وما يتضمنه من تفاصيل تهم بالأساس عملية التعليم والتعلم. وللإشارة فقد تم إنجاز هذا المقال بالاعتماد على مجموعة من المصادر والمراجع التي تتحدث حول الديداكتيك، كل ذلك من أجل توضيح الغموض الذي يحيط بهذا المفهوم.

وعليه يمكن القول إن العلاقة بين البيداغوجيا والديداكتيك وعلوم التربية هي علاقة تكاملية، يتم فيها استثمار مجموعة من المعطيات التي تروم خدمة العملية التعليمية التعلُّمية.

من خلال كل ما سبق إذن يظهر أن الديداكتيك ليس فن التدريس فحسب؛ بل هو نظرية موضوعها التدريس، وهي علم متشعب بتشعب عملية التدريس؛ لأن هذه العملية هي أخطر الممارسات الإنسانية؛ لأنها موجهة إلى عقول الناشئة من جهة، ومن جهة أخرى لأنها تتعامل مع أقطاب متعددة، مثل: المدرس، والتلاميذ، والمعارف، والمناخ الحضاري، والسياسة التربوية، والقيم المؤسسية.[19]

5. الديداكتيك في الفلسفة

إنّ ديداكتيك  الفلسفة، يطمح إلى تحويل بعض النتاج الفلسفيّ  إلى مادّة تعليميّة متحدّدة معرفيًّا ومهاريًّا، يشكّل في الواقع العين الفاحصة التي تنظر في آنٍ معًا في مضامين وأهداف المنهاج من جهة أولى، وفي الممارسات والاستراتيجيات  الملائمة لتحويل ما يُسطّره المنهاج إلى أهداف تعلّميّة وإلى لحظات أو إجراءات صفّيّة مناسبة من جهة ثانية. ففي ديداكتيك  الفلسفة تشابك بين طرفَين: المنهاج الرسميّ بما يمثّله من سلطة مؤسّسيّة، والتخطيطات والممارسات الصفّيّة؛ أي وضعيّات التنفيذ التي يقوم بها الجسم التعليميّ.

والمعلوم أنّ الديداكتيك، الذي يسعى إلى تحليل المعارف المسطّرة في المناهج وتحويلها إلى تعلّمات، لا يحظى بسمعة طيّبة لدى الفلاسفة نظرًا لما يشكّله من خطورة على الطبيعة النقديّة للتفلسف. مع ذلك، فإنّ تعليم الفلسفة قد استطاع أن ينتج ديداكتيكه الخاصّ.

وذلك بتنوير أساتذة المادّة إلى كيفيّة إدماج العلوم التربويّة والشروط الديداكتيكيّة مع مقتضيات التفلسف بالشكل الذي يساعدهم في عمليّة انتقاء الأدوات والتقنيّات التعلّميّة وفي عمليّة تحديد الأهداف الإجرائيّة والتعلّمات المطلوبة في الدرس الفلسفيّ. إنّه إذًا تنوير يجعل أستاذ المادّة في وضعيّة المتفحّص للآمال والمخاوف الناتجة عن تطبيقات الديداكتيك في الدرس الفلسفيّ، بحيث لا يكون متطرّفًا للجانب الديداكتيكيّ البحت، بل يحاول باستمرار أن يحيله إلى ما يناسب أصول التفلسف وخصوصيّته.

وبالتالي، فإنّ المنطلق الحقيقيّ لكلّ مداخلة ديداكيتكيّة ناجعة يفترض به الانطلاق من الواقع التعليميّ ومشكلاته، أي من دراسة حاجات تتركّز على ما يواجه تعليم المادّة من معوّقات مختلفة.

 هذه الدراسة التي تقدّم تنظيرًا لديداكتيك  الفلسفة مع تطبيقات ديداكتيكيّة  جديرة بأن تُقرَأ قراءةً منهجيّةً وتربويّةً لما لها من آثار مثمرة على صعيد الدرس الفلسفيّ تعلّمًا وتعليمًا، علّها تكون مدماكًا في بناء الإنسان من خلال بناء مفاهيمه وفلسفته بنحو استقلاليّ، مرتكز على المباني العلميّة الدقيقة لتكون النتائج كما المقدّمات دقيقةً.

وهذا يجعلنا نتنبّه من كثير من الأفكار، فالفلسفة ليست كلّ تفكير وكيفما كان، ولا أيّ نتيجة يمكن وصفها بالفلسفيّة. وهنا تكمن مسؤوليّة المعلّمين في توجيه المتعلّمين والأخذ بأيديهم حذرًا من الانحراف العقائديّ والدينيّ السلوكيّ وهذه مسألة بالغة الخطورة؛ لأنّنا لا نريد بناء أيّ فلسفة، بل بناء فلسفة حقّة تهدف للوصول إلى الحقيقة الصافية، وتحفظ إيمان المؤمن وعقائده وأخلاقه.

1.5. وضعيات تعليم وتعلم الفلسفة

ديداكتيك الفلسفة هو دراسة وضعيات وسيرورات تعليم وتعلم الفلسفة قصد تطويرها وتحسينها، والتفكير في المشكلات الديداكتيكية التي يثيرها تعليم هذه المادة وتعلمها. وتشتغل ديداكتيك الفلسفة انطلاقا من حقول معرفية عديدة ومتنوعة من أهمها:

1.حقل المادة الدراسية ذاتها:

ذلك أن التفكير الديداكتيكي في الفلسفة لا بد وأن يتخذ منطلقا له، الفلسفة ذاتها من حيث هي مادة دراسية: تاريخها، مناهجها، أهدافها، طرائق إنتاج الفلسفة (التفلسف)، وطبيعة فعل التفلسف وآلياته واستراتيجياته، طبيعة المفاهيم الفلسفية مقارنة مع مفاهيم العلوم الطبيعية مثلا، نوعية المعارف التي ينبغي تدريسها وكيفية انتقائها ومعايير هذا الانتقاء، طبيعة الفلسفة ذاتها هل هي معرفة أم مجرد موقف من المعرفة.

2.حقل البيداغوجيا:

 ويتعلق الأمر بالتفكير في نوعية طرائق التدريس الأكثر ملاءمة لطبيعة الفلسفة والأهداف من تعليمها وتعلمها: هل ينبغي أن تستمد هذه الطرائق من داخل الفلسفة ذاتها أم يتوجب الاستفادة من طرائق عامة. ويندرج في إطار حقل البيداغوجيا التساؤل حول أهداف درس الفلسفة وأغراضه وعلاقتها بطرائق التدريس من جهة وبخصوصيات دراسة الفلسفة من جهة ثانية.

3.حقل السيكولوجيا:

تثار في إطار هذا الحقل العديد من الأسئلة ذات البعد الديداكتيكي الواضح يتعلق أغلبها بالمتعلم وخصوصياته، العوائق السوسيووجدانية والابستمولوجية التي تحول دون تفوقه في تعلم الفلسفة، كيفية اكساب المتعلم المفاهيم الفلسفية.

توجد نقطة الانطلاق النظرية للقضايا المطروحة من قبل المتخصصين في ديدكتيك  الفلسفة في مفهوم  الهدف النواة  المقتبس من ديداكتيك العلوم التجريبية. ويعرفه م. توزي: بوصفه التوافق  الديدكتيكي بين ما ينبغي تدريسه باعتباره ما هو أساسي في الفلسفة ( منطق محتوى المواد الدراسية )، وما يمكن للمتعلمين استيعابه (منطق استيعاب المتعلمين ) ".[20]  لذلك ينبغي تحديد ما هو أساسي في الفلسفة، وهنا تكمن الصعوبة، لأن  التوافق الفلسفي بين الفلاسفة حول ما هي الفلسفة متعذر، إذا أخذنا بعين الاعتبار التعدد التاريخي للمذاهب التي تدعي كل واحدة منها المشروعية.  ومن حسن الحظ أن  توافقا ديدكتيكيا[21] سوف يحل محل التوافق الفلسفي المفتقد: إذا كان بالفعل  التوافق صعبا حين يتعلق الأمر بالفلسفة باعتبارها نتاجا للفكر، فإن هذا التوافق ممكن حين يتعلق  الأمر بالفلسفة كسيرورات في التفكير.[22]

2.5. أهداف تشكل المثلث الديدكتيكي للتفلسف:

يمكن استخراج ثلاثة أهداف تشكل المثلث الديدكتيكي للتفلسف:

•        القدرة على المفهمة  الفلسفية لمفهوم أولي.

•        القدرة على الأشكلة الفلسفية لسؤال أو مفهوم أولي.

•        القدرة على المحاجة الفلسفية لأطروحة.

إذا كان يتعين على ديدكتيك  الفلسفة أن يحدد لنفسه أهدافا فلسفية حقيقية، وإذا لم يكن بإمكانه أن يحققها إلا من خلال تدريب التلميذ على التفلسف من خلال خصوصية هذه النصوص التي يتحقق بداخلها ما هو كوني في الفلسفة، وإذا كان هذا التدريب يفترض هو بدوره خصوصية وساطة العرض الإلقائي، فينبغي بالأولى التفكير فيه كفن لا كمنهج. فهذا الأخير يتميز عن الأول بالقابلية لتصور نظام للوسائل استنادا إلى مبادئ وعرضه بكيفية سابقة على التنفيذ بحيث تكون سلسلة الإجراءات التي ينبغي القيام بها لبلوغ الهدف محددة مسبقا. والحال، وكما يرى مؤلفو تعلم التفلسف، عن حق ” أن تعليم الفلسفة، على عكس المواد الأخرى، لا يفرض بتاتا مسارا متدرجا خطيا ملازما له، فالنظام الوحيد الملازم له يترتب احتمالا عن الفلسفة الشخصية للمدرس.  ونستخلص من هذا، أن ديدكتيك الفلسفة لا يكون ممكنا إلا إذا أخذ بعين اعتباره الدور الحاسم لوساطة العرض الإلقائي وعدم قابلية تدريس الفلسفة لأن يختزل إلى اكتساب آليات. يتحدد ديدكتيك الفلسفة كفن ويتحدد المدرس كحرفي لا كتقني.

لكن تبقى الفلسفة محافظة على كيانها وطبيعتها وخصوصيتها، مما يجعل تدريسها يتطلب أسلوبا حواريا ومنهجا سقراطيا، يقول جيل دولوز: "إن الفلسفة هي فن تشكيل المفاهيم واختراعها، أو صنعها، وأن الفيلسوف صديق للمفهوم، بل إن الفلسفة ليست مجرد فن لتشكيل وصناعة المفاهيم، لأن المفاهيم ليست بالضرورة أشكالا أو ما نعثر عليه، أو ننتجه، أن الفلسفة بصفة واضحة ومضبوطة، هي مادة معرفية تلح على إبداع المفاهيم" فهي إذن إنتاج مفاهيمي جديدة بشكل مستمر ودائم. وأن موضوعها هو الآخر لا يخرج عن دائرة إبداع المفاهيم. ونفس الشيء ذهب إليه نيتش عندما قال: "يتوجب على الفلاسفة أن لا يعولوا على تقبل المفاهيم التي تعطى لهم لغسلها، وتنقيتها، وإعادة استعمالها، ولكن يجب أن يشرعوا في صناعتها وإبداعها، ووصفها وإقناع الناس باللجوء إليها، ويجب على الفيلسوف أن يحدر من المفاهيم حدرا كبيرا، خصوصا إذا كان غير صانع لها بنفسه.

