مقياس اللسانيات التطبيقية
المستوى: السنة الثانية- الشعبة اللغوية
الأستاذ: د/مصطفى طويل
المحاضرة 1: اللسانيات التطبيقية، المفهوم والنشأة والتطور
تمهيد:
اختلف الدارسون في النظر إلى هذا العلم – علم اللغة التطببيقي- الحديث النّشأة، أهو علم مستقل له موضوعه الذي يقوم عليه من حيث أصوله الابستيمولوجية، ومنهجه، وكذا طرقه الإجرائية، أم هو مجرّد علم تطبيقي تطبيقي لما أنتجه الدرس اللساني النظرية" اللسانيات النظرية"، أم هو علم وسيط بين هذين الرأيين، كونه يطبق ما أنتجته اللسانيات من قضايا تخص التعليم وغيره من الموضوعات المختلف المتعددة، إلى جانب ما رصده من مبادئ وأصول اختص بها؟
1- التعريف باللسانيات التطبيقية:
بناء على الرأي الذي يرى بأن اللسانيات التطبيقية لا توصف بأنها بحث علمي محض، كونه لا يهدف من بحثه سوى إلى البحث عن حل المشكلات اللغوية، فقد عرّفه كوردر بأنّه" استعمال ما توافر لدينا عن طبيعة اللغة من أجل تحسين كفاءة عمل عملي ما تكون اللغة العنصر الأساسي فيه".[1]
وهناك من اعتبره" علما ذا أنظمة علمية متعددة يستثمر نتائجها في تحديد المشكلات
اللغوية، وفي وضع الحلول لها."[2]
وأما مازن الوعر فيرى بأن اللسانيات التطبيقية هي ميدانيبحث في التطبقات الوظيفية التربوية للغة من أجل تعليمها وتعلّمها للناطقين ولغير الناطقين بها، كما تبحث أيضا في" الوسائل البيداغوجية المنهجية لتقنيات تعليم اللغات البشرية وتعلّمها.... وتبحث في أصول التدريس- مناهج التدريس- ووضع النصوص اللغوية وانسجامها مع المتعلمين، ووضع
الامتحان، ودراسة علاقة التعليم بالبيئة الاجتماعية، وغير ذلك.."[3]
و على العموم كما قال عبده الراجحي، علم اللغة التطبيقي" ليس تطبيقا لعلم اللغة، وليست له نظرية في ذاته، وإنّما هو ميدان تلتقي فيه علوم مختلفة حين تتصدى لمعاجة اللغة الانسانية، أو هو علم ذو أنظمة علمية متعددة يستثمر نتائجها في تحديد المشكلات اللغوية، وفي وضع الحلول لها."[4]
ملاحظة هامة :
إن المتتبع لتاريخ هذا المصطلح يتبيّن له أن الباحثين اختلفوا إزاءه اختلافا كبيرا، فهذا "دينس جيرار" – 1972- أن التعليمية- اللسانيات التطبيقية- ليست فرعا من اللسانيات. وقد أطلق مصطلح تعليمية كمرادف لمصطلح السانيات التطبيقية، ... والحق أنه مع ظهور مصطلح اللسانيات التطبيقية بدأ الاهتمام يخرج من دائرة الجانب اللاني اللغوي النظري ويلتفت إلى الجانب التطبيقي التعليمي للغة، الذي بقي محل اهتمام وتركيز يقع في المقام الأول، لتأتي الجوانب المتعلقة بكيفيات التعليم والتطبيق وشروط ذلك ووسائله في المقام الثاني كخادم للهدف الأول" اللغة" ووسيلة تؤدي إليه.
مع العلم أن مفهوم التعليمية لم يظهر إلاّ منذ السبعينيات من القرن الماضي، ليتخذ له قدما راسخة منذ الثمانينيات على وجه خاص لا سيما من خلال الأبحاث والدراسات التي بدت منذ ذاك في استعمال هذا المصطلح" تعليمية".[5]
ويرى قاليسون أن اللسانيات التعليمية التطبيقية تأتي كهمزة وصل بين اللسانيات النظرية، وبين منهجية تعليم اللغة وطرق ذلك ووسائله بين النظرية والتطبيق، فهي في نظره تستمدّ معارفها من اللسانيات النظرية، وهي لا تنتهي إلى حيث تستغل وتطبق تلك المعارف.[6] .
نشأة وتطور اللسانيات التطبيقية" علم اللغة التطبيقي"
بداية من مطلع القرن العشرين انطلقت الحركة العلمية في ميدان تعليم اللغات في أوربا جزاء الانتقاد الذي وجهه بعض المربين لمنهجية التدريس ، وأهم العيوب التي سُجّلت سيطرة تدخل المعلّم في الدروس، وبالتالي عدم مشاركة التلميذ مشاركة فعالة، بل يُطالب المتعلّم فقط بالاستماع ثم تطبيق ما يسمعه من التعليمات.، وعند ذلك ظهرت الطرق النشيطة التي تقلّل من تدخل المعلم وتترك المجال لنشاط المتعلم أثناء الدرس[7]، ثم على ممرّ الأيام تبلورت فكرة أخرى وهي خاصة بتدريس اللغات الأجنبية. [8]
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية شعر الناس بعدم نجاعة الطرائق التقليدية، فاقترحوا الطريقة المباشرة بإيعاز من السلطات الأمريكية حتى تمكّن الجنود الأمريكان من الحوار المباشر مع الشعوب التي سيتصلون بها، وهكذا بدأ اللسانيون يفكرون في تطوير هذه الطرائق بفصل بحوثهم العلمية المتواصلة، خاصة في اللسانيات وما أفادته من علم النفس وعلم التربية، فظهرت الطرق السمعية البصرية، والطرق السمعية الشفاهية، وآخر نظرية في هذا الميدان تسمى اللسانيات التطبيقية. وهي شعبة من شعب اللسانيات لها علاقة بمجالات كثيرة، ولذا تعتبر الديداكتيك اللغوي علما تطبيقيا متعدد التخصصات.
البحوث العلمية في اللسانيات التطبيقية، ومنهجية تعليم اللغات:
1- مادة اللغة ومنهج تعليمها.
2- المشافهة.
3- الانغماس اللغوي.
4- تأثير اللسانيات البنوية والسلوكية.
5- الاهتمام بالمتكلّم وحال الخطاب.
6- الاهتمام باحتياجات المتعلّم والانتباه إلى ملكة التبليغ وأهميتها." نزعة حديثة جدا"
ظهر هذا العلم في سنة 1946 لحاجات تربوية تعليمية إزاء ظهور ما يعرف بالطرائق التعليمية النشطة، وقد عرف هذا المصطلح الكثير من التذبذب وعدم الثبات في كتابات المهتمين بهذا التخصص، غير أن الذي لا خلاف فيه هو" أنه ظهر في الوقت الذي بدأ فيه الاهتمام بمشاكل تعليم اللغات الحية للأجانب... ويعمل على الكشف عن جوانب اللغة والمعرفة الواعية بها للتمكن من الأداء اللغوي الجيد. إلى جانب اهتمامات أخرى كالتوثيق والترجمة ومعالجة الأمراض الكلامية، وتقنيات التعبير.
خصائص اللسانيات التطبيقية:
-البراجماتية: لأنها مرتبطة بحاجات المتعلم.
- الانتقائية: حيث يختار الباحث ما يراه ملائما للتعليم والتعلم.
- الفعالية: فهو يبحث في الوسائل الفعالة للتعلم خاصة تعلم اللغات " الأم واللغات الأجنبية.
- دراسة التداخلات بين اللغات الأم واللغات الأجنبية: الاحتكاكات اللغوية في محيط غير
متجانس لغويا.[9]
ودراسة الاحتكاكات اللغوية مهمة جدا لأن "اللغة مثلما تكتسب تطورها بعامل التوليد الداخلي فإنها تحصل على عناصر جدتها بالاقتراض الخارجي."[10]
دراسات لسانية تطبيقية، مازن الوعر، ص:23، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ط1 1989، ص: 74. بتصرف طفيف.[3]
المحاضرة 2: المجالات والمرجعية المعرفية والمنهجية
قلنا في المحاضرة السابقة بأن اللسانيات التطبيقية هي علم جامع يدلّ على تطبيقات متنوعة لعلوم اللغة في ميادين متعددة لحلّ مشكلات ذات صلة باللغة.
ففي مؤتمر لعلم اللغة التطبيقي عقد آنذاك اتفق فيه خبراء هذا العلم على أن المجالات التالية تشكل فروع علم اللغة التطبيقي: تعليم وتعلّم اللغة الأم، واللغات الأجنبية، والاختبارات اللغوية والتخطيط اللغوي وعلم اللغة التقابلي وصناعة المعاجم والتحليل الأسلوبي والترجمة والإلقاء وعيوب النطق والكلام وأنظمة الكتابة وعلم اللغة الإحصائي وعلم اللغة النفسي ووسائل الاتصال غير اللفظية...وغيرها من قضايا أخرى، والكثير من هذه المجالات أصبح اليوم علما متخصصا مستقلا بذاته، سنكتفي بالحديث عن أهمها، وهي علم التربية، وعلم اللغة النفسي، وعلم اللغة الاجتماعي.
-علم التربية:
إن تعليم اللغة يتحرّك في ضوء سؤالين لا ينفك أحدهما عن الآخر هما: ماذا تعلّم من اللغة؟ وكيف تعلّمه؟ السؤال الأول الخاص بالمحتوى يتكلف بالإجابة عنه، علم اللغة وعلم اللغة الاجتماعي وفي بعض جوانبه علم اللغة النفسي. وأما سؤال الكيفية فتجيب عنه في المقام الأول البيداغوجيا"علم التربية" كما يسهم في تناوله بقوة علم اللغة النفسي.
علم التربية أو" اللسانيات التربوية"، في البداية ظل هذا الميدان يشكو نقصا مكشوفا، وذلك لغياب رؤية شاملة، وأن كلّ ما أنجز هو حصيلة مبادرات فردية محدودة المدى.[1]
وهذه الدراسات مهمة لأنها تستجيب لانشغالات المدرسين وحاجيات التلاميذ، وتساهم في تطوير تعليم وتعلّم اللغة العربية، مستجيبة في ذلك إلى ما أنجز في اللسانيات العامة، والسيكولسانيات، والسوسيو لسانيات واللسانيات العصبية" نورو لنجويستيك، وبانولوجيا اللغات، واللسانيات الجغرافية، واللسانيات التطبيقية، وديداكتيكا اللغات.
ملاحظة: بالرغم من أن الوضع الابستمولوجي لمختلف هذه النظريات اللسانية غير موجّه نحو المتعلّم، وقد صرح بذلك شومسكي "1966" متحفظا من الخدمة التي يمكن أن تقدمها اللسانيات وعلم النفس لتعليم اللغات.[2]
ولما كانت مهمة المدرسين تعليمية محضة، فهم في حاجة إلى علم يمدهم بكل ما بوسعه أن يحل مشكلاتهم اللغوية غيرها مما يصادفهم كالحلول للفروق بين التلاميذ وغير ذلك من المظاهر التي هي من اختصاص علم النفس اللغوي والبيداغوجيا.لأجل تقديم التعريفات والرسوم التخطيطية والتمارين الكلامية التي تساعد المتعلم على اكتساب المعرفة بالغة وبطرق استعمالها.
وبالرغم من أن مجال اللسانيات نظري محض إلاّ أن بعض اللسانيين من طلبة شومسكي فاعلوا بين اللسانيات والمجال التربوي، فمثلا "بول روبير" حاول تطبيق نظرية النحو التوليدي في تعليم اللغة، وقد ساعد عموما تطور اللسانيات واستواؤها على استفادة تعلم وتعليم اللغات منها" طرقا ومناهج وأدوات وأطرا نظرية، وأثيرت مشكلات جديدة في حقل تعليم اللغات من خلال ثلاثة مجالات تعتبر فروعا للسانيات كاللسانيات العامة التي يتم فيها تدريس التلميذ قواعد تركيب الجمل ومفردات المعجم وأصوات اللغة، وغير ذلك من مستويات اللغة وعلم النفس الذي يدرس مسألة اكتساب اللغة وتعلمها وآليات التحصيل اللغوي الذي يدرس قضية استعمال اللغة[3] وقواعد التواصل اللغوي.
إن استفادة تعليم اللغة من اللسانيات ظهر في الإجابة عن التساؤلات التالية:
- كيف يمكن الانتقال من المعرفة اللسانية ذات الطابع العلمي إلى المعرفة المدرسية ذات الطابع التعليمي؟
- وكيف نكيّف محتويات المعرفة اللسانية مع الطرق التربوية وحاجيات المتعلم اللغوية؟
- وكيف يمكن استفادة الديداكتيكا من مختلف النماذج اللسانية؟
لا شك أن العملية التعليمية لا تقوم على المادة المعرفية بل هناك شروط أخرى تتخل في العملية التعليمية التعلمية منها ما يرتبط بالمدرس والتلميذ والطريقة والأهداف المتوخاة والمحيط الذي تجري فيه العملية بكافة مكوناتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، إذن هي عملية معقدة باعتبارها منظومة واسعة الدوائر.
إذن الاستفادة من اللسانيات في المجال التربوي والارتقاء بها إلى ما يطلق باللسانيات التربوية ليس بالأمر الهين رغم أن العلاقة بينهما لا يمكن إنكارها لاعتبارات عديدة منها:
-الحاجة إلىتكوين المدرسين تكوينا لسانيا نتيجة افتقارهم لهذا التكوين.
- تعدد النظريات اللسانية واختلافها.
- التطور المستمر للنماذج اللسانية نتيجة انفتاح اللسانيات باستمرار على مختلف العلوم.
لكل ما مر بنا يجب أن يحضر المعلم اهتمامه بكل دقة ووضوح للإجابة على سؤالين مركزيين هما: ما نعلّم؟ وكيف نعلّم؟ ويرى جيرار دينيس أنه على المدرس للغة أن يستحضر دائما ثلاثة أفكار أساسية هي:
- ليست غايته الاشتغال باللسانيات كما يفعل اللساني، بل هو مكلف بتعليم لغة ما.
- ليس مرتبطا بأية نظرية خاصة، ، فهو معني بالاعتماد على كل النظريات التي يراها صالحة ونافعة للوضع البيداغوجي.
- المشاكل المترتبة على مهمته لا تقتصر على المشاكل اللسانية فقط،بل هناك مشاكل نفسية عليه أن يراعيها بحكم تعامله مع العنصر البشري.
إذن تطور العمل في هذا الشأن مع ديداكتيكا اللغات والتي نشأت في بدايتها مرتبطة باللسانيات التطبيقية ثم انفتحت على حقول مرجعية مختلفة كاللسانيات وسيكولوجيا التعلم والبيداغوجيا والتواصل فطورت مجال اشتغالها.
2- علم النفس اللغوي:
يمثل هذا العلم الميدان الذي ارتبطت فكرة ظهوره كفرع سيكولوجي قائم بذاته " بطبيعة الأسئلة التي واجهها كل من علماء النفس وعلماء اللسانيات في مجال دراسة لغة الطفل ومظاهرها التركيبية والدلالية، ورغم حداثة هذا الفرع من المعرفة حيث ظهر في الخمسينيات من القرن الماضي" فقد أفاد من علم النفس العام الذي تطور في أواخر القرن الماضي كعلم مستقل عن الفلسفة، فقد اهتدى إلى توضيح الكثير من الأساليب التي يستعملها المتكلم في فهم الملفوظات وإنتاجها. غير أن الذي يهمنا هو تلك الدراسات التي بلغة الطفل بدءا من أواخر الستينيات التي خصص فيها جزء كبير لظاهرة اكتساب التمثلات الدلالية لدى الطفل، وحاول العلماء الإجابة عن العديد من الأسئلة، مثل: كيف تتكون دلالات الملفوظات عند الطفل؟ وما هي مظاهرها البنوية والوظيفية؟ وما هي عوامل اكتسابها ومراحل ارتقائها؟ وغير ذلك من الأسئلة.
والحقيقة أن النتائج المنجرة عن ذلك كانت متباينة بسبب الانفتاح والتعامل مع المضامين الايجابية لأهم النماذج[4] النظرية، سيكولوجية كانت أو لسانية.
والإجابة عن هذه الأسئلة ومثيلاتها تستلزم الاعتماد على مصادر عديدة من أهمها: [5]
- الاتجاه السيكولوجي في بعده التكويني الذي يتخذ اللغة كأحد مظاهر النشاط التمثّلي عند الطفل.
- الاتجاه اللساني في بعده الصوري الذي يعتبر اللغة كقدرة فطرية مبرمجة من الناحية التكوينية.
- الاتجاه السيكولساني الذي يتفرع إلى اتجاهين فرعيين اثنين، هما: الاتجاه المعرفي الذي تشكل اللغة في نظر أصحابه النتيجة المباشرة للنمو العقلي عند الطفل، وثانيهما يتمثل في الرؤية التي ترى أن اللغة هي حصيلة ناجمة عنى تجارب الطفل وخبراته الواقعية.
علم الاجتماع اللغوي:
ظهر هذا العلم كنتيجة لتفاعل علم الاجتماع باللسانيات، وهو يسمى أيضا بالسوسيو- ألسنية، فهو بحث ميداني" موسّع يتطرق لقضايا اللغة في إطار المجتمع، ويدرس خصائص اللغات واللهجات، وخصائص استعمالها، وخصائص متكلميها داخل المجتمع اللغوي الواحد وفي ما بين المجتمعات اللغوية المختلفة،....وتعالج أيضا العلاقات القائمة بين البنى اللغوية والاجتماعية وتفاعلاتها، والأوضاع الاجتماعية العائدة إلى المتكلم والمستمع، ووقائع التواصل، وأنماط الكلام المستعمل نسبة للطبقات الاجتماعية، فاستعمال اللغة في المجتمع يرتبط بنظام السلوك الاجتماعي ويتنوع تبعا لمن يتكلّم باللغة..."[6]
وقد تولد عن هذا التلاقح بين اللسانيات وعلم الاجتماع علم جديد يسمى السوسيو – ألسنية التطبيقية يعمل على إيجاد حلول للمشكلات اللغوية في المجتمع، ويشير "ج. فيشمان" إلى أهمية هذا الحقل في الحالتين التاليتين:
- عندما يتوجب تطوير لهجات معيّنة بهدف جعلها عاملة وسط محيطات جديدة.
