محاضرة: الدلالة الصوتية |
المناسبة الصوتية عند العرب |
الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175هـ) |
سيبويه (180هـ) |
ابن جنّي(392هـ) |
ابن فارس(395هـ |
ابن قيّم الجوزية (751هـ |
المناسبة في اللسانيات الغربية الحديثة |
الدلالة الصوتية |
موجّهات الدلالة الصوتية |
الحركة |
الحرف |
المقطع |
النبر |
التنغيم |
الوقف |
الأغراض الدلالية للوقف |
محاضرة: الدلالة الصرفية |
الدلالة الصرفية |
الوحدات الصرفية |
السوابق |
اللواحق |
الدواخل |
دلالة بناء "أفعَل" من أبنية الماضي الثلاثي المزيد |
استدراك صيغ "تمفعل" |
محاضرة: الدلالة النحوية |
خصائص الدلالة النحوية |
الإسناد |
الفائدة |
القصد |
الدلالة القطعية والاحتمالية |
الدلالة الظاهرة والباطنة |
تصور تمّام حسّان للدلالة النحوية |
القرائن المعنوية |
القرائن اللفظية |
محاضرة دلالة السياق |
السياق لدى اللسانيين الغربيين (مليونوفسكي-فيرث-فندريس) |
السياق في المدونة الأصولية العربية |
السياق اللغوي |
سياق التخاطب |
سياق التنـزيل |
سياق المقاصد |
سياق الاستقراء |
أنواع السياق لدى اللسانيين المحدثين |
السياق اللغوي –المعجمي |
السياق العاطفي |
سياق الموقف أو سياق الحال |
السياق الثقافي |
السياق التداولي |
السياق التداولي وأفعال الكلام |
محاضرة الدلالة المعجمية |
استقراء حلام الجيلالي |
التعريف الاسمي |
التعريف بالمرادف |
التعريف بالاشتقاق |
التعريف بالضد |
التعريف بالشبيه |
التعريف بالإحالة |
التعريف بالترجمة |
التعريف المنطقي |
التعريف البنوي |
التعريف بالحقل الدلالي |
التعريف بالتحليل التكويني |
التعريف التوزيعي |
التعريف الإجرائي |
التعريف بالمجاز |
التعريف النحوي |
التعريف بالشاهد |
التعريف بالصورة |
محاضرة: العلاقات الدلالبة |
الترادف |
الترادف الإشاري |
الترادف الإدراكي |
الترادف التام |
تفسير ظاهرة الترادف |
شروط وجود الترادف |
أسباب وقوع الترادف |
المشترك اللفظي |
أسباب نشوء المشترك |
الأضداد |
صور الأضداد |
عوامل نشأة الأضداد |
محاضرة: التغيّر الدلالي |
التعريف بمصطلح التغيّر الدلالي |
أشكال التغيّر الدلالي |
تعميم الدلالة |
تخصيص الدلالة |
انتقال الدلالة أو المعنى |
طرائق انتقال المعنى |
الاستعارة |
إطلاق الجزء على الكل |
المبالغة |
انحطاط المعنى |
رقي المعنى |
التحول نحو المعاني المضادة |
المجاز |
سمات التغيّر الدلالي |
محاضرة: الغموض وتعدد المعنى لدى الأصوليين |
الاحتمالات اللغوية لظاهر الخطاب |
|
الاستقلال في مقابل الإضمار |
الترتيب في مقابل التقديم والتأخير |
التأسيس في مقابل التأكيد |
العموم في مقابل الخصوص |
الإطلاق في مقابل التقييد |
التباين في مقابل الترادف |
انفراد المعنى في مقابل اشتراكه |
مصادرٌ ومراجعٌ |
هناك علاقة تضايف تجمع المكوّن الصرفي بالمكوّن الدلالي؛ فأيّ مكون من هذين المكوّنين لن يكون مستقلا في داخل اللغة دون المكوّن الآخر؛ فوجود هذين المكوّنين في اللغة تأسيسي لوجود العناصر فيها من جهة، ووجود تأسيسي لوجودهما معا في آن واحد من جهة أخرى، ولذلك عُرّفت اللغة بحدث دلالي والدلالة بحدث لغوي([1]). وفي هذا تأكيد على أنّ اللغة في بنيتها تمثل مستويات متصلة، وأنّ وجود المستويات اللغوية صوتا، وصرفا، ونحوا، ودلالة يقوم على التلازم ضرورة، وأم ولو لم يكن كذلك؟ لصارت اللغة ضربا من الفوضى، ولما استطاع إنسان أن يتواصل مع أفراد جنسه([2]).
- الدلالة الصرفية:
هناك اتجاه ومسار واحد في التراث المعرفي العربي نحو العناية بالنحو، والصرف، والصوت، والمعجم، وأصول التخاطب، وكل ما من شأنه أن يسهم في توليد المعاني وإدراكها، ويمكن التدليل على ذلك بما ذكره ابن جني في خصائصه، في ثنايا حديثه عن دلالة اللفظ، التي رأى أنّها ثلاثة أنواع، هي: "الدلالة اللفظية، والدلالة الصناعية، والدلالة المعنوية" وأثبت أنّ كلا من هذه الدلالات معتد به ومراعى ومؤثر، ثمّ رتبها بحسب قوتها الدلالية، فجعل الدلالة اللفظية أوّلا، تليها الصناعية، فالمعنوية، يقول ابن جني: "فأقواهن الدلالة اللفظية، ثمّ تليها الصناعية، ثمّ تليها المعنوية، ولنذكر من ذلك ما يصحّ به الغرض، فمنه جميع الأفعال، ففي كل واحد منها الأدلة الثلاثة، ألا ترى إلى "قام" ودلالة لفظه على مصدره، ودلالة بنائه على زمانه ودلالة معناه على فاعله، فهذه ثلاث دلائل من لفظه، وصيغته، ومعناه"([3]).
يستوقف الباحث في هذا الطرح المؤسس تعليل ابن جني لقوة الدلالة الصناعية (الصرفية) وتقدّمها على الدلالة المعنوية، إذ قال: "وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من المعنوية، من قبل أنّها وإن لم تكن لفظا؛ فإنّها صورة يحملها اللفظ ويخرج عليها، ويستقر على المثال المعتزم بها"([4]).
ثمّ بيّن أثر الصيغة على الدلالة "ألا ترى إلى قام...ودلالة بنائه على زمانه"، والذي يقوله ابن جني يكشف من جهة عن تعدد صيغة الفعل وظيفيا من حيث دلالتها على الحدث والزمن، كما يكشف من جهة أخرى عن قيمة الصورة التي يحملها اللفظ (الصيغة) والتي تبدو حاجته إليها ليظهر بها، ولتعطيه قيمة دلالية (وظيفية) في حكم المنطوق به والمعلوم بالمشاهدة([5]). ويسترسل ابن جني موضحا هذا الذي ذهب إليه في باب "إمساس الألفاظ أشباه المعاني" حيث ذكر أنّ سيبويه "قال في المصادر التي جاءت على الفَعَلان: إنّها تأتي للاضطراب والحركة، نحو: النَقَزان، والغليان، والغثيان، فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال"([6]) وينكشف بجلاء أن الدلالة التي أرادها ابن جني في هذا المقام دلالة زائدة على دلالة المصدر الأساسية –وهي الدلالة على الحدث-.
ثمّ إنّه لا يكتفي بهذا الضرب من الكلام الموضّح، بل يواصل البيان حتى تستبين القضية بكل أبعادها؛ فيذكر في باب الدلالة الخاصة دائما: "ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء كثيرة على سَمْت ما حدَّاه –أي الخليل وسيبويه-، ومنهاج ما مثَّلاه، وذلك أنّك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرير نحو الزعزعة، والقلقلة، والصلصلة... ووجدت أيضا الفَعَلى في المصادر والصفات، إنّما تأتي للسرعة، نحو: البَشَكى والجَمَزى والوَلَقى"([7]).
وسار المحدثون في دراسة الدلالة الصرفية على الطريق نفسه الذي سار عليه ابن جني فقد أقرّ إبراهيم أنيس أنّ هذا النوع من الدلالات "يستمد عن طريق الصيغ وبنيتها"([8])؛ فكلمة "كذّاب" تزيد على كلمة كاذب، وقد استمدت هذه الزيادة من تلك الصيغة المعيّنة؛ فاستعمال كلمة كذّاب يمدّ السامع بقدر من الدلالة لم يكن ليصل إليه أو يتصوره لو أنّ المتكلّم استعمل "كاذب".
والمعنى ذاته أشار إليه أحمد مختار عمر، فقد ذكر أنّه لا يكفي لبيان معنى استغفر –مثلا- بيان معناها المعجمي المرتبط بمادتها اللغوية "غفر"، بل لابد أن يضمّ إلى ذلك معنى الصيغة وهي هنا وزن استفعل، أو الألف والسين والتاء التي تدل على الطلب، وفي باب"معاني صيغ الزوائد" أمثلة أخرى كثيرة([9]). ولعل ما يعدّ إضافة مهمة في مبحث الدلالة الصرفية في المعرفة اللسانية الحديثة توظيف مصطلح "المورفيم"، واعتماد فكرة اللواصق من سوابق ولواحق ودواخل.
- الوحدات الصرفية Morphèmes:
يُؤكد علماء اللغة أنّ المورفيم –وما يصطلح بعضهم على تسميته بـ"الوحدة الصرفية" أو"الصرفيم"، أو"اللفاظم"، أو "المصرف"([10]) هو أساس التحليل في الدلالة الصرفية والصرف الحديث عموما، يُعرّف بأنّه "أصغر الوحدات ذات الدلالة في النحو"([11])، أو هو "أصغر المكونات النحوية الحاملة للمعنى في التحليل اللغوي"([12]).
أمّا التعريف الذي يجنح إليه بعض اللغويين بأنّ المورفيم هو "الوحدة الصرفية"؛ فيعدّ تعريفا غير شامل ودقيق؛ لأنّه يحصر المصطلح في مجال علم الصرف من غير إشارة إلى علم النحو؛ لهذا نلفي محمود فهمي حجازي ينوّه إلى هذه الحقيقة فالمورفيم من وجهة نظره أصغر وحدة تحمل معنى أو وظيفة نحوية([13])، فالمورفيمات الآتية: الألف، والنون، والياء، والتاء في الأفعال: أقوم، ونقوم، ويقوم، وتقوم، بالإضافة إلى دلالتها مع أصل الفعل على حدوث القيام في زمن التكلم وبعده، فإنّ لها وظائف نحوية أخرى، كالدلالة على أن الفاعل في "أقوم" هو ضمير المتكلم "أنا"، وفي "نقوم" الضمير "نحن"، وفي "يقوم" الضمير "هو"، وفي "تقوم" الضمير "أنت".
وأشار فندريس في ثنايا حديثه عن الصور اللفظية إلى نوعين من الدوال، دال الماهية (Sémantème)، ودال النسبة (Morphème)، فالمادة الأصلية للكلمة تشكّل دال الماهية والمادة التي أضيف إليها صوت أو مقطع أو عدة مقاطع في إشارة إلى النسب النحوية تشكّل دال النسبة؛ فدال الماهية إذن عنصر لغوي يعبّر عن الفكرة التي في الذهن، كفكرة الحصان وفكرة الجري في قولنا: "الحصان يجري" ،فهنا ماهية الحصان وماهية الجري معقولتان([14])، ونفهم من دوال النسبة –المورفيمات- العلاقة بين هذه الأفكار والماهيات، أو النسب النحوية التي تربط الأفكار المتضمنة في الجملة بعضها ببعض. ومن هذا النحو اقْترح أندري مارتيني (Martinet) أحد أعلام اللسانيات الوظيفية توليفا ثلاثيا للوحدات؛ فهو يفرّق بين ثلاثة أنواع من الوحدات:([15])
- الوحدات الدالة الصغرى (Monèmes): وهي أدنى جزء مفيد من أجزاء الكلام.
- الوحدات الدالة الصرفية (Morphèmes): وهي قليلة وأكثر استقرارا.
- الوحدات الدالة المعجمية أو المفردات (Lexèmes): وهي وحدات مفتوحة لأنّها تشكّل عددا متحولا من الوحدات، يظهر بعضها وينقرض بعضها الآخر مع الزمن.
فالجملة الآتية: "لا يلعب الرجل في وقت الجدّ" تتألّف من:
- الوحدات المعجمية: لعب، رجل، وقت، جدّ.
- الوحدات الصرفية: لا، ي، ال، في، ال.
- وجميعها وحدات دالة (Monèmes).
وتجدر الإشارة إلى أنّ للمورفيم في السياق اللساني الحديث أنواعا ومحددات- تسمى اللواصق- يُعرَف بها، أمّا الأنواع فيمكن تصنيف المورفيمات وفق اتجاهين الأوّل إلى: المورفيمات الحرّة (Free Morphèmes ) والمورفيمات المقيّدة (Bound Morphèmes) فالمورفيمات الحرة هي التي يمكن توظيفها منفردة مستقلة مثل: الضمائر المنفصلة في العربية أمّا المورفيمات المقيّدة فهي التي لا يمكن استعمالها منفردة مستقلة، وإنّما متصلة بمورفيم آخر مثل: الضمائر المتصلة، لواحق الجمع والتثنية، من ذلك قولنا: "رجلان"، ينقسم إلى قسمين هما: رجل + ان، فالمورفيم "رجل" يستعمل مفردا، وهو وحدة مستقلة؛ لإفادته معنى في ذاته ،أمّا المورفيم (ان) فهو علامة دالة على التثنية، ولا يوظّف بمعزل عن المورفيم الحر؛ لأنّه وحدة مقيّدة تكون في نهاية المورفيم الحر([16]).
وثمة تقسيم ثان للمورفيمات لعلّه يعدّ الأقرب إلى طبيعة الأبنية في العربية، وهو تقسيمها إلى مورفيمات تتابعية (Sequential Morphemes )، وهي المورفيمات التي تتتابع مكوناتها الصوتية من الصوامت والمصوتات دون فاصل بين هذه المكونات، مثل: جزائريون، ومورفيمات غير تتابعية (Non Sequential Morphemes) هي المورفيمات التي تتتابع مكوناتها الصوتية من الصوامت والمصوتات على نحو غير متصل، وتشمل كل ما يتعلق بالأبنية في اللغة العربية؛ فبنية "ذاكر" تتكوّن من وحدتين صرفيتين غير تتابعيتين، تتكوّن الأولى من الحروف الأصول (ذ ك ر) وهي وحدة صرفية غير تتابعية؛ لأنّ أصواتها لا تكون تتباعا متصلا في أيّة كلمة عربية تتابعية، وتتكوّن الثانية من الفتحة الطويلة (الألف)، وهي كذلك وحدة غير تتابعية، وبذلك يمكن عدّ الحروف الأصول والأبنية وحدات صرفية غير تتابعية([17]).
وأشار أهل اللغة إلى نوع ثالث من المورفيمات لا يرد في السياق، لكنّه مع ذلك يدل دلالة غيره من الوحدات التي ترد في السياق من خلال بناء محدّد، ويطلق على هذا النوع مصطلح المورفيم الصفري (Zero Morpheme )، ومثاله: الفعل "أكلَ الكمثري" الذي يدلّ على أنّه فعل مسند إلى ضمير الغائب المفرد المذكّر، مع عدم وجود أي مبنى صرفي يشير إلى ذلك([18]).
أمّا عن السمات التي يتميّز بها المورفيم، فقد حصرها اللغويون في الآتي:([19])
- إنّه كلمة أو جزء من كلمة ذات معنى، وبعبارة أخرى إنّه مكوّن من فونيم أو أكثر.
- لا يمكن تقسيمه إلى أجزاء أصغر منه؛ لأنّه يفقد معناه.
- يظهر المورفيم في مواضع مختلفة بحيث تكون دلالته شبه مترابطة.
-للمورفيم قيمة محددة في غالبية اللغات، أمّا في اللغات اللصيقة فله قيمة حيوية كبيرة.
وفي زاوية أخرى من زوايا بحث مصطلح المورفيم على أساس الكلمة: الوحدة الدلالية أو السيمانتيم، فقد لاحظ اللسانيون أنّ الوحدات الصرفية، ترد إمّا قبلها أو بعدها أو في وسطها لواصق على شكل مبان زائدة، اصطلح على تسميتها بالسوابق واللواحق والدواخل، وفي هذا الصدد يعدّ ماريو باي أنّ "الموضوع الأساسي أو موضوع الدراسة في علم الصرف هو دور السوابق واللواحق والتغييرات الداخلية التي تؤدّي إلى تغيير المعنى الأساسي للكلمة"([20]). وتجري أنواع الوحدات الصرفية هذه على الشكل الآتي:([21])
أ- السوابق (Préfixes):
تترجم أيضا بالصدور، والبوادئ، واللواصق القبلية، والإسباق، وهي العناصر التي تضاف إلى أوّل الكلمات، مثال ذلك في العربية: حروف المضارعة (أ ن، ي، ت) في أعلم، ونعلم، ويعلم، وتعلم، تدلّ الهمزة على أنّ الفاعل ضمير المتكلّم "أنا"، والنون تدلّ على أنّ الفاعل ضمير المتكلّم الجمع "نحن"، والياء تدلّ على الفاعل الغائب المفرد "هو"، والتاء تدلّ على الفاعل المفرد المؤنّث "هي". فهذه السوابق تفيدنا في تعيين الفاعل وتغنينا عن ذكره لفظا فهي دالة عليه وفي الوقت ذاته على زمن الحدث في الفعل وهو المضارع.
ب-اللواحق (Suffixes):
وتترجم أيضا بـ: الأعجاز، والكواسع، واللواصق البعدية، وهي العناصر التي تلحق بآخر البناء، من أمثلتها في اللغة العربية: الضمائر المتصلة، كالتاء في علمت، فإذا كانت التاء مضمومة دلّت على ضمير المتكلّم (أنا)، وإذا كانت مكسورة "علمتِ" دلّت على المخاطبة (أنتِ) وإذا كانت مفتوحة "علمتَ" دلّت على المخاطب (أنتَ)، ومن اللواحق أيضا ياء النسبة في جزائري، مكي، ومثل علامات التثنية والجمع.
أ- الدواخل (Infixes):
وترجمت بـ: المقحمات، والأحشاء، والأواسط، وهي العناصر التي تُدرج بين الأصوات الأصلية التي تؤلّف بنية الكلمة، مثل:الألف في اسم الفاعل، والواو في اسم المفعول، والتضعيف في "فعَّل".
وهذه التقسيمات في الحقيقة مشار إليها في التراث العربي؛ فقد عبّر سيبويه عن السوابق بمصطلح "لاحقة أولية" أثناء حديثه عن لواصق المضارع، قال: "واعلم أنّ الهمزة، والياء، والتاء والنون خاصة في الأفعال ليست لسائر الزوائد، وهن يلحقن أوائل في كل فعل مزيد وغير مزيد إذا عنيت أن الفعل لم تمضه، وذلك قولك: أفْعَل، ويفْعل، ونفْعل، وتفْعل"([22]) كما عدّ ياء النسبة من اللواحق بقوله: "إنّما تلحق ياء الإضافة بعد بناء الاسم"([23]).
وميّز المبرّد بين الزوائد والملحقات بقوله: "فإن قلت: عجوز، أو رغيف، أو رسالة، فالياء والواو، والألف زوائد ولسن بملحقات"([24])، وأساس أو فكرة هذه التفرقة أنّ الملحقات بالإضافة إلى قيامها بوظائف صرفية بنائية، لها وظيفة نحوية دلالية، في حين الزوائد لها وظائف صرفية بنائية وهي خُلْو من الوظيفة النحوية الدلالية. ولعلّ أهم دراسة استطاعت أن ترصد اللواصق التصريفية ودلالاتها في اللغة العربية تلكم التي قدمتها أشواق محمد النجار في مؤَلَّفِها: "دلالة اللواصق التصريفية في اللغة العربية"، فقد استطاعت تصنيف أشهر اللواصق التصريفية وتفريعاتها في العربية[25] .
- دلالة بناء "أفعَل" من أبنية الماضي الثلاثي المزيد:
أجمع أهل اللغة والبيان على أنّ الأبنية المزيدة أكثر دلالة من الأبنية المجردة؛ وذلك لما تحققه من زيادة في المعنى، فزيادة المبنى تأتي لزيادة في المعنى، أو لتغيير فيه؛ "فهناك تناسب طردي بين الصيغة والدلالة، فكلما زاد المبنى قويت الدلالة"([26])، وقد دلّ ابن جني على ذلك بأمثلة مثل: خَشُن واخشوشَن، فمعنى خشُن دون معنى اخشوش، لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو ومثل خلق واخلولق، وغدن واغدودن([27]).
