تعربف  علم اجتماع المخاطر

هو فرع من افرع علم الاجتماع حديث نسبيا  ، يهتم بفهم و تفسير ظاهرة المخاطرة تفسيرا سيسيولوجيا بأسبابها و نتائجها في الحيز  التاريخي و المجتمعي ككل ، ، كما يهتم بدراسة المخاطر الناجمة  من عصر الحداثة و ما بعدها ، أي أنه يتناول بالدراسة المخاطر التي يعرفها عالمنا اليوم و أثرها على المجتمع الإنساني ،وهذه المخاطر الاجتماعية تختلف باختلاف المجتمعات وبنيتها الثقافية والاقتصادية ، فعلى سبيل المثال يعد النمو السكاني السريع مشكلة اجتماعية ترتبط بأخطار في المجتمعات النامية الا ان الوضع قد  يكون معكوس في الدول المتقدمة التي تعاني من انخفاض في نسبة النمو السكاني . وكثير من الظواهر قد تختلف في تاثيرها من مجتمع لاخر .

 هذا الفرع العلمي  يرتبط بشكل كبير بإسهامات عالم الاجتماع الألماني أولريش بيك الذي يعزى له الفضل في صياغة مفهوم " مجتمع المخاطرة " . بالاظافة الئ اسهامات  علماء اجتماع مثل الانجليزي أنتوني جيدنز ، و الألماني نيكلاس لومان .

أولريش بيك     يعرف مجتمع المخاطر بأنه "حالة من توافق الظروف أصبحت فيها فكرة إمكانية التحكم في الآثار الجانبية و الأخطار التي يفرضها اتخاذ القرارات محل شك " . و هنا نلاحظ أن المخاطرة مرتبطة باتخاذ القرار بشأن سلوك ما قد يحقق لنا : إما فرصة و إما خطرا . ارتبط المفهوم السوسيولوجي للمخاطرة بأولريش بيك بسبب كتابه الذي ظهر بعنوان "مجتمع المخاطرة" عام 1986 ثم أصدر المؤلف عام 2006 كتاب "مجتمع المخاطر العالمي : بحثا عن الأمان المفقود"، مشيرًا في المقدمة إلى أن ما كان يبدو مبالغًا فيه قبل عشرين عامًا وأصبح أمرًا واقعًا ومحسوسًا.  ومن أمثلة المخاطر التي ذكرها بيك: التغير المناخي الناتج عن أنشطة إنسانية، وبخاصة الصناعات والنقل التي تطلق كميات كبيرة من الغازات تؤدي إلى رفع حرارة الأرض، أو الإضرار بطبقة الأوزون في الجو، والإرهاب العالمي غير المرتبط بدولة أو مكان، والذي يستخدم وسائل وأساليب يصعب معرفتها أو توقعها مثل العمليات الانتحارية.

اما أنتوني جيدنز يعرف في كتابه ( عالم منفلت) المخاطرة على أنها : تلك المجازفات التي يتم تقويمها فعليا في علاقتها بالاحتمالات المستقبلية . كما يقول أنها هي القوة الدافعة للمجتمع الذي يصر على التغير و الذي يريد ان يحدد مستقبله ولا يتركه للدين او التقاليد أو لقوى الطبيعة .

و هو أي جيدنز يرى أن المخاطر نوعان :

-مخاطر خارجية ، و هي ما ارتبط بالتقاليد و الطّبيعة ( الأوبئة و الفياضانات و المجاعة و الجفاف و البيئة وو) ، و التي تحدث خارج إرادة الانسان

- مخاطر مصنعة ( مخلقة ) ، هي التي يتدخل فيها الانسان بارادته ، و التي تنجم عن قصور و قلة خبرة الانسان مثل الاستهلاك المفرط للغابات التلوت وغيرها  .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحاضرة الثانية  

مخاطر النمو السكاني نموذج العالم الثالث

تاريخ نمو السكان في العالم

يعتبر تقصي الحقائق المتعلقة بتاريخ السكان في العالم من اكثر الموضوعات صعوبة وأكثرها تعقيداً لان دراسة مثل هذا الموضوع يجب إن يعتمد على أدلة وافية وان الاستنتاج ينطوي على قدر كبير من التخمين حيث أن التعدادات لم تظهر ألا قبل ما يقارب 150 عام(1). وإذا أريد معرفة سكان العالم قبل تلك الفترة اصبح الاعتماد على التخمين الطريقة الوحيدة لتقدير سكان العالم.

