الدكتورة: الزهرة سهايلية/ قسم اللغة العربية وآدابها/المستوى الثاني/الشعبة اللغوية

محاضرات في النقد الأدبي الحديث

المحاضرة الأولى والثانية: مدخل إلى النقد العربي الحديث(1، 2)

مقدمة: لقد أفاق النقد العربي الحديث على وقع ضجة قوية زحزحت قاعدة الشعر العربي ودكت حصونه المنيعة، وذلك عن طريق زمرة من النقاد توجهوا بطموحهم إلى بعث الشعر العربي والرقي به، وتجديد دمائه بما يتلاءم وروح العصر، آخذين في ذلك أفكار أهم التيارات النقدية، والفنية، والفلسفية و الأدبية الحديثة في العالم.

1-مفهوم النقد الأدبي: النقد الأدبي هو الكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الأعمال الأدبية و يعتبر النقد دراسة للأعمال الأدبية والفنون وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها والكشف عن مواطن القوة والضعف والجمال والقبح وبيان قيمتها.

2-مفهوم النقد الأدبي الحديث:

أخذ النقد الأدبي الحديث يتجه نحو المنهجية العلمية فأصبح علمًا قائمًا بذاته مستقلًا في اصطلاحاته وتصنيفاته العلمية عن سائر العلوم التي تسعى لتفسير الأدب وشرحه وتتبّع ترجمة أصحابه. فالنقد الأدبي الحديث إذًا هو تعبير عن موقف كلي متكامل في النظرة إلى الفنون عامة أو إلى الشعر خاصة ويقصد به القدرة على التمييز والقدرة على التفسير والتعليل والتحليل والتقييم.

3- السياق الزمني للنقد الأدبي الحديث:

للسياق الزمني علاقة مباشرة بدلالة مصطلح " الحديث "، إذ اتفق معظم الدارسين على أن مصطلح " حديث"،  يستعمل للدلالة على كل الكتابات النقدية التي أنتجت في الفترة الممتدة من بداية النهضة العربية و التي يؤرخ لها بحملة نابليون على مصر (1798 ) .

4-عوامل نشأة النقد الأدبي الحديث:

استمد النقد الأدبي العربي الحديث حياته من واقع الحياة العربية الجديدة، والبعث الذي بدأ يدب في أوصال الفكر والأدب منذ القرن19م. وقد اتجهت النهضة الفكرية وجهات ثلاث: الدعوة العربية والدعوة الإسلامية والدعوة الأوروبية، واتخذت كل دعوة من هذه الدعوات الثلاث سبيلها إلى الفكر العربي عن طريق ما ألف وكتب المؤمنون بها من كتب ومقالات .وكان نصيب الأدب من هذه الدعوات الثلاث نصيب غيره من جوانب الفكر والفن، فهو الأخر قد تنازعته أيضا هذه الاتجاهات:

اتجاه دعا إلى بعث الأدب العربي القديم والاستعانة بروائعه لبناء النهضة الأدبية الحديثة، فاستعان الشعراء بما نظم أبو نواس وأبو تمام والبحتري وابن الرومي والشريف الرضي والمتنبي وغيرهم من فحول الشعر العربي القديم، وحاولوا تقليدهم أولا ثم محازاتهم(انحاز مال) ثم معارضتهم ومحاولة التفوق عليهم بما اكتسبوه من إمكانيات لم تكن لسابقيهم. وحاول النقد الجديد أن يلحق بهذه الحركة الجديدة في الشعر فيرعاها ويؤيدها ويدعو لها، من شعراء هذا الاتجاه البارودي ومن نقاده حسين المرصفي.

واتخذ الاتجاه الاسلامي سبيله إلى النقد عن طريق توجيه الشعر نحو المبادئ الاسلامية ومطالبة الكتاب والشعراء بإحياء تلك المبادئ والسير على هداها، وعدم الخروج على ما توارثناه من القيم الدينية. وكان الاتجاه الاسلامي ينحو أحيانا ناحية المحافظة والجمود ويخرج أحيانا من عقال الجمود منطلقا مجددا مستعينا بالفكر الحديث متطورا بين مقتضيات العصر موفقا بين الدين والحضارة قدر الإمكان. لكن هناك بعض الكتاب الغربيين تهجموا على الإسلام باعتباره منبعا للجمود والرجعية وعدم مسايرة الفكر والأخذ بأساليب العقل ومثال ذلك ما ظهر بين هنوتو(وزير الخارجية الفرنسي) الفرنسي ومحمد عبده.