- عندما يتوجب تدريس العدد الكبير من الجماعات البشرية لغات لا يعرفونها لكي يكون بمقدورهم التعامل بواسطتها مع محيطهم الجديد"[7]
ومن أهم القضايا التي يدرسها هذا العلم الجديد:
- يختص بسياسة الدولة، فهو الذي يقدم المعلومات التي بالإمكان على ضوئها وضع سياسة ألسنية بشكل علمي.
- كما يعمل على اختيار مختلف طرق تحقيق هذه السياسة على نطاق مصغّر وذلك لإمداد الدولة بالمعلومات لاتخاذ القرارات السياسية في المجال الألسني.
- كما يسهر على دراسة النتائج المترتبة على تنفيذ السياسة الألسنية.
- وكذا دراسة ردات فعل السكان تجاه السياسة، وعلى استخلاص كلفة هذه السياسة.
- وتهتم أيضا بالتغيرات الحاصلة في النظرة إلى اللغة واللهجات ضمن نصوص السياسة الألسنية.
- ولعل من أهم ما تشتغل عليه هو تناول القضايا التربوية المتعلقة بالسياسة الألسنية وبتقييمها، وبالخصوص القضايا الثنائية اللغوية في البرامج المدرسية.
مجالات اللسانيات التطبيقية:
مجالات اللسانيات التطبيقية كثيرة ومتعددة، تظهر واضحة في ما أوردته اللجان العلمية التي عقدتها الجمعية العالمية للسانيات التطبيقية عام 1997، وأيضا الموضوعات التي ذكرتها الجمعية الأمريكية عام 2002.[8]
وتلك الموضوعات يمكن إدراجها في التقسيمات الأربعة التالية:
1- ما يتعلق بتعليم اللغة وتعلّمها، بما فيها من دراسات حول اكتساب اللغة الثانية واختبارت اللغة، ولعل هذا القسم المتعلق بمجال تعليم اللغات وتعلّمها هو الطاغي فيها.
ويمثل هذا القسم 50 بالمئة.
2- ويتعلّق بطبيعة اللسانيات التطبيقية، وتعريفاتها ومجالاتها وحدودها" أي ما يتعلق بها كعلم قائم بذاته ابيستيميا ومنجيا وإجراءات. ويمثل 05 بالمئة فقط.
3- وهذا القسم يتورع على أربعة أقسام مختلفة تتضافر فيما بينها علوم ومجالات شتى وتمثل 45 بالمئة، هي كالتالي:
أ- التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية" وهي أحد فروع اللسانيات الاجتماعية.
ب- الاستخدامات المهنية للغة" لغة الفئات الاجتماعية والتخصصات والمهن الخ...
ج- السلوك اللغوي المنحرف، والقياس اللغوي المستخدم في تحديد مثل هذا السلوك اللغوي " يتناول المشكلات التي يعاني منها الأفراد الذين لديهم صعوبات في السمع والتكلم، وكبار السن وفقد الذاكرة على الكلام أو العجز فيه، وكذا الإصابة في الدماغ" ومجالها عموما الأرطفونيا والعلم الذي يضمه وهو اللسانيات النفسية".
د- الحالات التي يتعرض فيها الإنسان لأكثر من لغة" كالثنائية اللغوية والتعددية اللغوية والازدواجية اللغوية والتعددية الثقافية" ويتكفل بها علم اللغة الاجتماعي".
تطور البحث في حقل اللسانيات التطبيقية:
لا شك أن البحث اللساني واللساني التطبيقي شكلا ثنائية متطورة في حقل تعليم اللغات الأجنبية، حيث أثارت اللسانيات النظرية أسئلة مهمة فهذا تشومسكي "1965 1986" حدد ثلاثة أسئلة رئيسة للسانيات هي:
1- ممّ تكوّن المعرفة اللغوية؟
2- كيف يكتسب الإنسان المعرفة اللغوية؟
3- كيف يستعمل الإنسان المعرفة اللغوية؟
وهذه الأسئلة العامة قام اللساني التطبيقي كوك عام 1993 بإعادة صياغتها بما تتناسب مع اللسانيات التطبيقية.
1- فرّع العالم " كوك" السؤال الأول الكبير الذي طرحه شومسكي " مم تتكوّن المعرفة اللغوية؟" إلى أسئلة فرعية دقيقة، هي:
- إذا تعلّم شخص ما لغة أخرى غير لغته الأصلية، فقد يكون لديه نظامان من القواعد، وبعبارة أخرى يمتلك عقلا واحدا ونظامين من المعرفة اللغوية، وعليه ما طبيعة المعرفة اللغوية لأكثر من لغة؟
- كيف تختلف تلك المعرفة عن تلك الخاصة المتحدّث الأحادي اللغة؟
- و كيف يتواجد نظامان من المعرفة اللغوية جنبا إلى جنب في عقل واحد؟
2- كيف يكتسب الإنسان المعرفة اللغوية؟ كيف تكتسب هذه المعرفة الخاصة بعدة لغات سواء أكان بشكل تزامني أم بشكل تتابعي؟ هناك من تعلموا عدّة لغات في نفس الوقت منذ طفولتهم، لأنهم تربوا في بيئات ثنائية اللغة أم متعددة اللغات، وبالمقابل هناك أشخاص تعلّموا لغات أخرى في مرحلة متأخرة من حياتهم وأيا كانت الطريقة كيف يمكن عقل الانسان من اكتساب نظامين نحويين؟ وهل اكتساب اللغة الثانية يختلف عن اكتساب اللغة الأولى؟ أم أنهما جانبان مختلفان لعملية واحدة؟
كيف يستعمل المرء المعرفة اللغوية الخاصة بعدّة لغات؟ عندما يتقن الفرد أكثر من لغة، كيف يستخدم المتحدّث نفسه المعرفة اللغوية لأكثر من لغة لتأدية وظائف مختلفة؟ وكيف يدير عملية اختيار اللغة؟ ولماذا يتنقل بعض المتحدّثين بين أكثر من لغة في نفس الوقت؟
وقد تفرع عن هذا حقل جديد اشتغل على الاكتساب اللغوي سمي بحقل الاكتساب اللغوي.
و هذا الحقل ما زال يبحث في موضوعات جديدة فمثلا في عام 2010 ظهر مجال جديد اهتم بالخطاب الصفّي، ويقصد به التفاعل المحكي في السياقات التعليمية، أي دراسة اللغة المستخدمة في الفصول الدراسية للمعلمين والمتعلمين، أيا كانت المادة المدرّسة ويشمل اللغة المكتوبة والمحكية.[9]
خلاصة:
إن المصادر الأساسية للسانيات التطبيقية هي: اللسانيات النظرية بمختلف اتجاهاتها، وعلم التربية "البيداغوجيا"، وعلم اللغة النفسي، وعلم اللغة الإجتماعي، ومجالاتها كثيرة ومتعددة تخص كل العلوم التي اشتغلت، ولو في جانب واحد من جوانب اللغة ومنتجيها ومتلقيها في دوائر التواصل والبيولوجيا وغير ذلك.
- انظر المعرفة اللغوية وأثرها في مقاييس الاختيار اللغوي، عبد السلام المسدي، منشورات كلية الآداب بالرباط ، سلسلة ندوات،ص:47. [1]
- لمزيد من التفصيل انظر اللغة بين الخطاب العلمي والخطاب التعليمي، عبد الرحمان بودرع، مجلة الموقف العدد 8 1988، ص:93.[3]
1- النموذج أو المنوال -" هو التمثل الذهني لشيء ما ولكيفية اشتغاله، وهذا يعني أن النمذجة ليست إلاّ الفكر المنظم لتحقيق غاية عملية. وعرّف أيضا بأنه: نظرية موجّهة نحو الفعل الذي نريد تحقيقه. والنمذجة هي مبدأ أو تقنية يمكن الباحث من بناء نموذج لظاهرة أو سلوك عبر إحصاء الماغيرات أو العوامل المفسّرة .
انظر الطفل واللغة – تأطير نظري ومنهجي للتمثلات الدلالية عند الطفل،الغالي أحرشاو المركز الثقافي االعربي،ط:1، 1993.[5]
المحاضرة 3 ملكة الإنتاج، وملكة الفهم
- التعريف بملكتي الإنتاج والفهم.
-1- مفهوم الملكة" الملكة اللغوية".
أقام نوام تشومسكي في كتابه" أوجه النظرية التركيبية سنة 1965" فصلا واضحا بين مستويين يظهران علاقة المتكلّم بلسانه، المستوى الأول يتمثل في الملكة اللغوية، والتي يعرّفها هذا العالم بأنها "معرفة المتكلّم- المستمع للسانه"، وهذه المعرفة هي في الحقيقة، نظام من القواعد المكتسبة والمشتركة بين متكلّمي لسان معيّن، والذي يسمح لهم بإحداث وفهم عدد لا نهائي من الجمل التي لم يسمع بها من قبل.
وعلى هذا الأساس فالملكة اللغوية غير قابلة للملاحظة، وهي متضمنة لدى كل فرد ناطق مبين" فصيح" غير أنّه يمكن إدراكها من خلال تجريد المعطيات اللسانية الظاهرة.
وأما المستوى الثاني فيتمثّل في التأدية، ويحددها تشومسكي على أنها" الاستعمال الفعلي للسان في الظروف المحسوسة"، ويفهم من ذلك "أنّها عملية إحداث الكلام في حالات تواصلية مختلفة، ولا يكون ذلك إلاّ بالاعتماد على" الملكة" أي القواعد المكتسبة، ومن ثم يمكن القول بأن التأدية هي تطبيق وتحقيق للملكة اللغوية في الواقع.
وعلى الرغم من أن التأدية تمثّل منطلق الباحث اللساني، فقد أعطى تشومسكي الأولوية لدراسة الملكة، وأقر بأن نحو لسان ما يقتضي وصف الملكة اللسانية للمتكلم- المستمع المثالي. لأن الملكة تمثّل المقياس الذي يستند إليه في الحكم على بنية الجمل اللسانية، وزيادة على ذلك، فالتأدية لا تعكس بصفة كلية الملكة اللغوية، فهيّ أي التأدية مرتبطة بعوامل مختلفة، كالذاكرة، والانتباه، والسياق الاجتماعي، والعلاقات السوسيو- نفسية بين المتكلم والمخاطب.[1]
والذي يهمنا هنا كثيرا هو أن النظرية اللسانية تنحصر في وضع النموذج المثالي الذي يعكس بكيفية مطابقة الملكة اللغوية، وبتعبير آخر يمكن القول بأن النظرية اللسانية حسب تشومسكي يجب أن تصرف اهتمامها إلى تلك العمليات الذهنية التجريدية التي ينشأ عنها فعل الكلام.[2]
كيف تتم عملية إنتاج الكلام؟
لا نريد في هذه العملية الحديث عن عمل المخ في الإنتاج، وإن كان هذا العمل البيولوجي مهما بل نسعى إلى تبيان عملية الإنتاج من حيث هي تخطيط إجمالي. ونعتمد كثيرا في هذه الملكة على الجانب النفساني والعقلي للنحو من منظور التوليديين والتحويليين، والنحو في هذه النظرية يقصد به ما سلف التقديم له في البداية" أي الكفاية أو القدرة اللغوية التي يمتلكها المتكلّم، والنموذج النظري الذي يتضمّن مجموعة القواعد التي تسمح بتكوين كل الجمل الأصولية في لغة معيّنة، وتتألف مجموعة هذه القواعد من قسم رئيسي يدعى التركيب الذي يؤدي إلى توليد مجموعة لا متناهية من الجمل، ومن قسمين تأويليين: قسم يؤدي إلى التأويل الدلالي، وقسم يؤدي إلى التأويل الفونولوجي، ويميّز في التركيب أيضا قسمين: قسم أساسي يتضمّن قواعد توليد البنية العميقة للجمل، أي البنية التي تعيّن معنى الجمل، وقسم تحويل يتضمّن قواعد الانتقال من البنية العميقة إلى البنية السطحية للجمل، أي البنية التي تعيّن التركيب الصوتي للجمل.[3]
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الأبحاث في علم النفس اللغوي حاولت التحقق بالوسائل التجريبية من النظرية التركيبية لتشومسكي. وهذه الأبحاث تنطلق من الافتراض بأن" الأداء اللغوي الفعلي- أي ادراك الجمل وفهمها وإنشاؤها واستذكارها- محكوم بهذه الكفاية أو القدرة على توليد الجملة النووية أو الأصلية، ومن ثمّ عند الاقتضاء على تحويلها إلى الصيغ النحوية المختلفة، والتحويلات هذه تنتج عنها جمل ذات دلالات أسلوبية مختلفة كالنفي والاستفهام والتعجب إلخ...
مثلا أسلوب النفي في العربية يمثل بنى محوّلة مختلفة، كل بنية تتطلب مقاما يختلف عن نظيرتها من أدوات النفي، من تراكيب النفي الأمثلة التالية:
- لا يحبّ زيد ليلى.
- لم ولن " يقبلْ يقبلَ" زيد إقتراحك.
- لست وصيا عليّ.
- ما أنت ملاك " ملاكا".
- لا شك أنّنا مثقفون.
فالبحث في النفي هو بحث في النظام النحوي كلّه على اعتبار ما يقتضيه مفهوم النظام من تماسك العناصر التي تكوّنه، فواسمات النفي في العربية سبعة على أقصى تقدير، فهل ثمة فروق دلالية تميّز حرفا عن آخر؟ وهل تفي بحاجة المتكلّمين في التعبير عن الدقائق المعنوية التي تقتضيها مقامات النفي؟ وما هي هذه المقامات؟ بالإضافة إلى تنوّع بعض الدلالات الحاصلة من تعامل حروف النفي والمكونات الفعلية والاسمية والحرفية كتنوّع دلالة "لا" إلى : - نفي للفعل،- ونهي – ونفي للجنس، - ولا المعترضة بين الجار والمجرور من قبيل" عاقبته بلا ذنب" ولا الدعاء وتوكيد النفي والعطف "على ما يزعم النحاة العرب" ولا الاملة عمل ليس، ولا الواقعة في جواب القسم. ثمّ النظر إلى النفي في مختلف النظريات والنماذج المنطقية الدلالية والاعرابية والتركيبية والدلالية النحوية والدلالية العرفانية والتداولية والنفسية المتصلة بالاكتساب اللغوي.
فمثلا: أنت غير وصي عليّ، نجد في هذه الجملة نفيا، وهو حدس لغوي بالرغم من وجود واسم من واسمات النفي، والحال نفسه في الجملتين المتقابلتين: - أنت بشر –وأنت شيطان.والنفي في جملة مثل سيمتنع الصحافيون عن استعمال اللغة المتخشّبة، وكذا كأنّ القيامة قامت، ورفضت فعل هذا الصنيع.
وهنا نطرح سؤال كبير هل النفي هو مستوى إعرابي" نحوي" أم دلالي "منطقي" أم تداولي؟
وأيا كانت الإجابة فإننا يمكنا االقول بأن النفى هو معطى تتشعب فيه المعطيات المقامية ، أي اتصال الكلام بظروف إنشائه والقصد الذي علّق به والألاعيب البلاغية التي تضمنها والاستراتيجيات الخطابية المطلوبة منه ...الخ.
وهنا استطاع علماء النفس أن ينصّوا على أن الجملة تُحفظ في الذاكرة بصيغتها الأصلية المثبتة – الموجبة مضافا إليها التعليمة أو التعليمات التحويلية المناسبة....وثبت أن عدد التحويلات في الجمل له أثر مستقل في درجة تذكّر هذه الجمل تزداد صعوبة تذكر الجمل بازدياد عدد التحويلات التي خضعت لها هذه الجمل، أي بازدياد درجة تعقّدها التركيبي.
أي أن الجملة البسيطة هي التي ينتجها المتكلم في بدايات مراحل الاكتساب اللغوي، وهذا ما يظهره التواتر، حيث أن الكلمات الأكثر تواترا في استعمال اللغة تدرك بصورة أسرع ويتّم تعلّمها وتذكّرها بصورة أسهل من الكلمات الأقل تواترا، وينطبق ذلك أيضا على سلاسل الكلمات وعلى الارتباطات بين الكلمات في الجمل.، والحال أن الجملة الفعلية تبدو في استعمال العربية أكثر تواترا من الجمل الاسمية، وذلك لأن العربي يهتم بالحدث أكثر من اهتمامه بفاعل الحدث، وهذا يثبت أن الجمل الفعلية أصل الجمل الاسمية.
يرى كل من تشومسكي وميل أن اللغة مستقلة عن الوظائف العقلية الأخرى، فالطفل ما دام مزوّدا بمعرفة تامة بالنحو الكلّي أو الكوني، فهذا يعني أنّه مزوّد بمخطّط من البنيات الملائمة للاستعمال في اكتساب اللغة وفي استيعاب المفاهيم والقواعد المعقدة والبسيطة في الوقت نفسه.
ورؤية أخرى ترتكز على فكرة اللغة والنموّ الإجرائي ، ومما تشتغل عليه هو هو علاقة اللغة بأنماط تنظيم السلوك، وهي تتلخص في المراحل التالية:
- لا شك أن الطفل يكتسب أساليب وظيفية ونماذج جديدة للتنظيم السلوكي من خلال تفاعلاته وتبادلاته مع العالم الخارجي، أي عن طريق اللغة التي تعتبر كوسيط سوسيو-ثقافي من الدرجة الممتازة، ويتحقق هذا الاكتساب في ثلاث مراحل أساسية: تتجلى أولاها في كون أن اللغة تشكّل أسلوبا للتواصل مع الراشدين، وبالتالي فهي خارجية في شكلها ووظيفتها، وتتمثل ثانيها في أن اللغة باحتفاظها بهذا الطابع الخارجي تحظى بوظيفة داخلية متمركزة، وتتعلق المرحلة الثالثة بأن اللغة بعد اكتمالها بشكل نهائي تصبح فكرا، وعلى هذا الأساس تكون اللغة هي التي تنظّم السلوك الإنساني.
