محاضرات مقياس التنظيم القانوني لتدول المعلومة في الفضاء العمومي

ا/ حميدي حياة

لسداسي الأول للسنة الجامعية 2020-2021

موجهة لطلبة ماستر2 علوم الاعلام والاتصال

اتصال تنظيمي & اتصال جماهيري

جامعة حسيبة بن بوعلي- الشلف

أهمية المقياس وأهدافه:

المقياس موجه لدفعة التخرج - طلبة الماستر2- وهو تكملة لما درسه الطلبة في السنوات السابقة خاصة السنة الثانية - ليسانس- (مدخل إلى العلوم القانونية + تشريعات إعلامية) وهو أيضا تكملة لمقاييس بالغة الأهمية تناولت وطرحت كلها الحريات الاعلامية والثورات المؤثرة فيها، داخل ما يسمى بالفضاء العمومي - والافتراضي-

يركز المقياس على حق أساسي من الحقوق الاعلامية والاتصالية، وهو حق الحصول والوصول إلى مصادر المعلومات العامة، وعليه تم تكييف البرنامج على النحو الآتي:

أولا: المعلومة مدخل مفاهيمي

ثانيا: أهمية المعلومات (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعي,(

ثالثا: تداخل الحق في تداول المعلومات مع الحقوق الأخرى

رابعا: المرجعية الدولية والاقليمية للتنظيم القانوني للمعلومة

خامسا: التجارب الدولية في مجال  لتنظيم القانوني لتداول المعلومة (الو.م.أ، فرنسا، بريطاني(

سادسا: التجارب العربية في مجال تنظيم القانوني لتدول المعلومات (مصر، المغرب، لبنان، الأردن(

سابعا: التنظيم القانوني لتداول المعلومة في الجزائر

أولا: المعلومة مدخل مفاهيمي

أصبح للمعلومات دور كبیر ومهم في جمیع نواحي الحیاة، وخاصة النواحي العلمیةّ، حیث تعتمد علیها عملیات اتخاذ القرارات ، فكلما كانت ھذه المعلومات صحیحة ودقیقة فإن القرارات المعتمدة علیها تكون على درجة عالیة من الصحة والدقة.

1-   تعريف المعلومات

لغة:ً مشُتقة من الفعل علم، وتدل على الإحاطة ببواطن الأمور والوعي، والإدراك.

اصطلاحاھي البیانات التي عولجت لتصبح ذات معنى ومغزى معُینّ لاستعمال محُددّ، لأغراض اتخاذ القرارات، وبذلك يمكن تداولها، وتسجیلها، ونشرھا، وتوزيعها، فى صورة رسمیةّ أو غیر رسمیةّ وفي أي شكلٍ، لأنها تكون حقائق ينتهي إلیها البحث العلميّ بعد عدة مراحل من التنقیب، والاستقصاء، والاستقراء، والتجارب التي بنُیت على المنهج العلميّ.

لقد اختلط مصطلح المعلومات بمفاھیم وكلمات أخرى كالبیانات والمعرفة ، وھذا لا يعنى عدم وجود علاقة بین ھذه المصطلحات ، إنما توجد علاقة وعلاقة وثیقة وطیدة ، ويرى الباحث أن ھذه المصطلحات كلا منها يكمل الآخر ، فالبیانات تنتج لنا المعلومات ، والمعلومات بدورھا تنتج لنا المعرفة ، وسوف نستعرض مجموعة تعريفات لهذه المصلحات أ-  البیانات Data ھى مجموعة الأرقام أو الحروف أو الرموز أو الكلمات القابلة للمعالجة بواسطة الحاسب الآلى . بعبارة أخرى البیانات ھى المادة الخام التى تستقى منها المعلومات

وفي تعريف آخر : ھى الحقائق أو المشاھدات أو القیاسات التى قد تكون على صورة أرقام أو حروف أو رموز أو أى أشكال خاصة .. وتصف فكرة أو موضوع أو حدث أو ھدف أو أية حقائق أخرى  كمواد خام غیر مرتبة أو مقومة أو مفسرة أو غیر معدة للاستخدام إذا ما قومت وفسرت ونظمت ورتبت (أى عولجت وتم تشغیلها أو تناولها أو معالجتها) أصبح لها مضمون ذا معنى يؤثر فى الاتجاه ورد الفعل والسلوك .. أنها فى ھذه الحالة تصبح معلومات

ب-   المعلومات Informationوهي من المصطلحات التى تكاد تفقد وزنها الدلالى من كثرة الاستعمال وھى من الكلمات المراوغة صعبة المراس حیث أن جمیع التعريفات التى ذكرت فى المعلومات تعبر بشكل كبیر عن آراء ووجهات نظر أصحابها ، وھذه التعريفات قد تكون مقبولة عند بعض التخصصات ومرفوضة عند البعض الآخر ، وتم تقدير تعريفات المعلومات حتى الآن أكثر من 400 تعريف وسوف نحاول توضیح مجموعة من ھذه التعريفات:

تعريف المعلومات وفقا للمعجم الموسوعى لمصطلحات المكتبات والمعلومات :

1-    لبیانات التى تمت معالجتها لتحقیق ھدف معین أو لاستعمال محدد ، لأغراض اتخاذ القرارات ، أى البیانات التى أصبح لها قیمة بعد تحلیلها ، أو تفسیرھا ، أو تجمیعها فى شكل ذى معنى والى يمكن تداولها وتسجیلها ونشرھا وتوزيعها فى صورة رسمیة أو غیر رسمیة وفى أى شكل .

2-     المقومات الجوھرية فى أى نظام للتحكم

3-    المفهوم المتصل بالبیانات نتیجة لتجمیعها وتناولها .

4-     بیانات مجهزة ومقیمة خاصة إذا تم استیفاؤھا من مجموعة من الوثائق أو الأشكال .

