نظرية الصراع عند كارل ماركس

 المحاضرة رقم 1

 

كارل ماركس

فيلسوف ألماني، واقتصادي، وعالم اجتماع، ومؤرخ، وصحفي . لعبت أفكاره دورًا هامًا في تأسيس علم الاجتماع وفي تطوير الحركات الاشتراكية. واعتبر ماركس أحد أعظم الاقتصاديين في التاريخ

يمكن إيجاز أهم محاوره الفكرية  بما يلي .

1.  أهم مفاهيمه .

2. البناء الإيديولوجي لكارل ماركس .

3. نظرية الصراع عند كارل ماركس.

 

 

أهم مفاهيم كارل ماركس

استخدم ماركس في طروحاته النظرية مجموعة من المفاهيم التي أسست لنظرية الصراع الماركسية ومن بين أهم تلك المفاهيم هي

الباء التحتي والبناء الفوقي : ويقصد بالبناء التحتي نظم الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية وطبيعة الملكية في المجتمع ، أما البناء الفوقي فهو نظم القيم والأفكار والمعتقدات التي تسود المجتمع ، وبرى ماركس أن البناء التحتي ( نظم الاقتصاد وعلاقات الإنتاج ) هي التي تنتج  البناء الفوقي ( نظم الأفكار والقيم والمعتقدات )

فائض القيمة : واحد من المفاهيم المركزية التي قانت عليها النظرية الماركسية ويقصد به الفرق بين ما يتقاضاه الأجير من اجر وبين ما ينتجه فعلا . فالعامل في المصنع ينتج على سبيل المثال ما يعادل 100 وحدة ألا انه لا يتقاضى ألا اجر 50 وحدة والخمسين  . أي أن هنالك فائض في قيمة أنتاج العامل تعادل 50 وحدة تذهب إلى صاحب وسيلة الإنتاج .

الصراع الطبقي : لقد قسم ماركس طبقات المجتمع الى طبقتين رئيسيتين الأولى صاحبة وسائل الإنتاج والثانية فاقدة لوسائل الإنتاج  ، واستغلال الأولى أصحاب وسائل الإنتاج للطبقة الثانية فاقدة وسائل الإنتاج يخلق نوع من الصراع الطبقي أساسه استغلال الأولى للثانية   .

 الاغتراب : هو حالة من الشعور بالاغتراب عن المجتمع يعيشها العامل نتيجة عملية الاستغلال ، وسببها إحساسه العامل بعدم انتمائه للمجتمع بسبب عدم مقدرته على تلبية حاجاته العائلية .

البناء الإيديولوجي لكارل ماركس

 

كانت الرؤيا الفلسفة قبل ماركس قائمة على مجموعة من المسلمات المجردة مثل القيم والعقل والمعرفة وغيرها من المفاهيم الفلسفة والتي كانت ترى ان طبيعة النظم الفكرية والقيمية والدينية هي التي تنتج نظم وعلاقات الإنتاج في المجتمع، وبقت هذه النظرة قائمة لدى الفلاسفة قبل وبعد ماركس الا ان ماركس نقض تلك الفكرة 

فهو يرى أن واقع الحياة المادية للإنسان ونظم الإنتاج وطبيعة العلاقات الاقتصادية في المجتمع هي التي تنتج نظم المجتمع المعرفية وقيم وأفكار المجتمع . أي ان طبيعة ونوع الحياة المادية تنعكس على طبيعة الأنظمة الفكرية والدينية والقيمية في المجتمع . لقد ساد عن ماركس أن كل الأنظمة الدينية في المجتمعات هي نتاج لواقع اجتماعي ،وقد ذاعت مقولته الشهيرة .الدين أفيون الشعوب . 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

نظرية الصراع عند كارل ماركس

المحاظرة رقم 2

 

 

 

لقد اعتبر ماركس الصراع في المجتمع حالة تاريخية ، بسبب الوضع المادي ونظم وطبيعة العلاقات الاقتصادية في المجتمع ، فطبيعة العلاقات الاقتصادية والعلاقة بين فاقدي وسائل الإنتاج ومالكي وسائل الإنتاج هي التي تسبب الصراع وقد قسم ماركس تاريخ المجتمعات الإنسانية إلى ثلاث مراحل هي

1. مرحلة المشاع : ويشير فيها ماركس إلى المرحلة البدائية من حياة الإنسان والتي كان يسودها المشاع لوسائل الإنتاج ، والتي كان الإنسان يعتمد على جمع قوته من الأرض وهذه الأرض ليست ملكا لأحد بل هي ملك للجميع في هذه المرحلة لم يكن يسودها الصراع ، آذ أن وسائل الإنتاج ليست حكرا لأحد.

