الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف
كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية
محاضرات السداسي الأول
التخصص: الوطن العربي المعاصر
المقياس: مصادر تاريخ الوطن العربي
برنامج السداسي الأول
° المحور الأول : الوطن العربي من خلال الأرشيف.
° المحور الثاني: المصادر المحلية المشرقية والمغربية وتاريخ العرب (المخطوطات، الرحلات، المذكرات).
° المحور الثالث: تاريخ العرب من خلال المصادر الأجنبية(كتابة القناصل، الأسرى، الرحالة، المعاهدات).
° المحور الأول : الوطن العربي من خلال الأرشيف.
الدرس الأول
مقدمة
نحاول في هذا المقياس التعرف على الأرشيف العربي ومختلف المصادر المتوفرة والمساعدة على كتابة تاريخ العرب في الفترة المعاصرة. لا يمكن لأحد إنكار دور المصادر في تحميل ذاكرة الشعوب ولو جزئيا إلا أنها تبقى مرجعا أساسيا للباحثين منذ القديم.
إن مصادر ومناهج التاريخ المعاصر مهمة، ومن خلال الدروس المبرمجة في هذا السداسي هدفنا هو تقديم للطلبة المصادر المختلفة والمتنوعة التي توجد بحوزة الدول العربية لكون أن تاريخ وذاكرة الشعوب العربية مشتركة منذ القديم، وقد عزز الإسلام هذه الروابط إلى يومنا هذا. وعند اللجوء إلى هذه المصادر لدى العرب نستنتج عدة حقائق مألوفة وهي دالة على منزلة الأرشيف والمصادر ووضعيتهما، حيث نلاحظ أولا تفاوت تطور الدولة في هذا المجال من دولة إلى دولة أخرى وهو ما يعكس درجة الاهتمام بالأرشيف والمصادر، وثانيا نلاحظ تفاوت النظام الإداري والبيروقراطي السائد داخل المجتمعات العربية.
ما يمكن تسجيله هو صعوبة اطلاع الجمهور على الملفات المختلفة، ونظرا إلى الاهتمام المتزايد ظهرت السرعة التقنية ووسائل جديدة مع القرن العشرين وهو الأمر الذي سهل البحث والتصنيف والترتيب في آخر المطاف، حتى أنه يمكن رقمنة الأرشيف والمصادر ونسخها دون أن تضيع النسخ الأصلية.
إن محتوى البرنامج ينصب حول الوسائل المساعدة للباحث في التاريخ منها: الأرشيف سواء تعلق الأمر بالأرشيف العام المفتوح للجمهور، أو الأرشيف الخاص الذي يتطلب وقت لفتحه، أو المصادر المطبوعة وهي في الغالب مصدرها الإدارات.
لقد استقلت الدول العربية مع القرن العشرين في الغالب، بحيث انتشرت الخزانات والمكتبات ودور حفظ الأرشيف فيكل بلد عربي حتى أنها أصبحت تمنح البلد قيمة بقيمة محفوظاته وخزائنه، لكن جل الدول العربية قد اختلطت ذاكرتها مع الاستعمار، ثم العلاقات مع الدول نفسها فيما بعد، لذا نجد وقائع عند البعض من الدول العربية لا نجدها لدى الشعوب الأخرى خاصة ما تعلق بالجانب الإيديولوجي الذي لا زال النقاش يدور حوله. وعلى غرار هذا يمكننا الاعتماد على المصادر الشفوية في كتابة تاريخ العرب المعاصر سواء بالمصادر المسجلة أو المذكرات.
1- تعريف الأرشيف:
- لغة: الكلمة مشتقة أصلها إلى كلمة يونانية وهي أرشيون(Archion) ، وكانت تعني السلطة ومكان إقامة القاضي أو المكتب العام، ثم توسع استعمال الكلمة في باقي اللغات الأوربية، حيث عرفت باللاتينية Archivum، ولدى الدول الحديثة كالفرنسية والانجليزية إلى Archives ثمدخلت بعد ذلك القاموس العربي سنة 199، حيث قرر الفرع الإقليمي للمجلس الدولي للأرشيف "عربيكا" اعتماد كلمة أرشيف لأنها أصبحت متداولة في أنحاء دول العالم، وهكذا حلت بدل من كلمة المحفوظات والوثائق. ويعرف معجم أكسفورد الإنجليزي الأرشيف على أنه:"مجموعة من الوثائق التي انتهت الأهمية اليومية لها...وهي المكان الذي تحفظ فيه الوثائق العامة وغيرها من الوثائق التاريخية الهامة..
- اصطلاحا: لقد اختلف المختصون والباحثون في إعطاء تعريف موحد وشامل للأرشيف، فقد عرفه المستشرق هيلاري جانكينسون بأنه" تلك الوثائق التي نشأت أثناء تأدية أي عمل من الأعمال وكانت جزءا من ذلك العمل لذلك حفظت هذه الوثائق لدى الأشخاص المسؤولين عن تصريف هذه الأعمال للرجوع إليها، وهي لا تقتصر على الأعمال الحكومية، بل قد تكون وثائق لجمعيات أو لأشخاص أولهيئات غير حكومية، فهي تتجمع بطريقة طبيعية، وهي أدلة مادية للعمل نفسه، وجزء منه. ومن أفضل التعاريف نجد تعريف المستشرق الفرنسي والأستاذ بمدرسة الوثائق بباريس ومدير للوثائق القومية فيها شارل سامران، حيث عرف الأرشيف أنه:" كل الوثائق والأوراق المكتوبة الناتجة عن نشاط جماعي أو فردي بشرط أن تكون قد نظمت ليسهل الرجوع إليها عند الحاجة بشرط أن يكون حفظها أحسن وتتوفر على عدد من العناصر وهي القدم والصفة القانونية".
الدرس الثاني
يمكننا استعراض البعض من المفاهيم المتعلقة بالأرشيف والمصطلحات المشابهة لها لتعميم الفهم والفائدة:
- الوثيقة: هي كل وعاء مهما كان نوعه يتضمن معلومات يتصل إليها الإنسان.
- الملف: هو مجموعة من الوثائق تكونت بصفة عادية لدى الإدارة مباشرة أو شخص طبيعي لقضية أو لعمل يدخل ضمن مشمولاته.
- الحافظة: وهي حاوية لحفظ الوثائق سواء كانت جارية الاستعمال أو حتى أرشيف نهائي.
- الرزمة: وهي مجموعة الوثائق عادة ما توجد صلة بينها، وتلف في ورق عادي أو مقوى وتربط بحبل رقيق أو بحزام بغرض الحفظ.
- الرصيد: وهو مجموعة من وثائق الأرشيف مهما كان شكلها أو صنفها أو عمرها والتي تتجمع أثناء فترة طويلة لدى منشئها أو لدى مصلحة أرشيف.