أما الاتجاه الثالث فهو الاتجاه الأوروبي فقد بدت دلائله واضحة على الأدب والنقد، في كتابات كثير من الكتاب الذين ثقفوا ثفافة غربية، وقد تحمس لهذه الدعوة رهط من الأدباء الشاميين فدعوا إلى الأخذ بأسباب التطور التي توجد في أدب الغرب والتنازل عن بعض السمات والملامح التي تطبع أدبنا وتعوقه عن السير في طريق التطور.

 

 

 

المحاضرة الثالثة: النقد الإحيائي:

مقدمة: لاشك أن نهضتنا الأدبية الحديثة بدأت تؤتي ثمارها في النصف الأخير من القرن19م، وإن هذه الأخيرة مهدت لها عوامل عدة من المؤكد أن أهمها كان بعث التراث العربي القديم بفضل الطباعة الحديثة التي وفدت إلى مصر بمجيء الحملة الفرنسية التي كانت إيجابية على مختلف الأصعدة.

1-مفهوم النقد الإحيائي: الإحياء هو القاعدة الأساسية التي قامت عليها النهضة وهو ليس ببعث ميت، وإنما عودة إلى عصور الصحة والسلامة لاتخاذها مثلا عليا يحتذا بها، والنقد الإحيائي هو الكشف عن التقاليد الفنية الجوهرية للشعر القديم ومحاولة التأسيس على نمطها(الكشف عما هو جوهري في الشعر القديم).

2-عوامل نشأة النقد الإحيائي: من بين عوامل نشأة النقد الإحيائي:

"-انتشار الثقافة الأدبية لتعدد المعاهد العلمية كالمدارس والجامعات إضافة إلى النوادي الأدبية والمجامع كالمجمع العلمي في دمشق والمجمع اللغوي في مصر.

-طباعة العديد من الكتب بفضل ظهور المطابع.

-ذيوع الأدب الغربي الحديث في محيطنا ومدى تأثر الأدباء والنقاد به بغية الاستنهاض بأدبهم.

-معارضة الأدب العربي القديم من طرف الأدباء المتخرجين من الجامعات والمعاهد الأوروبية.

-تأثير الحضارة على الحياة بمختلف ميادينها مما أثر على الأدباء والنقاد أنفسهم فحاولوا تغيير الإبداع بالتعبير عن مظاهر الحياة الجديدة.

3-أعلام النقد الإحيائي:

*أحمد حسين المرصفي: يعد أحمد حسين المرصفي قائد حركة البعث في النقد الأدبي الحديث، وقد جهل مولده لعدم الاهتمام به. وعليه تم الاكتفاء بذكر(لا نعلم تاريخ مولده، وإنما نعلم أنه توفي في 5جمادى الثانية 1307ه 1889م).درس بالأزهر الشريف، وكان أستاذا للأدب والعلوم العربية به. وبدار العلوم بالخديوية، وبمدرسة المعلمين العليا. له عدة كتب من بينها الكلمات الثمان وهو كتاب سياسي شرح فيه حقوق المواطن وأصول الدولة الحديثة من خلال ثمان كلمات هي: الأمة/الوطن/الحكومة/ العدل/ الظلم/السياسة/ الحرية/ التربية.في سنة 1827 ألف المرصفي كتابه (الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية).

*التعريف بكتاب الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية: الكتاب هو عبارة عن سلسلة من المحاضرات كان يلقيها الناقد بالمدرج الكبير الموسوم ب(دار العلوم) بسرايا درب الجماميز."اختير لإلقاء المحاضرات جماعة من المبرزين في نواحي العلم المختلفة من مصريين وأجانب. ووقع الاختيار على الشيخ أحمد حسين المرصفي ليلقي محاضرتين في علوم الأدب في يومي الأحد والأربعاء من كل أسبوع وكان زمن المحاضرة الواحدة ساعة ونصف ساعة".