قسّم علماء التصريف أبنية الماضي الثلاثي المزيد إلى ملحق بالرباعي وغير ملحق والذي يعنينا في هذا الموضع غير الملحق، وهو اثنتا عشرة صيغة؛ "ثلاثة موازنة لدحْرج، وهي: أفْعَل ،وفعَّل، وفاعَل، واثنان موازنان لتدحرج، وهما: تفَاعل وتفعَّل، والسبعة الباقية غير موازنة وهي:"انفَعَل، وافْتَعَل، واسْتَفْعل، وافْعَوْعَل، وافْعَلّ، وافْعالَ، وافْعَوَّل"([28]).
- دلالات أفعل:
- يجيء بناء "أفعل للتعدية غالبا"([29])، نحو: أجلست زيدا؛ ومعناها: "تضمين الفعل معنى التصيير حتى يصير فاعلُ الأصل مفعولا له"([30])، فالأصل" جلس زيد، فلمّا دخلت عليه لاصقة الهمزة صار زيدٌ مجلساً.
- ويجيء للتعريض، "وهو جعل الشيء معرّضا لأصل الفعل، نحو: أبعته"، إذا عرضته للبيع"([31]) ومثلها أقبرَه، قال ابن السّكيت: "أقبرته صيّرت له قبرا يدفن فيه"([32])، "وأقتله؛ أي عرّضه للقتل"([33]).
- ويجيء للصيرورة؛ أي صار ذا كذا، نحو: أغدّ البعيرُ، ومنه: أجرَب الرجلُ وأنْحَر؛َ أي صار ذا غُدّة، وجرَبٍ، ونُحارَةٍ([34]). ويستعمل بعضهم لفظة الحينونة بدلا عن الصيرورة، قال رضي الدين الأستراباذي: "إنّ معنى الحينونة هو في الحقيقة بمعنى صار ذا كذا؛ أي صار الزرع ذا حصاد وذلك بحينونة حصاده"([35]).
- ويأتي البناء لوجْدان الفاعلِ المفعولَ على صفة مشتقّة من أصل الفِعل، فإن كان الأصل لازما كانت في معنى الفاعل نحو: "أبخلتُه"، وإن كان متعدّيا كانت في معنى المفعول نحو: "أحمدتُه" ويأتي لسلْب الفاعل أصل الفعل، نحو: "أشْكيته، وأعْجمت الكتاب"؛ أي أزلت عجمَته([36]).
ويظهر من هذا أنّ "أفعل" لها معنى السلب والإزالة، فقوله: "أعجمت الكتاب"؛ أي أزلت عجمة الكتاب بنقطه، وكذلك: "أشكيته"؛ بمعنى أزلت شكواه، ولها أيضا دلالة الوجود على صفة معينة، كأحمدت زيدا، وأكرمته؛ أي وجدته محمودا أو كريما، ومن ذلك كلمة: "أغفلنا" في قوله تعالى: "ولا تُطِع مَنْ أغْفَلْنا قلْبَهُ عنْ ذكرِنَا واتَّبَعَ هوَاه"([37])، يقول ابن جني:"ولن يخلو"أغفلنا" هنا من أن يكون من باب أفعلت الشيء؛ أي صادفته ووافقته كذلك، كقوله:
... وأهيج الخلْصَاءَ من ذات البُرَق
أي صادفها هائجة النبات"([38]).
- ويأتي "بمعنى المجرّد"([39])، ويُقصَد بالمجرّد الفعل، نحو:"شغَلْتُهُ، وأشْغَلْتُهُ"، ويرى أبو هلال العسكري أنّه: "لا يجوز أن يكون "فَعَلَ و أَفْعَلَ" بمعنى واحد، كما لا يكونان على بناء واحد، إلا أن يجيء ذلك في لغتين، فأمّا في لغة واحدة فمحال أن يختلف اللفظان والمعنى واحد"([40])، وقد يردان بمعنى واحد كما تمت الإشارة، ولابن قتيبة في هذا الموضع توجيه مهم نصه: "قد يكونان –أي فعل وأفعل- بمعنى واحد، نحو: قِلْتُه البيعَ، وأقلْتُهُ، وشغله، وأشغَلَهُ...وقد يأتي بناء "أفْعل" مخالفا في المعنى مع البناء المجرّد، غير الملتصق بالهمزة (فعل) نحو: أجبرتُ فلانا على الأمر وجبرْتُ العظم... وقد يتضادان في نحو: نشَطْتُ العقدة، إذا عقدتها وأنْشطتها إذا حللتها"([41])، ولبناء "أفعل" دلالات أُخرى لم يشر إليها محمد بن عبد الله منها:
- أنّه يأتي بمعنى الدعاء نحو: "أسقيتُهُ إذا دعوْت له بالسُقيا"، ومنه قول الشاعر:([42])
وَقَفْت عَلَى ربع لمية ناقتي فَمَا زِلْت أَبْكِي عِنْدَه وأُخَاطِبه
وَأَسْقِيه حَتَّى كـَــــادَ مما أبثه تكلمني أَحْجَــــارُهُ ومَلَاعبــُه
- ويرد بمعنى الدخول في الشيء نحو: أظلَمَ إذا دخل في الظلام"([43])، ومنه قول الأعشى:
أبَا مِسْمَع سار الذي قد فعلْتُم فأنجدَ أقوام به ثمّ أعرقوا
فقوله: أنجد أقوام؛ يعني أنّهم دخلوا نجدا، وأعرقوا: دخلوا العراق.
- ويأتي بمعنى التمكين من الشيء والإعانة، نحو:أحفرتُه؛ أي مكنته من حفره"([44]). أحفرته النهر بمعنى مكنته من حفره، وأحلبت فلانا وأرعيته؛ أي: أعنته على الحلب والرعي([45]).
-ويجيء بمعنى التكثير، نحو: "أعال الرجل إذا كثرت عياله"([46])، ويكون بمعنى الهجوم، نحو: أطلعت عليهم؛ بمعنى هجمت عليهم، ويرد بمعنى التسمية، نحو: أخطأته وأكفرته؛ بمعنى سمّيته مخطئا وكافرا، ويأتي بمعنى "استفعل"، نحو: أعظمته بمعنى استعظمته، ويرد بمعنى "فعَّل"، نحو فطّرته فأفطر([47])، ويفيد الدخول في الزمان والمكان، نحو: أصبح؛ دخل في الصباح، "وأعتم دخل في العتمة"([48])، وبمعنى الوصول إلى العدد نحو: أخمس العدد؛ أي صار خمسة.
- اطّراد صيغة "تمفعل" في اللغة العربية المعاصرة:
ذكر علماء التصريف أنّ أبنية الماضي الثلاثي المزيد اثنتا عشرة صيغة، على هذا الشكل: أفعل، فعّل، فاعل، تفعّل، تفاعل افتعل، انفعلّ، افعلّ، استفعل، افعوّل، افعوعل، افعالّ([49]). وعند إمعان النظر فيما كتبه النحاة واللغويون الآخرون تجد أنهم قد استدركوا سبع صيغ، هي: افَّعل مثل: ادَّبج؛ إذا لبس الديباج، وافْعَلَى مثل: اجْأَوَى الفرس؛ إذا علته كدرة، وافعيَّل مثل:اهْبَيَّخ الرجل؛ إذا تبختر في مشيته، وافْعَوْلَلَ مثل: اعْثَوْجَجَ البعير؛ إذا أسرع، وافْوَنْعَلَ مثل: احْوَنْصَلَ الطائر؛ إذا أخرج حوصلته، وافْعَنْلى مثل: اسْلَنْقى الرجل؛ إذا نام على ظهره، وأخيرا افْعَنْلل مثل: اسْحَنْكك الليل؛ إذا اشتدّت ظلمته.
ولفت انتباه شوقي ضيف في هذه الصيغ السبع المستدركة أنّ النحاة واللغويين عزَّ عليهم أن يجدوا لكل منها في اللغة أكثر من مثال واحد، وهو مثال نادر وشديد، ولعل ذلك ما جعل سيبويه ومن بعده يهملونها جميعا، في حين أنّه كان أولى باللغويين والنحاة أن يستدركوا عليهم صيغة "تمفعل"([50])، التي ساق لها ابن جني في الخصائص ستة أمثلة.
واحتج لها قائلا: " جاء تَمَسْكَنَ، وتَمَدْرَعَ، وتمَنْطق، وتَمَنْدَل، وتَمَخْرق، وتمَسْلَمَ فتحملوا ما فيه تبقية الزائد مع الأصل في حالة الاشتقاق، كل ذلك توفية للمعنى وحراسة له ودلالة عليه، ألا ترى إذا قالوا: تدَرَّع وتسَكَّن؛ عرَّضوا أنفسهم لئلا يعرف غرضهم: أمن الدرع والسكون أم من المِدْرعة والمَسْكنة، وفي هذا حُرْمة الزائد في الكلمة عندهم، حتى أقروه إقرار الأصول"([51]). والذي يمعن النظر في كلام ابن جني يدرك أنّه لا يكتفي بإثبات صيغة "تمفعل" فحسب بل يضيف احتجاجا لها ذا شقين:([52])
- الشق الأوّل: وهو أنّ العرب لجأت إلى هذه الصيغة للتفرقة بين دلالتين دلالة الفعل المشتق من الحروف الأصلية، ودلالة الفعل المشتق منها ومما زيد معها من الميم ويوضّح ابن جنّي ذلك في الفعلين: تَمَدْرَع وتَمَسْكَنَ، فإنّ دلالة مجردهما من الميم: تدرّع وتسكّن تغاير دلالة المزيد، فتدرّع لبس درع الحرب وتمدرع: لبس مِدرعة أو قميصا من الصوف، وسكن من السكون ضد الحركة، وتمسكن من المسكنة أي الفقر، ويقال: أسلم الرجل إذا دخل في الإسلام، وتمسلم إذا تسمى باسم مسلم، وواضح أن صيغة تمفعل في الأمثلة كلها تعبر عن دلالة خاصة بجانب دلالة الفعل قبل زيادة الميم فيه.
- الشق الثاني: يكمل ابن جني احتجاجه للصيغة التي بنيت على أساسها هذه الأفعال وهي صيغة "تمفعل"، فيقول: إن للحرف الزائد في الكلمة عند العرب كحرف الميم في هذه الصيغة ما للحرف الأصلي في حُرمة في الاشتقاق. وواضح أنّ العرب تصنع ذلك حين تريد التعبير عن دلالات جديدة بجانب دلالات الكلمات المجردة، مما يجعل الحرف الزائد في الألفاظ يأخذ حكم الحروف الأصلية؛ وبذلك كله يكون ابن جني أوّل من سجّل هذه الصيغة "صيغة تمفعل" بما ذكر لها من أمثلة، ولم يكتف بذلك فقد وضع في يدها احتجاجا قويما سديدا.
- أمثلة عصرية كثيرة لصيغة "تمفعل في معجم إبراهيم السامرائي ومعجم أحمد مختار عمر:([53])
- تَمَحْلَسَ له: إذا تزلف وتقرب إليه.
- تمخطر: إذا مشى مشيا فيه عُجْب وخيلاء.
- تمذهب: إذا اتبع مذهبا أو معتقدا ما.
- تمرجح: إذا ركب المرجوحة أو الأرجوحة.
- تمرجل: إذا اصطنع الرجولة.
- تمرقع: إذا أفرط في المرقعة والصفاقة.
- تمركز: إذا استقر في مركزها.
- تمسخر: إذا فعل ما يثير سخرية الآخرين.
- تمسمر الخشب: إذا شدّ شَدا قويا بمسمار.
- تمشور: إذا سار مشوارا طويلا أو مشاوير متعددة.
- تمشيخ: إذا تكلّف الوقار وتظاهر به.
- تمطوح: إذا بعد جدا.
- تمهمز: كأنما يتحرك بمهماز.
وهناك أمثلة أخرى، كتمألتَ عليه بمعنى سخر منه، وتمحورت الدولة بمعنى كوّنت مع دولة أو دول محورا سياسيا، وتمظهر إذا عني بمظهره، وتمعجن الدقيق إذا اشتد عجنه، وتمعظم وتمعلم إذا ادّعى العظمة والمعلمة، وتمفصل بمعنى تحرك بما يشبه التحرك بالمفاصل، وتمكرم إذا صنع مكرمة، وتمنظر إذا أعجب بمنظره أو بفكره أكثر مما ينبغي، وتمهزأ به إذا جعل منه مهزأة وسخرية، وغير ذلك من الأمثلة التي تجعلنا ،بل تفرض علينا إضافة صيغة تمفعل إلى أبنية الفعل الثلاثي المزيد في كتب التصريف واللغة، "كما ينبغي أن يضاف ما صيغ على أساسها حديثا إلى معاجمنا المعاصرة، وإلا كان مثلنا مثل من يريد الحَجْر على العربية وحرمانها من النمو والتطوّر، وهما حقّان ثابتان من حقوقها اللغوية وجوهران أصيلان في بِنْيَتِها وبنية اللغات جميعا"([54]).
- العمل التطبيقي:
- ابحث عن دلالات أبنية الثلاثي المزيد في القرآن الكريم، مستعينا بأقوال المفسّرين وبأقوال علماء علوم القرآن والبلاغة.
- اختر مبحثا صرفيا ثم اذكر أثره الدلالي في اللسان العربي.
- اختر قصيدة شعرية ثم حلل أبنيتها تحليلا دلاليا.
محاضرة
الدلالة النحوية
تُدرك الدلالة النحوية من تضامّ الألفاظ وتركيبها في سياق الكلام، وللنظام الذي يُوّجه الجملة الأثر البارز في حصولها، فهي نتاج ارتباط "الكلمات بعضها ببعض على حسب قوانين لغوية خاصة بالنظام النحوي، وفيه تؤدي كل كلمة وظيفة معيّنة"[55]، و يُؤدّي تتعاضدُ المستوى النحوي مع غيره من المستويات إلى توليد المعنى.
وقد شغل هذا النوع من الدلالات حيّزا كبيرا في مؤلَّفات القدماء فكان محط اهتمام علماء اللغة والتفسير والأصول والإعجاز، ولقي مزيد بسط ونظر؛ والسبب لما له من أهمية بالغة في الفهم. إذ تطالعنا كتب التراث العربي بآثار تبيّن هذه الحقيقة؛ من ذلك ما وقع بين الكسائي القارئ النحوي وأبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة بمحضر الخليفة الرشيد، إذ تحدّى الكسائي أبا يوسف قائلا: هل لك في مسألة؟ ويستفهم أبو يوسف عن طبيعة المسألة: نحو أم فقه؟ فيقول الكسائي: فقه.
فيضحك الخليفة الرشيد حتى يفحص برجله، استغرابا لهذه الدعوى ولكن الكسائي يبادر موجها خطابه إلى أبي يوسف: ما تقول في رجل قال لزوجته: أنت طالق أن دخلت الدار-بفتح الهمزة، فقال أبو يوسف: تطلق إذا دخلت الدار، فقال الكسائي: أخطأتَ، قد طلقت امرأته؛ ذلك لأنّ الزوج في هذا لم يعلّق الطلاق، وإنّما علّله بأن المفتوحة المصدرية، كأنّه قال: أنت طالق من أجل دخولك الدار، فعجب أبو يوسف وتبيّن له أنّ هذه المسألة جارية على أصل لغوي لابد من البناء عليه، فصار يتردد على الكسائي[56].
ويدخل في هذا السياق سؤال الرشيد لأبي يوسف عما يترتب على الرفع والنصب في لفظي "عزيمة" و"ثلاث" في قول الشاعر:
فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن وإن تخرقي يا هند فالخرقُ أشأمُ
فأنت طـــــــــــلاقٌ والطلاق عزيمةٌ ثلاث ومن يخرِقْ أعقُّ وأظلــــــــــــــــمُ
فما على هذا القائل إذا نصب: "ثلاث" أو رفعها مع ملاحظة أن رفع: "عزيمة" أو نصبها سيدور في اتجاه معاكس حتما- فقال أبو يوسف وهو يقلب رسالة الخليفة: هذه مسألة فقهية نحوية فلا آمن الخطأ فيها إذا قلت برأيي. فذهب إلى الكسائي وهو في فراشه فأجابه: بأنّه في حالة نصب "ثلاث" تطلق ثلاثا، وفي حالة الرفع تطلق واحدة. وتأويل ذلك: أنّها في حالة النصب تكون تمييزا للطلاق المبهم في جملة "فأنت طلاق"، وفي حالة الرفع مع نصب "عزيمة" تكون خبرا للطلاق وهو المبتدأ في الجملة الثانية[57].
ومن طرائف الدلالة النحوية في التراث العربي أنّ ثعلبا سُئل عن: لو قال لامرأته إن دخلتِ الدار، إن كلمتِ أخاك، فأنت طالق: متى تطلق؟ فقال: إذا فعَلَتْهما جميعا؛ لأنّه أتى بشرطين. فقيل له: لو قال: أنت طالق إن احمرَّ البُسْرُ. فقال: هذه المسألة مُحال؛ لأنّ البُسر لابُدّ أن يحمرّ، فالشرط فاسد. فقيل له: لو قال: إذا احمرّ البُسرُ (مرتبط هنا بشرط الزمان). فقال: تُطلَّق إذا احمرّ؛ لأنّه شرط صحيح. فميّز بين "إنْ"، وبين "إذا". فجعل "إن" للممكن، وإذا للمحقّق، فيقال: إذا جاء رأس الشهر، وإن جاء أبوك[58]. وقد تتجرد إن عن الشرط فتكون بمعنى "لو" نحو: صلّ وإن عجزت عن القيام، والمعنى: صلّ سواءٌ قدرْت على القيام أو عجزت عنه[59].
- خصائص الدلالة النحوية :
للمعنى المستفاد من التركيب خصائص جوهرية، منها:
· الإسناد: هو العلاقة الأم التي تبسط جناحيها على باقي العلاقات النحوية الأخرى التي تتفاعل معها ولا تفيد إلا في كنفها، ويمثل أساس الفائدة والسمة الجوهرية التي تفرزها الدلالة التركيبية في الكلام[60]. عُرِّف الإسناد بأنّه "تركيب الكلمتين أو ما جرى مجراهما على وجه يفيد السامع"[61]، وهو على قسمين "مؤتلف وهو الاسم مع الاسم والفعل مع الاسم، وغير مؤتلف وهو ما عدا ذلك كالفعل مع الحرف والحرف مع الحرف"[62]. يبقى أن الكلمات المفردة لا تفيد إلا إذا تفاعلت دلالاتها وتشابكت في علاقات نحوية[63].
· الفائدة: صرّح عبد القاهر الجرجاني بأنّ الألفاظ المفردة لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها، ولكن لأن يضم بعضها إلى بعض فيعرف فيما بينها فوائد[64]، وهو بهذا يودّ التفرقة على أساس الفائدة بين الدلالات الإفرادية للكلم والدلالة التركيبية لها، فالكلمة المفردة لها دلالة على معناها الذي وضعت إزاءه، ولكن وظيفة وضع الكلمات ليست هي التعريف بالمعاني المفردة لها، بل هي أن تضمّ تلك الكلمات (مصطحبة تلك المعاني) في بناء لغوي تتفاعل فيه فينتج عن تفاعلها معنى آخر أو معان أخرى، هي ما أُطلق عليه " الفائدة أو الفوائد، ومقتضى ذلك أنّ الفائدة هي نتاج الدلالة التركيبية لا الإفرادية[65]، وهذا ما قرّره الزجاجي قبل عبد القاهر الجرجاني إذ قال: "الاسم يدلّ على مسمّاه ولا تحصل منه فائدة مفردا حتى تقرنه باسم مثله أو فعل أو جملة وإلا كان ذكرك له لغوا وهذا غير مفيد"[66].
· القصد: القصد سمة جوهرية، فإذا كانت الدلالة هي دلالة نظم وتركيب فإنّ مقتضى ذلك أنّها دلالة قصدية إرادية؛ وذلك لأنّ التركيب ليس إلا نتاجا للقصد، والقصد لا يتعلّق بالمفردات إلا لغاية التركيب[67]، هذا ما نبّه إليه عبد القاهر الجرجاني بقوله: ليت شعري كيف يتصور وقوع قصد منك إلى معنى كلمة من دون أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى[68]. ذلك الارتباط الوثيق بين الدلالة التركيبية والقصد يعين على فهم ما ذهب إليه عبد القاهر الجرجاني بقوله: لا يصير "ضرب" خبرا عن زيد بوضع اللغة بل بمن قصد إثبات الضرب فعلا له، وهكذا "ليضرب زيد" لا يكون أمرا لزيد باللغة، ولا "اضرب" أمرا للرجل الذي تخاطبه وتقبل عليه من بين كل من يصح خطابه باللغة بل بك أيها المتكلّم، فالذي يعود إلى واضع اللغة أنّ "ضرب" لإثبات الضرب وليس لإثبات الخروج وأنّه لإثباته في زمان ماض وليس لإثباته في زمان مستقبل، فأمّا تعين من يثبت له فيتعلق بمن أراد ذلك من المخبرين والمعبرين عن ودائع الصدور والكاشفين عن المقاصد[69].