- الإتلاف: التخلص المقنن من الوثائق الأرشيفية التي أصبحت عديمة القيمة.
- التوثيق: عملية تجميع وثائق وبيانات في أوعية مختلفة ومنشتى المصادر حول مواضيع محددة مسبقا وفق حاجيات المستفيدين المعروفة والمرتقبة.
- الترفيف: عملية وضع وترتيب وحدات حفظ الأرشيف(حافظات،علب، صناديق)على الرفوف المعدة لذلك.
- الترقيم: إسناد أرقام متسلسلة لصفحات وثيقة أو للوثائق المكونة لملف.
- الترتيب:هي عملية ذهنية ومادية تؤدي إلى تنظيم الوثائق وفق مبادئ أرشيفية.
- التصنيف: هي ترتيب وثائق تابعة لمرفق عمومي داخل أقسام وأجزاء وفق طرق وأساليب وقواعد إجرائية مبنية ضمن نظام أو خطة تصنيف.
وعموما ورغم ورود تعريفات متعددة لكلمة أرشيف إلا أنها تتوافق في كون الأرشيف: هو مجموعة الوثائق المتعلقة بأعمال أي جهاز سواء كان جهة حكومية أو مؤسسة أو حتى فرد، والتي ادت واجبها وانتهى العمل منها، مهما كان حاملها وتاريخها وشكلها أو الهيئة التي استقبلتها أو أنتجتها أثناء تأدية نشاطها وهي تحفظ بطرق خاصة بغرض صيانتها والمحافظة عليها، بحيث يمكن الرجوع إليها بسهولة عند الحاجة.
- تعريف الأرشيف حسب القانون المغربي: حسب القانون 99-69 المتعلق بالأرشيف فقد عرفه المشرع المغربي كما يلي:" المادة1: يراد في مدلول هذا القانون بـ"الأرشيف" جميع الوثائق كيفما كان تاريخها وشكلها وحاملها المادي التي ينتجها أو يتسلمها كل شخص طبيعي أو معنوي وكل مصلحة أو هيئة عامة أو خاصة خلال مزاولة نشاطهم. ويتم تكوين هذه الوثائق وحفظها لأجل الصالح العام لما يستلزمه الحاجة...ولما تقتضيه صيانة التراث الوطني.
- تعريف الأرشيف حسب القانون التونسي: لقد عرف المشرع التونسي مفهوم الأرشيف بالفصل الأول من القانون عدد 95 لسنة 1988 المؤرخ في 2 أوت 1988 المتعلق بالأرشيف الصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 52 لسنة 1988 بالصفحة 1091 كما يلي:" هو مجموع الوثائق التي أنشأها أو تحصل عليها أثناء ممارسة نشاطه كل شخص طبيعي أو معنوي وكل مرفق عمومي أو هيئة عامة أو خاصة مهما كان تاريخ هذه الوثائق وشكلها ووعائها، وتحفظ هذه الوثائق وتجمع أرصدة الأرشيف لفائدة الصالح العام تلبية لحاجيات التصرف والبحث العلمي وإثبات حقوق الأشخاص وحماية التراث الوطني".
- تعريف الأرشيف حسب القانون الجزائري: حسب الأمر 36/71 في مادته الثانية بأنه تلك:" المواد التي تكلف مؤسسة الوثائق الوطنية بحفظها. وحسب الباحثين والمختصين فقد استخدم المشرع لفظ "مواد تحفظها مؤسسة الوثائق" للدلالة على أن التعريف يشمل الأوراق المنتجة والمستلمة من الإدارات والجماعات المحلية والهيئات والشركات الوطنية والمكاتب والمؤسسات والمصالح العمومية والمنظمات الأهلية وتشمل أيضا الوثائق الخاصة التي أصبحت ذات ملكية عمومية بعد تأميمها أو شرائها أو التبرع بها أو هبتها أو استنساخها. وبعد هذا الأمر صدر قانون 88/09 والمؤرخ في 26 جانفي 1988 وحسب المادة الثانية والثالثة أن الأرشيف:" مجموع الوثائق المنتجة أو المستلمة من طرف الحزب والدولة والجماعات المحلية والأشخاص الطبيعيين أو المعنويين التابعين للقانون العام أو الخاص وذلك أثناء ممارستهم لنشاطاتهم والتي يتم تحديدها من خلال أهميتها وقيمتها سواء كانت محفوظة عند مالها أو نقلت إلى مؤسسة الأرشيف المختصة".
ومما سبق نستنج أنه من خلال التعاريف تتضح عدة حقائق تبين مدى نضج البلد ورؤيته للأرشيف حسب الحاجة إليه مع تطور العلم والمعرفة في العالم.
نجد النظرة المغربية للأرشيف أكثرها علمية توحي بقداسة الوثائق عندهم، وهذا راجع لموروثهم الحضاري وكثرة المخطوطات لديهم. إن المشرع المغربي كان أقرب إلى إعطاء تعريف دقيق عن الأرشيف.
إن النظرة الجزائرية تعتبر الأرشيف عبارة عن مواد ورقية للتخزين. إن المشرع الجزائري ينظر لأهمية الوثائق من زاوية نظرة ضيقة، وحتى ونحن في زمن التعددية إلا أن التعريف لا زال يذكرنا بعهد الأحادية والتسيير الأحادي.
وللوصول إلى المبتغى العلمي والعالمي لا بد من تغيير التعريف والنظرة السابقة للأمور حسبما تمليه أسس الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية حتى يستفيد الجمهور والباحثين من الأرشيف بشكل واسع.
رغم النقائص الكثيرة في حدود الإمكانيات المادية والبشرية المسخرة يبقى الأرشيف الجزائري في أحسن حال مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى خاصة المركز الوطني للأرشيف ببئر خادم بالعاصمة والتابع لرئاسة الجمهورية.
وضعية الأرشيف في الدول العربية تجعلنا نتفاءل بالمستقبل، فبعد استقلال الدول العربية أصبحت مجبرة بجمع أرشيفها المحلي، وأرشيفها الموجود عند الدول الاستعمارية، وهي خطوة من أجل الحفاظ على الذاكرة حتى تتطلع عليها الأجيال القادمة.
- تقسيم الأرشيف:
لا يوجد تقسيم موحد للأرشيف، فالتقسيم مرهون بعمل المختصين، فهناك من يقسمه إلى أرشيف إداري، تاريخي، حسب قيمته ومحتواه العلمي، وهناك من قسمه إلى أرشيف جاري، أرشيف وسيط، وأرشيف تاريخي حسب العمر، وهناك من قسمه حسب الجهة المنتجة له. ولمزيدا من الفهم نذكر التقسيمات التالية:
1- الأرشيف الإداري: هو الأرشيف المتعلق بالأفراد أو المؤسسات المعنوية والذي يحمل بيانات عامة أو خاصة ويضم أيضا مختلف الوثائق التي تنتجها الهيئات الرسمية كالوزارات والجماعات المحلية ومختلف المؤسسات وهذا الأرشيف فاقد لأي قيمة علمية لأنه مازال في عهدة الإدارة المنتجة له.