أما القاموس البنهاوى الموسوعي فيعرفها:

1-     الحقائق الموصلة .

2-     رسالة تستخدم لتمثیل حقیقة أو مفهوم استخدام وحدة وسط بیانات ومعناه .

3-     عملیة توصیل حقائق أو مفاھیم من أجل زيادة المعرفة .

تعريف دكتور / حشمت قاسم للمعلومات :

ھو ذلك الشئ الذى يغیر من الحالة المعرفیة للمتلقى (القارئ أو المشاھد أو المستمع ، أو أيا كانت الحاسة التى يتم بها التلقى) فى موضوع ما

تعريف الدكتور / شوقى سالم للمعلومات. المعلومات ھى البیانات المصوغة بطريقة ھادفة لتكون أساسا لإتخاذ القرار

وهي أيضا ھى جملة البیانات والدلالات والمعارف والمضامین التى تتصل بالشئ أو الموضوع ، وتساعد المهتمین بالتعرف علیه والعلم به . فالمعلومات إذن توضح مفهوم الشئ ·وتعطیه قدره ، وتوضح سماته وخصائصه وتبین استخداماته ووظائفه( .

كما أنها الحقائق القابلة للتعمیم والتى ينتهى إلیها البحث العلمى بعد مراحل من التنقیب والاستقصاء والاستقراء والتجارب المبنیة على المنهج العلمى.

ج- المعرفةKNOWLEDGE :

ھى حالة الفهم والإدراك وھى أبعد من مجرد الإحاطة وھى تمثل مقدرة فكرية للتقدير الاستقرائى الأبعد من الحقائق والوصول إلى خلاصات أصلیة وينبغى أن تستنتج المعرفة ، ولیس مجرد أن تحس أو يشعر بها ، لأن ما نعرفه أو نفكر فیه ھو المعلومات

فهي الوعى وفهم الحقائق واكتساب المعلومة عن طريق التجربة أو من خلال تأمل النفس . المعرفة مرتبطة بالبديهة واكتشاف المجهول وتطوير الذات

كما أنها مجموعة المعاني والمعتقدات والأحكام والمفاهيم والتصورات الفكرية التى تتكون لدى الإنسان نتیجة لمحاولات متكررة لفهم الظواھر والأشیاء المحیطة به ،تمثل حصیلة أو رصید خبرة ومعلومات ودراسة طويلة يملكها شخص ما فى وقت معین

و ھى حصیلة الامتزاج الخفى بین المعلومة والخبرة والمدركات الحسیة والقدرة على الحكم . نتلقى المعلومات ونخرجها بما تدركه حواسنا . المعلومات وسیط لاكتساب المعرفة ضمن وسائل عديدة كالحدس والتخمین والممارسة الفعلیة.

تعريف الدكتور / حشمت قاسم للمعرفة :" ھى حصیلة مفردات المعلومات التى تجمعت وتكاملت فیما بینها لتشكل بنیة متماسكة منظمة"

2-   أشكال وأنواع المعلومات

المعلومات التطويرية أو النمائیة: ھي المعلومات التي تفید في تحسین المستوى العلميّ والثقافيّ للإنسان، وتوسیع مداركه، مثل قراءة الكتب.

المعلومات الإنجازيةّ: ھي المعلومات المخصوصة التي تفید الإنسان في إنجاز عملٍ، أو مشروع، أو اتخاذ قرار.

المعلومات التعلیمیةّ: ھي المعلومات التي يتلقاھا الطلبة خلال مراحلهم الدراسیةّ الأكاديمیةّ.

المعلومات الفكريةّ: ھي الأفكار والنظرياّت والفرضیاّت التي يضعها الإنسان حول العلاقات التي من الممكن أن توجد بین عناصر المشكلة المختلفة.

المعلومات البحثیةّ: ھي المعلومات التي يحصل علیها الإنسان من تجاربه الشخصیةّ، أو تجارب الآخرين سواء كانت تجارب معملیةّ أو حصیلة أبحاث أدبیةّ، وتشمل التجارب نفسها، وإجراءھا، ونتائج الأبحاث، وبیاناتها.

المعلومات الأسلوبیة النظامیةّ: ھي المعلومات التي تسُاعد الباحث على إنجاز بحثه بشكل أكثر دقة، وتشمل الوسائل التي تستعمل للحصول على المعلومات والبیانات الصحیحة.

المعلومات السیاسیةّ: ھي المعلومات التي تخصُّ المواضیع السیاسیةّ، وعملیاّت اتخاذ القرار.

المعلومات التوجیهیةّ: ھي المعلومات التي يحصل علیها الإنسان من خلال توجیهات الآخرين.

3-   خصائص المعلومات: يمكن ذكر بعض خصائص المعلومات في:

-        لديها القدرة على التشكیل أو إعادة الصیاغة.

-        إمكانیةّ نقلها عبر مسارات محُددّة، أو بثهّا للجمیع.

-        القدرة على دمج كم ھائل من المعلومات معا.ً

-        الوفرة، ولذلك أخذ منتجوھا يضعون القیود على انسیابها لجعلها سلعة تخضع لقوانین العرض والطلب.

-        عدم تأثرُّھا بالاستهلاك، بل على العكس، فهي عادة ما تنمو مع زيادة استهلاكها.

-        سهولة النسخ بوسائل يسیرة وبسیطة، وتوجد في متناول يد الجمیع، باستثناء المعلومات التي توضع علیها قیود كحقوقٍ للملكیة.

-        القدرة على تصحیح المعلومات الخاطئة من خلال تتبعُّ المسارات التي مرتّ بها قبل الوصول إلى النتائج النهائیةّ، وتصحیح الخاطىء منها.

-        عدم القدرة على الحكم القاطع بصحةّ الكثیر منها، فیشوبها عدم الیقین، والقابلیةّ للتغییر والنقض.