تم جمع هذه المحاضرات في كتاب عُنون ب(الوسيلة الأدبية إلى العلوم العربية) وهو من أهم الكتب النقدية التي ظهرت في أواخر القرن19م. يبدأ الكتاب بتمهيد نظري يشرح تعريفات اللغة والأدب، ثم يأتي القسم الأول في فقه اللغة ثم قسم النحو ومقدمته وقسم الصرف ومقدمته، ثم يفرد مكانا لعلم البلاغة وفنونه معاني-بيان- بديع. وآخيرا يأتي فن العروض والقافية بذكر البحور الشعرية وأنواع القوافي، ثم يذكر أنواع أشكال الشعر كالموشح والزجل. وتعرض أيضا لمختارات من جيد الشعراء ومنثور الأدباء، كما أنه ذكر في هذا الكتاب بعض قواعد الإملاء التي تساعد على التدريبات الكتابية.

*أهم ما ورد في الكتاب:

-ضرورة ملازمة الأديب للعلوم العربية والبلاغية إذا ما أراد لأدبه الكمال أي على الأديب أن يبلغ ذروة الفصاحة. يقول: "أصول أدب طائفة العلماء أن يعرفوا القراءة والكتابة، وصحة الكلام...وذك بمعرفة علوم البلاغة ومقاصدها من علوم العربية".

 

 

-ضرورة الإلمام بكل العلوم اللغوية والأدبية وإقامة العلاقات الاجتماعية بين الناس.

-مخالفة النقد العربي القديم إذ لم يركز على تحليل العمل الأدبي من الوجهة البلاغية واللغوية فحسب، بل ذهب إلى أبعد من ذلك بتركيزه على طبيعة الأديب الداخلية ومزاجه الذي يؤثر في سلوكه ومن ثمة في الفهم والتحصيل والإبداع الأدبي. يقول: "إن من يتصدى لإنشاء الكلام نثرا كان أو نظما يجب أن يكون فيه استعداد طبيعي لأمور اختيارية وذلك بأن يكون ذا حافظة قوية وفهم ثاقب..."

-التزام الوحدة العضوية للقصيدة.

-قام منهج المرصفي النقدي على بعث مناهج القدماء وذلك من خلال الموازنات التي أجراها بين الشعراء القدامى والمحدثين. إذ اعتبر أن شعر القدامى تغلب عليه الصلابة أما شعر المحدثين فيغلب عليه التكلف والصنعة.

وعليه فالمرصفي عد من أبرز رواد النقد الأدبي الحديث ومؤسسيه الأصليين فبتأسيسه كتاب الوسيلة الأدبية استطاع أن يمهد السبيل للمجددين الذين ظهروا في أواخر القرن19م.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الرابعة: إرهاصات التجديد في النقد الحديث

مقدمة: حصل تطور كبير في نقدنا العربي في العصر الحديث و ذلك بعد اتصال أدبنا العربي الحديث بالآداب والمذاهب النقدية الغربية .

1-مفهوم النقد التجديدي: هو عبارة عن نظريات جديدة أقحمت على نقدنا العربي الحديث إقحاما شديدا محاولة التنكر لمنهجنا النقدي العربي الأصيل وإبعاد النقد عن الذاتية والتأثرية وجعله موضوعيا يقوم على قواعد ثابتة من العلم والموضوعية.(أي محاولة هدم القواعد الكلاسيكية في النقد أو النظريات الموروثة في النقد).

2-المذاهب والمدارس النقدية الأدبية الغربية وتأثيرها في الأدب العربي الحديث ونقده:

أ-مذهب التطور: مذهب التطور هو مذهب فلسفي عند داروين، قام سبنسر انجليزي بتطبيقه على الأخلاق وعلم النفس وعلم الاجتماع، وأخذ برونتيير يطبقه على الأدب إذ كتب عن تطور النقد وتطور الشعر الغنائي والمسرح، ورأى بأن الوعظ الديني في القرن17م قد تحول إلى شعر غنائي رقيق هو الشعر الرومانتيكي في القرن19م.