4. خاتمة:

إن تدريس الفلسفة يتمّ وفق البراديغم البيداغوجي المركب الذي يمثل نسقا منفتحا على حقول ابستمولوجية عديدة ومقاربات بيداغوجية متنوعة، على مستوى تخطيط وتدبير الممارسة التعليمية وعمليات التدريس وأنشطة التعلم، غير أنه في استراتيجيات التعلم  باعتباره مبحثا في علم النفس المعرفي والبيداغوجيا والعلوم العصبية  فإن التعلم لا يحصل إلا من خلال عمليات الإدراك والذاكرة واستخدام الرموز والعلامات اللغوية والبصرية، وبناء أنماط وتصاميم ونمذجة خطاطات دينامية للعمليات المعرفية والسوسيو وجدانية للمتعلمين، تكون لها القابلية لأن تتحول إلى استراتيجية معرفية، تعتمد على الفهم والإدراك والتحليل والتركيب والحفظ وتخزين المعارف وترويض الذاكرة في إطار  سيرورة اكتسابية، أو داخل ممارسة تعليمية تعلمية، وهي عملية إدماجية تعمل على تطوير المهارات وتعزيزها بخبرات جديدة سواء على مستوى معالجة المعلومات أو حل المشكلات.

4.      قائمة المراجع:

المراجع العربية:

1  - محمد الدريج؛ عودة إلى تعريف الديداكتيك: دراسة جديدة، الموقع الإلكتروني: صحيفة الأستاذ، 13 أكتوبر 2012. https://www.profvb.com/vb/t99561.htm                                      

2-   بعيسى أحسنات، حول مقاربة المنهاج الدراسي في مجال التربية والتعليم، (من البيداغوجيا والديداكتيك  إلى المنهاج الدراسي)، جريدة الحوار المتمدن، العدد 2342) ،14/07/2008.

3-  أحمد أوزي، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، الرباط. مجلة علوم التربية. 2006.

4- عبد اللطيف الفارابي وآخرون، معجم علوم التربية ـ مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، سلسلة علوم التربية، عدد 9 و10. مطبعة النجاح الجديدة. طبعة 1994.

5-   محمد الدريج، العودة إلى تعريف الديداكتيك أو علم التدريس كعلم مستقل، مجلة علوم التربية، العدد 47، مارس 2011.

6- الحسن اللحية؛ دليل المدرس التكويني المهني، دار الحرف للنشر والتوزيع، ط 1، 2008م، ص249.

7-  محمد الصدوقي، المفيد في التربية؛  د ط،  دت.

 8- عبد العليم إبراهيم، الموجه الفني لمدرسي اللّغة العربية، ط14 ، القاهرة، دار المعارف.

9- ليلى بن ميسية، تعليمية اللغة العربية من خلال النشاط المدرسي غير الصفي، رسالة ماجستير، جامعة فرحات عباس، سطيف، الجزائر، 2010 .

   10- كوثر حسين كوجة، تنويع التّدريس في الفصل ــ دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي، مكتبة اليونسكو الإقليمي، بيروت، لبنان، 2008.

   11- لخضر لكحل وكمال فرحاوي، أساسيات التّخطيط التّربوي، النّظرية والتّطبيقية، وزارة التربية الوطنية، الحراش،  الجزائر، 2009.

   12- عبد الوهاب صديقي،  النّحو الوظيفي وديداكتيك  اللّغة العربية نحو منهجية تدريس وظيفي، دار أمجد للنّشر والتّوزيع، الأردن، ط 1، 2017.

   13-  عبدالعزيز الأمراني؛ مدونة علوم التربية، عرض حول موضوع مدخل عام إلى الديداكتيك، 2013-2014.

   14- روني أوبير ترجمة عبد الله عبد الدايم. التربية العامة، دار العلم للملايين، بيروت، ط.1، 1967.

   15- أحمد شبشوب، مدخل الى الديداكتيك الديداكتيك العامة،  دفاتر التربية،  عدد 4 ، رمسيس الرباط،  يونيو 1997.

المراجع الأجنبية:

(1) G.Mialaret,  Les sciences de l’éducation, Q.S.J,  1984.

(2) Renald Legendre. Larousse, Zita De Koninck, Numéro 73, Paris, mars 1989.

(3) Michel TOZZI, Petit glossaire in, Enseigner la philosophie aujourd’hui, CRAP –Cahiers pédagogiques Séminaire 1989-1990, Université de Montpellier III.

(4) Michel TOZZI, Introduction à la problématique d’une didactique de l’apprentissage du philosopher in Didactique de l’apprentissage du philosopher, Université de Montpellier III, Décembre 1992.

(5) Deleuze Felix. Guattari : qu’est ce que la philosophie ? Collection les éditions de minuit, 1991.

 



[1] Jasmin..B . (1973) :Problematique possible de la didactique , Prospectives, vol. 9, no 2, avril 1973, Centre d'animation, de développement et de recherche en éducation, p. 58-60.

[2]  محمد الدريج؛ عودة إلى تعريف الديداكتيك: دراسة جديدة، الموقع الإلكتروني: صحيفة الأستاذ، 13 أكتوبر 2012. https://www.profvb.com/vb/t99561.html، تاريخ تصفح الموقع 03/01/2020.

[3]   بعيسى أحسنات، حول مقاربة المنهاج الدراسي في مجال التربية والتعليم،( من البيداغوجيا والديداكتيك إلى المنهاج الدراسي)، جريدة الحوار المتمدن، العدد 2342) ،14/07/2008 ،ص 3 .

[4]  أحمد أوزي، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، الرباط. مجلة علوم التربية. 2006. ص 140.

[5]  عبد اللطيف الفارابي وآخرون، معجم علوم التربية ـ مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، سلسلة علوم التربية، عدد 9 و10. مطبعة النجاح الجديدة. ط 1، 1994، ص 68.

[6]   محمد الدريج، العودة إلى تعريف الديداكتيك أو علم التدريس كعلم مستقل، مجلة علوم التربية، العدد 47، مارس 2011، ص1 .

[7]    الحسن اللحية؛ دليل المدرس التكويني المهني، دار الحرف للنشر والتوزيع، ط 1، 2008م، ص249.

[8]    محمد الصدوقي، المفيد في التربية؛  د ط،  دت،  ص 5.           

[9]  عبد العليم إبراهيم، الموجه الفني لمدرسي اللّغة العربية، ط14 ، القاهرة، دار المعارف، ص 25.

[10]  ليلى بن ميسية، تعليمية اللغة العربية من خلال النشاط المدرسي غير الصفي، رسالة ماجستير، جامعة فرحات عباس، سطيف، الجزائر، 2010 ، ص 9.

[11]  كوثر حسين كوجة، تنويع التّدريس في الفصل ــ دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي، مكتبة اليونسكو الإقليمي، بيروت، لبنان، 2008، ص 96 .

[12]  لخضر لكحل وكمال فرحاوي، أساسيات التّخطيط التّربوي، النّظرية والتّطبيقية، وزارة التربية الوطنية، الحراش،  الجزائر، 2009، ص 128.

[13]  عبد الوهاب صديقي،  النّحو الوظيفي وديداكتيك  اللّغة العربية نحو منهجية تدريس وظيفي، دار أمجد للنّشر والتّوزيع، الأردن، ط 1، 2017، ص 27-29.

[14]  Renald Legendre. Larousse, Zita De Koninck, Numéro 73, Paris, mars 1989, p. 680.

[15]  نور الدين أحمد قايد وحكيمة السبيعي؛ التعليمية وعلاقتها بالأداء البيداغوجي والتربية، مجلة الوحدات للبحوث والدراسات، العدد8 2010، ص33- 49.

[16]  Ferdinand Buisson, Dictionnaire de pédagogie, 1887.

[17]  روني أوبير ترجمة عبد الله عبد الدايم. التربية العامة، دار العلم للملايين، بيروت، ط.1، 1967، ص 26.

[18] G.Mialaret,  Les sciences de l’éducation, Q.S.J,  1984, p 42.

[19]  أحمد شبشوب، مدخل الى الديداكتيك الديداكتيك العامة،  دفاتر التربية،  عدد 4 ، رمسيس الرباط،  يونيو 1997 ، ص 11.

[20] Michel TOZZI, Petit glossaire in, Enseigner la philosophie aujourd’hui, CRAP –Cahiers pédagogiques Séminaire 1989-1990, Université de Montpellier III, p. 64.

[21] Michel TOZZI, Introduction à la problématique d’une didactique de l’apprentissage du philosopher in Didactique de l’apprentissage du philosopher, Université de Montpellier III, Décembre 1992, p. 56.

[22] Michel TOZZI et al., op. cit., p. 34.



تعليمية الفلسفة

رأينا في دروس سابقة أن التعليمية ( الديداكتيك ) تنقسم إلى قسمين أو نوعين ، ديداكتيك عامة ونعني بها تعليمية المواد « وتسمى أيضا التعليمية الأفقية ، وهي التي تكون مبادئها وممارستها قابلة للتطبيق مع كل المحتويات وكل المهارات ، وفي كل مستويات التعلم نقدم المعطيات الأساسية والضرورية للتخطيط بكل موضوع وبكل وسائل التعلم لمجموع عناصر الوضعية البيداغوجية »، أي دورها هو تقديم المبادئ الأساسية والقوانين العامة والمعطيات النظرية المتحكمة في العملية التربوية ، مثل منهاج التدريس والوسائل البيداغوجية وكيفيات التقويم .

أما النوع الثاني من التعليمية يطلق عليها اسم التعليمية الخاصة وهي « ديداكتيك المادة ، فهي تهتم بتدريس مادة من مواد التكوين من حيث الطرائق والأساليب الخاصة بها وبالتالي يمكن أن نتحدث عن ديداكتيك اللغة ، ونعني بذلك كل ما يتعلق بتدريس مهارات اللغة كالقراءة والتعبير والكتابة » ، أي أن التعليمية الخاصة هي تعليمية المواد حيث تقدم للمعلم التوجيهات التي هو بحاجة إليها كما تهتم بمراقبة العملية التربوية وتقويمها ، إنها تهتم بالمادة وتحديد المهارات اللازمة لتحقيق النجاح في تدريسها ، وعليه مثلا لكل مادة من المواد التي تدرس تعليمية خاصة بها فإن للفلسفة أيضا تعليميتها الخاصة بها .

- ففيما تتمثل هذه التعليمية ؟

- إن الهدف من تعليم الفلسفة ليس هو اكتساب متعلمها مجموعة من المعارف الفلسفية التي تساعده في تحليل مواضيع الامتحانات فقط وإنما الهدف الأساسي منها ، هو إكسابه كفاءات التفكير الفلسفي وتعويده على ممارسة التفلسف ، فالتلميذ يكتشف الحقيقة من خلال التفلسف وبالتالي إخضاع الدرس الفلسفي للديداكتيك كما يرى ميشال توزي هو توسيط لبلوغ هذا الهدف، ولأجل ذلك وضع توزي فرضية ديداكتيك للتفلسف أي دايداكتيك خاصة بالفلسفة مفادها التفريق والتمييز بين التفلسف أما التلميذ وإكسابه كفاءات التفلسف ( المفهمة ، الحجاج ، النقد ، التعليل ...الخ ) وعليه فإن ديداكتيك الفلسفة تتحد بين التعليم والتعلم أي بين تعليم الآخرين التفلسف ، وبين الممارسة الذاتية لفعل التفلسف .

- ولكن السؤال المطروح : هو كيف ندرس الفلسفة ؟

- إن ما نعلمه لطالب الفلسفة هو الدحض ، والحجاج ، وهما إن صح التعبير تقنيتان مهمتان في التفكير الفلسفي وفي الممارسة لفعل التفلسف ، وقد تضمنتها الطريقة الحوارية التوليدية السقراطية ، فقد استخدم سقراط هذه الطريقة في التعلم وقد استلهمت النظريات التربوية الحديثة هذه الطريقة في مجال التعلم نظرا لأهميتها .

