التخصص : سنة أولى علوم اجتماعية

مقياس :مدارس و مناهج المجموعة الأولى

الأستاذة : جلال فاطمة زهرة

المحاضرة الأولى :المدرسة الوضعية

مقدمة

تعتبر المدرسة الوضعية مذهب أو إتجاه فلسفي تبناه دافيد هيوم ثم سان سيمون ثم أوجيست كونت و قد قصد كونت من فلسفته الوضعية ضرورة إتخاذ مواقف إيجابية لدراسة ما هو قائم بالفعل في المجتمع الخارجي و قد كان هدف كونت الأساسي من وضع فلسفته الوضعية بمثابة رد فعل للحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي عاصرها بالفعل في فترة من أهم الفترات التاريخية التي مهدت لظهور المجتمع الصناعي الحديث و قد أكد كونت على أهمية الفلسفة الوضعية كأسلوب للتفكير و دراسة الواقع بصورة علمية إعتمادا على المنهج الوضعي العلمي كما دعى إلى ضرورة الاستعانة بالمنهج التاريخي من أجل البحث عن القوانين العامة للتغير المستمر و هذا ما ظهر بوضوح في معالجته السوسيولوجية لقانون الحالات الثلاث

مفهوم النظرية الوضعية:

 تعد النظرية الوضعية من أهم النظريات السوسيولوجية في تاريخ الفكر الغربي و ذلك كونها تبنت التجريب العلمي منهجا في تحصيل الحقائق خاصة في مجال علم الاجتماع الذي أصبح علما مستقلا بعد أن وضع دوركايم كتابه قواعد المنهج في علم الاجتماع.

التعريف بكونت

هو عالم اجتماع فرنسي ولد عام 1798 و توفي عام 1857 تأثر بالظروف العصرية التي شاهدها و عاصرها بالفعل لديه عدة مؤلفات أهمها دروس في الفلسفة الوضعية و مذهب السياسة الوضعية

أهم النقاط التي تعرض لها كونت في نظريته

1- أهمية الكل عن الجزء :لقد إسبعد كونت الفرد من الدراسة السوسيولوجية لأنه يرى أنه من المستحيل فصل الفرد عن الأسرة و على هذا الأساس يرى كونت أنه يجب الإنطلاق من الكل (الاسرة) وصولا إلى الجزء (الفرد)

2- قسم كونت النظام الاجتماعي إلى فسمين هما

الاستاتيكا الاجتماعية و الديناميكا الاجتماعية

3- قانون تطور الفكر الانساني من خلال قانون الحالات الثلاث المرحلة اللاهوتية و المرحلة الميتافيزيقية و المرحلة العلمية أو الوضعية.

الاجراءات المنهجية للمدرسة الوضعية:

لقد ذكر كونت أربعة إجراءات هي :

الملاحظة و التجربة و المقارنة و المنهج التاريخي و قد أكدَّ على أنَّ:

1- الملاحظة : أو استخدام الحواس الفيزيائية يمكن تنفيذها بنجاح إذا وجهت عن طريق نظرية [1] و ذلك عند دراسة الظواهر الاجتماعية بحيث يمكن للباحث أن يستعين بها في جمع المعلومات الأولية عن الظاهرة خاصة في مرحلة الدراسة الاستطلاعية .

2- التجربة : يعتقد كونت أن التجربة " فعلياً وواقعياً تكاد تكون مستحيلة في دراسة المجتمع ... كما أكّد إمكانية عقد المقارنات [2]

3- المقارنة : يمكن استخدام المقارنة كطريقة للمقارنة "بين مجتمعات مختلفة أو جماعات داخل المجتمع الواحد أو نظم اجتماعية للكشف عن أوجه التشابه و الاختلاف بين الظواهر الاجتماعية و إبراز أسبابها وفقاً لبعض المحكات التي تجعل هذه الظواهر قابلة للمقارنة كالنواحي التاريخية و الاثنوغرافية و الإحصائية و يمكن الوصول عن طريق هذه الدراسة إلى صياغة النظريات الاجتماعية "[3]

4- المنهج التاريخي :يعتبر في نظر كونت " البحث عن القوانين العامة للتغيّر المستمر في الفكر الإنساني و هي نظرة تعكس الدور المهيمن للأفكار ، كما يظهر في قوانين المراحل الثلاث"[4] التي تحدث عنها كونت عندما أشار إلى تطور الفكر الإنساني و هي اللاهوتية و الميتافيزيقية و المرحلة الوضعية أو العلمية.

و تجدر الإشارة إلى أنَّ منهج كونت التاريخي لا يشترك " إلاَّ في القليل من نواحيه مع المناهج التي يستخدمها المؤرخون الذين يؤكدون العلاقات السببية بين الوقائع الملموسة ، و يقيِّمون قوانين عامة كيفما اتفق" [5]  خاصة و أنَّ هذا المنهج يستخدم للحصول على أنواع مختلفة من البيانات و المعلومات ذات الطابع المعرفي و ذلك لتحديد تأثير الأحداث الماضية على المشكلات التي يعاني منها أفراد المجتمعات في الأوقات الحالية [6]

و عليه يمكن القول أنَّ كونت يعتبر" من روَّاد الوضعية الذين أسَّسُوا علم الاجتماع على أسس علمية تجريبية ، اعتماداً على الملاحظة و التجربة و المقارنة و التاريخ [7]

و خلاصة القول : لقد اهتمت الوضعية عند أوجست كونت بدراسة الظواهر النسبية غير المطلقة بالتوقف عند العلاقات الثابتة بين الوقائع و الظواهر ، في إطار ترابطها النسبي بغية استخلاص قوانينها و قواعدها .

المحاضرة الثالثة : المدرسة الحضارية ابن خلدون نموذجاً

مقدمة:

يعتبر ابن خلدون من بين أولى المفكرين العرب الذين تنبهوا إلى علم الاجتماع كعلم قائم بذاته و موضوعه الأساسي الظواهر الاجتماعية ، و قد أطلق عليه اسم العمران البشري ، كما تطرق بالدراسة و التحليل إلى عدة موضوعات ذات الصلة بهذا العلم كمسألة العصبية ، و نشأة الدول و سقوطها و قد عرض هذه الأفكار ضمن مقدمته الشهيرة و التي تحمل عنوان "كتاب العبر و ديوان المبتدأ و الخبر في أيام العجم و البربر و من عاشرهم من ذوي السلطان الأكبر".

