المحاضرة الاولى 01 :

المغرب الاقصى في نهابة القرن  15 .

(1453- 1492 )

1- التحولات السياسية الدولية   :

 1- اتصف هذا العصر بعصر السيطرة والنفوذ للإمبراطورية العثمانية ، فبعد فتح القسطنطينية 1453 ، وقبيل ظهور الوطاسيين اتسع نفوذ العثمانيين على حساب الامبراطوريات المسيحية الأوروبية ، فأخضع السلطان محمد الثاني بعد حروب عنيفة بلاد المجر واليونان القوميات البلقانية الاخرى، وأرغم البنادقة على الخروج عن ألبانيا 1479 .

2- واجه المغرب العربي الإسلامي في هذه الفترة حملات شديدة، قادها الإمبراطور النمساوي شارلكان والإسبان ذوي الروح الصليبية المتشددة، خاصة بعد سقوط غرناطة 1492 ، وضياع الحلم في استرجاعها من قبل المغاربة ،  اذ مثل ذلك منعطفا في تحول القوة السياسية والعسكرية من المسلمين إلى أوربا النصرانية، بعد قرون من السيطرة الإسلامية . وتدخل العثمانيون بعد أن صار المغربين الوسط والأدنى عرضة لغارات وتوسع المملكة الإسبانية الناشئة، والتي كانت قد احتلت المرسى الكبير ثم مدينة وهران في بضع سنين  1525  ، واحتلوا مدنا أخرى على الساحل المغربي، وظهر الأخوين التركيين عروج  وخير الدين ودافعا عن أراضي الإسلام بالمغرب، وبسطا سلطانهما على الساحل،وحاربا الإسبان،بل استطاع خير الدين باسم الباب العالي فتح إفريقية، وأنهى ملك الحفصين  1535.

3- عرفت اوربا نهضة اوربية متطورة تمخض عنها كشوفات جغرافية هامة غيرت الخارطة التجارية في غرب المتوسط جذريا باكتشاف طرقا جديدة للتجارة ، فتراجع الوزن الاقتصادي للمغرب ، وتحول المركز التجاري من المغرب الى تلمسان وتونس بعدما كانت سجلماسة قطبا تجاريا هاما في المغرب العربي كافة .

4- لقد كان الظرف السياسي العام بعد ظهور العثمانيين قد تغير في أوربا، فقد بات  الخطر العثماني يهددهم، وكان البحر المتوسط خاضعا لهم ، وهنا ظهرت المملكتان الاستعماريتان الأوليتان في التاريخ الأوربي الحديث البرتغال وإسبانيا، واتجهت أطماعهما إلى خارج المتوسط، فأبحرت سفنهما نحو الهند، ونزلت أمريكا ، فاتسع نفوذهما وثراءهما، واتسع معه ظلمهما لمن وجدته في طريقهما من شعوب العالم. وكان للكنيسة في هذه الأثناء دورا محوريا في حركة الاستعمار ومعه فسادها بجيث باركت جهود الاسبان والبرتغال في التوسع 1493 .  

2- الوضع الداخلي المغرب الاقصى سياسيا :

1- انهيار دولة الموحدين وتشتتها بين الحفصيين في تونس وبنو عبد الواد(الدولة الزبانية ) في تلمسان وبنو مرين ( بنو عبد الحق )في المغرب الاقصى( الدولة المرينية) 1269-1465 (دامت 196 سنة ) ودخولها في حروب بينية مستمرة وحتى داخل الاسرة الواحدة بسبب الصراع على السلطة ،وهو المنفذ الذي استغله الايبريون للنفاذ منه نحو المغرب الاقصى بعد تراجع سلطة الدولة المركزية التي اكتفت لادارة بلاد المخزن وضواحيها وبقاء بلاد السيبة لحساب قوى منافسة او معارضة او متمردة للحكم المخزني ، الامر الذي اضعف الاسرة المرينية في ضبط الامن وبسط سيادتها  خارج دائرة نفوذها لانها فقدت آلية استمالة الرعية على اسس دينية واقتصر تحالفها على معايير قبلية التي لا تمكن من تجاوز نظام العروشية والعرقية عكس الروابط الدينية التي توسع من قاعدة الجماهير المساندة للسلطة المركزية .

