مقياس: الإتصال والخدمة العمومية .

لطلبة السنة الأولى ماستر ، تخصص: إتصال تنظيمي .

المحور الثاني: الخدمة العمومية الإعلامية والإتصالية .

  تؤكد عدة دراسات على أن النموذج القائم للبث الإذاعي والتلفزيوني العمومي (الرسمي) في العالم العربي، ينتهج النموذج السلطوي التقليدي؛ حيث إن البرمجة على القنوات العربية العامة تفتقر إلى الرؤية، ولا تتوافق مع معايير الخدمة العامة للبث المتمثلة في الإخبار والتثقيف والترفيه، والالتزام بالجودة المهنية والشمولية والتنوع والديمقراطية والتشاركية.. وذلك الاحتكار الرسمي، فآداء مؤسسات البث الإذاعي والتليفزيوني في العالم العربي عموما والجزائر خصوصا، لم ينلها تغير جوهري ينقلها إلى مجال الخدمة الإعلامية المحترفة والتي تراعي المساواة والمرونة والتكيف والإستمرارية، وذلك رغم تنامي فقد الوعي العام والمطالب بحاجة الإعلام الرسمي إلى إصلاح جذري والانتقال به إلى نموذج الخدمة العامة . 

  يُقصد بالإعلام الحكومي مختلف وسائل الإعلام التي تملكها الدولة، وتشتغل تحت وصاية وزارة الإتصال، وهي تحديدًا، وسائل البث العام المتمثلة بالبث التليفزيوني الرسمي والبث الإذاعي، وكذلك الصحف العمومية ووكالة الأنباء والمؤسسة الوطنية للإشهار..الخ 

حدَّدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، في عام 2005، معايير بث الخدمة العامة، ووصفت مؤسسات الخدمة العامة بأنها أداة لضمان التعددية والاندماج الاجتماعي وتقوية المجتمع المدني، ووسيلة لتزويد المجتمع بالمعلومات الأساسية التي تُمكِّن الأفراد من اتخاذ قرارات رشيدة حول واقعهم ومستقبلهم، وبقيت الأدبيات التقليدية لبث الخدمة العامة المرتبطة بهيئة الإذاعة البريطانية تتحدث عن ثلاث وظائف للخدمة العامة، هي: الإخبار والتعليم والترفيه، وتأسيسًا على هذه الوظائف ترسخت الوظائف الأساسية لإعلام الخدمة العمومية في مختلف الوسائل الإعلامية عموما :

- توفير قنوات حرة ومستقلة لتدفق المعلومات والأخبار للمجتمع، ما يسهم في تمكين المواطنين من زيادة مستوى معرفتهم بالشؤون العامة.

‌- توفير منبر حرٍّ للنقاش العام ضمن معايير التعددية والتنوع والتشاركية، وخلق المجال العام الذي يدفع نحو زيادة دور المواطنين في المشاركة السياسية والاقتصادية والثقافية .

- الرقابة وتمثيل الرأي العام بتوفير أداة لرصد أداء المؤسسات العامة، أي أداة للرقابة باسم الصالح العام.

‌- التثقيف والترفيه و المساهمة في بناء وجدان المجتمع والتعبير عن ثقافته وهويته .  

- خدمة الحياة الديمقراطية وغرس ثقافتها وسط المجتمعات وبين الأجيال الجديدة من أجل ضمان استدامتها، وذلك بـ :

أ/ الاستقلالية عن الضغوط السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية، وتوفير الضمانات الفعلية لهذه الاستقلالية، من خلال التشريعات، وآليات تعيين قيادات هذه المؤسسة، ومصادر التمويل، وتمثيل المجتمع بكافة مكوناته السياسية والثقافية والاجتماعية .

ب/  الشمولية والتمثيل لتصل هذه الخدمة إلى فئات المجتمع كافة باختلاف انتماءاتهم ولغاتهم وأصولهم واختلاف أماكن وجودهم وسكنهم . 

ج/  التنوع في تقديم محتوى إعلامي يشتمل على الخدمة الإخبارية والاقتصاد وشؤون المجتمع والرياضة والترفيه وغير ذلك من موضوعات تلبِّي اهتمامات جمهور متنوع أيضًا . 

د/ التميز والابتكار من خلال التجديد والإبداع في المضامين والأشكال وطرق العرض والأدوات والتطبيقات وجودة التقنيات المستخدمة. 

ه‍/ التمويل والحاكمية الإدارية والاعتماد على التمويل العام من خلال أموال الخزينة العامة المقررة من قبل البرلمان وليس بمنحة حكومية، وهذا يتطلب نموذجًا إداريًّا رشيدًا يعتمد على وجود مجالس إدارة مستقلة وإدارات منتخبة ومجالس تحرير يوجد فيها تمثيل للجمهور، وإفساح المجال أمام الصحفيين لتنظيم أنفسهم.

 كملخص عام، ينبغي التأكيد على أن الإعلام هو قطاع حساس وهام من شأنه تقديم خدمات عمومية هامة يحتاجها المواطنون في حياتهم اليومية،  خاصة أنه نشاط يشهد كل يوم مزيد من الانتشار والقوة نتيجة موجات التحول الديمقراطي وحاجات المجتمعات في العالم إلى استعادة الثقة في مصادر الأخبار والمعلومات في الوقت الذي تزداد فيه الفوضى وحالة تراجع المصداقية التي تشهدها وسائل الإعلام وانتشار ظاهرة ما بات يُسمَّى "عصر ما بعد الحقيقة" الذي يشير بشكل مباشر إلى الأزمة الأخلاقية والمهنية التي تشهدها وسائل الإعلام وإلى تشتت الجمهور وتراجع اليقين في البيئة الاتصالية الجديدة، ما يذهب إلى أن فرصًا أكثر أمام قوة وانتشار نموذج الخدمة الإعلامية العمومية .

*******المراجع*********

1/ محاضرات الأستاذ إبراهيم الخليل بن عزة، مقياس الإتصال والخدمة العمومية، جامعة الشلف - الجزائر، 2018/2019 و 2019/2020 .

2/ مركز الجزيرة للدراسات، تحولات الإعلام الرسمي العربي: أسئلة الديمقراطية ومعايير الخدمة العامة .