محاضرة 01      مقياس المشاريع الوحدوية في التاريخ العربي المعاصر

تقديم

يعود شعار الوحدة العربية إلى نهايات القرن التاسع عشر واستمر على امتداد القرن العشرين. تمحور مضمونه حول أن هذه الوحدة تساهم في خلق دولة عربية واحدة تستطيع إذا ما وظفت مواردها الضخمة وضع الأمة العربية في مصاف الدول المتقدمة، وتزيل التخلف الذي تقيم فيه الدول العربية سواء في الميدان الاقتصادي أو العلمي والتربوي أو في مجال الإصلاحات السياسية. وتركز الشعار حول كون هذه الوحدة ستمكن الأمة العربية من مواجهة المشاريع الاستعمارية الخارجية المتمثلة في الاستعمار والمشروع الصهيوني بما يؤمن لهذه الشعوب التحرر والاستقلال. على امتداد قرن، تنوع الخطاب الوحدوي وتفاوت في طروحاته وأهدافه بما يعكس الخلفية الفكرية التي كان ينطق كل طرف من خلالها، بحيث سادت ثلاثة خطابات رئيسية:الخطاب القومي العربي، الخطاب الاشتراكي ثم الخطاب الإسلامي.

المشاريع الوحدوية في التاريخ العربي المعاصر :

تعود المشاريع الوحدوية العربية إلى مطلع القرن العشرين وبالتحديد مع إعلان الشريف حسين ثورته على الدولة العثمانية. أعطت بريطانيا وعودا له بتحقيق الوحدة العربية لبلاد الجزيرة العربية والمشرق ثمنا للتحالف معها خلال الحرب العالمية الأولى، لكن بريطانيا ومعها فرنسا لم تكن في وارد أي توحيد عربي، بل على العكس من ذلك، ففيما كانت تغدق الوعود على العرب بتحقيق مطالبهم، كانت ترسم مع فرنسا خرائط اقتسام المنطقة في ما بينهما، وهو ما تحقق خلال الحرب وبعدها، فوضعت بلدان تحت الانتداب البريطاني وأخرى تحت الانتداب الفرنسي وأعطت بريطانيا وعدا بإقامة دولة لليهود على ارض فلسطين. هكذا تبخر حلم الوحدة وتكرست التجزئة القائمة أصلا وأقام الاستعمار على بنى التجزئة دويلات سعى أن تحوي متناقضات بنيوية بما يسمح أن تكون على تصارع في الداخل وعلى طلب الحماية الدائمة من الخارج.

منذ مطلع القرن الماضي وحتى الأربعينات منه، عرف العالم العربي نشوء كيانات كانت في معظمها تحت السلطة الاستعمارية. تجدد مطلب الوحدة بعد الحرب العالمية الثانية ضمن الشعارات نفسها الداعية إلى التحرر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال وصولا إلى الوحدة الشاملة، وترافقت هذه المرة مع صعود للتيار القومي العربي الداعي إلى تحقيق الوحدة فورا. بين الأربعينات والتسعينات من القرن الماضي جرى تسجيل حوالي 28 مشروعا للوحدة بين مجموعات من الدول لم يتحقق منها سوى القليل، ما لبث أن انفرط عقده سريعا. من اجل إنعاش الذاكرة والإضاءة على معضلة الوحدة وشعارها، بمكن إيراد هذه المشاريع استنادا إلى الوثائق الرسمية.

بدأت المشاريع الوحدوية بمعاهدة الأخوة والتعاون بين الأردن والعراق عام 1947، ومشروع ناظم القدسي رئيس وزراء سوريا لاتحاد الدول العربية عام 1951.في العام 1952 جرى توقيع اتفاق بين مصر والاستقلاليين في السودان، وفي العام 1955 وضع ميثاق عسكري بين مصر والمملكة العربية السعودية، وفي العام 1957 وقعت اتفاقية التضامن العربي بين الأردن والسعودية والعراق. في العام 1958 قامت وحدة بين مصر وسوريا شكلت المشروع الفعلي آنذاك واندمج البلدان تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، والتي لم تستمر سوى ثلاث سنوات ليجري الانفصال بينهما في العام 1961. في العام 1964 وقعت اتفاقية التنسيق السياسي بين العراق والجمهورية العربية المتحدة (مصر حصرا)، وفي العام نفسه جرى توقيع اتفاقية بين مصر واليمن. في العام 1965اعلن البيان المشترك للقيادة السياسية الموحدة المصرية- العراقية، وفي العام 1967وقعت اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والمملكة الأردنية الهاشمية، تبعها في العام نفسه بروتوكول انضمام الجمهورية العراقية لاتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن. على صعيد الخليج العربي، وقعت اتفاقية اتحاد أبو ظبي ودبي عام 1968 وتبعها في العام نفسه البيان المشترك لاتحاد الإمارات العربية في الخليج العربي، واستكمل عام1971باعلان اتحاد إمارات الخليج العربي. في العام 1972 صدر بيان حول الوحدة بين مصر وليبيا، وفي العام 1976 جرى إنشاء قيادة سياسية موحدة بين مصر وسوريا، تبعه في العام انضمام السودان إلى هذه القيادة. وفي العام 1978 جرى توقيع ميثاق العمل القومي المشترك بين سوريا والعراق، وفي العام 1980 أعلن قيام الوحدة الاندماجية بين سوريا وليبيا.

أما في دول المغرب العربي، فقد تم توقيع معاهدة إخاء ووفاق بين تونس والجزائر عام 1983، كما وقعت معاهدة الاتحاد العربي الإفريقي بين المملكة المغربية وليبيا. وفي العام 1974 جرى توقيع بيان وحدوي بين تونس وليبيا، ثم ميثاق الإخاء بين مصر والسودان عام1988. أما على صعيد الاتفاقات الوحدوية في الجانب الاقتصادي، فقد أنشئ مجلس التعاون العربي بين مصر والأردن والعراق واليمن عام 1989، تبعه في العام نفسه إنشاء اتحاد المغرب العربي بين المغرب وتونس والجزائر وليبيا وموريتانيا. وكانت خاتمة المحاولات الوحدوية ما نصت عليه معاهدة الأخوة والتنسيق بين لبنان وسوريا عام 1991.