4- فشل جهود المغرب الاقصى لاستعادة الاندلس 1492 واحيانا تقاعسهم في دعم المضطهدين، لينشغل بتحرك العثمانيين شرقا وتحرشات البرتغال والاسبان شمالا وغربا بعد ان طردوا المسلمين من الاندلس وقادوا حملة المطاردة التي كشفت عن مزايا الضفة الجنوبية من موارد هامة ، تزعمتها البرتغال في السطو على ثغور المغرب الاقصى شمالا في بداية القرن 15 .

5- اشتد الصراع على السلطة في المغرب بين الدولة المرينية  1269-1465  ومعارضيها من الموحدين( ينتمي بنو مرين إلى قبيلة زناتة، وقد بدأ أمرهم بالظهور في جنوب المغرب الأقصى بقيادة أبي محمد عبد الحق بن محيو، الذي هزم جيش الموحدين سنة 1216،لكن دولة بني مرين لم تتشكل فعليا إلا مع أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المعروف بالسلطان المنصور، الذي استولى على مراكش سنة  1269  ، وانقرضت على يديه دولة الموحدين سنة  1275).

        لقد حاولت الدولة المرينية أن تبسط نفوذها على كامل بلاد المغرب، وتؤسس دولة كبيرة على نمط الموحدي ، لكنها لم تفلح في ذلك إلا لفترات قصيرة ، وسرعان ما عادت دولة إقليمية محدودة التأثير . فقد جهز أبو الحسن المريني سنة  1347 حملة على مدينة تونس، ومني من قبل الحفصيين بهزيمة نكراء كادت أن تطيح بأسرة بني مرين في مراكش ذاتها، كما ورثت الدولة المرينية بحكم موقعها الجغرافي تقاليد سياسة الموحدين في الأندلس بتقديم المساعدات لمسلميها، لكن الخلافات التي دبت بينها وبين دولة بني الأحمر في غرناطة حول تملك بعض المواني الأندلسية، أضعف قدرة المسلمين على المقاومة، وعرض المغرب الأقصى نفسه لغزو الدول النصرانية الناشئة، منذ بداية القرن  15 ، حتى سقطت سبتة في أيدي البرتغاليين سنة 1415 ، فضعف أمر المرينيين  وزاد وضع دولتهم سوءا بتفشي المنافسات الداخلية على العرش بعد مقتل السلطان أبي سعيد سنة  1420، وتدخل دولتي بني الأحمر(الاندلس) وبني عبد الواد (تلمسان )في تلك المنافسات لتأييد هذا أو ذاك من المدعين للعرش، حتى انتقل الحكم إلى أيدي الوطاسيين في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، وأسلاف الوطاسيين فرع من بني مرين سيطروا على فاس سنة   1471، ولم يبق للمرينيين سلطان بعد ذلك تقريبا إلا بمدينة مراكش .

الخلاصة : شهد العصر الحديث صراعا بين الشرق الاسلامي والغرب المسيحي اختل فيه التوازن بين القوى السياسية ، اذ في الوقت الذي سقطت اخر قلعة للعالم الاسلامي في غرناطة 1492 وما تبعه من اثار مدمرة على الدولة العربية الاسلامية المحاذية ، قاد العثمانيون فتحا وانتصارا في الشرق بفتح القسطنطينية 1453 ، لكن هذه المقاربة جعلت العالم الاسلامي يتراجع امام التفوق الاوربي الناهض في جميع المجالات ، وبنكفئ على نفسه في مواجهة ترتيبات الحكم وقهر المنافسين والانشغال بمحاربة تحرشات الاسبان والبرتغال اللذين شكلا حلقات عسكرية على طول السواحل المغاربية ، في ظل انشغال العثمانيين بالفتوحات في شرق اوربا .وبقى المغرب الاقصى احد نقاط التوتر بين الشرق والغرب ، تجلت فصوله في تجدد الحروب الصليبية غرب المتوسط .

     اسئلة تحصيلية تقويمية :

1- هل كان سقوط الاندلس 1492 سببا كافيا لتدهور الاوضاع بالمغرب الاقصى ؟

2- ما حدود مسؤولية السلطة المخزنية في تدهور العالم الاسلامي في غرب المتوسط وتفكك البنية السياسية في المغرب الاقصى وضعفها في مواجهة الواقع الراهن انذاك ؟