 

 

أهم المواضيع التي تطرق لها:

1- العمران البشري : لقد أطلق ابن خلدون على علم الاجتماع "علم العمران البشري" و قد قسم العمران البشري إلى قسمين هما ك

1-1-  العمران البدوي : و تغلب عليه رابطة العصبية حيث تجمع و تحكم العلاقات بين أفراده و تقوم إماَّ على النسب أو الولاء.

1-2- العمران الحضري : و أهم ما يميّزه فساد العصبية و اختفائها و ظهور الحضارة التي تنهار فيما بعد و تظهر على انقاذها دولة أخرى.

2- نشأة الدولة:

يعتقد ابن خلدون أن نشأة الدولة تمر بثلاثة مراحل أو ثلاثة أجيال كما سماها و هي :

طور النشأة و التكوين – طور النضج و الاكتمال- طور الهرم و الشيخوخة و يعتقد ابن خلدون أن كل جيل يبلغ من العمر أربعون سنة و بالتالي يصبح عمر الدولة مئة و عشرون سنة.

كما يرى ابن خلدون أن الدولة خلال هذه الأجيال تمر بخمس مراحل كل مرحلة لها مميّزات خاصة تميّزها عن مرحلة أخرى :

2- 1- مرحلة البداوة : و ما يميّزها هو الإستلاء على الملك و الاقتصار على ما هو ضروري بالإضافة إلى وجود العصبية القبلية و التي تقوم كما سبق و أشرنا إما على النسب أو عوامل أخرى مثل الجوار – الحلف و الولاء ووظيفة العصبية في هذه المرحلة أنها تقرّر قوّة الدولة و استمرار سلطانها.

2-2- مرحلة الملك و الاستبداد : وفيه يتم الانتقال من البداوة إلى الحضارة و تبدأ العصبية بالضعف ، كما يتّم الإنفراد بالحكم من قبل فرد أو أسرة أو فئة و لكن الملاحظ هو أن العصبية لا تزول تماماً.

2-3- مرحلة الترف و النعيم : يسَّميها ابن خلدون بطور الفراغ و الدّعة و هنا بفقد الأفراد العصبية تماماً و يركن الحاكم إلى الدّعة و الترف و يستفدون أكثر ممَّا يفيدون و تشبه هذه المرحلة حكومة الطغيان عند أفلاطون.

2- 4- مرحلة القنوع و المسالمة و تقليد الحكام السابقين : و أهم ما يميّز هذه المرحلة ضعف الدولة في جوانب مختلفة.

2-5- مرحلة الفناء و انهيار الدولة :  و زوالها فتؤول إلى الاضمحلال و يرى ابن خلدون أنَّ عملية الإصلاح في هذه المرحلة لا يجدي نفعاً و يقول ابن خلدون في ذلك و إّذا نزل الهرم بدولة فإنه لا يرتفع و بالتالي تأتي دولة جديدة و تقضي عليها و هكذا دواليك.

3- ضرورة الاجتماع الإنساني : يرى ابن خلدون أن الاجتماع الإنساني ضروري و ذلك من أجل التعاون على قهر الطبيعة للحصول على الضروري من الطعام لتأمين الحياة و الدفاع ضد الأخطار.

4- البادية أصل العمران :  بمعنى البدو هم أصل المدن و الحضر فهو سابق عليها و يعتمد ابن خلدون في حكمه هنا على فكرة الضروري و يكون في البادية و يسعى إلى الكمالي من خلال السكن في المدن.

5- العصبية : استخدمها ابن خلدون في معنى اللحمة و هي على ضربين طبيعة النسب و فائدة النسب الذي يعزّز الالتحام و الذي بدوره يوجب صلة الأرحام حتى تقع المناصرة ، و اجتماعية (الولاء) و تقوم عندما تكون صلة الرحم ضعيفة فيحّل مكانها الولاء و الحلف.

أهم الانتقادات الموجهة لابن خلدون :

1- الفصل بين نهاية الدولة و بداية دولة أخرى غير معقول تبقى هناك تراكمات حضارية.

2- عندما ألغى فكرة الإصلاح في المرحلة الخامسة من نشأة الدولة حاول التعميم و نحن نعلم ما يصدق على مجتمع ما لا يصدق على آخر.

3- القوانين التي توصل إليها استقراء ناقص لا يمكن تعميمه على كل المجتمعات و ذلك لتعد عوامل نشأة كل مجتمع.

 

المحاضرة الرابعة :المدرسة الوظيفية دوركايم نموذجاً

                                                                                 مقدمة:

سنتناول في هذه المحاضرة المدرسة الوظيفية و ذلك من خلال التطرق إلى نشأتها و أهم روّادها و أفكارها الأساسية ووظيفتها في علم الاجتماع.

كيف ولدت المدرسة أو النظرية الوظيفية:

إنَّ جذور الدراسة الوظيفية في علم الاجتماع تمتد إلى القرن الثامن عشر عندما ظهر مفكرون اجتماعيين بارزين أمثال فولتير ، روسو ، و هوبز الذين اعتنقوا مبدأ العلاقة الوظيفية بين متغيرين عاملين ، ثمَّ ظهر الدافع الحقيقي لاستعمال اصطلاح وظيفة مع ظهور علماء الاجتماع في القرن التاسع عشر أمثال اوجيست كونت  و العالم هربرت سبنسر الذين شبهوا المجتمع بالكائن الحّي من حيث الأجزاء البنائية و الوظائف فاستخدموا كلمة وظيفة محل كلمة غاية أو غرض.

و لقد وضع كونت فكرة التكامل البنائي و خرج بنظريات و قوانين عامة و شاملة لنظام حياة المجتمع و من أبرز ما توصل إليه كونت أنَّ التغيّر الذي يحدث بالجزء يؤدي إلى تغيّرات في الأجزاء الأخرى و أعطى تفسيره للتغيّر الاجتماعي بأنَّه وقع جراء التغيّر في أنماط الفكر و قسم بذلك مراحل تطور الفكر الإنساني إلى ثلاثة أنماط.

