محاضرات في علم النفس الاجتماعي المدرسي - د/ بوداني

المحاضرة رقم01: التنشئة الاجتماعية

تعد التنشئة الاجتماعية محورا أساسيا من محاور التنشئة في علم النفس الاجتماعي، إذ لقيت اهتماما بالغا من طرف الباحثين في العديد من الميادين النفسية والاجتماعية، حيث تعد التنشئة الاجتماعية مرجعية أساسية لتكوين سلوك الفرد الاجتماعي وآلية هامة لتحقيق التكيف والاندماج الاجتماعي.  

1.    مفهوم التنشئة الاجتماعية:

هي العملية التي تتشكل من خلالها معايير الفرد ومهاراته واتجاهاته وسلوكه ،التي  يبدأ تشكيلها وإستدخالها منذ اللحظة الاولى ويستمر تشكيلها طيلة حياة الفرد، وهي أوسع من أن تكون تعلم رسمي يتم في مؤسسة تعليمية محددة ّ، انما يساهم في تشكيلها جميع المؤسسات التربوية والتعليمية  والاعلامية والدينية والثقافية.

يعرفها حامد زهران بأنها:

عملية تعلم و تعليم وتربية تقوم على التفاعل الاجتماعي ،و تهدف إلى اكتساب الفرد سلوكا و معايير معينة و اتجاهات مناسبة ( أحمد الكندري 2005: ص 154).

و تعرف أيضا بأنها:

 عملية التشكيل و التغير و الاكتساب التي يتعرض لها الطفل في تفاعله مع الأفراد و الجماعات وصولا به إلى مكانه بين الناضجين في المجتمع"(صالح محمد علي أبو جادو،2000: ص15-16).

من خلال هذا العرض يتبين لنا أن عملية التنشئة الاجتماعية عملية مستمرة ،و لا تنتهي بانتهاء مراحل الطفولة بل إنها عملية نمائية مستمرة طوال الحياة حيث يصبح الفرد عن طريقها عضوا فعالا متكيفا مع مجتمعه متعلما لقوانين السلوك وفقا للإطار الاجتماعي الذي يوجد فيه ،و هذا ما يساعده في تحقيق الأهداف التي يسعى في الوصول إليها.

2.    وظيفة التنشئة الاجتماعية:

تلقين الطفل الالتزامات الاساسية، من عادات ونظام وسلوك.

تلقين الطفل مستويات الطموح والتوازن النفسي وأساسيات التواصل  مثلها في ذلك مثل تلقين النظم الاساسية

تدعيم النظم السلوكية وجعلها سهلة وثابتة

تدعيم عملية التكيف لدى الفرد من خلال ايجاد الاليات والمكنز مات الاساسية لذلك

تعليم الفرد تمثل الادوار الاجتماعية خلال المراحل والمواقف المختلفة

اكساب الفرد المهارات الادائية والمهنية والاسرية

تلقين الفرد المعايير والقيم والاتجاهات التصورات الاجتماعية.

تحقيق عملية الضبط الاجتماعي من خلال القوانين الرسمية أو غير الرسمية الملقنة للأفراد.

3.أهداف التنشئة الاجتماعية:

إن للأسس الاجتماعية دور كبير في تحقيق توازن الشخص و توافقه و من أهم هذه الأسس التي تؤثر إلى حد كبير في تحديد معالم السلوك الفردي ،لدينا التنشئة الاجتماعية ومن أبرز الأهداف التي تسعى إليها نجد:

تحقيق التوافق والتكيف الاجتماعي الذي يتم من خلالهما تغيير سلوك ليكون منسقا مع العادات والتقاليد والمعايير والالتزامات الاجتماعية.

تكوين المفاهيم والقيم الخلقية لدى الفرد مثل التأكيد على مفهوم الذات الإيجابي لدى الفرد

 (احمد الكندري ،2005: ص،156).