2. المرحلة الإقطاعية : وهي مرحلة سيطرة مجموعة من الإفراد على وائل الإنتاج وهي الأرض ، اذ اعتبر ماركس أن اكبر جريمة في تاريخ الإنسانية ، كانت إعلان شخص ملكيته لأرض معينة ، فاعلان الملكية هو إعلان ببداية استغلال البشر ، هذه المرحلة تشكل فترة زمنية طويلة تبدءا قبل ظهور الحضارات إلى الثورة الصناعية التي حدثت في أوربا . لقد قامت هذه المرحلة على استغلال الاقطاعيين للمزارعين من خلال فائض القيمة فالفلاح الذي ينتج على سبيل المثال 2000 كغم من القمح لا يتقاضى من صاحب الأرض إلا 1000 كغم فقط إي ن هنالك استغلال للفلاح لصالح الإقطاعي .

3. المرحلة الصناعية : ويقصد بها مرحلة التصنيع وتتسم عملية الاستغلال بين أصحاب وسائل الإنتاج بالاتساع فوجود الآلة يساهم في زيادة استغلال الطبقة العاملة ، اذ بسبب وجود الآلة فان أصحاب المصانع يبدؤون بالتخلي عن العمال  . وهذا يسبب كثرة العرض من العمال في مقابل محدودية الطلب . مما يترك حيزا لأصحاب المصانع بتخفيض الأجور أكثر مما يسبب زيادة في فائض القيمة لصالحهم . هده المرحلة تعرف بتغريب العمال وشعور العمال بالاغتراب نتيجة ارتفاع درجة استغلالهم

مما يساهم حسب ماركس في تكوين وعي مشرك او إحساس مشترك لدى الطبقة العاملة ، بحالة استغلالهم من قبل أصحاب وسائل الإنتاج مما يدفعهم للثورة ضد الطبقة المستغلة ، وتأسيس النظام الاشتراكي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

           الصراعية  الوظيفية

لويس كوزر  المحاظرة الثالثة

انطلق كوزر من مبدأ ان النظرية الوظيفية اهملت في لغلب الاحيان ابعاد السلطة والمصالح المرتبطة بفئاتها . فقد اكد ان بارسونز قلل من دور الصراع في اعماله التحليلية ، معتبرا الصراع بمثابة مرض ، لا بد من علاجه بآليات الجسم الاجتماعي  social body    

لقد اعتقد كوزر ان النظرية الوظيفية تجاهلت الصراع ،

كما انه انتقد نظريات الصراع لتقليلها من اهمية وظائف الصراع ، والتي عبر عنها ماركس و داهرندوف من خلال النتائج التفكيكية للصراع العنيف.

 

التنظيم الاجتماعي والصراع عند كوزر

لقد اكد كوزر على دور الصراع في التنظيم الاجتماعي فا العنف بالنسبة له . مثل الالم في جسم الانسان اذ انه يقوم بدور اشارة الخطر بما يسمح للجسم الاجتماعي من اعادة تكييف ذاته .

اما بالنسبة لرؤية كوزر للتنظيم الاجتماعي ، فهو يرى انه يمكن النظر الى العالم الاجتماعي كنظام او نسق من الاجزاء المترابطة . والنظام النسقي هذا يظهر في بعض الاحيان اختلال التوازن والتوترات والصراعات المصلحية بين مختلف الاجزاء المترابطة فيه . وكثير من العمليات كالعنف والتفكك والانحراف والصراع والتي تعتبر مفككة للنظام يمكن اعتبارها في ظل ظروف معينة معززة لأسس التكامل في النظام وأيضا لقدرة النظام على التوافق مع البيئة .

ومن خلال هذا الطرح صاغ كوزر مجموعة من الفروض عن وظائف الصراع بالنسبة للأنساق او النظم الاجتماعية .وفي نفس الوقت لا يمكن انكار ان كوزر يقدم مجموعة من الفروض عن الحالات التي في ظلها يؤدي الصراع الى تمزيق وتفكك الانظمة الاجتماعية .

ألا ان المحور الرئيسي لتحليله يدور حول اعادة  ارساء تكامل الانساق وتوافقها مع ظروف الصراع .