ثانيا: أهمية المعلومات (الشخصية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية)

للمعلومات أهمية بالغة على جميع الأصعدة، نذكر أهمها فيما يلي:

أ‌-      الأهمية الشخصية: يحتاج كل فرد إلى معرفة اسمه جذوره وأصله فيتحاور ويتبادل أطراف الحديث مع أبيه أوجده أو أي فرد من أفراد أسرته وعائلته، كما يحتاج الطفل إلى معرفة كل ما يحيط به: ألوان، أشكال، أجسام، حيوانات، أفراد....الخ ولا يتوقف الانسان في أي مرحلة من حياته عن البحث والفضول وحب المطالعة وتلقي الأخبار والمستجدات... كل هذه المعلومات تشكل له المرجعية الفكرية والشخصية والمهاراتية وتساعده في النمو الفكري والسيكولوجي،  ولذلك تعتبر أقسى عقوبة للانسان هو تجاهله أو الامتناع عن التحدث إليه أو مشاركته الأفكار والمعلومات.

ولأن التفكير والاتصال عمليتين غير منقطعتين فإن المعلومات أيضا تستمر باستمرارها، وتتطور حسب الخصائص الفردية والاجتماعية للفرد، وميولاته والظروف الخارجية المحيطة به، وعليه فهي متعددة متنوعة، ومختلفة المصادر( رسمية، غير رسمية، مكتوبة، سمعية، سمعية بصرية،....) كما أنها قابلة للتغيير والتعديل، فقد تملك معلومات خاطئة حول موضوع عين وتتخذ منها قناعة شخصية فتوجهك توجيها معينا، ثم تتعارض مع المعلومات الصحيحة فيتغير رأيك حول الموضوع وتتغير أيضا قناعتك واتجاهاتك...

ب‌-   الأهمية الاجتماعية: إن دور المعلومات في تكوين شخصية الأفراد وتوجيه قناعاتهم وسلوكياتهم هو نفسه الأثر على الجماعة والمجتمع، فمن خلال المعلومات تتكون وتتطور ثقافة المجتمع، إذ تطور وتنمي مشاعرهم وانتمائهم الاجتماعي وتضامنهم وتكاتلهم لمواجهة الجهل الذي يهدد الأمة، فالمعلومات تنتقل من جيل إلى آخر حتى تصبح قاعدة عرفية أو سلوكية، أو تراث وعرف، كما أنها تساهم في تعزيز مركزه الاجتماعي والثقافي، فتصنف المجتمعات إلى مجتمعات مثقفة وواعية وأخرى غير مثقفة وغير واعية، ذلك أن المعلومات ساهمت في نمو الوعي الاجتماعي ووجهت اهتمام الأفراد إلى كل الأحداث والأخبار، فكلما توافرت المعلومات وكرس الحق في الوصول والحصول على هذا الحق كلما زاد وعي المجتمع وتطوره.

ت‌-   الأهمية السياسية: القاعدة= كلما كان الأمر مهم كلما كان أشد" وهي تنطبق إلى حد بعيد على أهمية المعلومات من المنظور السياسي، فمنذ وجود الدولة الحديثة بمقوماته والانسان ينادي بالإفراج عن حقوقه المتصلة كلها بالحق في حرية تداول المعلومات، فمنذ الفلسفات والحضارات القديمة إلى يومنا هذا تسعى السلطة إلى إبقاء قطاع المعلومات حكرا عليها، ذلك أنها تعزز وعي الجماهير وتنمي قناعاتهم، وتوجه سلوكياتهم واتجاهاتهم التي تؤثر على السلطة في صناعة قراراتها وتنفيذ أجندتها الداخلية، وحتى لا يقع تصادم بين السلطة الحاكمة وإرادة الشعب فإنها تعمل على خنق هذا المجال وتوجيهه توجيها مباشرا وغير مباشر، ولا تختلف هذه الأهمية على الصعيد الخارجي أيضا، إذ نجد أجهزة خاصة بحفظ المعلومات الداخلية، والحرص على عدم كشف الساسة الخارجية للدولة من خلال سياسة التغليط والايهام والدعاية، أو تلجأ إلى تعتيم المعلومة وإخفائها.

ث‌-   الأهمية الاقتصادية: يكفي أن نعرف أن البشرية منذ ظهورها قسمت حسب قوة حضارتها وطبيعتها، وأن اليوم كل البشرية سميت بالمعلومات أو المعرفة، فقد تجاوز عالم الاقتصاد المجالات الثلاث (الفلاحية، الصناعية، الخدماتية) وأصبح قطاع المعلومات والمعرفة هو المهيمن والمؤشر، فإلى جانب أنها أصبحت قطاعا وموردا وسلعة، فغنها أيضا ثروة ونفوذا ومؤثرا قويا في صناعة القرار لدى الحكومة والمؤسسات الاقتصادية على حد سواء، كما أنها أصبحت سوقا مفتوحا فتح منافسة دولية جديدة وقسم العالم إلى غني معلوماتي، وفقير معلوماتي، وأصبحت مؤشرا من المؤشرات الدولية لقياس التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ثالثا تداخل الحق في تداول المعلومات مع الحقوق الاتصالية والاعلامية

تأتي أهمية الحق في الوصول للمعلومات وتداولها من اعتباره أحد أهم آليات تعزيز ودعم ممارسة الحقوق الأخرى على اختلاف أنواعها، فهو عامل أساسي لتهيئة سياق وبيئة عامة تحترم وتحمي وتؤدي الحقوق؛ سواء كان ذلك على مستوى الفرد الطامح لأن يكون مواطنا كاملا دون عنف أو تمييز أو تهميش، أو على مستوى مجتمع طامح لتنمية إنسانية حقيقية ومناخ يحترم الحريات، ويقوم على أسس ديمقراطية تحترم معايير الشفافية والحكم الرشيد. وأوجزت "سارة جاجوانث" في كتابها "الحق في المعرفة ..الحق في الحياة' عن تأثير وعلاقة الحق في المعرفة على باقي الحقوق الأخرى  بأنه:

إما جزء ومكون أساسي متضمن في ممارسة حقوق أخرى كحرية التعبير والحق في محاكمات عادلة.. إلخ.