"تحويل الفرد من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي بكونه يؤثر و يتأثر بأفراد جماعته"

تحقيق الأمن النفسي والصحي للأفراد، و مساعدة الفرد على الاعتماد على نفسه و تكوين له رؤية خاصة في الأمور و تعوده على حل مشكلته النفسية مع إشراف الوالدين عليه في البدايات الأولى من حياته" (مرجع سابق ،2005: ص156).

إن الهدف الأساسي للتنشئة الاجتماعية هو تكوين الشخصية الإنسانية و تكوين ذات الطفل عن طريق إشباع الحاجات الأولية له ،بحيث يستطيع فيما بعد أن يجد نوع من التوافق و التألف مع الآخرين من جهة و مع مطالب المجتمع و الثقافة التي يعيش فيها من جهة أخرى ،كما  تعمل على تحقيق التفاعل المستمر بين الأفراد من خلال ممارسة أدوارهم المتوقعة من طرف الجماعة التي تفرض بدورها شروط على الأفراد يلتزمون بها .

4.خصائص التنشئة الاجتماعية:

من خلال استعراض المعاني المتعددة لمفهوم التنشئة الاجتماعية يمكن استخلاص بعض خصائص هذه العملية على النحو التالي:

- ان عملية التنشئة الاجتماعية عملية نمو و تغيير يتحول من خلالها الفرد من كائن بيولوجي يعتمد على غيره في اشباع حاجاته البيولوجية و الفيزيولوجية الى فرد اجتماعي يراعي القواعد الاجتماعية.

- تعمل على مساعدة الفرد في ادخال قيم المجتمع و معاييره و قواعده الاخلاقية و توقعاته.

- هي عملية تعلم اجتماعي يتعلم من خلالها الفرد الأدوار الاجتماعية.

- تستخدم في عملية التنشئة الاجتماعية أساليب عدة من أجل تشكيل سلوك الفرد مثل التعليم المباشر و الملاحظة و التقليل و أساليب الإقناع و الثواب و العقاب و التقمص.

- إنها عملية مستمرة في جميع مراحل الحياة.    

5. محددات التنشئة الاجتماعية للأفراد:

  هناك عدة عوامل تساعد في نجاح عملية التنشئة الاجتماعية بعض هذه العوامل يتعلق بثقافة المجتمع و بعضها بالمؤسسات الاجتماعية و الوحدات الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد نذكر منها ما يلي :

1.5 الثقافة:

يؤثر الفرد في عمليات التنشئة الاجتماعية بالثقافة العامة للمجتمع الذي يعيش فيه لذا فلكل مجتمع بشري ثقافة خاصة به تميزه عن غيره من المجتمعات فيتشكل أفراد هذا المجتمع وفق هذه الثقافة.

فالثقافة الواحدة توحد بين أفراد المجتمع في الميول و الاتجاهات و القيم العادات و طريقة التفكير و كيفية أداء العمل ،فثقافة المجتمع تؤثر في شخصية الأفراد و الجماعات خلال عمليات التفاعل الاجتماعي عن طريق المواقف الحضارية و الثقافة التي يتعرض الفرد باعتباره يحتك بالعديد من المواقف الثقافية المختلفة كل يوم و يتفاعل مع العديد من الأفراد في المنزل و المدرسة و العمل و في الشارع" (عبد الفتاح دويدار،2006: ص 94-95).

2.5 الأسرة :

الأسرة هي أهم وأقوى الجماعات الأولية و أكثرها أثرا في تنشئة الطفل و في سلوكه الاجتماعي و في بناء شخصيته ،فالأسرة هي التي تهذب سلوك الطفل و تجعله سلوكا اجتماعيا مقبولا من المجتمع و هي التي تغرس في الطفل القيم و الاتجاهات التي يرتضيها المجتمع و يتقبلها.