ويمكن القول أن سكان الأرض خلال العصور الطويلة ظل ينمو بصورة بطيئة جداً كما انه لم يكن ثابت بل يزداد أحيانا وينقص مرة أخرى تبعاً لطبيعة الظروف التي يمر بها الناس. قدر الديمغرافيين سكان العصر الحجري بحوالي 15 ملايين ثم قدر سكان الأرض بحوالي 250 مليون نسمة في عصر الإمبراطورية الرومانية وميلاد السيد المسيح ثم وصل إلى 500 مليون نسمة سنة 1650 (2) أي أن سكان الأرض احتاجوا إلى اكثر من 1600 سنة لكي يضاعفوا عدد السكان منذ ميلاد السيد المسيح وحتى سنة 1650م.

وقد عزا الديمغرافيين أسباب هذا النمو البطيء إلى أن الإنسان اضطر خلال تلك القرون الطويلة إلى إن يحيا ويتكاثر كباقي الحيوانات وكان تكاثره يخضع لمجموعة من العوامل أهمها الأوبئة والمجاعات والحروب. فقد تفشت الأمراض والأوبئة المعدية كما أن المجاعات كانت تأخذ دورها في الحد من نمو السكان بين فترة وأخرى بالإضافة إلى كثرة الحروب والغزوات. سواء على مستوى القبائل الصغيرة أو الإمبراطوريات(3) وكانت الحروب تدخل كمتغير حاسم في حالة فشل الأوبئة والمجاعات من الحد من زيادة السكان لقد ساهمت هذه العوامل مجتمعة في زيادة معدلات الوفيات في القرون الماضية.

إما الفترة التي أعقبت القرن السابع عشر فقد بدا السكان يتزايدون بوتيرة اكبر بتأثير الثورة الصناعية وما رافقها من تقدم طبي وتطور واستطاع السكان من مضاعفة عددهم خلال فترة تقترب من 200 سنة إذ بلغ سكان الأرض في سنة 1830 حوالي مليار نسمة تقرباً. وفي سنة 1930 وصل العدد إلى 2 مليار نسمة وبذلك تضاعف الجنس البشري مرة أخرى وهذه المرة في 155 سنة فقط وأضيف المليار الثالث واصبح سكان العالم 3 مليار نسمة في عام 1960(4)  ووصل سكان العالم عام 2000 إلى ما يزيد عن 6.1 مليار نسمة(5) فالجنس البشري الذي احتاج إلى الألف السنين ليصل تعداده إلى 3 مليار نسمة لم يحتاج إلى أكثر من 40 عاماً ليضاعف هذا العدد. هذه المرحلة أطلق عليها الديمغرافيين مرحلة الانفجار السكاني، كما هو مبين أدناه في الجدول :

 

 

 

 

 

 

 

جدول رقم (1) يوضح التضاعف المليوني لسكان الأرض

 

السنة

عدد السكان مليون نسمة

بداية الميلاد(1)

250

1650

500

1830

1000

1930

2000

1960

3000

1999

2012

6000

7000

 

 

ويمكن تمييز ثلاث مراحل من تاريخ نمو السكان في العالم تبدأ المرحلة الأولى منذ وجود الإنسان على وجه الكرة الأرضية حتى منتصف القرن السابع عشر حيث ظل السكان خلال هذه العصور الطويلة ينمو بصورة بطيئة جداً، متأثراً بالعوامل السابقة الذكر. (الأمراض والمجاعة والحروب).