أماَّ سبنسر فقد قدم تفسير بنائي وظيفي للمجتمع قياساً على الكائن الحّي و ركز على علاقة الأجزاء ووظائفها  و كيف أنَّ بنائها و عملها يتغيّر من بناء بسيط التركيب إلى بناء معقَّد التركيب و التباين البنائي يعطي مستوى أعلى من الاعتمادية بين الأجزاء و هذا يحقّق زيادة في درجة التكامل و زيادة في قدرة المجتمع على التكيّف و البقاء.

 

معنى الوظيفية من وجهة نظر المدرسة الوظيفية: أنَّ المجتمع نظام معقَّد تعمل شتَى أجزاءه سوّيةً لتحقيق الاستقرار و التضامن بين مكوّناته ووفقاً لهذه المقاربة فإنَّ على علم الاجتماع استقصاء مكوّنات المجتمع بعضها ببعض و صلتها بالمجتمع برمته و يمكننا أن نحلّل النشاطات الإنسانية و الأفعال و ما يترتب عليها من نتائج.

و بالتالي نستنتج أنَّ المدرسة الوظيفية تشبه المجتمع بالكائن العضوي الحّي فعلى حدّ تعبير علمائها أنَّ المجتمع يتكون من مجموعة من العناصر و البنيات و الأنظمة و كل عنصر من هذه العناصر يؤدي وظيفة داخل الجهاز المجتمعي ، و عليه فالمجتمع نظام متكامل و مترابط و متماسك و يهدف بذلك إلى تحقيق التوازن و الاستقرار.

و مثال ذلك  الدّين عبارة عن نظام ، النظام التربوي فكل نظام يؤدي وظيفة و الهدف من ذلك هو الحفاظ على توازن المجتمع.

روّادها : يمثل هذه المدرسة الفرنسي إيميل دوركايم و الأمريكيان تلكوت بارسونز و روبرت ميرتون.

المفاهيم التي تتبناها المدرسة الوظيفية : تتبنَّى المدرسة الوظيفية مجموعة من المفاهيم أهمها :

1- المجتمع : هو نسق من الأفعال المحدّدة و المنظمة و يتألف هذا النسق من مجموعة من المتغيّرات المترابطة بنائياً و المتساندة وظفياً  كما ترى أنَّ للمجتمع طبيعة متعالية أي يسمو عن كل مكوّناته و يتجلى هذا التعالي من خلال قواعد الضبط و التنظيم الاجتماعيين ، هذه القواعد تلزم الأفراد بالانصياع لها و الالتزام بها لأنَّ أي إنحراف عنها يهدّد تماسك المجتمع.

2- توازن المجتمع : هو هدف في حد ذاته و يساعد على أداء وظائفه و بقائه و استمراره و يتحقق بالانسجام بين مكوّنات البناء الاجتماعي و التكامل بين الوظائف الأساسية يحيطها جميعاً برباط من القيّم و الأفكار التي يرسمها المجتمع لأفراده و جماعاته حيث يلتزم بها جميع أفراد المجتمع و أيّ خروج عنها يعرض الفرد أو الجماعة إلى عملية الضبط الاجتماعي.

3- البناء الاجتماعي : و يقصد به مجموعة العلاقات الاجتماعية المتبايّنة التي تتكامل و تتسق من خلال الأدوار الاجتماعية فثمة مجموعة أجزاء مرتبة تدخل في تشكيل الكل الاجتماعي و تتحد بالأشخاص و الجماعات و ما ينتج عنها من علاقات وفقاً لأدوارها الاجتماعية التي يرسمها لها الكل و هو البناء الاجتماعي و يتصّور روّاد هذا الاتجاه المجتمع كبناء يمكن رؤيته من خلال ثلاث زوايا هي :

3-1- المجتمع كنسق اجتماعي .

3-2- المجتمع كنظام اجتماعي.

3-3- المجتمع كمنظومة من القيّم و القواعد و الضوابط.

4- الوظيفة : و يقصد بها مجموعة الأدوار التي تقوم بها الأجزاء المكوّنة للمجتمع و التي تؤدي إلى استمراره و بقائه.

و عليه يمكن القول أنّ المدرسة الوظيفية تيار سوسيولوجي يركز على البنيّة و الوظيفة و من ثم فهي تصور بنيّوي نسقي يربط كل عنصر في المجتمع بوظيفة ما و يكون الهدف من ذلك هو تحقيق النظام و الاستقرار و التوازن و التضامن.

و يغلب عليها الطابع الإيديولوجي المحافظ من جهة و من جهة أخرى تدافع عن التواجد الليبرالي البرجوازي باعتباره النظام الاقتصادي البديل الذي يؤدي إلى الحفاظ على ثوابت المجتمع و مراعاة تماسكه اجتماعياً و طبقياً و اقتصادياً و نفسياً .

المحاضرة الخامسة : دوركايم نموذجاً

مقدمة :

سنتناول من خلال هذه المحاضرة أحد أهم روّاد المدرسة الوظيفية دوركايم ، حيث سنتطرق إلى مؤلفاته و أهم أفكاره التي ساعدت في تطور المدرسة الوظيفية.

نبذة عن حياته: هو عالم اجتماع فرنسي ولد عام 1858 و توفيَّ عام 1917

مؤلفاته : له عدّة مؤلفات أهمها :

1- تقسيم العمل الاجتماعي 1893.

2- قواعد المنهج في علم الاجتماع.

3- الانتحار دراسة اجتماعية1896.

4- الأشكال الأولى للحياة الدينية 1912.

المفاهيم التي استخدمها دوركايم:

1- الضمير الجمعي : و يقصد بها المعتقدات و المشاعر المشتركة لدى أفراد المجتمع و هو مستقّل تماماً عن ضمير الفرد.

2- التمثل الجمعي : لقد استبعد دوركايم المفهوم الأول ليستخدم هذا المفهوم و يقصد به التمثل الجمعي بقيّم و معاييّر جمعية معيّنة مثل الأسرة ، المهنة.