و الطفل في حاجة ماسة للكبار في إشباع حاجاته البيولوجية و النفسية و لذا يلتمس الطفل رضاء الوالدين و موافقتهم على سلوكه و تقبلهم له و بذلك يمكن للطفل أن يمتص المعايير و القيم التي يعتنقها الآباء مما يساعده على عملية التطبع الاجتماعي.

لذا تقوم الاسرة بمشاركة الطفل في المواقف و الخبرات الاجتماعية المتعددة كسلوك عملي بقصد تدريبه على أساليب السلوك الاجتماعي و تلقين الطفل الأدوار و المعايير الاجتماعية المختلفة" (نفس المرجع ،2006: ص 97-98).

3.5 المدرسة:

إن المدرسة مؤسسة اجتماعية متخصصة يتلقن فيها الطلاب العلم والمعرفة وتنقل الثقافة من جيل إلى جيل ، حيث المدرسة تسعى الى تحقيق نمو الطفل جسميا، عقليا، انفعاليا واجتماعيا مما يحقق إعداد الفرد وتنشئته التنشئة الاجتماعية السليمة ليكون مواطنا صالحا في المجتمع.

كما تعتبر المدرسة مجال  رحب لتعليم الطفل المزيد من المعايير الاجتماعية و القيم  والاتجاهات و الأدوار الاجتماعية الجديدة بشكل مضبوط ومنظم فيتعود فيها الاعتماد على النفس و التنافس وتحمل المسؤولية وأداء الواجبات" (مرجع سابق،2006: ص109).

تعتبر هذه العوامل الثلاثة المتمثلة في كل من الثقافة والأسرة والمدرسة من عوامل الأكثر نفاذا وتأثيرا على عملية التنشئة الاجتماعية ، ترتبط ارتباط وثيقا بالفرد وتؤثر تأثيرا مباشرا في سلوكه ولا يتحقق هذا الاّ في تواجد عدة مؤسسات تقوم على تنشئة الفرد وإدماجه في المجتمع.

4.5 جماعة الأقران:

تلعب مجموعة الأقران أو الرفاق دورا أساسيا في عملية التنشئة الاجتماعية وتتكون مجموعة الرفاق من أطفال يشتركون مع الطفل أو المراهق في الكثير من الخصائص مثل المستوى الاجتماعي والمستوى التعليمي، لذا نجد أن الطفل يتفاعل مع هذه المجموعة ويطور طرقا للتعامل معها ويدرك مكانته وشعبيته من خلالها وبالتالي يطور مفهومه عن ذاته بمساعدة هذه المجموعة" (مرجع سابق،206: ص 507).

-      إن الأساليب الوالدية المستخدمة في التنشئة الاجتماعية سواء التعليمات المباشرة أو التعلم بالملاحظة والتقليد أو التغذية الراجعة أو التقمص أو المدرسة أو جماعة الأقران  تعمل بشكل تفاعلي تكاملي في التأثير على شخصية الأبناء وفي عملية تحويلهم من كائنات بيولوجية إلى كائنات اجتماعية وكل هذا بوجود الأسرة بحيث لها الدور الفعال في عملية التنشئة الاجتماعية.

الفرد :

يكون الطفل منذ الولادة بفعل التنشئة الاجتماعية  قواعده ومعاييره و قيمه و اتجاهاته و بناءات اجتماعية عديدة منتظمة و مع ذلك تتعرض للتغيير باستمرار نتيجة  وظيفة أنماط التفكير و الادراك والشعور واللاشعور لدى الفرد. 

