مقياس المشاريع الوحدوية في التاريخ العربي المعاصر

محاضرة 02    أهمية الوطن العربي

 

الوطن العربي هو ذلك المصطلح الذي يستخدمه العرب تحديداً للإشارة إلى وطنهم الكبير والشامل لكل دولهم، ومجتمعاتهم ، حيث العديد من القواسم المشتركة، و التي تجمعهم جميعاً كالدين واللغة والثقافة علاوة على التاريخ المشترك والحدود الجغرافية المتصلة، إضافة إلى القضايا والأهداف المشتركة بينهم جميعاً للدلالة على حدود الوطن العربي بشكل شامل، والذي تبدأ حدوده من المغرب العربي المطل على المحيط الأطلسي، وذلك من الجهة الغربية وصولاً إلى منطقة الخليج العربي في المشرق، حيث كانت كل تلك المنطقة أرضاً واحدة وشعباً واحدا إلى غاية وصول المستعمر، الذي قام بتقسميها إلى عدة دول ، و لعل أهمية الوطن العربي في الأساس هي ما دفعت الدول الاستعمارية إلى الطمع فيه، و إخضاعه لإرادتها، وذلك من أجل السيطرة على مقدراته ونهبها واستغلالها لصالحها ، وذلك نظراً لأهمية تلك المنطقة من عدة نواحي . 

1-    الأهمية الجغرافية للوطن العربي: يحتل الوطن العربي مركزا جغرافيا متميزا، تلتقي عنده ثلاث قارات هي آسيا وأوربا وإفريقيا ، وقد استطاع بفضل هذا الموقع الفريد أن يربط بين الشرق والغرب.

  تحيط بالعالم العربي حدود طبيعية من كل جانب، ففي الشمال البحر المتوسط وجبال طوروس وزاغروس ، وفي الجنوب الصحراء الاستوائية والمحيط الهندي ، وفي الشرق الخليج العربي ، وفي الغرب المحيط الأطلسي ، وهذه الحدود الطبيعية تجعل من العالم العربي وحدة إقليمية متميزة ، وإن قضت العوامل الخارجية والأطماع السياسية والاقتصادية على هذه الوحدة التامة بمقوماتها، فقسمت العالم العربي إلى عدة دول ودويلات ، ولم تقم الحدود المصطنعة الحالية إلا نتيجة تنافس الدول الكبرى واتفاقها فيما بينها على تخطيط مناطق نفوذها وسيطرتها.

ويضم الوطن العربي جناحين في قارتي إفريقيا وأسيا، يشتمل الجناح الأسيوي على ماعرف بالهلال الخصيب وما عرف بالمربع العربي، والهلال الخصيب يتكون من : العراق، سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين. ويتكون المربع العربي من : السعودية، اليمن، سلطنة عمان، الامارات العربية المتحدة، قطر، البحرين، الكويت.

أما الجناح الإفريقي من الوطن العربي فيضم كل من : مصر، السودان، الصومال، جيبوتي، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريطانيا.

 

2-    الأهمية الثقافية للوطن العربي : لعل من أهم عوامل الوحدة بين جميع الأقطار العربية نجد اللغة العربية ، ذلك أنها لغة كل العرب وهي اللغة السائدة في مشرق الوطن العربي ومغربه، أي في جناحه الأسيوي والإفريقي، ولا يقلل من قوة عامل اللغة وجود لهجات محلية مشتقة من اللغة العربية ذاتها أو لهجات أخرى كتلك التي يتكلم بها الأكراد في شمال العراق وسوريا وتلك التي يتكلم بها الأمازيغ في المغرب العربي.

كما أن الدين الإسلامي دين غالبية العرب في الوطن العربي، حيث تصل نسبة المسلمين العرب أكثر من 90 في المائة من عدد سكان الوطن العربي، وبذلك يعتبر الدين الإسلامي عاملا ثقافيا من عوامل الوحدة بين الأقطار العربية، ورغم وجود أقلية مسيحية وأقلية يهودية من سكان الوطن العربي، فإن ذلك لم يقلل من الوحدة العربية حيث يتحدث المسيحيون واليهود اللغة العربية كالمسلمين.

وكانت الوحدة الثقافية العربية مستندة إلى الأسس الآتية:

-        الوحدة الروحية التي تجمع شعوب المنطقة العربية الإسلامية.

-        ارتباط السلطة الدينية بالسلطة الزمنية ، فقد كان الخليفة هو الزعيم السياسي إلى كونه الزعيم الديني للمسلمين.

-        شيوع مبادئ الإخاء والمساواة التي تحطم الحواجز بين الناس دون النظر إلى جنس أو لون، وهذه المبادئ تستند إلى شرائع الدين الإسلامي.

3-    الأهمية الحضارية للوطن العربي: كان للموقع الجغرافي الذي تميز به الوطن العربي دور بارز في ظهور العديد من الحضارات العظيمة على أراضيه، كالحضارة الفرعونية في مصر، والحضارتين الأشورية والبابلية في العراق، بالإضافة إلى الحضارة المقامة في بلاد الشام، فقد امتلك الوطن العربي كافة المقومات، والعوامل التي جذبت الجماعات البشرية التي أنشأت هذه الحضارات، وارتقت بها، مثل: وفرة المياه من نهر النيل، ونهري دجلة، والفرات، وتوفير التربة الخصبة كتلك الموجودة في اليمن، وفلسطين، وسوريا.

وتعتبر حضارة الوطن العربي الإسلامية العربية خلاصة تفاعلات بين ثقافات واتجاهات وأجناس وشعوب مختلفة ، تألفت وامتزجت في ظل الخلافة الإسلامية التي ظهرت أولا في شبه الجزيرة العربية عندما ظهر الإسلام وانتشر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، ثم في دمشق عاصمة الأمويين فبغداد عاصمة العباسيين وأخيرا اسطنبول عاصمة العثمانيين.

وعلى الرغم من هذه الانتقالات فقد وجدت وحدة مشتركة بين أقطار الوطن العربي تقوم على اللغة والدين الاسلامي والجنس والأرض والتاريخ المشترك، وكان قوام الوحدة الثقافية الاسلامية ، الوحدة الروحية وارتباط السلطة الدينية بالسلطة الزمنية .

المراجع: د. اسماعيل أحمد ياغي ، العالم العربي في التاريخ الحديث .

         د. رأفت غنيمي الشيخ، التاريخ المعاصر للأمة العربية الاسلامية