ب-مدرسة التحليل النفسي: قاد هذه المدرسة فرويد طور هذه المدرسة بكترف الروسي عام1967م إلى علم النفس التجريبي، وقد كان لعلم النفس صدى قوي ومؤثر وعميق في النقد حتى غدت الفرويدية من أقوى العوامل في التوجيه الأدبي والفكري في أوروبا، من بين من مثل النقد النفسي في فرنسا شارل مورون وغاستون باشلار. أما عند العرب فعز الدين اسماعيل في كتابه التفسير النفسي للأدب.

ج-مذهب الفلسفة الجمالية: دخلت الفلسفة الجمالية إلى النقد من أوسع أبوابه وصلة فلسفة الجمال بالفن والأدب بمثابة صلة المنطق بالرياضيات. وقد امتدت فلسفة الجمال إلى الفنون الأدبية، ولم تعد القيمة الفنية للعمل الأدبي تقاس بمقياس خارجي أو بمدى تحقيق غاية أخلاقية أو هدف. وإنما صار الحكم على الأثر الادبي من حيث قيمته الفنية.من رواد هذا المذهب الغربيين:كانط الألماني وكروتشه الإيطالي. ومن النقاد العرب محمد مندور في كتابه: منهج البحث في الأدب.

د-الفلسفة الواقعية: تهتم بالمضمون وبأهداف الفن ووظيفته وصلته بعصره وبالجماهير التي يخاطبها، وقد نشأ عن الفلسفة الواقعية (الفلسفة المادية: والفلسفة الوجودية)،الفلسفة المادية' الذات والتصورات والأفكار) والفلسفة الوجودية: الواقع والوجود). تركز الفلسفة الواقعية في الأدب على دور الأديب في التعبير عن أحداث المجتمع وقضاياه وظروفه الاجتماعية والسياسية. من فلاستها: أفلاطون وأرسطو ومن الشعراء العرب في الواقعية: بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي  ومن النقاد: محمد غنيمي هلال وجورج طرابيشي.

3-تأثر النقد العربي الحديث بالرومانسية الغربية:

  أ-تعريف الرومانسية: (مفهوم الرومانسية موجود في محاضرة النص الأدبي الحديث).

ب-تأثير الرومانسية في النقد العربي الحديث: كان للرومانسية نتائج بعيدة الأثر في الأدب العربي الحديث ونقده إذ صار الرومانتيكيون ينظرون إلى الأدب على أنه من نتاج الفرد وعبقريته لا أراء وأفكار تصب في قوالب مصنوعة، وقد تأثر النقد هو الآخر بالحركة الرومانسية فأصبحت مهمته تفسير النصوص تفسيرا علميا على أنه تجربة حية للفرد في بيئة خاصة بعد أن كانت وظيفة النقد الكلاسيكي بيان مدى اتباع الكاتب للقواعد المفروضة عليه وقياس براعته بمقدار خضوعه لها. وبهذا لم يعد لقواعد الذوق السليم مكان في الأدب الجديد، لأن الأدب يتغير من فرد لفرد ومن أمة لأمة.

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الخامسة: جماعة الديوان:

مقدمة: في السنوات العشر الأولى من القرن العشرين وبعد أن ظهرت طلائع الحركة النقدية الأدبية متمثلة في روادها الأوائل البارودي شوقي وحافظ وعبد الله فكري وعلي مبارك وغيرهم، وبعد أن أحدثت هذه الحركة الجديدة من تغيير في الشعر والنثر في الموضوعات والأساليب ظهر في النقد تيار قوي يدفع هذا الاتجاه ويدعمه ويدعو له ، مثله العقاد شكري والمازني.

1-نشأة المدرسة ومفهومها : ظهرت "مدرسة الديوان في العقد الثاني من القرن العشرين، وهي تعد من المدارس الشعرية الجديدة بعد مدرسة البارودي وشوقي وحافظ ومطران، تزعمت حركة التجديد في الشعر، وألحّت في الدعوة إليه.