لقد أراد عبد القاهر بهذا أن يضع حدا فاصلا بين ما للغة وما للمتكلم من عناصر الدلالة في الكلام، فاللغة هي التي تحدد في الفعل "ضرب" أنّه يدلّ –معجميا- على إثبات الضرب ووظيفيا على إثباته في زمن مضى، أمّا ما يرجع إلى المتكلّم فهو تعيين الفاعل الذي يثبت له هذا المعنى، وإلى ذلك أشار بعض البلاغيين: "تعيين الفاعل منسوب إلى قصد المتكلّم ومفوض إليه...والعائد إلى الواضع تعيين المعنى وأنّه لإثبات الحدث المقترن بالزمان للفاعل. وبالجملة فأهل العربية يشترطون القصد في الدلالة، فما يفهم من غير قصد من المتكلّم لا يكون مدلولا للفظ عندهم[70].
· الدلالة القطعية والاحتمالية: يدرك المتأمّل في الجملة العربية ودلالتها على المعنى أنّها على ضربين: تعبير قطعي يدلّ على معنى واحد، وتعبير احتمالي يحتمل أكثر من معنى[71]، وهذه خاصية واضحة في طبيعة الجملة العربية –أقصد خاصية القطع والاحتمال- ومن أمثلتها قول بعضهم: اشتريت قدحَ ماءٍ بالإضافة واشتريت قدحًا ماءً فالجملة الأولى تعبير احتمالي؛ لأنّها تحتمل أنّك اشتريت ماء مقدار قدحٍ، وتحتمل أنّك اشتريت القدح أي الإناء. أمّا الجملة الثانية فدلالتها قطعية؛ لأنها لا تحتمل إلا أنك اشتريت ماء مقدار قدح. وأكّد الأشموني هذا المعنى بقوله: " النصب في نحو ذنوب ماءً..أولى من الجرّ؛ لأن النصب يدلّ على أن المتكلّم أراد أنّ عنده ما يملأ الوعاء المذكور من الجنس المذكور، وأمّا الجر فيحتمل أن يكون مراده ذلك وأن يكون مراده بيان أن عنده الوعاء الصالح لذلك[72]. وتقول: لا رجلَ في الدار ولا رجلٌ في الدّار، فالأولى نص في نفي الجنس، أمّا الثانية فتحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة[73].
· الدلالة الظاهرة والباطنة: يعنون بالدلالة الظاهرة المعنى الذي يعطيه ظاهر التركيب مثل سافر زيد وحجَّ عمرو، وأمّا الدلالة الباطنة فهي الدلالة التي تؤدّى عن طريق المجاز والكنايات والملاحن والإشارات، وما إلى ذلك[74]، كقوله: بعيدة مهوى القرط أي طويلة العنق، قال عبد القاهر الجرجاني: الكلام على ضربين: ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده؛ وذلك إذا قصد أن تخبر عن زيد مثلا بالخروج على الحقيقة فقلت: خرج زيد، وبالانطلاق عن عمرو فقلت: عمرو منطلق وعلى هذا القياس. وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، ولكن يدلّك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض.
ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل أو لا ترى إنك إذا قلت: هو كثير رماد القدر، أو قلت طويل النجاد، أو قلت في المرأة، نؤوم الضحى، فإنّك في جميع ذلك لا تفيد غرضك الذي تعني منه مجرد اللفظ، ولكن يدل اللفظ على معناه الذي يوجبه ظاهره، ثم يعقل السامع من ذلك المعنى على سبيل الاستدلال معنى ثانيا، هو غرضك كمعرفتك من كثير رماد القدر إنّه مضياف، ومن طويل النجاد إنّه طويل القامة...وكذا إذا قال: رأيت أسدا ودلّك الحال على إنّه لم يرد السبع علمت أنه أراد التشبيه، إلا أنه بالغ فجعل الذي رآه بحيث لا يتميز عن الأسد في شجاعته...وإذ قد عرفت هذه الجملة فههنا عبارة مختصرة وهي أن تقول: المعنى ومعنى المعنى. تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ، والذي تصل إليه بغير واسطة. وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر كالذي فسرت لك[75].
- تصور تمّام حسّان للدلالة النحوية:
اتّكأ جمع من النحاة القدامى في تفسيرهم للمعنى النحوي على فكرة الإعراب، ولم تلق هذه الفكرة ترحيبا من تمام حسان، كونها لا تعكس التصوّر الصحيح لفهم الدلالة النحوية؛ لأن الإعراب وحده لا يقوى على تبيان المعنى النحوي، فهو مجرد قرينة من مجموعة القرائن التي تتضافر لتوضيح هذا المعنى. لذلك اقترح تمام تصورا جديدا لفهم هذا النوع من الدلالات يستند إلى ما اصطلح عبد القاهر الجرجاني على تسميته بـ "التعليق"، وعَدَّ هذا المصطلح الفكرة المركزية في النحو العربي، وأنّ فهمه على وجهِهِ كاف لفهم طبيعة المعنى النحوي؛ ثمّ بيّن أنّ التعليق يحدّد بواسطة القرائن معاني الأبواب في السياق ويُفسّر العلاقات بينها على صورة أوفى وأفضل وأكثر نفعا في التحليل اللغوي لهذه المعاني الوظيفية النحوية، وأنّ مناط التعليق مبنيٌّ على القرائن المعنوية واللفظية والحالية[76]، ثم استرسل متحدّثا عن القرائن المقالية بقسميها المعنوية واللفظية، وترك الكلام عن القرائن الحالية أو المقامية إلى الفصل السادس الذي خصّه لنظرية السياق.
· القرائن المعنوية:
ليس الوصول إلى المبنى بواسطة العلامة من العمليات العقلية الكبرى في التحليل؛ لأنها أكثر ما تعتمد على الإدراك الحسي، لكن ما هو أكثر صعوبة من ذلك، هو انصراف العقل من المبنى إلى المعنى، وذلك لا يتأتى إلا بتضافر القرائن بشقيها المقالي من معنوي ولفظي، ومقامي فيما له صلة بالسياق الثقافي والحال وغير ذلك[77]. ولا يعني تضافر المعاني أنّ جميع القرائن يجب أن ترد في كل تأليف إسنادي ليحصل الفهم، وإنّما ذلك راجع إلى ما يتطلبه المعنى من القرائن، وما به يستغني ليفيد. وجملة القرائن المعنوية تتلخص في الآتي:
- الإسناد: علاقة رابطة بين المبتدأ والخبر، بين الفعل والفاعل أو نائبه، تصبح عند فهمها وتصورها قرينة معنوية على أن الأوّل مبتدأ والثاني خبر، أو على أنّ الأوّل فعل والثاني فاعل أو نائب فاعل، وغير ذلك. ويصل المعرب إلى قراره أنّ ذلك كذلك عندما يفهم العلاقة الرابطة بين الجزءين. مثال ذلك: "يؤتي الحكمة من يشاء" نُعرب "من" مفعولا أوّلا على رغم تأخر الكلمة، والحكمة مفعولا ثانيا على رغم تقدّمها، ويكون ذلك بإدراك ما بينهما من علاقة شبيهة بفكرة الإسناد، إذ نقول: إن "من" هي الآخذ و"الحكمة" هي المأخوذ. ويتأكّد هكذا أنّ علاقة الإسناد باعتبارها قرينة معنوية يحصل بها تمييز المسند إليه من المسند في الجملة تحصل في ظل ظاهرة كبرى تحكم استخدام القرائن جميعا هي "ظاهرة تضافر القرائن"، وهي ظاهرة ترجع في أساسها إلى أنّه لا يمكن لظاهرة واحدة أن تدلّ بمفردها على معنى بعينه، ولو حدث ذلك لكان عدد القرائن بعدد المعاني النحوية، وهو أمر يتنافى مع مبدإ عام آخر هو تعدّد المعاني الوظيفية للمبنى الواحد[78].
- التخصيص: قرينة معنوية كبرى تتفرع عنها قرائن معنوية أخص، منها: التعدية (المفعول به)، والغائية (تشمل المفعول لأجلهن والمضارع بعد اللام، وكي والفاء الخ)، والمعية (المفعول معه، والمضارع بعد الواو)، والظرفية (المفعول فيه)، والتحديد والتوكيد (المفعول المطلق)، والملابسة (الحال)، والتفسير (التمييز)، والإخراج (الاستثناء). وسمّيت هذه القرينة بالتخصيص لملاحظة أنّ كلّ ما تفرّع عنها من القرائن قيود على علاقة الإسناد؛ بمعنى أنّ هذه القرائن المعنوية المتفرّعة عن التخصيص يعبّر كل منها من جهة خاصة في فهم معنى الحدث الذي يشير إليه الفعل أو الصفة، فإذا قلنا: أتيت رغبة في لقائك أو كي ألقاك، فإنّك قد أسندت الإتيان إلى نفسك مقيّدا بسبب خاص، وهذا القيد وهو الغائية يعتبر جهة في فهم الإتيان؛ لأنّ هذا الإتيان بدون سبب أعم منه وهو مسبب، فالإتيان هنا مفهوم من جهة كونه مسببا عن الرغبة في اللقاء، وتكون الغائية وهي قرينة معنوية دالة على المفعول لأجله أو على معنى المضارع بعد الأدوات المذكورة، ومقيدة للإسناد الذي لولاها لكان أعم وتكون أيضا بسبب تقييدها هذا الإسناد دالة على جهة في فهم الحدث الذي يشير إليه الفعل[79].
- النسبة: هي قرينة معنوية كبرى كالتخصيص وهي قيد عام على علاقة الإسناد أو ما وقع في نطاقها أيضا، وهذا القيد يجعل علاقة الإسناد نسبية. كما أنّ هناك فرقا دقيقا بين معنى النسبة ومعنى التخصيص من حيث إنّ التخصيص تضييق والنسبة إلحاق. والمعاني التي تدخل تحت عنوان النسبة وتتخذ قرائن في التحليل والإعراب وفي فهم النص بصورة عامة هي ما يسمّى معاني حروف الجر ومعها معنى الإضافة. فإذا قلنا: جلس زيد على الكرسي، فإنّ الكرسي تعلّق بالجلوس بواسطة حرف الجر، ولم يتعلّق بالمضيّ[80]. وكي يتضح الفرق بين التخصيص والنسبة نتأمّل المثالين:
صحوت إذ تطلع الشمس من أمثلة التخصيص عن طريق الظرفية، والمعنى هو تقييد للإسناد زمنا، فالصحو كان وقت طلوع الشمس نصا لا غير.
أصحو في وقت طلوع الشمس من أمثلة النسبة؛ أي نسبة الصحو إلى وقت طلوع الشمس.
والخلاصة: الصحو في المثال الأوّل متوقف على زمن طلوع الشمس، فهو مقيّد به أمّا في المثال الثاني فالصحو منسوب إليه غير متوقف عليه[81].
- التبعيّة: هي قرينة معنوية عامة يندرج تحتها أربع قرائن، هي: النعت، والعطف، والتوكيد، والإبدال. وهذه القرائن المعنوية تتضافر معها قرائن أخرى لفظية؛ أشهرها قرينة المطابقة ثم إنّ أشهر ما تكون فيه المطابقة بين التابع والمتبوع هو العلامة الإعرابية، كما أنّ هناك قرينة أخرى توجد فيها جميعا هي الرتبة، إذ رتبة التابع هي التأخّر عن المتبوع دائما أيا كان نوعها.
- المخالفة: هي قرينة معنوية يقصد منها أنّ جزءا من أجزاء التركيب يخالف أحكام الإسناد الجاري، ويتضح ذلك جليّا في باب الاختصاص، نحو: "نحنُ العربَ لا نقبل الضيم"، فالعرب هنا جزء يخالف مقتضى الإسناد الذي يتطلّب خبرا؛ ولذلك لا يمكن أن تُعْرَب كلمة العرب خبرا؛ لأنّ المراد معنى يخالف ما ذكر وهو أَخصّ وأَعني. بخلاف إذا قال المتكلّم: نحنُ العربُ لا نقبل الضيم، فهنا لا يعني شيئا مما سبق من الاختصاص، إنّما يريد مجرّد الإخبار، فيجري الإسناد مطلقا دون تقييد أو مخالفة[82].
· القرائن اللفظية:
وتشتمل على ثمان قرائن:
- العلامة الإعرابية:
هي أوفر القرائن حظا من حيث اهتمام النحاة بها، "فالأسماء لمّا كانت تعتورها المعاني، فتكون فاعلة، ومفعولة، ومضافا إليها، ولم تكن في صورها وأبنيتها أدلة على هذه المعاني، بل كانت مشتركة، جُعلت حركات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعاني، فقالوا: ضرب زيد عمرا، فدلوا برفع زيد على أن الفعل له، وبنصب عمر على أن الفعل وقع به...وكذلك سائر المعاني جعلوا الحركات دلائل عليها، ليتسعوا في كلامهم...وتكون الحركات دالة على المعاني"[83]، ولا يُفهم من الكلام أنّ العلامة الإعرابية بمفردها قادرة على تحديد المعنى، بل لابد من تضافر القرائن، وهذا الحكم يصدق على كلّ قرينة[84]، ومن أمثلة أهمية الحركة الإعرابية في إدراك المعنى في القرآن الكريم: "إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ"[85]، أي إنّ العلماء يخشون الله، ولو لم تكن هناك حركة لتوهم السامع أو القارئ أنّ الله تعالى هو الفاعل؛ لتقدّمه، فيفسد على أثر ذلك المعنى.
- الرُّتبة:
الرتبة علاقة بين جزءين مرتبين من أجزاء السياق يدل موقع كل منهما من الآخر على معناه، ومن سماتها أمن اللبس، نحو: أجلس موسى عيسى، وبكلام مختصر هي حفظ موقع الكلمة، وقد فرّق تمام بين نوعين؛ الرتبة المحفوظة وهذه مجالها النحو لو اختلت لاختل التركيب باختلالها كتقديم الموصول على الصلة، والموصوف على الصفة، وكتأخّر البيان على المبيّن، والمعطوف بالنسق عن المعطوف عليه، والتوكيد عن المؤكّد، والبدل عن المبدل، والتمييز عن الفعل، ونحوه، وصدارة الأدوات في أساليب الشرط والاستفهام والعرض والتحضيض ونحوها، وغير ذلك من الصور. وهناك الرتبة غير المحفوظة كالتقديم والتأخير وهذه مجالها البلاغة[86].
- الصيغة:
الصيغ من القرائن اللفظية، وهي فروع على مباني التقسيم، فللأسماء صيغها، وللصفات والأفعال صيغها كذلك، واستقر عند النحاة أنّ الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ يطلب فيها أن تكون أسماء، وأنّ المصادر من بين الأسماء تكون مفعولا مطلقا ومفعولا لأجله، وأن المطلوب في الخبر والحال والنعت المفرد أن تكون صفات ويكون الخبر والحال والنعت هي العناصر التي اعتمدت عليها الصفات، وأنّ التمييز اسم نكرة جامد. ومن سمات معاني الصيغ أنّها تكون وثيقة الصلة بالعلاقات السياقية، فبعض الصيغ معناها اللزوم وأن المتعدّي من الأفعال ما وصل إلى المفعول به بلا واسطة[87].
- المطابقة:
المطابقة لها ارتباط بالصيغ الصرفية والضمائر، في حين ليس في الأدوات ولا الظروف مطابقة؛ إلا النواسخ المنقولة عن الفعلية فإن علاقاتها السياقية تعتمد على قرينة المطابقة[88]، وتكون المطابقة فيما يأتي:
· العلامة الإعرابية: نحو يُفلح الطالبُ المجتهدُ، في حال إزالة العلامة الإعرابية: يُفلح الطالبُ المجتهدَ (بفتح الدال في المجتهد).
· الشخص (التكلم والخطاب والغيبة): نحو يُفلح الطالبُ المجتهدُ، في حال إزالة الشخص: تُفلح الطالب المجتهد (بالتاء المضمومة).
· العدد (الإفراد والتثنية والجمع): نحو يُفلح الطالبُ المجتهدُ، في حال إزالة العدد: يُفلح الطالب المجتهدان (بالتثنية).
· النوع(التذكير والتأنيث): نحو يُفلح الطالبُ المجتهدُ، في حال إزالة النوع: يُفلح الطالبُ المجتهدُة (بالتاء).
· التعيين (التعريف والتنكير): يُفلح الطالبُ المجتهدُ، في حال إزالة التعيين: يُفلح الطالبُ مجتهد (بالتنكير).
- الربط:
يدلّ الربط على اتصال أحد المترابطين بالآخر، كأن يكون بين الموصول وصلته، وبين المبتدأ وخبره، وبين الحال وصاحبه، وبين المنعوت ونعته، وبين القسم وجوابه وبين الشرط وجوابه[89]، الخ. قال ابن هشام: "ويقع الخبر جملة مرتبطة بالمبتدأ برابط من روابطَ أربعة. أحدها الضميرُ، وهو الأصل في الربط، كقولك: زيد أبوه قائم...الثاني: الإشارة، كقوله تعالى: "ولباس التقوى ذلك خيرٌ"[90]...الثالث: إعادة المبتدأ بلفظه، نحو: "الحاقة ما الحاقة"[91]...الرابع: العموم، نحو: زيد نعم الرجل"[92].
- التضام:
يُطلق التضامّ ويراد به:
· التوارد: وهو الطرق الممكنة في رصف جملة ما فتختلف طريقة كل منها عن الأخرى تقديما وتأخيرا، وفصلا ووصلا، وهلم جرا، وهو أقرب إلى اهتمام دراسة الأساليب التركيبية البلاغية الجمالية منه إلى دراسة العلاقات النحوية والقرائن اللفظية.
· التلازم أو التنافي: وهو أن يستلزم أحد العنصرين التحليليين النحويين عنصرا آخر، فيسمى التضام هنا "التلازم" أو يتنافى معه فلا يلتقي به ويسمّى هذا "التنافي"، وعندما يستلزم أحد العنصرين الآخر فإن هذا الأخير قد يدلّ عليه بمعنى وجودي على سبيل الذكر، أو يدلّ عليه بمعنى عدمي على سبيل التقدير بسبب الاستتار أو الحذف وهذا المعنى الذي قصد إليه تمام حسان، ومثّل له في باب الذكر بـ تلازم الموصول صلته، وطلب كلا وكلتا مضافا إليه معرفة مثنى، وطلب العائد مرجعا، والتلازم بين حرف الجر ومجروره، والمبهم وتمييزه، وواو الحال وجملة الحال، وحرف العطف والمعطوف، والنواصب والجوازم والفعل المضارع، والجواب الذي لا يصلح شرطا، والحرف الرابط، وهلمّ جرّا. فالمضاف والمضاف إليه يتطلب أحدهما الآخر، وبالمعنى العدمي يحذف كل منهما مع وجود القرينة نحو: "واسأل القرية"، "ولله الأمر من قبل ومن بعد". وفي باب الاستتار إذا وجدنا "ال" استبعدنا معنى الإضافة المحضة، وإذا وجدنا "التنوين" استبعدنا معنى الإضافة بقسميها[93].
- الأداة:
الأدوات من القرائن المهمة جدا في الاستعمال العربي، وهي على نوعين: أحدهما الأدوات الداخلة على الجمل، والثاني الأدوات الداخلة على المفردات. فأمّا الأدوات الداخلة على الجمل من النواسخ جميعها وأدوات النفي والتأكيد والاستفهام والنهي والتمني والترجي والعرض والتحضيض والقسم والشرط والتعجّب والنداء؛ فرتبتها على وجه العموم الصدارة، وأمّا الأدوات الداخلة على المفردات كحروف الجر والعطف والاستثناء والمعية والتنفيس والتحقيق والتعجّب والتقليل والابتداء والنواصب والجوازم التي تجزم فعلا واحدا فرتبتها دائما رتبة التقدّم. ولكل أداة من هذه الأدوات ضمائمها الخاصة، فهي تطلب بعدها شيئا بعينه فتكون قرينة متعددة جوانب الدلالة[94].
- النغمة:
التنغيم هو الإطار الصوتي الذي تقال فيه الجملة، وله دلالة وظيفية على معاني الجمل؛ تتضح في صلاحية الجمل التأثيرية المختصرة نحو: لا، نعم، يا سلام، الله . تقال بنغمات متعدّدة ويتغيّر معناها النحوي والدلالي مع كل نغمة بين الاستفهام والتوكيد والإثبات لمعان مثل الحزن والفرح والشك والتأنيب والاعتراض والتحقير، وهلم جرا حيث تكون النغمة هي العنصر الوحيد الذي تسبب عنه تباين هذه المعاني؛ لأن هذه الجملة لم تتعرض لتغيّر في بنيتها ولم يضف إليها أو يستخرج منها شيء، ولم يتغيّر فيها إلا التنغيم وما قد يصاحبه من تعبيرات الملامح وأعضاء الجسم مما يعتبر من القرائن الحالية[95].