وقد صاغ كوزر تلك الفروض من خلال سلسة من العناصر والأسباب المترابطة هي

اختلال التوازن في تكامل الاجزاء المكونة للكل الاجتماعي يؤدي الى تفجر انواع مختلفة من الصراع بين الاجزاء المكونة وهذا يسبب اعادة تكامل مؤقتة للكل النظامي / النسقي والتي في ظل ظروف معينة تسبب مرونة متزايدة في بناء النظام وهذه بدورها تسبب تزايد قدرة النظام على حل اختلافات التوازن في المستقبل من خلال الصراع مما يؤدي الى نظام يتسم بمستوى عالي من القابلية للتوافق مع الظروف المتغيرة 

بنية عمليات الصراع

لقد اسس كوزر من خلال مقاربة لعمليات الصراع واحدا من اهم التحليل المترابط لإشكال الصراع الاجتماعي .فلا يزال منظور كوزر عن الصراع احد الاتجاهات الاكثر شمولا في الادبيات المعاصرة هذه الشمولية تتجلى في انه غطى كثير من الظواهر المتغيرة  والمتعلقة ب

1.  اسباب الصراع

2.  شدة الصراع

3.  عنف الصراع

4.  دوام الصراع

5.  وظائف الصراع 

المحاظرة الرابعة

  اسباب الصراع

بالرغم من ان كوزر يعتبر من المنظرين الصراعيين ألا انه يختلف معهم في تفسير اسباب الصراع والذي يفسره من خلال مجموعة من العوامل اهما

كلما تسائل الاعضاء المحرومون عن شرعية التوزيع الحالي للموارد الشحيحة كلما زاد احتمال ابتدائهم  بالصراع  .

تسائل المحرومون هذا يؤسس له مجموعة من العناصر اهمها عدم وجود قنوات لتصريف الضغط الاجتماعي وعدم وجود منظمات داخلية للإجابة عن تساؤلات المحرومون .بالإضافة الى ان توزيع المكافآت يكون على اساس نسبي وليس مطلق قد يساعد على نشوء الصراع

شدة الصراع

يعني كوزر بشدة الصراع الالتزام الانفعالي بمواصلة الصراع اي ايمان الافراد بمواصلة الصراع . فقد يكون هنالك اسباب للصراع ألا ان شدة الصراع تنعكس بانفعالات الافراد

وقد صاغ كوزر مجموعة من العوامل التي تسبب شدة الصراع اهمها

كلما زاد تحقيق الظروف المسببة لتفجير الصراع كلما كان الصراع اكثر شدة .

كلما اندمج الافراد انفعاليا مع قضية معينة كلما كان الصراع اكثر شدة .

كلما كانت العلاقات اولية بين اطراف صراع معين كلما زاد الاندماج او الانغماس الانفعالي

كلما كانت الجماعة موحدة ايدولوجيا (فكريا) كلما زاد شدة  الصراع

عنف الصراع 

يقصد بعنف الصراع الدرجة التي يحاول فيها اطراف الصراع او ابعاد كل منهما الاخر

وقد طرح كوزر مجموعة من العناصر التي تؤدي الى عنف الصراع اهما .

كلما زاد صراع الجماعات على قضايا غير واقعية كلما كان الصراع عنيفا والعكس صحيح

كلما استمر ذلك الصراع كلما ازداد احتمال ظهور الموضوعات غير الواقعية .

كلما كان البناء الاجتماعي صارما وجامدا كلما قل  توفير الوسائل المؤسسية لامتصاص الصراعات والتوترات مما يزيد الصراع عنفا

كلما زاد عدد ومستوى وعدد اليات الضبط كلما كان البناء اكثر صرامة وجمودا

كلما كان الصراع يدور حول قيم صميمية كلما كان الصراع عنيفا

دوام الصراع

لقد ناقش كوزر فكرة دوام  الصراع من خلال عنصر تغافله اغلب علماء الاجتماع الا وهو عنصر الزمن . وناقش ذلك من خلال مناقشة المتغيرات المستقلة التي تؤثر على دوام الصراع وأهمها .

كلما كانت اهداف اطراف الصراع غير محددة بشكل دقيق كلما طال امد الصراع .

كلما تساوت القوة بين اطراف النزاع كلما طال امده

كلما كان قادة وإطراف الصراع اكثر مركزية كلما زاد تأثيرهم في اتباعهم ممد يؤهلهم لخوض صراع اطول.

 

 

 

وظائف الصراع الاجتماع ,

بالرغم من ان الصراع كافتراض ، يؤدي الى تصدع البناء الاجتماعي وبالتالي يسبب اخلال وظيفي في المؤسسات الاجتماعية بشكل عام . الا ان كوزر طرح مجموعة من الافكار التي ترى في الصراع جزء ايجابي في ادامة المجتمع في مواجهة الند في الصراع او بالنسبة للأداء الوظيفي بشكله الام وقد صاغ كوزر لذلك مجموعة من الفروض اهمها .