ففي الطريقة الحوارية يظهر التفاعل بين المعلم والمتعلم ، ويأخذ النقاش حصة الأسد فلا يصبح المعلم هو المسيطر على العملية التعليمية مثلما هو الحال في طريقة الإلقاء ، بل تقديم الدرس بالطريقة الحوارية يجعل المتعلم يساهم في إنجازه ، ويعوده آليات التفكير الفلسفي كالتعبير عن الرأي والحجاج والنقد ، والتحليل ...الخ

كما يعلمه الدحض ، الذي كان يستخدمه سقراط وهو سؤال توليدي حيث كان سقراط يطرح السؤال ويستمع إجابة خصمه ( السوفسطائيين ) ويتظاهر أنه يوافق على إجابتهم ، ثم يواصل في طرح الأسئلة إلى أن يصل إلى مرحلة إيقاع خصمه في التناقض .

- أما البرهنة أو الحجاج : فهو دعامة التفكير الفلسفي إذ لا يمكن تقديم الموقف من موضوع ما دون تقديم الحجاج ، وقد استخدم سقراط الحجاج في محاورة فيدون ( نظرية الأرواح ).

وقد شكلت الطريقة الحوارية – الجدل الفلسفي ومنه شكلت الطريقة الجدلية التي تستخدم في تحليل المقالات الفلسفية وبالنسبة لأفلاطون فإنه اشترط في تعليم الفلسفة شروط خاصة وهي أن يخضع المتعلم إلى تدريب خاص مدة ثلاثين عاما يتكون خلال  هذه المدة ويتعلم : الرياضيات ، والأدب والموسيقى والعلوم ثم يتدرب على الديالكتيك ( الجدل ) مدة خمس سنوات، بعدها يتدرب على مسؤوليات وطنه مدة خمسة عشرة سنة ، وبعدها يأتي بتعلم الفلسفة، هذا عن واقع تعلم الفلسفة في الحضارة اليونانية أما في العصر الحديث ، فإننا نجد إيمانويل كانط مثلا يركز على أهمية تعليم فعل التفلسف قائلا : « لا يمكننا أن نتعلم الفلسفة بل يمكننا أن نتعلم التفلسف ، فتعلم التفلسف يعني استخدام العقل ومن ثمة تدريبه على حل المشكلات. أما فردريك هيغل فإنه يشترط على مدرس الفلسفة أن يتوفر فيه شرطان يراهما مهمان لتعليم الفلسفة وهما : الوضوح والعمق ، وأن يتدرج في تدريس الفلسفة تدرجا يتناسب مع مستوى المتلقي ومع الحصص الزمنية المخصص له».

 أما ميشال توزي وهو أستاذ علوم التربية بجامعة مونبيليه الفرنسية فقد وضع نظريات ديداكتكية ، بغية إدماج الفلسفة في النظام التعليمي الفرنسي ، وقد طالب بضرورة تدريس الفلسفة في جميع المستويات الدراسية ( إبتدائي – ثانوي ، جامعي ).

·        لكل مادة من المواد التي تدرس أهداف مسطرة تفرضها أسئلة مهمة غالبا ما تنحصر في الأسئلة التالية :

ماذا ادرس ؟ كيف أدرس ؟ ولماذا أدرس ؟ وهي الأسئلة نفسها التي وجب على مدرس الفلسفة أن يطرحها ويجيب عنها لأن ذلك يساعده في تسطير الأهداف وهذه الأخيرة تساعده في وضع مخطط عام للتدريس وكذلك للدرس .

ففي الفلسفة حينما نتساءل عن " ماذا أدرس "؟ فأنا أتساءل عن مضمون المادة ، أي عن المواضيع التي أدرسها للتلميذ وهي مواضيع محددة سلفا في المقرر الدراسي من طرف لجنة مكونة من مختصين تختارهم الوزارة ويختلف مضمون ( البرنامج ) مادة الفلسفة من دولة إلى أخرى وقد أشار جان بياجيه إلى هذا في قوله :

« إن للفلسفة قيمة قيمة ثابتة ومشتركة لدى كل الأنظمة في تنوعاتها وحاملة لقيم واسعة ، إنها إيمان معقلن ، وعلى هذا الأساس يختلف مضمونها التعليمي من بلد لآخر ».

وعليه فإن مضمون مادة الفلسفة في الجزائر ، يختلف من مستوى لآخر ، فبرنامج السنة الثانية آداب وفلسفة ، يختلف عن برنامج السنة الثالثة فلسفة ، وبرنامج شعبة الآداب والفلسفة في السنة الثالثة يختلف عن برنامج الشعب العلمية وهكذا.

فنجد مثلا مضمون مادة الفلسفة الخاص بالنسبة الثالثة آداب وفلسفة يتمثل في الإشكاليات التالية ( في إدراك العالم الخارجي ، الأخلاق الموضوعية والأخلاق النسبية ، فلسفة العلوم ، والفن والتصوف بين النسبي والمطلق ) وطبعا كل إشكالية مجزأة إلى مجموعة من المشكلات .

- كيف أدرس مادة الفلسفة ؟

- لا توجد طريقة واحدة في تدريس الفلسفة بل هناك عدة طرق وهي :

طرائق تدريس الفلسفة

 

 


الطريقة الإلقائية        الطريقة الحوارية       التدريس بالنصوص             حل المشكلات

                                                             الفلسفية

يعتمد فيها الأستاذ          التفاعل بين المعلم                                               الاعتماد

 على المحاضرة            والتلاميذ في             توظيف النص                  على طرح

أي يكون هو            إنجاز الدرس                   لخدمة وإثراء                      الوضعيات

المحاضر               سؤال جواب                     ما تم تناوله                      المشكلة

 والمتعلم                                                في الدرس                         وإيجاد

متلقي فقط                                                                                حلول لها

لماذا ندرس الفلسفة ؟

أي ما هي الأهداف المرجوة من تدريس الفلسفة؟

بالنسبة لتدريس الفلسفة  في الجزائر ، فإن أهداف تدريس هذه المادة مشار إليها سلفا في الكتاب المدرسي الخاص بالفلسفة وهي كالتالي :

01- تأصيل روح التفتح والاعتدال في إبداء المواقف أو الرأي ومرونة التصرف مع الآخر .

02- إدماج الفرد في الكيان الاجتماعي العام ، عضوا ناجحا منتجا وفعالا .

03- عقلنة أساليب التعامل مع الأفكار والوقائع والأشياء بما ييسر التكيف معها وذلك بتمكين الفكر من تنمية منهجية الصورية والتحليل ، والتركيب ، والنقد ، والاستدلال .

04- ترقية أنماط البحث والتقصي على أساس الموضوعية العلمية .

05- تفعيل الجانب العلمي في التصدي لمختلف المشكلات والسعي إلى حلها »

* إن التعليم في مراحله الأولى وقبل ظهور طريقة التدريس بالمقارنة بالكفاءات ، كان يكتفي بإكساب التلميذ ( المتعلم ) معارف مختلفة في شتى المواد ، وكان الهدف واحد وهو تمكين المتعلم من توظيف هذه المعارف لحل أسئلة الامتحان ، ولم يكن يعنيه إكساب المتعلم كفاءات يستطيع توظيفها لحل المشاكل التي تعترض حياته ، إلى أن ظهرت طريقة المقاربة بالكفاءات ، وهي طريقة في التدريس تركز على التحليل الدقيق للوضعيات التي يتواجد فيها المتعلمون أو التي سوف يتواجدون فيها .

- كما أنها تنص أيضا على تحديد الكفاءات المطلوبة لأداء مهمة ما ومن مزايا هذه الطريقة أنها :

01- تعمل على تنمية قدرات المتعلم العقلية ( المعرفية ) ، العاطفية ( الانفعالية ) والنفسية والحركية .

02- تحفيز المتعلمين على العمل ، وتعمل على انضباط التلاميذ من خلال تكليف كل واحد منهم بمهمة تتماشى مع ميولاته

03- تكتسب المتعلمين كفاءات تساعدهم على مواجهة مشاكلهم اليومية وإيجاد حلول لها .

04- وعليه فإن الأستاذ في هذه الطريقة يلعب دور الموجه والوسيط بين المعرفة والمتعلم .

05- كما أنها طريقة تمزج بين التلقين والحوار .

06- في هذه الطريقة يساهم كل من المعلم والمتعلم في بناء الدرس .

07- كما أنها ترتقي إلى المعارف الإجرائية ، التي يمكن أن يوظفها المتعلم في حل مشاكله اليومية.

تعليمية أو ديداكتيك الفلسفة

 

1. مقدمة:

إن العملية التعليمية التعلمية تتطلب الإحاطة بجميع مكوناتها، وكل ما يحيط بها من علوم التربية والبيداغوجيا والديداكتيك، ولعل هذا الأخير يكتسي أهمية بالغة، إذا اعتبرنا أنه مرتبط بالجانب التطبيقي من العملية التعليمية التعلمية، وبالتالي يمكن القول بأن الديداكتيك يشكل ضرورة ملحة بالنسبة لعملية التدريس، باعتباره يساهم في تمكين الأطر التربوية من أداء أدوارها بشكل فعال، وذلك من خلال التوفيق بين المناهج والبرامج الدراسية مع وضعيات التدريس المختلفة. ويساهم الديداكتيك  كذلك في ضبط الإجراءات والآليات المناسبة لتدريس المادة الدراسية، بالإضافة إلى التخطيط الذي يساعد في تحقيق الأهداف والكفايات. كما يمكن اعتبار الديداكتيك بمثابة تصور يوضح فلسفة المنهاج، ويساعد على استنتاج مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة في العملية التعليمية التعلمية.

وانطلاقا من أن الدرس الفلسفي أساسا هدفه تحقيق تمثل سلوك المتعلم الخاص بتنمية جملة من القدرات والكفايات، (القدرة على النقد وعلى التحليل والتركيب...)، وهو ما يجب على المدرسين انطلاقا من وظيفتهم الديداكتيكية، تأصيلها وترسيخها في البنيات المعرفية الذهنية والمنطقية للمتعلمين، تحقيقا لما هو مراهن عليها في الدرس الفلسفي كاختيار استراتيجي في التوجيهات الرسمية، وذلك من خلال توعيتهم بخلفياتها والدفع بهم إلى استبصار قيمها النبيلة وأبعادها المنهجية في تفكيك الواقع ومحاولة الارتقاء به نحو الأفضل، وبهذا فإن تدريس الفلسفة يجب أن يرتكز على تعلم التفكير الذاتي بهدف تعويد وتدريب العقل على الممارسة النقدية.

كيف يمكن إخضاع الأنشطة الفلسفية إلى وضعيات ديداكتيكية؟.

2. مفهوم الديداكتيك

الديداكتيك هي، بالأساس، تفكير في المادة الدراسية بغية تدريسها، فهي تواجه نوعين من المشكلات: مشكلات تتعلق بالمادة وبنيتها ومنطقها، وهي مشاكل تنشأ عن موضوعات ثقافية سابقة الوجود ومشاكل ترتبط بالفرد في وضعية التعلم وهي مشاكل منطقية وسيكولوجية. فالديداكتيك ليست إذن حقلا معرفيا قائما بذاته، وذلك على الأقل في المرحلة الحالية من تطورها، وقد لا تكون مدعوة لأن تصبح حقلا معرفيا مستقبلا، ومع ذلك، ليس ثمة شك في وجود مجال للنشاط خاص بتدريس مختلف المواد الدراسية. والذي يتطلب بحثا مستمرا قصد تحسين التواصل، وبالأخص، البحث في كيفية اكتساب المتعلم للمفاهيم.[1]

1.2     المعنى اللغوي للديداكتيك:

تعني كل ما يهم التدريس والتعليم، ويقابله في الترجمة إلى العربية عدة مفردات؛ كعلم التدريس أو فن التدريس أو منهجية التدريس، والتدريسية أو علم التعليم أو التعليمية، والتربية الخاصة أو الديداكتيك أو الديداكتيكا.