- العمل التطبيقي:
- تشتمل المؤلفات التراثية ككتب معاني القرآن وكتب الإعجاز وكتب التفسير وغير ذلك، على جملة من التوجيهات الدلالية، كان للنحو أثر بيّن فيها. وضّح ذلك.
- اقرأ كتاب "الجملة العربية والمعنى" لفاضل السامرائي ثم اختصر الأمور التي يجب أن يتصف بها المعنى الذي تؤدّيه الجملة.
محاضرة
دلالة السياق
ارتبط مصطلح السياق في البيئة والثقافة اللسانية الغربية بعالمين اثنين أحدهما أنتروبولوجي ويسمّى ماليونوفسكيMalinowski ، والآخر لغوي يدعى فيرث J.R.Firth وكلاهما اهتم بالمعنى، ذلك من خلال النظر إلى السياق الذي تستخدم فيه اللغة، لكن هذا الاتفاق حول فاعلية السياق بوصفه مبدءا جوهريا يخدم علم الدلالة الوصفي والتاريخي لا يعني اتفاقا في طرائق البحث عندهما، بل هناك اختلاف بيّن نلحظه على مستوى الإجراء الفعلي والوظيفي.
- السياق لدى اللسانيين الغربيين:
عدّ ماليونوفسكي الكلام المنطوق ذا دلالة ومعنى انطلاقا من السياق الذي استخدم فيه ،وهذا ما جعل أفكاره مبنية على ملاحظاته للطريقة التي توافقت فيها لغة القبائل التي كان يدرسها مع نشاطاتهم اليومية ،وكانت بالتالي جزءا يتعذّر فصله عنها. وهذا التأصيل العلمي لم يشفع لماليونوفسكي ولم يكن مانعا من توجيه عدد من الآراء النقدية له ،فبالرغم مما قدّمه من إسهامات ترقى إلى مستوى النماء والإبداع الفكري -فإنّها حسب بالمر Palmar تظل لا توفّر الأساس والدعم المرجعي لأية نظرية دلالية علمية ،ذلك أنّ ماليونوفسكي لا يناقش الطرق التي يمكن بها تناول السياق بأسلوب منظّم ،وهذا العجز والقصور أدّى إلى الإفادة والاستنجاد بمقترحات فيرث[96].
تبنّى فيرث فكرة ماليونوفسكي ،وأقرّ بأنّه مدين له ،ولكن في الآن نفسه تنبّه وأدرك أنّ سياق الحال بالصورة التي قدّمها ماليونوفسكي لم يكن مرضيّا للاتجاه اللساني الأكثر دقّة وإحكاما، فنجم عنه عزوف عن اعتبار السياق جزءا من العملية الاجتماعية فقط ،بحيث يمكن تأمّله منفردا إلى عدّه أداة من أدوات عالم اللغة كذلك مثله مثل الطرق الموظّفة في النظام النحوي تستدعي مجموعة من المؤثرات والفصائل بمعنى أنّ السياق يتعامل مع المعنى باعتبار الارتباطات الحسية أو العلائقية Sense relation بالنظر إلى العلاقات بين الكلمات سواء أكانت علاقات تلاؤمية Syntagmatic أم علاقات استبدالية Paradigmatic [97].
وتعني التلاؤمية هنا علاقة العنصر اللغوي مع العناصر الأخرى في مجال اللغة الذي يقع فيه ،في حين تعني الاستبدالية علاقته مع العناصر التي قد يستبدل بها أو يقوم مقامها.بالإضافة إلى هذا ركّز فيرث على الملامح الوثيقة بالمشتركين والتي تشمل الحدث الكلامي ،والحدث غير الكلامي ،ومدى فاعلية الأشياء ذات الصلة بالموقف ،وأثر الحدث الكلامي في بيان المعنى.
وعلى هذا فإنّ فيرث في نظريته الدلالية عمّق مفهوم المعنى الذي اختزله ماليونوفسكي بربطه بالبيئة الاجتماعية ،ليجعل منه فيرث المحصّلة النهائية لتحليل الحدث اللغوي تدريجيا على مستويات اللغة كافة ،الاجتماعية ،والصوتية ،والصرفية والنحوية ،والمعجمية ،يقول: "لمعرفة المعنى يمكن أن نتقبّل الحدث اللغوي بشكل كامل ،وبعد ذلك نختبره على مستويات مختلفة بالترتيب التنازلي مبتدئين بالسياق الاجتماعي ،ونتقدم من خلال النحو والمفردات إلى الأصوات ووظائفها"[98].
كما نجد أنّ فندريس Vendryes قد نوّه بأهمية السياق في بيان وتعيين قيمة الكلمة مشيرا إلى أنّ الكلمة توجد في كل مرّة تستعمل فيها في جو يحدّد معناها تحديدا مؤقتا ، وهذا ما جعل السياق آلية قادرة على فرض قيمة واحدة بعينها على الكلمة على الرغم من المعاني المتنوعة التي في وسعها أن تدلّ عليها، كما أكّد أنّ السياق هو الكفيل الوحيد الذي يمكن أن يخلّص الكلمة من الدلالات الماضية التي تدعها الذاكرة تتراكم عليها، وهو الذي يخلق لها قيمة حضورية، ولكن الكلمة بكل المعاني الكامنة توجد في الذهن مستقلة عن جميع الاستعمالات التي تستعمل فيها مستعدة للخروج والتشكّل بحسب الظروف التي تدعوها[99].
وفي هذا الصدد يقول إبراهيم أنيس: "وكان لهذا أستاذ الأدب الإنجليزي يحذّرنا من تلك الألفاظ التي نظنّ أنّنا نفهم معناها ،ويقول لطلابه إنني لا أخشى عليكم في أدب شكسبير من تلك الألفاظ الغربية التي لم تصادفوها في نصوص أخرى ،أو لم تسمعوا بها من قبل ،ولكني أخشى عليكم من تلك الألفاظ التي لا تزال تشيع بصورتها القديمة في الأدب الإنجليزي الحديث ،والتي يخطر في أذهانكم لأوّل وهلة أنّ دلالتها واضحة مألوفة لكم جميعا ،فهي محل الزلل والخطأ ؛لأنّ كثيرا منها قد تطورت دلالته ،وتغيرت مع الزمن. أما الأولى فأمرها هيّن لا تكلفكم سوى البحث عنها في مظانها والوقوف على معناها"[100]، على حين الثانية تفرض عليكم الاستعانة بالسياق وبخاصة السياق الاجتماعي.
- السياق في المدونة الأصولية العربية:
السياق بوصفه مبدءا مهما للتأويل اهتمّ به علماؤنا العرب في التراث وأشادوا بدوره وفاعليته ،ومن أولئك نذكر علماء أصول الفقه والتفسير فقد ركّزوا في قراءتهم للنصين القرآني والنبوي على أن يكون السياق حاضرا لتجنّب أي انزياح دلالي وأي تأويل منحرف، فاستمساكهم به دليل على حرصهم الشديد للوصول إلى المعنى المراد من الكلام، حتّى إنّه يكاد يغلب على بحثهم ومنهجهم أنّ الدلالة في كلّ موضع إنّما تتحقّق بحسب السياق .
وعلى وفق هذا التصوّر والمنحى الفكري ظهر أنّهم لا يركّزون جهدهم في تفسير النصوص على المستوى المعجمي، ،والنحوي، والصرفي فحسب، وإنّما يردفون إليها مبدأ السياق؛ لأنّ المستويات السابقة تكشف المعنى السطحي و الظاهر، في حين يكشف السياق المعنى المخبوء و المقصود للمتكلم، يقول ابن قيّم الجوزية:" والسياق يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق و تنوّع الدلالة .
وهذا من أعظم القرائن الدّالة على مراد المتكلّم فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظراته، فانظر إلى قوله تعالى:"ذق إنّك أنت العزيز الكريم" كيف تجد سياقه يدلّ على أنّه الذليل الحقير "[101]، وفي هذا النص إشارات عدة ؛لعلّ من أهمّها أنّ السياق ليس مجرد حالة لفظ، وإنّما كما قال فان ديك "متوالية من أحوال اللفظ"[102]
وبوادر الاهتمام بالسياق بوصفه عنصرا فعّالا و مصطلحا فنّيا تعود جذوره إلى الشافعي الذي عقد بابا في رسالته أسماه "باب الصنف يبيّن سياقه معناه "[103] والفصول التي خصّصها وعرض فيها تصوره الأصولي قائمة أساسا على هذا المبدإ المهم ،وإن كان في الغالب لا يصرّح بلفظه، وإنّما يكتفي بتلميحات و إشارات تدلّ عليه، وقد جاء في توصيف نسق التواصل اللغوي عند العرب قوله:" وتبتدئ – أي العرب – الشيء من كلامها يبيّن أوّل لفظها فيه عن آخره، وتبتدئ الشّيء يبيّن آخر لفظها منه عن أوّله "[104].
ويحيل هذا الإدراك المبكّر لفكرة السياق على أنّ الأصولي كان دائما يعتبر السياق قيمة مرجعية لفهم النص، وأي إهمال لهاته القيمة يصحبه مغالطات وانحرافات على مستوى التأويل. وقد عدل الشاطبي عن لفظ السياق إلى لفظ المساق الذي يشمل سياق النص وسياق الموقف، وأكّد ضرورة و حتمية الاستنجاد به لفهم مقصود الشارع، يقول في هذا الشأن:" المساقات تختلف باختلاف الأحوال و الأوقات والنوازل، وهذا معلوم في علم المعاني و البيان، والذي يكون على بال من المستمع و المتفهّم الالتفات إلى أوّل الكلام و آخره بحسب القضية وما اقتضاه الحال فيها، لا ينظر في أوّلها دون آخرها، ولا في آخرها دون أوّلها...ولا محيص للمتفهّم عن رد آخر الكلام على أوّله، وأوّله على آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع في فهم المكلف "[105].
ويتضام في البيئة الأصولية لفظ السياق مع لفظ السباق، وغالبا ما يفهم أنّ السباق ما سبق إلى الذهن على موضع الإشكال أو الحكم، والسياق ما سيق من أجله النص ،قال العطّار في حاشيته:" و قرينة السياق هي ما يؤخذ من لاحق التركيب الدّال على خصوص المقصود أو سابقه، وأمّا قرينة السباق – بالباء الموحدة – فهي دلالة التركيب على معنى يسبق إلى الفهم منه مع احتمال إرادة غيره ،وتسمّى دلالة السباق"[106]والأخرى دلالة السياق. وعليه المفكّر لم يغفل الأصولي البتة عن دور ومهام السياق في إبانة المقصود وهي الحقيقة التي تؤكّدها الدراسات اللسانية الحديثة، فقد اعتبرت السياق نصا آخر أو نصا مصاحبا للنص الظاهر[107]. وفي هذا إشارة إلى وجود خطابين خطاب متوار أو مسكوت عنه، و خطاب ملفوظ.
- أنواع الأسيقة لدى الأصوليين:
وُفّق عبد الحميد العلمي في حصر أنواع الأسيقة لدى الأصوليين، إذ ذكر الآتي:[108]
1- السياق اللغوي: وهو السياق الذي يعنى به علماء الدلالة، وأوّل ما يطالعنا فيه دعوة الشاطبي إلى أنّ "كلام العرب على الإطلاق لابدّ فيه من اعتبار المساق"[109]، وهو نوعان:
1-1-سياق لغوي في وضعه الإفرادي، مداره أنّ فهم اللفظ في الكلام لا يتمّ إلّا بردّ أوّله على آخره، والنظر في أحواله وأطرافه، و"لا يصحّ الاقتصار في النظر على بعض أجزاء الكلام دون البعض إلّا في موطن واحد هو النظر في فهم الظاهر بحسب اللسان وما يقتضيه لا بحسب مقصود المتكلّم"[110].
1-2-سياق لغوي في وضعه الاستعمالي، وأساسه اعتبار مقاصد اللسان ملاك البيان لأنّ "العرب تطلق ألفاظ العموم بحسب ما قصدت تعميمه ممّا يدلّ عليه معنى الكلام خاصة دون ما تدلّ عليه تلك الألفاظ بحسب الوضع الإفرادي، كما أنّها أيضا تطلقها وتقصد بها تعميم ما تــدلّ عليه في أصل الوضع وكل ذلك ممّا يــدلّ عليه مقتضى الحال".وهذا الاعتبار استعمالي والأوّل قياسي، "والقاعدة في الأصول العربية أنّ الأصل الاستعمالي إذا عارض القياسي كان الحكم للاستعمالي"[111].
1-3-سياق لغوي في وضعه الاستعمالي الشرعي، وهو مقدّم على الاستعمال العربي لأنّ "نسبة الوضع الشرعي إلى مطلق الوضع الاستعمالي العربي كنسبة الوضع في الصناعات الخاصة إلى الوضع الجمهوري"[112].
2- سياق التخاطب: مداره على معرفة "مقتضيات الأحوال؛ حال الخطاب من جهة نفس الخطاب أو المخاطِب أو المخاطَب أو الجميع إذ الكلام الواحد يختلف فهمه بحسب حالين وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك"[113].
3- سياق التنـزيل: يرتبط هذا النوع من المساق بالنص القرآني، ومعرفته "لازمة لمن أراد علم القرآن"[114]، ويستدعي النظر عند إجراء الدليل إلى أحوال وأزمنة وعادات المكلّفين؛ لأنّ "المساقات تختلف باختلاف الأحوال والأوقات والنوازل"[115].
4- سياق المقاصد: يقتضي إيغال فكر ونظر في العلل وتفاريق الأمارات، وأوجه الحكم الجزئية والمصالح الكلّية التي تتجسّد معانيها في مقاصد الشرع، ويدل عليه أيضا المساق الحكمي "وهذا السياق يختصّ بمعرفته العارفون بمقاصد الشارع"[116]، تمييزا له عن المساق اللغوي الذي يدرك بمطلق الفهم العربي في الاستعمال. ويشير الشاطبي إلى" أنّ المقاصد التي ينظر فيها قسمان: أحدهما يرجع إلى قصد الشارع ،والآخر إلى قصد المكلّف"[117]، وبينما ترك قصد المكلّف من دون تنويع نوّع قصد الشارع إلى أربعة أنواع هي:[118]
أ- " قصد الشارع في وضع الشريعة ابتداء".
ب-" قصده في وضعها للإفهام".
ج-"قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها".
د-"قصده في دخول المكلّف تحتها".
ويكتسي المقصد الأوّل (أ) أهمية بالغة ضمن المنظومة المقاصدية في التبحّث الأصولي إلى درجة جعلِه –حسب عبد الله دراز- كالأصل الذي "يكون ما عداه كالتفصيل له"[119]، وقد قسّمه الشاطبي إلى ثلاثة أقسام:
4-1-المقاصد الضرورية: التي"لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا"[120]، فإن فقدت أو انخرمت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة وخير، وتسمّى الأصول والضروريات والكليات الخمس وهي حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال والعقل.
4-2-المقاصد الحاجية: وهي "رفع الضيق المؤدي غالبا إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب"، وبعدم مراعاتها يحصل "الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة"[121].
4-3-المقاصد التحسينية: وهي كل ما كان راجعا "إلى محاسن زائدة على أصل المصالح الضرورية والحاجية إذ ليس فقدانها بأمر ضروري ولا حاجي وإنّما جرت مجرى التحسين والتزيين"[122]، فالغرض منها التحسين والتجميل.
5- سياق الاستقراء: هذا النوع حاضر في مختلف المباحث والقضايا الأصولية؛ لأن علم أصول الفقه في حدّ ذاته "استقراء كليات الأدلّة حتّى تكون عند المجتهد نصب عين، وعند الطالب سهلة الملتمس"[123].
- أنواع السياق لدى اللسانيين المحدثين:
أكّدت الدراسات الدلالية واللغوية التي أجريت حول السياق أنّ هناك خمسة أسيقة ينبغي أن تراعى في تحليل خطاب ما تحليلا لسانيا، أربعة منها تدخل ضمن اهتمامات علم الدلالة وهي السياق اللغوي، والعاطفي، والاجتماعي، والثقافي، والخامس سياق تداولي يندرج ضمن اهتمامات علم جديد يسمى التداولية أو علم التخاطب pragmatique.
1- السياق اللغوي –المعجمي-:
نشير في هذا المقام إلى أنّ إفراد السياق اللغوي-المعجمي- عن الأسيقة الأخرى الثقافية والعاطفية والحالية والتداولية لا يعني إمكان تمثل هذه الأسيقة بمعزل عنه، لا نقصد ذلك، إنما المقصود أنّ المعجمي في عمله يهتم بالدلالة اللغوية للفظة من دون الإشارة إلى الدلالات العاطفية والثقافية والتداولية التي تحملها فكلمة وزير مثلا في قوله تعالى: "واجعل لي وزيرا من أهلي"[124] تحمل إليك ما أحسّه موسى عليه السلام من الحب والتقدير لأخيه، وما يحسه العاجز عن أن ينهض بعبء ثقيل، فيلتمس العون من أقرب الناس إليه، وهذه المعاني العاطفية لا يقدمها لك السياق اللغوي-المعجمي-، أضف إلى ذلك أنّ كلمة "وزير" نفسها تدل دلالة أخرى في نص آخر، والنص الآخر بيت لشاعر عباسي، وهو:
سبحان ربي الخالق الباري صرت وزيرا يا ابن عمار
فإذا عرفت أنّ ابن عمار كان طحانا، لا حظّ له من علم أو سياسة، ثم رفعه القادر إلى كرسيّ الوزارة أدركت حينها ما تنطوي عليه كلمة الوزير من السخرية والاحتقار والعجب ونقد الأحوال السياسية والاجتماعية، ومن التنديد بالوزير وبمن استوزره، وبمن دانوا لوزارته[125]. وعليه المقصود بالسياق اللغوي ما يقدمه صاحب المعجم من دلالات لغوية للكلمة من دون الإشارة إلى دلالاتها الثقافية والعاطفية.
هو الكم الدلالي المدرك من مدخل معجمي واحد مرتبط بمداخل أخر في نظام الجملة ،أو هو حصيلة استعمال الكلمة داخل نظام الجملة متجاورة وكلمات أخرى ؛مما يكسبها معنى خاصا محدّدا ،ويمكن التمثيل لذلك بمدخلين لسانيين جاء ذكرهما في مؤلَّف أبي البقاء العكبري "المسائل العُكبريّات في اللغة والنحو والقراءات".ذكر في مبحث اللغة أنّ المدخل المعجمي "النفس" يختلف مدلوله من سياق لغوي إلى آخر ،كما هو مبيّن في الخطابات الآتية:[126]
- قال تعالى: "ومَا كَانَ لنفْسٍ أنْ تموتَ إلَّا بإذْنِ الله كِتابًا مؤَجَّلا"[127] ،وقال عزّ وجلّ: "كُلُّ نَفْسٍ ذائقةُ الموْتِ ثُمَّ إليْنَا تُرْجعونَ"[128] ،وقال الهذليُّ:
نَجَا سالمٌ والنّفْسُ منْهُ بِشِدقِهِ ولمْ ينْجُ إلَّا جَفْنَ سيْفٍ ومئْزَرا
مدلول النفس في الآيتين والبيت هو الكائن الحيّ ،من إنسان أو حيوان وهي التي تموت بموته.
- قال تعالى: "تعْلَمُ ما في نَفْسِي ولَا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ"[129] ،النفس هنا بمعنى الغيب ؛أي تعلم غيبي ،وما عندي ،ولا أعلم غيبك ،وما عندك وقيل إنّها بمعنى عند ؛أي إنّك تعلم ما عندي ولا أعلم الذي عندك.
- قال تعالى: "يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطمَئِنّةُ ارْجِعِي إلى ربِّك راضِيَةً مَرْضِيَّةً"[130] النفس في الآية بمعنى الروح.
- قال عبيد الله بن قيس الرُّقَيَّات القرشي المكي:[131]
يَتَّقِي أَهْلُهَا النَفُوسَ علَيْهَا فَعَلَى نَحْرِهَا الرُّقى والتميم
النفس في البيت بمعنى العين التي تصيب الإنسان ،ومنه قول العرب:
أصَابَت فلانا نفْسٌ ؛أي:عيْنٌ.قال ابن الأعرابي: النَّفُوسُ الرَّجُلُ الذي يُصيبُ بالعيْن.
- قال البارِقيُّ-ويُقال إنّ البيت للممزّق العبدي:
فَبَاتَتْ لها نَفْسَانِ شَتَّى هُمُومُهَا فَنَفْسٌ تُعَزِّيها ،ونَفْسٌ تَلُومُهَا
مدلول لفظ النفس في هذا الموضع الهِمَّةُ والإرادة.
- قال السَّمَوْألُ:[132]
تَسِيلُ على حدِّ الظُبَاتِ نُفُوسُنَا وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تسيلُ
النفس هنا بمعنى الدّم.