2- الأرشيف التاريخي: يشتمل على كافة الوثائق التاريخية سواءأكانت في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الديني. وهذا النوع من الأرشيف هو الذي يهم المختصين والباحثين.
3- الأرشيف الجاري: ويسمى أيضا الأرشيف الحي، ويبدأ عندإنشاء الوثيقة منالجهة الإدارية المنتجة وتكون خلال هذه الفترة مستخدمة بصفة منتظمة وتبلغ مدته خمس سنوات على وجه التقريب، أما مسؤولية حفظ وتنظيم الوثائق فهي تعود على الإدارة المنتجة وتخزن في مكان ملائم.
4- الأرشيف الوسيط: يتكون من الوثائق التي فاقت مدة وجودها خمس سنوات، حيث تقل تقل احتياجات الإدارة لها، لكن تبقى تحت وصايتها ومسؤوليتها وتصل عمر الوثائق بها حتى خمسة عشر سنة.
طبعا نجد تصنيفات أخرى تعتمد على ما هو ورقي أو سمعي بصري، أو صور فوتوغرافية، أو صور مستنسخة، ثم يأتي الأرشيف الإلكتروني مما يتطلب وسائل تكنولوجية لقراءته والاستفادة من محتواه خاصة وجوب وجود الحاسوب.
ما يجب على الباحث علمه وإدراكه أن استعمال الوثيقة الأرشيفية كوسيلة إثبات عندما تحتوي على معلومات صحيحة ومتأكد من صحتها.
لا يعتبر الأرشيف كمصدر أدبي فقط، ولكنه يشكل منذ القديم وسيلة قانونية لا جدال فيها تسمح لصاحبها بإثبات حقوقهم الملكية وكذلك القيام بالتقاضي سواء كمدعي أو مدعى عليه. إن الوثائق الأرشيفية مدونة لمختلف العقود التوثيقية وهي منبع من المعلومات الهامة لأشخاص يعيشون في مجتمع معين من شأنها أن تساهم في إظهار الحقائق.
الدرس الثالث
من خلال ما سبق يمكننا تلخيص ما قيل أن: أهمية الأرشيف تكمن في إثرائه تاريخ البشرية والحضارات، فهي حسب الدارسين والباحثين أداة تجميع وسرد الوقائع الماضية وظواهرها وشرح الإشكاليات التاريخية، كما يساعد الأرشيف في التعرف على هوية الأفراد.
إن العلاقة بين علمي التاريخ والوثائق عموما علاقة عضوية بين المؤرخ وعالم الوثائق، ويرتبطان برباط الهدف الذي يسعى إليه كل منهما وهو الوصول إلى الحقيقة. لقد أصبح المنهج الوثائقي أحد الروافد الأساسية في مجرى الحقائق التاريخية، فبدون الوثائق وأشكالها المختلفة كالمخطوطات، لا يمكن كتابة التاريخ.
- الاهتمام العربي بالأرشيف:
لقد تطورت طرق ووسائل جمع وحفظ الوثائق الأرشيفية في الفترة المعاصرة، ونتيجة الاهتمام المتزايد ظهر علم الوثائق الذي يعتبر فرع من فروع علم المكتبات، وأصبحت الرغبة في الاطلاع والمعرفة ضرورية تحتاج بالتأكيد إلى الوثائق والمخطوطات لفهم وتحليل محتواها من أجل الاستفادة منها وتوظيفها في البحوث المختلفة.
إن المؤرخ يجد بين ثنايا الوثائق حقائق يسد بها النقص، ويستكمل الحلقات المفقودة في بحوثه، ونظرا لأهمية الوثيقة في المجتمع الدولي، أسس المجلس الدولي للوثائق، حيث صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1960 وحددت مدينة روما في إيطاليا لتكون مقرا للمجلس. ومن أهداف المجلس نذكر ما يلي:
- عقد مؤتمرات وثائقية بصفة دورية.
- تنمية وتعزيز العلاقات بين أمناء الوثائق في كل الأقطار.
- دعم كل الإجراءات للمحافظة على التراث الوثائقي الإنساني.
- تأسيس فروع إقليمية للمجلس الدولي في عدد من المناطق الجغرافية في العالم.
° تأسيس الفرع العربي: بعد استقلال الدول العربية كان لا بد من تأسيس فرع إقليمي عربي تابع للمجلس الدولي للوثائق وهو الذي حدث في شهر جويلية من عام 1972، وأطلق عليه اسما مختصرا عربيكا(Arabica) واتخذ من مدينة بغداد العراقية مقرا دائما له. وتتلخص مهام الفرع العربي عربيكا(Arabica) في نقطتين:
- الحفاظ على التراث العربي المتمثل في الوثائق.
- خلق وعي وثائقي في الدول العربية.
ربما يتساءل البعض لماذا يشهد العالم العربي التقوقع والانغلاق في المجال الثقافي والسياسي والديني للعديد من المجتمعات بالإضافة إلى الصراعات الحدودية، والحروب الأهلية، والموجات الإرهابية، والتدخلات الأجنبية في معظم الدول العربية. لقد اكتشف العرب تخلفهم منذ حملة نابليون بونابرت على مصر مع أواخر القرن الثامن عشر، وحينها أصبحت تطرح عدة أسئلة: ما هو سبب تخلف المجتمعات العربية وضعفها؟ ما هي هويتنا؟ لماذا نحن متفرقون وعاجزون عن التقدم والوحدة؟ وبقيت التساؤلات نفسها مع استقلال الدول العربية التي تبحث عن استرجاع ذاكرتها المفقودة في الفترة الحديثة عبر استرجاع أرشيفها وتنظيمه وفتحه للجمهور.
تحاول بعض البلدان العربية عصرنة ما لديها من أرشيف ومخطوطات عبر الاستنساخ والرقمنة، لكن هذا لا يكفي، حيث نلاحظ أن سياسة طرح الملفات في بعض المواقع الأرشيفية تحد من قدرة المستخدمين على الوصول إليها، والكثير منها أغلقت تماما أمامهم.
كان من الأجدر فتح مشاريع لتكون مراكز أرشيفية بإمكانها خلق فرص لإعادة قراءة التاريخ وفهم الواقع العربي المعاصر.
تتحكم فرنسا وبريطانيا في جل الأرشيف العربي، فحسب تصريح الدكتور عبد الله الريس، مدير عام المركز الوطني للوثائق والبحوث بالإمارات العربية أن الأرشيف البريطاني في المركز الذي يديره، يحتوي على أكبر مجموعة من المواد التاريخية التي يعود تاريخها إلى أوائل القرن السابع عشر وحتى القرن العشرين.(جريدة الإتحاد، 23 سبتمبر2017).