كلمة الديداكتيك، في اللغات الغربية مشتقة من الكلمة اليونانية "didaktikos" وتعني: فلنتعلم؛ أي: يُعلِّم بعضُنا بعضًا، والمشتقة أساسًا من الكلمة الإغريقية " didaskein" ومعناها التعلُّم، وقد استخدمت هذه الكلمة أول مرة في التربية مرادفة لفن التعليم، وقد استخدمها "Comenius " والذي يعدُّ الأب الروحي للبيداغوجيا منذ سنة 1657 في كتابه "الديداكتيك الكبرى"؛ حيث يعرفها بأنها: الفن العام للتعليم في مختلف المواد التعليمية، ولا يعتبرها فنًّا للتعليم فقط؛ بل للتربية أيضًا، إن كلمة حسب Comenius تدل على تبليغ وإيصال المعارف لجميع الناس، فنجد في اللغة العربية مجموعةً من المصطلحات تقابل مصطلح " didactique " تعليمية، علم التدريس، علم التعليم، التدريسية.[2]

وتعني حسب قاموس روبير الصغير Le petit Robert ، درس أو علّم enseigner ويقصد بها كل ما يهدف إلى التثقيف وكل ماله علاقة بالتعليم.[3]

ظهر مصطلح الديداكتيك  في النصف الثاني من القرن العشرين. ومن خلال التعاريف التي وضعت له في القواميس؛ كان معناه: فن التدريس أو فن التعليم. ومنذ ذلك الوقت أصبح مصطلح الديداكتيك  مرتبطا بالتعليم، دون تحديد دقيق لوظيفته.[4]

وفي سنة 1988 اعتبره أندري لالاند André Lalande فرعا من فروع البيداغوجيا، موضوعه التدريس.[5]

2.2. المعنى الاصطلاحي للديداكتيك:

أول من استخدم كلمة الديداكتيك في التربية كمرادف لفن التعلّم، هو كومينوس أو كامينسكي أو Comenus، الذي يعد الأب الروحي للبيداغوجيا وذلك سنة 1657، في كتابه "الديداكتيكا الكبرى"، حيث يعرفها بالفن العام للتعلّم في مختلف المواد التعليمية، ويضيف بأنّها ليست فنا للتعلّم فقط بل للتربية أيضا. إن كلمة ديداكتيك حسب كومينيوس تدلّ على تبليغ وإيصال المعارف لجميع النّاس.[6]

وترتبط  الديداكتيك  بمنهجيات تدريس مادة أو تخصُّص معين، كما يفيد التفاعلات التي قد تتحقق في وضعية تعلمية تعليمية بين معرفة محددة ومدرس تلك المعرفة.[7]  وتهتم  الديداكتيك بالوضعيات التدريسية، والتي يلعب فيها المتعلم دورًا أساسيًّا، وينحصر دور المدرس في تسهيل عملية التعلُّم، بتصنيف المادة الدراسية تصنيفًا يتلاءم مع حاجات هذا المتعلِّم وتحديد الطريقة الملائمة لتعلُّمه وتنظيم فضاء ومجال التعلم.[8]

فنجد أن هناك من يعتبر الديداكتيك  بمثابة علم مساعد للبيداغوجيا، وتسند إليها مهمات تربوية عامة من أجل إنجاز تفاصيلها. وهناك أيضا من يعتبرها بمثابة تأمل وتفكير في طبيعة المادة الدراسية، وغايات تدريسها، بالإضافة إلى صياغة فرضيات خاصة انطلاقا من المعطيات المتجددة والمتنوعة باستمرار، كما أنها دراسة نظرية تطبيقية للفعل البيداغوجي المتعلق بتدريس تلك المادة. ومن خلال ذلك نستنتج أن الديداكتيك تتمحور حول المتعلم والمادة الدراسية والمدرس، وموضوعها هو سيرورة التعلم والفعل البيداغوجي، وتستمد مرجعياتها من علم النفس وعلم الاجتماع ونظريات التعلم، أما حقلها النظري فهو البيداغوجيا، وتتمثل مهمتها في التأمل في طبيعة المادة الدراسية وغايات تدريسها، بالإضافة إلى صوغ فرضيات، وحل مشكلات التعلم. وغالبًا ما يستعمل لفظ الديداكتيك كمرادف للبيداغوجيا، بيد أنه إذا استبعدنا بعض الاستعمالات الأسلوبية، فإن اللفظ يوحي بمعانٍ أخرى، تعبر عن مقاربة خاصة لمشكلات التعليم، وقد ارتبطت الديداكتيك في دراستها بعلم النفس ونظريات التعلُّم والسوسيولوجيا، واستعارت مفاهيمها من علوم ومجالات معرفية أخرى، وكانت حسب "أبليهنس" علمًا مساعدًا للبيداغوجيا، كما أسند إليها دور بناء الاستراتيجيات البيداغوجية المساعدة على بلوغ الأهداف، أما حديثًا فقد تطوَّرت الديداكتيك نحو بناء مفهومها الخاص بفعل تطور البحوث الأساسية والعلمية، وبدأت تكسب استقلالها عن هيمنة العلوم الأخرى.

إن الديداكتيك هي الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم التي يعيشها المتعلم، لبلوغ هدف عقلي أو وجداني أو حسي حركي. وتتطلب الدراسة العلمية، كما نعلم، شروطا دقيقة منها بالأساس، الالتزام بالمنهج العلمي في طرح الإشكالية ووضع الفرضيات وصياغتها وتمحيصها للتأكد من صحتها عن طريق الاختبار والتجريب. ومن حيث الموضوع تنصب هذه الدراسة على الوضعيات التعلمية، التي يلعب فيها المتعلم (التلميذ) الدور الأساسي. بمعنى أن دور المدرس يتحدد في تسهيل عملية تعلم التلميذ بتصنيف المادة التعليمية تصنيفا يلائم حاجاته، وتحديد الطريقة الملائمة لتعلمه، وتحضير الأدوات الضرورية والمساعدة على هذا التعلم. ويبدو أن هذه الاجراءات ليست بالعملية السهلة، إذ تتطلب الاستنجاد بمصادر معرفية مساعدة، كعلم النفس لمعرفة هذا التلميذ وحاجاته، والتربية لتحديد الطرق الملائمة. وينبغي أن يقود التنظيم المنهجي للعملية التعليمية التعلمية، إلى تحقيق أهداف تراعي شمولية السلوك الإنساني. أي أن نتائج التعلم ينبغي أن تتجلى على مستوى المعارف والقدرات التي يكتسبها المتعلم، وعلى مستوى المواقف الوجدانية، وكذلك على مستوى المهارات الحسية الحركية، التي تتجلى مثلا في الفنون والرياضات .

3. المثلث الديداكتيكي وأقطاب المثلث التعليمي:

هو ذلك المثلث المعبِّر عن الوضعية التعليمية باعتبارها نسقًا يجمع بين ثلاثة أقطاب غير متكافئة هي: تلميذ، ومدرس، ومعرفة، وما يحدث من تفاعلات بين كل قطب من هذه الأقطاب في علاقته بالقطبين الآخرين.

 أقطاب المثلث التعليمي: يتكون المثلث التّعليمي من ثلاثة أطراف مهمة المعلّم والمتعلّم والمعرفة، وهذه الثلاثية تتفاعل فيما بينها، لتنتج تعلّما قائما على التكامل وهي كالآتي:

المعلّم: يمثل المعلّم الركيزة الأساسية التي تساهم في نجاح العملية التعليمية لأنّه يعتبر موجها ومرشدا ومالكا للمعرفة والكفايات التي تجعله مؤهلا لتبليغ الرسالة، ويعتبر منشأ ومحفزا ومنظّما يدفع طلابه إلى الابتكار، فهو بهذا تحول من محور التعلّم إلى موجه ومنشط للتعلّم، والمعلّم باعتباره قطبا من أقطاب هذه العملية لابد أن تتوفّر فيه خصائص معرفية وشخصية وهذا ما نوه إليه عبد العليم إبراهيم بقوله: "المقومات الأساسية للتّدريس إنّما هي تلك المهارة التي تبدو في موقف المدرس وحسن اتصاله بالتلاميذ وحديثه إليهم واستماعه لهم وتصرفه في إجاباتهم وبراعته في استهوائهم والنفاذ إلى قلوبهم إلى غير ذلك من مظاهر العملية التّعليمية الناجحة".[9]

المتعلّم: يعد المتعلّم محور العملية التّعليمية، فهو في سعي دائم لاكتساب مختلف المعارف والخبرات والمهارات اللغوية من خلال الإسهام الفعال في بناء هذه العملية، فإذا في التّعليم التقليدي لا يملك أي دور في العملية التّعليمية باستثناء تلقيه للمعلومات التي تملى عليه ليحفظها بهدف استرجاعها وقت الامتحان، فإن المقاربة الجديدة للمناهج تعمل على إشراكه مسؤولية القيادة وتنفيذ عملية التعلّم من خلال تحفيز بعض أجزاء المادة الدراسية وشرحها، كما تتيح له الفرصة لبناء معارف بإدماج المعطيات والحلول الجديدة في المكتسبات السابقة.[10]

 المعرفة: (المحتوى): هو كل ما يقدم للمتعلم من معلومات ومفاهيم ومهارات وقواعد وقوانين، وما يرجى إكسابه لهم من قيم اتجاهات وميول، فالمحتوى هو تحديد ماذا تدرس؟ ويمكن القول إن المحتوى هو وسيلة تحقيق أهداف المنهج، ويبني، إذن فالمحتوى هو  المحتوى التّعليمي لأي مقرر،[11]  أو وحدة دراسية حول فكرة أساسية كبيرة يراد للتلاميذ أن يتعلّموها الغاية التي يسعى المعلّم إلى إيصالها للمتعلّم، وهو يعب عن حاجات المتعلّم وميولاته في أغلب الأحيان، ويمكن أن نشير هنا أن المحتوى يكون صادقا كلّما كان وثيق الصلة بالأهداف المسطرة، وكذلك كلّما كان متماشيا مع الأفكار الحديثة التي ثبتت صحتها.[12]

إن كلّ قطب من أقطاب المثلث التّعليمي يعتبر مهما في العملي التّعليمية ولا يمكن الاستغناء عنه مهما يكن.

العلاقة بين رؤوس المثلث التّعليمي: يمكن الكشف عن النسق الديداكتيكي  بمثلث تتكامل فيه أقطاب ثلاثة هي: المعلّم والمتعلّم والمعرفة (المادة الدراسية)، إلا أن هذا التفاعل يتم التأكيد فيه على علاقة هذه الأقطاب بالمعرفة، أي على ما يمكن تسميته بالأطراف الثلاثة لموضوع الديداكتيك: البعد الإبستمولوجي (العلاقة بين: مدرس ــ معرفة (البعد السيكولوجي) العلاقة بين: متعلم ــ معرفة . (البعد البيداغوجي) العلاقة بين: مدرس ــ متعلم.

1.3. العلاقة بين رؤوس المثلث التّعليمي:

إن المثلث الديداكتيكي يركز على التحليل النسقي للديداكتيك ومختلف العلاقات التفاعلية بين مكونات الفعل الديداكتيكي وهي المدرس والمادة والمتعلّم، والأقطاب الثلاثة .[13]  أي يمكن الكشف عن النسق الديداكتيكي  بمثلث تتكامل فيه أقطاب ثلاثة هي: المعلّم والمتعلّم والمعرفة (المادة الدراسية)، إلا أن هذا التفاعل يتم التأكيد فيه على علاقة هذه الأقطاب بالمعرفة، أي على ما يمكن تسميته بالأطراف الثلاثة لموضوع الديداكتيك: (البعد الإبستمولوجي) يمثل العلاقة بين: المدرس ــ المعرفة، (البعد السيكولوجي) ويمثل العلاقة بين: المتعلم ــ المعرفة، و(البعد البيداغوجي) الذي يمثل العلاقة بين: المدرس ــ المتعلم.