- قال تعالى: "فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُم"[133] ،يراد بالنفس الأخ.
- قال تعالى: "أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسرَتى على ما فرَّطتُ في جَنْبِ الله"[134] المراد بالنفس في سياق الآية الإنسان جميعه .
بنظرة عجلى إلى ما سلف تبيّن أنّ السياق اللغوي جعل المعنى سهل الانقياد للفهم وللملاحظة وللتحليل الموضوعي، وفي الآن نفسه فتح المجال أمام المخاطَب ليتحرّك في نسق بناء المعنى والتأويل على مستوى هذه الدلالات. ويمكن أن نزيد الأمر وضوحا بمدخل لساني آخر، وهو "الوجه"، الذي له في سياق البيان العربي عدّة معان، منها:[135]
- الوجه المعروف من كُلّ حيوان، وهو الذي يكون فيه العينان والأنفُ والفمُ.
- مُحَيَّا الإنسان ؛أي جماعة الوجْه ،ويقال: حُرُّ الوَجْهِ.
- أنّ الوجْه للبيت هو الخَدُّ ،ويكون فيه بابُه ،ومنه قولُهُم: وجْهُ الكعبة.
- أنّه القصْدُ ،وبه فُسِّر قوله تعالى: "وَمَنْ يُسْلِم وَجْهَهُ إلَى اللهِ وهوَ مُحْسِنٌ فقَدْ اسْتَمْسَكَ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى"[136] ،ويكون ذلك بفعل الإنسان وإرادته وبتوفيق من الله تعالى. ومنه قول الشاعر:
وأسْلَمْتُ وَجْهِي حين شُدَّتْ ركائبي إلى آل مروانٍ ،بناةِ المكارِمِ
يريد أنّني جعلْت الإرادة والقصْدَ لهم.
- أنّ الوَجْهَ القلْبُ ،ومنه قوْلُهُ عليه الصلاةُ والسلامُ: "لَتُسَوُّنَّ صُفُفوَكُم أو لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بينَ وُجوهِكُم"[137] ،أراد قُلوبَكُم.
- أنّ وجْهَ كُلّ شيءٍ هو ما يبدو لك منْه ،ومنه قولهم: وَجْهُ النَّجْم ؛أي ما بدا منه وظَهَر للعيان.
- أنّه القَدْرُ والمنْزِلَةُ ،ومنه قولُهم: زيدٌ أوْجَهُ من عمرو ؛أي هو أجَلّ منْه قدْرا ،ويقولون: لهُ وجْهٌ عريضٌ ؛أي: منْزِلَةٌ عظيمةٌ ،وأَوْجَهَهُ السلطانُ إذا جعل له منزلةً عنده ،ومنه قول امرئ القيس:[138]
ونَادَمْتُ قَيْصَرَ في مُلْكِهِ فَأَوْجَهَنِي ،ورَكِبْتُ البَرِيدا
- أنّ الوجْهَ المعْنى ،وفي حديث أبي الدّرداء: "ألا تفقه حتّى تَرَى للقرآن وجوهًا"[139] ،يريد معانيَ.
- الرئيس ،أو الزّعيمُ ،أو السيّدُ ،يقال: هؤلاء وجوه البَلَد ؛أي هم رؤساؤه وأشْرافُهُ.
- التّدبير ،وبه فُسِّرَ قَوْلُهُ تعالى: "وللهِ المَشْرِقُ والمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ"[140] ؛أي: تدبيره.
- أنّ وَجْهَ الشيءِ الشيْءُ نفْسُهُ.من باب دلالة الجزء على الكل ؛ولم يذكر له العكبري مثالا ،ومنه قوله تعالى: "وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"[141].
- أنّه الجاه ،والعرب تقول: رجلٌ وَجْهٌ ووجيهٌ ؛أي إنّهُ ذو جاه.
- أنّ وجْهَ كلِّ شيء سننُهُ ،وصَرَفْتُ الشّيء عنْ وجهه ؛أي عن سننه.
- أنّه الجِهةُ والمَذْهَبُ ،قال حمزة بن بيض الحنفي:
أيَّ الوُجوهِ انْتَجَعْتَ؟ قُلْتُ لَهُمْ: لأيِّ وَجْهٍ إلَّا إلى الحَكَمِ
- أنّه الاحتيال في الأمر ،وهو من قولهم: كيف يكون الوَجْهُ في هذا الأمرِ؟ أي كيف تكون الحيلةُ فيه؟.
- أنّ وجْهَ كُلِّ أمْرٍ إنّما هو أوّلُهُ وَصَدْرُهُ ،وما يستقبلك منه، وبه فُسّر قوله تعالى: "ءامنوا بالذي أُنْزِلَ على الذينَ ءامنوا وَجهَ النَّهارِ وَاكفُرُوا ءاخرَهُ"[142].
- أنّه الرّضا ،قال تعالى: "ذلك خَيْرٌ للّذين يُرِيدونَ وَجْهَ اللهِ"[143] ، وقال سبحانه: "إنَّما نُطْعِمُكُم لِوَجْهِ اللهِ"[144] ؛ أي: لرضوانه وثوابه، وقيل: إن الوجه في الآية الأخيرة بمعنى من أجْل؛ أي نطعمكم من أجل الله.
تبيّن أن اللغة تمدّ المتكلّم والكاتب بقدر من الدلالات للفظ الواحد، وفي هذا دليل على طواعيتها، ولكن في الآن نفسه تفرض على المتلقي والقارئ الحراك على مستوى هذه الدلالات، وتدعوه للاستعانة بالسياق اللغوي لبيان الدلالة المقصودة لذلك اللفظ نفسه المتكرر في أبنية الخطابات والنصوص.
2- السياق العاطفي:
السياق العاطفي هو السياق الذي يسعى إلى الكشف عن المعنى الوجداني الذي قد يختلف من شخص إلى آخر، فهو سياق يحاكي المشاعر والانفعالات المخبوءة في ذات الإنسان ،والتي تحملها معاني الألفاظ ،يقول ستيفن أولمان: "السياق وحده هو الذي يوضّح لنا ما إذا كانت الكلمة ينبغي أن تؤخذ على أنّها تعبير موضوعي صرف أو أنّها قُصد بها أساسا التعبير عن العواطف والانفعالات وإلى إشارة هذه العواطف والانفعالات. ويتضح هذا بخاصة في مجموعة معيّنة من الكلمات ،نحو: حرية وعدل التي قد تشحن في كثير من الأحيان بمضامين عاطفية بل إنّ بعض الكلمات المستعملة في الحياة اليومية العادية قد تكسب نغمة عاطفية قوية ،وغير متوقعة في المواقف الانفعالية"[145].
والسياق العاطفي مرتبط بالنفس ارتباطا وثيقا ،وهذا الارتباط يختلف من شخص إلى آخر ،وكل كلمة تذكر يكون صداها لدى المتلقي تابعا لحالته النفسية ومثاله في حقل الأدب ما جاء ذكره في الأغاني أنّ يزيد بن أسلم روى عن أبيه أنّ الحطيئة حين أخرجه الخليفة عمر رضي الله عنه من السجن أنشد:[146]
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر؟
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمـر
لقد أراد الحطيئة أنّ يصوّر مشهدا يعكس فيه حال الأبناء الصغار وهم جياع في موقف السائل الراجي عفو الخليفة عن أبيهم ،هنا تبدّى أنّ المعنى المدرك من خلال السياق هو الاستعطاف ،كما أنّ هناك معاني عاطفية محمّلة في الألفاظ تتفرّع عنه ،كالجوع الذي لا يدفعه غير أبيهم ،فهم زغب الحواصل ،ولا يطعم الطيور إلّا الآباء والأمهات ،كما تعني الرعب والرهبة "في قعر مظلمة" ،وتشمل كذلك طلب العفو "اغفر...يا عمر" ،فهذه الألفاظ من حيث الدلالة الصوتية ومن حيث التركيب تنفرد بحمولة عاطفية يطلبها السياق ؛ليكون المعنى قادرا على التأثير على الخليفة العادل[147].
وعليه كانت دلالة الصورة النابعة من الوجدان إحدى الوسائل التي تضافرت مع الدلالة الصوتية ودلالة التركيب في تحقيق حيوية المعنى الذي يتطلبه السياق العاطفي ،بحيث يصبح نمو الفكرة رهن ما يضيفه السياق إليها ،ليغدو أخيرا نشاطا من نشاطات الفكرة أو إفرازا لها ،وفي الوقت نفسه مشاكلا لها ،هو في المرحلة الأولى سياق عاطفي، وفي الثانية سياق جمالي، والمراد بالسياق الجمالي ذلك الأثر الذي يحرّك النفس نتيجة لانتقاء السياق لمفردات تعمّق الإحساس بالفكرة والانفعال بها ،وقد كانت قبل قيام السياق بدوره غفلا من هذا الملمح الجمالي الذي قام بتحقيقه علاقة التأثير المتبادلة بين الشكل والمضمون[148].
ويمكن أن نمثّل للسياق العاطفي في الحقل اللغوي بما جاء في فقه اللغة للثعالبي: "لا يقال عويل إلّا إذا كان معه رفع صوت وإلّا فهو بكاء"[149] ،فالملفوظ اللساني "عويل" والملفوظ "بكاء" على الرغم من التواشج الحاصل بينهما وأنّهما ينتميان إلى الحقل الدلالي نفسه إلّا أنّهما يختلفان من حيث درجة الانفعال في الوظيفة السياقية ،فلا يوظّف المدخل اللساني عويل إلّا إذا كان المنظور إليه يبكي بكاء يرافقه رفع صوت. ومنه قول كعب بن مالك الأنصاري (50هـ) راثيا حمزة -رضي الله عنهما-:
بكَتْ عَيْنِي وحُقَّ لها بُكاها وما يُغنِي البُكاءُ ولا العويل
على أَسَدِ الإله غَداة قالوا أحمزةُ ذاكمُ الرّجُلُ القتيلُ[150]
3- سياق الموقف أو سياق الحال:
يقصد به الظروف والملابسات الاجتماعية التي تصاحب الكلام ،هذه الظروف والملابسات أجملت في النقاط الآتية:[151]
- شخصية المتكلّم والسامع وتكوينهما الثقافي ،وشخصيات من يشهد الكلام غير المتكلّم والسامع –إن وجدوا- وبيان ما لذلك من علاقة بالسلوك اللغوي ،ودورهم أيقتصر على الشهود أم يشاركون من آن لآن بالكلام والنصوص الكلامية التي تصدر عنهم.
- العوامل والظواهر الاجتماعية ذات العلاقة باللغة ،والسلوك اللغوي لمن يشارك في الموقف الكلامي ،كحالة الجو إن كان لها دخل ،وكالوضع السياسي ،وكمكان الكلام ،وكل ما يطرأ أثناء الكلام ممن يشهد الموقف الكلامي من انفعال ،أو أي ضرب من ضروب الاستجابة ،وكلّ ما يتعلّق بالموقف الكلامي أيّا كانت درجة تعلّقه ،وهذا كلّه يسمّى بالحدث غير الكلامي الذي يصاحب الحدث الكلامي.
- أثر النص الكلامي في المشتركين ،كالاقتناع ،أو الألم ،أو الإغراء، أو الضحك...
وعند تصفّح التراث العربي نجد ما يوضّح هذا الذي ذهب إليه فيرث ويزيده ثراء، أشار ابن جنّي إلى أهمية سياق الحال وأبان عن أهمية الحدثين الكلامي وغير الكلامي في مورد حديثه عن ما قصدت إليه العرب من حديثها أو شعرها فقال: "والذي يدلّ على أنّهم قد أحسّوا ما أحسسنا وأرادوا ما نسبنا إليهم من إرادته وقصده شيئان ؛أحدهما حاضر معنا والآخر غائب عنّا ،إلّا أنّه مع أدنى تأمّل في حكم الحاضر معنا ،فالغائب ما كانت الجماعة من علمائنا تشاهده من أحوال العرب ووجوهها وتضطر إلى معرفته من أغراضها وقصورها ،من استخفافها شيئا أو استثقاله ،وتقبّله أو إنكاره ،والأنس به والاستيحاش منه ،والرضا به أو التعجّب من قائله ،وغير ذلك من الأحوال الشاهدة بالمقصود ،بل الحالفة على ما في النفوس"[152].
ولعلّ بيت القصيد فيما ذكره ابن جني يتجلى في قوله: "الأحوال الشاهدة بالمقصود ،بل الحالفة على ما في النفوس" ،وهذا الذي أراده فيرث وعناه. ولم يكتف ابن جنّي بهذا التنظير فقط بل أتبعه بالتطبيق مستشهدا بقول نعيم بن الحارث السعدي:
وصكّت وجهها-بيمينها أبَعْلِي هذا بالرّحى المتقاعس
يعلّق قائلا: "فلو قال –يريد الشاعر- حاكيا عنها –أي زوجة الشاعر- أبعلي هذا بالرحى المتقاعس من غير أن يذكر صكّ الوجه ؛لأعلمنا بذلك أنّها متعجّبة منكرة ،لكنّه لمّا حكى الحال ،فقال: "وصكّت وجهها" ،علم بذلك قوّة إنكارها وتعاظم الصورة لها ،وهذا مع أنّك سامع لحكاية الحال غير مشاهد لها ولو شاهدتها لكنت بها أعرف ،وبعظم الحال في نفس تلك المرأة أبين"[153].
والمثال الذي ساقه ابن جنّي يشمل حدثين:
- الحدث غير الكلامي: يتمثّل في قول الشاعر "وصكّت وجهها بيمينها".
- الحدث الكلامي: يتمثّل في قولها: "أبعلي هذا بالرحى المتقاعس".
وفي مشاهدة جمهرة أهل اللغة لوجوه العرب فيما تتناقله وتتعاطاه مزيد تأكيد ورفع لبس ما لسياق الحال من أهمية ،"فليت شعري إذا شاهد أبو عمرو وابن أبي إسحاق ،ويونس ،وعيسى بن عمر ،والخليل ،وسيبويه ،وأبو الحسن ،وأبو زيد وخلف الأحمر ،والأصمعي ،ومن في الطبقة والوقت من علماء البلدين وجوه العرب فيما تتعاطاه من كلامها وتقصد له من أغراضها ألا تستفيد بتلك المشاهدة وذلك الحضور ما لا تؤدّيه الحكايات ولا تضبطه الروايات"[154].
من هنا لا نعجب عندما يورد النحاة في ثنايا حديثهم عن الكلام سياق الحال قال ابن هشام: "الكلام ما تحصل به الفائدة ،سواء أكان لفظا، أو إشارة أو ما نطق به لسان الحال"[155] ، ويمدّنا التعريف بأربعة أطراف، طرفان موجودان في المحيط الخارجي الذي يكتنف موقف الخطاب، وهما الإشارة ووقائع الحال المحسّة التي يقع فيها الخطاب، وطرفان موجودان في المحيط الداخلي للخطاب، وهما اللفظ والتركيب.
وما لفت انتباه نهاد الموسى في مقام بسط الحديث عن ثنائية سياق الحال والنحو عند ابن هشام كلمة الإشارة لما لها من وظيفة تبليغية ودلالية -مسكوت عنها في الغالب- في الخطاب غير المكتوب ،وتم تقرير أنّ عناصر الموقف الخارجي في استعمال اللغة يبلغ سبعين في المائة من درجة تأثير الكلام في مواقف الخطاب وذلك مردّه النظرات المتبادلة عند الحديث وما تحمله من معان ،في حين تتدنّى قيمة الدلالة التعبيرية وتأثيرها إلى ثلاثين في المائة إذا اقتصر الأمر على مجرد الكلام المنطوق[156].
وهذا التلاحم والترابط بين ثنائية المنطوق/ والمرئي أو المشاهد في العملية الكلامية أمر ضروري ومؤكّد ،"فلو كان استماع الأذن مغنيا عن مقابلة العين مجزئا عنه لما تكلّف القائل ولا كلّف صاحبه الإقبال عليه والإصغاء إليه(...) وعلى ذلك قالوا: ربّ إشارة أبلغ من عبارة ،وقال لي –أي لابن جني- بعض مشايخنا رحمه الله: أنا لا أحسن أن أكلّم إنسانا في الظلمة"[157].
4- السياق الثقافي:
يُفَسِّر هذا النوع من السياقات المدخل المعجمي في خضم بيئته الثقافية المستخدم فيها ،فالكلمة وإن كانت هي نفسها بحروفها صامتها وصائتها في الحقول المعرفية المتعدّدة إلّا أنّ دلالتها تختلف بحسب نوع السياق الثقافي التي وردت فيه ويمكن أنْ نمثّل لذلك بالمدخل اللساني "صرف" الذي له معنى مستقل في كل بيئة ثقافية.
- كلمة "صرف" لدى دارسي العربية تستدعي عند إطلاقها مباشرة علم الصرف ،الذي يعنى بأحوال الكلمة وما يطرأ عليها من تغييرات.
- لفظ "صرف" لدى أصحاب الهندسة يعدّ مصطلحا تقنيا علميا يراد به عملية التخلّص من المياه بأية وسيلة.
- ولفظ "صرف" في قطاع المال والتجارة له دلالة أخراة ،وهي تحويل العملة النقدية من الوجود والكمون –في الحساب المصرفي مثلا- إلى التداول الفعلي أو تحويل عملة من فئة إلى فئة أو من نقد إلى آخر[158].
5- السياق التداولي:
أقررنا آنفا أنّ السياق في الحقل اللساني ينقسم إلى خمسة أقسام ،سياق لغوي وثقافي وعاطفي واجتماعي ،وهذه السياقات تدخل ضمن اهتمام علم الدلالة وهناك سياق خامس تداولي أو تخاطبي* يدخل ضمن اهتمامات علم التخاطـب pragmatique وقبل أن نتحدّث بضرب من الكلام عن هذا النوع من الأسيقة ينبغي وضع أرضية معرفية نبسط فيها الحديث عن علم التخاطب.
علم التخاطب بوصفه علما للتحادث والتحاورpragmatique يترجمه اللسانيون بعدّة ترجمات، نذكر منها: التداولية ،علم الاستعمال ،وعلم المقاصد والإفعالية، والسياقية، والذرائعية، وحتى النفعية -عند البعض-. يعدّ علما متفرّعا عن اللسانيات الحديثة بل هو "قاعدة اللسانيات"[159] كما نصّ على ذلك كارناب R.Carnap يسعى إلى استكشاف العناصر الإجرائية التي يحتكم إليها في تحديد المعنى، وذلك من خلال التركيز على ثنائية المتلفِّظ والمتلفَّظ به في سياق الاستعمال.
ويركّز في تعامله على الفعل الكلامي وعناصر لسانية أخرى تتجاوز محدّدات الدلالة إلى دراسة مدى إمكانية الكشف عن قصدية المتكلّم من خلال إحالة القول على السياق لمعرفة مدى التطابق أو عدم التطابق بين دلالة القول لسانيا وظروف السياق، للكشف عن مجموعة القوانين العامة التي تتحكّم بتحديد دلالة المنطوق سياقيا[160]. وله في المؤلّفات اللسانية الحديثة عدّة تعريفات نذكر منها:
- شارل موريس Charles Morris :" التداولية جزء من السيميائية التي تعالج العلاقة بين العلامات ومستخدمي هذه العلامات"[161].
- آن ماري ديلر (Anne Marie Diller) وفرانسوا ريكاناتي (François Récanati) :" التداولية هي دراسة استعمال اللغة في الخطاب"[162].
- فرانسواز أرمينكو (Françoise Arminguad):" التداولية علم الاستعمال اللساني ضمن السياق، وبتوسّع أكثر هي استعمال العلامات ضمن السياق"[163].
- جيف فيرتشيرن (Jef Verschueren): ذكر تعريفا للتداولية يتوافق مع التعريفات الكثيرة التي دأبت المراجع اللسانية على الإشارة إليها:" إنّنا نعني بالتداولية علم علاقة العلامة بمؤوّليها، فإنّه من التمييز الدقيق للتداولية أن نقول إنّها تتعامل مع الجوانب الحيوية لعلم العلامات، وهذا يعني كل الظواهر النفسية والاجتماعية التي تظهر في توظيف العلامات"[164].
و من الواضح أن تعريفات التداولية ترتبط بفكرة الاستعمال التي تردّدت في التعريفات جميعها بشكل أو بآخر، وهذا ما يؤكّد أثره في نجاح التواصل والعمل التداولي، وبالرغم من أنّه موضوع مشار إليه في تراثنا المعرفي العربي إلا أنه لم يستقل أو يعرف بوصفه علما قائما بذاته، في حين نجد المصطلح الآخر المتداول في الدرس اللساني وأقصد بذلك الوضع استطاع أن يفرض علميته في تراثنا القديم ويشغل بالتالي حيّزا في المدوّنات المكتوبة، ومع ذلك لا نعدم في العصر الحديث من بعض المحاولات الجادة لصوغ علم للتخاطب الإسلامي يأتي على أصوله ونظرياته ومناهجه كما فعل محمد محمد يونس علي في كتابه علم التخاطب الإسلامي Médiéval islamic pragmatics.