3- التضامن الآلي : شكل من أشكال تقسيم العمل الاجتماعي يظهر في المجتمعات التقلدية حيث يمارس الأفراد نفس العمل من خلال التعاون.

4- التضامن العضوي : يظهر هذا النوع من التضامن في المجتمعات المعاصرة و ذلك بسبب ارتفاع الكثافة السكانية حيث يتجه الأفراد إلى التخصص في العمل.

و يرى دوركايم أنَّ القانون في مجتمع ذو التضامن الآلي يتميّز بقانون قمعي بينما في المجتمع العضوي فالقانون تعويضي بمعنى يطلب من الأفراد الانصياع للقانون أو تعويض أولئك الذين تضَّررو من أفعالهم.

5- اللامعيارية: يرى دوركايم أنَّ الأفراد يواجهونها عندما لا يكون للأفراد مفهوم واضح عن ماهو مقبول اجتماعياً أو غير مقبول وأو ما يطلق عليه بفقدان المعاييّر الاجتماعية.

6- الوظيفة عند دوركايم : له تأثير في تأسيس النظرية الوظيفية حيث اهتم بالأجزاء المكوّنة للنسق الاجتماعي من جهة و علاقة الأجزاء بعضها ببعض و تأثيرها بالمجتمع و ذلك من خلال إهتمامه بالوقائع الاجتماعية.

كذلك اعتنى بالبنى و الوظائف و علاقتها بحاجات المجتمع ، كما ميَّز أيضاً بين مفهومين هما السبب الاجتماعي و الوظيفة الاجتماعية.

أهم الإنتقادات التي وجهت إلى المدرسة الوظيفية:

1- تيَّار إيديولوجي محافظ يهدف إلى خلق مجتمع منظم و متناسق و متماسك و مستقّر اجتماعياً يخلو من الصراع و التناقضات الجدلية ، حيث يعتبر التوازن أو الاستقرار للمجتمع حيث يعتبر هذا الهدف الأساسي الذي تسعى إليه هذه المدرسة.

2- تشبيه المجتمع بالكائن الحّي خاصةً في الوظائف فمثلما للكائن أعضاء تؤدي وظائف كذلك الأمر بالنسبة للمجتمع و مؤسساته.

3- حاول هذا الاتجاه أن يلغي فكرة الصراع و التناقضات داخل الأنساق الاجتماعية ، و لماَّ بات ذلك مستحيلاً اعتبروه حالة استثنائية تعبّر عن مرض اجتماعي مع التأكد أنَّ التوازن و التكامل هما الحالة الطبيعية التي تمثل النموذج الأمثل للنظام.  

المحاضرة السادسة : المدرسة الماركسية.

مقدمة : شهدت النظرية السوسيولوجية تطورات ملحوظة خاصةً في القرن العشرين و بخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يعتبر الجانب التطبيقي للنظرية أو المدرسة الماركسية ، و قد قام ماركس بطرح نظريته في منتصف القرن التاسع عشر ، و قد تمَّ تطبيقها عملياً مع أواخر العشرينيات و بالتحديد 1917 و قيام الثورة البلشفية ضدَّ النظام الرأسمالي القيصري الروسي و إعلان قيام الدولة الشيوعية السوفياتية رغم انهيارها فيما بعد .

1- عوامل و أسباب ظهور المدرسة الماركسية : (نشأتها)

1-1- لقد اتسمت الرأسمالية الصناعية بتراكم رأس المال و تشييّد العديد من المعامل و انتشار العديد من الصناعات كصناعة النسيج و الصلب و الفولاذ و استغلال مناجم للفحم و الحديد و قد صاحبت هذه الثورة الصناعية أيضا تعاسة كبيرة للطبقة العاملة و بؤس في أوساطها و استغلال كبير للأطفال و النساء الذين كانوا يعملون في هذه المناجم ، حيث ساعد المستوى المنخفض للأجور و أصحاب رؤوس الأموال من تكديسها و استثمارها الشيء الذي أدَّى إلى تقدم اقتصادي كبير  على حساب تضحيات اجتماعية قاسية و هذه الظروف قد خلفت الكثير من معارضي هذا النظام الذي حاول أصحابه تفسير الأحداث الاقتصادية من خلال فلسفة المادّية الجدلية و المادّية التاريخية التي اعتمد عليها كارل ماركس و فريديرك أنجلز في بناء نظريته .

1-2- إنَّ طبيعة الحياة الاجتماعية و المهنية التي عاشها كارل ماركس قد كان لها أثر كبير على نوعية أفكاره و تصّوراته.

1-3- تأثر كارل ماركس بالعديد من الفلسفات خاصةً الفلسفة الألمانية و مذهب هيجل الجدلي فقد قام بنقده رغم أنَّه أخذ عنه هذا المنهج و لكن بطريقة مختلفة.

1-4- تأثره بالاقتصاد السياسي الانجليزي و خاصةً المفكر آدم سميث و النموذج الاقتصادي لدافيد ريكاردوا ، و قد قام بنقد هذا الاقتصاد.

1-5- تأثره بالاشتراكية الفرنسية في القرن التاسع عشر لأنَّها مثلت أعلى درجات النضال الحاسم .

كل هذه الظروف أثرت في ماركس و جعلته يتخذ موقفاً سلبياً اتجاه النظام الرأسمالي.

و من خلال كل ما سبق يمكن القول أنَّ الماركسية قد ظهرت في سياق تاريخي تميَّز بالصرّاع النضالي و الجدلي بين البرجوازية و الطبقة العمالية و كان ذلك في القرن التاسع عشر عصر الثورة الصناعية و العمّالية ، و كان سبب هذا الصّراع هو الظلم الذي كانت تعانيه الطبقة البروليتارلية من استغلال و استبداد و معاملة سيئة في حقّ هؤلاء العمّال و طردهم من أعمالهم ووظائفهم و مناصبهم و من هنا جاءت الماركسية للتعبير عن هموم الطبقة العمالية حيث مثلت الاشتراكية إيديولوجية الطبقة العاملة في نضالها ضّد الظلم.