اللغة والنموّ المعرفي:
من المجزوم به أن الكثير من الاتجاهات الحديثة وعلى رأسها أعمال "تشومسكي وبيفر وسلوبان لم تعد تنظر إلى موضوع ارتقاء البنيات اللسانية" وعلى الخصوص البنيات النحوية والصرفية" في معزل عن ا أساليب المعرفية الأخرى، يعني أن الاستراتيجيات التي يستعملها الطفل لإنتاج البنيات اللغوية وفهمها، هي القادرة على التحديد الجيّد لطبيعة العلاقات بين الاكتساب اللغوي والنمو المعرفي، وهذه الاستراتيجيات يمكن توضيحها من خلال المراحل الثلاث التالية:
تتعلق الأولى منها بالتحليل الشامل لما تحدِثه اللغة الأم من توجيه في سير عمل الطفل، وترتبط الثانية بوصف المظاهر اللغوية التي اكتسبها الطفل خلال تطوّره النمائي، أمّا المرحلة الثالثة فهي مرحلة التحليل الدقيق لطبيعة العلاقات بين هذه الاستراتيجيات والميكانيزمات المعرفية الأساسية.
نموذج التحليل السيكو- دلالي لـ" بيرات" تبيّن له أنه "كلما تدخّل الفعل اللغوي للراشد في تشكّل السلوكات اللغوية للطفل، بقيت بعض نماذج هذا التدخل مشروطة بالعمليات المعرفية التي يمكن للطفل أن يتوفّر عليها. وهذا يعني أن الحيّز الدلالي يشكله في واقع الأمر صورنة لعلاقات القيمة التي وصفها سوسير.
مقترحات كوليولي يمكن تقديمها في ثلاثة مستويات رئيسة هي:
- يتضمن المستوى الأول كل العناصر النحوية والصرفية التي تسهم في تحديد الوظائف الدلالية الأولية " أي تحديد أدوار الفعل والمفعول والفعل" وهذا يعني أن هذا المستوى يتكون من العنصر الدلالي" الكلمة بمختلف أنواعها" لترتيب الكلمات، ومن الإعرابات العرضية والبنيات النحوية الخاصة بموضوع الكلام، ومن المبني للمجهول والاستفهام الخ.
ويتكوّن المستوى الثاني من العلامات التي تضطلع بوظيفة دلالية ثانوية، أي يتعلق بالبنيات الصرفية التي تحدّد إمّا فئة الاسم " النوع العدد الجمع ..الخ" وإمّا فئة الفعل" المظاهر والأحوال والزمن...الخ"
وأما المستوى الثالث فإنه يجمع كل العلامات السطحية التي تشرف على تنسيق الجمل، بمعنى أن هذا المستوى ينطوي على الروابط والضمائر وجميع العلامات الاستدلالية.
ملاحظة: إن اكتساب البنيات النحوية والصرفية ذات الوظيفة الدلالية الأساسية يتم –إذن- عن طريق التركيز على استراتيجيات الفهم.
إن دراسة الاكتساب في مستوى البنيات ذات الوظيفة الدلالية الثانوية يمكن تقديم تقنيات إنتاجه في الفترات الآتية:
- إعداد مخطط بمجمل الإشارات السطحية الملائمة للتعبير عن الصنف المفهومي المراد تحليله" الزمن والعدد ...الخ"
- صياغة الفرضيات الخاصة بالأنواع الأخرى من المدلولات والتي يمكن التعبير عنها من خلال الإشارات المختلفة.
- إعداد مخطط عن الإشارات السطحية المقابلة لهذه المدلولات.
- صياغة بنود تجريبية خاصة بالمواقف والوضعيات المقابلة لهذه المدلولات.
- تحليل ملفوظات الطفل من خلال تفسير دلالة الإشارات السطحية، وذلك بالاعتماد على خصائص الوضعيات والمواقف التي أفرزتها.
والنتيجة هي أن الإشارات السطحية لمحددات الاسم تظهر أكثر نضجا إذا ما قورنت بالإشارات السطحية الخاصة بتحديد الفعل في لغة الطفل، وإن التنظيم الوظيفي لهذه الإشارات قد أصبح أكثر صعوبة نظرا لتباين الوظائف الدلالية وتنافرها وهكذا فإن الطفل لا يتوفر فقط على إمكانية خلق المدلولات الجديدة الخاصة بمستوى نموّه المعرفي، بل إنّه بالتأكيد قادر على إنشاء علاقات أصلية بين هذه المدلولات المتنوّعة.
لمزيد من التفصيل في هذا الموضوع انظر كتاب "دلالة اللغة وتصميمها، ثلاث مقالات مترجمة من طرف محمد غاليم، ومحمد الرحالي وعبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر الطبعة الأولى 2007. ص:16 ترسيمة موقع الدلالة التصورية في الذهن الوظيفي. مع ملحظ مهم هو أن تشومسكي كثيرا ما يقصد بالتركيب مفهومه الواسع لا الضيق "وهو تنظيم أي نسق تأليفي في الذهن." أي هو المعنى المقصود ظاهريا بالمستويين التركيبين "ص ص" الصورة الصوتية و"ص م" الصورة المنطقية باعتبارهما " تمثيلين مباشرين للصوت من جهة وللمعنى من جهة أخرى. نفسه: ص:20.و هذا المفهوم يتجاوز مفهوم التركيب في مفهومه الضيّق في النظرية اللسانية الذي " يحيل على التنظيم الصوري لوحدات مثل: م س – م ف. الخ...
وعلى هذا الفهم تكون اللغة عند هؤلاء هي" أنساق مكوّنة من صواتة وتركيب ودلالة، إضافة إلى العلاقات في ما بينها التي تقيمها الوجاهات بما في ذلك المعجم."
فالإنتاج على هذا الأساس هو الطريقة التي يعبّر من خلالها المتكلم عن القضايا بواسطة التركيب والأصوات. وفي هذا الفهم يتطلب على الباحثين أن يبحثوا في تفاصيل " النّسق التأليفي الذي يكوّن البنية الدلالية/ التصورية/ لغة الفكر، و وجاهاتها المتصلة باللغة والاستنتاج والإدراك والعمل. وهذا ما تبحث فيه الدلالة التصورية.
مخطط توضيحي لبنية الدلالة اللغوية في دائرة الدلالة المعرفية والسياق والعلاقات الرابطة.
صورة البنية المعرفية "عالم الأفكار" في ذهن الإنسان المستمع المتكلم المثالي صورة لغوية |
الصورة اللغوية" الصواتة والتركيب دلالة لغوية هي مستوى بنوي منفصل
|
المعنى المبني في السياق" المقام والموقف التواصلي الحقيقي أو المصطنع في العملية التعلمية" |
الدلالة اللغوية مكونة من أنواع مختلفة من الوحدات إضافة إلى المعنى المبني في السياق.
وفي تصوّر بديل، يمكن أن تكون الدلالة اللغوية صيغة "مفككة" للمعنى المبني في السيّاق، متضمّنة فقط مجموعة فرعية من وحداته و/ أو تمييزاته.
وفي جميع الأحوال هناك عوامل مختلفة ترجح خيارنا لمعنى النص، كطبيعة السياق ونوع الألفاظ وما عليه القبليات المعرفية، ومنها الضرورات الوجدانية والتنمية الاحتمالية، ويجري العمل بكل ذلك وفق المنطق اللاشعوري، فالآلية التي يعمل بها الذهن البشري هي آلية تعتمد على الصفية والانتقاء من الإمكانات الكثيرة المتعددة، وهي بهذا الفعل تميل في الغالب إلى الخيارات التي تتسم بالمعقولية والاتساق.[4]
وهكذا يختزن الذهن البشري من التجارب السابقة ويستجمع القرائن القبلية مع ما يُضاف إلى القرائن الحالية و المقامية، ليصبّها جميعا في إطار فهم[5] النص، فهذه هي ملكة الذهن التي تستجمع ما أمكنها من الآليات المعرفية المناسبة.
مفاهيم لها علاقة بالإنتاج والفهم.
- الفكر: هو علاقة معرفية تربط الذهن بالموضوع، أو هو قراءة الذهن ورؤيته للموضوع. ففيه أن العلاقة قائمة بين القراءة والرؤية من جهة، وبين الموضوع من جهة أخرى. والفكر يتعدد مع أن الموضوع واحد، ومنه طرح تساؤل حول ما إذا كان للنص معنى مقصود كشيء في ذاته أم لا؟ فهذه النسبية تدل على ما للفكر من تأثر بكلّ من الذهن والموضوع....فالفكر واقع لا محالة تحت تأثير الذهن البشري واعتباراته القبلية...والقبليات المعرفية هي كل معرفة يعتمد عليها في الإدراك والعلم والفهم سلفا، وهي لا تشكل بالضرورة مبادئ ثابتة و لا قواعد منضبطة، بل منها ما هو منضبط وثابت، ومنها ما هو متغيّر. والفكر البشري عن وعي أو غير وعي يعمل طبقا لهذه القبليات، حاله في ذلك حال اللغة حيث هي الأخرى تعمل ضمن وعاء مشترك قبلي قادر على فهم الجمل اللغوية وتوليدها بلا حدود، سواء كان ذلك يجري عير نظام الكفاية اللغوية كما أطلق عليه تشومسكي، أو عبر خرق هذا النظام بأداة" المتبقى" كما أطلق عليه لوسركل، لكن تظل القابلية الفكرية أعمق و أوسع مدى من القابلية اللغوية.[6]
- قانون تحكم فهم الكل بفهم الجزء:
تعدّ الجملة النصية وحدة أساسية يتشكل منها النص، وتتألف من ألفاظ وحروف، وبمجموعها تفيد المعنى التام، وعند تجزئتها لا تفيد هذا المعنى.لذلك تعتبر وحدة النص الأساسية، وفي الكلام" تعتبر وحدة الحديث" ، والأهم من كل ذلكأن بارتباط ألفاظها وحروفها يتحدد معنى كل جزء منها، أي أن فهم الكل للجملة النصية يسبق الأجزاء اللفظية ويعمل على تحديد معناها[7]، وهو ما قال به من قبل عبد القاهر الجرجاني " أي أن الكلمة ليس لها عطاء واضح في المعنى، بل يفهم المعنى الواحد ممن مجموع الكلمات التي ينتظمها الكلام، فلا تعرف الأغراض إلاّ من مجموع الكلام كمعنى حاصل." ...واعلم أن مثل واضع الكلام مثل من يأخذ قطعا من الذهب أو الفضة فيذيب بعضها في بعض حتى تصير قطعة واحدة، وذلك أنك إذا قلت ضرب زيد عمرا يوم الجمعة ضربا شديدا تأديبا له، فإنّك تحصل من مجموع هذه الكلم كلها على مفهوم هو معنى واحد لا عدّة معان كما يتوهمه الناس، وذلك لأنك لم تأت بهذه الكلم لتفيده أنفس معانيها وإنما جئت بها لتفيده وجوه التعلق بين الفعل الذي هو ضرب وبين ما عمل فيه والأحكام التي هي محصول التعلّق"[8]
- هذه رؤية النظرية التوليدية التحويلية، وهناك نماذج وتصورات لنظريات أخرى كالبنوية، وخاصة الوظيفية منها.[2]
المحاضرة4 ملكتا القراءة والكتابة
- مفهوم القراءة والكتابة
- أنواعهما
في هذه المحاضرة نستبدل مصطلح ملكة بمصطلح آخر يندرج في حقل الديداكتيك والبيداغوجيات وهو مصطلح مهارة، فمما هي المهارة عموما؟
- المهارة في اللغة مصدر مَهَرَ، يقل: مهر الشئي، ومهر فيه، ومهر به مهرا ومُهورا، ومهارا، ومهارة: إذا أحكم الشيء، والماهر: الحاذق بكلّ عمل" تهذيب اللغة للأزهري، 6/298. والقاموس المحيط للفيروز أبادي، 2/137.
وأما المهارة اصطلاحا فهي: الأداء المُتْقَن القائم على الفهم، والاقتصاد في الوقت والجهد المبذول
وعرفها رجاء محمد أبو علام من منظور سيكولوجي بقوله:" المهارة سلوك يتصف بالتكرار، ويتكون من سلسلة من الأعمال التي يتم أداؤها بطريقة ثابتة نسبيا[1]."
وهناك من اعتبرها ملكة، فعرفها بأنها قدرة توجد عند الإنسان بها يستطيع القيام بأعمال حركية معقّدة مع سهولة ودقّة وتكيّف مع تغيّر الظروف.
- وهناك من عدّها ضربا من الأداء يتعلم الفرد أن يقوم به بسهولة وكفاءة ودقة مع اقتصاد في الوقت والجهد، سواء كان هذا الأداء عقليا أو اجتماعيا أو حركيا."[2]
فالأداء اللغوي يشمل أداءات كثيرة من أهمها، الاستماع، والتحدّث، والقراءة والكتابة وغيرها...
والمهارات اللغوية تتجه كلها إلى إتقان اللغة في المواقف المختلفة وفي أشكال اللغة المنطوقة والمكتوبه.
ملكة "مهارة" القراءة:
القراءة من مجالات النشاط اللغوي المتميّز، فهي وسيلة الفرد وأداته في الدرس والتعلم وتحصيل المعرفة والتذوّق الأدبي، وشغل أوقات الفراغ، ووسيلة من وسائل التنمية الوجدانية والفكرية، وهي أهم وسيلة في نقل عقل وقلب الآخر إلينا. و أهمية القراءة تظهر بصورة جلية من خلال التوجيه الإلهي للرسول الكريم في قوله تعالى" اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم" سورة العلق: 5.
يقول البيداغوجيون عن القراءة بأنها" أم المهارات، لأن النص المقروء يتضمن مهارة التحدث، ويتضمن مهارة الكتابة، كما يتضمن مهارة الاستماع في القراءة الجهرية، بالإضافة إلى مهارات فرعية عديدة كالفهم والتمييز بين الحقائق والآراء، و إدراك الكليات، وتحديد الجزئيات، وتذوق المسموع، ويتضمن من مهارة التحدث سلامة النطق، وإلقاء خطبة أو قصيدة، أو إدارة حوار الخ...
مفهوم القراءة:
القراءة بمفهومها العام هي فن التعرّف على الرموز المكتوبة ونطقها،كما عرّفت بأنّها" مجموعة إدراكات رمزية لشيء مكتوب يمكن العودة إليه" ومن تعريفاتها" عملية عقلية تشمل تفسير الرموز التي يتلقّاها القارئ عن طريق عينيه، وتتطلب هذه العملية فهم المعاني والربط بين الخبرة الشخصية والمعاني، مما يجعل العمليات النفسية المرتبطة بالقراءة معقّدة إلى درجة كبيرة"[3]
يمكن تحديد تعريف آخر للقراءة" بأنها ترجمة لحروف مكتوبة إلى معان ذات دلالات على ضوء خلفيات ثقافية ولغوية. - وقد عرفتها الرابطة القومية لدراسة التربية في أمريكا بأنها " القراءة ليست مهارة آلية بسيطة، كما أنها ليست أداة مدرسية ضيقة، إنها أساسا عملية ذهنية تأملية وينبغي أن تؤخذ كتنظيم مركب يتكون من أنماط ذات عمليات عقلية عليا، إنها نشاط ينبغي أن يحتوي على كل أنماط التفكير والتقويم والحكم، والتعليل، وحل المشكلات"[4]
من خلال التعريفات المذكورة يتضح لنا أن عملية القراءة تشمل ما يلي:
- ترجمة الرمز المكتوبة إلى معاني منطوقة.
- تشمل رموزا مكتوبة، تتضمن هذه الرموز معاني في شكل رموز.
- تشمل القراءة جانبا نفسيا يتمثل في الاستجابات الداخلية لما هو مكتوب، وجانبا عقليا مرتبطا بالمعاني، واستنتاجات ناتجة عن العملية القرائية والحكم عليها.
متطلبات القراءة خاصة عند الكبار:
- مرحلة الاستعداد للقراءة.
- مرحلة البدء في القراءة، واكتساب المهارات الأساسية.
- مرحلة السرعة في القراءة" مرحلة الطلاقة"
- مرحلة المتابعة" النضج".
صنّف هاري ألبرت مهارات القراءة في عشرة جوانب هي:
1- الدقّة في الثروة اللفظية والاتساع الفني 2- القدرة على فهم الوحدات الفكرية والجمل والفقرات والمادة المقروءة كلّها. 3- القدرة على إدراك الإجابات على أسئلة خاصة. 4- القدرة على اختبار الفكرة وفهمها 5- القدرة على ملاحظة التفاصيل وتذكّرها. 6- القدرة على تنظيم خطة المؤلف 7- القدرة على فهم الحوادث وتتبعها 8- القدرة على تقويم المقروء 9- القدرة على تذكر المقروء والإفادة منه.
فوائد القراءة: للقراءة أهمية كبيرة لأنها أم المهارات كما أسلفنا الذكر، منها:
- مساعدة المتعلّم على حسن الأداء.
- مساعدة المتعلم على تمثيل معاني النص المقروء
- غرس حب المطالعة لدى المتعلم والولوع بها.
- تنمية الحصيلة اللغوية من مفردات وجمل وتراكيب.
- اكتساب المتعلم فهما لما يقرؤه ويطالعه.
- التدريب على قراءة أنواع الكتب الأدبية والعلمية.
- إتمام التدريب بما يحتاجه الدارس لتحقيق الدقّة والاستقلال في القراءة من خلال إثارة وتهيئة الدارس.
أنواع القراءة:
1- القراءة الصامتة أو السرية: هذه القراءة هي عملية فكرية داخلية لا دخل للصوت فيها، لأنها حل للرموز المكتوبة وفهم معانيها بسهولة ودقّة، وليس رفع الصوت فيها بالكلمات إلاّ عملا إضافيا".[5]
لا شك أن البصر والعقل هما العنصران الفاعلان في في هذه القراءة، وعلى هذا الأساس تسمى القراءة البصرية، وقد رسم لها البيداغوجيون خطوات لتدريسها يمكن تلخيصها فيما يلي:
- يمهد المعلم للدرس بمناقشة شفهية تتناول الكلمات التي يراد قراءتها، بحيث لا يرى التلاميذ هذه الكلمات في أثناء المناقشة الشفوية.
- تعرض على التلاميذ الأشياء والصور مع مراعاة ألاّ يلفظوا بأيّ صوت، وإنما ينظرون إلى الشيء أو الصورة ثم إلى الكلمات المكتوبة أسفلها، ويفكرون في المعنى حتى يتم الربط بين الرمز ومعناه على نحو مباشر.
-قد يلجأ إلى نظام البطاقات، والتي تعدّ من خير الطرق لتدريب التلاميذ على القراءة الصامتة، كأن يعرض المعلم البطاقة على التلميذ دون قراءتها ثم يقوم التلميذ بتنفيذ ما ورد فيها من تعليمات.