أو يعزز ويحمي حقوق أخرى كالحقوق الاجتماعية والاقتصادية.

أو يدعم الدفاع عن الحق في ممارسة الحقوق الأخرى.

• أو يمنع المزيد من الانتهاكات للحقوق الأخرى بتوفير مجال الرقابة والمحاسبة الموضوعية والمنظمة.

تعرض الفقرات القادمة تفنيدا لما أوجز عن أثر الحق في المعرفة وحرية تداول المعلومات كآلية هامة وعملية، لدعم وتعزيز حزمة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جانب، وكمكون أساسي ولازم لحزمة الحقوق المدنية والسياسية. مما يوضح الأهمية الاستراتيجية والآنية للدفع بكافة السياسات والإجراءات التي تحترم وتحمي وتؤدي ذلك الحق، من أجل تنمية إنسانية حقيقية ومناخ ديمقراطي حر في المرحلة المقبلة.

فالحق في المعرفة والوصول للمعلومات عنصر أساسي من عناصر ومبادئ الحقوق السياسية والمدنية لما لها من دور في تحقيق التنمية الإنسانية كإحدى أهم الحاجات الماسة للمجتمعات العربية في الوقت الراهن، وتحقيقا لتطورها وتقدمها ، وهذا ما أكده تقرير التنمية الإنسانية العربية عام 2002 ، الذي أكد على أن السمة الغالبة على مشهد الواقع العربي الراهن هي تغلغل نواقص محددة في البنية المجتمعية العربية، تعوق بناء التنمية الإنسانية وهي الحرية، والقدرات الإنسانية الخاصة بالمعرفة وتمكين المرأة.

ونستخلص من ذلك الارتباط الوثيق بين وضع الحق في المعرفة وتداول المعلومات، وحالة الديمقراطية والحكم الرشيد في الدول، فدرجة احترام وتأدية وحماية الحق في المعرفة مؤشر هام لحالة الحقوق المدنية والسياسية بشكل عام في المجتمع، ومؤشر لمدى تمتع الدولة بمعايير الحُكم الرشيد والتزامها بالشفافية ومحاربة الفساد، وهذا ما يؤكده التقرير الصادر عن منظمة الولايات المتحدة الأمريكية لحرية التعبير في 1999 ، عندما أكد على أن "الحق في الحصول على المعلومات الرسمية هو أحد أسس الديمقراطية التمثيلية، ففي نظام الحكم الذي يعتمد على التمثيل يجب أن يستجيب من يمثل الشعب لمن ائتمنوه على تمثيلهم، وأعطوه سلطة اتخاذ القرارات في الأمور العامة، ويصبح للفرد الذي فوّض ممثله بالقيام بإدارة الأمور العامة الحق في تداول المعلومات، وهي المعلومات التي تستخدمها الحكومة وتنتجها باستخدام أموال دافعي الضرائب".

ويعتبر الحق في المعرفة الوجه الآخر لحرية التعبير، فحرية التعبير في معناها المباشر هي حق الأشخاص في أن يعبروا عن آرائهم وأفكارهم، وهو ما يحتوي ضمنيا على حق متلقي هذه الأفكار والآراء والمعلومات في وجود سبل ومنافذ تتدفق من خلالها، بعيدا عن التدخل من قبل الحكومة أو غيرها من الأفراد. فحرية التعبير لا تقتصر فقط على حرية الأفراد في التعبير عن آرائهم وإنما تشمل أيضا حق تلقي الآخرين لهذه الآراء المُعبر عنها في حرية 3.

أثر الحق في المعرفة والوصول للمعلومات على تعزيز وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إعمالا لمبدأ "أن الحقوق كل غير قابل للتجزئة" فإن الحق في المعرفة لا يعتبر –وفقط– حقا في حد ذاته، ولكنه أداة لتفعيل ممارسة حقوق أخرى، فمن واجب الدولة أن تتيح لمواطنيها حق الوصول للمعلومات، التي من شأنها أن تؤثر على حياتهم، ومن ثم تكون قد وفرت حق تمتعهم بكافة الحقوق الأخرى، فتوافر وتداول المعلومات يتيح إمكانية المعرفة الموضوعية الشاملة بأوضاع الحقوق الأخرى، وإمكانية الحكم على مدى وفاء الدولة بما التزمت به من معايير وأهداف أعلنتها في موازناتها وخططها العامة، وفشلها في ضمان حرية وتداول المعلومات يعني بشكل أو بآخر فشلها في الوفاء بكافة الحقوق الأخرى التي التزمت بأدائها وحمايتها.

الحق في الوصول للمعلومات يدعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بثلاث عمليات مترابطة وهي

1توفير الوعي: أي الوعي بنطاق ومضامين الحقوق وأحقية الإنسان في التمتع بها، فبدون ذلك الوعي لن تكون هناك القدرة على إدراك وجود وتفعيل تلك الحقوق وتمتعه الكامل بها.