أما المرحلة الثانية فتمتد من 1650 حتى سنة 1950 حيث ازداد السكان خلالها من 500 مليون الى 2500 مليون وذلك بمتوسط زيادة سنوية تقرب من 0,5 % بالمائة وبعبارة أخرى عشر أضعاف معدل الزيادة في المرحلة السابقة(6).

أما المرحلة الثالثة وتقع بين عام 1950-2000 قفز لها خلالها السكان في العالم من
2500 مليون نسمة إلى 6100 مليون نسمة ووصل متوسط الزيادة النسبية الى 1 % أو ما يعادل أكثر من ضعفي معدل الزيادة خلال المرحلة الثانية(7).

إلا أن هذه المراحل الثلاث التي مر بها السكان في العالم لا تنطبق على كافة المناطق في العالم. إذ تباينت من منطقة إلى أخرى ومن فترة الى أخرى ويمكن تقسيمها على النحو التالي المرحلة التي سبقت القرن الثامن عشر كان نمو السكان يسير بشكل متساوي في كافة مناطق العالم سواء في الغرب أو الشرق ولكن وجد أن معدل النمو للمناطق المتقدمة بدأ يتجاوز معدل النمو في المناطق النامية منذ بداية القرن الثامن عشر.إن معظم الدول الصناعية كانت معدلات الزيادة فيها مرتفعة في القرنيين السابقين. ويرجع ارتفاع معدل الزيادة في الدول الصناعية الى حقيقة انخفاض معدل الوفيات وبقاء معدل المواليد مرتفع نسبياً. هذه الزيادة كانت نتيجة ما أحدثته الثورة الصناعية من تقدم في مجال الطب والسيطرة على الأمراض وزيادة الإنتاج ومصادر الغذاء من جانب ثاني(8).

لقد استمرت وتيرة نمو السكان في الدول المتقدمة حتى بداية العقد الثالث من القرن العشرين.  فخلال هذه الفترة بدأ سكان الدول النامية يسير بشكل أسرع نتيجة للتوسع والانتشار الثقافي الغربي وأخذت وتيرة نمو السكان في الدول المتقدمة تستقر تدريجياً ثم وصلت بعد عقد الخمسينات الى مرحلة بدأ فيها النمو السكاني يتباطأ بشكل ملحوظ ووصلت عدة دول أوربية الى مرحلة الاستبدال في السكان.

أما بالنسبة للمناطق النامية فقد بدأت وتيرة النمو في التصاعد منذ بداية القرن وأخذت هذه الوتيرة شكل واضح ومؤثر منذ بداية العقد الثالث واستمرت الى الوقت الحاضر إذ أن معدل الزيادة في أفريقيا على سبيل المثال ارتفع من 90% من الفترة 1930-1965 الى 177% من الفترة 1965-2000بينما ارتفع معدل الزيادة السكانية في أوربا فقط من 25% الى 29% للفترة نفسها وعلى التوالي. في حين يرتفع نفس المعدل في آسيا من 64% الى 139% للفترة نفسها(9).

 

المحاضرة الثالثة

 

تأثير النمو السكاني في العملية التنموية

يمكن ادراج تأثير النمو السكاني المتزايد في العملية التنموية بشكلها العام في عدة نقاط رئيسية  اهمها

اولا : في ما يتعلق ببناء الانسان وتنمية قدراته ويرتبط هذا العنصر بالتعليم والصحة فالنمو السكاني ذو تأثير كبير في هذين القطاعين . وسنحاول  تناول تأثير النمو المتسارع  في  فاعلية هذين القطاعين .

1. الصحة  ان الزيادة السكانية  تشكل ضغوطا على مختلف انواع الخدمات ومنها الخدمات الصحية ويجلى ذلك من خلال الضغط الكبير الحاصل على المستشفيات والمراكز الصحية الخدمية ، مما يقلل في كفاءة هذه المؤسسات ويسبب ضعف في ادائها لخدماتها ، ومن اهم انعكاسات ذلك انتشار الاوبئة والإمراض وخاصة الامراض المزمنة والعاهات ، وهذه ايضا تتطلب رعاية خاصة ، ومع ضعف قاعدة  المؤسسات الطبية اساسا يؤدي ذلك الى تفاقم وقد مشكلة الامراض المزمنة مما يتطلب تكلفة اضافية في طبيعة الخدمات المقدمة لتلك الفئة . 