انطلاقا مما سلف يمكن اعتبار السياق التخاطبي نسقا عقليا يروم كشف قصدية المتكلّم من خلال إعمال الذهن في العبارة للوصول إلى الدلالات المخبوءة مع العلم أنّ هذه الدلالات غير مدركة على مستوى النطق –أو السياق اللغوي- ولكن مشعر بها على مستوى اللفظ ،ويمكن تعريفه أيضا بـ ما دلّ عليه اللفظ لا في محل النطق ،يقول فان ديك السياق التداولي يعدّ "نصا آخر أو نصا مصاحبا للنص الظاهر"[165] ،ويقترب هذا من مصطلح "المفهوم" عند الأصوليين حيث يراد به "ما فهم من اللفظ في غير محلّ النطق"[166]. ومن أمثلته:
1- "في الغنم السّائمة زكاة"[167].
- السياق اللغوي: الغنم السائمة فيها زكاة.
- السياق التخاطبي أو المفهوم: "ليس في الغنم المعلوفة زكاة".وهذا المعنى لا يدل عليه منطوق الجملة.
2- "ياأيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا"[168].
- السياق اللغوي: التبيّن من خبر الفاسق.
- السياق التخاطبي: إذا جاءكم عدل ثبت يسقط التبيّن.
3- "وإنْ كنّ أولات حمل فأنفقوا عليهنّ"[169] .
- السياق اللغوي: وجوب النفقة أثناء العدّة على المطلّقة طلاقا بائنا.
- السياق التخاطبي: عدم وجوب النفقة على المعتدّة غير الحامل.
- السياق التداولي وأفعال الكلام:
ترتبط نظرية أفعال الكلام في المعرفة اللسانية الحديثة بالفيلسوف أوستن J.L.Austin وتقترح هذه النظرية في تحليل العلامات اللسانية الملفوظة والمعنى الناتج عنها أداة إجرائية تكون هي المنطلق والأساس الفاعل في القراءة، تتمثل هذه الأداة في الموروث اللساني التداولي في الفعل من حيث إنّه النشاط الممكن إنجازه بتلفظنا لنوع من الجمل[170].
ومفاد الفكرة الرئيسة التي دافع عنها أوستن دفاعا مستميتا أنّ تحديد الفعل الكلامي الذي نوظف له بصورة انتظامية جملة معينة-هو الذي يعطينا ويمنحنا معنى تلك الجملة، فأنا عندما أتلفظ قائلا: نعم إني أقبل أن تكون هذه المرأة زوجتي الشرعية ،يجب الإقرار هنا أني عندما أتلفظ وأتحدث بهذا الكلام، فأنا في حال إنجاز شيء ما، وبعبارة أدق في حال إبرام الزواج أكثر مما أنا في حال الإخبار بالشيء وبهذا الفعل الإنجازي لا يكون ناجحا دون أن يحدث تأثيرا على المخاطب[171].
وقد ميّز أوستن بين ثلاثة أنواع من الأفعال الكلامية:[172]
أ- فعل قولي locutoire: وهو فعل التلفظ بجملة مع شرط الإفادة، أي إنّه فعل لقول شيء ما، يراعى فيه قواعد اللغة، ويلاحظ عبر هذا النوع من الأفعال الكلامية عدم إبداء اهتمام بالشخص المتكلّم فاعل العبارة.
ب- فعل إنجازي illocutoire: يراد به الحدث الذي يقصده المتكلم بالجملة كالأمر والتحذير، ولابد أن يحدث أثرا وتأثيرا ما على المخاطَب، وتكوم قيمة العبارة به واصلة إلى تأدية المقصود.
ت- فعل تأثيري(استلزامي) perlocutoire: هو التأثير الذي يوقعه الحدث اللساني في المخاطَب أو المتلقي، كطاعة الأمر، وتقبّل النصيحة، وهذا النوع من الأفعال مفهوم من الخارج، ومن قرائن الأحوال.ويمكن توضيح الأفعال كالآتي:
- الفعل القولي:قال لي خذ الكتاب، أي إنه تلفظ بتلك الجملة التي تعني إيقاع الأخذ.
- الفعل الإنجازي: أنجز المتلفظ أمرا، فقد أمرني بأخذ الكتاب حين تفوّه بالجملة أعلاه.
- الفعل التأثيري: أقنعني بأخذ الكتاب فاستجبت.
واستنادا إلى مفهوم القوة الإنجازية ميز أوستن بين خمسة أنواع للأفعال الكلامية:[173]
· الأفعال الحكمية (الإقراري)verdictifs :حكم، وعد، وصف.
· الأفعال التمرسية exersitifs: إصدار قرار لصالح أو ضد... أمر، قاد ، طلب…
· أفعال التكليف (الوعدية) comessifs: تلزم المتكلّم،وعد، تمنى، التزم ..
· الأفعال العرضية (التعبيرية) expositifs: عرض مفاهيم منفصلة، (أكّد أنكر ،أجاب، وهب...).
· أفعال السلوكات (الإخباريات) comportementaux: ردود أفعال تعبيرات اتجاه السلوك: اعتذَر، هنَّأ، حيّ، رحّب،....
إن نظرية أفعال الكلام ترتكز على مظهر دلالي مهم، وهو اعتبار تلفظاتنا وأقوالنا أفعالا وإنجازات لها نتائج وانعكاسات على باقي الأنشطة التي نقوم بها وبهذا ينشأ المعنى عن تلك الآثار التي تحدثها الأفعال الكلامية، وهذا يدفعنا إلى ضرورة التفرقة بين هذه النظرية والنظرية السلوكية طالما هناك استجابة محققة ،لعل أهم فاصل أن نظرية أفعال الكلام تقر بوجود الحالات الذهنية بخلاف الأخرى إذ ليست المقاصد المعبّر عنها في نظرية الأعمال اللغوية –أفعال لكلام- سوى الحالات الذهنية.
إلا أن القرب المعلن عنه بين الحالات الذهنية (المقاصد) والأقوال التي تعبّر عنها بصفة تواضعية ( الأعمال أو الأفعال الكلامية) يجعل الحالات الذهنية شفافة إلى حدّ ما، ولا تعني هذه الحالات منظري الأعمال اللغوية (أفعال الكلام) إلا بقدر ما يتم التعبير عنها في هذه الأعمال، وهذا التصور للعلاقة بين الحالات الذهنية والكلام هو الذي قاد سيرل Searle إلى اقتراح مبدأ قابلية الإبانة[174].
وممّا قدّمه سيرل أيضا أنه أعاد تقسيم الأفعال الكلامية، وميّز بين أربعة أقسام:[175]
- فعل التلفّظ (الصوتي والتركيبي).
- الفعلي القضوي (الإحالي والجملي).
- الفعل الإنجازي(على نحو ما فعل أوستين)
- الفعل التأثيري(على نحو ما فعل أوستين).
وبعدها تم اقتراح خمسة أصناف، وهي كالآتي:[176]
- الأخبار Assertifs: وهي التي تحمل إحدى قيمتي الصدق والكذب، مثل: أخبر، أكد، زعم، شرح...
- الأوامر أو التوجيهات Directifs:وهي الأفعال التي يكون الغرض منها أن يجعل المتكلم المخاطَب يقوم بفعل ما، مثل: طلب، أمر، ترجى، سأل...
- الوعود أو الالتزاميات Commissifs :والغرض منها إلزام المتكلّم بالقيام بعمل ما في المستقبل مثل: وعد، أقسم.
- التصريحات Expressifs :وهي التي تعبّر عن الحالة النفسية للمتكلّم مثل: شكر، هنّأ، اعتذر...
- الإنجازيات Déclarations الإدلاءات: وهي التي بمجرد القيام بها يحدث تغيير في الخارج، مثل: عيّن، زوّج...
- الفعل الكلامي بين جمال الدين الإسنوي /وأوستن-جاك موشلار:
يتفق تصور أوستن لأفعال الكلام مع ما تمليه الثقافة الأصولية في التراث وأقصد بذلك تصنيف جمال الدين الإسنوي، الذي اعتبر الكلام كيانا مؤلّفا من "خبر وإنشاء"[177] فقط ،وهو تقسيم تجمعه قواسم مشتركة مع التصنيف الثنائي للكلام الذي انتهى إليه أوستن J.Austin.
يميّز أوستن بين نوعين من الملفوظات أو الأفعال، الأفعال الإنجازيّة (الإنشائية) Performatifs و الملفوظات أو الأفعال الخبرية Constatifs[178](9) ،حيث تتميّز الأخيرة باحتمالها للصدق والكذب، "هي أخبار تتمثل مهمتها في وصف الظواهر والمسارات أو حالة الأشياء في الكون، ولهذه الأقوال (أو القضايا التي تعبّر عنها) خاصية تتمثل في كونها يمكن أن تكون صادقة أو كاذبة"[179]. في حين الأولى – الإنشائية-بخلافها؛ لأنّها توظّف من أجل ممارسة أو إنجاز فعل ما، وليس لأجل أن تقول شيئا ما يوصف بأنّه صادق أو كاذب[180] ، فعندما يقول شخص ما:"أنكحك إحدى ابنتي" فهو في حال إنجاز فعل وليس في حال إخبار، لذلك نجد جون ليونز يؤكّد بأنّ هذه الأقوال – الإنشائية- "ليس لها قيمة الحقيقة إذ نستعملها لنصنع شيئا ما لا لئن نقول إنّ شيئا ما صادق أو كاذب"[181].
وعلى الرغم من اختلاف الأرضية المعرفية لكل تصنيف سواء الأصولي أم اللساني -التداولي الحديث- فإنّ هذا لم يمنع من وجود نقاط ائتلاف تجمع التصنيفين معا، بل لاحظنا أنّ الائتلاف قد تعدّى السجلّ الاصطلاحي (الاتفاق في الأسماء: الخبر والإنشاء) إلى السجلّ الإفهامي ( المراد من كل مصطلح ) ، ويمكن أن نتبيّن ذلك من خلال التصورين الآتيين:
تصوّر الإسنوي:
يقول الإسنوي :" والفرق بين الإنشاء والخبر من وجوه:
-أحدها: أنّ الإنشاء لا يحتمل التصديق والتكذيب، بخلاف الخبر.
-الثاني: أنّ الإنشاء لا يكون معناه إلّا مقارنا للفظ، بخلاف الخبر، فقد يتقدم وقد يتأخر.
-الثالث: الإنشاء هو الكلام الذي ليس له متعلق خارجي يتعلّق الحكم النفساني به بالمطابقة، وعدم المطابقة؛ بخلاف الخبر.
-الرابع: الإنشاء سبب لثبوت متعلقه، وأما الخبر فمُظهر له"[182].
تصوّر جاك موشلار Jacque moeschler:
يقول موشلار: " يحصل تمييز الملفوظات الإنشائية (الإنجازية) عن الخبرية بما يأتي:
أ- إنّها غير قائمة على ثنائية الصدق والكذب...
ب- لا تنسب أو تعزى لنشاط القول، ولكن للفعل (إنّها تنجز فعلا).
ت- إنجاز هذا الفعل هو وظيفة عملية التلفظ ( الفعل هو نتاج القول)"[183].
ويمكن توضيح المقاربة من خلال الجدول الآتي:[184]
الإسنوي |
موشلار |
1-الإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب بخلاف الخبر. 2-ليس له متعلق خارجي يتعلق الحكم النفساني به بالمطابقة أو عدم المطابقة بخلاف الخبر. |
1-الأفعال الإنشائية لا تقيم بمصطلحي الصدق والكذب بخلاف الخبر. |
3-الإنشاء سبب لثبوت متعلّقه بخلاف الخبر الذي هو مظهر له. 4-معناه لا يكون إلا مقارنا للفظ بخلاف الخبر فإنّ معناه قد يتقدم عليه أو يتأخر. |
3-لا علاقة لها بالقول ولكن بالفعل (تنجز فعلا). 4-إنجاز هذا الفعل هو وظيفة لعملية التلفظ (الفعل إذن هو منتج بواسطة القول). |
وعموماً، إنّ النظرية تنطلق من مقولة مالينوفسكي والتي مفادها أن «اللغة أسلوب عمل وليست توثيق فكر»[185]. وتتخذ من العلامات اللسانية المنطوقة والمنجزة في سياقات معينة وبطريقة معينة أساسا مفسرا، لذلك تتداخل المنطوقات بين التقدير والأداء وترتبط مباشرة بالموقف الذي تقال فيه، يقول جون ليونز: «يتوجب علينا في تحليل الأعمال الكلامية أن نحسب حسابا لحقيقة أن الجمل تنطق ضمن سياقات معينة وأن جزءا من معنى نقش الكلام (المنطوق) يستمد من السياق الذي ينتج فيه، ويتضح هذا تماما في إشارة التعابير المؤشرة التي يشملها السياق»[186].
وهكذا يعد السياق قيمة مرجعية وأداة مهمة لتعقّل الخطابات والنصوص، وأي إهمال لهذه القيمة أثناء استنطاق النصوص وبيان مقاصد المتكلمين ينجم عن ذلك أزمة تواصل وفوضى دلالية وإجهاض للمعاني وانفتاح لسلطة التأويل الفاسد ،ومن آثار ذلك أيضا صدع للعملية التواصلية وخدش لها وهدم للغة التي تقوم في بنيتها على ثلاثية تلازمية الصوت والدلالة والقصد.
- العمل التطبيقي:
- اختر نصّا شعريا أو نثريا وأبرز ما فيه من أسيقة دلالية.
محاضرة
الدلالة المعجمية
الدلالة المعجمية هي الدلالة التي وضعها العرب القدماء للألفاظ المختلفة، وحرِص علماء اللغة على استقرائها وجمعها، وتكفّلت قواميس اللغة بحفظها[187]. ولصنّاع المعجمات في تجليتها طرائق مختلفة ووسائل متنوعة، سعى اللسانيون المحدثون إلى حصرها وبيانها، نذكر من بين تلك الجهود الموفّقة:
- استقراء حلام الجيلالي:
عمد اللساني حلام الجيلالي[188] إلى تقديم دراسة وافية لطرائق تفسير الدلالة في المعجم، تجمع بين التأسيس النظري والإجراء التطبيقي، حاول من خلالها ملامسة واقع المعجم العربي عن كثب قصد حصر الإجراءات التطبيقية في المعجمات التي ظهرت مع الستين من القرن الماضي، كالمعجم الوسيط، والقاموس الجديد للطلاب، والمعجم العربي الحديث (لاروس)، والمعجم العربي الأساسي، والمحيط معجم اللغة العربية، وهي المعجمات التي كان للمجامع اللغوية والمنظمات العربية وتطور البحث المعجمي أثر في بنائها وغناها.
- ظاهرة التعريف المعجمي:
قسّم حلام التعريف إلى ثلاثة أقسام، وتحت كل قسم ذكر تقنيات، سأحاول استحضار هذه التقنيات، ومقاربتها بما استجد في الدرس اللساني المعاصر- وبخاصة الدلالي والمعجمي، كما سأحاول إثراء التقسيمات بما استجد في الساحة العلمية وبما ذكره غير واحد من المعجميين، كأحمد مختار عمر، وتمام حسان، وإبراهيم بن مراد، ورشاد الحمزاوي، وعلي القاسمي. كما لا أكتفي بالتمثيل من المعجمات الحديثة التي اتخذها حلام عينة للدراسة بل سأفيد من المعجمات القديمة أيضا. مع التنبيه على عدد من التعريفات التي لم يشر إليها حلام كالتعريف الصوتي، والتعريف بالمجاز، والتعريف النحوي.
1- التعريف الاسمي: سبب تسمية هذا النوع بالتعريف الاسمي راجع إلى أنّه يكتفي بتقديم معنى اسم الشيء المعرّف ولا يتعدّاه، وهو منهج دلالي يحدّد تسمية الشيء؛ أي الدليل اللغوي أو اللفظ المستعمل لدى متكلمي اللغة، والدلالة على معنى الاسم يراد بها أنّ المعرّف ليس في حاجة إلى ذكر حدّه وماهيته وخصائصه المميزة، بل الوقوف على الطريقة التي تستعمل بها هذه الكلمة أو تلك في اللسان المستعمل بين الناس، وقد سمّاه أبو حامد الغزالي بـ "القول الشارح لمعنى الاسم"[189]. وهذا التعريف يتضمن مجموعة من الأدوات التي تساعد المعجمي في صناعته، وهذه الأدوات هي: [190]
1-1 التعريف بالمرادف: المقصود بالمرادف المكافئ، كأن يفسّر اليأس بالقنوط، والهمّ بالحزن[191]، ويرى تمام حسان وأحمد مختار عمر أنّ هذا التعريف لا يعوّل عليه بمفرده، بل لا بدّ من ضميمة* تضاف إليه.
وما يعيب التعريف بالمرادف الآتي:[192]
- أنّه يخدم غرض الفهم وحده، ولا يصلح لغرض الاستعمال.
- أنّه يعزل الكلمة عن سياقاتها، ويقدمها جثة هامدة لا روح فيها ولا حياة.
- أنّه يقوم أساسا على فكرة وجود ظاهرة الترادف، وإمكان إحلال كلمة محل أخرى دون فارق في المعنى، وهو أمر مشكوك فيه، مما يجعل الاعتماد على الكلمة المرادفة من المخاطرة، أو التضحية بالدقة المطلوبة وبالفروق الموجودة بين الكلمتين في المعاني الهامشية والإيحائية وتطبيقات الاستخدام.
ونبّه تمام حسان أيضا إلى أنّه ينبغي للشرح أن يكون واضحا وأن يجتنب قدر الطاقة الشرح بالمرادف فقط؛ لأنّ الترادف التام مشكوك فيه، من ذا الذي يقول: إنّ السيف والحسام بمعنى واحد؟ لاشك أنّ كل اسم من أسماء السيف هنا يستقل بملحظ خاص، ومن ثم يحسن في الشرح أن يستوفي ذلك الشرح قدر الطاقة بأكثر من مجرّد المرادف[193].
1-2 التعريف بالاشتقاق: هو منهج يعرّف المدخل اللساني بأحد مشتقاته في شكل إحالة، على أساس أنّ المشتق معروف، أو سبق تعريفه ضمن العمل المعجمي، مثاله: دبج معناه الدّيباج[194] عرّف الفعل "دبج" بالمصدر "ديباج"، ومن مؤاخذات حلام على هذا المنهج أنّه يفرض دائما على القارئ أو مستخدم المعجم أن يكون على دراية مسبقا بدلالة المشتق المحال عليه، وهذا ما لا يمكن التسليم به دائما، كما أنّ هذا التعريف يعتمد على ما يسمّيه علماء المنطق بـ "الدّور" المطلوب تجنُّبه "إذ لا يجوز أن تدخل الكلمة ولا مشتقات منها في التعريف، إلّا إذا كان المدخل مركّبا"[195].
1-3 التعريف بالضد: ويسمّيه أحمد مختار عمر المضاد[196]، وهو المخالف، مثاله: البِيضَان من الناس ضِدّ السُّودَان، والرِّفع ضد الوَضع، والحُرّة ضد الأمة[197]، ويرى حلام ضرورة عدم الخلط بين الضد والتضاد، والنقيض، فالتضاد يطلق ويراد به اللفظ الواحد الدّال على معنيين متقابلين، كدلالة القرء على الطهر والحيض، أمّا التناقض فيراد به ما لا يجتمعان ولا يرتفعان في آن واحد، مثل كبير ولا كبير[198]. وهذا النوع من التعريفات يفرض على القارئ الإدراك المسبق للضد، وهذا غير منطقي لأنّ الهدف المنشود هو وضع القارئ أمام دلالة واضحة للمدخل، وليس إحالته على مدخل آخر، كما أنّ هذا المنهج يوسم بالمحدودية إذ لا تخضع له في المعجم سوى كلمات قليلة[199] وبالرغم من هذه الهنّات، فإن أحمد مختار يرى ضرورة اعتماده في العمل المعجمي، يقول: "ذِكــرُه ضروري في شرح الأفعال وأسماء المعاني والصفات لإيضاح معناها"[200].
1-4 التعريف بالشبيه: يعتمد هذا النوع على ذكر المماثل للكلمة من باب التقريب مثاله: هَمْجَة: وهي ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والحمير[201]، ويُسمّي بعض أهل اللغة هذا التعريف بالتعريف الظاهري[202]، على أساس أنّه يفسّر اللفظة انطلاقا ممّا هو موجود في الواقع الخارجي؛ أي مما هو ظاهر في العيان. ومن المؤاخذات على هذا المنهج نذكر الآتي:
- ليس من المؤكّد أن يكون القارئ عارفا بالشبيه دائما.
- نادرا ما يكون الشيء مشابها للآخر مشابهة تامة.
