لقد تطورت علاقة الإنسان بالبيئة، و تفاعله مع الكائنات الحية الأخرى، و مع المكونات غير الحية للبيئة، تبعا للمراحل الثلاث المميزة من تاريخ تطور المجتمعات البشرية و هي مجتمع الصيد و جمع الغذاء، ثم المجتمع الزراعي، و أخيرا المجتمع الصناعي و هذا ما سنوضحه في ما يلي:

أولا: علاقة الإنسان بالبيئة في مرحلة مجتمع الصيد

    لقد كان الإنسان في بداية وجوده على الأرض يجمع طعامه من ثمار النبات و أوراقه،    و كان أثره في البيئة لا يتعدى أثر غيره من آكلات الأعشاب، ثم تحول الإنسان إلى مرحلة الصيد و القنص، و بالتالي أصبح أثره البيئي يتجاوز أثر آكلات الأعشاب إلى آكلات اللحوم. إذ تعلم في هذه المرحلة أساسيات التخطيط للصيد، حيث استحدث تكنولوجيا الصيد و طورها، و اكتشف النار التي وفرت له قدرة هائلة على التأثير البيئي تفوق كثيرا قدرته العضلية.

ثانيا: علاقة الإنسان بالبيئة في مرحلة مجتمع الزراعة

في هذه المرحلة،  استكمل الإنسان سيادته على الأحوال البيئية، إذ بدل الكساء النباتي البري بأنماط من الكساء النباتي يزرعها و يفلحها، و استعمل مياه الأنهار و ربطها بالسدود و القنوات، و استحدث آلات الحرث و الري و الحصاد؛ و يمكن القول أن الإنسان أحدث في هذه المرحلة تغيرات بيئية بارزة المعالم، و لكنه لم ينشئ في عمله مواد كيميائية غريبة عن الأنظمة البيئية (المبيدات) .إلا أن الدورات الطبيعية كانت تستطيع استيعاب مخلفات العمل و الحياة الإنسانية في سلاسل تحولاتها بفعل الكائنات الحية التي تقوم بعمليات التحلل الطبيعي.

ثالثا:علاقة الإنسان بالبيئة في مرحلة مجتمع الصناعة

جاء عصر الصناعة حيث تمكن الإنسان من أن يعيش في بيئة من صنعه، و أصبح يستعمل المواد بتكنولوجيا مستحدثة؛ نتج عنها مخلفات تفوق قدرة دورات البيئة و سلاسلها الطبيعية على استيعابها، و أنتج مواد غريبة عن الأنظمة البيئية مثلا: (المبيدات الكيميائية، البلاستيك، و الألياف الصناعية) . و بالتالي ظهرت مشكلات بيئية خطرة على صحة الإنسان و ممتلكاته.

إن كلا من هذه المجتمعات البشرية الثلاثة، يمثل مستوى معين من استغلال الإنسان للموارد المتاحة و التعامل مع البيئة. و لم يكن الانتقال من إحدى تلك المراحل إلى المرحلة التي تليها فجائيا، و إنما كان يحدث تدريجيا على مدى آلاف السنين، يتطور خلالها الواحد من تلك المجتمعات إلى الآخر. و لا يعني بحال إيراد هذه الأنواع من المجتمعات على الترتيب أن النوع الأول قد اختفى تماما، و إنما هو يشير إلى الاتجاه العام الذي اتخذه تطور المجتمعات البشرية على مر الزمن.