اصدرت منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي مؤخرا ((التقرير حول المعاقين في العالم)) بصورة مشتركة في الصين، وذكر فيه أن نسبة المعاقين في العالم ارتفعت من 10 بالمائة في سبعينيات القرن الماضي إلى 15 بالمائة حتى الآن .

وأوضح التقرير أن عدد المعاقين يتجاوز مليار شخص في كل أنحاء العالم، ما احتل حوالي 15 بالمائة من عدد سكان العالم، نتيجة لشيخوخة السكان والزيادة في الحالات المرضية .

.2التعليم . يعتبر التعليم من اكثر العناصر تأثرا بعمليات النمو السكاني السريع وتأثيره يندرج في اتجاهين اساسيين الاول يتعلق بالكمية والثاني بنوعية التعليم ، فالإعداد الكبيرة من الطلبة فرضت  رداءة نوع التعليم ، ففي التقريري السنوي للمنظمة الدولة للثقافة والعلوم والذي حمل عنوان ”التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع”.  حول أوضاع تعليم الأطفال في دول العالم، أشارة  هذه الدراسة الى أن ربع مليار طفل على الأقل حول العالم يفتقدون الى المبادئ الأساسية للتعليم بسبب تردي قدرات المعلمين وافتقارهم للتدريب المناسب لأداء وظيفتهم.

ووفقا للتقرير فإن طفلا من بين كل أربعة أطفال ، في الدول الفقيرة ، وبينها دول عربية ،  لا يستطيع قراءة جملة واحدة. وتزيد النسبة في منطقة الصحراء الكبرى.

وجاء فيه أيضا أن 36% في المئة فقط من الفتيات في اليمن، على سبيل المثال، حصلن عن قدر من التعليم الأساسي. وحذر التقرير من أنه إذا استمر الحال على ما هو عليه فإنه يجب انتظار حلول عام 2072 حتى تحصل كل الفتيات على فرصتهن في التعليم الأساسي في الدول النامية.

وعزت المنظمة هذا الوضع الى عدد من العوامل منها شح الموارد المخصصة لقطاع التعليم، إذ أن حجم الانفاق على التعليم من الناتج المحلي الاجمالي في معظم دول العالم النامي لا يتجاوز 6%. هذا إضافة الى ضعف التكوين للمعلمين والبنى التحتية للمدارس وانعدام اللوازم المدرسية أحيانا أو غلائها خصوصا في المناطق الريفية والفقيرة.

وحذر التقرير من أن حجم إهدار النفقات سنويا يبلغ 129 مليار دولار، تنفقها حكومات الدول دون الحصول على نتائج تتناسب مع حجم الأموال التي أنفقت، كما أن 37 بلداً يخسر ما لا يقل عن نصف المبلغ الذي يُنفَق على التعليم الابتدائي ، من جراء عدم تعلُّم الأطفال. وعلى النقيض من ذلك، يبين التقرير أن ضمان المساواة في توفير التعليم الجيد للجميع يمكن أن يولد منافع اقتصادية ضخمة تتيح زيادة الناتج المحلي الإجمالي للفرد في البلد بنسبة 23%..

 

ثانيا : تاثير النمو السكاني في القطاع الاقتصادي . من اجل توضح دقيق لتأثير النمو السكاني على البناء الاقتصادي ، سنحاول عرض الهرمين السكانيين لدولتين هما الجزائر وألمانيا .