والأقطاب الثلاثة هي:

- القطب البيداغوجي: ويربط علاقة المدرس بالمتعلّم، ويوثّقها مفهوم التّعاقد الديداكتيكي، ويركّز على الاتفاقات التي تحدد أدوار ومهام المدرس والمتعلّم، والتي تجعل التواصل التربوي الصفي يعرف سبيله للنّجاح، فالحياة مبنية على التّعاقد ورباط الميثاق، والحياة التّربوية أولى بها فغياب التعاقد الديداكتيكي يفضي إلى فوضى وغياب المردودية، وغياب جودة الفعل التّربوي.

- القطب السيكولوجي: ويربط علاقة المتعلّم بالمادة المتعلّمة، وتمثلاته حولها، واستعداده للتّفاعل معها، من خلال

استدماج المكتسبات القبلية، بغية بناء معرفة جديدة، وكلّما تم استثمار تمثلات المتعلّم في بناء معارف جديدة، كلّما تفاعل وشارك في بناء تعلّماته والأمر ينعكس.

- القطب الإبستمولوجي: ويركّز على العلاقة بين المدرس والمعرفة، أي الكشف عن الآليات التي يتم تفعيلها داخل العلبة السوداء كما سماها أحد الباحثين، المعرفة للمدرس، وحقول استمداده لها، وهذا جوهر بحث الدراسة، تبرز مهارة المدرس في تجويد فعل النّقل الديداكتيكي من خلال مجموعة العمليات الإستراتيجية التّخطيطية التي يعتمدها المدرس لنقل المعارف من مستواها الأكاديمي العام إلى المستوى المبسط المتعلّم، من خلال التّفاعل الإيجابي بينه وبين المتعلّم في بناء المعرفة من خلال التّوجيه الهادف والتّواصل الصفي البناء بغية استثمار الموارد المدمجة، لتحقيق مرامي المنهاج المدرسي والتّوجهات التّربوية، وتفعيل الأطر المرجعية للمادة قيد الدرس.

  2.3. التعاقد الديداكتيكي:

بدأ مفهوم التعاقد الديداكتيكي يتبلور في الظهور مع أعمال ودراسات الباحث التربوي بروسو Brousseau، وهذا المفهوم يراهن على سلوكيات المدرس المنتظرة من التلاميذ وعلى سلوكيات هؤلاء المنتظرة من المدرس، وعلاقات هؤلاء وأولئك بالمعرفة المستهدفة من قبل عملية التعلُّم. 

وعليه يمكن القول: إن التعاقد الديداكتيكي هو تلك القواعد التي تتحدد بصورة أقل وضوحًا على ما يتوجب على كل شريك أن يمتثل له ويلتزم به، وهو بمثابة قانون يحدد موقع كل من المدرس والمتمدرس ومستويات المسؤولية الموكولة لكل منهما.

نستخلص أن الديداكتيك مجموع الطرائق والتقنيات والوسائل التي تساعد على تدريس مادة معينة له ثلاث مستويات:

الديداكتيك العامة: وهي التي تسعى إلى تطبيق مبادئها وخلاصة نتائجها على مجموع المواد التعليمية.

الديداكتيك الخاصة: وهي التي تهتم بتخطيط عملية التدريس أو التعلم لمادة دراسية معينة.

الديداكتيك الأساسية: وهي جزء من الديداكتيك يتضمن مجموع النقط النظرية والأسس العامة التي تتعلق بتخطيط الوضعيات البيداغوجية دون اعتبار للممارسات التطبيقية وتعني أيضا الديداكتيك النظرية.[14]

4. العلاقة التي تربط الديداكتيك بالبيداغوجيا وعلوم التربية

هناك من يميز بين البيداغوجيا والديداكتيك، فالأولى تستند إلى مجموعة من النظريات والمبادئ وتهتم بنقل المفاهيم إلى المتعلمين ومساعدتهم على اكتساب المعارف، أما الديداكتيك فهي فرع من فروع علوم التربية تستهدف جوانب العملية التعليمية لتجديد التعليم والتعلُّم وتطويره، كما تهتمُّ بالتخطيط لأهداف التربية ومراقبتها وتعديلها مع مراعاتها الطرق والوسائل التي تسمح ببلوغ هذه الأهداف.[15]

1.4. البيداغوجيا

كلمة البيداغوجيا مصطلح يوناني مكون من شقين؛ الأول "بيدا" ويعني الطفل والثاني "غوجيا" ويعني القيادة والتوجيه، فكان البيداغوجي في تلك الحقبة هو الخادم الذي يرافق الطفل خلال ذهابه إلى المعلمين لتلقي العلم، ونظرًا لوظيفته تلك اعتبر البيداغوجي مربيًا وليس معلمًا، وفي هذا الصدد كتب فارون أنه: "إذا كان المعلم يعلّم فإن البيداغوجي يربي، لأن هذا الأخير هو من يسهر على رعاية الطفل والأخذ بيده، وهو من يختار له المعلم ونوع التعليم الذي يجده مناسبًا للطفل حسب رأيه". فالبيداغوجيا كانت عملية تربوية خارج الإطار المكاني والجغرافي للمدرسة، بينما العملية التعليمية كانت داخل المدرسة، وارتبطت البيداغوجيا بتهذيب الخُلق بالمعنى الشامل والأوسع، بينما التعليم ارتبط بمقدار التحصيل المعرفي بالمعنى الضيق.

بالمختصر البيداغوجي كان يُطلَق، في الغالب، على الشخص الذي يقود الطفل إلى المدرسة ويحمل لوازمه ويساعده في مذاكرة دروسه وكتابة واجباته المدرسية. ترجع البيداغوجيا إلى المتعلّم وقيادته وتعليمه ومرافقته في تعلّمه، فهي والحال كذلك من أقدم العلوم التربوية.

البيداغوجيا هي  علم التربية، سواء أكانت بدنية أم فكريّة أم أخلاقية قيمية.[16]

2.4. علوم التربية

هو مصطلح استعمل حديثا للإشارة الى مجموعة من الأبحاث والدراسات المتنوعة الاختصاصات التي تناولت التربية من مختلف الزوايا. ورغم حداثة هذه العلوم فإنها استطاعت أن تراكم عددا هائلا من النظريات والنماذج التفسيرية ،كما أنها تمكنت من تطوير اساليب ومناهج في البحث، جعلتها ترقى الى وضع العلوم "المعترف بها "من طرف المجتمع العلمي الدولي، حتى وان كانت تتداخل مع اختصاصات اخرى لا تهتم مباشرة بالتربية. غيران ما يضمن وحدتها هو موضوعها المشترك، أي التربية، وهو نفس الموضوع الذي يبرر تنوعها وتعددها، نظرا لأبعادها المتشعبة. رغم هذا التعدد، فان بعض التصنيفات استطاعت أن تستجلي هذه العلوم التربوية[17] هي وسيلةٌ أساسيّةٌ من وسائل البقاء والاستمرار، كما أنها ضرورةٌ اجتماعيّةٌ تهدف لتلبية احتياجات المجتمع والاهتمام بها، كما أنها أيضاً ضرورةٌ فرديّةٌ من ضرورات الإنسان، فهي تكوّن شخصيّته وتصقل قدراته وثقافته ليكون على تفاعل وتناسق مع المجتمع المحيط به ليسهم فيه بفعاليّة، ومن هنا شغلت التّربية الكثير من الباحثين والدّارسين على مر العصور، وكان لها قدرٌ لا يُستهان به من الدراسة والتحليل.

يرتبط علم التعليم ارتباطًا وثيقًا بالتربية وهي عملية التدريس بشكل أكثر تحديداً ، ومع ذلك تعتبر علوم التعليم هي دراسة تحسين العملية التعليمية ، ويمكن أن يشمل مجال العلوم التربوية فحص وبحث أساليب التدريس المختلفة وكيفية تلقي مجموعات من الطلاب لهذه الأساليب وكذلك عملية تحسين منهجيات التدريس.[18]

تهتم الديداكتيك  بمضامين التعلم وبالتفاعلات التي تربط بين كل من المتعلم والمعرفة قصد تسهيل عملية اكتساب المعرفة من قبل المتعلمين، وتركز على المفاهيم الأساسية التي تؤثر في المادة الدراسية، وتحلل العلاقات بينها، كما تسلط الضوء على الجانب الاجتماعي من عملية التدريس، وذلك عن طريق تدبير كيفية عمل المفاهيم في المجتمع، والممارسات الاجتماعية التي تحيل عليها. كما ينصب اهتمام الديداكتيك على تشخيص وتحليل وضعيات القسم، من أجل استنتاج الطريقة الملائمة لاشتغال هذه الوضعيات، بالإضافة إلى دراسة تمثلات التلاميذ وصيغ تفكيرهم، وتحليل طرائق تدخل المدرس، حتى تتضح الإمكانيات التي ينبغي اقتراحها من أجل تجويد عملية التدريس. وفي نفس السياق يعتبر محمد الدريج بأن الديداكتيك هي الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته ولأشكال تنظيم مواقف التعليم التي يخضع لها المتعلم، قصد بلوغ الأهداف المنشودة، سواء على المستوى العقلي المعرفي أو الوجداني أو الحسي الحركي أو المهاري. كما تتضمن البحث في المسائل التي يطرحها تعليم مختلف المواد، ومن هنا تأتي تسمية "تربية خاصة" أي خاصة بتعليم المواد الدراسية (الديداكتيك الخاص أو ديداكتيك المواد) أو منهجية التدريس، في مقابل التربية العامة (الديداكتيك العام) التي تهتم بمختلف القضايا التربوية.

هكذا نستنتج بأن الديداكتيك يحتل مكانة مهمة في العملية التعليمية التعلمية، نظرا لما ينطوي عليه من طرائق وتقنيات وأساليب تهدف بالأساس إلى تجويد عملية التدريس، وهي العملية التي تركز على المتعلم بالدرجة الأولى، وتجعله مشاركا في بناء التعلُمات، بتوجيه من المدرس، وبالاعتماد على مجموعة من المعارف المخصصة لهذا الغرض، وهنا تتجلى أهمية الديداكتيك، هذا الأخير لا يسير بمعزل عن علوم التربية والبيداغوجيا، باعتبارهما يمهدان ويسهلان الطريق أمام ما تستدعيه العملية التربوية بشكل عام. من خلال ذلك، حاولت في هذا المقال تسليط الضوء على مفهوم الديداكتيك، وما يتضمنه من تفاصيل تهم بالأساس عملية التعليم والتعلم. وللإشارة فقد تم إنجاز هذا المقال بالاعتماد على مجموعة من المصادر والمراجع التي تتحدث حول الديداكتيك، كل ذلك من أجل توضيح الغموض الذي يحيط بهذا المفهوم.

وعليه يمكن القول إن العلاقة بين البيداغوجيا والديداكتيك وعلوم التربية هي علاقة تكاملية، يتم فيها استثمار مجموعة من المعطيات التي تروم خدمة العملية التعليمية التعلُّمية.