1-5 التعريف بالإحالة: أي إحالة القارئ على مدخل آخر، على أساس أنّ الكلمة المحال عليها تتضمن تعريفا يطابق تعريف الكلمة المحالة، وذلك إمّا بصفة مباشرة وإمّا بحسب ما يوحي به سياق التعريف من إشارات[203]، مثال هذا التعريف: لفظ "الأنب"؛ معناه في المعجم الوسيط الباذِنجان[204]. ونشير هنا إلى أنّ المدخل " الأنب " يحيلنا على المدخل " الباذِنجان "؛ إمّا لأنّ الثاني أفصح وأكثر شهرة، وإمّا من أجل العمل على إشعاره خدمة للسان الرسمي الفصيح. وما يغلب في الحقيقة على هذا التعريف التكرار غير المجدي ،مثال ذلك في مختار الصحاح في مادة "برر" فسّر البُرّ بالقمح ،وفي مادة "قَمَحَ" فسّر القمْح بالبُر[205] ويشترط لاستخدام هذا المنهج "تجنّب الإحـالة على مجهول أو على شيء لم يعرّف في مكانه"[206].
1-6 التعريف بالترجمة: إنّ طبيعة المعجمات الأحادية تستدعي لغة واحدة واصفة، ولكن ضرورات العصر ومستجداته وإفرازاته العلمية نجم عنها هذا النوع من التعريفات، وهو نادر وقليل الاستعمال في التراث[207]، وبدأ يشغل حيّزا ومساحة في المعجمات المعاصرة، ومثاله في الوسيط: المجهر: الميكرسكوب[208]. وبالرغم من أنّ هذا المنهج قد غدا أداة يستعان بها فإنّه يبقى منهجا مخالفا لمسعى المجامع اللغوية والمنظمات العربية التي تهدف إلى طرح البديل العربي وتثبيته.
وما يميّز التعريفات و العلاقات التي سلف ذكرها، من ترادف، واشتقاق، وضد، وشبيه، وإحالة وترجمة في مؤلَّف الجيلالي حلّام انضواؤها تحت ما سمّاه بـ"المنهج الاسمي للكلمة المفردة"[209]، وهناك منهج اسمي ثان ينعت بـ "المنهج الاسمي للكلمة المخصصة"[210]، وهو تعريف يدنو من التعريف الترادفي، ويزيد عليه بأنه لا يكتفي بالكلمة المفردة في تعريف المدخل، بل يضيف إليها ما يفي بالمقصود والبيان ،ومثاله: الشِّرْذِمة: الطائفة من الناس والقطعة من الأرض[211]. كما أنّ هناك منهجا اسميا ثالثا وَسَمَهُ حلام بـ "التعريف بالعبارة"[212]، يتجاوز هذا المنهج الكلمة المفردة ليصل إلى التعريف التام عن طريق الجملة، مثاله: النَّسَق: ما جاء من الكلام على نظام واحد[213]، ومن شروط هذا التعريف الاختصار والإيجاز، فلا ينبغي أن "تبدّد الكلمات، ولا تستخدم في الشرح ما يمكن الاستغناء عنه...إنّ كلّ تعريف يجب أن يقول أكثر ما يمكن بأقل عدد من الكلمات"[214].
2- التعريف المنطقي:
ويسمّى أيضا التعريف الحقيقي، وهو تعريف يسعى إلى شرح معنى المدخل اللساني بذكـر مكوّناته الدلالية عن طريق شروط مستمدة من المنطق الأرسطي، والمراد بالشروط الكلّيات الخمسة، وهي المعاني العامة التي تصدق على كثير من الأشياء، وتسمّى المحمولات والمعاني المجرّدة أيضا[215]، وتشمل: الجنس، والنوع، والفصل[216]، والخاصة، والعرض.وهدف هذا المنهج هو "معرفة ما الذي يجعل الشيء شيئا جوهريا؛ أي الوقوف على جنس الشيء وفصوله الذاتية"[217]، وهو بهذا يختلف عن التعريف الاسمي الذي يسعى إلى تحديد اسم الكلمة كما هي متداولة بين المتكلمين، ويختلف كذلك عن التعريف البنيوي الذي يسعى إلى تعريف المدخل المعجمي بالاستناد إلى الجانب المقامي، أو الإجرائي، أو السياقي.
كما أنّ ميزة هذا التعريف أنّه يقع خارج اللغة يعتمد على المنطق في طريقة التصنيف، بذكر المحسوس، والمجرد، والحقيقة، والمجاز، هو في الإطار العام "تعبير عن جوهر الشيء وذاته"[218]، مثاله في المعجم الوسيط تعريف لفظ "يربوع" بأنّه: "حيوان من (الثدييات) من فصيلة اليربوعية صغير على هيئة الجرذ الصغير له ذنب طويل، ينتهي بخصلة من الشعر، وهو قصير اليدين طويل الرجلين"[219]، والملاحظ على هذا التعريف احتواؤه للكليات الخمس:
- الجنس: حيوان.
- النوع: من الثدييات.
- الفصل: من الفصيلة اليربوعية.
- الخاصة: له ذنب طويل.
- العرض العام: قصير اليدين.
ولهذا النوع من التعريفات أشكال متعددة في المعجمات العربية المعاصرة، حصرها حلام في الآتي:[220]
2-1 التعريف بالحد العام: هو تعريف يستند إلى الكليات المنطقية في تفسير معنى الكلمة، وما يميّزه عن التعريف المنطقي أنّه يمكن أن يكتفي بذكر كليتين أو ثلاث، مثاله: اللّقلاق: طائر أعجميّ طويل العنق يأكل الحيّات[221]، اكتفى بذكر النوع، والخاصة، والعرض.
2-2 التعريف المصطلحاتي أو المصطلحي: وهو تعريف يختص بالألفاظ التي تتصل بمجال من المجالات المعرفية في العلوم الطبيعية أو الإنسانية لدى جماعة من الباحثين في ميدان معيّن. ويعتبر الخوارزمي الكاتب (387هـ) من أوائل من حاول استثمار هذا النوع من التعريف في معجمه مفاتيح العلوم، وقد حدّه الشريف الجرجاني بأنّه: "عبارة عن اتفاق قوم على تسمية الشيء باسم ما ينقل من موضعه الأول"[222].
وهذا المنهج بوصفه تعريفا علميا مختصا لا يحدّد الدلالة المركزية العامة للمدخل ولا يراعي صلة المدخل بالنظام اللساني، بل يكتفي بتحديد الدلالة في مجال من المجالات العلمية، كالطب، أو الفيزياء أو اللسانيات، وغيرها من مجالات المعرفة. ومثاله في حقل الكيمياء لفظ "الماء" هو "جوهر مركّب من الهيدروجين والأكسجين بنسبة 2 إلى 1"[223]، وفي حقل الفيزياء هو "جوهر يتجمد في الدرجة (0) ويتبخر في الدرجة (100)"[224].
2-3 التعريف الموسوعي:يتميّز هذا التعريف بالشمولية والاستحضار المسهب، مثاله ما جاء ذكره في معجمات الأعشاب والأدوية من أركان تنتهج في التعريف وهي:[225]
1- ذكر أسمائه بالألسن المختلفة.
2- ذكر الماهية من لون ورائحة.
3- ذكر جيّده ورديئه ليؤخذ أو يجتنب.
4- ذكر درجته في الكيفيات الأربعة (الحرارة،البرودة،الرطوبة،اليبوسة).
5- ذكر منافعه في سائر أعضاء البدن.
6- كيفية التصرف به منفردا ،أو مع غيره ،مغسولا أو لا ،مسحوقا أو لا.
7- ذكر مضاره.
8- ذكر ما يصلحه.
9- ذكر المقدار
وغير ذلك، من ذكر ما يقوم مقامه إذا فُقد، والأوان الذي يقطع فيه الدواء ،ومن أي يجلب...
ومن الآراء النقدية التي وجهت لهذا النوع من التعريفات، إن مجموع مفردات المعجم لا يمكن أن تخضع للتحليل حسب الجنس والنوع. والمقولات نفسها ليست متجانسة دائما، والحدود بينها ليست واضحة المعالم، كما أن هناك على الأقل صنفين من المفردات لا تخضع لمنهج الاحتواء: المفردات المسماة "أُول" (primitifs)، والأدوات. بالإضافة إلى أنّ نظرية الاحتواء تناسب في الغالب معالجة الاسم، وإن لم تكن متعذرة مع غيره من المقولات المعجمية، فمن المعاجم ما يطبقها أحيانا على الأفعال والصفات أيضا. لكنّها في الأفعال والصفات تظل أقلّ ثراء ممّا هي عليه في الأسماء، فإنّ مقولة الاسم، وكذلك مقولة الصفة –إن قامت مقام الاسم- هما اللتان تصلحان للتعبير عن المفاهيم[226].
1- التعريف البنوي*:
التحليل البنوي منهج وصفي يسعى إلى دراسة اللغة كنظام من العلاقات القائمة بين عناصرها ويقوم في الدرس المعجمي على أساس تحليل المفردات إلى مجموعة من البنى أو الأنظمة تتألف من عناصر تكتسب معانيها من خلال علاقتها بعضها ببعض، فالمدخل المعجمي في إطار هذا المنهج يكتسب معناه من خلال مكوّناته البنوية أو المفهومية التي تربطه بغيره من المفردات[227]، ومن أبرز أنواع هذا التعريف الآتي:
3-1 التعريف بالحقل الدلالي: تراجع نظرية الحقول الدلالية.
3-2 التعريف بالتحليل التكويني: تراجع نظرية التحليل التكويني.
3-3 التعريف التوزيعي:
التعريف التوزيعي في الاصطلاح اللساني يراد به "مجموع السياقات التي يمكن لعنصر لغوي أن يستخدم فيها"[228]؛ أي تفريق الكلمة المدخل قائم على مجموعة من الأسيقة المختلفة مع المعاوضة للوقوف على دلالتها. فكلمة "أكل" مثلا تدل على تناول الشيء العضوي ،و"شرب" على السائل ،و"استنشق" على الغازي، ويمتنع التوزيع مع "أكل الماء وشرب اللحم" ،وبناء على ذلك قرر حلام شيئين:[229]
- الأوّل: أنّ التعريف التوزيعي متعلق بالموقع الذي تحتله الكلمة من حيث تآلفها، أو تنافرها مع الأسيقة المقترحة لتظهر دلالتها الحقيقية أو المجازية ومجالات استعمالها.
- الثاني: أنّ التحليل التوزيعي يختلف نسبيا عن النظرية السياقية، وذلك من عدّة زوايا ،منها:[230]
· التحليل التوزيعي منهج قائم بذاته، بينما النظرية السياقية وسيلة مساعدة.
· التعريف في المنهج التوزيعي يتمّ عن طريق توزيع الكلمة على أسيقة بعدية على أساس المعاوضة أما في النظرية السياقية فيكتفي المعجمي بتجميع الأسيقة القبلية التي وردت فيها الكلمة لا تلك التي يمكن أن ترد فيها.
· التحليل التوزيعي يتمّ خارج المعجم، لضبط التعريف ولا يسجّل تدعيما للتعريف مثل الأسيقة والشواهد.
والملاحظ على هذا النوع من التعريفات أنّ تطبيقاته المعجمية ما زالت بطيئة وحذرة بالرغم من أنّه أداة متطورة في بناء التعريفات المعجمية[231].
3-4 التعريف الإجرائي:
وهو تعريف ذرائعي يعد محصلة الآثار العملية للشيء المعرّف؛ أي إنّه ينطلق أساسا من التجربة الحسية ليكوّن مجموع الآثار والوظائف الناتجة عن المعرّف هي التعريف المطلوب[232]، ومن الأمثلة الموضحة لهذا النوع كلمة: "كهرباء" في قول المختصين: "إنّ التيار الكهربائي لا يعني موجة غير مرئية في مادة ما وإنّما يعني مجموعة من الوقائع، مثل: إمكان شحن مولّد كهربائي، أو دق جرس، أو دوران آلة..."[233].
ويتضح من هذا المثال أن التعريف الإجرائي يرى أنّ معنى الكلمة يكمن في مجموعة ما تفعله أو تخلفه من آثار عملية، ولذلك يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أنّ الكلمات التي لا آثار لها لا معنى لها أو هي خلو من المعنى[234]. وفي معرض بيان القيمة المعرفية للتعريف المعجمي يرى حلام أن التعريف الإجرائي على ما له من أهمية في تعريف بعض المداخل الصّعبة التحديد؛ إلّا أنّه يظل قليل الفائدة في المجال المعجمي أو محدودا؛ لأنّ الآثار العملية لا تتوفّر عليها كلّ المداخل المعجمية، وبخاصة عند تعريف الألفاظ المجرّدة[235].
وما يستدرك على ما ذكره حلام من تقنيات التعريف الآتي:
· التعريف بالمجاز: ينبغي التفريق بين نوعين من التعريف بالمجاز، الأوّل الهدف منه بلاغي يقصد إلى إبراز الملمح الجمالي والفني للاستعمال، يعنى بالعبارة المركبة، وليس كل عبارة مركبة، وإنما العبارة التي لها مركز ممتاز في عالم اللغة والأدب. فيورد الألفاظ في استعمالاتها العربية البليغة، ولا يأتي بها مفردة عارية عن التركيب غالبا[236].
وكان الزمخشري رائد هذا النوع من التعريفات، بل إن معجمه هو المعجم الوحيد في التراث الذي عنى بهذا الجانب، مستشعرا قيمته في معجمه أساس البلاغة، مصرحا به في مقدمته بقوله: "ومن خصائص هذا الكتاب تخيُّر ما وقع في عبارات المبدِعين، وانطوى تحت استعمالات الـمُفْلِقِين، أو ما جاز وقوعه فيها، وانطواؤه تحتها، من التراكيب التي تَمْلَح وتَحْسُن، ولا تَنْقَبض عنها الألسن؛ لجريها رَسْلات على الأَسَلات، ومرورها عذْبات على العَذَبَات. ومنها التوقيف على مناهج التركيب والتأليف، وتعريف مدارج الترتيب والترصيف"[237].ومن أمثلة التعريف بالمجاز: "رغم ألقاه في الرَّغام: في التراب، ومن المجاز ألصقه بالرَّغام إذا أذلّه وأهانه، ومنه رَغَمَ أنفُه ورَغِم، ولأنفه الرُّغْم والرَّغْم والمَرْغَم"[238].
والثاني: يساعدنا في معالجة التطور الدلالي، الهدف منه تاريخي يعرض التغيرات الدلالية المختلفة التي تصيب الكلمات، وللتوسع أكثر يراجع مبحث وسائل انتقال المعنى من محاضرة التغير الدلالي.
· التعريف النحوي: يتحقق بالإشارة إلى المذكر أو المؤنث، والمفرد والجمع والتراكيب، وما لها من دور دلالي، ويلحق بهذا كذلك التقديم والتأخير، والحذف، واللزوم والتعدية[239]...الخ.
· التعريف بالشاهد: المعاجم العربية جميعها في التراث اتبعت التقليد الذي أرسى أصوله الخليل والمتعلق بإيراد الشواهد الدالة على وجود اللفظ أو معنى من معانيه في لغة العرب. ولهذا الغرض انكبّ المعجميون الروّاد على جمع كثير من الشواهد من القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف وأشعار العرب، والأمثال والحكم وغيرها. وكانت تلك الشواهد تزيد المعنى المطلوب جلاء ووضوحا ولم يجاف هذا التقليد إلا الفيروز آبادي في معجمه "القاموس المحيط" وليس في معجمه الأول "اللامِع المُـعْلَم العُجاب الجامع بين المحكم والعُباب"[240]. ومثال التعريف بالشاهد ما ذكره صاحب المصباح المنير في صحة إطلاق الثناء على الذكر بخير أو شر، واستشهد بحديث "فأثنوا عليه شرا"[241] وليس كما يزعم بعضهم أنّه مقصور على الخير قال: "قد نقل هذا العدل الضابط عن العدل الضابط عن العرب الفصحاء عن أفصح العرب فكان أوثق من نقلِ أهلِ اللغة فإنّهم يكتفون بالنقل عن واحد ولا يعرف حاله"[242].
- التعريف بالصورة: وفي هذا التعريف دعوة إلى توضيح بعض كلمات المعجم بالصورة، وهي دعوة أخذت بها المعجمات الأوربية وبعض المعجمات العربية الحديثة، إذ جاء في تصدير المعجم الوسيط في هذا الشأن: "وما المعجم إلا أداة بحث ومرجع سهل المأخذ، فينبغي أن يكون واضحا دقيقا، مصوّرا ما أمكن، محكم التبويب"[243].
- العمل التطبيقي:
- اقرأ معجم مختار الصحاح، ثم بيّن منهجه في عرض الدلالة.
- استعان مجمع اللغة في تأليف المعجم الوسيط بجملة من تقنيات الصناعة المعجمية لها صلة بطرق عرض الدلالة، اذكر جملة منها مع التمثيل.
([2]) المرجع نفسه، 51-59. وينظر أشواق النجار، دلالة اللواصق التصريفية في اللغة العربية ، دار دجلة، الأردن ط1، 2007، ص43.
([5]) ردة الله بن ردة بن ضيف الله الطلحي، دلالة السياق، جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، ط1، 1423هـ، ص378.
([10]) ينظر: أشواق النجار، دلالة اللواصق التصريفية في اللغة العربية، ص36. ذكرت ترجمات المصطلح في هامش الكتاب.
([11]) لوريتوتود، مدخل إلى علم اللغة، تر: مصطفى التوني، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1994، 47-138.
([12]) جوديث جرين، علم اللغة النفسي-تشومسكي وعلم الننفس، تر: مصطفى التوني، مطبعة الهيئة المصرية العامة، ط1993، 63-110.
([15]) ينظر: رونالد إيلوار، مدخل إلى اللسانيات، تر: بدر الدين القاسم، مطبعة جامعة دمشق سوريا، 1400هـ- 1980م، ص77-78.
([16]) ينظر: ماريوباي، أسس علم اللغة، تر: أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، ط2 ،1983 ، ص53-54-100. وينظر: دلالة اللواصق ،ص39.
([28]) محمد بن عبد الله بن محمود، الكفاية في النحو، تحـ:إسحاق جاد الله الجعبري، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 2005 ص102.
([29]) المصدر نفسه ،ص103. ابن الحاجب،(646هـ)، الشافية في علم التصريف ، تحـ: درويش الجويدي، المكتبة العصرية، بيروت، ط1 2008، ص17.
([32]) الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحـ:أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم، بيروت، ط4 ،1990، مادة: "قبر".
([34]) ينظر: محمد بن محمود الكفاية، ص103. وسيبويه، الكتاب ،4/55. وابن قتيبة، أدب الكاتب، 345-357. والمفتاح في الصرف 49.
([35]) رضي الدين الأستراباذي، شرح شافية ابن الحاجب، تحـ: محمد محي الدين وغيره، دار الكتب العلمية، بيروت، 1975 ، 1/90.
([40]) أبو هلال العسكري، الفروق في اللغة، تحـ: لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط5، 1983، ص15.
([41]) ابن قتيبة، أدب الكاتب، تحـ: محمد محي الدين، مطبعة السعادة، مصر، ط14، 1963، ص356. و ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة، تحـ:عمر فاروق الطباع، دار مكتبة المعارف، بيروت، ط1، 1993، ص225.
([44]) أحمد بن محمد الميداني، نزهة الطرف في علم الصرف، تحـ:لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، 1981 ص14. وشرح الشافية، 1/91. و أبو حيان، ارتشاف الضرب، تحـ:مصطفى أحمد النماس، مطبعة النسر الذهبي، ط1 1984، 1/83.
([47]) سيبويه، الكتاب ،4/58. وابن قتيبة، أدب الكاتب، 357. وابن فارس، الصاحبي، ص225. وأحمد الميداني، نزهة الطرف، ص14.
([53]) ينظر: إبراهيم السامرائي، معجم ودراسة في العربية المعاصرة، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط1، 2000، ص63-64-65. وينظر: أحمد مختار عمر بمساعدة فريق عمل، معجم الصواب اللغوي دليل المثقف العربي، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 2008 1/258...263.
[55] ينظر: عمار الدّدو، البحث الدلالي في كتب معاني القرآن، عالم الكتب الحديث، إربد، ط1، 2010، ص99.
[56] ينظر: أمالي الدلالات ومجال الاختلافات، عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه، دار ابن حزم، ط1، 1999، بيروت ص18.
[57] ينظر: المرجع نفسه، ص18-19.
[58] نظرية اللغة العربية تأسيسات جديدة لنظامها وأبنيتها، عبد الملك مرتاض، دار البصائر، ط2012، الجزائر، ص ص493.
[59] ينظر: المرجع نفسه، ص494.
[60] حسن طبل، المعنى في البلاغة العربية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1998، ص67.
[61] السكاكي، مفتاح العلوم، مطبعة التقدّم العلمية، مصر، 1348هـ، ص38.