Description : https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/2/24/Pyramide_Algerie.PNG

        Description : http://www.indexmundi.com/graphs/population-pyramids/germany-population-pyramid-2014.gif

من خلال الشكلين السابقين نلاحظ اختلاف في بنية الهرمين السكانيين بشكل جذري ، فنلاحظ على سبيل المثال ان فئة الشباب في الجزائر كبيرة ، بالمقارنة مع دولة مثل المانيا ،  هذه  الفئة قد تبدو للوهلة الاولى عنصر ايجابي في الهرم الجزائري ، وصغر هذه الفئة في الهرم الالماني عنصر سلبي ، وهذا ما  سار اليه اغلب المحللين والسياسيون والديمغرافيون  ،  في الوصف الايجابي لكبر حجم هذه الفئة السكانية ، إلا ان التحليل الموضوعي سيظهر عكس ذلك فدخول هذه الفئة ضمن قوى العمل سيتطلب بالضرورة توفير فرص عمل لهم ، وبالمقارنة مع الفئة التي ستخرج للتقاعد في نفس الهرم سنلاحظ ان هنالك اختلاف كبير في حجم الفئتين مما ، مما يتطلب بناء فرص عمل في مؤسسات جديدة ، وهذا يعني استحداث نشاطات اقتصادية جديدة ، في حين ان الوضع الاقتصادي هو سيء في الاساس ، مما سيفاقم مشكلة البطالة ، وما ينتج عنها من مشاكل اجتماعية . اما في النموذج الالماني تلاحظ ان الفئتين السابقتين شبه متقاربتين ،مما يؤدي الى استبدال فئة بأخرى ، مما يجعل صيرورة الاقتصاد تسير بوتيرة فاعلىة  . هذا من جا نب ومن جانب اخر فان نوعية التعليم في كلا المجتمعين مختلف بشكل جذي ، اي انه بالرغم من كبر حجم فئة السكان في فئة الشباب الا انها غير متلقية لتعليم يؤهلها لدخول قطاعات العمل مما يضاعف حجم تلك المشكلة

الخاتمة

ان اشكالية النمو السكاني وتجلياتها في مختلف قطاعات المجتمع تعود في الاساس الى ان اغلب المجتمعات التي تعاني من هذه المشكلة ، تقوم على اساس نمط قيمي وثقافي ، يعطي للإنجاب قيمة اجتماعية عالية ، هذه القيمة تتضح من خلال تفضيل الانجاب ، ونوعية جنس المولود وتفضيل سن زواج صغير ، وقد ساهم في تفاقم تلك المشكلة التطور الطبي والرعاية الصحية ، اذ ان التطور اصاب جانب مادي ، الا ان الجانب المعنوي بقى دون تغيير مما سبب تفاقم تلك الاشكالية .

 

 

التطورات التكنلوجية المستقبلية ومخاطرها الاجتماعية

ان تاريخ المجتمعات البشرية يظهر ان تطور هذه المجتمعات رهن بقدرتها في التطور التقني والعلمي، لمنتجاتها فالحاجة الى التطور كانت محفزا دائما الى الاكتشاف والاختراع الذي حاول البشر من خلاله توفير الوسائل الفضل لحياتهم .

هذه الوسائل عادة ما تتضح من خلال اختراعات واكتشافات . فالحاجة تاريخيا هي التي تستثير الاختراع او كما يقال .الحاجة ام الاختراع .فالاختراع او الاكتشاف هبني على اساس حاجة وبالتالي فان هنالك علاقة ترابطية بين المجتمع وتطوره التكنلوجي ، الا ان العصر الحديث شهد تغيرات كبيرة تتمثل في الكم الهائل لتراكم المخترعات، هذا الوضع جعل العملية التاريخية المعروفة بالحاجة ام الاختراع تتميز بتراكم التكنلوجيا وتصبح العملية التاريخية – الحاجة ام الاختراع – خارج المعادلة .

يقول جورج غورفيتش: "لقد  وصلنا إلى عصر نتجاوز فيه التقنيات البنى  الاجتماعية وبالأخص أنماط المجتمعات التي نشأت فيها. فتاريخ التقنيات يظهر أنه لم يسبق للمعرفة التقنية أن أنجبت حتى الآن أطراً اجتماعية، وإنما بالعكس تماماً، كانت الأطر الاجتماعية هي التي تستثير التقنيات الجديدة. إلا أننا سنشهد اليوم تفاوتاً ملحوظاً بين البنى الاجتماعية وبين التقنيات. فالمعارف التقنية أصبحت لا تخضع لأية سيطرة وأية رقابة. والتقنيات في مستواها الأعلى تظهر في سباق بينها وبين المجتمعات.

