تعتبر الجريمة ظاهرة اجتماعية قديمة قدم الإنسانية إذ ارتبط وجودها بوجود الإنسان على الأرض ،فكانت أول جريمة قتل ارتكبت في تاريخ الإنسانية حينما أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل ويخبرنا القرآن الكريم ما حدث مع يوسف عليه السلام وتآمر إخوته عليه ، ومن ثم نخلص إلى أن الجريمة توجد حيث توجد المجتمعات أي وجود أفراد آخرين برغباتهم وأهدافهم وطموحاتهم وحاجاتهم المختلفة التي تلتقي وتتشابه حيناً وتختلف حيناً وتتعارض وتتباين أحيانا ً كثيرة، الأمر الذي جعل البعض يرى الجريمة والعنف والاعتداء على حقوق ومصالح الآخرين طريقة مناسبة لتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم وإشباع حاجاتهم .

    لم تعد الجريمة تحمل صبغة محلية فقط بل أصبح لها صفة العالمية أو ما اصطلح عليه عولمة الجريمة وقد تعددت وتطورت أساليب وأشكال الجريمة بشكل كبير مقارنة مع ما كانت عليه في الماضي ،إذ يعتمد المجرمون في إجرامهم على كافة الوسائل التكنولوجية والتقنية الحديثة المتاحة وفي المقابل ظهرت العديد من الجهود الفكرية والنظريات العلمية :النفسية والاجتماعية والثقافية والبيولوجية والايكولوجية والاقتصادية ،التي حاولت تفسير السلوك الإجرامي وإبراز دوافعه وتوضيح صوره وبيان نتائجه فعلماء النفس درسوا الجريمة من ناحية نفسية بحتة باعتبار السلوك الإجرامي سلوك عدواني له دوافعه النفسية الغريزية أو المكتسبة كالغضب والانفعال والقلق والتوتر والدوافع المكتسبة التي يكتسبها الفرد من البيئة الاجتماعية.

    أما علماء الاجتماع فدرسوا الجريمة من ناحية اجتماعية باعتبارها ظاهرة اجتماعية سلبية تؤثر وتتأثر بالنظم الاجتماعية وليست ظاهرة فردية   تحركها دوافع داخلية فقط، وأما علماء السياسة درسوا الجريمة باعتبارها ظاهرة سياسية ترتبط بمفهوم السلطة والسيطرة والقوة في الدولة، وعلماء القانون درسوا الجريمة بوصفها سلوك يتجاوز القانون ويعتدي على حرمته ،وعلماء الأخلاق درسوا الجريمة بوصفها ظاهرة تتسبب في إيذاء الآخرين  وإلحاق الضرر بهم وتنطلق من دوافع عدوانية تتناقض مع قيم التسامح.