إن المجموعة تضم نحو 5 آلاف و600 ملف تحتوي على أكثر من 3 ملايين صفحة تتعلق بتاريخ الشرق الأوسط بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص. والشيء الملاحظ أنه كل ما كانت علاقة البلد العربي حسنة مع الدولة الاستعمارية بالأمس، تسهل عملية استرجاع الأرشيف والمخطوطات المفقودة والعكس إذا كانت العلاقات سيئة كما هو الحال بين فرنسا والجزائر.
وأشار الدكتور الريس إلى أن مقتنيات الأرشيف البريطاني في المركز تعد الأهم في إطار مجموعات المواد التاريخية والمعاصرة المثيرة للإعجاب والتي يحتويها قسم الأرشيفات التاريخية في المركز والذي يضم واحدة من أشمل المجموعات المتعلقة بدولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج. وعليه يمكن لدولة الإمارات أن تصبح بهذا الكم الأرشيفي أول دولة عربية تدخل مجال السياحة العلمية في المستقبل.
تحاول بعض الدول العربية الاهتمام ما لديها من أرشيف خاصة ما تعلق بمشاريع أرشيفات رقمية تروي تاريخ المنطقة العربية، فلا قيمة للمادة الأرشيفية إن لم تكن متاحة للعامة. فغرف الأرشيف في أقباء المؤسسات الإعلامية أو البحثية لن تسهم في أي قيمة معرفية للمواد التي تحتويها نظرا لصعوبة النفاذ غليها ومركزية جمع وتحليل ملفاتها. الكثير من الأعمال الأرشيفية الرقمية جاءت ردا على احتكار مؤسسات الدولة الرسمية للذاكرة العامة، كما أن الإتاحة الرقمية للأرشيف لا تعني إمكانية استخدامها أو النفاذ التلقائي لها.ففي بعض هذه المشاريع لا يزال المستخدم غير قادر على تحميل الملفات أو مشاركة ما لديه منها. ومنها مشاريع أرشيفية متاحة، لكنها خاملة، لمركزية طريقة جمعها وافتقارها إلى مجتمعات حولها تحييها.
سنستعرض هنا مجموعة مختارة من سبعة مشاريع ُأرشيفية رقمية مهمة، التي حملت الرواية التاريخية للمنطقة العربية عبر ملفات لصحف وملصقات وخرائط تاريخية ورسائل دبلوماسية.
لا بد أن نعرف أن المؤسسة الأرشيفية هي مكتبة غير ربحية تقوم بأرشفة المعلومات التي نخلقها للعامة على الأنترنت واسترجاع تاريخ شكل المواقع والصفحات الالكترونية. بدأت المؤسسة الأرشيفية بتسجيل شكل صفحات المواقع وإتاحتها للعامة بطريقة دورية منذ 1994 من خلال أداة WayBack Machine.
يمكن لأرشيف الأنترنت عبر بوابة خاصة أن يطرح موقع موقعا ؟أرشيفيا للكتب والملفات الصوتية والفيديو والبرمجيات ويتيح المجال لمشاركة أي مستخدم ملفاته الأرشيفية. ونشير أن هناك تعاون في المجال الرقمي بين دول العالم فعبر المحرك يمكن الاطلاع على أكثر من 6 ملايين كتاب مصنف ضمن المشاع العام بنسخة رقمية يصنفها حسب الموضوعات أو اللغة. يمكنكم إيجاد أكثر من 60000 كتاب بالعربية منها مقدمة ابن خلدون. ونجد أن الأرشيف الذي تم رقمنته تجاوز الكتب والمجلات والملفات لينشأ موقع آر-شيف بعد أن قررت ليلى شيرين صقر[1] في 2011 أرشفة تغريدات تويتر لدراسة جزء من التغيرات السياسية التي كانت تحدث في منطقة الوطن العربي، خصوصا خلال الـ18 يوم التي سبقت تنحي الرئيس مبارك. وباستخدام وسائل ذكية ومتطورة أصبح الموقع قادرا على تحليل ما يجري مننقاشات على تويتر، وفيسبوك، ويوتوب، وانستغرام. ومثلا على ذلك قام الموقع بتحليل ما تم تناقله على المواقع الاجتماعية ردا على قتل إسرائيل أربعة أطفال كانوا يلعبون على شاطئ غزة بقصفه يوم 26 جويلية 2014. وفي شهر آذار 2015 كانت أكثر الهاشتاغات استخداما تدور حول عاصفة الحزم التي شنتها السعودية على اليمن. ومنذ 14 تشرين الثاني 2014 طرح الموقع قاعدة بياناته وأدواته للباحثين لمدة عام بصورة مجانية ومفتوحة بدون قيود. يطرح هذا الأرشيف قرابة 11000 ملصق تاريخي عن فلسطين بدأ الباحث "دان ولش" يجمعها منذ السبعينات، ونشرها رقميا كجزء من رسالته الماجستير في 2009 من جامعة جورجتاون.
يشتمل موقع المكتبة بحسب تعريفها على مواد أرشيفية متعلقة بالثقافة والتاريخ الحديث في الخليج والمناطق المحيطة، ويتيح هذه الموارد لأول مرة على الإنترنت. حمل الموقع ما مجموعه نصف مليون صورة في أواخر 2014، معظمها أوراق وكتب سياسية خاصة، ومراسلات المفوضية البريطانية في بوشهر وعدن والكويت والبحرين ومسقط.
خلال كتابة هذه الدروس تغيرت سياسة طرح الملفات في بعض المواقع الأرشيفية لتحد من قدرة المستخدمين على الوصول إليها أو أغلقت تماما أمامهم. ونعتقد أنه من الضروري فتح مشاريع أرشيفية جديدة حتى يتمكن المستخدمين قراءة التاريخ وفهم الواقع.
ومن جهة أخرى طرحت الجامعة الأردنية في أول عام 1917 أرشيفها الضخم لأهم الصحف والمجلات التي طبعت في المنطقة بدأ من صحيفة الاتحاد العثماني في الدولة العثمانية منذ عام 1908. ويوجد لدى مصر، تونس، العربية السعودية، الأردن، فلسطين، العراق رصيد هائل من الأرشيف العربي على جميع الدول العربية التعاون لفتحه أمام المستخدمين العرب خاصة الباحثين ليتمكنوا الاطلاع على تاريخ العرب المعاصر من الاحتلال إلى الاستقلال وما بعده. والشيء الملاحظ أن الأرشيف العثماني يحتوي على 150 مليون منالوثائق من بينها 20 مليون تخص العالم العربي، وتم إلى غاية سنة 1998 فهرسة 50 مليون وثيقة كتابيا ومليونين بإدخال الإعلام الآلي.
الدرس الرابع
° المحور الأول:
- المصادر المحلية المشرقية والمغربية وتاريخ العرب (المخطوطات، الرحلات، المذكرات):
تكاد تتشابه المصادر المحلية المشرقية والمغربية وهذا راجع لتشابه الوضع العربي ومصير الشعوب المشترك منذ مجيء الإسلام في العصر الوسيط، مرورا بالدولة الأموية ثم العباسية، ثم مرحلة الانقسامات، وحلول الدولة العثمانية ثم الاستعمار مع الفترة الحديثة والاستعمار. ونظرا للرصيد التاريخي الهائل، تنوعت مصادر الوطن العربي بين المخطوطات والرحلات والمذكرات وسنحاول الاطلاع على البعض منها:
° المخطوطات:
- تعريف المخطوطات: يستخدم مصطلح المخطوط للدلالة على كل وثيقة كتبت بخط اليد. يوفر المخطوط مادة معرفية متعددة المجالات ومتصلة بمختلف جوانب الحياة مما يصلح أن يكون منطلقا وبداية لاستئناف البناء الحضاري، كما تتنوع المخطوطات حسب المواد المستخدمة فيها مثل البردي، ورق البردي، الجلد، الورق، كما اختلفت المخطوطات من حيث نوع خط الكتابة. وتضم المخطوطات علم الأمم والحضارات السابقة جميعها، كما تضم فكرها وثقافتها وبيانات تفصيلية حول الحياة السابقة في المجال السياسي والاجتماعي والجغرافي والديني وفقه الأمة وعلم الأئمة وتاريخها ولغتها، لا يمكن للمطبوعات الحديثة أن تسد حاجة البشر والباحثين إلى المخطوطات فهي نادرة وأصبحت ضرورية وأكثر انتشارا بعد رقمنتها حتى يستفاد منها دون ضياع أو إتلاف النسخة الأصلية.
- تحقيق المخطوطات: تحتاج إلى التحقيق في المخطوطات المختلفة للتأكد من صحتها ومضمونها كما كتبها مؤلفيها، فالتحقيق فن من فنون الكتابة، ولهذا الفن قواعده وأصوله، حتى يقوم المحقق بتصويب الأخطاء الواردة في المخطوط، ورد النصوص إلى أصحابها، والإشارة إلى اختلاف النسخ والروايات.
° المخطوطات العربية: عاشت الدول العربية في حقب تاريخية صعبة تراجعت فيها قيمة الفكر، ولم تستطع المحافظة على تراثها وكنوزها من المخطوطات والوثائق النادرة التي كانت موجودة في المساجد، المدارس، دور العلم، قصور الخلفاء والحكام، العلماء، أعيان الناس، لكن من سلم منها عدد قليل فقط، حيث جمعها المستشرقون ثم الاحتلال الأوربي بعد ذلك، حيث نجد في مكتبات الغرب أكثر من 5 ملايين مخطوطة، كما توجد معظمها في تركيا إلى جانب مصر، المغرب، تونس. وحسب الأرقام التي لدينا نجد أن هذه المخطوطات تتوزع على النحو التالي:
نجد أن مخطوطات الأزهر هي مفتوحة بعد إنجاز مشروع حفظ ونشر المخطوطات وأمهات الكتب إلكترونيا الذي يضم خمسين ألف مخطوطة تحوي ثمانية ملايين صفحة تعود إلى القرون الأولى للإسلام. وتسعى بريطانيا مع قطر إلى نشر خمسمائة ألف وثيقة على الأنترنت تتعلق بتاريخ الخليج وبعض القبائل العربية.
تحتل مصر المرتبة الأولى عربيا في عدد المخطوطات، حيث فيها نحو 100 ألف مخطوطة في مكتبة دار الكتب المصرية، جامع الأزهر، جامعة القاهرة، مكتبة الإسكندرية، جامعة الإسكندرية، مسجد السيدة زينب في القاهرة، وغيرها ...
يمتلك العراق هو أيضا نحو 100 ألف مخطوطة، نصفها تقريبا في دار المخطوطات في بغداد، وهي المكتبة المركزية وغيرها من المكتبات العامة والخاصة والأوقاف تعرضت للحرق في أحداث العراق الأخيرة.
في السعودية توجد أكثر من 70 ألف مخطوطة في مدينة الرياض، تمتلكها الجامعات ومراكز البحوث والمؤسسات العلمية. ودخلت السعودية تنافس الدول الغربية في شراء المخطوطات.
يوجد في المغرب الأقصى ما يزيد على 30 آلاف مخطوطة، وأشهر المكتبات الخزانة العامة، والحسنية (الملكية) في الرباط، وجامع القرويين في فاس، والجامع الكبير في مكناس، ومكتبة ابن يوسف في مراكش وغيرها...
وفي سوريا تحتوي مكتبة الأسد الوطنية بدمشق على نحو 14 ألف مخطوطة جمعت من المكتبات ومن الأشخاص.
في اليمن يوجد أكثر من 20 ألف مخطوطة في صنعاء والروضة من ضواحي صنعاء، وتعز وزبيد وحجة وفي البيوت لا تحصى.
كما توجد مخطوطات في دار الكتب الوطنية في تونس العاصمة نحو 25 ألف مخطوطة، وتوجد أيضا في المكتبات العامة.
وفي موريتانيا نحو 40 ألف مخطوطة تتوزع على نحو 300 مكتبة في نواقشط بالعاصمة ومدينة تشيت وغيرها وأغلبها مكتبات خاصة وفي حالة متدنية.
وتوجد مخطوطات في الجزائر وليبيا والصومام والكويت وقطر وعمان والإمارات بشكل متفاوت حسب اهتمامات البلد بالمخطوطات وامتلاك تقنية المحافظة عليها، واسترجاعها، ونسخ ور لها.
وفي فلسطين توجد الآلاف من المخطوطات تعرضت للنهب والتخريب الإسرائيلي توجد في الجامعة العبرية.
° المخطوطات العربية في إيران: بها 40 ألف مخطوطة إسلامية نادرة بمكتبة آية الله مرعشي النجفي، و26 ألف مخطوطة موجودة بمكتبة العتبة الرضوية المقدسة، بينما تضم المكتبة الوطنية الإيرانية 18 ألف مخطوطة، الهند بها نحو 55 ألف مخطوط عربي نقلت بريطانيا قسما منه.
° المخطوطات العربية في تركيا: توجد معظمها بمكتبات اسطنبول أشهرها السليمانية يوجد بها 101 خزانة من الكتب. وتحتوي هذه المكتبةعلىنحو 73% منمجموع المخطوطات العربية بتركيا حسب دراسة الباحثة التركية "هوليا ديليك كايا-أوغلو". عدد البمخطوطات العربية 48854 مجلدا، ويوجد عدد كبير من المخطوطات العربية في تركيا 250 ألف مخطوطة.