قام أعلامها الثلاثة شكري والعقاد والمازني بدور كبير في خدمة النهضة الشعرية وفي نشر حركة التجديد في الشعر العربي الحديث، وتسمى مدرسة شعراء الديوان نسبة إلى هذا الكتاب النقدي المشهور(الديوان)، الذي ألفه اثنان من المدرسة، وهما العقاد والمازني  وأعلنا في مقدمته أنه سيكون في عشرة أجزاء، ولكن لم يصدر منه غير جزئين صغيرين عام 1921، ومن هنا تبدو هذه التسمية غير دقيقة لأن عبد الرحمن شكري كان فيه منقودا لا ناقدا، وقد أحدث هذا الكتاب الصغير ضجة كبيرة في الجو الأدبي والشعري في مصر في والعالم العربي، وكان له تأثيره على شوقي والمنفلوطي، وغيّر من نظرية عمود الشعر القديمة، وعلى الرغم من أن عبد الرحمن شكري فارق زميليه وتركهما وحدهما في الميدان. إلاّ أنّه يعدّ الرائد الأول لهذه المدرسة، وإمامها الذي اقتدت به، وهؤلاء الثلاثة ثقافتهم انجليزية ووجهتهم هي الأدب

2-المعالم النقدية لمدرسة الديوان:

-الاهتمام بالشعر وربطه بالعاطفة والخيال وبأنه صورة عكسية لواقع الحياة.

-رفض التأسيس على منوال القدماء والاحتذاء بحذوهم وذلك لا ينفي فضلهم في أدبهم ولكن ينفي مجاراتهم في كل ما صنعوه.

-التصدي للإفراط في توظيف الصور البيانية في الشعر كالتشبيه.

-التركيز على الوحد العضوية للقصيدة.

-الوزن ضرورة شعرية لأنه موسيقى بنائه الفني، أما القافية إن جاءت على صورة رتيبة فهي من  بقايا الفن البدائي.

-غاية الشعر هي توفير اللذة النفسية والعقلية لأن الشعر إذا لم يحدث المتعة النفسية والعقلية فقد خلا فعله وضاع. يقول عبد الرحمان شكري: "الغاية من الشعر هي اللذة التي يستشعرها ذوو العقول والقلوب الكبيرة، هي تلك اللذة التي تكمن في كل فن من الفنون الجميلة الرفيعة"

-التصدي لشعر المناسبات لأنه خالف مفهوم الشعر عند الغربيين وفي العصر الحديث. ويعتبر شكري أن شعر المناسبات "لا ينظم إلا موجات انفعال عاطفي فتغلى أساليب الشعر في ذهنه، وتتضارب العواطف في قلبه، أما في غير هذه النوبات فالشعر الذي يصنعه يأتي فاتر العاطفة قليل الطلاوة والتأثير".

-لغة الشعر لغة سامية . يقول عبد القادر المازني:" لا تكون لغة الشعر كلغة الناس. بل لغة تصلح لهذه الأفواه السماوية التي تجرج منها..." وطالبوا بإغفال كل لفظ وضيع مضحك.

 

 

 

 

 

 

المحاضرة السادسة: جماعة أبولو

مقدمة: ارتبط النقد التجديدي بظهور العديد من المدارس الأدبية والنقدية والتي دعت إلى التجديد والإبداع في الإنتاج الشعري شكلا ومضمونا. ومن هذه المدارس مدرسة ابولو.