الميراث البيولوجي:

يعتبر الميراث البيولوجي أساسي في عمليات التعلم والتكيف الاجتماعي  حيث تعد سلامة الجهاز العصبي وغيره من أجزاء الجسم الإنساني وغدده  متطلبات أساسية و ضرورية لعملية التنشئة الاجتماعية لدى الفرد"

الطبيعة الانسانية:

تتضمن الطبيعة الإنسانية على تمثل دور الآخرين وكذلك القدرة على الشعور بمثل مشاعرهم والقدرة على التعامل بالرموز والاشارات المتعارف عليها اجتماعيا و هذا يعني إعطاء المعنى للأفكار المجردة و معرفة الكلمات و الأصوات و الإيماءات

وتعد التنشئة الاجتماعية أحدى مظاهر التفاعل الاجتماعي التي يتم من خلالها يتم ترتيب الأحداث و المواقف الاجتماعية لتساعد الفرد على اكتساب أنماط سلوكية تسهل عملية اندماجه في المجتمع و كل هذا يكون في إطار توفر الشروط الثلاثة المتمثلة في الفرد -الميراث البيولوجي -الطبيعة الإنسانية حيث أن استمرار هذه العملية متوقف على هذه الشروط و مدى فعالية الفرد و قدرته على التفاعل مع المجتمع الذي يتطلب بدوره خصائص معينة لنجاح عملية التنشئة الاجتماعية.

 

المحاضرة رقم 02:

6.أسس ومبادئ عملية التنشئة الاجتماعية:

1.6 التعلم من خلال الملاحظة و التقليد:

تشير الدراسات إلى أن الأبناء يمكن أن يتعلموا كيفية القيام بأدوارهم الاجتماعية ،من خلال عملية الملاحظة والتقليد فيتعلمون أداب الزيارة وأدأب الحديث وأدأب مخاطبة الوالدين وصلة الرحم من خلال ذلك، كما يتعلمون كيف يقومون بالسلوك الملائم لأدوارهم المرتبطة بالجنس وأدوار العمل والمهن المختلفة.

ويشكل الوالدين والأخوة والأخوات والراشدون في الأسرة الأكبر نموذجا أمام ناظري الطفل يراقبه ويتعلم منه ويقلده في سلوكه المعرفي و المهارى و الانفعالي والاجتماعي.

فيمكن أن يتعلم الطفال السلوك العدواني من خلال الملاحظة والتقليد ،كما يمكن أن يتعلموا كف هذا السلوك أيضا، إذ يتعلم الأفراد خلال عملية التنشئة الاجتماعية كف كثير من السلوكيات غير اللائقة اجتماعية" (مرجع سابق ،2006: ص 502-503).

2.6         التغذية الراجعة:

هو انتقال المعلومات التي تسمح بتحسين الاستجابات الحركية أو المعرفية التي تعتمد على المعلومات السابقة للاستجابة السابقة.

أي هي رجوع الاستثارات الى مركز ضبط حيث تلعب دورا في انتاج مزيدا من الضبط، كما يحدث في حالة الاستثارة الناتجة عن الفاعلية الراجعة الى الدماغ "( مجدي عزيز ابراهيم، 2006: ص،1118)

3.6 التقمص:

يمكن تعريف التقمص على أنه توحد الطفل مع النمط الكلي لسمات نموذج ما ودوافعه واتجاهاته وقيمه وأفكاره ومشاعره وتكرار أداء السلوكيات التي يمارسها النموذج إلى حد الاتساق والإتقان.

ويتضمن التقمص وجود مشاعر ودية وعوطف قوية لدى الطفل تجاه النموذج وهذا يميزه عن مجرد التقليد إذ يمكن أن يقلد الطفل سلوك نموذج ما دون أن يكون لديه ميل عاطفي نحوه، إضافة إلى أن السلوك المكتسب عن طريق التقمص وكأنه ذاتي أي سلوك خاص بالطفل ويتضمن التقمص عمليتين على النحو التالي:

-أن يعتقد الطفل أنه يشبه في صفاته شخصا أخر.

-أن يندمج الطفل مع هذا الشخص في عواطفه وانفعالاته وسلوكه وكأنهما يقوم بذلك عوضا عن ذلك الشخص كبديل له" (مرجع سابق،2006: ص 505).