إن دراسة الكتابات الأثرية المغربية الإسلامية من حيث جمع المادة العلمية وتوثيقها وتصنيفها وتحليلها وقراءتها، عمل صعب التناول والبحث لتميزه وخصوصيته فيتطلب الخبرة والتجربة الميدانية والممارسة المخبرية العملية والقراءة الدقيقة للنقائش الأثرية، واستقراء نصوصها الغنية بالمعلومات والعبارات والأسماء والألقاب، وما يترتب عنها من استخلاص صيغ متنوعة ومتباينة، ومن ثم فالقراءة الصحيحة لنصوصها تكشف عن أحداث تاريخية وجغرافية وسياسية واقتصادية واجتماعية ومذهبية وفكرية وإدارية، وفنية وعمرانية... وغيرها، كما تكشف عن روح العصر والدولة التي أمرت بإنجازها فهي المرآة العاكسة للحكم القائم، وعليه فإن هذه القضايا وغيرها تتطلب من الباحث المتخصص التعامل معها بحيطة وتزداد قيمتها إذا قورنت بما يعاصرها من أخبار في المصادر المخطوطة والمصادر التاريخية والجغرافية وكتب الرحالة وكتب النوازل. يعتبر موضوع الكتابات الأثرية العربية الإسلامية عامة والمغربية بصفة خاصة، من الموضوعات الحضارية الهامة التي تشكل لبنة جديدة في حقل الدراسات التاريخية والأثرية واللغوية والفنية والاجتماعية والفكرية والدّينية، وغيرها من فروع الدّراسات الأخرى، التي لا يستغني عنها الباحث في التحقيق والتوثيق والتأليف.

ومن المعروف، أن الكتابات الأثرية بأنواعها المختلفة (تذكارية، شاهدية، وقفيات) سواء كانت منفذة على المباني والعمائر، أو على المعادن (تحف، مسكوكات) والأخشاب، أو على غيرها، الأواني الفخارية والخزفية، والرخام والحجر والعظم والزجاج والنسيج إلخ... فهي بمثابة مصادر أثرية أصلية، معاصرة للوقائع والأحداث يصعب الطّعن فيها أو التشكيك في معلوماتها.

1.   أهم الأبحاث والدراسات:

 وقد اعتمدنا على عدة مصادر تخص تاريخ المغرب الإسلامي وحضارته على عدد لا بأس به من المصادر والمراجع والأبحاث المتخصّصة التي نشرت في المجلات والدّوريات العلمية، نذكر من بين هؤلاء الباحثين الذين كان لهم فضل السبق في نشر أبحاثهم الخاصة ببلاد المغرب الأدنى  الباحث روي Roy)) الذي يعتبر من أوائل المهتمين بالكتابات الإفريقية، فقد ألف كتابا مكونا من مجلدين عن "كتابات مدينة القيروان"، وذلك بالاشتراك مع بوانسو Poinssot))  وجزئه الثالث مع مصطفى سليمان الزبيسي، كما كان لهذا الأخير الفضل في إتمام مدونته الجامعة للكتابات العربية بتونس، حيث تعتبر تونس من أغنى بلدان الغرب الإسلامي من حيث الكتابات العربية وذات تقاليد عريقة في هذا المجال، إضافة إلى أعمال الباحثين رجاء العودي وجواد عبد اللطيف.