وظائف الصراع بالنسبة للجماعة المتصارعة .

كلما اشتد الصراع ادى الى التماسك البنائي والإيديولوجي بين اعضاء كل جماعة مشتركة في الصراع  اذ ان شدة الصراع تعزز وتقوي التكامل بين افرادها كما ان شدة هذه التماسك تتاثر بطبيعة العلاقات داخل الجماعة ان كانت اولية او ثانوية .

اما بالنسبة لوظائف الصراع للجماعة الاجتماعية بشكلها الكلي ، فهي ترتبط بطبيعة النظام الاجتماعي نفسه اذ افترض كوزر ان النظام الاكثر صرامة لا يمكن ان يؤدي فيه الصراع وظيفته بشكل ايجابي . الا ان الصراع في الانظمة الاقل صرامة او الديمقراطية يمكن ان يؤدي الى بعض الوظائف الايجابية اهمها

كلما كان النظام اقل صرامة كلما قل احتمال تحول الصراع الى شكل عدائية ، وزاد احتمال مواجهة الصراع لمصادر التوتر الحقيقية .

كلما كان النظام اقل صرامة ادرك بفعل الصراع ان النظام يحتاج الى اصلاح

كلما كان في مقدور جماعة الصراع الالتجاء الى القيم الصميمة للنظام الاجتماعي كلما قل احتمال ان يؤدي الصراع الى الانقسام والاختلاف حول تلك القيم وكلما زاد احتمال تعزيز الصراع للتكامل .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(نظرية التخلف الثقافي )

في إطار نظرية التغيير الاجتماعي حاول بعض العلماء دراسة ظاهرة التغير الاجتماعي التي تحدث في المجتمع من خلال عملية الربط بين الجوانب المادية والجوانب اللامادية. أبرز مَنْ مثل هذا التيار العالم وليم أجبرن (W. Ogburn) والذي قدم أنموذجه في تأكيد التأثير الاجتماعي أكثر من البيولوجي في تفسير الأحداث الاجتماعية فأهم شيء في نظره لتفسير أعمال الإنسان هو التراث الاجتماعي الذي لا يفسره نتيجة لأعمال الإنسان خلال فترة محددة بل إنه النتاج الإنساني المتبقي منذ زمن بعيد واستطاع أن يدوم لينتقل من جيل إلى جيل. وقد ميّز أوجبرن عند مناقشته مفاهيم التطور الاجتماعي والدراسة المفصلة لدور العوامل البيولوجية والثقافية في التغير الاجتماعي بين الثقافة المادية واللامادية. "ولعل من أهم إضافاته هو استبدال مصطلح التطور الاجتماعي الذي كان سائداً بمصطلح التغير الاجتماعي. 

حيث أن اصطلاح التطور يشير إلى حالة إيجابية في حين أن التغير يضمن كلا الاحتمالين السلبي والإيجابي. وتقوم فكرة التغير الاجتماعي عند أوجبرن على تناول الجوانب الثقافية في المجتمع، فللثقافة وجهان مادي وغير مادي. ففي العائلة مثلاً يكون السكن والأثاث عبارة عن الجانب المادي ويكون الزواج والسلطة الأبوية وعلاقات السلطة داخل العائلة والجانب العاطفي، عبارة عن الجانب اللامادي والفصل بين هاتين الناحيتين كان أساس نظريته، ويصطلح على تخلف الجانب اللامادي عن الجانب المادي بالهوة الثقافية والتخلف الثقافي (Cultural leg)

فالثقافة اللامادية تعني "التراث الاجتماعي، أي ما خلفه شعب معين أو حفظه ويشمل هذا وسائلهم وعاداتهم وتقدمهم التكنولوجي ونظمهم الاجتماعية.

إن التطورات السريعة نسبياً في الجانب اللامادي مقارنة بالثبات النسبي في الثقافة اللامادية تطرح مشكلة التخلف الثقافي (Cultural leg) والذي يشير إلى وضعية تغير عندما يتصارع نوع جديد من السلوك مع القيم التقليدية، حيث تتصف التغيرات في الجانب اللامادي بأنها تحرك ضغط بالنسبة للثقافة اللامادية كونها تعتمد على نموذج ثقافي من بناء المجتمع القديم والذي لا يستقل فكرة الجديد ببساطة 

ويترتب على نظرية التخلف الثقافي (Cultural leg) ملاحظتان هما:

       ·         إن التغيرات المادية أسرع في تراكمها من المتغيرات اللامادية.

