حصة الأعمال التطبيقية

مقياس : المجتمع الجزائري وفعاليته

ماستر1

تخصص: تاريخ الجزائر الحديث

الأستاذ : مغاوري عبد الكريم

النص:

شرح الأهالي إلى هذا العاهل طباع الشعب البربري، وبينوا له نقطة الضعف فيه، أي أنهم نصحوه بأن يمنح المرابطين ثقة مطلقة لأن ذلك يمنع الجميع من أن يقفوا موقفا معارضا، خاصة وأن هؤلاء السكان لن يترددوا في قتل أصدقائهم وحتى أقاربهم إذا علموا أنهم يحتقرون المرابطين، أحياءً كانوا أم أمواتا، ومن ذلك الحين لم يكتف الأتراك بأن فرضوا على أنفسهم احترام هؤلاء المرابطين، وإنما صاروا يقدمون لهم أكبر الامتيازات وأثمنها، وصارت أماكن سكناهم وضرائحهم بعد الموت مقدسة، كما أن القانون لا يمس كل من لجأ إليها. كانت هذه من إحدى الوسائل التي استعملها الأتراك لاكتساب ود العرب والبربر. وهناك وسيلة أخرى استعملوها وتتمثل في أنهم كانوا يظهرون أنفسهم في مظهر حماة الدين، ويمتنعون عن القيام بكل ما هو مناف للقوانين، ولا يعملون إلا بالقانون ولفائدة القانون. وهناك وسيلة أخرى استعملها الأتراك لاكتساب ثقة الأهالي.وتتمثل في تطبيق العدالة و الإنصاف اللذين يعتبران أساسا لجميع الحكومات التي تريد أن تكون عظمتها دائمة وعندما يتم التأثير على العقول فإن الجسام تتبع بالطبع، وما الفتح الحقيقي إلا ذلك الذي يستهدف القلوب لا الأجساد.ثم هناك وسيلة رابعة عرضية فحواها أن الأتراك يقيمون الصلاة بانتظام مما جعل البرابرة يتصورون أنهم مرابطون وصالحون.هذه هي الأسباب التي جعلت السكان يخضعون طواعية للأتراك ويثقون فيهم ثقة عمياء.

وإذا اعتزمت إحدى القبائل التشويش على النظام العام ، فإن القبائل الأخرى تنظم إلى الأتراك لمحاربتها، وقلما يلجأ هؤلاء إلى قوتهم الحربية، وإنما كانوا يفضلون الاعتدال لبلوغ الأهداف التي وضعوها لأنفسهم، والدليل على ذلك أنهم عندما يخضعون قبيلة عدوة ثم تستسلم تلك القبيلة، يستقبلونها بحفاوة ويعيدون إليها ما أخذ منها أثناء الحرب، وقد يعوضون لها الأشياء المتلفة حتى يتمكنوا من أن يجلبوها إليهم بعد الانتصار عليها.لقد كانوا يبرهنون لمثل هذه القبيلة على ثقتهم بها ويدفعونها إلى أن تعيش هادئة.وكانوا يقولون لها بأن الهجوم لم يكن موجها لإبادتها وإنما لتأديبها وإرجاعها إلى الصراط المستقيم. وعلى الرغم من أن هؤلاء البربر أميون، فإن الاعتدال والإكرام يؤثران فيهم أكثر من القوة والعنف.

وإذا كانت بعض القبائل تنظم أحيانا إلى الأتراك لإخضاع القبائل الثائرة، فإن القبائل من ناحية بجاية وفي القبائل المجاورة للمنطقة، لم تكن لترضى بأن تأتي قبائل أخرى إلى أرضها لتساعد الأتراك على إعادة الأمن، وإن كبار المنطقة ورؤساءها هم الذين يسهرون على امن الطرقات الواقعة في المقاطعة، ولكن ذلك لا يتم إلا إذا قام الشخص أو القافلة، باتخاذ أحد المرابطين كمنقذ أو حام، ويزعمون أن ليس في استطاعتهم، بدون مرابط أو يؤمنوهم من الحوادث التي قد تقع في أثناء السفر. وجعلت الضرورة من هذا الإجراء شيئا لا بد منه تبناه الأتراك بدورهم للمحافظة على أمن الطرق.ومازال هذا النظام ساري المفعول إلى يومنا هذا ( زمن حمدان خوجة) .وإن الحاميات التركية نفسها عندما تتوجه إلى حصن بجاية سنويا مضطرة إلى اصطحاب مرابط ، وإلا فإنها تأخذ طريق البحر.

ونتج عن هذه السياسة وهذا الاعتدال طاعة العرب والقبائل وأمن الطرقات،وبواسطتها تمكن الأتراك من بسط نفوذهم في إفريقيا،خاصة بعد تأكدهم من أن قوة القبائل لا تقهر، وتيقنهم أنهم لن يتمكنوا من إخضاعها بحد السيف وإنما باللطافة والتسامح والإرادة الحسنة التي أسفرت عن نتائج مرضية تتمثل في بقائهم لمدة تزيد عن ثلاثة قرون.لأن غالبية سكان الإيالة مكونون من الأندلسيين ومن القبائل أو البرابرة الذين تمدنوا وغيروا أوضاعهم. وبتبنيهم الطرق الجديدة لحياة المدينة حدث التقارب بينهم وساعدت على ذلك مصالح الأسرة والمصالح الصناعية والتجارية.

                        من كتاب " المرآة " لحمدان بن عثمان خوجة. ص – ص 72-89 بتصرف.

حلل النص تحليلا تاريخيا كالمعتاد.

 

 

للاستفسار وطرح التساؤل يرجي التواصل مع أستاذ المادة مغاوري عبد الكريم عن طريق الايميل

meghaouri02@gmail.com