المحور الاول: ثلاث محاضرات /
الدراسات الثقافية: النشأة، الأساس النظري .
لطلبة: السنة الثانية ماستر / تخصص: إتصال جماهيري ووسائط جديدة .
1 /كيف ظهرت الدراسات الثقافية؟
تعتبر الدراسات الثقافية حقلاً من حقول الدراسات الأكاديمية، وهي أساساً وليدة النظرية النقدية والنقد الأدبي. وقد أدخله الأكاديميون البريطانيون في أواسط الستينيات من القرن العشرين، وتبناه الأكاديميون بعد ذلك عبر العالم. ولم يكن خروج هذه الدراسات الثقافية من الدراسات النقدية اعتباطياً، وإنما كان وليد ما تتضمنه النظرية النقدية والنقد الأدبي من تصورات تقوم على الانفتاح على تخصصات مختلفة، عرفها النقد الأدبي التقليدي، مثل علاقته بعلم الاجتماع وعلم النفس والتاريخ والمذاهب الفلسفية واللسانيات مثلاً .
ولذلك فالدراسات الثقافية هي تخصص أكاديمي يساعد الباحثين الذين ينظرون إلى القوىالتي يَبني بها الكائن البشري حياته اليومية. ولهذا فهي ليست نظرية موحدة، ولكنها حقل متنوع من الدراسات يشمل عدة مقاربات ومناهج وآفاق أكاديمية مختلفة. هي من نوع جنس هذا المفهوم عدة مشاكل منهجية ونظرية. ولكنه شق لنفسه حقله المتداخل الاختصاصات. الأجناس/ماكرو جنس، أو جنس معرفي يجمع عنده عدة أجناس معرفية فرعية. ولهذا يطرح، ولهذاجاء اسم هذا التخصص بالجمع: "الدراسات الثقافية". culture/culturelles Etudes
studies . و تتميز عن غيرها من الدراسات بتركيزها على الدينامية السياسية الثقافية المعاصرة وعلى أسسها التاريخية، وعلى الصراعات وتحديد سمات تلك الصراعات.
يركز الباحثون في الدراسات الثقافية على كيفية ارتباط وسائل الإعلام بالإيديولوجية، والطبقة الاجتماعية، والجنسية، والعرق، والجنس، والجنوسة gender ،ويقدم بالأحرى تحديدات وتصنيفات لثقافة خاصة أو لثقافة منطقة خاصة في العالم، مثل ثقافة شمال إفريقيا أو الثقافة المغاربية، أو ثقافة الشرق الأوسط... وللوصول إلى مثل تلك التصنيفات، أو على الأقل، بعض جوانب تلك التصنيفات، لابد من الاعتماد على الدراسات النقدية النظرية والمنهجيةالتحليلية المختلفة التي تتكفل بالتحليل النصي واستخراج سمات تلك النصوصالمشكلة لتلك الثقافة المكتوبة أو الشفوية.
*********
2 /ما هي النظريات التي تدخل في حقل الدراسات الثقافية؟
يدخل في حقل الدراسات الثقافية مجموعة من النظريات؛ أهمها: النظرية الاجتماعية، والنظرية السياسية، والتاريخ، والفلسفة ونظرية الأدب، النظرية النسوية، ونظرية وسائل الإعلام، ودراسات الفيلم والفيديو، ودراسات التواصل، والاقتصاد السياسي، والترجمة ودراسات المتاحف، ونقد الفن، إلى دراسة الظاهرة الثقافية في مختلف المجتمعات. لذلك فإن هذه الدراسات تبحث عن كيفية خلق المعنى، وكيف يُبنى ويَخرج ذلك المعنى من الأوساط أو الحقول السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأدبية والفنية داخل ثقافة ما.
المعنى الثقافيإ إذنمعنى مركب من جماع إفرازات تلك الأوساط أو الحقول وتلك الممارسات. وأن ذلك المعنى المركب هو الذي يساهم في إعطاء الثقافة لونها السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو أشكالاً متطرفة. الديني أو الفني. وقد يتحول إلى فعل ساكن أو فعل متحرك. وقد يتخذ أشكالاً معتدلة ومتزنة.
ركزت الدراسات الثقافية على مختلف الخطابات الثقافية التي تنتجها المجموعات البشرية المختلفة والمتنوعة، وعلى مستوى المثاقفة بين تلك الثقافات، وعلى أنواع من الثقافات الخاصة والعامة والهامشية، وبالخصوص الهيمنة الثقافية. وقد ظهرت النظريات المؤثرة في التواصل التي تحاول تفسير القوى الثقافية الموجودة وراء النظام العالمي الجديد، وبالعولمة. للهيمنة الثقافية وفعلها من حركة الدراسات الثقافية مثلما هو الشأن بالنسبة لمعظم نظرية .
قامت الدراسات الثقافية لمواجهة مفهوم الهيمنة، وإبراز مختلف أشكال الهيمنة التي تمارسها السياسات المتحكمة. وبالخصوص بعد التحولات السياسية والاقتصادية التي عرفتها مرحلة الثمانينيات من القرن العشرين. وذلك خلال ظهور الليبرالية الجديدة في بريطانيا (التاتشرية)، والمحافظين الجدد في أمريكا (الريغانية) مع ثمانينيات القرن العشرين. فتم الهجوم على الدراسات الثقافية من طرف القوى السياسية والأكاديمية وذلك نظراً للعلاقة الوطيدة بين عدد كبير من الباحثين في الدراسات الثقافية والنظرية الماركسية، واليسار السياسي، وما عرفه مفهوم الثقافة من تطور على يد أمثال غرامشي وباحتين من اليسار الفرنسي والأوروبي.
وكان من أبرز مقاصد هذه الدراسة هو مواجهة الهيمنة التي تجلت في العقود الأخيرة، والمتسترة وراء ما كشف عنه من قبل فوكو في الخطاب، وحلله ديريدا في تفكيكيته، وما قام به إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق (1978 (وهومي بابا في كتابه موقع الثقافة، وغيرهم من الذين كشفوا عن أنواع السيطرة الكامنة في الخطاب واللغة والصورة والتواصل المعتمد في السياسة والاقتصاد. ظهرت الدراسات الثقافية لتنصف الثقافة التي ينتجها الإنسان والمجموعة البشرية، وبخاصة تلك المجموعة التي تم تهميشها والسيطرة عليها وتبخيس ثقافتها وقمع إنتاجاتها المختلفة من أجل استمرار الهيمنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ولذلك تم اعتبار الثقافة من المداخل الأساسية إلى تركيز السيطرة بأنواعها. وكان هذا التصور وليد ما عرفته الدراسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية خلال القرن العشرين، وبخاصة تصورات ثقافية . الدراسات الماركسية والفلسفية التي تم تفكيكها والابتعاد فيها من التصور الراديكالي وتطعيمها .
(بالتصرف)
محاضرة ألقيت هذه المحاضرة يوم الأربعاء 13فبراير 2013 ،بالمكتبة الوسائطية لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، وذلك في إطار برنامج شراكة بينها وبين جمعية رباط الكتب
{أحمد بوحسن كلية الآداب والعلوم الإنسانية-الرباط}
*******
الهوامش:
* G. Steinmetz, State/Culture: State-Formation after Cultural Turn (The
Wilder House Series in politics, History and Culture), Ithaca, NY. Cornell
University press, 1999, pp. 1-2. *Beyond the Cultural Turn, Victoria E. Bonnell and Lynn Hunt (Editors),
Hayden White (Afterword), University of California Press, Berkeley and
Los Angeles, 1999. :