2- القراءة الجهرية:
هي عملية حركية عضلية يشترك فيها اللسان والشفة والحنجرة.، أو هي " القراءة الواعية التي نجهر بها بواسطة الجهاز الصوتي عند الإنسان ، بواسطة الجهاز الصوتي، فنسمعها ونُسمِعها للآخرين"[6]
خطوات تدرسها:
- تهيئة التلاميذ ذهنيا ونفسيا إثارة مشكلة يمكن حلها بقراءة الموضوع الذي تمّ اختياره، أو بإلقاء بعض الأسئلة المتصلة بأهداف الدرس.
- يقرأ المعلم النص كله قراءة سليمة مع مراعاة أن يكون معدل السرعة في القراءة مناسبا للتلاميذ.
- تقسيم الموضوع إلى جمل أو فقرات وفق محتواها، ولا يطلب من التلاميذ أن يقرأ كل منهم جملة أو فقرة وهكذا...
- تصحيح أخطاء التلاميذ أولا بأول بعد الانتهاء من كل جملة أو فقرة، وذلك عن طريق التلاميذ أنفسهم أو بواسطة المعلم إن عجزوا.على أن التصحيح منصبا على الأخطاء الصارخة.
- الاستعانة بما أمكن من الوسائل وخاصة الصبورة أو ما يحل محلها في الوسائل التكنولوجية الجديدة.
- بعد القراءة يناقش المدرس التلاميذ في الفكرة العامة للدرس، ثم الأفكار الرئيسية، ثم الأفكار الجزئية، ثم يتبع ذلك بنقد الموضوع وتقويمه.
- يقوم التلميذ بمساعدة الأستاذ بوضع أسئلة على الموضوع، والإجابة عليها لمعرفة مدى تحقق أهداف الدرس من هذا النشاط.
3- القراءة السماعية:
يرى بعض المربين أن الاستماع نوع من القراءة، لأنه وسيلة إلى الفهم وإلى الاتصال اللغوي بين المتكلم والسامع ، وقراءة الاستماع تخالف القراءتين السابقتين" الصامتة والجهرية" لأنها قراءة بالأذن تصحبها العمليات العقلية التي تتم في كلتا القراءتين قراءة قراءة العين" الصامتة" وقراءة اللسان " الجهرية.
وشروطها هي:
- حسن الإنصات – ومراعاة آداب السماع – والاهتمام بإدراك محتوى المقروء،- والإلمام بمجالاتها المختلفة ومواقفها المتعددة.
خطوات تدريس القراءة السماعية:
- مرحلة التحضير" حسن اختيار المادة المناسبة لمستوى التلاميذ" من قيم أخلاقية وحقائق علمية، وطرف أدبية الخ...
- مرحلة التنفيذ: تبدأ بتهيئة أذهان التلاميذ لدرع الاستماع، بمعنى جلب التلاميذ للاستماع ، والكشف عن طبيعة المادة وتحديد أبرز أهدافها، والاستمتاع بأحداثها ومواقفها.، والتهيأ للإجابة عن الأسئلة حولها.
- القراءة المسترسلة:
هي " تصحيح الأخطاء وتصويب لأدائهم، واحترام لعلامات الوقف" [7]
الهدف منها هو التعرّف على الأخطاء التي يقع فيها القارئ أثناء القراءات الفردية، وحصرها لغرض تصحيحها مثل حركات أواخر الكلمات، أو بنية الكلمة كالقلب المكاني وغير ذلك، والغرض منها عموما هو" التركيز على الأداء السليم وتصحيح الأخطاء باختفائها وذلك لتحقيق قراءة جيدة بدون أخطاء."
مظاهر الصعوبات القرائية:
مظاهر الصعوبات القراءة تظهر بشكل جلي في:
1- عيوب صوتية، حيث يعجز المتعلم عن قراءة الكلمات وبالتالي يعاني من عدم القدرة على الهجاء، كأن لا يقدر على التمييز بين الحركات القصيرة والطويلة، وعدم تمييز الحروف المشددة عن حدّها وغيرها من "ال" بنوعيها، وكذا عدم التمييز بين الأصوات المتقاربة مخرجا أو صفة، وكذا همزات الوصل والقطع وغير ذلك.
2- عيوب في القدرة على إدراك الكلمات ككل، فتجد التلاميذ ينطقون بكلمات في كلّ مرّة كأنهم يواجهونها لأول مرّة.
تطور مفهوم القراءة:
نظرا لتطور العلوم في عصرنا لم يعد مفهوم القراءة ينحصر في تمييز الحروف والكلمات، وجهر التلاميذ بها أمام المدرسين، هذا المفهوم الذي ما يزال سائدا في مدارسنا الإعدادية بخاصة. بل تغيّر هذا المفهوم ليتضمن إلى جانب ذلك عمليات عقلية متنوعة ومتعددة منها الفهم، والنقد، وإبداء الرأي، والحكم على ما يقدّم إليه وهذا هو التوجه الذي تنشده المناهج العالمية، والنظريات الحديثة، مع العناية بدراسات ومهارات واستراتيجيات تعليمها، ولعل الفضل يرجع إلى نظريات علم النفس حيث سيطر الفكر السلوكي على تعليم القراءة ومبادئها، كما أسهمت نظريات التعلم العقلي، وفيزياء المخ في تبيان أهمية العمليات الداخلية المعرفية التي أهملها السلوكيون، وقد ظهرت في آخر المطاف نظرية التلقي أو القراءة والتلقي التي أكّد أصحابها على مشاركة القارئ في النص لا تقف عند مهمة التفسير التقليدي الذي يؤدي بدوره في إلى الثنائية بينه وبين النص، أي يصبح القارئ عنصرا خارجا عن النص، ولكنه بالمشاركة في صنع المعنى يتحوّل التركيز من النص إلى سلوك القارئ، ويصير القارئ مبدعا آخر للنص القرائي.
سيكولوجية عسر القراءة " الديسلكسيا".
هي إحدى إعاقات التعلّم التي تصيب الفرد مبكرا كغيرها من إعاقات مرحلة النمو، وهي خلل أو قصور أو اضطراب في القدرة على الكتابة والقراءة.
عرفها مركز تقييم نمو الطفل التابع للمركز الطبي بجامعة أنديانا بأنها:" حالة قصور في القدرة على القراءة الصحيحة، بالدرجة التي يتقنها أقران الطفل من الذين هم في مثل عمره ومرحلته التعليمية، وتحدث نتيجة عوامل عضوية عصبية أو وراثية أثناء مرحلة النمو، نتيجة قصور في نمو الجهاز العصبي المركزي.
تعليمية القراءة:
لما كانت القراءة مفتاحا للتعلّم والتعليم، والسبيل إلى النمو العقلي والمعرفي، وهي لازمة للمرء في جميع ميادين الحياة، سواء للإنسان العادي أو المثقف أو العامل اليدوي، كان النمو الذي يحصل بفضل القراءة ضروريا جدا لمن يريد أن يساير تطور الزمن، لأن القراءة كما يقل الفيلسوف الانجليزي فرانسيس بيكون" تصنع إنسانا كاملا"، لذلك أصبح الاهتمام بتدريس القراءة من أولى أساسيات أهداف التربية والتعليم
مهارات القراءة:
- مهارة التعرّف، وهي الإدراك البصري للحروف، والقدرة على تحديد المكتوب ونطقه.
- مهارة الفهم، لأنها أساس عمليات القراء، لأن الفهم يعدّ عاملا أساسيا في السيطرة على فنون اللغة كلّها.
- مهارة السرعة في القراءة، لأنها تفيد الإنسان في حياته العلمية والعملية، ففيها يختصر الوقت اللازم للتعلّم، وتعطيه القدرة على الاستفادة من الكتب والمجلات والصحف في أقل وقت ممكن.
- مهارة الطلاقة" جودة الأداء" ، منها القدرة على التنغيم والتنويع في نبرات الصوت،لتمييز الأساليب والحال والمواقف.، والقدرة على التمييز بين أنواع الوقوف والتسكين لإتمام المعنى. والقدرة على التفريق بين الأصوات اللغوية المتشابهة.
ومهما تعددت المهارات، فإن القراءة في حدّ ذاتها مهارة يكتسبها الفرد ويعمل على تنميتها.
طرق تعليم القراءة:
من أهم هذه الطرق الطريقة التركيبية" الجزئية" -وهي التي تبدأ من أصغر وحدات ممكنة وتنتقل إلى الوحدات الكبرى وسميت بالتركيبية لأنها تقصد أولا إلى الأجزاء ثم إلى تركيب هذه الأجزاء لتكوين الكل - بشقيها الهجائية والصوتية،
والطريقة التحليلية" وتسمى بالطريقة الكلية" بشقيها طرقة الكلمة و طريقة الجملة ، وعبرها تُعرض على المتعلّم كلمات مما يسمعه ويستعمله في حياته، ثم يعلّم الكلمات صورة وصوتا، ثم ينتقل تدريجيا –بإرشاد المعلم- إلى النظر في كتابتها، كي يمكنه معرفتها ثانية، ويقدر على تهجيتها عند مطالبته بكتابتها، وهي البدء بالكلمات والانتقال منها إلى الحروف، وأساسها أن المتعلم يتعرّف على الكثير من الأشياء، ولكل منهما محاسنها وعيوبها، وهناك الطريقة المزدوجة والتي حاولت أن تجمع بين محاسن الطريقين الأوليين وتجنب عيوبهما.
ملكة الكتابة:
الكتابة هي مهارة يتعلمها المتعلم مثل كل المهارات بل عدّها الأقدمون صناعة لا بد من معرفة آلياتها وأسس بنائها وحسن تنظيمها، اعتنى بها القدماء والمحدثون ما زالوا يشتغلون على التعريف بها وبتقنياتها. فما هي الكتابة إذن؟
الكتابة هي نشاط اتصالي محمول من الكاتب إلى القارئ مبني على مجموعة من الأسس والمبادئ العامة التي تمثّل في جوهرها الغاية القصوى من استعمال اللغة.
ولا شك أن الكتابة أصعب من المشافهة، لأن هذه الأخيرة تقوم على العلاقة المباشرة بين المتواصلين، حيث يرى كل منهما الأخر ويجمعهما مقام واحد، والأحوال بينهما مبثوثة بيد أن الحال في الكتابة يختلف، لأن الكاتب يكتب لقراء لا يعرفهم وليست لديه في غالب الأحيان أي فكرة عنهم، ولهذا يتوجب عليه التخمين في فهمهم والتأثير فيهم بناء على معطيات نفسية واجتماعية وفكرية إنسانية وغيرها، ولذا يتطلب منه أن يكون منتجا للكلام وأن يكون مستقبله ومؤوله أي مستهلك إنتاجه قبل قراء منتوجه.
الأسس التي يقوم عليها الكلام المكتوب:
إن الحديث عن أسس منضبطة أمر صعب، ولكن نحاول أن نقدّم للمبتدئين بعض الأسس العامة التي تشكل ضوابط قاعدية. وهذه الأسس هي: الإعداد والتخطيط، والتصميم والبناء والصحة اللغوية والتنظيم وحسن الإخراج.
1- الإعداد والتخطيط: ويمكننا تسميته ب"التحضير من الوجهة الديداكتيكية" وفي هذه المرحلة وفيه يهيئ المنشئ" الكاتب" نفسه، ويختار مادته، ومراجعه، ويدون ملاحظاته وأفكاره. لأن هذه العملية تتلقفها عقول أخرى مختلفة تتوق إلى استمداد مادة مفيدة وماتعة في قالب مهيّإ سلفا على هندسة ومعمار لافت للآخر مادة وموضوعا وأسلوبا وفي النهاية محصلة إنشائية جديدة تظهر عن تميّز صاحبها.
2- التصميم: التصميم هو اختيار النموذج الملائم للموضوع وكذا الملائم لشريحة القرّاء، فالخاطرة مثلا تختلف فنيا عن المقالة وهذه الأخيرة تتميز عن الخطبة، فيما أن القصة على خلاف سابقاتها وهذا في كل أشكال التعبير النثري و الشعري، أو النماذج التي تجمع بين الفنّ الشعري والنثري، وبين الأدب والعلم والصحافة وغير ذلك.
ولعل هذا التصميم هو الذي جعل المبدعين يجددون من فترة إلى أخرى في فنون جديدة لم يعرفه المتقدمون.
3- البناء: البناء لا يختلف عن التصميم من حيث الوظيفة، ولكننا نفرق هنا بينهما بحيث يكون البناء لوصف ما يتصل بالنسيج اللغوي للموضوع، أي أن البناء هو ذلك الكساء من التراكيب والجمل والعبارات والفقرات والنص عموما في معماريته.
4- من أسس الكتابة الدّقة والقصد والتجديد والمباشرة في بساطة طبيعية لا تنافي العمق ولكنها تجافي الإغراب والغموض، والبساطة في الكتابة يقصد بها الوضوح الفني الذي تتراءى خلال النقاب الشفاف والظلام المضيء والعمق الصافي.
ومن أهم شروط الأسلوب" الأسلبة كما يحلو للبعض" التلاؤم وهو فن الصياغة في تركيب الألفاظ ، ومحصلته "أن الفن يجب أن يخفي الفن" أي يُتذَوَّق ولكنه صَعْب التحديد.
5- الصحة والسلامة اللغوية: أي أن يخرج النص للقارئ خاليا من كل العيوب وفي كل المستويات.
والخلاصة: هي أن الأدب ليس – فقط- معرفة الكتابة والإملاء" ولكنه موهبة ودراية، موهبة تكثّف وتلهم وتسدّد ونعيّن، ودراسة تمدّ الكاتب بحصيلة كبيرة من الثقافة الأدبية والثقافية والإنسانية تقوي وسيلته، وتشحن أسلوبه، وتشكل اتجاهه، وتكوّن موضوعاته، حتى الذوق هو موهبة طبيعية تختلف في الناس وفي الأجناس وتحتاج إلى المران بالدرس والعادة.[8]
مقطع من كتابة بها إيجاز:
قال معاوية لعائشة بنت عثمان، وهي تثيره على قتلة أبيها " يا ابنة أخي إنّ الناس أعطونا طاعة وأعطيناهم أمانا، وأظهرنا لهم حلما تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد، ومع كلّ إنسان سيفه، وهو يرى مكان أنصاره، وإنْ نكثنا نكثوا بنا، و لا ندري أعَلَيْنا يكون أم لنا؟ ولَأَنْ تكوني ابنة عمّ أمير المؤمنين خير من أن تكوني امرأة من عراض المسلمين."
ففي هذا النص الموجز بلاغة كتابة وفضل بيان لأن " للكلام غاية ولنشاط السامعين نهاية، وما فضل عن مقدار الاحتمال ودعا إلى الاستثقال والملال، فذاك الفاضل هو الهذر، وهو الخطل وهو الإسهاب الذي سمعت الحكماء يُعَيِّبونه."
كفايات التدريس" المفهوم والتدريب والأداء" سهيلة محسن كاظم الفتلاوي، دار الشروق، عمان ط:1 2003، ص: 25.[2]
[3]- انظر ندوة تطوير أساليب متابعة الدارسين المتحررين من الأمية، مطبوعات الجهاز العربي لمحو الأمية، بغداد، 1981، ص: 41.[3]
المحاضرتان 5و6 نظريات التعلم
النظرية السلوكية والنظرية المعرفية
تمهيد.
من أهم الموضوعات التي تدرسها اللسانيات التطبيقية نظريات التعليم والتعلّم بكل اتجاهاتها المختلفة، ولعل من أهم هذه النظريات – واعتمادا على التسلسل الزمني- النظرية السلوكية بكل اتجاهاتها.
وقبل البدء في تناول هذه النظرية، حري بنا أن تتعرف على مفهوم النظرية في إطار مفهوم نظرية المعرفة، أو العلم." النظرية في العلم هي تفسير رياضي أو منطقي، أو هي نموذج لطريقة التفاعل بين مجموعة من الظواهر الطبيعية قادرة على التنبّؤ بالأحداث المستقبلية وبملاحظات من نفس هذا النوع، وقابلة للتثبّت، إذ يجري اختبارها من خلال التجربة، أو على الأقل يمكن دحضها عبر الملاحظات التجريبية وينتج عن هذا التحديد أن النظرية العلمية والواقع ليسا متعارضين بالضرورة، فعلى سبيل المثال سقوط التفاحة هو واقع، ونظرية نيوتن في الجاذبية تفسير لسقوط التفاحة.
وهكذا فالنظرية في العلم تشير إلى الفهم المفسِّر لعدّة أحداث طبيعية، والفهم المدعوم بحقائق تجريبية ثم جمعها عبر الزمن، كما تمكّن النظرية العلماء من القيام بتوقعات تتعلّق بظواهر لم يتمّ ملاحظتها بعد."[1]
وعرفت النظرية،- والنظرية اللسانية واحدة منها-[2] أيضا بأنها" بناء عقلي يتوق إلى ربط أكبر عدد من الظواهر الملاحظة بقوانين خاصة تكوّن مجموعة متّسقة يحكمها مبدأ عام هو مبدأ التفسير، ويمكن تمثّلها كمجموعة من المفاهيم الأساسية ومجموعة من المسلمات تستنتج منها النتائج التفسيرية للنظرية."بة للظواهر عن طريق تحديد علاقات بين المتغيرات بهدف التوضيح" الفهم" والتنبؤ بتلك الظواهر"[3]
أو هي مجموعة من المفاهيم المترابطة ببعضها البعض والتعاريف والفرضيات التي تقّم وجهة النظر المنظّمة بالنس
وظائف النظرية: للنظرية وظائف عديدة منها:
- السماح بتنظيم ملاحظاتنا، والتعامل ذي المعنى والهادف مع المعلومات المتناثرة والمبعثرة وعديمة الفائدة.
- تمكننا النظرية من ملاحظة العلاقات بين الحقائق، والتضمينات غير الواضحة التي لا يمكن ملاحظتها مبعثرة.
- تثير النظرية التحقق العلمي حول العديد من مظاهر السلوك الأخرى، والتي هي في الغالب مظاهر محيّرة ومعقدة، ولذلك فهي تثير العلماء للتحقق أو اكتشاف او تعليل هذه المظاهر.[4]
- مفهوما التعلّم والتعليم:
التعلّم:
هو تغيّر في سلوك تعامل الفرد مع موقف محدّد باعتبار خبراته المتكرّرة السابقة في هذا الموقف، وعرّف أيضا بأنه مفهوم وعملية نفس تربوية تتم بتفاعل الفرد مع خبرات البيئة وينتج عنه زيادة في المعارف، أو الميول أو القيم أو المهارات السلوكية التي يمتلكها، وقد تكون الزيادة ايجابية كما يتوقعها الفرد أو قد تكون سلبية...