و قد رافقت ولادتها (الماركسية) حركة الطبقة العاملة في أرويا (ألمانيا ، فرنسا ، إنجلترا ، بلجيكا) و بالتالي فإنَّ الاشتراكية منذ ولادتها دخلت في صراع ضّد الليبرالية باعتبارها إيديولوجية  النظام الرأسمالي ، و في الوقت الذي أخذت فيه الليبرالية طابعاً محافظاً اتخذت الاشتراكية طابعاً نقدياً استهدف بالدرجة الأولى الكشف عن مساوئ النظام الرأسمالي و الدعوة إلى تجاوزه عن طريق التغييّر الجذري.

2- النقاط الأساسية التي ركزت عليها المدرسة الماركسية:  يمكن القول أنَّ

2-1- المدرسة الماركسية تيَّار راديكالي ثوري هدفها إحداث التغييّر الجذري في المجتمع "وضع نهاية للنظام الاقتصادي المادّي الرأسمالي و السعيّ إلى تغييّره و استبداله بنظام اجتماعي آخر يقوم على الملكية العامة بعد إلغاء الملكية الخاصة التي يعتبرها ماركس من أكثر شرور البشرية".

2-2- لقد اعتمد ماركس في تحليله على :

2-2-1- المادّية الجدلية : حيث يعود هذا المصطلح إلى المفكر و الفيلسوف الألماني هيجل الذي أثر تأثيرا مباشراً على أفكار ماركس و استخدامه للمادّية الجدلية كمنهج و أسلوب للتحليل و النقد و التفكير.

 و الجدلية تعني : الطريقة أو الكيفية التي نتناول من خلالها المواضيع و الجدل : بمفهومه الفلسفي يعني صراع الأفكار و هذا الوصف طرح في الفلسفة اليونانية فقد استخدمه فلاسفة اليونان أمثال سقراط ، هيرقليدس ...الخ أماَّ المادّية فهي كيفية فهم و تفسير الموضوعات و على هذا الأساس هناك فكرة محورية في نظرية ماركس إذ يقول "ليس وعيّ الأفراد هو الذي يحدّد وجودهم السياسي و الاجتماعي و إنَّما وجودهم السياسي و الاجتماعي هو الذي يحدّد وعيّ الأفراد" و يعني هذا حسب ماركس "أنَّ معرفة الفرد تعود إلى معرفة الطبقة التي ينتمي إليها الفرد" ، و قد قام ماركس بتطبيق المادّية الجدلية في دراسة المجتمع و قام بصياغة مفهوم

- الانقسام الطبقي : الذي هو عبارة عن انقسام المجتمع إلى قسمين أو طبقتين واحدة مالكة لوسائل الإنتاج و طبقة عاملة أو فاقدة لوسائل الإنتاج و مع الوقت سوف يظهر ما يسَّمى الاستغلال من طرف الطبقة الأولى للطبقة الثانية و هنا يظهر ما يسَّميه ماركس

- الصراع الطبقي :  الناتج عن عدم الخضوع لفكرة الاستغلال و الرغبة في التغييّر و هنا يتشكَّل لدى هذه الطبقة ما يطلق عليه ماركس:

- الوعيّ الطبقي : فالظروف الاقتصادية و المادّية للمجتمع هي التي تشكّل عنصر الوعيّ لدى الطبقة العاملة و هذا ما يجسد فكرة ماركس في الوجود الاجتماعي هو الذي يحدّد الوعيّ عند الفرد " و يرى ماركس أنَّ هذا النوع من الانقسام الطبقي قد ظهر في النظام الإقطاعي و تطور مع ظهور الرأسمالية الصناعية.

- مفهوم الطبقة عند ماركس : هي مجموعة من الأشخاص يؤدون نفس الوظيفة ضمن عملية تنظيم الإنتاج و الطبقة عند ماركس بالتحديد التاريخي للمجتمعات و هذه المجتمعات عرفت عدّة تناقضات و تحوّلات بدائية – إقطاعية – صناعية – و نمط الإنتاج يكون إماَّ رأسمالي أو اشتراكي.

- خصائص الطبقة عند كارل ماركس: حدّد ماركس الطبقة فيما يلي :

1- أن يكونوا في إطار مكاني معيّن يؤدون وظيفة اجتماعية.

2- ضرورة وجود مصلحة مشتركة بين هؤلاء الأشخاص.

3- ضرورة وجود تنظيم يحقّق من خلاله المصلحة المشتركة كالتنظيم النقابي في المجتمع الرأسمالي.

3- مسألة الاغتراب : يقصد ماركس بالاغتراب فقدان الذات الإنسانية و هذه الظاهرة تتحدّد ضمن علاقة الإنسان بالطبيعة ففي المجتمع البدائي لم نكن نعيش هذه الظاهرة فعلاقة الإنسان بالطبيعة كانت علاقة مباشرة (إنسان – طبيعة)

أماَّ في المجتمعات الرأسمالية فعلاقة الإنسان بالطبيعة غير مباشرة من خلال التكنولوجيا التي عرفها المجتمع ككل و من هنا بدأ الإنسان يفقد طبيعته الإنسانية و الاجتماعية و ذلك بتحوّله إلى مجرد أداة (إنسان – أداة – طبيعة ) و على هذا الأساس يمكن تعريف الاغتراب بأنَّه "عبارة عن آثار للتأثيرات التكنولوجية التي تحوّل الإنسان إلى مجرد آلة أو أداة و هنا يصبح الإنسان غير فاعل في المجتمع"

المحاضرة السابعة : تابع للمحاضرة السابقة (المدرسة الماركسية)

النقاط الأساسة التي ركزت عليها الماركسية:

4- المادية التاريخية : هي عبارة عن تطبيق قوانين المادّية الجدلية في دراسة تاريخ المجتمعات و الشعوب ، أو يمكن تعريفها بأنَّها دراسة التاريخ من خلال عنصر مادّي فلا يمكننا حسب ماركس فهم التطوّر التاريخي للمجتمعات إلاَّ من خلال الاعتماد على عناصر مادّية للمجتمع.