من خلال كل ما سبق إذن يظهر أن الديداكتيك ليس فن التدريس فحسب؛ بل هو نظرية موضوعها التدريس، وهي علم متشعب بتشعب عملية التدريس؛ لأن هذه العملية هي أخطر الممارسات الإنسانية؛ لأنها موجهة إلى عقول الناشئة من جهة، ومن جهة أخرى لأنها تتعامل مع أقطاب متعددة، مثل: المدرس، والتلاميذ، والمعارف، والمناخ الحضاري، والسياسة التربوية، والقيم المؤسسية.[19]

5. الديداكتيك في الفلسفة

إنّ ديداكتيك  الفلسفة، يطمح إلى تحويل بعض النتاج الفلسفيّ  إلى مادّة تعليميّة متحدّدة معرفيًّا ومهاريًّا، يشكّل في الواقع العين الفاحصة التي تنظر في آنٍ معًا في مضامين وأهداف المنهاج من جهة أولى، وفي الممارسات والاستراتيجيات  الملائمة لتحويل ما يُسطّره المنهاج إلى أهداف تعلّميّة وإلى لحظات أو إجراءات صفّيّة مناسبة من جهة ثانية. ففي ديداكتيك  الفلسفة تشابك بين طرفَين: المنهاج الرسميّ بما يمثّله من سلطة مؤسّسيّة، والتخطيطات والممارسات الصفّيّة؛ أي وضعيّات التنفيذ التي يقوم بها الجسم التعليميّ.

والمعلوم أنّ الديداكتيك، الذي يسعى إلى تحليل المعارف المسطّرة في المناهج وتحويلها إلى تعلّمات، لا يحظى بسمعة طيّبة لدى الفلاسفة نظرًا لما يشكّله من خطورة على الطبيعة النقديّة للتفلسف. مع ذلك، فإنّ تعليم الفلسفة قد استطاع أن ينتج ديداكتيكه الخاصّ.

وذلك بتنوير أساتذة المادّة إلى كيفيّة إدماج العلوم التربويّة والشروط الديداكتيكيّة مع مقتضيات التفلسف بالشكل الذي يساعدهم في عمليّة انتقاء الأدوات والتقنيّات التعلّميّة وفي عمليّة تحديد الأهداف الإجرائيّة والتعلّمات المطلوبة في الدرس الفلسفيّ. إنّه إذًا تنوير يجعل أستاذ المادّة في وضعيّة المتفحّص للآمال والمخاوف الناتجة عن تطبيقات الديداكتيك في الدرس الفلسفيّ، بحيث لا يكون متطرّفًا للجانب الديداكتيكيّ البحت، بل يحاول باستمرار أن يحيله إلى ما يناسب أصول التفلسف وخصوصيّته.

وبالتالي، فإنّ المنطلق الحقيقيّ لكلّ مداخلة ديداكيتكيّة ناجعة يفترض به الانطلاق من الواقع التعليميّ ومشكلاته، أي من دراسة حاجات تتركّز على ما يواجه تعليم المادّة من معوّقات مختلفة.

 هذه الدراسة التي تقدّم تنظيرًا لديداكتيك  الفلسفة مع تطبيقات ديداكتيكيّة  جديرة بأن تُقرَأ قراءةً منهجيّةً وتربويّةً لما لها من آثار مثمرة على صعيد الدرس الفلسفيّ تعلّمًا وتعليمًا، علّها تكون مدماكًا في بناء الإنسان من خلال بناء مفاهيمه وفلسفته بنحو استقلاليّ، مرتكز على المباني العلميّة الدقيقة لتكون النتائج كما المقدّمات دقيقةً.

وهذا يجعلنا نتنبّه من كثير من الأفكار، فالفلسفة ليست كلّ تفكير وكيفما كان، ولا أيّ نتيجة يمكن وصفها بالفلسفيّة. وهنا تكمن مسؤوليّة المعلّمين في توجيه المتعلّمين والأخذ بأيديهم حذرًا من الانحراف العقائديّ والدينيّ السلوكيّ وهذه مسألة بالغة الخطورة؛ لأنّنا لا نريد بناء أيّ فلسفة، بل بناء فلسفة حقّة تهدف للوصول إلى الحقيقة الصافية، وتحفظ إيمان المؤمن وعقائده وأخلاقه.

1.5. وضعيات تعليم وتعلم الفلسفة

ديداكتيك الفلسفة هو دراسة وضعيات وسيرورات تعليم وتعلم الفلسفة قصد تطويرها وتحسينها، والتفكير في المشكلات الديداكتيكية التي يثيرها تعليم هذه المادة وتعلمها. وتشتغل ديداكتيك الفلسفة انطلاقا من حقول معرفية عديدة ومتنوعة من أهمها:

1.حقل المادة الدراسية ذاتها:

ذلك أن التفكير الديداكتيكي في الفلسفة لا بد وأن يتخذ منطلقا له، الفلسفة ذاتها من حيث هي مادة دراسية: تاريخها، مناهجها، أهدافها، طرائق إنتاج الفلسفة (التفلسف)، وطبيعة فعل التفلسف وآلياته واستراتيجياته، طبيعة المفاهيم الفلسفية مقارنة مع مفاهيم العلوم الطبيعية مثلا، نوعية المعارف التي ينبغي تدريسها وكيفية انتقائها ومعايير هذا الانتقاء، طبيعة الفلسفة ذاتها هل هي معرفة أم مجرد موقف من المعرفة.

2.حقل البيداغوجيا:

 ويتعلق الأمر بالتفكير في نوعية طرائق التدريس الأكثر ملاءمة لطبيعة الفلسفة والأهداف من تعليمها وتعلمها: هل ينبغي أن تستمد هذه الطرائق من داخل الفلسفة ذاتها أم يتوجب الاستفادة من طرائق عامة. ويندرج في إطار حقل البيداغوجيا التساؤل حول أهداف درس الفلسفة وأغراضه وعلاقتها بطرائق التدريس من جهة وبخصوصيات دراسة الفلسفة من جهة ثانية.

3.حقل السيكولوجيا:

تثار في إطار هذا الحقل العديد من الأسئلة ذات البعد الديداكتيكي الواضح يتعلق أغلبها بالمتعلم وخصوصياته، العوائق السوسيووجدانية والابستمولوجية التي تحول دون تفوقه في تعلم الفلسفة، كيفية اكساب المتعلم المفاهيم الفلسفية.

توجد نقطة الانطلاق النظرية للقضايا المطروحة من قبل المتخصصين في ديدكتيك  الفلسفة في مفهوم  الهدف النواة  المقتبس من ديداكتيك العلوم التجريبية. ويعرفه م. توزي: بوصفه التوافق  الديدكتيكي بين ما ينبغي تدريسه باعتباره ما هو أساسي في الفلسفة ( منطق محتوى المواد الدراسية )، وما يمكن للمتعلمين استيعابه (منطق استيعاب المتعلمين ) ".[20]  لذلك ينبغي تحديد ما هو أساسي في الفلسفة، وهنا تكمن الصعوبة، لأن  التوافق الفلسفي بين الفلاسفة حول ما هي الفلسفة متعذر، إذا أخذنا بعين الاعتبار التعدد التاريخي للمذاهب التي تدعي كل واحدة منها المشروعية.  ومن حسن الحظ أن  توافقا ديدكتيكيا[21] سوف يحل محل التوافق الفلسفي المفتقد: إذا كان بالفعل  التوافق صعبا حين يتعلق الأمر بالفلسفة باعتبارها نتاجا للفكر، فإن هذا التوافق ممكن حين يتعلق  الأمر بالفلسفة كسيرورات في التفكير.[22]

2.5. أهداف تشكل المثلث الديدكتيكي للتفلسف:

يمكن استخراج ثلاثة أهداف تشكل المثلث الديدكتيكي للتفلسف:

•        القدرة على المفهمة  الفلسفية لمفهوم أولي.

•        القدرة على الأشكلة الفلسفية لسؤال أو مفهوم أولي.

•        القدرة على المحاجة الفلسفية لأطروحة.

إذا كان يتعين على ديدكتيك  الفلسفة أن يحدد لنفسه أهدافا فلسفية حقيقية، وإذا لم يكن بإمكانه أن يحققها إلا من خلال تدريب التلميذ على التفلسف من خلال خصوصية هذه النصوص التي يتحقق بداخلها ما هو كوني في الفلسفة، وإذا كان هذا التدريب يفترض هو بدوره خصوصية وساطة العرض الإلقائي، فينبغي بالأولى التفكير فيه كفن لا كمنهج. فهذا الأخير يتميز عن الأول بالقابلية لتصور نظام للوسائل استنادا إلى مبادئ وعرضه بكيفية سابقة على التنفيذ بحيث تكون سلسلة الإجراءات التي ينبغي القيام بها لبلوغ الهدف محددة مسبقا. والحال، وكما يرى مؤلفو تعلم التفلسف، عن حق ” أن تعليم الفلسفة، على عكس المواد الأخرى، لا يفرض بتاتا مسارا متدرجا خطيا ملازما له، فالنظام الوحيد الملازم له يترتب احتمالا عن الفلسفة الشخصية للمدرس.  ونستخلص من هذا، أن ديدكتيك الفلسفة لا يكون ممكنا إلا إذا أخذ بعين اعتباره الدور الحاسم لوساطة العرض الإلقائي وعدم قابلية تدريس الفلسفة لأن يختزل إلى اكتساب آليات. يتحدد ديدكتيك الفلسفة كفن ويتحدد المدرس كحرفي لا كتقني.

لكن تبقى الفلسفة محافظة على كيانها وطبيعتها وخصوصيتها، مما يجعل تدريسها يتطلب أسلوبا حواريا ومنهجا سقراطيا، يقول جيل دولوز: "إن الفلسفة هي فن تشكيل المفاهيم واختراعها، أو صنعها، وأن الفيلسوف صديق للمفهوم، بل إن الفلسفة ليست مجرد فن لتشكيل وصناعة المفاهيم، لأن المفاهيم ليست بالضرورة أشكالا أو ما نعثر عليه، أو ننتجه، أن الفلسفة بصفة واضحة ومضبوطة، هي مادة معرفية تلح على إبداع المفاهيم" فهي إذن إنتاج مفاهيمي جديدة بشكل مستمر ودائم. وأن موضوعها هو الآخر لا يخرج عن دائرة إبداع المفاهيم. ونفس الشيء ذهب إليه نيتش عندما قال: "يتوجب على الفلاسفة أن لا يعولوا على تقبل المفاهيم التي تعطى لهم لغسلها، وتنقيتها، وإعادة استعمالها، ولكن يجب أن يشرعوا في صناعتها وإبداعها، ووصفها وإقناع الناس باللجوء إليها، ويجب على الفيلسوف أن يحدر من المفاهيم حدرا كبيرا، خصوصا إذا كان غير صانع لها بنفسه.

4. خاتمة:

إن تدريس الفلسفة يتمّ وفق البراديغم البيداغوجي المركب الذي يمثل نسقا منفتحا على حقول ابستمولوجية عديدة ومقاربات بيداغوجية متنوعة، على مستوى تخطيط وتدبير الممارسة التعليمية وعمليات التدريس وأنشطة التعلم، غير أنه في استراتيجيات التعلم  باعتباره مبحثا في علم النفس المعرفي والبيداغوجيا والعلوم العصبية  فإن التعلم لا يحصل إلا من خلال عمليات الإدراك والذاكرة واستخدام الرموز والعلامات اللغوية والبصرية، وبناء أنماط وتصاميم ونمذجة خطاطات دينامية للعمليات المعرفية والسوسيو وجدانية للمتعلمين، تكون لها القابلية لأن تتحول إلى استراتيجية معرفية، تعتمد على الفهم والإدراك والتحليل والتركيب والحفظ وتخزين المعارف وترويض الذاكرة في إطار  سيرورة اكتسابية، أو داخل ممارسة تعليمية تعلمية، وهي عملية إدماجية تعمل على تطوير المهارات وتعزيزها بخبرات جديدة سواء على مستوى معالجة المعلومات أو حل المشكلات.

4.      قائمة المراجع:

المراجع العربية:

1  - محمد الدريج؛ عودة إلى تعريف الديداكتيك: دراسة جديدة، الموقع الإلكتروني: صحيفة الأستاذ، 13 أكتوبر 2012. https://www.profvb.com/vb/t99561.htm                                      

2-   بعيسى أحسنات، حول مقاربة المنهاج الدراسي في مجال التربية والتعليم، (من البيداغوجيا والديداكتيك  إلى المنهاج الدراسي)، جريدة الحوار المتمدن، العدد 2342) ،14/07/2008.