- والتعلّم نفسيا واجتماعيا ومعرفيا هو راحة واطمئنان، واثبات الذات واحترامها.
- التعليم:
هو عبارة عن أفعال الاتصال والقرارات المصنوعة بشكل مقصود أو منظّم، ليتم استغلالها وتوظيفها بكيفية مقصودة من طرف شخص أو مجموعة من الأشخاص يدخلون وسيطا في إطار موقف تربوي تعليمي.، كما عرّف بأنه: "عبارة عن عملية تفاعل بين المعلّم وتلاميذه في غرفة الصف، أو في قاعة المحاضرات أو في المختبرات."
نظريات التعلّم والتعليم: تصنّف نظريات التعلّم في ثلاث مجموعات كبرى،هي: نظريات التعلّم السلوكية، ونظريات التعلّم المعرفية، ونظريات التعلّم العقلية أو الفطرية.، ولكل نظرية من هذه النظريات منطلقاتها الخاصة بها لتفسير عملية التعلّم والتعليم.
1- نظريات التعلّم السلوكية:
تعدّ النظرية السلوكية أقدم النظريات تذهب إلى أن المعرفة تنبع من التجربة والتطبيق من خلال دراسة سلوك الكائن بعناية في مختبر محكم، ويتم الربط بين السلوك والعوامل البيئية في علاقات محددة، وتسلّم بأنه لا استجابة من دون مثير، وبأن التعلم يحدث نتيجة لحدوث ارتباط بين المثير والاستجابة، فمثلا يتعلم الطفل اللغة عن طريق حدوث ارتباطات بين الألفاظ والأشياء التي ترمز لها هذه الألفاظ، فالتعلّم هو عملية تكوين عادات، فهذا ثورندايك يعرّف الموقف التعليمي على سلسلة من التغيرات في سلوك الإنسان..
- النظريات السلوكية فئتان، هما النظريات الارتباطية وتضم عدّة نظريات من بينها نظرية الاشراط الكلاسيكي لبافلوف، ونظرية الاقتران لجثري، ، ونظرية الحافز لـ"هل".
والفئة الثانية تتمثل في النظريات الوظيفية ، وتضم ونظرية المحاولة والخطأ لثورندايك "، ونظرية الاشراط الإجرائي لسكنر" التعلّم الإجرائي"، وتركز على الوظائف التي يؤديها السلوك مع الاهتمام بعمليات الارتباط التي تتشكل بين المثيرات والسلوك.
نظرية بافلوف "ت: 1936" " الاشراط الكلاسيكي، تعتمد على المبادئ التالية:
لقد كان لأفكار بافلوف أثر بالغ على نظريات التعلم، ومن أهم هذه الأثار:
- توليد الكثير من الأبحاث التجريبية لاختبار صحة مفاهيمها على مختلف الحيوانات والإنسان من الفئات العمرية المختلفة.
- تحويل فكرة الارتباط العامة في التعليم من خلال استخدام مبادئ الاشراط إلى مجال دراسة تقوم على أسس كمية.
- نجاحه في جعل المنعكس الاشراطي على أنه الوحدة الأساسية الملائمة لدراسة كل أنواع التعلّم.
- المساهمة في توضيح العلاقة بين نظريات التعلّم وما يعرف بنظريات العلاج النفسي.
- نظرية الاقتران لأدون راي جثري"ت: 1959".
عملية التعلم عند جثري تتمثل في تقديم منبهات" مهمات تعلّم" المتلازمة ذات استجابات محددة متلازمة بوجه عام، فيعمد المتعلّم بنفسه أو بمساعدة وتوجيه المعلّم إلى تعلمها وتحصيلها على شكل مجموعات متجانسة من المنبهات والاستجابات المتلازمة.
وكان لهذا العالم مواقف واضحة من بعض مشاكل التعلم من أهم مفاهيمها: الكفاءة والتدريب والإثارة" التشويق"، والفهم والانتقال والنسيان.[5]
النظريات السلوكية الوظيفية:
-نظرية الاشراط الإجرائي لسكنر:
تعتبر من أهم النظريات السلوكية و من أهم مفاهيمها التّعلم الإجرائي " وهو يشير إلى جميع الاستجابات الإرادية المتعلمة التي تصدر عن الفرد على نحو إرادي في المواقف الحياتية المتعددة، فهو يشمل كافة الأنماط السلوكية التي تؤثر في البيئة وتحدث تغيّرا فيها، حيث أن أغلب أنماط السلوك تختلف عن نمط التعلم الإستجابي، فهي من الاشراط الإجرائي حيث تكون الاستجابة غير محددة، وإنما هي إجرائية، لأنه لا يوجد مثير معيّن استدعى الاستجابة الإجرائية.[6]
مبدأ التعزيز: هو العملية السلوكية التي تعمل على تقوية السلوك، وفي هذه العملية يتبع مثير بيئي ما" حدث شيء خبرة" السلوك مباشرة بعد حدوثه، فيؤدي ذلك إلى زيادة احتمالات حدوث ذلك السلوك في المستقبل في المواقف المشابهة، ويسمى المثير البيئي الذي يحدث بعد السلوك فيؤدي إلى زيادة احتمالات حدوثه ثانية بالمعزّز، والمعززات نوعان أولية أو غير اشراطية، وهي غير متعلمة كالطعام، الدفء والهواء والمعززات الثانوية أو الإشراطية وهي متعلّمة، بمعنى أنها تكون في البداية مثيرات حيادية لا أثر لها على السلوك، ولكنها من خلال عمليات الإشراط تكتسب خاصية التعزيز ومن أنواعها: المعززات المادية الطعام الألعاب، الملابس المكافآت النقدية، والمعززات الاجتماعية، قد تكون لفظية كالثناء والمدح، وقد تكون غير لفظية كالابتسام والتصفيق والاهتمام والحب والرعاية، وهناك المعززات الرمزية مثل العلامات الرموز الصور، والمعززات النشاطية كقراءة القصص الممتعة والترفيه، والنشاطات الرياضية، والزيارات...
- التعليم المبرمج:
هو ذلك النوع من الخبرة التعليمية التي يحل فيها برنامج محل المعلم فيقود الطالب إلى مجموعة من السلوكات المقصودة والمتتابعة.وبطريقة أخرى هو أن يتعلم الطالب ما قصد البرنامج تعليمه عند وضعه.
التطبيقات التربوية لنظرية الاشراط الاجرائي:
- من أهم تطبيقاتها استخدام التعليم المبرمج، حيث يعد أهم الأساليب الهامة في التعلم الذاتي الذي يعتمد على التعزيز الفوري للاستجابات، وقد يتم بواسطة كتاب مبرمج أو حاسوب.
- يعمل على تشكيل الاستجابات الملائمة لجعل الأطفال ينطقون ويكتبون على نحو سليم.
- التركيز على استخدام التعزيز الايجابي وهو يفوق أثرا التعزيز السلبي أو العقابي.
- ضبط المثيرات المنفرة في غرفة الصف وتقليلها حتى لا يلجأ المعلم إلى استخدام العقاب.
ثانيا نظريات التعلّم المعرفية:
وتضم عدّة نظريات منها النظرية الجشطلتية[7] وهي التي ثارت على النظريات الميكانيكية والترابطية، مؤسسها فرتيمر "1880-1943"، ولها نظريات شقيقة منها المدرسة الكلية،ونظرية الطبقات، وترى هذه النظرية أن النفس ليست أكثر من من المجموع الكلي لأجزائها المكوّنة لها" والمتمثلة في الأحاسيس والمشاعر وغيرها".
وفلسفتها مبنية أيضا على فكرة أن الصورة الألية الارتباطية الحاملة للنفس البشرية لا تعبّر بحق عن الطبيعة الفنية الخلاقة ذات الطبيعة المعقدة التنظيم للعمليات والحوادث العقلية. ولذا انصب اهتمام هؤلاء على سيكولوجية التفكير" وهو غالبا عملية ما تظهر خصائص لا يمكن تفسيرها تفسيرا مناسبا لمجرد النظر في الأجزاء فحسب."
وقد ركزت أيضا على حل المشكلات والإدراك والجماليات والشخصية وعلم النفس الاجتماعي.
وقدّمت للتعلم الكثير، والتعلّم عندها هو "قدرة على رؤية الأشياء أو ادراكها كما هي على حقيقتها...وهو أيضا الانتقال من موقف غامض لا معنى له إلى موقف في غاية الوضوح[8]، لأن الأساس في التعلّم هو: الفهم والاستبصار والإدراك. التنظيم والمعنى والانتقال.وهي تمثل قضايا هذه النظرية الأساسية.
وأما فرضياتها فهي:
- التعلّم يعتمد على الإدراك الحسي.
- التعلم يعطيه قدره وجوهره.
- التعلم يعنى بالوسائل أي " ماذا يؤدي؟ وإلى ماذا؟".
- الاستبصار يتجنب الأخطاء الفنية.
- الفهم يمكن أن ينتقل إلى مواقف جديدة.
- التعلم الحقيقي لا ينطفئ " لا يُنسى".
- الاستبصار هو مكافأة التعلم به.
التطبيقات التربوية لنظرية الجشطلت: يمكن تطبيق هذه النظرية في عدة نواحي منها:
- مبدأ التعلم عن طريف الفهم وليس الحفظ والاستظهار.
- توجيه المتعلّم نحو تحقيق الاستفادة من المعرفة وتطبيقها في المواقف الجديدة.
- تعليم الكتابة والقراءة للأطفال الصغار، حيث يفضل إتباع[9] الطريقة الكلية بدلا من الطريقة الجزئية، أي البدء بالكلمات ثم الأصوات.
- يعتمد التفكير في حل المشكلات باستخدام النظرية الكلية عن طريق حصر المجال الكلي للمشكلة.
ثانيا: نظرية التعلم المعرفية.
من أهم النظريات المعرفية النظرية البنائية" التكوينية" و"النمائية" لبياجييه، والنظريات المعرفية تثير التساؤلات التالية: كيف يتعلّم المرء معارفه؟ وعم يختلف فرد عن آخر في معارفه بالرغم من أنهما يخضعان لنفس الظروف التعليمية؟
نظرية بياجييه تؤكد على أهمية البيئة المعرفية كعمليات اجرائية عقلية في العملية التعليمية"
أهم مفاهيم نظرية بياجييه هي: مفهوم النمو عنده اتخذ بعدا بنويا – لا ميكانيكيا- فهو يظهر في شكل أبنية جديدة.
مفهوم التعلّم: يرى بياجييه أن التعلم الحقيقي والذي له معنى هو" الذي ينشئ التأمل أو التروي، فهو ينبع من أفكار المتعلّم ذاته، فهو بهذا الفهم قد تعلّم في الواقع أكثر من مجرد الاستجابة للمثير الخارجي"[10]
2- المعرفة:
اهتم بأصل المعرفةن والكيفية التي من خلالها تتطور مثل هذه المعرفة، وقد أدرك -بفضل تخصصه في البيولوجيا- أنه بإمكانية توظيف مفاهيم ومبادئ علوم الأحياء لدراسة النمو المعرفي لدى الأفراد، وقد انصب على تبيان كيفية إدراك الطفل للعالم، والطريقة التي يفكر من خلالها بهذا العالم.، وهو يميز بين نوعين من المعرفة، المعرفة الصورية "الشكلية" والمعرفة الإجرائية. فالمعرفة الأولى يتعرف عليها من الشكل العام للمثيرات، وبذلك فهي لا تخضع للمحاكمة العقلية، وأما المعرفة الإجرائية فهي تنبع من المحاكمة العقلية، والتي تدرك عن طريق الاستدلال.
وقد تناول مختلف عوامل النمو العقلي والمعرفي في نظريته، وحدده فيما يلي:
1- النضج، وهو عامل من عوامل الارتقاء والنموّ، وتظهر في شكل مراحل على نحو متسلسل ومنتظم.
2- الخبرات الاجتماعية. يؤدي النضج إلى الزيادة على التفاعل الاجتماعي مما يؤدي إلى اكتساب الخبرات من الآخرين، ويشمل هذا التفاعل: التفاعل الفكري والثقافي والإبداعي عموم.
3- الخبرات الفيزيائية: وتظهر بصورة جلية عند الطفل بين أقرانه، حيث يكون أسبق منهم في الانتقال من مرحلة إلى أخرى" وتتمظهر في العمل العضلي، والخبرة المنطقية الرياضية. والطفل عندما يفاعل بين الخبرة والنشاط يحصل معرفة جديدة تؤثر تأثيرا حاسما على مراحل نموّه المعرفي التي يمرّ بها.
4- عملية التوازن، وهو نجاح الفرد في توظيف إمكانياته مع متطلبات البيئة حوله"، فهو يرى- بياجييه- أن هذه الآلية هي التي توازن بين العوامل الثلاثة السابقة، ومن خلال عملية الموازنة "يستطيع الإنسان تنظيم المعلومات المتنافرة في نظام معرفي غير متناقض، وهي لا تنجم ممّا يراه، بل إنها تساعده على فهم ما يراه."[11]
- التطبيقات التربوية لنظرية بياجييه:
1- أن يتناسب المنهج الدراسي" المعرفي" مع المرحلة الدراسية له، وذلك حتى يسهل عليهم تصورها، وبالتالي فهمها.
2- أن يكون المعلم على علم بخصائص التفكير لكل مرحلة، وذلك أن إعداد المعلم بيداغوجيا يساعده على تقديم المادة العلمية الصحيحة، وأن يتعرّف على المراحل العمرية لتلامذته، و أن يعطي كل فرد على قدر حاجته، وقدرته.
3- التنوع في طرق التدريس حسب مراحل العمر، ففي بعضها يحسن تقديم المحسوسات، وفي مراحل أخرى تحسن المجردات، أو المزج بينهما، وهكذا.
4- الوقوف على خصائص النمو المعرفي ومراحله يؤدي إلى تمكين المعلم من اختبار ومعرفة طبيعة تفكير الطفل.
5- القصد من التعلم هو الكشف عن الطرق التي تحكم تفاعل الأطفال مع بيئاتهم، لإشباع التلاميذ الرضى في حياتهم.
6- التطبيق الصحيح لغرض المواءمة بين إمكانيات الطفل السلوكية والإجراءات التدريسية.
نقد النظرية:
على الرغم من الجوانب الإيجابية التي عرفتها هذه النظرية مساعدة مخططي التربية والمناهج التربوية للاستفادة من فلسفة تربوية تأخذ بعين الاعتبار أهمية التجديد والشمول والتكامل شكلا وموضوعا، وما قدمته من مفاهيم الذكاء والقدرات العقلية وخصائص المراحل العمرية إلاّ أنها تعرضت لبعض النقد منها أن العيّنات التي بنى عليها دراساته كانت قليلة وانتزعت من بيئة واحدة وهي سويسرا، ولم توسع على بيئات أخرى كإفريقيا وآسيا، وأن معظم ملاحظاته أخذها من عيّنة أبنائه داخل بيته لمدة 25 سنة.
المراجع التي تدعم المحاضرة:
- نظريات التعلم والتعليم وتطبيقاتها في غرفة الصف، لفؤاد طه الطلافحة.
- نظريات التعلم والتعليم، لإيمان عباس الخفاف.
- المرجع في علوم التربية، لعبد القادر لوسي.
- طرق تدريس العلوم، صلاح الدين وصيف العمرية.
نظريات التعلّم، عالم المعرفة دراسة مقارنة، مترجم، أكتوبر 1983.-
- مقال الابستيمولوجيا التكوينية للعلوم، عبد الرحمان محمد طعمة، مجلة اللغة العربية، العدد: 38ن الثلاثي الرابع 2017،ص:33 وما بعدها[1]
- ينظر اللسانيات واللغة العربية، عبد القادر الفاسي الفهري، منشورات عويدات بيروتباريس، ط:1 1985،ص: 13.[2]
- نظريات التعليم والتعلّم وتطبيقاتها في غرفة الصف،فؤاد طه الطلافحة، دار الاعصار العلمي، ط1 2014 الأردن، ص:19.[3]
2- الفرق بين الإشراط الكلاسيكي والإجرائي الوسيلي، أن الأول يقوم على عملية الإقتران بين المثير الشرطي والمثير الطبيعي، ويقدم المثير الطبيعي هنا معززا، أما الإجرائي فهو يقوم على تهيئة ظروف معيّنة تصدر خلالها استجابة يقدم التعزيز بعدها، أي أن الإقتران قائم بين الإستجابات والتعزيز اقتران بين الأفعال والتعزيز.، والاستجابات في الأول" التقليدي" فسيولوجية تلقائية لا إرادية، مثل إسالة اللعاب، أما استجابات الوسيلي فهي إرادية في الكائن الحي وعن قصد منه.[6]
- الجشطلت تعني في الألمانية " الصيغة – النموذج- الهيئة- النمط- البنية- الكل المنظم أو الكل المتسامي"[7]
المحاضرة 7 النظرية البيولوجية-العقلية
وتسمى هذه النظرية بالفطرية، وكذا النظرية اللغوية، ويعدّ تشومسكي العالم اللساني الأمريكي[1] رائد هذه النظرية، وقد اعتمد في بناء نظريته هذه على أفكار العالم الشهير ديكارت، وكذا أفكار النحاة الجدد وخاصة فان همبولت.
وقد كانت انتقاداته للنظرية السلوكية مثارا لهذا التيار الجديد الذي احتل مكانة بارزة في خضم الدراسات اللسانية المعاصرة، فقد رفض أفكار السلوكيين رفضا قاطعا، لأنّه يرى أنها قائمة على اعتقادات أولية وقاصرة عن تفسير الكثير من المسائل اللغوية، كما أن السلوكية غير قادرة على تفسير السلوك اللغوي، والعجز عن الوصول إلى البنى العميقة للغة.
لذا كانت نظرتهم تختلف عن السلوكيين، حيث ردّوا مسألة اكتساب اللغة عند الطفل إلى العقل، لأنه هو القادر على تفسير ظاهرة اكتساب اللغة، فالعقل البشري بما يتميّز به من قدرات جبارةفهو الظاهرة الفريدة التي لا يصعب عليها أمر مهما صعب.
