أعزائي الطلبة نواصل الحديث عن المصطلحات السردية التي أنتجها التراكم المعرفي من خلال تعدد المقاربات وتشعب القراءات، نتطرق في هذه الحصة التطبيقية إلى مصطلح المنظور (التبئير) على أن نخصص الحصة القادمة للتطبيق على بعض النصوص السردية

حصة تطبيق: المنظور في الدراسات السردية               الأستاذ: إسماعيل زغودة

المستوى الثالث تخصص: أدب عربي

المنظــور: Pérspective 

كثُرت الدِّراسات وتضاربت الآراء في التّعامل مع هذا المفهوم كونه يشكِّل أحد أهمِّ مكوِّنات الخطاب السّردي متمثِّلا في الرّاوي وعلاقته بالعمل السّردي.والقارىء لا يلج عالم المغامرة (القصّة) من خلال راوٍ يضطلع بتقديم المادة فحسب ، وإنّما يلجه أيضا عبر مصفاة أولى سابقة لعمليّة السّرد ،وهذه المصفاة هي عين معيّنة أو إدراك معيّن .ولئن اقترنت لفظة الرّؤية (من رأى) بمعنى الإبصار الذي غلب عليها ،فإنّها في الحقيقة أوسع مجالا وأشمل معنىً باعتبارها تتّسع لجميع ضروب الإدراك .ومن البديهي ألاّ تكون الرّؤية دائماً من خلال عيني الرّاوي ،لأنّه قد يتخلّى في موضع أو مواضع معيّنة عن وظيفة الرّؤية لإحدى الشّخصيّات ،وفي هذه الحالة تكون الرّؤية بعين الشّخصيّة ،أمّا السّرد فيتمّ بلغة الرّاوي ،لكن المادّة التي ينقلها إنّما تكون من خلال إدراك شخصيّة أخرى غيره[1].

وقد عرف هذا المكوِّن تسميّات عديدة ،واختيار هذا الاسم  أو ذاك يأتي في أحيانٍ كثيرة محمَّلا بدلالات أو أبعاد يُعطيها أيّاه هذا الباحث أو ذاك وفق تصوّره الخاصّ ونظريّته التي ينطلق منها، ومن هذه التّسميّات التي عرف بها[2]:

      وجهة النّظر-الرّؤية-البؤرة-حصر المجال-المنظور-زاوية النّظر- التّبئير.

وإذا كان مـفهوم "وجهة النّظر"هو الأكثر ذيوعاً فإن مصطلح "التّبئير" مفضّل على جميع المصطلحات التّقليديّة الأخرى لأنّه تقنيّ محض،ويقصي كل الدّلالات البسيكولوجيّة و الايديولوجيّة التي يوحي بها مصطلح "وجهة النّظر" وبقيّة المصطلحات الأخرى،ولهذا فضّله "جيرار جينيت"على باقي المصطلحات[3].

وتناوُلُ منظور السّرد (أي التّبئير )يسعى إلى الإجابة عن السؤال التّالي: من يرى؟

إنّ القارىء يرى الشّخصيّة بواسطة ترهينٍ آخر يراها ،ومن خلال رؤيته أيّـاها يريها للقارىء،وتسمِّـي"بال"هذا التّرهين ب "المبئِّر"،وتحدّد هذه النّاقدة الدّائرة التّصاعديّة التي يشتغل عليها الخطاب القصصيُّ كالآتي[4]:

        

           السّارد ¬المبئِّر ¬ العامل

           ¯         ¯          ¯

         السّرد¬التّبئير ¬ الوظيفة

           ¯        ¯            ¯    

      المسرود ¬ المبأّر¬الموضوع

 

الفاعل بإنجازه للفعل يشكِّل أحداث الحكاية، و المبئِّر يختار الأحداث والزّاوية التي يقدِّمها منها للقارىء وبذلك ينتج القصّة،والسّارد في عمليّة السّرد يُحوِّل القصّة إلى خطابٍ سرديٍّ.والخطاب السّرديُّ[5] ـ وأيّ خطاب آخر بقدر ما يمكن اعتباره إخباريًّا ـ ينقل رؤية محدّدة أو وجهة نظر بعينها وذلك من خلال عمليّة التّبئير التي يعتمدها المبئِّر، ولقد تعدّدت الدِّراسات في هذا المجال،نبرز منها تصوُّرات ثلاثة نقادٍ بارزين[6]:

ـ النّاقد الفرنسي "جـان بويـون" قدّم ثلاث رؤيات:

1-الرّؤية مع .        2-الرّؤية من الخلف.       3-الرّؤية من الخارج.

ـ أما "تودوروف" فإنّه يحافظ على على التّصنيف السّابق ويدخل عليه تعديلات طفيفة:

1-الرّاوي>الشّخصيّة :وفيه يكون الرّاوي أعلم من الشّخصيّة .   

 2-الرّاوي = شخصيّة :وفيها يعرف الرّاوي ما تعرفه الشّخصيّات.

  3-الرّاوي<الشّخصيّة:معرفة الرّاوي هنا تتضاءل،وهو يقدِّم الشّخصيّة كما يراها ويسمعها دون الوصول إلى عمقها الدّاخليِّ.

ـ وبناءً على عمل "بويون"  و    "  تودوروف" يقدِّم "جيرار جينيت" تصوَّره بعد تعميده لمفهوم التّبئير وإقصائه للمفاهيم الأخرى، فيّقدِّم بدوره تقسيما ثلاثيّاً للتّبئير[7]:

1-التّبئير الصّفر أو اللاتبئير.     2- التّبئيـر الدّاخلي. 3- التّبئيـر الخارجي.

     



[1] - قسومة ،الصادق :"طرائق تحليل القصة" -دار الجنوب للنشر -تونس-2000.ص155

[2] سعيد،يقطين: "تحليل الخطاب الروائي"..ص284 .

[3] Mieke.Bal: -Narratologie -Editons .Klinck Siek. Paris.P36.

[4] Mieke.Bal: -Narratologie -Editons .Klinck Siek. Paris:p32

[5] - سامي،سويدان: في دلالية القصص وشعرية السرد:.ص183

[6] - سعيد،يقطين: "تحليل الخطاب الروائي"..ص289.

[7] - نفسه :ص290.