إن السكة جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية سواء كنا لأفراد أو جماعات، فهي تعد دعاما ومقوما من مقومات حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لذا فأهميتها كبيرة لا من حيث مادتها المكونة منها عنى الذهب والفضة والبرونز، فحسب وإنما ضرب عليها من نصوص وزخارف فنية كانت دومت على مر العصور عونا للباحث فيما يحتاج إليه، فقد لا أكون مجازفا إذ قلت أن السكة من الوثائق التاريخية والأثرية الهامة، لأننا نجد في غالبها اسم الخليفة أو الأمير أو الوالي أو الثائر، ومكان الضرب على اختلافه، والتأريخ مشكلا بذلك تسلسلا تاريخا متصل الحلقات وفيها كذلك اسماء اخرى مقرونة باسم الخليفة  أو الشكل أو تنوع النصوص الدالة على الانتماءات المذهبية والعقائدية والسياسية، بالإضافة إلى النواحي الاجتماعية والفنية.    

   إن دراسة المسكوكات المغربية الاسلامية من حيث جمع المادة العلمية وتوثيقها وتصنيفها وتحليلها، عمل صعب التناول والبحث، لتميزه وخصوصيته فيتطلب الخبرة والتجربة الميدانية والممارسة المخبرية العملية والقراءة الدقيقة للقطعة النقدية الواحدة واستقراء نصوصها الغنية بالمعلومات والعبارات والأسماء والألقاب، وما يترتب عنها من استخلاص صيغ متنوعة ومتباينة، ومن ثم فالقراءة الصحيحة لقاموس السكة تكشف عن أحداث تاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية ومذهبية وفكرية وإدارية، وفنية... وغيرها، كما تكشف عن روح العصر والدولة التي أمرت بضربها فهي المرآة العاكسة للحكم القائم، وعليه فإن هذه القضايا وغيرها تتطلب من الباحث المتخصص التعامل معها بحيطة وتزداد قيمتها إذا قورنت بما يعاصرها من أخبار في المصادر المخطوطة والمصادر التاريخية والجغرافية وكتب الرحالة وكتب النوازل.

    قد اعتمدنا على عدة مصادر نذكر منها كتابي ابن خلدون( المقدمة، العبر) باعتبارهما مصدران مهمان للسكة الاسلامية عامة والمسكوكات المغربية والاندلسية على وجه الخصوص، وكتاب الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة بفاس لأبي يوسف علي بن الحكيم المريني، فهو يقدم لنا معلومات قيمة ودقيقة عن المعدن في صناعة السكة  من الناحية الادارية والتقنية والتسيير والاصدار والاشراف والمسميات والمفاهيم والمصطلحات وما يتبعها من قيم وزنية، إضافة إلى أبحاث ودراسات الباحثين الذين كان لهم الفضل السبق في النشر بهذا الحقل العلمي الهام فأنجزوا لنا سجلات جامعة عن السكة العربية الاسلامية نذكر منهم: كل من لين بول (Lano poole. s)، وهنري لافوا ( Lavoix. H وبيل ألفرد (Bel. A)، ج.د ريتيس(Brethes. J.D)،  وجورج ميلز (Miles. G)  وهاري هازار ( Hazard.H.W وجون ولكر( Walker.John) ، ابراهيم ارطق( Artuk. I)،حسن حسيني عبد الوهاب، صالح يوسف بن قربة وأيضا كل من محمد أبو الفرج العش، عبد الرحمن فهمي، ولخضر درياس والسيدة درياس يمينة.

    كما تبعنا في كتابة هذا المطبوعة على برنامج السنة الأولى ماستر تخصص آثار اسلامية في الوحدة التعليمية الأساسي، فقد توخينا تحقيق الأهداف التعليمية لهذه الوحدة ومنها عرض محاور البرنامج لمادة مقياس المسكوكات في الفترة الممتدة من القرن الثاني هجري إلى نهاية القرن العاشر، معتمدين في ذلك المنهج الاثري الوصفي والتحليلي، بقصد تكوين صورة واضحة لدى الطلبة عن المسكوكات المغربية، ولقد توخينا تحقيق الهدف العام المتمثل في أن يكون للطالب في نهاية المقياس قادرا على معرفة عملات كل الدويلات والامارات التي تعاقبت على أرض بلاد المغرب الاسلامي خلال ثمانية قرون، وكذا معرفة خصائص ومميزات السكة في الفترة الاسلامية ، وفهم مراحل تطور النقود الذهبية والفضية والنحاسية، ويضاف الى هذا بعض الاهداف الخاصة التالية:

1-  أن يفهم الطالب طبيعة السياسة والأنظمة الاقتصادية وتطورها في حضارة بلاد المغرب الاسلامي.

2-  أن يكشف الطالب تاريخ الحركات الاستقلالية وثورات داخل بلاد المغرب الاسلامي.

3-  أن يتمكن من دراسة تطور الزخرفة الكتابية والنباتية والرمزية.

4-  أن يفهم دلالة العبارات والصيغ والألقاب المنقوشة على السكة وتفسيرها.

تنقسم هذه المطبوعة البيداغوجية المتخصصة إلى 14 محاضرة تدريسية تناولنا في:

1- المحاضرة الأولى: طرز السكة المغربية في عصر الولاة

2- المحاضرة الثانية: طرز السكة الأغلبية

3- المحاضرة الثالثة: السكة الادريسية والرستمية

4- المحاضرة الرابعة: طرز السكة الأموية بالأندلس

5- المحاضرة الخامسة: طرز السكة الفاطمية في بلاد المغرب

6- المحاضرة السادسة: سكة الثوار الخارجين عن الدولة الفاطمية

7- المحاضرة السابعة: السكة الزيرية

8- المحاضرة الثامنة: طرز السكة المرابطية

9- المحاضرة التاسعة: طرز السكة  الذهبية الموحدية

10- المحاضرة العاشرة: طرز السكة الفضية الموحدية

11- المحاضرة الحادي عشر: طرز السكة الحفصية

12- المحاضرة الثاني عشر: طرز السكة المرينية

13- المحاضرة الثالثة عشر: طرز السكة الزيانية

14- المحاضرة الرابعة عشر: طرز السكة النصرية بالأندلس.

     قد قسمنا مخطط المحاضرة إلى: التمهيد التاريخي لكل طراز من طرز السكة المدروسة، ثم دراسة سكتها ودراسة السكة الذهبية والفضية والنحاسية إن وجدت، مع ذكر أهم خصائص سكة  كل نوع وكل حاكم ووصف بعض القطع من حيث الشكل والمضمون معتمدا على الترتيب الكرونولوجي حسب الدول ثم حسب الحاكم في الدول.

   قبل أن ننهي كلامنا نشير إلى  قد أثرنا الايجار لتشعب الموضوع وتنوع مادته واتساع رقعته، واختلاف فلسفة الكيانات السياسية في المنهج والتطبيق ورغم كل ذلك فقد تابعت نقود كل الأمراء والخلفاء الدويلات خلال تسعة قرون بجدية في معالجة الموضوعات المسطرة في برنامج المقررة في مادة مسكوكات المغرب الاسلامية توثيقا ووصفا وتحليلا وتصويرا وفق المنهج العلمي المتبع في دراسة المسكوكات عامة وعلم المسكوكات الاسلامية خاصة، الذي يعد فرعا من فروع الدراسات الأثرية الاسلامية عامة وعلم الآثار بشكل خاص.

   ونرجو من الله أن يكون عملنا هذا اضافة علمية تكون بمثابة مرجع أساسي في هذا الحقل من الدراسات العربية الاسلامية والله من وراء القصد.

د/ عياش محمد