خصائص النظرية العقلية:
1- يرى تشومسكي أن هناك حقيقة عقلية تكمن ضمن السلوك.
مسار الاكتساب اللغوي لدى تشومسكي:
من أهم الأفكار التي جاء بها في نظرية الاكتساب اللغوي ما يلي:
1- يكتسب الطفل لغة البيئة التي يترعرع فيها، أي أنّه غير مهيّأ لاكتساب لغة دون أخرى.
2- لا يكتسب الطفل اللغة فحسب، يل يمتلك كلّ ما تتيحه له بحيث يمتلك فنيات وتقنيات التواصل والتبليغ.
3- يكتسب الطفل اللغة عبر سماع جملها ومحاولة النطق بها، فهو مستقل بذاته في مسار اكتسابه للغة، بحيث لا يحتاج لمن يلقّنه إيّاها.
4- يتم اكتساب بنى اللغة على نسق واحد بالنسبة لجميع الأطفال الأصحاء، أي غير المصابين بعاهة ما تحوّل نموهم الطبيعي، ونركّز هنا على صحّة العقل.
5- ينطق الطفل السويّ في حوالي السنة الأولى من عمره بكلمات مفردة غير منظمة في نسق تركيبي، وفي السنة والنصف إلى السنتين يعمل على تركيب هذه الكلمات في جمل مكوّنة من كلمتين أو ثلاث كلمات، وأمّا في السنة الرابعة يمكن أن نقول إنه قد امتلك بنى لغته بمجملها.
وبناء على هذه النقاط " المعطيات" يمكن القول بأن تشومسكي يرى أن الإنسان مزوّد بقدرات تميّزه عن غيره من الكائنات، وأنّ أعظم هذه القدرات قدرته على الكلام والتواصل عبر نظام معقّد ومنظّم يدعى اللغة، والتي تعتبر صورة معبّرة عن مدى تطوّر وتعقيد العقل البشري.
انطلاقا من هذه الأفكار يستلهم تشومسكي فكرتها القاضية بكون الجانب الإبداعي للعقل البشري، وجملة المبادئ العقلية قادران على تفسير مسارات وآليات الاكتساب اللغوي بحيث يرى أن الطفل يولد وهو مزوّد بقدرات فطرية تمكّنه من تقبل المعلومات اللغوية، ومن ثمّ بناء وتكوين بنى اللغة.
استطاع تشومسكي أن يقدم نظرية تفسّر عملية اكتساب الطفل للغته" باعتبار هذه العملية التي هي في جوهرها عملية ذهنية معقّدة، بحيث يسعى لا شعوريا إلى اكتشاف النظام الذي يحكمها حتى يبني تنظيمه اللغوي، وذلك بالاستناد إلى عمليات ذهنية تتماشى ونموّه الإدراكي، بالإضافة إلى المادة اللغوية المحيطة قواعده الخاصة، وبهذا يشكّل قواعده الخاصة التي تتيح له التواصل مع أفراد مجتمعه، ويرى تشومسكي" اكتساب الطفل للغة مرهون باكتشافه لما يشكل نظرية عميقة ومجردة تتمثّل في النحو التوليدي .
وممّا سبق ذكرة نستنتج أن تشومسكي يرى أن الاكتساب اللغوي قائم على توصل الطفل إلى اكتشاف الأدوات التي يبني من خلالها نظريته الخاصة، أو نحوه الخاص الذي يكون- بطبيعته- غير مطابق للغة الكبار أو نحوهم في بادئ الأمر، وسببه قلّة معطياته، وتدنّي نوعيته دليل على أن الطفل غير مزوّد بأي معلومات مسبقة حول هذه اللغة بعينها، أي أنه قادر على اكتساب غيرها... فهو مهيّأ لاكتساب أية لغة إنسانية انطلاقا من المادة اللغوية المتوفّرة في بيئته بكل ما يعتريها من نقص، ويرى تشمسكي أن الطفل مزوّد بما سمّاه بالكليات، وهي قواعد مشتركة بين اللغات الانسانية.
وقد وضّح مارك ريشل هذه العملية –الاكتساب اللغوي- بقوله " يبتكر الطفل التمييزات ويقوم بتطبيق الفرضيات، ويمتلك نظرية لغوية معقدة ويقوم بتطبيقها، وسماع الطفل اللغة التي يكون بإزاء اكتسابها يجعله يكتشف تدريجيا أن الفرضيات التي صاغها قد تتوافق مع معطيات اللغة، وقد لا تتوافق وإيّاها، فيقبل وبصورة لا شعورية فقط تلك التي تتيح له اعتماد التفسيرات الصحيحة حول اللغة الهدف، وفي هذه المرحلة يمكن القول إنه قد امتلك قواعد لغته.
إضافات هامة للنظرية اللغوية:
إنّ نظرية تشومسكي مبنية أساسا على حجج بيولوجية مقدّمة من قبل "لنبرق" الذي حاول الجمع بين العلوم اللغوية والعلوم الطبيعية، أو بعبارة أخرى إعطاء طابع علمي بيولوجي للعلوم اللغوية، وقد ثمّن تشومسكي هذه الأفكار ليصل بنظريته إلى منعطف آخر اتسم باستخدام المنطق.
وأما في مجال علم النفس فيعدّ "ماكنيل" من اهم المدافعين عن النظرية الفطرية وتقوم حجته على أنّ القسم الأكثر تجريدا في اللغة هو أول ما يظهر في مسار التطوّر، وقد أدى التحليل الذي قام به إلى اعتبار أن أوّل الأقوال التي يتلفظ بها الأطفال قريبة جدا من البنى العميقة الموصوفة من قبل النحو التوليدي التحويلي، وهو ما يستلزم امتلاك الطفل مخططات أو بنى مجرّدة يطبقها على المعطيات اللسانية التي يمكن أن يتعرّض لها، وهو ما يسمح له ببناء ملكة نحوية. وهذا يعني من منظور هؤلاء النفسانيين ذوي النزعة التشومسكية أن" الكليات الفطرية موجودة في ميكانيزم الاكتساب اللغوي الذي سمّاه LANGAGE ACQUISITION DEVICE
الملكة اللغوية:
إن المفهوم التقني للملكة يعني القدرة التي امتلكها المتكلم المثالي على دمج الصوت والمعنى، وذلك بمراعاة قواعد اللغة، يقول تشومسكي:" إن المصطلح التقني للملكة يعني قدرة المتكلم المثالي على الجمع بين الصوت والمعنى في حدود ما تسمح به لغته، كما أنّ النّحو على اعتباره نموذجا مثاليا للملكة يقيم علاقة معيّنة بين الصوت والمعنى أي التمثيلين: الصوتي والدلالي"[2]
وقد قدم لنا نموذجا للتأدية في الشكل التالي:
خصائص النظرية العقلية: من أهم خصائصها العامة:[3]
1- يرى تشومسكي أن هناك حقيقة عقلية تكمن ضمن السلوك.
2- كلّ أداء فعلي للكلام يخفي وراءه معرفة ضمنية بقواعد معيّنة.
3- اللغة هي نظام اتصالي مفتوح غير مغلق، كلّ من يكتسب هذا النظام يكون بإمكانه إنتاج جمل لم يسبق له استخدامها وسماعها وفهمها فهما جيدا.
أهم مبادئ النظرية العقلية:
1- اكتساب اللغة، هذا المبدأ دحض به تشومسكي الفكرة التي كانت سائدة عن السلوكيين، وهي: التمثيل القياسي لملاحظة أنماط الجمل الحاصلة من التعبيرات التي يسمعها الطفل ويفهمها، وهذا ما يفضله أنصار هذا المذهب، معلنا هذا العالم بأن:
- اكتساب المعرفة اللغوية يعتمد على نموذج فطري خاص بالإنسان دون غيره من الكائنات، حيث نادى هذا العالم بـ" أن الطفل يولد مزوّدا بقدرات فطرية تؤهله لتقبل المعلومات اللغوية، ولتكوين بنى اللغة، أي أنّ له قدرة على تكوين قواعد لغته من خلال الكلام الذي يسمعه، فهو يمتلك بطريقة لا شعورية القواعد الكامنة ضمن المعطيات اللغوية التي يسمعها.
ولأجل هذا قام تشومسكي بتحليل المعرفة اللغوية إلى أربعة عناصر تغطي تلك المعرفة من خلال طرح التساؤلات التالية:
1- ما الذي تتألف منه المعرفة اللغوية؟
2- كيف تُكتسب معرفة اللغة؟
3- كيف تُستخدم معرفة اللغة؟
4- ما العمليات التي تدخل في تمثيل هذه المعرفة واكتسابها؟
2- فطرية اللغة: "أي أن اللغة ملكة"، تعتقد هذه النظرية بأن اللغة ترتكز على مخزون غني من المبادئ والأفكار الفطرية، أين تمّ الربط بين عملية الاكتساب والنضج البيولوجي.
3- النحو العام" النحو الكلّي": ويقصد به أنّ المتكلّم يعرف مجموعة من المبادئ العامة التي تنطبق على كل اللغات، وعلّل تشومسكي فكرة النحو العام بالسهولة التي يكتسب بها الأطفال اللغة الأم، وهذه القواعد الكلية هي التي تقوم بضبط الجمل المنتجة كما يختار هذا المتكلم من القوانين اللغوية ما يتصل بلغته من قواعد وقوالب، وهذه الأطر الكلية العامة الموجودة في ذهنه متساوية عند جميع البشر، وتكون في الإنسان منذ ولادته، ثم يقوم بملئها بالتعابير اللغوية من المجتمع الذي يعيش فيه، فتنضج وتقوى بالتدريج....وهكذا بطول الوقت وكثرة التجربة والتواصل يزداد نموّه الداخلي التنظيمي للقواعد الكلية في ذهنه.
3- القدرة اللغوية/ الأداء اللغوي.
القدرة هي معرفة الإنسان الضمنية باللغة، أو هي بالأحرى معرفة الإنسان الضمنية بقواعد اللغة التي تقود عملية التكلّم بها، أي القدرة على إنتاج الجمل وفهمها، وهذه القدرة تمتلك القدرات التالية:
- إنتاج عدد لا حدّ له من الجمل وإدراكها من الناحية الفطرية.
- تمييز الجمل الصحيحة من غيرها.
- فهم الجمل.
- تمييز الجمل التي يكون بعضها صياغة جديدة للبعض الآخر.
4- إبداعية اللغة: ويقصد بها القدرة التي تجعل أبناء اللغة الأم قادرين على إنتاج وفهم عدد غير محدود من الجمل التي لم يسمعوها من قبل. ة على توليد وفهم وتحكم هذه السمة ثلاثة عناصر هي:
أ- الاستعمال الطبيعي للغة، وهو استعمال تجددي" أي القدرة على توليد وفهم الجمل.
ب- تحرّر المتكلّم من المثيرات في استعماله للغة.
ج- التماسك بين الإستعمال اللغوي وظروف التكلم" أي القدرة على إنتاج المنطوقات الملائمة للموقف.
التعلّم وفق النظرية البيولوجية:
ناضل تشومسكي وأتباعه عن فكرة فطرية اللغة، وحشدوا لأجل ذلك العديد من الحجج المبرهنة على صحّة منطلقاتهم منها:
- ارتباط السلوك اللغوي بالنواحي التشريحية الفيزيولوجية للفرد.
- مراحل اكتساب الطفل للغته، إذ كلّ البشر يمرون بهذا الجدول الزمني الدقيق وبالكيفية ذاتها.
- صعوبة وقف تطوّر اللغة عند الطفل، كما لا يمكن تعليم هذه اللغة لغير البشر.
1- التعريف بنوام تشومسكي: من مواليد سنة 7/12/1928. بفيلادلفيا بنسلفانيا، وهو أستاذ وفيلسوف، وعالم بالمنطق، ومؤرخ وناقد، وناشط سياسي، وله أكثر من مائة كتاب، ولكن تميّزه ظهر في اللسانيات والفلسفة التحليلية، له الفضل في تأسيس نظرية النحو التوليدي التحويلي الذي قوّض أركان النظرية البنوية بدء من أول كتاب له، وهو "االبنى النحويةّ.
كما يُعدّ كتابه" أوجه النظرية التركيبية" الصادر سنة 1965 أهم كتاب جمع بصورة نهائية المبادئ التي تقوم عليها نظريته في مجال التطوّر الذاتي للسانيات التوليدية التحويلية. هاجم بقوة المبادئ التي تقوم عليها السلوكية، كالمثير والاستجابة والتقوية والتقليد والقياس. [1]
المحاضرة 08 مناهج تعليم اللغات - المنهج التقليدي والمنهج البنوي
محاور المحاضرة:
- تحديد مفهوم المنهج
-أسس بناء المناهج
- عناصر المناهج
- المنهج التقليدي
- المنهج البنوي
تمهيد:
من أهم موضوعات اللسانيات التطبيقية مناهج تعليم اللغات التي عرفت تطورا كبيرا في السنوات التي عقبت نشأة اللسانيات، خاصة بعدما تعرضت المناهج التقليدية إلى النقد والتوجيه، ممّا جعل العلماء يفكرون في البحث عن المناهج الكفيلة بإخراج العملية التعليمية/التعلمية من دائرة الجمود والدفع بمجال تعليم اللغات خاصة لغير ناطقيها، وسنحاول الحديث عن المنهج التقليدي والمنهج البنوي وتبيين الفرق بينهما، ولماذا تجاوز المنهج البنوي المنهج الكلاسيكي الذي عمّر كثيرا عند مختلف الأمم.
تحديد مفهوم المنهج:
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن مصطلح المنهج في اللسانيات التطبيقية يشير إلى تطبيقات متنوعة لعلوم اللغة في ميادين علمية ذات صلة باللغة، مثل تعليم اللغة واكتسابها، فهي بذلك تمثّل الجانب التطبيقي العملي للنظريات اللسانية مع اتخاذ اللغة الموضوع الحقيقي والأساسي للسانيات.
وحقل اللسانيات متعدد التخصصات كما رأينا في المحاضرة الأولى و في شق كبير من المحاضرة الثانية، ومن أهم هذه الاهتمامات تطوير النظريات اللغوية، والأطر المنهجية في علم اللغة العام للعمل على حل المشكلات التعليمية.
تحديد مفهوم المنهج:
هو مجموعة المعارف والخبرات الموجّهة التي يتبناها قادة المجتمع للنشء ككفايات يجب تحقيقها لصالح نموّهم واتجاهاتهم الاجتماعية من خلال تعليم هادف ومنظم بتخطيط المؤسسة التعليمية. وقد عرّف بتعريفات مختلفة منها أنه" الوسيلة الفعالة في العملية التعليمية التعلّمية التي تترجم الفلسفات والسياسات التعليمية إلى عملية وفعلية"، وقد عرّفه جون ف. كيير بأنه:" المعرفة التي يتم التخطيط لها، وتوجيهها بواسطة مجموعات أو أفراد داخل أو خارج المدرسة"، فالمنهج بهذا المفهوم التقليدي هو" عبارة عن مجموعة المعلومات والحقائق والمفاهيم التي يعمل على إكسابها للتلاميذ بهدف إعدادهم للحياة وتنمية قدراتهم عن طريق الإلمام بخبرات الآخرين والاستفادة منها".
المنهج التقليدي:
هذا المنهج مرادف للمقرر أو البرنامج الدراسي المبثوث في الكتاب المدرسي، يرتبط بالفلسفة اليونانية التي جعلت من المعرفة مقصورة على حفظ التراث ونقله عبر الأجيال، فعُدّت هي المركز لأنها قادرة على تغيير سلوك المتعلّم، وأهم خصائصه هي:
1- يجعل اكتساب المعلومات والأفكار والخبرات وحفظها غاية في ذاته دون تطبيق استخدامها في الواقع، فهذه المعرفة غير واقعية وغير وظيفية.
2- كثرة المواد والموضوعات الدراسية التي تكشف عن تراكم المعرفة.
3- يعطي المعلومات جاهزة، وما على التلميذ إلاّ أن يحفظها دون أن تتاح له فرصة التفكير.
4- يهمل ميول المتعلمين واستعداداتهم، وما بينهم من فروق فردية، والنظر إلى عقولهم على أنها مجرد أوعية فارغة تتطلب الملء.
5- التعامل مع المقررات الدراسية على أنها مواد منفصلة، ولا يبذل الجهد لربطها ببعضها البعض، مما حال دون ترابطها.
6- الاعتماد على طرائق التدريس الآلية التي تجعل من المعلم هو المالك الوحيد للمعرفة، أمّا المتعلم فخزّان فارغ يحتاج إلى من يملأه، فلا دور له سوى الحفظ والتسميع دون فهم، وهذا ما يحدّ من نشاطاته وفعاليته.
سلبيات المنهج التقليدي:
1- آثار متعلقة بالمادة الدراسية: تعد المادة الدراسية هي الغاية الكبرى، على أن كل ما يجري في المدرسة من تنظيمات إدارية وأنشطة تعليمية يجب أن يكون في خدمة تحصيل التلاميذ للمعلومات التي تشتمل عليها المواد الدراسية، ويتحقق نموهم وتعليمهم عندما يحفظوا هذه المعلومات، ويكونوا قادرين على ترديدها.
2- آثار متعلقة بالمعلم:
وظيفة المعلم في هذا المنهج هي نقل المعلومات التي وردت في الكتب المدرسية المقررة إلى أذهان التلاميذ، فحصر دور المعلم واهتمامه في هذه الكتب فقط أدى إلى ضيق أفقه، وعدم اتساع مداركه، أي أن هذا المنهج لا يعمل على خلق فرص أمام المعلم ليبدع.
وكذا يراعي التركيز على تقديم المعلومات ممّا يتسبب في إهمال نمو جوانب هامة في التلاميذ وقتل قدراتهم على التفكير العلمي، واكتسابهم للاتجاهات والميول العلمية وتكوين العادات الايجابية وغرس القيم في نفوسهم ليصبحوا مواطنين صالحين في المجتمع.
وهذا المنهج يترك التلاميذ هادئين غير مبادرين، فلا يقترحون الحلول لما يواجههم في حياتهم العادية من صعوبات ومشاكلن أي يقتل فيهم روح الابتكار والتدريب على التعلّم البنّاء.