 أما بخصوص الأبحاث المنشورة في بلاد المغرب الأوسط،  جاء في مقدمتهم  شارل بروزلارد (charles Brosslard.) الذي نشر كتابات مدينة تلمسان في المجلة الإفريقية ما بين 1851-1861م، وقام بنشر دراسة عن كتابات شواهد قبور وسلاطين أمراء بني زيان، الصادر سنة 1876، وأعمال الباحث (ألبارت دوف) Albrt Devoulx حول الكتابات التذكارية والعثمانية المحفوظة بالمتحف الوطني للآثار القديمة والفنون الإسلامية بالجزائر العاصمة، وكذلك أعمال الباحث غابريال كولان Coulin Gbriel)) عام 1901م في مدونة تضم 211 كتابة أثرية، إضافة إلى الباحث مارسي غيستاف، Mercier Gustave))، ونشر عمله تحت عنوان "الكتابات العربية بعمالة قسنطينة"  في سنة (1856-1857م)، كما نشر أيضا الباحث مارسي (Mercier) مدونة الكتابات العربية والعثمانية بالجزائر سنة 1902م، ثم جاء الباحث الجزائري المرحوم بورويبة رشيد الذي قام بعمل موضوعه الكتابات الأثرية بالمساجد الجزائرية، وصدر سنة 1979م، وأعمال وأبحاث الدكتور صالح بن قربة في كتابه " المسكوكات المغربية" الذي أعطى عناية كبيرة للكتابات على السكة المغربية، وتعمق في دراسة الخط والكتابة في رسالة الدكتوراه، المطبوعة سنة 2011 في ثلاثة مجلدات تحت عنوان "المسكوكات المغربية على عهد الموحدين والحفصيين والمرينيين خلال القرون السادس والسابع والثامن للهجرة الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر للميلاد"،  بالإضافة إلى ما نشره من دراسات وأبحاث في هذا المجال الهام، ثم صدر كتاب بعنوان" جامع الكتابات الأثرية العربية بالجزائر جزء 1-2" للباحثين معزوز عبد الحق ولخضر درياس سنة 2000 و2001م، إضافة إلى بعض الرسائل الجامعية لكل من بن بلة خيرة المعنونة بـ " الكتابات التذكارية بمدينة الجزائر في العهد العثماني"  سنة 1993م ورسالة ماجستير ليلى مرابط المعنونة بـ " الكتابات الشاهدية الزيانية بتلمسان" سنة 2001م ورسالة دكتوراه " الكتابات الوقفية بالمغرب الأوسط من القرن السابع إلى القرن الثالث عشر الهجريين" سنة 2015م، وكذلك رسالة دكتوراه عياش محمد المعنونة بــ "الكتابات الشاهدية في بلاد المغرب الإسلامي من القرن الثاني حتى نهاية القرن العاشر الهجريين /الثامن السادس عشر الميلاديين-دراسة في الشّكل والمضمون-" سنة 2018م، بالإضافة إلى بعض الرسائل الجامعية الأخرى.

       أما فيما يخص بلاد المغرب الأقصى في مقدمتهم الباحث ألفريد بال ( A.Bel) الذي خصص بحثه حول الكتابات العربية بفاس، وكذلك الباحثان هنري باسي (H. Basset) وليفي بروفنسال حول كتابات موقع شالة التي تعود إلى العهد المريني، إضافة إلى الباحث دوفردان (Deverdun) في كتابه " الكتابات العربية بمراكش، إضافة إلى أعمال والأبحاث الدكتور الحاج موسى العوني في كتابه" الكتابات المرينية بفاس و مدونة الكتابات السعدية والعلوية بمدينة فاس " الصادر سنة 2009.

ومن الباحثين الذين اهتموا بالتراث الأندلسي وكتابتها نذكر كتاب بروفنسال (lévi provencal) أنه جمع كتابات في مختلف المدن الأندلسية ورتبها تريبا كرونولوجيا، إضافة إلى أوكانيا خيمينز (ocana jiminez)، فقد نشر مقالات كثيرة في مجلة "الأندلس" حول الكتابات الموحدية والطراز الكوفي الأندلسي وغيرها من المواضيع.

     وتجدر الإشارة إلى أن جهودا حثيثة تبذل منذ العقد الماضي، لاستغلال التقنيات الحديثة في دراسة الكتابات، وفي هذا السياق نشير إلى أن الأعمال التي يقوم بها بعض الباحثين لتوظيف المعلومات في هذا الحقل، قصد الوصول إلى دراسات تفصيلية وعامة في آن واحد.