1-النشأة والمفهوم: ظهرت هذه المدرسة سنة1932 شهر سبتمبر على يد الشاعر المصري أحمد زكي أبو شادي في القاهرة. وأبولو تعني رب الشعر عند الإغريق وهي مدرسة أدبية ضمت طائفة من الأدباء والنقاد والشعراء، وذاع صيتها في مختلف أنحاء العالم العربي أكدت على الإبداع وتنمية الخيال والتجديد الذي يجب أن يكون في مواجهة العصر ونادت بمبدأ الفن للفن والفن للحياة، اختار أعضاؤها الشاعر أحمد شوقي رئيسا لها ثم الشاعر خليل مطران، وقد حرصت على الافادة من الأدبين العربي والغربي حيث أخذت منهما الأخيلة والمعاني والصور، كما راعت كل مناهج الشعر ومذاهبه حيث جمعت بين الواقعية والرمزية والرومنتيكية والكلاسيكية، ولذلك فقدت المنهج المحدد وإن كان الاتجاه الغالب عليها هو الاتجاه الرومانسي من أعضائها: حسن كامل الصيرفي/إبراهيم ناجي/محمود أبو الوفا/علي محمود طه/أحمد الشايب/كامل الكيلاني/علي العناني/أحمد ضيف/زكي مبارك/عبد العزيز عتيق وغيرهم.

2-المعالم النقدية لمدرسة أبولو: بما أن مدرسة أبولو غلبت عليها النزعة الرومانسية فقد تبنت نفس مبادئها التي منها:

-الثورة على التقليد والدعوة إلى الأصالة والفطرة الشعرية والعاطفة الصادقة.

-الدعوة إلى التجديد (الصور والأفكار) وتطويع اللغة والأساليب حتى ينهض الشعر العربي من كبوته وقيوده التي طبقت عليه.

-تجنب التشبيهات المبتذلة التي كانت عند القدماء.

-توظيف الصور الجميلة والواقعية والرمزية بغية التأثير في القراء.

-التحرر من قيود الوزن والقافية حيث دعت إلى التجديد في الموسيقى وتنوع القوافي.

-رفض شعر المناسبات والدعوة إلى تنظيم الشعري القصصي والروائي والأقصوصة الشعرية.

-الرجوع إلى الذات والاتجاه إلى الشعر الغنائي العاطفي والشعر الصوفي ويظهر ذلك في شعر الشابي وحسن كامل الصيرفي والتيجاني بشير، حيث نجد لوعة الحرمان والأسى والحزن والكآبة والحديث عن العدم والفناء والموت وكذا القلق والحيرة، وهنا تأثروا بشعراء الغرب ككيتس الانجليزي واسكندر ديماس الفرنسي.

-ظهور الحب العذري الصافي الذي يظهر فيه أثر الشوق والحرمان والعذاب والألم الدفين فالحب هو جمال الروح وهذا اللون ظهر في اسبانيا وكان له أثره على الشعراء العرب في العصر الحديث.

-التغني بمظاهر الطبيعة والريف والعناية بالوحدة العضوية والوحدة العضوية أن تكون القصيدة عملا متكاملا وبنية حية تتفاعل عناصرها جميعا كما تتفاعل الأعضاء المختلفة في الجسم.

يتضح مما ذكر سلفا أن الرومانسية قد تأثرت إلى حد كبير بالاتجاه الرومانسي في الآداب الأوروبية.

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة السابعة: جماعة الرابطة القلمية

مقدمة: ظهرت مدرسة الرابطة القلمية على الساحة العربية كلون أدبي جديد في بداية القرن العشرين أو قبله بقليل، والتي يرجع سبب ظهورها إلى الأدباء العرب الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية منددين بالتقليد داعين غلى الابتكار والتجديد.

1-المفهوم النشأة والتطور: تعد مدرسة الرابطة القلمية مدرسة التجديد في الأدب العربي الحديث إطلاقا في الشعر وفي النثر على السواء، ظهرت تباشيرها الأولى عام1913م على صفحات مجلة (الفنون) التي كان يصدرها الشاعر نسيب عريضة غير أن هذه المجلة ترددت بين الصدور والتوقف إلى أن توقفت نهائيا 1918م، كان أعضاؤها آنذاك ثلاثة كتاب وشعراء هم: نسيب عريضة، جبران خليل جبران، أمين الريحاني ثم انضم إليها ميخائيل نعيمة عام1916م .بعد أن تم دراسته في روسيا وذهب لكي يتابع الدراسة في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية. وقد ظهرت المدرسة بشكل متكامل في شهر أفريل 1920م في مدينة نيويورك في جريدة السائح التي كان يصدرها عبد المسيح حداد في منزله، واتخذت منها سبيلا لنشر رسالتها في تجديد الأدب العربي  وقد ترأسها جبران خليل جبران من أعضائها: ميخائيل نعيمة/نسيب عريضة/رشيد أيوب/ووليم كاتسفليس/وديع باحوط/عبد المسيح حداد/إلياس عطا الله/إيليا أبو ماضي وغيرهم.