[62] العبادي أحمد بن قاسم، الآيات البينات على شرح جمع الجوامع، دار الطبع الرائق، القاهرة، 1289ه، 3/186.
[63] ينظر: حسن طبل، المعنى في البلاغة العربية، ص67.
[64] عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص415.
[65] ينظر: حسن طبل، المعنى في البلاغة العربية، ص63.
[66] الزجاجي، الإيضاح، ص49.
[67] ينظر: حسن طبل، المعنى في البلاغة العربية، ص74.
[68] عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص315.
[69] عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، ص335. وينظر: حسن طبل، المعنى في البلاغة العربية، ص75.
[70] ينظر: حسن طبل، المعنى في البلاغة العربية، ص75.
[71] ينظر: فاضل السامرائي، معاني النحو، دار الفكر للطباعة والنشر، ط1، 2000، 1/17.
[72] الأشموني، شرحه على الألفية، 1/197.
[73] ينظر: فاضل السامرائي، معاني النحو، 1/18.
[74] ينظر: المصدر نفسه، 1/18.
[75] عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص202-203.
[76] ينظر: تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، دار الثقافة دار البيضاء، ط2001، ص189.
[77] ينظر: المصدر نفسه، ص191.
[78] ينظر: المصدر نفسه، صص 192-194.
[79] ينظر: المصدر نفسه، صص: 194-196.
[80] ينظر: المصدر نفسه، ص201.
[81] ينظر: أحمد محمد قدّور، مبادئ اللسانيات، ص231.
[82] ينظر: تمتم حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، ص200.
[83] الزجاجي، الإيضاح في علل النحو، تح: مازن المبارك، ص69.
[84] ينظر المصدر نفسه، ص207.
[85] سورة فاطر، الآية: 28.
[86] ينظر: المصدر نفسه، ص 210.
[87] ينظر: المصدر نفسه، ص 210.
[88] ينظر: المصدر نفسه، ص211.
[89] ينظر: المصدر نفسه، ص213.
[90] سورة الأعراف، الآية: 26.
[91] سورة الحاقة، الآيتان: 1و2.
[92] ابن هشام، قطر النّدى وبلُّ الصدى، تح: محم محي الدين عبد الحميد، دار الإمام مالك، الجزائر، ص130.
[93] ينظر: تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، ص216...
[94] ينظر:المصدر نفسه، ص224.
[95] ينظر: المصدر نفسه، ص226-228.
[96] ينظر ف.ر.بالمر ،علم الدلالة إطار جديد ،تر: صبري إبراهيم السيّد ، دار المعرفة الجامعية 1999،ص76.
[97] ينظر المرجع نفسه ،ص76-143.
[98] عبد الكريم مجاهد ،الدلالة عند ابن جنّي ،مجلّة الدارة ،العدد الأوّل-شوال 1403هـ-يوليو1983 ،الرياض ،ص169.
[99] فندريس ،اللغة ،تر: عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص ،مكتبة الأنجلو مصرية ،د.ت.ط ص231-232.
[100] إبراهيم أنيس ،دلالة الألفاظ ،مكتبة الأنجلو مصرية ،ط2 ،سنة1963 ،ص123.
[101] ابن قيّم الجوزية ، بدائع الفوائد ، ضبط وتخريج أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، ط1 سنة 1414هـ - 1994م ، بيروت ،ص217.
[102] فان ديك ،النص و السياق استقصاء البحث في الخطاب الدلالي و التداولي، تر: عبد القادر قنيني، أفريقيا الشرق، ط2000، المغرب، ص256.
[103] الشافعي، الرسالة، تحـ: أحمد محمد شاكر، دار الفكر ،ص52.
[104] المصدر نفسه، ص52.
[105] الشاطبي ،الموافقات، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، (د ت ط )، 3/413-414.
[106] حاشية الشيخ حسن بن محمود العطار على شرح جلال الدّين المحلي على متن جمع الجوامع إمام تاج الدين السبكي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1/30.
[107] فان ديك، النص و السياق استقصاء البحث في الخطاب الدلالي و التداولي، ص256.
[108] عبد الحميد العلمي ،مفهوم الدرس الدلالي عند الإمام الشاطبي، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المملكة المغربية، ص235 وبعد. نقلنا ما قاله عن الأسيقة مع بعض التصرف.
[109] الشاطبي،الموافقات، 3/153.
[110] المصدر نفسه، 3/413-414.
[111] المصدر نفسه، 3/269.
[112] المصدر نفسه، 3/369.
[113] المصدر نفسه، 3/275.
[114] المصدر نفسه، 3/347.
[115] المصدر نفسه، 3/347.
[116] المصدر نفسه، 3/413.
[117] المصدر نفسه، 3/276.
[118] الشاطبي ،الموافقات، تحـ: مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، ط1، سنة 1997، 2/3.
[119] المصدر نفسه، 2/4. وينظر: يحيى رمضان ،القراءة في الخطاب الأصولي، عالم الكتب الحديث، ط1، سنة 2007 الأردن، 165...
[120] الشاطبي ،الموافقات، ، تحـ: عبد الله درّاز، دار الكتب العلمية، بيروت، 2/50.
[121] المصدر نفسه، 2/7.
[122] المصدر نفسه، 2/9.
[123] المصدر نفسه، 2/9.
[124] سورة طه، الآية:29.
[125] ينظر: غازي مختار طليمات، في علم اللغة، دار طلاس، ط3، 2007، دمشق، ص213.
[126] أبو البقاء العكبري ،المسائل العكبريات في اللغة والنحو والقراءات ،تحـ:محمد أديب عبد الواحد جمران ،منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب ،2008 ،دمشق ،ص43-47
[127] سورة آل عمران:145.
[128] سورة العنكبوت:57.
[129] سورة المائدة:116.
[130] سورة الفجر:27-28.
[131] ابن قيس الرقيات،الديوان،تحـ:محمد يوسف نجم ،دار بيروت ،ط1406هـ-1986 ص195.
[132] السموأل ،الديوان (منشور ضمن مجموعة ديوان المروءة) ،تحـ:يوسف شكري فرحات ،دار الجيل ،1413هـ-1992 ،بيروت ،ص36.
[133] سورة النور:61.
[134] سورة الزمر:56.
[135] أبو البقاء العكبري ،المسائل العكبريات ،تحـ:محمد أديب ،ص21-25.
[136] سورة لقمان:22.
[137] صحيح البخاري: كتاب الأذان-الباب:71. ومسند أحمد:4/271.
[138] امرؤ القيس ،الديوان ،ط.السندوبي ،مصر ،ص80.
[139] ابن الأثير ،النهاية في غريب الحديث ،5/139.
[140] سورة البقرة:115.
[141] سورة القصص ،الآية:88.
[142] سورة آل عمران:72.
[143] سورة الروم:38.
[144] سورة الإنسان:9.
[145] ستيفن أولمان ،دور الكلمة في اللغة ،تر:كمال بشر ،مكتبة الشباب، ط1988، القاهرة ص62.
[146] الأغاني ،أبو الفرج الأصفهاني ،دار الكتب المصرية ،(د.ت.ط) ،2/107.
[147] ينظر محمود محمد عيسى ،السياق الأدبي –دراسة نقدية تطبيقية- ،مكتبة نانسي دمياط ط2004 مصر ،ص41.
[148] المرجع نفسه ،ص41.
[149] الثعالبي ،فقه اللغة ،حقـ:عمر الطباع، شركة الأرقم بن أبي الأرقم، ط1، سنة 1999 الكويت ص39.
[150] كعب بن مالك الأنصارين الديوان، تحـ: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة،ط1 ،2007 بيروت، ص57.
[151] جون ليونز ،نظرية المعنى عند فيرث ،تر: عبد الكريم مجاهد ،مجلة الفكر العربي ،العدد78 خريف 1994 ،بيروت ،ص25-32.
[152] ابن جنّي ،الخصائص ،تحـ:محمد علي النجار ،1952-1956 ،القاهرة ،1/245.
[153] المصدر نفسه ،1/245.
[154] المصدر نفسه ،1/248.
[155] ابن هشام ،شرح شدور الذهب ،تحـ:محي الدين عبد الحميد ،المكتبة التجارية ،ط8 عام1380هـ-1956 ،القاهرة ،ص28-29.
[156] نهاد الموسى ،ينظر الصورة والصيرورة بصائر في أحوال الظاهرة النحوية ونظرية النحو العربي دار الشروق ،ط1 ،عام2003 ،عمان ،ص125-126.
[157] ابن جني ،الخصائص ،1/247.
[158] أحمد محمد قدور ،مبادئ في اللسانيات ،دار الفكر ،ط 2 ،سنة 1999 ،دمشق ،ص299
* وهناك من يعدّ هذا النوع من الأسيقة جزءا من سياق الحال.
[159]- Françoise Armenguad, La pragmatique, puf ,4 em Édition 1999,p3.
[160] معن الطائي، التداولية منهجا نقديا، مجلة الأديب، ع58، سنة 2005، بغداد، ص22.
[161]-Charles Morris, Fondements des théories des signes, in langage. n °35.Septembre 1974. P19.
[162] فرانسواز أرمينكو، المقاربة التداولية، تر: سعيد علوش، مركز الإنماء القومي، (د ت ط)، ص80.
[163] المصدر السابق، ص11.
[164] عيد بلبع، التداولية إشكالية المفاهيم بين السياقين الغربي والعربي، مجلة سياقات، العدد1، ط1 سنة2007، القاهرة، ص36.
[165] فان ديك ،النص و السياق استقصاء البحث في الخطاب الدلالي و التداولي، ص256.
[166] السيوطي جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن، مطبعة البابي الحلبي، ط3، سنة 1402 هـ بيروت،2/31-32.
[167] قطعة من كتاب أبي بكر الصديق في الصدقة، وهي فيه بلفظ: "وفي صدقة الغنم في سائمتها...". أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، رقم:1454.
[168] سورة الحجرات، الآية:06.
[169] سورة الطلاق، الآية:06.
[170] ينظر أوستين ،نظرية أفعال الكلام العامة-كيف ننجز الأشياء بالكلام- ، تر: عبد القادر قينيني إفريقيا الشرق، سنة 1991، الدار البيضاء،ص07.
[171] J.Austin, Quand dire c'est faire, Ed du Seuil, Tra: Gille Lane .Paris, 1970, p124.
[172] J.Austin, Quand dire c'est faire, p124.
وينظر أيضا نظرية أفعال الكلام، ص115،116،131،132،135،137.
[173] ينظر فرانسواز أرمينكو ،المقاربة التداولية ، تر: سعيد علوش، مركز الإنماء القومي، (د ت ط). ص62.
[174] آن روبول وجاك موشلار،التداولية علم جديد في التواصل، تر:سيف الدّين دغفوس ومحمد الشيباني، دار الطليعة، (د ت ط)، بيروت.ص43.
[175] J.R.Searle, Les actes de Langage (essai de philosophie du langage). collection savoir, lecture, Herman, Paris, France.1996, Nouveau tirage. P60.
[176] Ibid. P62.
وينظر عادل فاخوري ،تيارات في السيمياء، ، دار الطليعة، ط1، سنة 1990 بيروت، ص 98-99.
[177] جمال الدين الإسنوي ،نهاية السول في شرح منهاج الأصول، تحـ:شعبان محمد إسماعيل، بيروت، دار ابن حزم ،سنة1999 1/177.
[178] John Lyons, Sémantique Linguistique, Traduit par Jacques Durand et Dominique Boulonnais, Paris, 1980, p346.
Et voir J.L.Austin ,Quand dire c est Faire, p40.
[179] صابر الحباشة ،لسانيات الخطاب الأسلوبية والتلفظ والتداولية، سورية ،دار الحوار، ط1 سنة2010، ص199.(في الكتاب مقال لجون لاينـز مترجم بعنوان الصيغة والقوة اللاقولية)
[180] John Lyons, Sémantique Linguistique, Traduit par Jacques Durand et Dominique Boulonnais, p346. Et voir J.L.Austin, Quand dire c est Faire, p40.
[181] صابر الحباشة، لسانيات الخطاب الأسلوبية والتلفظ والتداولية، ص199-200.
[182] الإسنوي ،نهاية السول، 1/298.
[183] J. Moeschler, Argumentation et conversation pour une analyse pragmatique du discours, Hatier-Credif, 1985, p26.
يحي رمضان ،القراءة في الخطاب الأصولي الإستراتيجية والإجراء ،عالم الكتب الحديث، ط1 سنة 2007 ،الأردن ص272-273.(أشار مؤلف الكتاب إلى النموذجين المقترحين –الجويني و الإسنوي -).
[184] يحي رمضان ،القراءة في الخطاب الأصولي، ص273.
[185] عبد الرحمان بدوي، اللغة والمنطق في الدراسات الحالية، مجلة عالم الفكر،المجلد الثاني العدد الأول، سنة 1971 الكويت ص69.
[186] جون ليونز، اللغة والمعنى والسياق، تر: عباس صادق الوهاب، دار الشؤون الثقافية العامة ط1، سنة 1987 بغداد ،ص 200.
[187] ينظر: عبد الغفار حامد هلال، علم الدلالة اللغوية، ص28.
[188] الدكتور الجيلالي حلام باحث وأستاذ جزائري مختص في المعجمات واللسانيات، شارك في عدد من المؤتمرات والملتقيات والندوات العلمية، وقدّم فيها مجموعة من الدراسات والبحوث، شارك في تنقيح المعجم العربي الأساسي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. نشر مجموعة من الدراسات اللغوية في عدد من المجلات العربية المحكمة وغيرها نال عدة جوائز في الإبداع الأدبي، من مؤلفاته: المعجمية العربية قراءة في التأسيس النظري، وتقنيات التعريف بالمعاجم العربية المعاصرة، توفي سنة 2005م رحمه الله رحمة واسعة.
[189] أبو حامد الغزالي ،معيار العلم في فن المنطق ،دار الأندلس ،(د ت ط) ،ص197-198.
[190] حلام الجيلالي، تقنيات التعريف بالمعاجم العربية المعاصرة، طبعة اتحاد كتاب العرب دمشق 1999 ، ص105-106.
[191] مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط، دار الدعوة، د ت ط، ص 1053. وأبو بكر الرازي ،مختار الصحاح ، دار الفكر العربي ،ط1 ،1997 ،بيروت ،ص304-323.
* أشار تمام حسان إلى أنّه ينبغي على صانع المعجم أن يتوخى ضمائم الكلمة طبقا للوجه الأوّل للتضام وهو التوارد والوجه الآخر وهو التلازم، فيقول في الحالة الأولى مثلا: صاحب الدار: مالكها، وصاحب رسول الله: رفيقه، وصاحب الفضيلة: المثقف في الشريعة الإسلامية، وصاحب الجلالة: الملك، وصاحب المعالي: الوزير، وصاحبي: صديقي، وهلم جرا، ذلك هو المراد بالتوارد، ويقول في الحالة الثانية وهي حالة التلازم: رغب فيه: طلبه، وعنه: كرهه، وإليه استعانه، وهكذا. وإنما ينبغي ذكر الضمائم هنا؛ لأنّ الاكتفاء بذكر الكلمة دون ضمائمها لا يصل بالمعجم إلى غايته المنشودة. تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، دار الثقافة، ط1994، الدار البيضاء-المغرب، ص331.
[192] أحمد مختار عمر ،صناعة المعاجم الحديثة ،عالم الكتب ،ط1 ،1998 ،ص141.
[193] تمام حسان، اللغة العربية، معناها ومبناها، ص329.
[194] أبو بكر الرازي ،مختار الصحاح ،ص93.
[195] حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص112. وينظر: أحمد مختار عمر ،صناعة المعاجم الحديثة ص141.
[196] أحمد مختار عمر ،صناعة المعاجم الحديثة ،ص124.
[197] أبو بكر الرازي ،مختار الصحاح ،ص37-63-116.
[198] حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص114.
[199] المرجع نفسه ،ص114.
[200] أحمد مختار عمر ،صناعة المعاجم الحديثة ،ص143.
[201] أبو بكر الرازي ،مختار الصحاح ،ص295.
[202] أحمد مختار عمر ،صناعة المعاجم الحديثة ،ص146. حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص115.
[203] حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص116.
[204] مجمع اللغة العربية ،المعجم الوسيط ،مطابع دار الدعوة، طبعة جديدة ،القاهرة ،ص58.
[205] أبو بكر الرازي ،مختار الصحاح ،ص28-242.
[206] أحمد مختار عمر ،صناعة المعاجم الحديثة ،ص124.
[207] حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص118.
[208] مجمع اللغة العربية ،المعجم الوسيط ،ص183.
[209] حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص106.
[210] المرجع نفسه ،ص119.
[211] أبو بكر الرازي ،مختار الصحاح ،ص151.
[212] حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص120.
[213] أبو بكر الرازي ،مختار الصحاح ،ص287.
[214] أحمد مختار عمر ،صناعة المعاجم الحديثة ،ص123.
[215] حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص129.
[216] ينظر: د.أ.كروس، علم الدلالة المعجمي، تر: عبد القادر قنيني، إفريقيا الشرق، ط2014، المغرب، ص192.
[217] حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص129.
[218] المرجع نفسه، ص130
[219] مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، ص371.
[220] حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص135.
[221] أبو بكر الرازي ،مختار الصحاح ،ص263.
[222] شريف الجرجاني ،التعريفات ،الدار البيضاء للنشر ،1971 ،تونس ،ص307.
[223] حلام الجيلالي ،تقنيات التعريف ،ص138.
[224] المرجع نفسه ،ص138.
[225] المرجع السابق،ص142. وينظر: إبراهيم بن مراد، المعجم العلميّ العربيّ المختصّ حتى منتصف القرن الحادي عشر الهجري، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1993، بيروت، ص134.
[226] الحبيب النّصراوي، التعريف القاموسي بنيته الشكلية وعلاقاته الدلالية، مركز النشر الجامعي، ط2009، تونس ص43.
* يرى عبد الملك مرتاض أنّ النطق الصحيح للكلمة هو بنوي. يقول في هذا الشأن" فلا ندري كيف ذهب الاستعمال النقدي العام المعاصر إلى هذا الخطأ الفاحش (البنيوية) الذي لا مبرر له، إلا أن يكون الإصرار على إفساد العربية وفأسها بالفأس والاستمتاع بإصابتها بالبأس في الرأس". في نظرية النقد، دار هومة، الجزائر، 2002، ص191. وخلص يوسف وغليسي في مساءلة مصطلحية إلى أنّ البنييّة –بياءين- هي النسبة الأصح من حيث القياس اللغوي (مراعاة الأصل)، وأنّ البنوية أيضا نسبة سماعية صحيحة وخفيفة (يقال بنوية على الإعلال بالقلب). لكن معيار التداول المعاصر لا يقرّ أيّا من هذين المصطلحين السليمين؛ لأنّ البنيوية –بياءين قبل وبعد الواو- على علّاتها الصوتية تبدو بوضوح أكثر اطرادا وأشيع استعمالا. فقد فرضها التداول وغلّبها كما غلّب الاستعمال العربي النسبة إلى قريش "قرشي" على النسبة الأصلية القياسية "قريشي" التي اندثرت باندثار الشاعر القائل:
بكل قريشيّ إذا ما لقيته سريع إلى داعي الندى والتكرم
ينظر: يوسف وغليسي، البنية والبنيوية في المعاجم والدراسات الأدبية واللسانية العربية (بحث في النسبة اللغوية والاصطلاح النقدي)، مجلة الدراسات اللغوية، العدد: 06، سنة 1431هـ- 2010، جامعة قسنطينة، ص291.
[227] حلام الجيلالي، تقنيات التعريف، ص155.
[228] حلام الجيلالي ،ص173-174.
[229] المرجع نفسه ،ص175.
[230] المرجع نفسه ،ص175.
[231] المرجع نفسه ،ص176.
[232] المرجع السابق ،ص178.
[233] المرجع السابق ،ص179.
[234] المرجع السابق ،ص179.
[235] المرجع السابق ،ص180.
[236] حسين نصار، المعجم العربي نشأته وتطوره، مكتبة مصر، ط2، 1968، 2/691.
[237] الزمخشري، أساس البلاغة، دار الفكر، ط1، 2006، بيروت، ص7-8.
[238] المصدر نفسه، ص239.
[239] المرجع نفسه، ص380.
[240] ينظر: علي القاسمي، المعجمية العربية بين النظرية والتطبيق، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 2003، ص85.
[241] صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب ثناء الناس على الميّت، رقم: 1301.
[242] الفيومي ،المصباح المنير، طبعة نوبليس، القاهرة ،1/119.
[243] إبراهيم مدكور، المعجم العربي في القرن العشرين ،مجلة مجمع اللغة العربية ،ط1963،الجزء السادس عشر ،ص8. ومحمد أحمد أبو الفرج ،المعاجم اللغوية ،ص124.
- معلم: DERGAOUI Mokhtar