° المتحف البريطاني: يزخر بأنفس وأثمن الآثار العربية به أكثر من 15000 مخطوطة عربية مصنفة في نحو14000 مجلد.
° المكتبة الوطنية بباريس: بها أكثر من 7200 مخطوطة، ويوجد بفرنسا نحو 8500 مخطوطة.
° المخطوطات العربية بإسبانيا: أن أغلب المخطوطات الموجودة في المكتبة الوطنية الإسبانية التي تأسست في القرن الثامن عشر جاءت من المغرب العربي، بالإضافة إلى المخطوطات التي تركها عرب الأندلس، وتعتبر المكتبة الوطنية الإسبانية ثاني مكتبة تحتوي على مخطوطات بالعربية والأعجمية حسب الكتابة التي استخدمها سكان الأندلس العرب الذين بقوا في أراضيها بعد سيطرة الملوك الكاثوليك وهي ذات أهمية بعد المجموعة المحفوظة في مكتبة دير "الإسكوريال" (ما بين ألفين وثلاثة آلاف مخطوطة). وتمنح المكتبة الوطنية فرصة الإطلاع على المخطوطات بعد رقمنتها، وهي متاحة للباحثين. وتحتوي المكتبة الوطنية بمدريد على 2000 مخطوطة.
° المخطوطات العربية بإسبانيا: وصلتها المخطوطات عبر الهدايا، الحروب، والاستشراق. قامت بنشر العديد وطبعها وصيانتها وبها نحو40 ألف مخطوطة. تحتوي مكتبة برلين وحدهاعلى 11730 مخطوطا، وفي المكتبة البافارية 3894 مخطوطا، وتضم المكتبة الدوقية 3317 مخطوطا.
° المخطوطات العربية لدى إسرائيل: استولت إسرائيل على أكثر من 30 ألف كتاب ومخطوطة من المكتبات الفلسطينية بالقدس وتحصلت على مجموعة منها من قبل العالم اليهودي ابراهيم شالوم يهودا، وهو من أوائل الباحثين في الشأن الإسلامي في بدايات الفرن العشرين.
° المخطوطات العربية لدى و.م.أ: اهتمت و. م.أ بالمخطوطات العربية منذ القرن التاسع عشر، قامت بشراء المخطوطات منها النادرة، وتمتلك جامعة برنستون أكبر عدد في أمريكا. وتضم مكتبة الكونجرس الأمريكي حوالي 1700 مخطوطة عربية.
في الأخير نلاحظ تقاعس العرب لاسترجاع المخطوطات، وأصبح هذا الحلم بعيد المنال بعدما أقرت منظمة اليونيسكو اتفاقية في عام 1972 والتي تنص على أن المخطوطات ملك للمكتبات الغربية. رغم هذا لا مانع بشرائها وتصويرها أو نقل نسخ منها لتعميم الاستفادة والبحث عبر كامل الأقطار العربية من أجل الحفاظ على التراث والتاريخ والهوية العربية الإسلامية التي أصبحت تنهار أمامنا دون أن نحمي ما بقي من هذا الكنز.
الدرس الخامس:
° الرحلات:
تهتم الرحلات الاستكشافية التي يقوم بها الرحالة عموما منذ القديم بالوصف والملاحظة. وتعتبر الرحلات ميدانا واسعا يزود الباحث بمعطيات تاريخية كثيرة خاصة ما تعلق بوصف الأماكن، السكان، العادات والتقاليد. تعتبر الرحلات مصدرا مهما غفلت عنها المصادر الأخرى.
لم تقتصر الرحلات الاستكشافية على العرب فقط، حيث قام بها الأوربيون خاصة بعد ركوبهم البحر وكانوا ممهدين لظهور الحركة الاستعمارية الحديثة في العالم. ووردت عدة أسماء لامعة لرحالة وجغرافيون عرب في المصادر والنصوص التاريخية، استفادت منهم الحضارات الإنسانية خاصة الحضارة الغربية نذكر من بينهم: ابن بطوطة، المقدسي، ابن جبير الأندلسي، ابن حوقل، الإدريسي، ابن حوقل، الإصطخري، أحمد بن ماجد... وقد ترجمت كتب الرحالة العرب إلى عدة لغات أجنبية ساهمت في إثراء المعرفة البشرية والجغلرافيا.
جاء دور الرحالة والمستشرقون الغربيون الذين ازدادت رحلاتهم إلى الوطن العربي خلال الفترة الحديثة. ويمكننا ذكر البعض منهم أمثال: جون فليبي (1885-1960) وهو هندي من جزيرة سيلان، المستشرق والسياسيى البريطاني جيرالد دو جوري، الرحالة الياباني ماسويوكي يوكوهاماـ والرحال دمنجو باديا الذي أصبح يسمى بعلي باي العباسي بعد إسلامه، ويوليس أويتنغ، وجورج أوغستن والن الذي أصبح يسمى عبد الوالي بعد إسلامه. والرحالة الإنجليزي تشارلز داوتي( 1843-1926). ومن الرحالة العرب المسلمين أمين الريحاني، محمد بن ناصر العبودي، ماجد محمد الخليفي... وهؤلاء جميعا اهتموا بالجزيرة العربية وما جاورها من بلدان، ألفوا كتبا تعتبر مصادر هامة للتعريف بالعرب وجغرافية العالم العربي في هذه المناطق.
وعلى سبيل الحصر نسجل بعض الأمثلة في الفترة الحديثة والمعاصرة لعدة رحالة قاموا بوصف المدن في المغرب العربي سواء تعلق الأمر بالعرب أو الأجانب فمثلا أتى روبلاس على مؤلفات الرحالة الأوروبين الذين درسوا أحوال ليبيا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.وفي عام 1790، أصدر الإسكتلندي جيمس بروس 5 مجلدات فيها يروي قصة الرحلة التي قام بها إلى ليبيا وصعيد مصر بين عامي 1768 و1772. وفي عام 1812، أرسل باشا طرابلس جيشا لمنطقة شحات مرفوقا بطبيب إيطالي يدعى أغوستينو سارفالي راغبا في تأديب ابنه الذي تمرد عليه، والذي كان يحكم درنة. وقد سجّل هذا الطبيب ملاحظات هامة عن شحات..
ومثل البعض من الرحالة كان باشو، المولود في يناير 1794، رسّاما وشاعرا تحول فجأة إلى مغامر يطمح إلى الذهاب بعيدا لاستكشاف المناطق المجهولة، والتعرف على المدن القديمة التي اندثرت. وبعد أن طاف في مصر، توجه إلى ليبيا. وفي الجبل الأخضر، التقى بعرب أولاد علي الذين وصفوا له منطقتهم بهضابها الخضراء، وروعة آثارها التي تعكس أمجادها القديمة.