لم يكن أعضاء الرابطة القلمية متساوين في أدبهم وإنما الذين برزوا فيها وقدروا على العطاء الجديد خمسة: هم ميخائيل نعيمة/جبران خليل جبران/إيليا أبو ماضي/نسيب عريضة/ رشيد أيوب والباقون أعوانا وأنصارا للرابطة أكثر منهم أدباء منتجين ومبدعين. فهناك من كتب مقالا فقط. وهناك من كان خطيبا. وهناك من لم يكتب شيئا، لكن الشيء الوحيد الذي جمع هذه الفئة الصغيرة هو الروح الانسانية التي ينطلق منها أدبهم.

 

2-المعالم الأدبية والنقدية للرابطة القلمية:

-الثورة على القديم والدعوة إلى التجديد من حيث الشكل والمضمون(التنظيم على نمط الشعر المرسل والتحرر من قيود الوزن والقافية).

-ظهور الموشحات والأزجال عندهم والتي كانت منتشرة في أمريكا قبل ذهابهم إلى هناك.

-التقيد بالوحدة العضوية.

-رفض استخدام الألفاظ الجاهلية المغرقة في القدم التي توحي بجرس صوتها أو بطبيعة تركيبها أو بسبب البعد بيننا وبينها والتي تدل على تكلف الشاعر كلفظة السجنجل والعقنقل وقد أعلن خليل مطران الثورة على هذا النوع من الألفاظ يقول:

لن ترجع العربية الفصحى إلى***ما كان منها في الزمان الأقدم

-التركيز على سهولة الألفاظ والعبارات وجمالها ورشاقتها.

-ظهور تيار الرومانسية من خلال التركيز على الروح والرقة والعواطف(الجانب الوجداني).

-ظهور الشعر الملحمي والمسرحي كملحمة (على بساط الريح) لفوزي معلوف.

-الحرية في الإنتاج الأدبي(شعرا ونثرا) والحرية من آثار المجتمع الأمريكي إذ نصادف تجسيد كل من تيار الواقعية والكلاسيكية والطبيعية...وغيرها.

-التأمل في حقائق الكون في الحياة والموت والفناء ومن التأمل الحيرة والخوف كما نجد في شعر نسيب عريضة الذي يقول مخاطبا روحه الثائرة:

لماذا وقفت بخوف وحيرة***يا نفس عند الطريق الأخيرة

ألا امشي فإن الحياة قصيرة***ألا امشي

-ظهور الشعر القصصي إذ تم اتخاذ القصة الشعرية وسيلة للتعبير في قصائدهم، ومن هنا كانت القصة الشعرية لونا بلاغيا جديدا في الأداء الشعري عند أدباء المهجر.

-التركيز على الجانب الإنساني (النزعة الانسانية)(الرحمة/المساواة/المحبة/الإخاء)، حيث نجد في إنتاجهم البحث عن مجتمع أفضل مجتمع تسوده الأخلاق والمبادئ والمثل العليا.

-التغني بالطبيعة والتي لم تعد مجرد منظر نشاهده ونتغنى بجماله بل أصبحت الطبيعة تحس وتحكي مع الشاعر.

-ظهور نزعة الحنين إلى الوطن والشعور بالغربة في أشعارهم وكذا الحديث عن الحرب وويلاتها مثلما نجد في إنتاج ميخائيل نعيمة.

وعلى هذا الأساس يمكن القول أن شعراء المهجر قد أبدعوا كل الإبداع في تجديد الأدب العربي والنهوض به وذلك بتحريره من قيود التقليد والجمود لذلك أثروا بشكل مدهش ومفاجئ في كامل القطر العربي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الثامنة: النقد التاريخي:

مقدمة: يعتبر المنهج التاريخي من المناهج النقدية السياقية التي يستعين بها الناقد في دراسته للأعمال الأدبية، وهو يركز على العلاقة المتينة بين الأدب والتاريخ.