       ·         إن التغيرات المادية تصبح علة في تغيير الثقافة اللامادية

إن هناك بعض الحقائق المرتبطة بالمتغيرات المادية و المعرفة النفسية حسب رأي جورج غورفيتش: "فقد وصلنا إلى عصر نتجاوز فيه التقنيات البنى  الاجتماعية وبالأخص أنماط المجتمعات التي نشأت فيها. فتاريخ التقنيات يظهر أنه لم يسبق للمعرفة التقنية أن أنجبت حتى الآن أطراً اجتماعية، وإنما بالعكس تماماً، كانت الأطر الاجتماعية هي التي تستثير التقنيات الجديدة. إلا أننا سنشهد اليوم تفاوتاً ملحوظاً بين البنى الاجتماعية وبين التقنيات. فالمعارف التقنية أصبحت لا تخضع لأية سيطرة وأية رقابة. والتقنيات في مستواها الأعلى تظهر في سباق بينها وبين المجتمعات.

إن فرض التخلف الثقافي يبدأ من فكرة "أن جانباً كبيراً من التراث الاجتماعي للإنسان يدخل في نطاق ما يسمى بالثقافة المادية، وأن التكيف مع هذه الثقافة يعد أمراً ضرورياً، ذلك لأن التغيرات التي تحدث في الثقافة المادية تسبق التغيرات التي تحدث في الثقافة اللامادية. ومعنى ذلك أن التكيف لا يمكن إن يبدأ قبل أن يحدث التغير في الثقافة المادية 

أي أن عملية التكيف بين الثقافة المادية واللامادية لا يمكن أن تكون عملية استباقية أي أنها تتم بعد حدوث عملية التغير المادي، وهنا تكمن المشكلة. فالثقافة اللامادية بعناصرها الأساسية "من العادات والأعراف قد لا تتمكن من ملاحقة التغير وهنا يجب قياس سوء عدم التكيف أو عدم القدرة عليه".

وقد ميّز أوجبرن بين ثلاثة أشكال عامة للتأثيرات الاجتماعية للاختراع (التطور المادي) الأول يتصل بالاختراع البسيط وتأثيره العام والثاني هو التأثيرات القادمة أو المشتقة لاختراع واحد. وهذا يعني أن الاختراع ينتج عنه تغيرات تحدث بدورها تغيرات أخرى وهكذا. ويسمى الشكل الثالث للتأثيرات الاجتماعية للاختراع أو اجتماع عدة تأثيرات لعدة اختراعات "إذ أن التطورات التكنولوجية السريعة تتطلب نوعاً جديداً من منظومات القيم التي تحكم العلاقات بين الأفراد وعدم تأقلم الأفراد مع تلك المتطلبات الجديدة يحدث نوع من الاضطراب". وقد فسر أوجبرن تغير الثقافة لأربعة عوامل هي الاختراع والتراكم والانتشار والتوافق. ويعتبر الاختراع العنصر الفعال والأكثر أهمية في عملية التغير، وهو يعني "خلق أو اكتشاف عنصراً وسمة ثقافية جديدة ويظهر الاختراع من تركيب جديد للعناصر الثقافية الموجودة فعلاً. ويحدث التغير الاجتماعي عند إدخال أو تبني المجتمع لهذا العنصر الجديد.

إن الحاجة والقاعدة الثقافية والقدرة العقلية والتراث عناصر أربعة ضرورية لا بد من وجودها ليتمكن للاختراع أن يظهر. إلا أن تأثير الاختراعات يختلف حسب طبيعتها، فالأنماط المختلفة للاختراعات تؤدي إلى تأثيرات اجتماعية متمايزة تبعاً لطبيعة الاختراع وحجمه.

أما بالنسبة للعناصر الأخرى فهي التراكم والذي يحدث عندما تكون نسبة العناصر المضافة أكثر من نسبة العناصر التي تفقد. والانتشار وهو انتقال المخترعات في اتجاهات مختلفة ويكون التوافق أمراً يجب الوصول إليه عندما يتفاعل اختراع مع عناصر الثقافة اللامادية. 

إن طبيعة تغير الثقافة اللامادية وعدم توافقها مع العناصر الثقافية للمجتمع يرجع إلى عدة أسباب أهمها:

       ·         أن هناك ميل في كل ثقافة للإبقاء على القديم، وبقاء القديم على هذا النحو يشكل عقبة كبيرة أمام التغير.

       ·         العادات العقلية المستقرة على نحو ما والعقبات الطبيعية في تغير العادات.

       ·         النزعة المحافظة عند كبار السن.

       ·         الجهل وعدم معرفة حقيقة التجديد والاختراع أو طريقة استخدامه يؤدي إلى رفضه.