3- آثار متعلقة بالتلاميذ:
يظهر التلميذ في هذا المنهج على أنه سلبي ومحدود الأفق والخبرة، وأن كلّ ما عليه هو أن يستقبل ما يقدمه له المعلم والكبار عموما، وهذا بجانب ما يجب أن يكون عليهلاكأن يأخذ دورا إيجابيا ونشطا في عملية التعلّم، فهذه أمور لا يركز عليها هذا المنهج.
وعدم التركيز على النمو الشامل في كافة الجوانب واكتفاؤه بالمعلومات، وأما باقي الجوانب العقلية والنفسي والاجتماعية والقيمية والإبداعية فهي مهملة.
كما أنه لا يراعي الفروق الفردية بين التلاميذ، هذه الفروق التي يتسبب فيها أساسان هما الوراثة والبيئة "الوراثة التي تزوّد الفرد بالإمكانات والاستعدادات وتأتي البيئة بعد ذلك لتقرر ما إذا كانت هذه الإمكانات والاستعدادات ستتحوّل إلى قدرات عقلية أم لا.
المنهج يخاطب التلاميذ بأسلوب واحد وطريقة واحدة، فلا يبدع في الطرائق النشطة التي تحرّك التلاميذ ويتفاعلون مع المعرفة. فالتلميذ مجرد طرف سلبي يستمع ويردد ويحفظ وأن المعلم هو الذي يحلّ له مشاكله التي تواجهه.
- وهناك آثار أخرى متعلّقة بالنشاط المدرسي والحياة المدرسية عموما:
اهمل هذا البرنامج كافة الأنشطة سواء كانت ثقافية أو أدبية أو رياضية أو فنية، فالحياة المدرسية فيها الكثير من الاستبداد لأنها قائمة على الإرغام والعقاب البدني والتجريح، وقد انجر عن هذا التسرّب المدرسي وهذا أدى إلى مضايقة المدرسين بل أدى إلى إهانتهم، وضربهم.
المناهج الحديثة:
تجاوزت المناهج الحديثة البرنامج أو المقررات الدراسية التي تعرفنا عليها في المنهج الكلاسيكي، وحاولت أن تنظر إلى المنهاج على أنّه يجب أن يكون نقلة نوعية تتجاوز كل السلبيات التي مرّت بنا في كل مستوياتها، وعلى هذا فقد قدّمت أسسا عديدة تكاد تكون متكاملة، من أهمها:
أ- الأساس الفلسفي:
لا شك أنّ العلاقة بين الفلسفة والتربية هي علاقة وثيقة كون الفلسفة تقرّر الغاية من التعلّم عموما والعملية التعلّمية خصوصا، كون الفلسفة تقرّر غاية الحياة، وقد تعدّدت هذه الفلسفات وتداخلت فانعكس ذلك على المناهج التعليمية وبنائها، كالفلسفة الوجودية والواقعية والبراغماتية الخ..
ب- الأساس المعرفي:
ويقصد بها عموما الحقل الأكاديمي، وطبيعة المعرفة، فعلى هذا الأساس يتم اختيار المعارف الأكاديمية المتخصصة التي يمكن أن يحتويها المنهاج لتحقيق نوع التعلّم المرغوب، ويكون ذلك حسب الحقل المعرفي الذي وُضِع من أجله المنهاج. إذن تتضح الأسس المعرفية في بناء المنهج الدراسي من خلال الأسس المتعلقة بـ:
- اختيار المحتوى من حيث طبيعته ومصادره ومستجداته وعلاقته بمجالات المعرفة الأخرى، وتطبيقات التعلّم والتعليم منها.
- وحدد التربويون مجموعة من الاعتبارات عند بناء المناهج الدراسية، بمراعاة الأسس المعرفية وهي:
- التركيز على أساسيات البنية المعرفية في محتوى المنهج.
- مراعاة طبيعة المادة الدراسية من حيث أهدافه ومحتواه وأساليب تدريسه، وتقويمه طبيعة المادة الدراسية.
- التركيز على ربط المادة الدراسية وفروع المعرفة الأخرى عند بناء المناهج.
- التأكيد على التطبيقات العلمية لمفاهيم المادة الدراسية.
3- الأساس الاجتماعي:
تبنى المناهج التعليمية بحيث تراعى فيها المجتمع ومشكلاته التي يعاني منها، وكذلك تطلعاته التي يطمح إليها حتى يتمكن المتعلّم من إدراك ممارسة مبادئ المجتمع، وقيمه وعاداته حت يصبح بعد ذلك قادرا على تقبل أوضاع المجتمع الحالية والعمل على تطويرها عند الضرورة.
4- الأساس النفسي:
تركز المناهج كثيرا على الأساس النفسي للمتعلم، وسعت إلى بنائها بمراعاة خصائص نموّ المتعلمين، واحتياجاتهم وقدراتهم واستعداداتهم، وذلك بالاعتماد على الدراسات النفسية والأبحاث التربوية التي أنجزت في هذا المجال والتي أثبتت أن المتعلمين يختلفون فيما بينهم من حيث "خصائصهم النمائية، وقدراتهم، واستعداداتهم، ويتفاوتون في الإمكانيات التعليمية وفي استجاباتهم للمؤثرات البيئية المختلفة التي يتعرضون لها، لذلك فهم يتفاوتون في الاهتمامات والاحتياجات وفي الطرائق والأساليب التي يتعلمون بها، وفي سرعة تعلّمهم ومقدار ما يتعلمونه.
وعلى هذا المنظور يمكن أن نحدد للمنهج الحديث أربعة عناصر تتضافر فيما بينها لتؤلف منهاجا متكاملا، وسوف نركز على نوع واحد وهو المعروف بنموذج الأهداف لـ"تايلر" وعناصره الأربعة هي: الأهداف والمحتوى والطريقة والتقويم.
ومن أهم المناهج الحديثة التي ثبتت في الساحة وأعطت الكثير من الثمار المنهج البنوي، فما هو المنهج البنوي؟
المنهج البنوي في التعليم:[1]
وهناك من يسميه بالمنهج اللساني التركيبين وهو عبارة عن" مجموعة من طرائق تعليم اللغات، ظهرت في العقد الثالث من القرن العشرين، وقد ساهمت في ظهوره جملة من العوامل، من أهمها:
- رفض طريقة القواعد والترجمة التي أولت العناية للجوانب المعيارية للغة على حساب الاستعمال اللغوي كواقع.
- ظهور اللسانيات الوصفية
- ظهور أفكار علم النفس السلوكي، ونظريات التعلم المنبثقة عنه.
- تزايد الحاجة إلى تعلّم اللغات الأجنبية الحيّة.
ينطلق هذا المنهج في اشتغاله من وصف النظام اللغوي، فتبنّى فكرة أن تعليم اللغة وتعلّمها ينطلق أساسا من تدريس هذا النظام، كما اهتم أيضا ب:
1- تجاوز فكرة عدّ اللغة بأنها مجرد قوائم مصفوفة من المفردات إلى كونها نظاما يتألف من عناصر داخلية وعلاقات خارجية، لأن اللغة هي نظام من الأدلة المتواضع عليها القصد ممنها تحقيق تبليغ وتخاطب فعّالين.
2- الثورة على المنهج التقليدي، والتركيز على الجانب المنطوق للغة، وهذا الاهتمام باللغة المنطوقة ساهم في التركيز على المهارات اللغوية في تدريس اللغات من استماع وكلام وقراءة وكتابة، الخ..
3- استثمر جيدا مفهوم البنية في ابتداع التمارين البنوية، والتي كان لها الدور الكبير في ترسيخ البنى اللغوية للمتعلم" أي إدراك
المحاضرة 09 مناهج تعليم اللغات - المنهج التواصلي
محاور المحاضرة
تمهيد
-التعريف بالمنهج التواصلي
- نشأته وتطوره، وإسهاماته في حقل تعليمية اللغات
تمهيد:
لا شك أن الجانب التطبيقي للعلم يبتدئ في حالتين، إحداهما هو إخضاع المعطيات العلمية النظرية للتجربة والاختبار، والجانب الأخر يتمثل في استعمال القوانين والنتائج العلمية في ميادين لأخرى من أجل الإفادة منها، بناء على هذا التصور لمفهوم التطبيق العلمي فإن اللسانيات التطبيقية، ومختلف المناهج المستحدثة هي في جوهرها استثمار للمعطيات العلمية للنظرية اللسانية واستخدامها استخداما واعيا في حقول معرفية مختلفة، وأهم ما استثمر فيه هذا التطبيق حقل تعليمية اللغات، وذلك لأجل ترقية العملية البيداغوجية وتطوير مناهجها، وطرائق تعليم اللغة للناطقين بها ولغير ناطقيها[1]
وقد وضح "كوردير"- أحد كبار اللسانيين التطبيقيين مدى زخامة المعارف المتعلقة بطبيعة الظاهرة اللغوية، وبوظائفها لدى الفرد والجماعة وبأنماط اكتساب الإنسان لها، فقال:" وعلى معلّم اللغات أن يستنير بما تمدّه به اللسانيات من معارف علمية حول طبيعة الظاهرة اللغوية"[2]
- التعريف بالمنهج التواصلي:
يعتبر المنهج التواصلي من المناهج الحديثة ظهر في السبعينيات من القرن الماضي، ظهر كاستجابة ضرورية للتغيّر الحاصل على مستوى فهم أنساق تعليم اللغات، أخرج التعليم والتعلّم اللغويين باعتباره مجرد ضبط للقواعد النحوية إلى تعلّم خلاّق ينظر إلى العملية على أنّها تفاعلية ومتداخلة.
وقبل الحديث عن المنهج التواصلي يجدر بنا الإشارة إلى أن التواصل لقي اهتماما كبيرا من طرف الدارسين ممّا جعلهم ينظرون لعلم جديد له أسسه ومبادئه شكّل نظرية معرفية جادّة. والتواصل عموما هو" العملية التي يتمّ بها نقل المعلومات من مرسل إلى مستقبل بكيفية تشكل في حدّ ذاتها حدثا، وتجعل من الإعلام منتوجا لهذا الحدث"[3]
كما عرّف فلويد بروكر الاتصال بأن" عملية نقل معنى أو فكرة أو مهارة أو حكمة من شخص لآخر".[4]
والمنهج الاتصالي جاد كمنهج ناقد لفكر تشومسكي الذي اعتبر تعريف هذا الأخير للمقدرة اللغوية تعريفا ضيقا لا يتناسب مع الطبيعة الاجتماعية للغة ومن ثمّ اقترح استبدال القدرة اللغوية بالقدرة التواصلية، حيث لم تعد القدرة تقتصر على معرفة قواعد اللغة وتوليد عدد لا متناه من الجمل، وإنما غيّر هايمز اهتمامه من هذا المجال الضيق إلى البحث عن قواعد القدرة التواصلية، والتي تتجاوز القواعد اللغوية إلى استعمال اللغة في المجتمع، أي البحث في شروط التداول، بالنظر إلى الزمان والمكان والمتكلم والمخاطَب والوضع الاجتماعي عموما." أي البحث عن الإجابة عن سؤال كبير هو، ما هي الوظائف اللغوية التي ينبغي تعليمها للتلاميذ حتى يتمكّنوا من استخدام اللغة في الحياة؟[5]
وعلى العموم التواصل اللغوي يحقق وظائف جمّة في مقدّمتها الوظيفتان التاليتان:
- وظيفة معرفية تقوم بنقل الرموز العقلية.
- ووظيفة تأثيرية وجدانية تهدف إلى تمتين العلاقات الإنسانية وتفعيلها لفظيا أو اشهاريا.
2- المنهج التواصلي النشأة والتطوّر:
بالإضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه في التمهيد، وفي عنصر التعريف بهذا المنهج يمكن القول بأن أصول هذا المنهج في تعليم اللغات تعود إلى التغيّرات التي حصلت في نمط تعليم اللغة في أواخر الستينيات أين سادت المقاربات القائمة على الموقفية فكان تعلّم اللغة على أنها بنى لا بدّ أن تطبّق في أنشطة ذات أساس موقفي ومقامي والتي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف الستينيات.
ومن هنا فكّر اللسانيون في تعليم اللغة من هذا المنظور الوظيفي التواصلي في اللغة، فدعوا إلى ضرورة تعليم اللغة على أساس الفعالية التواصلية بدلا من مجرّد اتقانا لبنى الجافة المجرّدة.
ومن أهم اللسانيين الذين دافعوا عن هذه الفكرة التواصلية بقوّة "كاندلين" و" ويدسون" وكان أرضيتهما في ذلك أفكار "فيرث" و"هاليداي" و"هاريس" و"أوستين"، و"جون سورل".
وباختصار القول هي التركيز على دراسة اللغة داخل الموقف والمقام التواصليين.[6]
وعلى العموم هذا التوجّه شكّل ميدانا واسعا اشتغل عليه الدرس الحديث بقوّة فتداخلت الرؤى وشكّل في الأخير موضوعا خرجت عنه نظريات كثيرة ولعل لفندرليش الفضل في تحديد عناصر التواصل، فحصرها في العناصر التالية:
- المتكلّمون والمستمعون.
- مكان التفاعل.
- القول" الصفات اللغوية وشبه اللغوية، وغير اللغوية.
- مقاصد المتكلّمين.
- ترقبات المتكلم والمستمع.
- مساهمة المشاركين في الموضوع.
- معارفهم اللغوية.
- المعايير الاجتماعية
- شخصياتهم وأدوارهم.[7]
مما سبق يمكن القول بأن مقام التواصل" ثري يشكل مقولة أساسية في كل عملية للتبليغ، وهو وضعية تحدث في اللحظة التي يشرع فيها المتكلّم في الحديث، وتلاحظ من خلال الظروف والقرائن الزمانية و القرائن المكانية للخطاب، وفي هذا الإطار تنتج الأقوال في صلب التفاعل بين هذه العناصر فتتحقق النّوايا والمقاصد، بواسطة أفعال الكلام، وهذه الأقوال تتوقّف على العوامل الخاصة بكلّ متكلّم، أي العوامل الخارجية عنه، وهذه العوامل هي متغيّرات تؤثّر في السلوك اللغوي للمتكلّم وتحدّد شكل الخطاب ومضمونه."[8]
وما تجدر الإشارة إليه أن التغيّر لم يكن على مستوى طرائق التدريس فحسب، وإنّما مسّ أيضا المنطلقات التي تعرّف طبيعة اللغة وأهدافها، وإذا تمّ التركيز على التواصل بوصفه مبدأ تنظيميا للتدريس بدلا من التركيز على التمكين من النّظام القواعدي للّغة وحدها فقط".
أهداف المنهج التواصلي:
1- إكساب المتعلّم المهارات اللغوية والاتصالية، أي ينظر إلى اللغة كنشاط ممارس لا مجرّد حفظ للقواعد والقوانين اللغوية.
2- ويهدف أيضا إلى بناء كفاية تواصلية، أي استعمال اللغة من أجل تحقيق غايات ووظائف محدّدة.
مفهوم الكفاءة التواصلية:[9]
عرفّت بأنها "القدرة والابتكار المستمرّين دون اعتماد لائحة محدّدة من قبل لإنتاج الكلام وفهمه، وهي القدرة على المواجهة والتكيّف مع الوضعية غير المنتظرة القابلة للتطوّر، أي القدرة على عمل شيء بفاعلية وبإتقان وبأقل جهد ممكن."[10]
وقدّم العالم هايمز مكوّنات الكفاية التواصلية فيما يلي:
1- قدرة نحوية: تضم المعرفة بالقواعد التركيبية والصوتية التي تمكّن المتكلم منى إنتاج جمل صحيحة ذات دلالة.
2- قدرة سيكولسانية: وتتمثّل في مختلف العوامل النفسية واللسانية التي تؤثر على المتكلّم في إنتاج أو فهم الخطاب.
3- قدرة سوسيوثقافية: وتتعلّق بالقدرة على إنتاج خطاب يراعي فيه قواعد السياق، أي أن المتكلّم حين يكتسب اللغة فهو يكتسب معها كيفية استخدامها ضمن المرجعيات الاجتماعية والثقافية.
4- قدرة احتمالية: وتعنى بمستوى استخدام الجمل الممنجزة لغويا، فاللغة إذن وفق هذه القدرات هي نظام للتعبير عن المعنى، ووظيفتها الأولى هي تحقيق الاتصال والتفاعل.
مبادئ المنهج التواصلي:
1- مبدأ التواصل: وأهم المبادئ في هذا المنهج، ويتمثّل في الأنشطة التي تنطوي على التواصل الحقيقي تعدّ تعزيزا لعملية التعلّم.
2- مبدأ المهام: وهو أن اللغة تقوم بمهام االتواصل، وهذا الدور في حدّ ذاته يعتبر تعزيزا لعملية التعلّم، أي أن هذا المنهج يرى أن اللغة هي وسيلة المتعلّم لانجاز االمهام المطالب بها، لا هي غاية في ذاتها.
3- مبدأ المعنوية: أي يركّز في هذا المنهج على المعنى والوظيفة الاتصالية للّغة.
خصائص المنهج التواصلي في تعليم اللغات:
إن الخصائص العامة التي يتميز بها هذا المنهج كثيرة من أهمها:
1- بناء الكفاية التواصلية لدى المتعلّم في جميع جوانبها في ضوء المفهوم الشامل للاتصال من خلال الاهتمام بالوظيفة التواصلية للغة، بدلا من التركيز على الشكل والسلوك الآلي للغة.
2- عرض المادة اللغوية على أساس التدرّج الوظيفي التواصلي، حيث لا يطرح السؤال، ما هي القواعد المراد تعليمها للمتعلّم، وإنّما من خلال البحث عن الوظائف اللغوية التي ينبغي تعليمها للمتعلّم حتى يتمكّن من استخدام اللغة في المواقف الحياتية.
3- التركيز على اكتساب المهارات اللغوية من خلال اختيار محتوى يمارس فيه المتعلّم كل المهارات اللغوية.
4- تكوين أساس لغوي إبداعي إنتاجي لدى المتكلم.
5- اعتداد الطلاقة اللغوية أهم من الدقّة اللغوية، والمعيار النهائي في نجاح الاتصال هو التعبير الحقيقي عن المعنى المراد، وفهمه على وجهه الحقيقي.
6- الدور المحوري للمتعلّم هو الاستراتيجيات التواصلية، وليس مجرّد تجميع المفردات والوحدات اللغوية المختلفة من الذاكرة.
7- التركيز على المواقف اللغوية والتعليمية والاجتماعية التي تحفّز المتعلّم على استخدام اللغة لاكتساب معاني حقيقية ومهارات جديدة.