و قد استخدم ماركس  المادّية التاريخية كنظرية فلسفية عامة تدرس المجتمع و تفسّر جوانبه المادّية و غير المادّية و لا يمكن تطبيق المادّية التاريخية دون الاعتماد على المنهج الجدلي  كمنهج للدراسة و التحليل حيث يعتبر هذا المنهج مهماً جداً في دراسة الظواهر الاجتماعية و تفسيرها في ضوء تطورها التاريخي و التركيز على التاريخ في فهم عملية التطور و التغييّر ، و قد صاغ ماركس عدّة تصورات لفهم التاريخ منها :

4-1- معظم أزمنة التاريخ تشير إلى أنَّه صراع الطبقات.

4-2- تتحدَّد الطبيعة الخاصة لبناء الطبقات الاجتماعية بواسطة نظم الإنتاج.

4-3- أنَّ النظام البرجوازي مثله مثل جميع الأنظمة الاجتماعية حيث يحمل في ثناياه متناقضات كثيرة تؤدي إلى حلّه و تدميره.

4-4- إنَّ الطبقات العامة سوف تأخذ مبدأ المبادرة و تكتسب ما يعرف بالسيطرة السياسية.

4-5- سوف تتبنى الطبقة العاملة النظام الاشتراكي أولاً ثمَّ تتحول إلى النظام الشيوعي.

4-6- تعكس كل من الثقافة و العلم الجديدين لكل من الاشتراكية و الشيوعية أعلى درجات للحرّية الفردية.

5- التغيّر الاجتماعي : و يكون نتيجة للصّراع الطبقي بين الطبقة البرجوازية و الطبقة العمالية ، فالصراع الطبقي حسب المدرسة الماركسية محرّك للتاريخ فالمجتمع في حالة صّراع جوهري.

6- الدولة : يقول ماركس " إنَّ الدولة أو القوّة السياسية هي امتدادا للقوّة الطبقية بعد أن تنحاز إلى الطبقة القوّية و المسيطرة على وسائل الإنتاج ، هذا الانحياز يؤدي إلى انقسام المجتمع إلى طبقتين متصارعتين .

- الصّراع السياسي بعد الصّراع الطبقي.

- الدولة هي نتيجة لهذا الصّراع و بالتالي فهي تزول بزوال هذا الصّراع.

- يعطي أهمية للمجتمع و يراه هو الذي يشكل الدولة و يقرّر و يحدّد طبيعتها.

7- الدّين:      يصّف ماركس الدّين بأنَّه "أفيون الشعوب" أي أنَّه مخدّر النَّاس يمنعهم من الثورة على الاستغلال الطبقي الذي يعانون منه.

يقول ماركس " أنَّ العقائد الدّينية ليست سوى مجموعة من الأوهام التي لا أساس لها من العلم ".

3- أهم الانتقادات التي وجهت إلى المدرسة الماركسية:

3-1- بعض أفكار ماركس يكتنفها الكثير من الغموض (المادّية الجدلية و التاريخية) كما أنَّ هذه الأخيرة هي نظرية كلاسيكية و لم يكن ماركس هو أوّل من ابتدعها.

3-2- لم يستطيع ماركس أن يفصل بين البناء التحتي و الفوقي نظراً للتداخل الموجود بينهما ، و كل منهما له أهمية و لكنّه ركز على العوامل الاقتصادية فقط.

3-3- أراد ماركس من خلال آراءه و أفكاره إلغاء الطبقية و لكن هذا الأمر مستحيل نظراً لاختلاف الأفراد في القدرات و الطموح ....الخ

3-4- إنَّ آراءه حول المادّية للتاريخ و تأكيده على أنَّ كل التغيّرات السياسية و الاجتماعية التي تحدث في تاريخ الإنسانية ترجع  فقط إلى الصّراع الطبقي ، و لكن قد يحدث الصّراع نتيجة أسباب أخرى.

3-5- حرص ماركس على تحليل عملية انهيار النظام الرأسمالي ، و لكن ثبت تاريخياً أنَّ العكس هو الذي حدث و انهارت الشيوعية في الاتحاد السوفياتي.

المحاضرة الثامنة : المدرسة الإسلامية

مقدمة:

إنَّ النظرية الإسلامية هي البديل العربي المقترح لتجاوز السوسيولوجيا الغربية ، و قد ظهر هذا البديل منذ سنوات السبعينات من القرن الماضي و كان الهدف تأصيل علم الاجتماع تأصيلاً

حقيقياً و تأسيسه على أسس إسلامية محظة بدل الانغماس في التبعية و التقليد و الإنطاق من الفلسفات الغربية ذات الأبعاد المادّية و التجربية و الوضعية ، و هذا يعني أنَّ النظرية الإسلامية ترفض المفهوم الوضعي للعلمية و التبعية العمياء لعلم الاجتماع الغربي أو لعلم الاجتماع الشرقي الروسي و في الوقت نفسه تدعو إلى بناء مجتمع عربي إسلامي قوّي في ضوء السوسيولوجيا المعيارية (إخضاع الأشياء لمقاييّس محددّة تقيم من خلالها معيارية – اقتصادية – سياسية – أخلاقية) و الاعتماد على القرآن و السنة و الفكر الإسلامي و الفكر الإنساني في بناء السوسيولوجيا البديلة و رفض النزعات الذاتية و المادّية و التوجهات الوضعية و الإيديولوجية و الثورة على الفكر الإلحادي و الإباحية و التمييّز بين الثابت و المتغيّر في البحث السوسيولوجي و تجاوز التفسير الأحادي نحو النظرة الشمولية الكلّية في فهم المجتمع.