3-  أحمد أوزي، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، الرباط. مجلة علوم التربية. 2006.

4- عبد اللطيف الفارابي وآخرون، معجم علوم التربية ـ مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، سلسلة علوم التربية، عدد 9 و10. مطبعة النجاح الجديدة. طبعة 1994.

5-   محمد الدريج، العودة إلى تعريف الديداكتيك أو علم التدريس كعلم مستقل، مجلة علوم التربية، العدد 47، مارس 2011.

6- الحسن اللحية؛ دليل المدرس التكويني المهني، دار الحرف للنشر والتوزيع، ط 1، 2008م، ص249.

7-  محمد الصدوقي، المفيد في التربية؛  د ط،  دت.

 8- عبد العليم إبراهيم، الموجه الفني لمدرسي اللّغة العربية، ط14 ، القاهرة، دار المعارف.

9- ليلى بن ميسية، تعليمية اللغة العربية من خلال النشاط المدرسي غير الصفي، رسالة ماجستير، جامعة فرحات عباس، سطيف، الجزائر، 2010 .

   10- كوثر حسين كوجة، تنويع التّدريس في الفصل ــ دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي، مكتبة اليونسكو الإقليمي، بيروت، لبنان، 2008.

   11- لخضر لكحل وكمال فرحاوي، أساسيات التّخطيط التّربوي، النّظرية والتّطبيقية، وزارة التربية الوطنية، الحراش،  الجزائر، 2009.

   12- عبد الوهاب صديقي،  النّحو الوظيفي وديداكتيك  اللّغة العربية نحو منهجية تدريس وظيفي، دار أمجد للنّشر والتّوزيع، الأردن، ط 1، 2017.

   13-  عبدالعزيز الأمراني؛ مدونة علوم التربية، عرض حول موضوع مدخل عام إلى الديداكتيك، 2013-2014.

   14- روني أوبير ترجمة عبد الله عبد الدايم. التربية العامة، دار العلم للملايين، بيروت، ط.1، 1967.

   15- أحمد شبشوب، مدخل الى الديداكتيك الديداكتيك العامة،  دفاتر التربية،  عدد 4 ، رمسيس الرباط،  يونيو 1997.

المراجع الأجنبية:

(1) G.Mialaret,  Les sciences de l’éducation, Q.S.J,  1984.

(2) Renald Legendre. Larousse, Zita De Koninck, Numéro 73, Paris, mars 1989.

(3) Michel TOZZI, Petit glossaire in, Enseigner la philosophie aujourd’hui, CRAP –Cahiers pédagogiques Séminaire 1989-1990, Université de Montpellier III.

(4) Michel TOZZI, Introduction à la problématique d’une didactique de l’apprentissage du philosopher in Didactique de l’apprentissage du philosopher, Université de Montpellier III, Décembre 1992.

(5) Deleuze Felix. Guattari : qu’est ce que la philosophie ? Collection les éditions de minuit, 1991.

 



[1] Jasmin..B . (1973) :Problematique possible de la didactique , Prospectives, vol. 9, no 2, avril 1973, Centre d'animation, de développement et de recherche en éducation, p. 58-60.

[2]  محمد الدريج؛ عودة إلى تعريف الديداكتيك: دراسة جديدة، الموقع الإلكتروني: صحيفة الأستاذ، 13 أكتوبر 2012. https://www.profvb.com/vb/t99561.html، تاريخ تصفح الموقع 03/01/2020.

[3]   بعيسى أحسنات، حول مقاربة المنهاج الدراسي في مجال التربية والتعليم،( من البيداغوجيا والديداكتيك إلى المنهاج الدراسي)، جريدة الحوار المتمدن، العدد 2342) ،14/07/2008 ،ص 3 .

[4]  أحمد أوزي، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، الرباط. مجلة علوم التربية. 2006. ص 140.

[5]  عبد اللطيف الفارابي وآخرون، معجم علوم التربية ـ مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، سلسلة علوم التربية، عدد 9 و10. مطبعة النجاح الجديدة. ط 1، 1994، ص 68.

[6]   محمد الدريج، العودة إلى تعريف الديداكتيك أو علم التدريس كعلم مستقل، مجلة علوم التربية، العدد 47، مارس 2011، ص1 .

[7]    الحسن اللحية؛ دليل المدرس التكويني المهني، دار الحرف للنشر والتوزيع، ط 1، 2008م، ص249.

[8]    محمد الصدوقي، المفيد في التربية؛  د ط،  دت،  ص 5.           

[9]  عبد العليم إبراهيم، الموجه الفني لمدرسي اللّغة العربية، ط14 ، القاهرة، دار المعارف، ص 25.

[10]  ليلى بن ميسية، تعليمية اللغة العربية من خلال النشاط المدرسي غير الصفي، رسالة ماجستير، جامعة فرحات عباس، سطيف، الجزائر، 2010 ، ص 9.

[11]  كوثر حسين كوجة، تنويع التّدريس في الفصل ــ دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي، مكتبة اليونسكو الإقليمي، بيروت، لبنان، 2008، ص 96 .

[12]  لخضر لكحل وكمال فرحاوي، أساسيات التّخطيط التّربوي، النّظرية والتّطبيقية، وزارة التربية الوطنية، الحراش،  الجزائر، 2009، ص 128.

[13]  عبد الوهاب صديقي،  النّحو الوظيفي وديداكتيك  اللّغة العربية نحو منهجية تدريس وظيفي، دار أمجد للنّشر والتّوزيع، الأردن، ط 1، 2017، ص 27-29.

[14]  Renald Legendre. Larousse, Zita De Koninck, Numéro 73, Paris, mars 1989, p. 680.

[15]  نور الدين أحمد قايد وحكيمة السبيعي؛ التعليمية وعلاقتها بالأداء البيداغوجي والتربية، مجلة الوحدات للبحوث والدراسات، العدد8 2010، ص33- 49.

[16]  Ferdinand Buisson, Dictionnaire de pédagogie, 1887.

[17]  روني أوبير ترجمة عبد الله عبد الدايم. التربية العامة، دار العلم للملايين، بيروت، ط.1، 1967، ص 26.

[18] G.Mialaret,  Les sciences de l’éducation, Q.S.J,  1984, p 42.

[19]  أحمد شبشوب، مدخل الى الديداكتيك الديداكتيك العامة،  دفاتر التربية،  عدد 4 ، رمسيس الرباط،  يونيو 1997 ، ص 11.

[20] Michel TOZZI, Petit glossaire in, Enseigner la philosophie aujourd’hui, CRAP –Cahiers pédagogiques Séminaire 1989-1990, Université de Montpellier III, p. 64.

[21] Michel TOZZI, Introduction à la problématique d’une didactique de l’apprentissage du philosopher in Didactique de l’apprentissage du philosopher, Université de Montpellier III, Décembre 1992, p. 56.

[22] Michel TOZZI et al., op. cit., p. 34.



تعليمية الفلسفة

رأينا في دروس سابقة أن التعليمية ( الديداكتيك ) تنقسم إلى قسمين أو نوعين ، ديداكتيك عامة ونعني بها تعليمية المواد « وتسمى أيضا التعليمية الأفقية ، وهي التي تكون مبادئها وممارستها قابلة للتطبيق مع كل المحتويات وكل المهارات ، وفي كل مستويات التعلم نقدم المعطيات الأساسية والضرورية للتخطيط بكل موضوع وبكل وسائل التعلم لمجموع عناصر الوضعية البيداغوجية »، أي دورها هو تقديم المبادئ الأساسية والقوانين العامة والمعطيات النظرية المتحكمة في العملية التربوية ، مثل منهاج التدريس والوسائل البيداغوجية وكيفيات التقويم .

أما النوع الثاني من التعليمية يطلق عليها اسم التعليمية الخاصة وهي « ديداكتيك المادة ، فهي تهتم بتدريس مادة من مواد التكوين من حيث الطرائق والأساليب الخاصة بها وبالتالي يمكن أن نتحدث عن ديداكتيك اللغة ، ونعني بذلك كل ما يتعلق بتدريس مهارات اللغة كالقراءة والتعبير والكتابة » ، أي أن التعليمية الخاصة هي تعليمية المواد حيث تقدم للمعلم التوجيهات التي هو بحاجة إليها كما تهتم بمراقبة العملية التربوية وتقويمها ، إنها تهتم بالمادة وتحديد المهارات اللازمة لتحقيق النجاح في تدريسها ، وعليه مثلا لكل مادة من المواد التي تدرس تعليمية خاصة بها فإن للفلسفة أيضا تعليميتها الخاصة بها .

- ففيما تتمثل هذه التعليمية ؟

- إن الهدف من تعليم الفلسفة ليس هو اكتساب متعلمها مجموعة من المعارف الفلسفية التي تساعده في تحليل مواضيع الامتحانات فقط وإنما الهدف الأساسي منها ، هو إكسابه كفاءات التفكير الفلسفي وتعويده على ممارسة التفلسف ، فالتلميذ يكتشف الحقيقة من خلال التفلسف وبالتالي إخضاع الدرس الفلسفي للديداكتيك كما يرى ميشال توزي هو توسيط لبلوغ هذا الهدف، ولأجل ذلك وضع توزي فرضية ديداكتيك للتفلسف أي دايداكتيك خاصة بالفلسفة مفادها التفريق والتمييز بين التفلسف أما التلميذ وإكسابه كفاءات التفلسف ( المفهمة ، الحجاج ، النقد ، التعليل ...الخ ) وعليه فإن ديداكتيك الفلسفة تتحد بين التعليم والتعلم أي بين تعليم الآخرين التفلسف ، وبين الممارسة الذاتية لفعل التفلسف .

- ولكن السؤال المطروح : هو كيف ندرس الفلسفة ؟

- إن ما نعلمه لطالب الفلسفة هو الدحض ، والحجاج ، وهما إن صح التعبير تقنيتان مهمتان في التفكير الفلسفي وفي الممارسة لفعل التفلسف ، وقد تضمنتها الطريقة الحوارية التوليدية السقراطية ، فقد استخدم سقراط هذه الطريقة في التعلم وقد استلهمت النظريات التربوية الحديثة هذه الطريقة في مجال التعلم نظرا لأهميتها .

ففي الطريقة الحوارية يظهر التفاعل بين المعلم والمتعلم ، ويأخذ النقاش حصة الأسد فلا يصبح المعلم هو المسيطر على العملية التعليمية مثلما هو الحال في طريقة الإلقاء ، بل تقديم الدرس بالطريقة الحوارية يجعل المتعلم يساهم في إنجازه ، ويعوده آليات التفكير الفلسفي كالتعبير عن الرأي والحجاج والنقد ، والتحليل ...الخ

كما يعلمه الدحض ، الذي كان يستخدمه سقراط وهو سؤال توليدي حيث كان سقراط يطرح السؤال ويستمع إجابة خصمه ( السوفسطائيين ) ويتظاهر أنه يوافق على إجابتهم ، ثم يواصل في طرح الأسئلة إلى أن يصل إلى مرحلة إيقاع خصمه في التناقض .

- أما البرهنة أو الحجاج : فهو دعامة التفكير الفلسفي إذ لا يمكن تقديم الموقف من موضوع ما دون تقديم الحجاج ، وقد استخدم سقراط الحجاج في محاورة فيدون ( نظرية الأرواح ).

