نتطرق في هذا المقرر الدراسي إلى وصف تفصيلي للمعارف التي اكتسبها الطالب في السنوات السابقة حول محور علم الإيقاع، وتزويده بمعلومات إضافية لازمة للتعرف أكثر عن أنماط الإيقاع والتذوق الشعري، والخصائص الإيقاعية الأكثر شيوعا، والتي نسعى إلى رصدها بعد مساءلة النصوص من خلال القراءة الواعية المركزة وهو ما جعلنا نتثبت من حداثية التوجه الذي أعلنه الشعراء العرب المحدثين عامة والجزائريين على وجه الخصوص، الذين تمردوا على نمطية القصيدة التقليدية، إذ لا يكاد يغيب عنصر من عناصر البنية الإيقاعية الحديثة إلا أولوه اهتماما، فتأهّل شعرهم إلى أن يُقرأ في إطار النظرة النقدية الحديثة التي تنبني على العلاقة الجدلية المتفاعلة بين البنية الإيقاعية والبنية البلاغية التي لعب الخيال دورا فاعلا في صناعة نسيجها الإيقاعي عن طريق إشعاعات الصورة الكلية بأنماطها، والبنية المرئية التي كان لإيقاع البياض مثلا دور هام في تشكيل بنيتها، وكذا البنية السمعية سواء بأصغر وحدة فيها( الصوت) أو بأكبر وحدة ( التركيب) الذي يبرز دوره من خلال عنصر التكرار والبنية الدلالية التي تعد عنصرا أساسيا لازما في الإيقاع الداخلي، حيث تعمل على شحن النصوص الشعرية بطاقة إيقاعية كبيرة يتجلى صداها في الأفكار وعناصر القص والتقابلات، والتي تتجسد بجلاء بعد مقاربتهم في ضوء المنهج البنيوي المستأنِس ببعض الإجراءات الأسلوبية .

ثم الولوج إلى البنية الخارجية للإيقاع من خلال تعامل الشعراء مع البحور الخليلية، إذ كان للمزج بين البحور الشعرية ، أو بين التفعيلات أبعاد دلالية، فالمزج بين البحور البسيطة والبحور المركبة هو من الناحية الدلالية مزج بين عالمين متناقضين؛ عالم الروح وعالم المادة ، وكذلك الجمع في الترخيصات العروضية بين التفعيلات الزاحفة والتفعيلات الصحيحة هو حسن استغلال للطاقات الإيقاعية المتاحة في هذه الإمكانية، والتي تساعد في توليد الدلالة بطريقة أو بأخرى.

كما نريد من خلال هذا المحتوى الدراسي معرفة نقاط التقاطع بين النبر الشعري والنبر اللغوي المتمثل في مستوى الحيوية الإيقاعية النابعة من التجربة الشعرية والانفعالية في النص، وكلما زاد عدد النبرات في القصيدة ارتفعت حدة التوتر والانفعال والحركة .

وكل هذا يكون من خلال القراءة المتواترة لسلسلة كتب الإيقاع، والعمل على بعض النصوص الشعرية العربية والجزائرية الحديثة والمعاصرة أمثال فدوى طوقان، بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وناصر لوحيشي و.....الخ.