2-الرقابة: فالحق للوصول للمعلومات شيء حيوي في مجال مراقبة أداء وإنجازات الحكومات فيما يخص التزاماتها تجاه المجتمع، فعلى المستوى الدولي يعتبر التقرير الشامل والعام، الذي يصدر كل خمس سنوات

وفق العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية– ويستعرض ما قامت به الدول من إنجازات، وما اتخذته من تدابير في مجال دعم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يساهم في تكوين مؤشر دولي عام حول أوضاع تلك الحقوق، ولا يعتمد فقط على سرد البيانات بقدر ما يقوم على تحليلها وتقييمها، لرسم توجيهات وسياسات عامة تدعم الدول الأطراف في تحقيق تقدم أفضل في مجال حماية وتأدية واحترام تلك الحقوق. وتعتبر أكثر أهمية على المستوى المحلي أيضا، فعلى سبيل المثال من حق المواطن أن يكون ملما بكافة سياسات وإجراءات الدولة في مواجهة التمييز في مجال الحق في التعليم، وذلك لن يأتى إلا بحقه في الوصول لكافة المعلومات والبيانات المتعلقة بتلك السياسات، وترسم مؤشرا واضحا لمدى كفاءة الدولة في ذلك المجال، لذا فحق الوصول للمعلومات يمكن المواطن من أن يكون رقيبا ومحكم موضوعي على التزامات الدولة تجاه أداء وحماية واحترام الحقوق الأخرى.

3حق التقاضي (المحاسبة أو المساءلة): فالمعلومات لها أهمية محورية في دعم إمكانية التقاضي فيما يخص دعم وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حيث من الصعوبة إثبات الانتهاك أو التمييز في مجال التمتع بالحق بغير أدلة محددة وواضحة، وبشكل خاص في مجال الحقوق التي تستلزم التزامات إيجابية من قبل الدولة ومؤسساتها المختلفة؛ كالحقوق البيئية والحق في الصحة -على سبيل المثال- حيث يمكن أن يكون لها إحصاءات كمية خاصة بانبعاثات الهواء والماء وأثرها على الأفراد، وحق التقاضي والمحاسبة الذي توفره حرية تداول ووصول المعلومات له أكبر الأثر في مجال الدعم والدفاع الإيجابي المباشر عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتأتي هذه الدراسة في مرحلة ينبغي فيها على الدولة المصرية أن تراجع وتعدل الكثير من الأطر التشريعية والممارسات الإجرائية، التي احتكرت بها على مدى العقود السابقة ما يزيد على 80 % من المحتوى المعلوماتي، بأوجهه العسكرية والأمنية والسياسية والفكرية والاقتصادية والبحثية والاجتماعية 5، وتتعامل الغالبية الساحقة من مؤسسات الدولة وهيئاتها البيروقراطية والإدارية باعتبار أن الأصل في الأمور هو حجب المعلومات لا الإفصاح عنها وتداولها بحرية، وأن المعلومات ملك للدولة وليس للمواطن أو المنشآت والمؤسسات المختلفة حقوق فيها، بل إن على الآخرين أن يتلقوا فقط المعلومات التي ترى هي أنهم بحاجة إليها أو أنهم يستحقونها أو يمكن أن تحقق لهم منفعة أو تدفع ضررا، بعبارة أخرى اعتبرت الدولة نفسها "الولي والوصي على المواطنين فيما يتعلق بملكية وإدارة المحتوى المعلوماتي المجتمعي، وتوظيفه واستخدامه وطرق تداوله".

فالمعلومات الحجر الأساسي لحماية حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام، حيث لا يمكن تطبيق وممارسة هذه الحرية دون حق الوصول إلى المعلومات وقيام الحكومة وأجهزتها المختلفة سواء اتجاه الفرد أو الصحفي بتسهيل مهمته وإطلاعه على برامجها ومشاريعها وعدم فرض قيودٍ على ضمان تدفق المعلومات إلى المواطن أو فرض إجراءات تؤدي إلى تعقيد حقه في الحصول عليها، وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة (19) في كل منهما، والميثاق العربي لحقوق الإنسان في المادة (32) على أن الصحافة حتى تكون حرة يلزمها ثلاث كلمات هي: حق الصحفي في التماس المعلومات وتلقيها وبثها.

فحرية المعلومات حق جوهري للبشرية، فمنها ينبع حق طبيعي إنساني في الحصول على المعلومات، فنص قرار الأمم المتحدة رقم 59:" حرية المعلومات حق أساسي للإنسان، وحجر الزاوية لجميع الحريات التي تنادي بها الأمم المتحدة."

فقد أصبح حق الوصول إلى المعلومات حقا دستوريا في العديد من دول العالم وتم ترجمة هذا الحق إلى قوانين تضمن حق الصحفي والمواطن في الوصول إلى المعلومات، والذي يعنى أن كل شعب يحس بنزوع جارف إلى الاتصال بالغير، ليس فقط لتفهم شخصيته الخاصة وصونها بل أيضا لمعرفة الشعوب الأخرى وتفهمها بصورة أفضل ، وهكذا ينشئ عن طريق قنوات الاتصال المقامة نتيجة لذلك ظروفا من شأنها تهيئة مناخ من التفاهم والاحترام المتبادل وعلاقات تعاون تفيد الجميع ويعتبر الحق في المعرفة وفي الاطلاع على المعلومات من أحد أهم ركائز البناء الديمقراطي لأي دولة في العالم، وأحد أهم أركان حرية الصحافة التي لا تقوم إلا عليه، كما أن الاطلاع على المعلومات يسمح للناس بتفحص أعمال الحكومة بدقة، كما أعتبر  المعيار الذي تقاس به جميع الحقوق والحريات الأخرى، وأنه حق لصيق بالخيار الديمقراطي، وأن حرية الإعلام تتطلب بالضرورة أن تكون هناك قدرة للأفراد على تقصي الحقائق ونشر المعلومات بدون إعاقة من أي نوع جهة.