     المنظومة الأولى  فيشرف عليها لودفيك كارلوس وتتبناها مؤسسة ماكس فان برشام )سويسرا( يطلق عليه اسم Thesaurus  Depigraphie Arabe ، وتهدف إلى تجميع أقصى عدد ممكن من الكتابات في قاعدة بيانات مختصرة، تضم المعطيات الضرورية مثل الإحداثيات المكانية والزمنية والوصف والنص والمراجع التي نشرت النقيشة، وتنشر نتائج هذه المنظومة في أقراص مضغوطة حسب التوزيع الجغرافي. وقد ضمت أول دفعة منها نقائش شمال إفريقيا، ولكن يبقى العيب الأكبر لهذه المنظومة، بالإضافة إلى طابعها المختصر هو غياب الصور. أما المنظومة الثانية، فهي من إنجاز الباحثة "صولانج أوري (s.ory) خلال العقد الماضي بوضع برنامج (لوجيسيال) خاص بالكتابات العربية، أطلق عليه اسم (epimac)، وتساعد هذا الأداة المعلوماتية في تكديس كل المعلومات المتعلقة بالكتابة، حيث ترتب حسب مواضيع معينة، ويساعد هذا التصنيف أساساً على القيام بدراسة عمودية تهم تفاصيل الكتابة الواحدة (وأفقية) تشمل كتابات متعددة، ويمكن بالتالي من إعداد سجلات بنوعية المواضيع التي تتطرق لها الكتابات.

  وقد اعتمدنا على عدة مصادر تاريخية وأدبية وجغرافية ودينية وكتب الرحالة والتراجم التي تخص منطقة بلاد المغرب الإسلامي وحضارته.

2.   المنهج والأهداف المرجوة:

    اعتمدنا في كتابة هذا البرنامج للسنة الأولى ماستر تخصص آثار اسلامية في الوحدة التعليمية الأساسي، فقد توخينا تحقيق الأهداف التعليمية لهذه الوحدة ومنها عرض محاور البرنامج لمادة مقياس الكتابات الأثرية بالمغرب الإسلامي في الفترة الوسيطة والعثمانية معتمدين في ذلك المنهج التاريخي الوصفي والتحليلي، بقصد تكوين صورة واضحة لدى الطلبة عن الكتابات الأثرية المغربية، ولقد توخينا تحقيق الهدف العام المتمثل في أن يكون للطالب في نهاية المقياس قادرا على معرفة أهم أنواع الكتابات الأثرية في بلاد المغرب الإسلامي وكذا معرفة خصائص ومميزاتها في الفترة الاسلامية، ويضاف الى هذا بعض الاهداف الخاصة التالية:

1-    أن يفهم الطالب طبيعة السياسة والأنظمة الاقتصادية وتطورها في حضارة بلاد المغرب الاسلامي.

2-    أن يكشف الطالب مراحل تطور الخط في حضارة بلاد المغرب وخصائصه المحلية.

3-     أهمية الكتابات في دراسة تطور الزخرفة الكتابية والنباتية والهندسية والرمزية.

4-    أن يفهم دلالة العبارات والصيغ والألقاب المنقوشة وتفسيرها.

 

3.   المخطط العام للدروس:

تنقسم هذه المطبوعة البيداغوجية المتخصصة إلى 13 محاضرة تدريسية تناولنا في:

1-             المحاضرة الأولى: تقديم عام للكتابات الأثرية ببلاد المغرب الإسلامي.

2-             المحاضرة الثانية: أهمية الكتابات الأثرية بالمغرب الإسلامي ومجالاتها

3-             المحاضرة الثالثة: أنواع الكتابات الأثرية ودراستها التقنية.

4-             المحاضرة الرابعة: الكتابات الأثرية التأسيسية (التذكارية).

5-             المحاضرة الخامسة: كتابات الوقف.

6-             المحاضرة السادسة: كتابات شواهد القبور.

7-              المحاضرة السابعة: الكتابات الأثرية الزخرفية.

8-             المحاضرة الثامنة: الكتابات الأثرية على المسكوكات.

9- المحاضرة التاسعة: الكتابات الأثرية التأسيسية (التذكارية). العثمانية

10-        المحاضرة العاشرة: كتابات الوقف العثمانية.

11-      المحاضرة الحادي عشر: كتابات شواهد القبور العثمانية.

12-      المحاضرة الثاني عشر: الكتابات الأثرية الزخرفية العثمانية.

13-      المحاضرة الثالثة عشر: الكتابات الأثرية على المسكوكات العثمانية.

 

     وقد قسمنا مخطط المحاضرة إلى تمهيد تاريخي لكل فترة تخص الكتابة الأثرية المدروسة، ثم دراسة وصفية للنقيشة وذلك بوصف الكتابة ومضمون النص وأهم الخصائص اللغوية مع البعد التاريخي وشرح أهم المصطلحات والصيغ مع وضع بطاقات تقنية وصور ولوحات توضيحية. وفق المنهج العلمي المتبع في دراسة الكتابات الأثرية عامة.