8- الاهتمام بالنشاطات التي تخلق مواقف حقيقية، كتوجيه الأسئلة أو تسجيل المعلومات أو تبادل الأفكار، أو التعبير عن المشاعر، وهذا كلّه قصد تحفيز المتعلّم حتّى يبادر.
وعلى العموم يعتبر هذا المنهج من المناهج التي اشتغل على أسسه الكثير من البيداغوجيين سواء في إعداد المناهج، أو ضبط الأهداف والغايات من تعليم اللغات الهدف، واللغات الأم. استطاع الديداكتيكيون استثمار هذا المنهج في ضبط المواد، ودور المعلم ودور المتعلم والدقّة مقابل الطلاقة والكفاءة اللغوية مقابل الكفاءة التواصلية.
والتخاطب يستلزم أنماطا متعددة من الملكات، وهي متعلقة بالمرسل أو المتلقي، بحيث يعمد المتكلّم قبل عملية التخاطب إلى تجميع كل معارفه، وكذا استثمارها حتى يتسنى له التمكن من إنشاء خطاب مفهوم من قبل المتلقي، وهو ما يجعله يلجأ إلى ملكته الاجتماعية التي تتفرّع عنها الملكة التبليغية والتي هي بدورها تنقسم إلى ملكة لسانية، وأخرى تداولية، وهكذا تتسلسل ملكات أخرى يستدعيها الإنشاء الصحيح والفعّال للخطاب.
وقد اهتم الباحثون كثيرا بهذا الموضوع ممّا جعلهم يبحثون في مكونات هذه الملكة، وقد استطاع الفرنسيون في أوساط أبحاثهم أن يقسموها إلى خمسة مكوّنات هي:
1- مكوّن سيميائي: يضم مجموع المهارات والمعارف التي يمكن أن يتقنها المتكلّم ويستثمرها لإثراء حديثه، بالإضافة إلى أنظمة تواصلية إشارية مثل:الإيماء، وحركات الجسم، والإشارة، ونقاط الوقف بالنسبة للمكتوب، إلخ...
2- مكوّن مرجعي: ويمثّل النظام المرجعي، أي المحيط مثل: المناخ والتضاريس، إلخ..
3- مكوّن خطابي نصي: ويمثّل التحكم أو الإتقان الفعلي لمختلف آليات إنشاء النص، أو المشاركة في خطاب ما.
4- مكوّن اجتماعي تداولي: ويضم المهارات الخاصة باستعمال الأهداف التداولية وفقا للسلوك الكلامي في بعده الاجتماعي.
5- مكوّن ثقافي: وهو خاص بإتقان المهارات والمعارف والرؤى وعلاقتها مع الدين والمجتمع والسياسة والأعراف..إلخ.
وبناء على ما تقدم يمكن أن نعتبر الملكة التواصلية"التبليعية" تتكوّن من قسمين أساسيين هما: الملكة اللسانية، والملكة التداولية.
ملكة لسانية
ملكة تبليغية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملكة نصيّة/خطابية/شعرية ملكة تداولية
ملكة ثقافية/اجتماعية
ملكة وظيفية سيميائية
أمثلة من واقع التعليم الذي يعتمد على المقام، والعملية التعلّمية التي تغيّبه.
مثلا كأن يسأل المعلّم التلميذ في القسم في درس الاستفهام ، ماذا يوجد تحت الطاولة؟
-وسؤال آخر، ما الذي يحمل المعلم في يده؟، والمعلم يحمل فعلا في يده ممسحة.
فالمثال الأول اصطناعي، وأما المثال الثاني، فهو منتزع من الواقع، أي في قالب طبيعي. والسؤال هذا يسأل فيه المعلم عن الممسحة لتنظيف السبورة.
وعلى العموم يتوجب على والمناهج عموما أن تُبنى على التدريس وفق المقامات التواصلية، وإذا عزّ الأمر، توجّب على المعلّم أن يجتهد في بناء مواقفه التعلمية الحقيقية، لكي يتمكن التلاميذ من التعبير في مختلف الوضعيات وبطريقة سليمة من الناحية النحوية، وإشعارهم بأن مواقف الكلام في المجتمع كثيرة جدا، ومختلفة أشد الاختلاف، وأن يجعلوا كلامهم مطابقا لخصوصيات كل موقف، وهو ما يسمى بالكفاية التواصلية، وهنا يصبح المعلّم قادرا على لفت انتباه التلاميذ إلى أنّ هناك آدابا يحب احترامها، منها" المعايير الخاصة بالمجاملة، أو بالتفاعل الاجتماعي للمجموعة، وهناك معايير خاصة بالقدرة على التعبير، فمن النوع الأول مثلا: أن يكون لكل تلميذ فرصة للكلام، وأن يجتنبوا المقاطعة وتغيير الموضوع، إلاّ إذا كان ذلك ضروريا، وأن لا يحتكر فرد واحد الكلام، بل يشترك كل عضو من أعضاء المجموعة في المحادثة والمناقشة، سواء بالاستماع أو بالكلام."[11]
- مدخل إلى اللغويات التطبيقية، كوردير، ترجمة جمال صبري، مجلة اللسان العربي، المجلد:14،ج1 الرباط 1976،ص:46.[2]
- وهناك من يفرق بين الاتصال والتواصل، فيما أن الكثيرين يعتبرون المصطلحين بمفهوم واحد للمتعلمين والمثقفين، ومفهوم الاتصال عرف بقوّة مع النظرية الاتصالية بمفهومها العلمي الرياضي مع "شانون"، حيث اهتمت نظريته بالجانب التواصلي في اللغة الإنسانية، واهتم كثيرا بعملية الترميز، وفك رموز الرسائل اللفظية في مواقف مختلفة.[4]
- وقد تطوّر هذا البعد الاتصالي مع عدّة لغويين وظيفيين، وأصبح يندرج فيما يعرف باثنوغرافيا التواصل.[5]
- والموقف والمقام على العموم عرفة الدارسون قديما وحديثا، فالعرب وخاصة البلاغيون ركزوا على هذا المجال، فمثلا يعرف السكاكي علم معاني بقوله" تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره" وللقزوينى شارح المفتاح المقام من خلال تعريفة لعلم المعاني بأنه" علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال" وقد أدرك السكاكي بفطنته أن الكلام يختلف باختلاف المقامات، ومنه فهو أصناف كثيرة كل صنف يختلف عن آخر فقال:" لا يخفى عليك أنّ مقامات الكلام متفاوتة، فمقام الشكر يباين مقام الشكاية، ومقام التهنئة يباين مقام التعزية، ومقام المدح يغاير مقام الذم، ومقام الترغيب يباين مقام الترهيب، ومقام الكلام مع الذكي يغاير مقام الكلام مع الغبي، ولكل ذلك مقتضى يغاير مقتضى الآخر".[6]
- انظر للتفصيل، مذكرة الماجستير {دور المقام في تعلّم قواعد اللغة العربية، للطالبة رشيدة جلال، إشراف صالح بلعيد، جامعة الجزائر 1997/1998 ص: 23.[8]
1- وهناك من يسميها بالملكة التبليغية، وهي نتاج تقارب علمي االنحو التوليدي، وعلم إثنوغرافيا التبليغ، ونقاط التلاقي بينهما هي اهتمام العلمين بقدرات مستعملي اللغة. وهذا المصطلح يرجع الفضل إلى استحداثه للعالم هايمز الذي نقد من خلاله تشومسكي بعدما ظهر كتاب " مظاهر النظرية التركيبية" عام 1965.، د والمتمثوصرّح بهذا في كتابه "نحو الملكة التبليغية" إذ يقول:" لم أسلّط اهتمامي على مفهوم الملكة التبليغية للسبب الوحيّل في أن تشومسكي لم يركّز بعدُ اهتمامه حول مفهوم الملكة" وقد أدرك هايمز أن ثمّة قدرات وملكات تفوق المعرفة النحوية، مما أمكن لي أن أفكر في إضافة كلمةة التبليغ لمفهوم الملكة".
وهذا المصطلح اكتسب معنيين مختلفين، وذلك لأن االعاملين في حقل تعليم اللغات الأجنبية في الولايات المتحدة الأمريكية، قد استعملوه للتعبير عن القدرة على الدخول في تبادل عفوي في اللغة الهدف، أي المُتعلَّمة، ومفهوم حديث نسبيا في حقل الدراسات اللسانية، ويقصد به هايمز" قدرة الإنسان على المشاركة في الحياة الاجتماعية بصفته متكلما للغة ما، بالإضافة إلى تمكّنه من دمج الاستعمال اللغوي بنماذج التبليغ الأخرى، مثل الإشارة والإيماء وحركات الوجه الخ...
والحق أن الملكة اللسانية تمثل مكوّنا أساسيا في منظومة الملكة التبليغية. للتفصيل انظر مذكرة ثنائية الملكة والتأدية بين اكتساب اللغة وفقدانها، ماجستير لفيقاص حفصة، إشراف خولة طالب الإبراهيمي ، جامعة الجزائر 2001/2002. [9]
المحاضرة 10 الازدواجية والثنائية والتعدد اللغوي
1- الازدواجية اللغوية.
2- الثنائية اللغوية.
3- التعدد اللغوي.
نتناول في هذه المحاضرة هذه المفاهيم الثلاثة، وهي تتداخل في ما بينها كون الجامع بينهما هو موضوع أكثر من لغة تُتَحدَّثُ بغض النظر عنها أكانت من جنس اللغة الأم؟ أم كانت لغة أجنبية وافدة على هذه اللغة، وسواء أكانت ضمن السياسة اللغوية والتخطيط اللغوي أو فرضتها ظروف ما على هذا الوسط أو ذاك.
1- الازدواجية اللغوية/ الثنائية اللغوية:
الازدواجية اللغوية، هي ترجمة للمصطلح الانجليزي" دِقلوسيا"، ويعتقد أنّ أوّل من تحدّث عن هذه الظاهرة هو اللغوي الألماني "كارل كرمباخر"، ولعلّ "وليام مارسيه" 1930 هو أول من نحث هذا المصطلح، وعرّفه بأنه " هو التنافس بين لغة أدبية مكتوبة ولغة عامية شائعة للحديث"[1]
كما عرّفه اللغوي تشارلز فرقيسون عام 1959 بقوله: وضع مستقر نسبيا توجد فيه بالإضافة إلى اللهجات الرئيسية للغة التي قد تستعمل على لهجة واحدة، أو لهجات إقليمية متعددة لغة تختلف عنها، وهي مقنّنة بشكل متقن إذ غالبا ما تكون قواعدها أكثر تعقيدا من قواعد اللهجات، وهذه اللغة بمثابة نوع راق يستخدم وسيلة للتعبير عن أدب محترم، سواء أكان هذا الأدب ينتمي إلى جماعة في عصر سابق، أم إلى جماعة حضارية أخرى، ويتمّ تعلّم هذه اللغة الراقية عن طريق التربية الرسمية، ولكن لا يستخدمها أيّ قطاع من الجماعة في أحاديثه الاعتيادية"[2]
ملاحظة: اختلف اللسانيون حول مفهوم مصطلح الازدواج اللغوي، حيث أن البعض يطلقه على وجود مستويين لغويين في بيئة لغوية واحدة، أي لغة للحديث ولغة للعلم والأدب والثقافة والفكر، وبعضهم يطلقه على وجود لغتين مختلفتين، قومية وأجنبية عند فرد أو جماعة.
وقد عرّف منذر عياشي الثنائية اللغوية بأنها" كل فرد يتدبّر أمره بشكل ملائم عبر لغة ثانية يعتبر مزدوج اللغة، يوجد إذن تماثل بين ازدواجية اللغة، والمعرفة بلغة أو بعدّة لغات أجنبية."[3]
ويشترط في مزدوج اللغة أن يكون مسيطرا سيطرة تامة على اللغتين، وأن يتصرف بهما بحرّية، إذن فالمقصود من ازدواجية اللغة من هذا المنظور مرهون بوجود لغتين متميزتين كالفرنسية والألمانية.
ويمكن أن نعتبر الازدواجية بأنها" الحالة اللغوية التي يستخدم فيها المتكلمون بالتناوب، وحسب البيئة والظروف اللغوية لغتين مختلفتين، فهي الوضع اللغوي لشخص ما أو لجماعة بشرية معيّنة تتقن لغتين، وذلك من دون أن تكون لدى أفرادها قدرة كلامية مميّزة في لغة أكثر ممّا في اللغة الأخرى."[4]
وهناك بعض الدارسين يرفضون استعمال مصطلح الازدواجية الذي يستخدمه الكثير من اللغويين للدلالة على شكلي اللغة العربية الفصحى والعامية، وذلك أن العامية والفصحى فصيلتان في لغة واحدة، والفرق بينهما فرق فرعي لا جذري، ومنه فالإزدواجية لا تكون إلاّ بين لغتين مختلفتين، كما بين العربية والفرنسية، وأمّا أن يكون للعربي لغتان إحداهما عامية والأخرى عربية فصيحة، فذلك أمر لا ينطبق عليه مفهوم الازدواجية عليه، بل إنّه ضرب من الثنائية اللغوية. يقول كما بشر في هذا الشأن معرّفا الازدواجية بأنها" تعني وجود نمطين من اللغة يسيران جنبا إلى جنب في المجتمع المعيّن، يتمثل النّمط الأول فيما أشرنا إليه سابقا، وأطلقنا عليه المصطلح " اللغة النموذجية" والثاني ما جرى العرف على تسميته على ضرب من التعميم " باللغة المحكية" وقد يسمى الأول أحيانا "باللغة الرسمية، والثاني "باللغة غير الرسمية.[5]
وما يمكن الخلوص إليه هو أن مصطلحي الثنائية اللغوية والازدواجية اللغوية يدلان على مفهوم واحد، سواء تعلّق بوجود لغتين مختلفتين، أو وجود لغة رسمية ومعها يحتضن المتكلمون لغة أو لهجة من لهجات تلك اللغة الأم.
فهذا الشيخ عبد الرحمان الحاج صالح يعتبر أن هذا المصطلح حديث العهد يطلق على" ظاهرة لغوية اجتماعية، وهي استعمال لغتين: اللغة الأصلية، ولغة ثانية، ويقابله في الانجليزية كلمة" بيلنجواليزم" وهذه الظاهرة تكثر في البلدان التي تسمى النامية، ومنها الدول العربية، وهي قليلة جدا في البلدان الكثيرة الإنتاج العلمي باستثناء الأقليات التي تعيش فيها كالناطقين بالاسبانية في " و م إ" والأفارقة والآسيويين القاطنين في أوربا"[6]
الثنائية اللغوية في البلدان العربية ومظاهرها وأوصافها:
تتجلى هذه الظاهرة في الإدارة، وفي دواليب الدولة في المشرق والمغرب، وكالقطاع الاقتصادي، والتجاري خاصة، وكما في قطاعي الإعلام والإشهار المكتوب والمسموع.
وقد تصحب هذه الثنائية ظاهرة أخرى خطيرة تتمثل في استعمال اللغة الأجنبية وحدها في بعض القطاعات، فغياب اللغة العربية في هذه القطاعات هو أخطر بكثير، وقد تكون الثنائية التي تكون فيها العربية على حدّ سواء مع اللغة الأجنبية في الزمان الذي يعيش فيه شيئا إيجابيا في اكتساب المعارف الجديدة.
وهناك ثنائية حقيقية تتمثل في وجود لغات زيادة على العربية كالأمازيغية والكردية ولغات أخرى مختلفة، وهي لغات إسلامية وسبب وجودها غير الثنائية الناتجة عن التفوّق الغربي، وتوجد ثنائية ورثها الناس من الاحتلال الاستعماري السكاني، وذلك مثل ما هو موجود في الإدارة لبعض الوزارات والإدارات كما في الجزائر.
وهذه الثنائية التي تنحصر في الحديث العادي أو في تحرير الإدارة للوثائق باللغتين، هي ثنائية جدّ متطفّلة مضرّة لأنها بنطقها تتسبب في تقلص مكانة العربية، وقد تتغلب عليها.
ومن أسوأ الثنائيات ما يقوم به المثقفون الذين يتقنون اللغة الأجنبية اتقانا، وتعوّدهم على استعمال اللغة الأجنبية يؤديهم إلى التخاطب بها من غير حاجة إلى ذلك، وهي ثنائية تؤدي إلى اختلاط اللغتين في التخاطب العادي.
والحقيقة أن الثنائية اللغوية ليست في الأصل مشكلة وإنّما هي ظاهرة لغوية تتطلب إعمال الرأي والعقل في علاجها بما يناسب ويلائم، أي هي ظاهرة عامة في كلّ اللغات تتطلب تقنيات إجرائية مضبوطة، وأسلوب عمل محكم بميزان معتدل، ورأي حصيف.[7]
2- التعدد اللغوي:
تتفق المعاجم اللغوية على أنّ التعدد اللغوي هو"عبارة عن استعمال لغات عديدة داخل مؤسسة اجتماعية معيّنة، وفي القاموس نصف متكلما بأنّه متعدد اللغات إذا كان يستعمل داخل جماعة معيّنة ولأغراض تواصلية مجموعة من اللغات، وهو ظاهرة طبيعية إذا برزت بصورة نابعة من متطلبات المجتمع المتطلع إلى المعرفة الإنسانية، فهي ظاهرة صحيّة، وأما إن سلك التعدد اللغوي مسلكا ايديولوجيا سياسيا تحت أقنعة مختلفة، فذلك هو المسخ الثقافي والحضاري والاستعماري في شكله الجديد.[8]
- التعدد اللغوي واللغة الجامعة، منشورات المجلس الأعلى للغة العربية، ج2 /2014 ص:51، مقال التعدد اللغوي في الجزائر، مظاهره وانعكاساته، جيلالي بن يشو.[1]
- قضايا ألسنية تطبيقية دراسات لغوية اجتماعية نفسية مع مقاربة تراثية، ميثال زكرياء ، دار العلم للملايين، بيروت،ط:1 1993، صّ:35.[4]
- علم اللغة الاجتماعي، مدخل، كمال بشر، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط:3، 1997، ص: 186.[5]
- مقال الثنائية اللغوية بالنسبة للغة العربية وأوصافها الحقيقية الايجابية منها والسلبية، للشيخ عبد الرحمان الحاج صالح، مجلة المجمع 2012 العدد 15، ص:19.[6]
- معلم: TOUIL Mustapha