فلكي يتحقق حق الاتصال لابد أن يتمتع الشعب بحقه في الوصول إلى مصادر المعلومات المحلية أو العالمية والوسائل التقليدية والحديثة للاتصال، وأن يحصل على ما شاء من المعلومات والأفكار، لهذا لا يجب أن يقيد هذا الحق ولا

الوسائل، ويعتبر حجب الوسائل الإعلامية للمعلومات المتعلقة بملكية ومصادر تمويلها عن الجماهير انتهاكا لحق هذه الأخيرة لحقها في الاتصال، فمن حق الانسان أن يحصل على المعلومات من مصادر معينة بناءا على معرفته بملكية تلك الوسائل أو مصادرها ومصادر تمويلها أو اتجاهاتها السياسية... كما يحق له الوصول والحصول على المعلومات الحكومية أو التي تحتفظ بها السلطات العامة، لأن سريتها تحرم الشعب من هذا الحق ومن حقوقه الأخرى... كما أن حصوله على تلك المعرفة يكمل حقه في اتخاذ قراراته في الحصول على المعلومات أو رفضها2، كما ينبغي تنظيم حق الذين يتلقون المعلومات بشكل يقر وظيفتي التفاعل والمشاركة ويضمن التداول الحر والمتوازن للمعلومات

رابعا: المعايير الدولية لحرية تداول المعلومات

نميز بين المعايير الدولية والاقليمية

أ‌-      المرجعية القانوني الدولية لتنظيم تداول المعلومة:

1-   الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948

تعتبر المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الأساس الشرعية الأساسية  لحرية تداول المعلومات، حيث تضمنت الحماية المكفولة لحرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحق حرية تداول المعلومات، وذلك في ثلاثة نطاقات رئيسية . النطاق الأو ل لممارسة هذا الحق هو الحق في التماس المعلومات سواء أخذت هذه المعلومات صيغة الأنباء، أم أخذت صيغة الأفكار، أما النطاق الثاني فهو الحق في تلقي المعلومات، أي استلامها من الغير، والثالث هو الحق في نقل المعلومات أي نشرها أو إذاعتها. وقد جاء النص غير مقيد لممارسة هذا الحق بنطاق مكاني معين، بل أنه أكد على عدم اعتبار الحدود، كذلك لم يقصر النطاقات الثلاثة لممارسة الحق على العلاقة بين الأفراد والجهات الحكومية بل جاء عاما بحيث يشمل حق الأفراد في استقاء المعلومات والمعرفة سواء كانت لدى جهات حكومية، أو غير حكومية، أو أفراد .

أهم ما يميز المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنها لم تقيد ممارسة هذا الحق بأية قيود، وهو ما تجاوزته المواثيق الدو لية التي تلته على النحو القادم.

2-   العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966

أقرت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الحق في المعرفة وحرية تداول المعلومات، بطريقة مشابهة لما جاءت به المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من حيث نطاق ممارسة الحق، وعدم اعتبار الحدود الجغرافية، أو نوع الوسيلة المستخدمة.

3-    العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 1966

أكدت الفقرتين الأولى بند أ، ب والثالثة من المادة 15 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الحق في المعرفة واستقاء المعلومات، ولكن بصيغة مختلفة عن تلك التي وردت في كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث جاءت الصيغة هنا ملموسة ومحددة أكثر، ويبين ذلك من تأكيد المادة 15 على حق كل فرد في المشاركة في الحياة الثقافية، والتمتع بفوائد التقدم العلمي والتكنولوجي، وهو ما يدخل في نطاق طلب المعرفة والتماس المعلومات، كذلك إلزام الدول الأطراف في هذا العهد بموجب الفقرة الثالثة منه، باحترام الحرية التي لا غنى الين لا يمكن الولوج إليهما دون أن يكون الحق في المعرفة وحرية تداول المعلومات مكفولتان من جانب الدول الأطراف.

4-   حرية تداول المعلومات في نظام الأمم المتحدة

حيث أقرت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة القرار رقم 59/ 1 عام 1946 الذي نص على أن "حرية المعلومات حق أساسي من حقوق الانسان وأنها المحك لكل الحريات الأخرى التي تتبناها منظمة الأمم المتحدة .

كما تم إنشاء مكتب المقرر الخاص لحرية الرأي والتعبير بقرار من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 1993، لحرية والرأي والتعبير على حرية تداول المعلومات كحق أساسي من حقوق الإنسان وجزء لا يتجزأ من حرية والرأي والتعبير في كل التقارير السنوية الصادرة عنه، وقد أصدرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان القرار رقم 42 لسنة 1998 والذي أكدت بموجبه على المقرر الخاص أن يتوسع ويطور من تعليقاته و توصياته على الحق في التماس وتلقي ونقل المعلومات .

ثم في تقريره لعام 2000 الذي أكد أن حرية تداول ا لمعلومات و المعرفة بوصفها ليست فقط دعامة كذلك أكد المقرر الخاص أساسية من دعائم الديمقراطية، ولكنها أيضا أساس المشاركة والتنمية.

ثم التقرير لعام 2002 الذي أشار إلى أهميتها الأساسية ليس بالنسبة إلى الديمقراطية والحرية فحسب بل للحق بالمشاركة وتحقيق حق التنمية. كما أكد قلقه بشأن توجه الحكومات والمؤسسات الحكومية نحو منع الناس من الحصول على المعلومات التي من حقهم الحصول عليها.

ب‌-   الشرعية الاقليمية لتنظيم حرية تداول المعلومات:

1-   الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان المسمى بميثاق " سان جوزيه1985

إذ تنص مادته 13 كل شخص يتمتع بالحق في حرية الفكر والتعبير، وهذا الحق يشمل الحق في التماس و تلقيو نقل المعلومات والأفكار أيا كان نوعها، ودونما اعتبار للحدود، وسواء كانت شفوية، أو مكتوبة أو مطبوعة، أو في قالب فني، أو من خلال أي وسيلة أخرى يختارها الفرد، هذا الحق يجب أن يضمن ولا يتجاوز أهم عنصرين أساسيين في حقوق الانسان وهما: احترام سمعة الآخرين، والحق في الأمن القومي والصحة العامة والآداب العامة.

2-    الميثاق الأو روبي لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية

 هو منظمة حكومية تحتضن 43 دولة أ وروبية  تهدف إلى الترويج لمبادئ حقوق الإنسان والتعليم والثقافة، ومن أهم الوثائق القانونية التي أصدرها مجلسا أوروبا، وقد نص الميثاق في مادته 10 أنه "لكل إنسان الحق في حرية التعبير. هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء و تلقي وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية"، والذي أخذت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حرية تداول المعلومات في العديد من أحكامها.

3-   الإعلان الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب (إعلان مبادئ حرية التعبير) 2002

أن السلطة تحتفظ بالمعلومات ممثلة للمصلحة العامة، وأن كل فرد يتمتع بالحق في إتاحة المعلومات، كما أقر أنه يحق للجميع الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الجهة العامة (الدولة)، كما للجميع الحصول على المعلومات التي تحتفظ الجهات الخاصة إذا كان ذلك الأمر ضروريا لممارسة أي حق أو حمايته. وتضيف المادة 9 منه أنه يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح.

خامسا: التجارب الدولية في مجال  لتنظيم القانوني لتداول المعلومة

أولا: السويد

تعتبر السويد الدولة الأولى في العال م التي تبنت قانونا يعمي المواطنين الحق في الحصول على المعلومات المتداولة، لدى الهيئات الحكومية وذلك عام 1766،  وذلك بعد تبينها لقانون حرية الصحافة الذي يضمن حق الحصول على المعلومات الذي كفله الدستور السويدي في مادته الأولى حول طبيعة الوثائق الرسمية، ورغم أن اسم القانون جاء تحت حرية الصحافة إل أن حق الحصول على المعلومات للجميع وليس للصحافة فقط وتنص نفس المادة أنه يحق لكل مواطن سويدي الحصول الحر على الوثائق الرسمية ."

كما تناول هذا القانون حرية تناقل المعلومات إذ يمكن لجميع المواطنين في السويد اعطاء المعلومات التي يرونها مهمة ويشعرون أنها يجب أن تكون علنية عبر وسائل الإعلام. ولا يحق لناشر المواد الكشف عن المصادر إذا كان الفرد المعني لا يرغب في الكشف عن هويته ، وهو ما أكده القانون السويدي المتضمن حرية التعبير لعام 1992.

ثانيا: المملكة المتحدة

تبنت الحكومة البريطانية  قانونا لحرية المعلومات في نوفمبر 2000 ودخل حيز النفاذ في جانفي 2005، الذي يقر أنه لأي شخص الحق في الولوج إل المعلومات التي تحتفظ بها الهيئات العامة. على أن تلتزم هذه الهيئات بتلبية طلب المواطن في أجل لا يتجاوز 22 يوما، باستثناء المعلومات التي تتطلب وقتا أطول لتجهيزها.

ثالثا: الو.م.أ

تعتبر الو.م.أ الأولى في تشريع انفتاح المعلومات وذلك في القانون الأمريكي لحرية المعلومات عام 1996، الذي يقر أنه حق ا ساسي من حقوق الانسان في أن يطلب ويتلقى المعلومات دون إبطال من الوكلات المعنية، شرط أن تتوافر في الطالب الشروط المعنية: كالجنسية، والاقامة و...

رابعا: فرنسا

عرف المشرع الفرنسي سلسلة من التشريعات القانونية التي تنظم حرية المعلومات والحق في الوصول إليها، أهمها قانون الاعم الآلي والملفات والحريات 1976، وقانوني الحصول على الوثائق الادارية عام 1978 وعام1979 ، وقانون المواطن الفرنسي وعلاقاته مع الادارة الفرنسية عام 2000.

خامسا: كندا

أقر البرلمان الكندي عام 1982 قانون يضمن الوصول الى المعلومة، والذي دخل حيز التنفيذ عام 1983، يسمح لكل الأشخاص الطبيعين والمعنويين الموجودين في كندا بالوصول إلى المعلومات والوثائق الموجودة لدى الهيئات العامة، ويكفل لهم القانون حماية المعلومات الشخصية شرط أن يحترموا روح هذه القوانين وتطبيقها.

سادسا: التجارب العربية في مجال تنظيم القانوني لتدول المعلومات (مصر، المغرب، لبنان، الأردن

أولا الأردن:

احتلت المملكة الأردنية الهاشمية المرتبة الأولى بين الدول العربية في مؤشر حرية تداول المعلومات، وفقا للتقرير "السنوي الخامس حول الحريات الصحفية والمخصص للحق في الوصول للمعلومات" 80 الذي أعدهم ركز عم اّن لدراسات حقوق الإنسان لعام2010، وعزا التقرير أسباب تقدم الأردن في هذا المجال لوجود "قانون ضمان الحق في الحصول على المعلومات الصادر عام 2007" ، الذي احتوى على عشرين مادة قانونية تحدد صفات من يتولى تفعيل القانون، ومهام كل شخص معني بذلك، وآلية العمل التنفيذي، والجهة المخولة بتنفيذ القانون جهة غير محايدة.

ثانيا مصر:

صاغت الحكومة المصرية عدة مشاريع قانون تكفل حق الحصول على المعلومات خلال عامي 2012 و2013 ويشمل مشروع القانون على إيجابيات جديدة خاصة فيما يتعلق بالحق في تقديم الطلب وكيفية تقديمه وشكل وتكلفة توفير المعلومات.

ثالثا المغرب:

تعتبر المملكة المغربية من بين أولى الدول العربية التي استحدثت  نصا دستوريا يكرس الحق في الحصول على المعلومات عام  2011 إذ تنص المادة 27 منه أن " لكل المواطنين والمواطنات حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة  العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرافق العمومية. ولا يمكان تقييد الحق في المعلومات إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني وحماية أمن الدولة، الداخلي والخارجي والحياة  الخاصة للأفراد وكذا الوقاية  من المساس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هاذا الدستور وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة.

سابعا: التنظيم القانوني لتداول المعلومة في الجزائر

أولا من خلال الدساتير:

رغام مصادقة الجزائر على الاعلانات الدولية التي تكرس الحق في الحصول على المعلومات ، ورغم كل ما يشهده العالم من توجهات نحو تضمين هذا الحق فإن المشرع الجزائري لم يخصص قانونا خاصا يكفل ويكرس هذا الحق وهذا ما يتبين من خلال الدساتير الجزائرية التي تناولت حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير و...:

في دستور 1963: نجد مادة وحيدة وهي المادة 19 التي نصت على ضمان حرية الصحافة  والوسائل الأخرى للإعلام وحرية الاجتماع وحرية الكلام وكذلك حرية الرأي.

دستور 1976:

نص الدستور  في مادته 53 و55 على أن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان وحرية الضمير والمعتقد وحرية التعبير والاجتماع مضمونة.

دستور 1989:

الذي نص في مادته 31 " الحريات الأساسية، وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة" لتضيف المادة 35 منه أنه:" لا مساس بحرمة المعتقد وحرمة حرية الرأي"

التعديل الدستوري 1996

نص بنفس المضمون للمادة السالفة من دستور 1989، حيث جاءت في المادة 32 منه " الحريات الأساسية، وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة" ونفس مضمون المادة 35 لدستور 1989 جاءت في المادة 36 من هذا التعديل ، لتضيف المادة 41 حرية التعبير وانشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة للمواطن".

التعديل الدستوري 2008، والتعديل الدستوري 2012، والتعديل الدستوري 2016  لم يأت بأي مستجد فيما يتعلق هذا الحق.

من خلال عرض الدساتير الجزائرية نستنتج غياب تام لتشريع خاص بالحق في الولوج إل المعلومات.

ثانيا من خلال القوانين:

يمكن حصر مختلف النصوص القانونية والتنظيمية التي أشادت بهذا الحق من خلال:

مرسوم رقم 88- 131:

تضمن المرسوم 42 مادة موزعة على أربعة فصول، وقد خصص حق المواطن في المعلومة في القسم الأول من الفصل الأول تحت اسم "إعلام المواطن" ويعتبر هذا المرسوم كآلية لتعزيز الشفافية وتحسين العلاقة والثقة بين الادارة والمواطن، إذ نصت المادة 8 و9 منه على الإدارة أن تطلع المواطنين على التنظيمات والتدابير التي تسطرها وأن تستعمل وتطور أي سند مناسب للنشر والإعلام، وأضافت المادة 10 أنه يحق للمواطنين أن يطلعوا على الوثاق والمعلومات الادارية من جهة، ويحق للإدارة الامتناع عن ذلك في قرار مبين، كما استثنت المادة 11 الاطلاع على الوثائق والمعلومات التي تمس الحياة الخاصة للفرد، لتوضح المادة 30 التزامات الموظف اتجاه الموطن حول حقه في الاطلاح والحصول على المعلومات والوثائق الادارية.

قانون 11-10 المتعلق بالبلدية:

الذي جاءت مادته 11 صريحة حول مهام وأنشطة البلدية وأن على هذه الأخيرة تقديم عرض للموطنين عن أشطتها السنوية، وتضيف المادة 97 منه لا تصبح قرارات رئيس المجلس الشعبي قابلة للتنفيذ إلا بعد إعلام المعنيين بها عن طريق النشر إن كان محتواها يتضمن أحكاما عامة ، أما إذا تعلق بالفرد شخصيا فيجب إشعاره بأية وسيلة قانونية.

ثالثا من خلال قوانين الاعلام

قانون رقم 90 - 07 المتعلق بالإعلام

جاء في المادة 2 منه أن الحق في الإعلام يجسده حق المواطن في الاطلاع بكيفية كاملة و موضوعية على الوقائع والآراء التي تهتم المجتمع على الصعيدين الأمني و الدولي وحق مشاركته في الإعلام بممارسة الحريات الأساسية  في التفكير والرأي والتعبير...

قانون الإعلام 12-05

أكد في مادته 2أ الاعلام يمارس في إطار هذا القانون العضوي والتشريع والتنظيم المعمول بهما وفي ظل احترام العديد من القيم والمبادئ من بينها " حق المواطن في إعلام كامل وموضوعي.

في المقابل حصرت  المادة 35 منه حق الوصول إلى المعلومة على الصحفي المحترف فقط، ثم ضيقت المادة 84  مجالات وحقوق الصحفي في الوصول والحصول على المعلومات بجملة من الالتزامات تمنعه من الحصول على بعض منها.

ما ستنتج من خلال كل التنظيمات الدولية والاقليمية والعربية وصولا إلى التجربة الجزائرية هو تداخل كل الحقوق والحريات الاعلامية والاتصالية ضمن حقوق وحريات أخرى ك(الحق في الاتصال والحق في الاعلام، حرية التعبير وحرية الرأي و.... هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد فجوة بين عالمين (عالم يكرس الحريات والحقوق الاساسية للإنسان على حساب حقوق وحريات دول مستضعفة) (وعالم مستضعف يسعا تبعا لكل ما يمليه الغرب ولو كان شكلا) من جهة أخرى، كما نلاحظ أن كل النصوص والمواد القانونية الدولية والاقليمية والعربية جاءت مؤسسة على الحريات الفردية والجماعية تتويجا لجهود نضال طويل حول هذه الحقوق والحريات.

مع تمنيات الأستاذة بالتوفيق للجميع

أ.حميدي حياة