أي ان الاختراع بدا يتطور بعيدا عن الحاجة  لا بل بالعكس اصبح الاختراع يولد الحاجة . فعلى سبيل المثال اجهزة الاتصال وخاصة الهواتف النقالة لم تكن عند اختراعها في الدولة الام –فلندا- تعبر عن حاجة اجتماعية الا انه مع انتشارها اصبح امتلاكها حاجة لاغلب الافراد. ان التطورات التقنية عادة ما ترتبط بافرازات سلبية على المجتمع ، وخاصة التطورات الاخيرة نتيجة لعملية التغير المرتبطة بالجوانب المادية ففي اطار  نظرية التغيير الاجتماعي حاول بعض العلماء دراسة ظاهرة التغير الاجتماعي التي تحدث في المجتمع من خلال عملية الربط بين الجوانب المادية والجوانب اللامادية. أبرز مَنْ مثل هذا التيار العالم وليم أجبرن (W. Ogburn) والذي قدم أنموذجه في تأكيد التأثير الاجتماعي أكثر من البيولوجي في تفسير الأحداث الاجتماعية فأهم شيء في نظره لتفسير أعمال الإنسان هو التراث الاجتماعي الذي لا يفسره نتيجة لأعمال الإنسان خلال فترة محددة بل إنه النتاج الإنساني المتبقي منذ زمن بعيد واستطاع أن يدوم لينتقل من جيل إلى جيل. وقد ميّز أوجبرن عند مناقشته مفاهيم التطور الاجتماعي والدراسة المفصلة لدور العوامل البيولوجية والثقافية في التغير الاجتماعي بين الثقافة المادية واللامادية. "ولعل من أهم إضافاته هو استبدال مصطلح التطور الاجتماعي الذي كان سائداً بمصطلح التغير الاجتماعي. 

حيث أن اصطلاح التطور يشير إلى حالة إيجابية في حين أن التغير يضمن كلا الاحتمالين السلبي والإيجابي. وتقوم فكرة التغير الاجتماعي عند أوجبرن على تناول الجوانب الثقافية في المجتمع، فللثقافة وجهان مادي وغير مادي. ففي العائلة مثلاً يكون السكن والأثاث عبارة عن الجانب المادي ويكون الزواج والسلطة الأبوية وعلاقات السلطة داخل العائلة والجانب العاطفي، عبارة عن الجانب اللامادي والفصل بين هاتين الناحيتين كان أساس نظريته، ويصطلح على تخلف الجانب اللامادي عن الجانب المادي بالهوة الثقافية والتخلف الثقافي (Cultural leg)

فالثقافة اللامادية تعني "التراث الاجتماعي، أي ما خلفه شعب معين أو حفظه ويشمل هذا وسائلهم وعاداتهم وتقدمهم التكنولوجي ونظمهم الاجتماعية.

إن التطورات السريعة نسبياً في الجانب اللامادي مقارنة بالثبات النسبي في الثقافة اللامادية تطرح مشكلة التخلف الثقافي (Cultural leg) والذي يشير إلى وضعية تغير عندما يتصارع نوع جديد من السلوك مع القيم التقليدية، حيث تتصف التغيرات في الجانب اللامادي بأنها تحرك ضغط بالنسبة للثقافة اللامادية كونها تعتمد على نموذج ثقافي من بناء المجتمع القديم والذي لا يستقل فكرة الجديد ببساطة 

ويترتب على نظرية التخلف الثقافي (Cultural leg) ملاحظتان هما:

       ·         إن التغيرات المادية أسرع في تراكمها من المتغيرات اللامادية.