وقد شكلت الطريقة الحوارية – الجدل الفلسفي ومنه شكلت الطريقة الجدلية التي تستخدم في تحليل المقالات الفلسفية وبالنسبة لأفلاطون فإنه اشترط في تعليم الفلسفة شروط خاصة وهي أن يخضع المتعلم إلى تدريب خاص مدة ثلاثين عاما يتكون خلال  هذه المدة ويتعلم : الرياضيات ، والأدب والموسيقى والعلوم ثم يتدرب على الديالكتيك ( الجدل ) مدة خمس سنوات، بعدها يتدرب على مسؤوليات وطنه مدة خمسة عشرة سنة ، وبعدها يأتي بتعلم الفلسفة، هذا عن واقع تعلم الفلسفة في الحضارة اليونانية أما في العصر الحديث ، فإننا نجد إيمانويل كانط مثلا يركز على أهمية تعليم فعل التفلسف قائلا : « لا يمكننا أن نتعلم الفلسفة بل يمكننا أن نتعلم التفلسف ، فتعلم التفلسف يعني استخدام العقل ومن ثمة تدريبه على حل المشكلات. أما فردريك هيغل فإنه يشترط على مدرس الفلسفة أن يتوفر فيه شرطان يراهما مهمان لتعليم الفلسفة وهما : الوضوح والعمق ، وأن يتدرج في تدريس الفلسفة تدرجا يتناسب مع مستوى المتلقي ومع الحصص الزمنية المخصص له».

 أما ميشال توزي وهو أستاذ علوم التربية بجامعة مونبيليه الفرنسية فقد وضع نظريات ديداكتكية ، بغية إدماج الفلسفة في النظام التعليمي الفرنسي ، وقد طالب بضرورة تدريس الفلسفة في جميع المستويات الدراسية ( إبتدائي – ثانوي ، جامعي ).

·        لكل مادة من المواد التي تدرس أهداف مسطرة تفرضها أسئلة مهمة غالبا ما تنحصر في الأسئلة التالية :

ماذا ادرس ؟ كيف أدرس ؟ ولماذا أدرس ؟ وهي الأسئلة نفسها التي وجب على مدرس الفلسفة أن يطرحها ويجيب عنها لأن ذلك يساعده في تسطير الأهداف وهذه الأخيرة تساعده في وضع مخطط عام للتدريس وكذلك للدرس .

ففي الفلسفة حينما نتساءل عن " ماذا أدرس "؟ فأنا أتساءل عن مضمون المادة ، أي عن المواضيع التي أدرسها للتلميذ وهي مواضيع محددة سلفا في المقرر الدراسي من طرف لجنة مكونة من مختصين تختارهم الوزارة ويختلف مضمون ( البرنامج ) مادة الفلسفة من دولة إلى أخرى وقد أشار جان بياجيه إلى هذا في قوله :

« إن للفلسفة قيمة قيمة ثابتة ومشتركة لدى كل الأنظمة في تنوعاتها وحاملة لقيم واسعة ، إنها إيمان معقلن ، وعلى هذا الأساس يختلف مضمونها التعليمي من بلد لآخر ».

وعليه فإن مضمون مادة الفلسفة في الجزائر ، يختلف من مستوى لآخر ، فبرنامج السنة الثانية آداب وفلسفة ، يختلف عن برنامج السنة الثالثة فلسفة ، وبرنامج شعبة الآداب والفلسفة في السنة الثالثة يختلف عن برنامج الشعب العلمية وهكذا.

فنجد مثلا مضمون مادة الفلسفة الخاص بالنسبة الثالثة آداب وفلسفة يتمثل في الإشكاليات التالية ( في إدراك العالم الخارجي ، الأخلاق الموضوعية والأخلاق النسبية ، فلسفة العلوم ، والفن والتصوف بين النسبي والمطلق ) وطبعا كل إشكالية مجزأة إلى مجموعة من المشكلات .

- كيف أدرس مادة الفلسفة ؟

- لا توجد طريقة واحدة في تدريس الفلسفة بل هناك عدة طرق وهي :

طرائق تدريس الفلسفة

 

 


الطريقة الإلقائية        الطريقة الحوارية       التدريس بالنصوص             حل المشكلات

                                                             الفلسفية

يعتمد فيها الأستاذ          التفاعل بين المعلم                                               الاعتماد

 على المحاضرة            والتلاميذ في             توظيف النص                  على طرح

أي يكون هو            إنجاز الدرس                   لخدمة وإثراء                      الوضعيات

المحاضر               سؤال جواب                     ما تم تناوله                      المشكلة

 والمتعلم                                                في الدرس                         وإيجاد

متلقي فقط                                                                                حلول لها

لماذا ندرس الفلسفة ؟

أي ما هي الأهداف المرجوة من تدريس الفلسفة؟

بالنسبة لتدريس الفلسفة  في الجزائر ، فإن أهداف تدريس هذه المادة مشار إليها سلفا في الكتاب المدرسي الخاص بالفلسفة وهي كالتالي :

01- تأصيل روح التفتح والاعتدال في إبداء المواقف أو الرأي ومرونة التصرف مع الآخر .

02- إدماج الفرد في الكيان الاجتماعي العام ، عضوا ناجحا منتجا وفعالا .

03- عقلنة أساليب التعامل مع الأفكار والوقائع والأشياء بما ييسر التكيف معها وذلك بتمكين الفكر من تنمية منهجية الصورية والتحليل ، والتركيب ، والنقد ، والاستدلال .

04- ترقية أنماط البحث والتقصي على أساس الموضوعية العلمية .

05- تفعيل الجانب العلمي في التصدي لمختلف المشكلات والسعي إلى حلها »

* إن التعليم في مراحله الأولى وقبل ظهور طريقة التدريس بالمقارنة بالكفاءات ، كان يكتفي بإكساب التلميذ ( المتعلم ) معارف مختلفة في شتى المواد ، وكان الهدف واحد وهو تمكين المتعلم من توظيف هذه المعارف لحل أسئلة الامتحان ، ولم يكن يعنيه إكساب المتعلم كفاءات يستطيع توظيفها لحل المشاكل التي تعترض حياته ، إلى أن ظهرت طريقة المقاربة بالكفاءات ، وهي طريقة في التدريس تركز على التحليل الدقيق للوضعيات التي يتواجد فيها المتعلمون أو التي سوف يتواجدون فيها .

- كما أنها تنص أيضا على تحديد الكفاءات المطلوبة لأداء مهمة ما ومن مزايا هذه الطريقة أنها :

01- تعمل على تنمية قدرات المتعلم العقلية ( المعرفية ) ، العاطفية ( الانفعالية ) والنفسية والحركية .

02- تحفيز المتعلمين على العمل ، وتعمل على انضباط التلاميذ من خلال تكليف كل واحد منهم بمهمة تتماشى مع ميولاته

03- تكتسب المتعلمين كفاءات تساعدهم على مواجهة مشاكلهم اليومية وإيجاد حلول لها .

04- وعليه فإن الأستاذ في هذه الطريقة يلعب دور الموجه والوسيط بين المعرفة والمتعلم .

05- كما أنها طريقة تمزج بين التلقين والحوار .

06- في هذه الطريقة يساهم كل من المعلم والمتعلم في بناء الدرس .

07- كما أنها ترتقي إلى المعارف الإجرائية ، التي يمكن أن يوظفها المتعلم في حل مشاكله اليومية.

تعليمية أو ديداكتيك الفلسفة

 

1. مقدمة:

إن العملية التعليمية التعلمية تتطلب الإحاطة بجميع مكوناتها، وكل ما يحيط بها من علوم التربية والبيداغوجيا والديداكتيك، ولعل هذا الأخير يكتسي أهمية بالغة، إذا اعتبرنا أنه مرتبط بالجانب التطبيقي من العملية التعليمية التعلمية، وبالتالي يمكن القول بأن الديداكتيك يشكل ضرورة ملحة بالنسبة لعملية التدريس، باعتباره يساهم في تمكين الأطر التربوية من أداء أدوارها بشكل فعال، وذلك من خلال التوفيق بين المناهج والبرامج الدراسية مع وضعيات التدريس المختلفة. ويساهم الديداكتيك  كذلك في ضبط الإجراءات والآليات المناسبة لتدريس المادة الدراسية، بالإضافة إلى التخطيط الذي يساعد في تحقيق الأهداف والكفايات. كما يمكن اعتبار الديداكتيك بمثابة تصور يوضح فلسفة المنهاج، ويساعد على استنتاج مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة في العملية التعليمية التعلمية.

وانطلاقا من أن الدرس الفلسفي أساسا هدفه تحقيق تمثل سلوك المتعلم الخاص بتنمية جملة من القدرات والكفايات، (القدرة على النقد وعلى التحليل والتركيب...)، وهو ما يجب على المدرسين انطلاقا من وظيفتهم الديداكتيكية، تأصيلها وترسيخها في البنيات المعرفية الذهنية والمنطقية للمتعلمين، تحقيقا لما هو مراهن عليها في الدرس الفلسفي كاختيار استراتيجي في التوجيهات الرسمية، وذلك من خلال توعيتهم بخلفياتها والدفع بهم إلى استبصار قيمها النبيلة وأبعادها المنهجية في تفكيك الواقع ومحاولة الارتقاء به نحو الأفضل، وبهذا فإن تدريس الفلسفة يجب أن يرتكز على تعلم التفكير الذاتي بهدف تعويد وتدريب العقل على الممارسة النقدية.

كيف يمكن إخضاع الأنشطة الفلسفية إلى وضعيات ديداكتيكية؟.

2. مفهوم الديداكتيك

الديداكتيك هي، بالأساس، تفكير في المادة الدراسية بغية تدريسها، فهي تواجه نوعين من المشكلات: مشكلات تتعلق بالمادة وبنيتها ومنطقها، وهي مشاكل تنشأ عن موضوعات ثقافية سابقة الوجود ومشاكل ترتبط بالفرد في وضعية التعلم وهي مشاكل منطقية وسيكولوجية. فالديداكتيك ليست إذن حقلا معرفيا قائما بذاته، وذلك على الأقل في المرحلة الحالية من تطورها، وقد لا تكون مدعوة لأن تصبح حقلا معرفيا مستقبلا، ومع ذلك، ليس ثمة شك في وجود مجال للنشاط خاص بتدريس مختلف المواد الدراسية. والذي يتطلب بحثا مستمرا قصد تحسين التواصل، وبالأخص، البحث في كيفية اكتساب المتعلم للمفاهيم.[1]

1.2     المعنى اللغوي للديداكتيك:

تعني كل ما يهم التدريس والتعليم، ويقابله في الترجمة إلى العربية عدة مفردات؛ كعلم التدريس أو فن التدريس أو منهجية التدريس، والتدريسية أو علم التعليم أو التعليمية، والتربية الخاصة أو الديداكتيك أو الديداكتيكا.

كلمة الديداكتيك، في اللغات الغربية مشتقة من الكلمة اليونانية "didaktikos" وتعني: فلنتعلم؛ أي: يُعلِّم بعضُنا بعضًا، والمشتقة أساسًا من الكلمة الإغريقية " didaskein" ومعناها التعلُّم، وقد استخدمت هذه الكلمة أول مرة في التربية مرادفة لفن التعليم، وقد استخدمها "Comenius

  • Teacher: DJARER جعرير Mohammed محمد
  • ترتبط الأنثروبولوجيا بالتّاريخ إرتباطا وثيقا لا من حيث المعارف فحسب و لكن أيضا من حيث المنهج، إذ أن أولى المدارس الكلاسيكية في الأنثروبولوجيا كانت تاريخية و نعني بها:التّطورية و الإنتشارية، كما يبقى التّاريخ حاضرا و لو نسبيا في باقي المدارس، و لذلك فإن التعرف على السّمات الحضارية لأهم الحضارات الإنسانية يعتبر مكملا و ضروريا لطالب(ة) الأنثروبولوجيا الاجتماعية و الثّقافية، و من هنا يسعى هذا الدّرس إلى تعريف الطالب(ة) بأهم السّمات الحضارية لعدد من الحضارات القديمة/ المصرية و الإغريقية و بلاد الرّافدين....