الدراسات الثقافية والوسائط المتعددة / ماستر2 / إتصال جماهيري ووسائط جديدة .

المحور الثالث: الدراسات الثقافية والوسائط الجديدة: قضية للنقاش .

"الإعلام الجديد والخصوصية الثقافية" 

  

  تعرف المجتمعات اليوم ثورة إعلامية تجلت في التطور المتسارع لتكنولوجيا الاتصال، جعل العالم قرية كونية مفتوحة، وألغى كل المفاهيم التقليدية للحدود الجغرافية والسياسية بين الدول. فقد تغلبت وسائل الاتصال الرقمي الحديثة على قيود الوقت والمسافة، كما انتشرت شبكات الاتصال، سواء الصحافة الإلكترونية والمدونات، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو البريد الإلكتروني، وغيرها، مما زاد بشكل كبير من فرص تنويع مصادر المعرفة والمعلومات وإتاحتها لكل الشعوب، وقدرتها على التأثير في الثقافة ومضامينها.

 وقد أدى نمو وسائل الاتصال الرقمي وتطورها السريع إلى تغيرات شاملة في الحياة الثقافية، وأصبح من الممكن الآن أن تكون المادة الثقافية متاحة للجميع على شبكة الإنترنت، والفواصل التي كانت تعيق الاتصال الثقافي واللغوي وانقضى عصر العزلة وأن تنعقد العلاقات والصلات الثقافية بين الشعوب.. فانزاحت الحدود .

  فضلا عن ذلك، فإن التكنولوجيا الجديدة لوسائل الاتصال والإعلام قدمت خدمات جليلة للثقافة، فأتاحت الفرصة للمواطن للتواصل مع الآخرين والانفتاح عليهم، ونيل حقه من الثقافة متعددة المصادر. وفي الوقت نفسه، ساعدت هذه التكنولوجيا على إحداث مايسمى بـ“العولمة الثقافية“ بسبب الفجوة التي حصلت بين الدول المتقدمة التي تمتلك تلك التكنولوجيا والدول النامية التي تفتقر إليها.

   وتوصف العولمة الثقافية بأنها ثقافة ذات بعد واحد وثقافة الأقوى، ثقافة كل من يملك وسائل الاتصال الرقمي الحديثة القادرة على خلق اختراق حقيقي للثقافات المحلية عديدة لصالح الثقافة المعولمة. فمثل هذه الثقافة تنتشر وتسود على حساب ثقافات محلية.. ولذلك، فقد أصبح العالم يواجه الكثير من الإشكالات المعاصرة نتيجة التطورات الهائلة التكنولوجيا الاتصال والإعلام، حيث حصل صدام بين الثقافات المحلية والثقافة العالمية (الثقافة الغربية على الخصوص) وحصلت انعكاسات على منظومة القيم، وأنماط التفكير، وأساليب الحياة، بل سادت أحيانا ثقافة الهيمنة من قبل الثقافة الغربية على الثقافات المحلية، في الوقت الذي يجب فيه على الإعلام الرقمي المساهمة في نشر ودعم الموروث الثقافي للدول، نظرا للأدوار التي قد يلعبها الإعلام في تعزيز الاتصال الثقافي، وبناء علاقة تكامل وانسجام بين الثقافات المتعددة.

  لكن هذا لا يعني أن تبقى الثقافة المحلية (الثقافة العربية كمثال) حبيسة الخصوصية الضيقة التي ترفض التفاعل والتلاقح مع الثقافات الأخرى. فالتخلف أو الانكماش الثقافي في بعض المجتمعات سببه عدم مواكبة وسائل الاتصال الحديثة والتطور المعرفي والتقني بشكل سريع، وتجاهل بناء ثقافة الإعلام الجديد المنفتحة والمتجددة التي تتطور، فالمجتمعات الآن، ذات الخصوصيات الثقافية، تواجه تحديات مختلفة تفرض عليها أن تغير منظومتها التربوية والتعليمية لمواجهة تحديات الإعلام الرقمي، والتطور السريع بسبب ثورة الإعلام الرقمي أو الإعلام الجديد. للمفاهيم الثقافية والنظام الثقافي والسلوكي بشكل عام، والتحولات اليومية التي يعرفها المحيط الخارجي .

  ومن زاوية أخرى، فإن الحوار بين الثقافات والشعوب واحترام التنوع الثقافي باعتباره تراثاً مشتركاً للإنسانية، يقتضي زيادة التفاعل بين الثقافات، لأن التحدي الكبير الذي تواجهه الثقافات المحلية يكمن في القدرة على التواصل مع المحيط بغض النظر عن الاختلافات الثقافية. وهنا يأتي دور وسائل الإعلام التي بإمكانها أن تضطلع بمهمة على الآخر. الوسيط في حفز التقارب بين الثقافات وتكاملها، عوض تناحرها أو هيمنة البعض منها .

ولا ريب أن استخدام الإعلام الجديد بهدف فسح المجال أمام مختلف الثقافات للتعبير عن نفسها بكل حرية أمر حتمي لترسيخ أسس التفاهم بين الشعوب والحوار بين الثقافات، لأنه يمتلك القدرة على تيسير هذا الحوار بين الثقافات وتجاوز التصورات.. ومن ثم تعزيز روح التسامح والقبول بالاختلاف. النمطية الموروثة، وتبديد الجهل الذي يغذي سوء الظن بالآخرين وينمي الحذر منهم، ونشير أيضا في هذا الخصوص إلى أن وسائل الإعلام الجديد يمكن لها أن تلعب دورا في تعميق الخلاف بين الثقافات أو في تقريب وجهات النظر ومد الجسور بينها، بما يعزز التفاهم والتناغم على نحو أفضل.

  وإذا كانت بعض الدول الصناعية تريد، عن طريق تقنيات الاتصال الحديثة والمتطورة، تحويل الثقافة إلى تجارة وإفراغها من مدلولاتها المعيارية بغرض الهيمنة، حيث تصبح رهينة في أيدي هذه الدول وشركاتها الكبرى، يتم توظيفها في تغيير الأفكار والعادات والسلوك الاجتماعي للسيطرة ثقافيا ثم اقتصاديا على المجتمعات، فإن ذلك لن يخدم اللثقافةبصفة عامة وقد يساهم في الغزو الثقافي الذي يزيد في حدة الصدام الحضاري .

******

الإعلام الجديد والخصوصية الثقافية

خالد الشرقاوي السموني: مدير مركز الرباط الدراسات السياسية

20:30 - 2020 أبريل 13 الإثنين .