إذاً ما المقصود بالنظرية الإسلامية في مجال السوسيولوجيا؟ و ما سياقها التاريخي؟ و ما هي أهم مرتكزاتها  النظرية و المنهجية و التطبيقية ؟ و من هم روّادها و ممثلوها ؟ و ما هي أهم الانتقادات الموجهة إلى هذه النظرية ؟

1- مفهوم النظرية الإسلامية في مجال السوسيولوجيا:

يقصد بها أسلمة علم الاجتماع موضوعاً و منهجاً و تصّوراً و رؤيةً و مقصدية ، حيث تمثل العقيدة الربانية في التعامل مع المواضيع الاجتماعية و الاحتكام إلى المعيار الأخلاقي و القيّمي في التعامل مع الوقائع و الظواهر المجتمعية و تقديم الحلول ضمن رؤية إسلامية بعيدة عن الطائفية و المذهبية و العرقية و استحضار العقل الإسلامي في التحليل و التشخيص و التركيب و إقتراح الحلول الإسلامية الممكنة في معالجة الظواهر الاجتماعية و توجيه المجتمع و تعديله يقول الباحث المغربي محمد محمد أمزيان " غير أنَّ طائفة من المؤلفين أدركوا المعنى الحقيقي لأسلمة العلوم الاجتماعية الذي يتمثل في ضرورة حضور العقل الإسلامي في التحليل و التفسير و إخضاع الأفكار الاجتماعية للمذهبية الإسلامية"

و يمكن الحديث عن تيارين ضمن النظرية الإسلامية لعلم الاجتماع تيّار أول يربط أسلمة العلوم الاجتماعية بالمواضيع المتصلة بالإسلام تراثاً وواقعاً و الثاني يربط ذلك بالعقائدية الإسلامية.

2- السّياق التاريخي للنظرية الإسلامية:

ظهرت في السبعينات من القرن الماضي كرد فعل على الكتابات السوسيولوجية الوضعية (اوجيست كونت – دوركايم – سان سيمون – هربرت سبنسر ) من جهة و الكتابات السوسيولوجية الماركسية ( ماركس – إنجلز – لينين و ماوتسيتونغ) من جهة أخرى و على هذا الأساس ظهرت دعوات جديدة لتأصيل علم الاجتماع في الوطن العربي يمكن تصنيفها إلى ثلاث تجارب سوسيولوجية كبرى هي :

1- تجربة علم الاجتماع العربي.

2- تجربة علم الاجتماع القومي.

3- تجربة علم الاجتماع الإسلامي.

و الهدف كان العودة إلى الذات العربية أو القومية و محاولة تأصيل علم الاجتماع العربي إمَّا ضمن منظور عروبي ، و إمَّا ضمن منظور قومي ، و إمَّا ضمن منظور إسلامي مع رفض المنطلقات المنهجية و الفلسفية الغربية لذلك سارع الباحثون إلى قراءة اجتماعية للتراث العربي ، و دراسة الوضع الاجتماعي العربي الحالي في ضوء تراثنا و خدمة الأهداف القومية للأمة العربية و إغناء التراث الاجتماعي و الإنساني بجهود الكتاب السوسيولوجين العرب.

و من أهم السوسيولوجين الذين دافعوا عن علم الاجتماع القومي الباحثان المصريان أحمد الخشاب في كتابه "التفكير الاجتماعي دراسة تكاملية للنظرية الاجتماعية" و عبد الباسط عبد المعطي في كتابه "إتجاهات نظرية في علم الاجتماع" و من جهة أخرى يعَّد السوسيولوجي العراقي "معن خليل عمر" من المدافعين الغيورين عن علم الاجتماع العربي كما يتجلى ذلك واضحاً في كتابه " نحو علم اجتماع عربي"

3- روّاد النظرية الإسلامية:  

هناك مجموعة من الباحثين الذين تبنو النظرية الإسلامية في دراسة علم الاجتماع في دراسة علم الاجتماع إمَّا كليّاً أو جزئياً و منهم :                                                                                       1- زيدان عبد الباقي في كتابه " علم الاجتماع الإسلامي".

2- يوسف شلحود في كتابه " مدخل لسوسيولوجيا الإسلام" و الذي صدر بالفرنسية سنة 1958.

3- سامية مصطفى الخشاب في كتابها " علم الاجتماع الإسلامي".

4- زكي محمد إسماعيل في كتابه " نحو علم الاجتماع الإسلامي".

5- صلاح مصطفى الفوّال في كتابه "المقدمة لعلم الاجتماع العربي".

4- التصّور المنهجي للنظرية الإسلامية:

ترفض النظرية الإسلامية في علم الاجتماع التصّورات السوسيولوجية الوضعية و الماركسية من جهة كما ترفض دراسة واقع المجتمع العربي في ضوء النزعات العربية و القومية و الفئوية و الطائفية و الحزبية و الإيديولوجية و الإثنية و عليه فهي تهدف إلى دراسة الظواهر الاجتماعية من منظور المنهج الإسلامي موضوعاً و منهجاً و رؤيةً و مقصديةً و بالتالي التركيز على المنظومة الأخلاقية الإسلامية حيث تمثل المعاييّر الدينية في الوصف و التشخيص و الوصف و التقويم و تبني العقيدة الإسلامية في علاج المشاكل الواقعية و محاربة الإلحاد و النزعات المادّية و الإباحية و الاهتمام بدراسة التراث الاجتماعي و الاستفادة من النظريات الاجتماعية الثافبة  عند علامائنا المسلمين أمثال الكندي – الفرابي – ابن سينا  و الغزالي و ابن خلدون و غيرهم.

كما شدَّد المنظور الإسلامي على ضرورة التحرّر من النزعات و الأهواء الذاتية و الابتعاد عن التحيّز و التوجهات الإيديولوجية و تحديد الثابت و المتغير في المعتقدات و الأخلاق و التشريع و الاجتماع و ضرورة تجاوز التفسير الأحادي و التزام النظرة الشمولية في تحليل قضايا الإنسان و المجتمع فهماً و تفسيراً و تأويلاً.

وعليه يمكن القول أنَّ المنهج الإسلامي يعتمد على:  

الوحي – العقل – التجربة – كما يحتكم إلى المعاييّر الأخلاقية و استحضار العقيدة و التوحيد و نبذ الإلحاد.

و يدرس : الظواهر و الوقائع المجتمعية المدركة بالملاحظة و دراسة المواضيع الغيبية.

و يسعى : إلى التوجيه و الإصلاح في ضوء رؤية ربانية.