بدأ باشو رحلته التي رافقه فيها رجلان من أولاد علي بعد أن أكد له شيخ القبيلة نبل أخلاقهما ملتفا في عباءة الصوف التقليدية. وقد حرص باشو على أن يتقيد بتقاليد سكان المناطق التي يمر بها، وأن يحترم طريقتهم في العيش. ومع رفيقيه الأمينين كان يسافر في النهار، ويستريح في الليل. وعادة ما يرافق عربا آخرين يبحثون عن العلف لمواشيهم وأغنامهم وإبلهم. ولكي يكسب ثقتهم كان يتحدث معهم من دون أن يشير إلى ديانته، ولا إلى المشاريع التي يعتزم إنجازها. وغالبا ما يحقّق هدفه.
في عصرنا الحالي وفي ظل الانفتاح المعرفي والتطور التكنولوجي والتقدم في عمليات البحث بالصوت والصورة عبر الأنترنت بات من السهل على أي شخص البحث عن أي معلومة تهمه عن أي بلد في العالم والعالم العربي بالتحديد، فبمجرد الضغط على الزر تصلك المعلومات المراد الاطلاع عليها. ولهذا لمتعد الرحلات الاستكشافية ضرورية، ولم تعد معرفية كما كانت بل أصبحت لجلب الشهرة أو من أجل التجسس للاطلاع على المنشآت العسكرية، فحتى عملية التجسس أصبحت تقوم بها الأقمار الاصطناعية بسهولة دون التنقل.
- آثار الرحلات:
- أفادت كتب الرحلات في توثيق العديد من أحداث ومراحل تاريخ العرب المهمة.
- استكشاف الغربيين مناطق عديدة أدى إلى التعرف على عاداتها وثقافتها المجهولة.
- أصبحت كتب الرحالة مصادر مهمة لكتابة تاريخ العرب المعاصر.
- أفادت الرحلات الاستعمار للتعرف على نقاط ضعف العرب وكم هي كثيرة للأسف.
الدرس السادس:
° المذكرات: أصبحت جد مهمة في الكتابة التاريخية المعاصرة شأنها شأن الوثائق، حيث تعتبر شهادات حية عن سائر الأحداث وتحتاج أيضا للتدقيق فيها كما هو الحال بالنسبة للمخطوطات كما رأينا. ولأن الوطن العربي عرف الخلافة الإسلامية ثم الاستعمار ثم الاستقلال والنظام الإيديولوجي المنحاز للكتل العالمية المتصارعة بعد الحرب العالمية الثانية.
لو نعود إلى الوراء لنجد أن القديس سانت أوغستين (354-430م) هو أول من كتب سيرته الذاتية،وتحدث فيها عن تأثير الدين في حياته الخاصة. ويعتبر الكثير من الأدباء والمفكرين أن كتابة اليوميات والمذكرات الشخصية والسير الذاتية، سلوك حضاري وظاهرة إيجابية لتسجيل التجارب في الحياة، وتوثيق الأحداث التي كانوا من صناعها أو شهودا عليها. ويجب التحقق من المذكرات لعدة اعتبارات، لأن صاحبها لا يذكر فيها مساوئ تسييره وهذا ما يجعله يخفي عدة حقائق أو معلومات، فهو مجبر على تبييض صورته أمام الجمهور أو حتى أمام خصومه.
لقد تنوعت إصدارات السير الذاتية والمذكرات توثيقا وبحثا عن الحقيقة لمختلف الشخصيات العربية أو الأجنبية، الكثير منها يحتاج إلى التحقيق لما تحمله في طياتها، وتعتبر مصادر أساسية للباحثين للاطلاع على أسرارها والشهادات المصاحبة لها خاصة. ومن الأمثلة نذكر مذكرة الدبلوماسي الموريتاني أحمد ولد عبد الله تحت عنوان" الموت ولا الدنا". السيرة الذاتية لعمرو موسى تحت عنوان" كتابية" وفيها عدة شهادات مهمة، سميح مسعود تحت عنوان "حصاد السنين: مذكرات ما بعد التقاعد". وهناك سير ذاتية ومذكرات متوفرة على شكل pdf منها: مذكرات السلطان عبد الحميد: تقدييم وترجمة الدكتور محمد حرب، جيمي كارتر: مذكرات البيت الأبيض، كتاب الحكام العرب في مذكرات زعماء وقادة ورجال مخابرات العالم، مذكرات تـ.س.إليوت. وهناك أخرى غير رقمية مثل كتاب: أندري روبار: مذكرات تشرشل، شارل دي غول: مذكراتحرب: مذكرات الأمل. فرنسوا كرسودي: وانستون تشرشل: سلطة الهجرة. شارل-إيتوا فيال: نابليون. فليب رات: فالري جسكار دستان. براك أوباما: الأرض الموعودة. نكولا سركوزي: زمن العواصف. نلسون منديلا: الطريق طويل نحو الحرية. جورج عياش: جورجعياش.
- واقع كتابة المذكرات عند العرب في الفترة المعاصرة:
- أنها أجنبية المصدر في الغالب لرؤساء ووزراء أو رتب سامية في الجيش.
- نجد أن أغلبية المذكرات الأجنبية جريئة.
- نجد غالبة المذكرات العربية في مجلات الأدب أو الفن.
- الكثير من السياسيين العرب لا يكتبون مذكراتهم نتيجة الخوف من تسرب أسرارهم وخيانة شعوبهم حتى أن البعض منهم لا يفضلون الكتابة أصلا..
- أهمية المذكرات كمصادر:
- اطلاع الرأي العام العربي على أسرار وأحداث لم يطلع عليها سابقا.
- تساهم في كتابة التاريخ.
- حملها لبعض الاعترافات أو التبريرات لأصحابها.
- الاطلاع على المصادر التي اعتمد عليها صاحب المذكرة والسيرة.
- التأريخ للأحداث المعاصرة من خلال المذكرات والشهادات الموجودة فيها.
في الأخير لا بد لنا من مصادر متنوعة لكتابة التاريخ المعاصر سواء تعلق الأمر بالأرشيف أو الرحلات أو المذكرات وذلك لتدوينها والاستفادة منها. وعلى الباحث التحري من النماذج المستخدمة في الدراسة، وإجراء دراسة نقدية مقارنة لنماذج من كتابات الساسة والفاعلين ورؤاهم في الأحداث العربية التي كانت محطات حاسمة في النكسة والتخاذل العربي المعاصر والراهن.
° المصادر والمراجع:
- خالد الصقلي، مجلة ليكسوس، العدد17، عدد أكتوبر 2017.
- ميتري الياس، القاموس فرنسي-عربي، دار الجيل، بيروت، 1978.
- قبيسي محمد، علم التوثيق والتقنية الحديثة، دار الآفاق الجديدة، بيروت،1991.
- محمد محجوب مالك، إدارة الوثائق الأرشيفية، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، 1992.