1-تعريف المنهج التاريخي: المنهج التاريخي هو منهج نقدي يهتم فيه الأديب بدراسة التاريخ، وذلك بدراسة الماضي وأحداثه. يظهر في المنهج التاريخي تأثر أعمال الأديب وإنتاجه الأدبي بأحداث عصره وقضاياه ويترتب على ذلك النظر إلى النص الأدبي على أنه حدث تاريخي من أحداث العصر وشاهد من شواهده وعليه لا يدرس النص الأدبي بعيدا عن صاحبه وعن الإطار الزمني الذي شهد مولده والبيئة التي تربى فيها. من رواد هذا الاتجاه: سانت بيف/تين هيبولت/فرديناند برونتيير/غوستاف لانسون.

2- نشأة المنهج التاريخي: ظهر المنهج التاريخي في فرنسا في القرن 19م. وقد بدأ مع الناقد الفرنسي سانت بيف(1804-1869) عندما دعا إلى دراسة الأدباء دراسة علمية تكشف عن صلتهم بعصورهم وأوطانهم والوسط الثقافي والاجتماعي الذي يعيشون، وهو أول من دعا إلى تأسيس تاريخ طبيعي للأدب، وقد تأثر بسانت بيف بعض النقاد الغربيين منهم هيبولت تين(1828-1893) الذي رأى بأن ما ينتجه العقل البشري مرده إلى ناحيتين هما: شخصية المبدع وعلاقة المبدع بعصره ولم يهتم بالناحية الأولى واهتم بالناحية الثانية وهي علاقة المبدع بعصره وبني جنسه وأرجع هذا العنصر إلى ثلاثة نقاط هي: الجنس البيئة وتأثير الماضي على الحاضر.

حذا حذو تين الناقد الفرنسي برونتيير فرديناند (1849-1906)الذي دعا إلى تطبيق نظرية داروين في النشوء والارتقاء على الأجناس الأدبية والتي يرى أنها لم تنشأ بطريق الصدفة وإنما تطورت عن فنون قديمة واستدل على ذلك بوجود تشابه كبير بين الفنون الأدبية القديمة والفنون الأدبية الحديثة كالتشابه الذي بين القصة والحكاية الشعبية والتشابه الذي بين الملحمة والمسرحية.

ويعد الناقد غوستاف لانسون (1857-1934) المؤسس الحقيقي للمنهج التاريخي الذي أرسى قواعده بجامعة السربون بفرنسا. ومن أهم منجزات لانسون أنه جمع بين قواعد البحث العلمي ومتطلبات الذوق وبذلك يكون تعرض لكتابة تاريخ طبيعي للأدب.

3-المنهج التاريخي في النقد العربي القديم: لعل ما صنعه ابن سلام الجمحي في كتابه(طبقات فحول الشعراء) يعد مثالا مهما للرؤية التاريخية النقدية التي تقيس الأدب في ضوء عوامله التاريخية التي أثرت فيه وطبعته ببصماتها. فقد خصص مباحث منه لشعراء القرى العربية وأخرى لشعراء المدينة وغيرها، وهو يوحي بأثر البيئة في كل طائفة وتميزها بالاستقلال وكذلك ما نجده في كتاب الوساطة للقاضي الجرجاني الذي حكم على شعر عدي بن الرقاع بالسلاسة وأنه أسلس من شعر الفرزدق لأنه لزم التحضر وابتعد عن جفاء الأعراب. وهناك العديد من الكتب التراثية العربية جعلت البيئة والعرق رمزا للمشاهدة النقدية وذلك طرف من أطراف الرؤية التاريخية في النقد.

4-المنهج التاريخي في النقد العربي الحديث:

-طه حسين في كتابيه "مع المتنبي"و "ذكرى أبي العلاء".

-محمد مندور في كتابيه: "منهج البحث في الأدب" "الأدب ومذاهبه".

-عباس محمود العقاد في"شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي".