*- والمظهر الأخر من مظاهر الثورة العلمية هو ما جاءت به النظرية النسبية، والتي ساهمت في كشف ما في البناء الفيزيائي الكلاسيكي من تصدع، كما ساهمت في بناء صرح الفيزياء المعاصرة، فلقد ألغت قاعدة التأثير عن بعد، ووحَّدت بيت الطاقة و الكتلة واستبعدت الأثير، وألغت المفهوم الكلاسيكي للزمان والمكان.

  ففي عام (1905) و ضع العالم الألماني (ألبرت انشتاين) (1879-1955) بحثا تحت عنوان: "في الديناميات الكهربية للأجسام المتحركة"  كان يعبر بصدق عن حاجة الفيزياء إلى نظرية جديدة في الطبيعة، فقد وضع بهذا البحث ما يسمى "بالنسبية الخاصة" مستفيدا من نتائج تجربة (ميكلسون و مورلي). وهي التجربة التي كان الهدف منها دراسة تأثير حركة الأرض على سرعة الضوء (أشعة الشمس) ومنه تأكيد أو إبطال وجود الأثير كوسط تنتشر فيه الأمواج الضوئية. فلقد كان سائدا ومنذ نيوتن أن أشعة الشمس والتي سرعتها (300ألف كلم في الثانية)، تنتقل إلى الأرض عبر الأثير، فقياس سرعة الضوء لابدَّ أن تتمّ بالنسبة للأثير الساكن.

  فقد أحدثت هذه التجربة أزمة خطيرة في الفيزياء الكلاسيكية، لأن معطياتها الواقعية لا تتوافق مع القوانين المعمولة بها، وفي مقدمتها قانون تركيب السرعات، فقد أثبتت أن سرعة أشعة الشمس لا تتغير سواء كان الملاحظ الذي يقيسها يتحرك في اتجاه الشمس أو في الاتجاه المعاكس.

  إلاّ أن اينشتاين استغنى عن فرض الأثير ولم يجد ضرورة للاستدلال به، و رأى أن انكماش الجسم لا يرجع إلى الحركة ذاتها وإنما يرجع إلى الحركة بالنسبية إلى مجموعة إسنادية ثابتة. هنا استنتج أن سرعة الضوء ثابتة لا تتغير، فهي تساوي في جميع الأحوال 300 ألف كلم في الثانية لا تزيد وتنقص وهي أقصى سرعة ممكنة، كما أن سرعة الضوء لا تتأثر بحركة منبعه ومن ثم تصل سرعة الضوء كمرجع ثابت لقياس حركة الأجسام.

وعلى هذا الأساس استنتج اينشتاين نتائج أخرى أهمها: أن السرعة نسبية دائما، فسرعة أي جسم كيفما كان إنما تقاس بالنسبة إلى جسم أخر، وسواء اعتبرنا الجسم الأول هو المتحرك أو عكسنا الأمر واعتبرنا الثاني  هو المتحرك، فالنتيجة ستكون واحدة ما دامت المنظومة المرجعية حركة مستقيمة و منتظمة (وفق المرجعية الغاليلية)، ومعنى هذا أنه ليس هناك جسم ثابت في الفضاء ثباتا مطلقا، و بالتالي فلا وجود للأثير ولا وجود للمكان المطلق.

  كما رفض انشتاين فكرة الزمان  المطلق من خلال ما توصل إليه من نتائج فيما يتعلق بالتآني أو التوقيت الزمني،" فلكل مجموعة إسناد زمنها الخاص، وما لم نعين مجموعة الإسناد التي حددنا تواقت زمني مطلق في الكون كما ادّعت فيزياء نيوتن، بل كل ما هناك تواقت نسبي. وأن الزمان هو تسلسل حوادث استنادا إلى مراجع وأن تسلسل الحوادث ليس واحدا لدى جميع المراقبين، وقد شكل هذا ضربة موجعة إلى الفيزياء الكلاسيكية التي اعتبرت  الزمان عامًا ومطلقًا " فالزمان المطلق الحقيقي والرياضي الذي لا علاقة له بأي شيء خارجي، ينساب بانتظام ويسمى الديمومة" فالزمان ينساب بنفس الشكل بالنسبة لأي مكان، وفي كل مكان. كما رفض اينشتاين فكرة المكان المطلق، ورأى أن المكان ليس إلاّ نظام للعلاقات بين الأجسام، وأنه لا يمكنه تصوره مطلقا خاليا من الأجسام. و إذا كانت الهندسة الإقليدية تجعل من المكان ذوا أبعد ثلاثة، فإن اينشتاين يرى أنه لا يمكن أن ننظر إلى المكان إلاّ بإضافة بُعد رابع "فالمكان في نظر اينشتاين رباعي الأبعاد وهو المكان منحن موجب ثم فهو ينغلق على نفسه مثلما ينغلق سطح جسم كروي" أي أنه لابدَّ  من إضافة  إحداثي رابع زماني، ومتصل الزمكان لم ينشأ إلاّ استنادًا إلى هندسة غير إقليدية.

  كما قَّدم اينشتاين نظرية جديدة في الجاذبية مرتبطة بانحناء الفضاء كما قال(ريمان) مستبعدا نظرية نيوتن في الجاذبية، ما دامت النتائج المستنبطة من قانون نيوتن في الجاذبية قد وجد أنها صادقة بعد التحقق منها بالمشاهدة، معتمدا على واقعة تجريبية شهيرة تتعلق بحركة كوكب عطارد، حيث أفضت هذه التجربة إلى نتائج مخالفة تماما لما كانت تعتقده الميكانيكا الكلاسيكية، فإذا كانت قوانين نيوتن تفرض حركة الأجسام في خطوط مستقيمة وبناءً على ذلك فسَّر نيوتن حركة الأجسام حول الشمس بانحرافها باستمرار عن المسار المستقيم بواسطة قوة الجاذبية، غير أن اينشتاين وجد أنه لا توجد  خطوط مستقيم بالمعنى الهندسي الإقليدي،" فالجاذبية تختفي كما تختفي القوة من الفيزياء وتحلّ محلَّها البنية الهندسية لنظام الزمان- المكان رباعي الأبعاد".

  وهكذا فقدت الفيزياء الكلاسيكية الكثير من مبادئها، و التي بقيت و لقرون طويلة حصينة عن الاختراق، فقد فَقدَ مفهوم الاتصال  في الفيزياء الكوانطية قيمته، كما فقَد مفهوم  الزمان والمكان بداهتهما، فأصبح ينظر إليهما على أنهما  يركَّبان وينشئان تركيبا وإنشاء تجريديين، كما فقدت الموضوعية – والتي كانت تعني الاستقلال التام عن الموضوع الملاحظ – مفهومهما الكلاسيكي،  لم تصبح سوى تداخلاً واضحا بين الملاحظ وأدوات القياس من جهة، والظاهرة محل الملاحظة من جهة أخرى، كما استبعدت الفيزياء المعاصرة فكرة اليقين، ذلك اليقين النهائي الثابت، فالنظريات الفيزيائية إنّما تقدم تفسيرا للمعرفة المبنية على الملاحظة عصرها، وهي لا تستطيع أن تدعي أنها حقائق أزلية، وقد حرص (هنريش هرتز) على أن يصوغ عبارة  " يقين بقدر ما يتسنى للبشر الكلام عن اليقين" هذه العبارة التي  يرى (هانز ريشنباخ) أنه لم يكن تصريح لفيزيائي يعبر عن طبيعة العلم بمثل العمق الذي تعبر به عنها هذه العبارة المتواضعة.

 الحاضرة 05

والمظهر الأخر من مظاهر الثورة العلمية هو ما جاءت به النظرية النسبية، و التي ساهمت في كشف ما في البناء الفيزيائي الكلاسيكي من تصدع، كما ساهمت في بناء صرح الفيزياء المعاصرة، فلقد ألغت قاعدة التأثير عن بعد، ووحَّدت بيت الطاقة و الكتلة واستبعدت الأثير وألغت المفهوم الكلاسيكي للزمان والمكان.

  ففي عام (1905) و ضع العالم الألماني(ألبرت انشتاين) (1879-1955) بحثا تحت عنوان: "في الديناميات الكهربية للأجسام المتحركة"  كان يعبر بصدق عن حاجة الفيزياء إلى نظرية جديدة في الطبيعة، فقد وضع بهذا البحث ما يسمى "بالنسبية الخاصة" مستفيدا من نتائج تجربة (ميكلسون و مورلي). وهي التجربة التي كان الهدف منها دراسة تأثير حركة الأرض على سرعة الضوء (أشعة الشمس) ومنه تأكيد أو إبطال وجود الأثير كوسط تنتشر فيه الأمواج الضوئية. فلقد كان سائدا ومنذ نيوتن أن أشعة الشمس والتي سرعتها (300ألف كلم في الثانية)، تنتقل إلى الأرض عبر الأثير، فقياس سرعة الضوء لابدَّ أن تتمّ بالنسبة للأثير الساكن.

  فقد أحدثت هذه التجربة أزمة خطيرة في الفيزياء الكلاسيكية، لأن معطياتها الواقعية لا تتوافق مع القوانين المعمولة بها، وفي مقدمتها قانون تركيب السرعات، فقد أثبتت أن سرعة أشعة الشمس لا تتغير سواء كان الملاحظ الذي يقيسها يتحرك في اتجاه الشمس أو في الاتجاه المعاكس.

  إلاّ أن انشتاين استغنى عن فرض الأثير ولم يجد ضرورة للاستدلال به، و رأى أن انكماش الجسم لا يرجع إلى الحركة ذاتها وإنما يرجع إلى الحركة بالنسبية إلى مجموعة إسنادية ثابتة. هنا استنتج أن سرعة الضوء ثابتة لا تتغير، فهي تساوي في جميع الأحوال 300 ألف كلم في الثانية لا تزيد وتنقص وهي أقصى سرعة ممكنة، كما أن سرعة الضوء لا تتأثر بحركة منبعه ومن ثم تصل سرعة الضوء كمرجع ثابت لقياس حركة الأجسام.

وعلى هذا الأساس استنتج انشتاين نتائج أخرى أهمها: أن السرعة نسبية دائما، فسرعة أي جسم كيفما كان إنما تقاس بالنسبة إلى جسم أخر، وسواء اعتبرنا الجسم الأول هو المتحرك أو عكسنا الأمر واعتبرنا الثاني  هو المتحرك، فالنتيجة ستكون واحدة ما دامت المنظومة المرجعية حركة مستقيمة و منتظمة (وفق المرجعية الغاليلية)، ومعنى هذا أنه ليس هناك جسم ثابت في الفضاء ثباتا مطلقا، و بالتالي فلا وجود للأثير ولا وجود للمكان المطلق.

  كما رفض انشتاين فكرة الزمان  المطلق من خلال ما توصل إليه من نتائج فيما يتعلق بالتآني أو التوقيت الزمني،" فلكل مجموعة إسناد زمنها الخاص، وما لم نعين مجموعة الإسناد التي حددنا تواقت زمني مطلق في الكون كما ادّعت فيزياء نيوتن، بل كل ما هناك تواقت نسبي. وأن الزمان هو تسلسل حوادث استنادا إلى مراجع وأن تسلسل الحوادث ليس واحدا لدى جميع المراقبين، وقد شكل هذا ضربة موجعة إلى الفيزياء الكلاسيكية التي اعتبرت  الزمان عامًا ومطلقًا " فالزمان المطلق الحقيقي والرياضي الذي لا علاقة له بأي شيء خارجي، ينساب بانتظام ويسمى الديمومة" فالزمان ينساب بنفس الشكل بالنسبة لأي مكان، وفي كل مكان. كما رفض انشتاين فكرة المكان المطلق، ورأى أن المكان ليس إلاّ نظام للعلاقات بين الأجسام، وأنه لا يمكنه تصوره مطلقا خاليا من الأجسام. و إذا كانت الهندسة الإقليدية تجعل من المكان ذوا أبعد ثلاثة، فإن انشتاين يرى أنه لا يمكن أن ننظر إلى المكان إلاّ بإضافة بُعد رابع "فالمكان في نظر انشتاين رباعي الأبعاد وهو المكان منحن موجب ثم فهو ينغلق على نفسه مثلما ينغلق سطح جسم كروي" أي أنه لابدَّ  من إضافة  إحداثي رابع زماني، ومتصل الزمكان لم ينشأ إلاّ استنادًا إلى هندسة غير إقليدية.

  كما قَّدم انشتاين نظرية جديدة في الجاذبية مرتبطة بانحناء الفضاء كما قال(ريمان) مستبعدا نظرية نيوتن في الجاذبية، ما دامت النتائج المستنبطة من قانون نيوتن في الجاذبية قد وجد أنها صادقة بعد التحقق منها بالمشاهدة، معتمدا على واقعة تجريبية شهيرة تتعلق بحركة كوكب عطارد، حيث أفضت هذه التجربة إلى نتائج مخالفة تماما لما كانت تعتقده الميكانيكا الكلاسيكية، فإذا كانت قوانين نيوتن تفرض حركة الأجسام في خطوط مستقيمة وبناءً على ذلك فسَّر نيوتن حركة الأجسام حول الشمس بانحرافها باستمرار عن المسار المستقيم بواسطة قوة الجاذبية، غير أن انشتاين وجد أنه لا توجد  خطوط مستقيم بالمعنى الهندسي الإقليدي،" فالجاذبية تختفي كما تختفي القوة من الفيزياء وتحلّ محلَّها البنية الهندسية لنظام الزمان- المكان رباعي الأبعاد".([7])

  وهكذا فقدت الفيزياء الكلاسيكية الكثير من مبادئها، و التي بقيت و لقرون طويلة حصينة عن الاختراق، فقد فَقدَ مفهوم الاتصال  في الفيزياء الكوانطية قيمته، كما فقَد مفهوم  الزمان

والمكان بداهتهما، فأصبح ينظر إليهما على أنهما  يركَّبان وينشئان تركيبا وإنشاء تجريديين، كما فقدت الموضوعية – والتي كانت تعني الاستقلال التام عن الموضوع الملاحظ – مفهومهما الكلاسيكي،  لم تصبح سوى تداخلاً واضحا بين الملاحظ وأدوات القياس من جهة، والظاهرة محل الملاحظة من جهة أخرى، كما استبعدت الفيزياء المعاصرة فكرة اليقين، ذلك اليقين النهائي الثابت، فالنظريات الفيزيائية إنّما تقدم تفسيرا للمعرفة المبنية على الملاحظة عصرها، وهي لا تستطيع أن تدعي أنها حقائق أزلية، و قد حرص (هنريش هرتز) على أن يصوغ عبارة  " يقين بقدر ما يتسنى للبشر الكلام عن اليقين" هذه العبارة التي  يرى (هانز ريشنباخ) أنه لم يكن تصريح لفيزيائي يعبر عن طبيعة العلم بمثل العمق الذي تعبر به عنها هذه العبارة المتواضعة.