- الخولي جمال، الوثائق الإدارية بين النظرية والتطبيق، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1993.
- خليفة عبد العزيز شعبان، المعجم الموسوعي في مصطلحات المكتبات والمعلومات، دار العربي للنشر، القاهرة،1999.
- الجريدة الرسمية: المرسوم 88/99/26 جانفي 1988.
- فتحي الغراد، التجربة التونسية:التصرف في الوثائق الإدارية والأرشيف.
- محمد بن ناصر العبودي، أهمية الوثائق المحلية في دراسة الأفراد والأسر، دار الثلوثية للنشر والتوزيع.
- مجلة فكر الثقافية، الثلاثاء 29 ديسمبر 2020، المخطوطات العربيةفي المكتبات الأجنبية الموقع: www.fikrmag.com
- جريدة الإتحاد، الوطني للوثائق، 23 سبتمبر2017، الإمارات العربية. الموقع: http://www.alittihad.aeLdetails.php ?id=42225&y=2013
- النقيب مرتضى، المؤرخ المبتدئ ومنهج البحث التاريخي، بغداد، د ت.
- موافي عثمان، منهج النقد التاريخ الإسلامي والمنهج الأوربي، الإسكندرية، 1984.
- أمينة عامر، التاريخ الشفهي: تاريخ يغفله التاريخ، مجلة cybrarians journal، عدد 5، يونيو 2005.
- عمر مكي، القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة المعاصرة، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جنيف.
- مجلة الرياض الرقمية، الرحلات الاسكشافية تأثرت بالانفتاح المعرفي.. ورحلات اليوم "أداة رسالة"، السبت 27 يناير 2018، الموقع:alriyadh.com/1657535
- Abdenur Prado, Dans le monde arabe, Islam signifie démocratie et occident dictature, Traduction Amy Fetchman ,www.https://Oumma.com/ 11 février 2011/9h20 min.
- Edouard Lynch, Sources et méthodes de l’histoire contemporaine, Université Lumière Lyon 2, file://C:/pc/Desktop/Nouveau%/5octobre 2016.
-Institut du Monde Arabe, Catalogue en ligne www. https:// imarabe.org /fr/activites/bibliothèques/services-ressources /14/10/2017.
- مصطفى الستيتي، أرشيف التّرك يفيض بتاريخ العرب، ترك برس، /25 مارس2015 6901/ www.turkpress.co node
- رشيد محمود شيخو، مصادر التاريخ الحديث والمعاصر دنيا الوطن/ https://pulpit.alwatanvoice. com/articles/2009/10/25/177913.html
- جريدة الاتحاد، الوطني للوثائق http://www.alittihad.ae/details.php?id=42225&y=2013
- هلا محمود-أحمد عبد الرحمن ، أبو الغيظ: فلسطين قضية مركزية لكلا لعرب، العين الإخبارية، 9/5/2018.
- الرحالة الانجليزي تيم ماكينتوش-سميث، "العرب ثلاثة آلاف عام من تاريخ الشعوب والقبائل والإمبراطوريات"
- جورج أنطونيوس، يقظة العرب: تاريخ حركة العرب القومية، دار العلم للملايين، بيروت، 1978، ترجمة: الدكتور ناصر الدين الأسد والدكتور إحسان عباس، ص182.
- قيس جواد العزاوي، الدولة العثمانية: قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، الدار العربية للعلوم، بيروت، ومركز دراسات الإسلام والعالم، فلوريدا، 1994، ص127- 134.
- خليل إينالجيك ودونالد كواترت (تحرير)، التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدولة العثمانية، دار المدار الإسلامي، بيروت، 2007، ترجمة: د. قاسم عبده قاسم، ص492.
- ج. ج. لوريمر، دليل الخليج: القسم التاريخي، قسم الترجمة بمكتب أمير قطر، الدوحة، ج4ص2123.
- محمد كرد علي، خطط الشام، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 2007، ج3ص98- 99.
الدكتور محمد حرب (تقديم وترجمة)، مذكرات السلطان عبد الحميد، دار القلم، دمشق، 1991، ص102- 103 و111.
-أحمد صلاح الملا، جذور الأصولية الإسلامية في مصر المعاصرة: رشيد رضا ومجلة المنار 1898- 1935، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2008، ص20.
-] مصطفى كامل باشا، المسألة الشرقية، مطبعة اللواء، القاهرة، 1909، ج1ص27- 28.
-سعد محيو، مأزق الحداثة من احتلال مصر إلى احتلال العراق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2010، ص97.
- عبد اللطيف بن محمد الحميد، البحر الأحمر والجزيرة العربية في الصراع العثماني البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، مكتبة العبيكان، الرياض، 1994، ص177.
- محمد الناصر النفزاوي، التيارات الفكرية السياسية في السلطنة العثمانية 1839- 1918، دار محمد علي الحامي للنشر والتوزيع، صفاقس، وكلية العلوم الإنسانية والإجتماعية، تونس، 2001، ص291.
- نجيب عازوري، يقظة الأمة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ترجمة: د. أحمد بوملحم، ص115.
- ليلى الصباغ، دراسة في منهجية البحث العلمي، مطبعة خالد بن الوليد، دمشق، 1979-1980.
- Bernard Lewis, The Emergence of Modern Turkey, Oxford University Press, 2002, pp. 125- 126.
- Luke. T : Consular law and practice, Stevens and sons, London, 1961, p.3.
- محمد عبد اللطيف صالح الفرفور، ابن عابدين وأثره في الفقه الإسلامي: دراسة مقارنة بالقانون، دار البشائر، دمشق، 2006، ج2,
- الشيخ محمد زاهد الكوثري، مقالات الكوثري، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، 1994، ص198.
- عثمان زروق، الوثائق ودورها فى البحث العلمى، مجلة التاريخ والمستقبل، مجلد 1، عدد 2، كلية الآداب – جامعة المنياذ، 1987.
- Mohamed Ben Romdhane, Tarek Ouerfelli, L'offre des archives ouvertes dans le monde
arabe: recensement et évaluation, Université de la Manouba, http://eprints.rclis.org/19050/05/Novembre/2015 et Mohamed_Ben_Romdhane REVUE - - -MAGHREBINE DE DOCUMENTATION ET D’INFORMATION, N° 25, 2016ethttps://www.researchgate.net/profile//publication/311486027,pdf.
- Gérard Noiriel,qu’est-ce l’histoire contemporaine, Hachette Superieur, 1998, Bulletin de l’IHTP, n° 75,juin 2000.
- Jenkinson Hilary, A Manuel of Archive of Administration, Percy Lund, Humphries and Co,London, 1922.
- Vincent Duclert, La question des archives en France. Une approche bibliographique, Histoireet archives n°5, janvier-juin 1999.
- معلم: BEKKAR Mohammed