و عليه يمكن القول أنَّ علم الاجتماع الإسلامي لا يعتبر فرعاً من علم الاجتماع بل يقابله و يتخذ من المذهبية الإسلامية إطاراً تفسر في ضوئه كل الجزئيات و تنتظم فيه كل الفروع.

المحاضرة التاسعة : المدرسة السلوكية

مقدمة:

 سيتّم التطرق في هذه المحاضرة إلى نشأة المدرسة السلوكية ن بالإضافة إلى التطرق إلى أهم روّادها و أهم المفاهيم و الأفكار التي ركزت عليها هذه المدرسة و ذلك في ضوء عملية التحليل السلوكي.

1- نشأة المدرسة السلوكية : جاءت نشأتها نتيجة للأبحاث التي جرت تجاربها على الحيوانات مثل تجارب بافلوف بالإضافة غلى أنَّها جاءت كرد فعل لظهور علم النفس الدينامي على يد فرويد و كرد فعل أيضا على الطريقة التي كان يستخدمها علماء النفس الأوائل مثل فونت ، و قد ظهرت هذه المدرسة في أوائل القرن العشرين على يد عالم النفس الأمريكي "جون بي واطسون" كما جاء بعده عدد من علماء النفس الأمريكيين الذين أكدوا على نظريته و عملوا على انتشارها مثل إدوارد ثورندايك – كلارك إلهال – إدوارد تولمان – و بي إف سكينر .

2- أهداف هذه المدرسة: جاءت هذه المدرسة لتثبت أنَّ علم النفس يجب أن يهتم فقط بدراسة السلوك الذي يخضع للملاحظة (السلوك الظاهري) و ذلك بالاعتماد على المنهج التجريبي رافضةً بذلك منهج الاستبطان الذي كان يعتمد عليه علم النفس التقليدي.

3- أسباب ظهور هذه المدرسة: هناك عدّة أسباب ساعدت على ظهور المدرسة السلوكية من بينها:

3-1- ظهور اتجاهات سابقة نادت بالموضوعية قبل المدرسة السلوكية و اغلبهم كانوا فلاسفة امثال ديكارت و أوجيست كونت مؤسس النظرية الوضعية في علم الاجتماع.

3-2- ظهور الاهتمام بعلم النفس الحيوان.

4- أهم أقطابها:  

4-1- جون بي واطسون: ولد عام 1878 و توفي عام 1958 حصل على الماجستير عام 1900 و حصل على شهادة الدكتوراه عام 1903.

موقف واطسون من علم النفس: علم النفس بالنسبة له هو فرع من (العلم الطبيعي) الذي يتخّذ السلوك الحيواني و الإنساني موضوعاً له.

تتلخص نظريته في نقطتين أساسيتين هما :

1- التنبؤ بالاستجابة على أساس معرفة المثير.

2- التنبؤ بالمثير على أساس معرفة الاستجابة.

و يعني هذا أنَّ السلوك مكوَّن من عناصر للاستجابة و تحليله يتّم من خلال مناهج البحث العلمية و الموضوعية (المنهج التجريبي) و قد رفض واطسون الصفات الوراثية و رأى أنَّ البيئة هي فقط التي تؤثر على السلوك.

4-2- إدوارد تولمان: أمريكي ولد عام 1886 و توفي عام 1959 هو أحد أعمدة المدرسة السلوكية درس الهندسة ثمَّ تحوّل إلى علم النفس و حصل على الدكتوراه عام 1915 .

موقف تولمان من علم النفس: سلوكيته قصدية و بيَّن ذلك من خلال كتابه " السلوك القصدي عند الإنسان و الحيوان" الذي أصدره عام 1932 فقد زواج تولمان بين القصد و السلوك و رفض الاستبطان بمعنى أنَّ السلوك يكون موجهاً بدافع ما (تحقيق غاية)

الاختلاف بينه و بين واطسون: لم يكن تولمان مهتماً بدراسة السلوك في إطار المثير و الاستجابة و لم يركز على وحدات عناصر السلوك مثل نشاط الأعصاب أو العضلات مثلما فعل واطسون بل ركز على الاستجابة العامة للكائن الحيّ و الشيء الجديد الذي جاء به تولمان هو " مفهوم العوامل المتداخلة" فالسلوك عنده أسباب ترجع إلى:

- المثيرات البيئية – الحوافز الفيزيولوجية – الوراثة – التدريب السابق – السّن.

3- أودين جوثري : 1886 – 1959 أمريكي حصل على الدكتوراه عام 1912 عارض وجود صلة بين الحوادث السلوكية و بين المخ و الجهاز العصبي توصل إلى نظرية في التعلّم عرضها في كتابه "مبادئ التعلم" أصدره عام 1935 و تتلخص نظريته في قانون "التكرار" و هو أنَّه أي استجابة تحدث في موقف معيّن ترتبط بهذا الموقف .

4- كلارك هل: 1884- 1952 أمريكي حصل على الدكتوراه عام 1918 له كتاب شهير " مبادئ السلوك" أصدره عام 1943 و تتلخص نظريته في:

4-1- هناك تفاعل مستمر بين الكائن الحيّ و البيئة.

4-2- الملاحظة يجب أن تكون موضوعية.

5- برهس سكنر:  ولد عام 1904 حصل على الدكتوراه عام 1931 من أهم مؤلفاته " العلم و السلوك الإنساني" أصدره عام 1953.

 

                                                           

 

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                     

 

 

 



-جميل حمداوي ، أسس علم الاجتماع. شبكة الألوكة ، 2015 ، ص 74.[1]

- نفس المرجع ، ص 74[2]

- جمال معتوق ، منهجية العلوم الاجتماعية و البحث الاجتماعي . الجزائر ، بن مرابط ، ط 1 ، 2009، ص 156.[3]

- جميل حمداوي ، المرجع السابق ، ص 74.[4]

- نفس المرجع ، ص 74.[5]

- محمد عبيدات و آخرون ، منهجية البحث العلمي القواعد و المراحل و التطبيقات . عمان ، دار وائل للنشر ، د ط ، 1999 ، ص 36.[6]

- جميل حمداوي ، المرجع السابق ، ص 75.[7]