إن طبيعة تغير الثقافة اللامادية وعدم توافقها مع العناصر الثقافية للمجتمع يرجع إلى عدة أسباب أهمها:

•  السرعة غير المتكافئة بين العناصر المادية والمعنوية 

•  مقاومة إفراد المجتمع للجديد وحرصهم على القديم

•  صعوبة تغيير التصورات العقلية الجمعية لأفراد المجتمع في ما درجوا عليه، وبخاصة حين ظهور اختراع أو كشف جديد.

•  وجود تناقضات اجتماعية بين  الجماعات والهيئات داخل المجتمع  نتيجة عدم التجانس في التركيب الاجتماعي

إن التغيرات المادية تصبح علة في تغيير الثقافة اللامادية

ان هذه الاشكالية تتضح من خلال عدة عناصر واقعية تعيشها بشكل خاص المجتمعات النامية والاقل تطورا . فاذا كانت التطورات المادية تثير مشكلة بالنسبة للثقافة اللامادية في المجتمعات التي انتجت هذه التطورات المادية . عرفت بالهوة الثقافية .  فكيف ستكون درجة الهوة الثقافية في المجتمعات النامية والتي لم تنتج هذه المخترعات ولكن قامت  بمحاكاتها .

لقد شهدت اغلب المجتمعات النامية ظهور ظواهر اجتماعية لم تكن معروفة سايفا  ، مثل ارتفاع معدل الجريمة ارتفاع نسب الطلاق ارتفاع نسبة السلوك المنحرف تفكك المؤسسات التقليدية مثل الاسرة والحي و حتى المؤسسات الدينية .

 

التطورات التكنلوجية واخطارها  الاقتصادية  في المجتمعات النامية

وخلال الثورة الصناعية (1750-1900) ساهمت التطورات التكنولوجية، مثل آلات البخار والسكك الحديدية، في تحويل المجتمعات الزراعية إلى صناعية، وفي الفترة (1900-1950) ساهمت الكهرباء في زيادة معدلات الإنتاج، ومع حدوث الطفرات التكنولوجية في منتصف القرن العشرين؛ وصل الإنسان للقمر وحقق طفرات إنتاجية هائلة.

باتت التكنولوجيا تلعب دورًا هامًّا وحيويًّا في حياة الشعوب اليومية، حيث ساهمت في رفع معدلات الإنتاج، وفي تغيير أنماط معيشتهم بدرجة متزايدة. وفي الآونة الأخيرة، شغل الذكاء الاصطناعي والدور الذي تلعبه الروبوتات اهتمام الكثيرين، خاصة حول تأثيراتها على العمالة البشرية، والدور الذي قد تلعبه مستقبلًا.

أن الثورة التكنولوجية ستُحدث طفرات في مستويات الإنتاج وفترات العمل، حيث تطور الذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وأجهزة الروبوت، وكذلك علوم البيانات الضخمة والإنترنت، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات حول آثارها على مجالات العمل الإنساني، ومدى قدرتها على الإطاحة بالعنصر البشري. 

ونتيجة لهذا التطور التكنولوجي، أشار بعض المتنبئين بسوق العمل إلى أن الطفل الذي سيولد عام 2020 لن تتوافر له وظيفة مناسبة مستقبلًا، حيث ستختفي الوظائف التقليدية بمعايير اليوم؛ مما سيجعل عمل الإنسان مرتبطًا بمهارته مستقبلًا، وبشروط يضعها هو..

ووفقًا للتنبؤات الاقتصادية الاقتصادية فهؤلاء الأشخاص الذين يشغلون وظائف لا تتطلب مهارات عالية، مثل: الزراعة، وتقديم الخدمات، سيفقدون وظائفهم، مع ملاحظة ان نسبة العاملون بالزراعة في البلدان النامية لا تقل عن 30 بالمئة فكلما زاد استخدام التكنولوجيا قل استخدام العمالة، وهذا سيؤدي الى تحطيم انماط الاقتصاد التقليدي في المجتمعات النامية ومن ثم فقدانها للقوى العاملة التي تسيرها . يمثل التحالف بين الثقافة والتقنية ذروة القدرات التي تقدمها العولمة في الحقل الثقافي ، فهي تمكنت فعليا من اختراق الحدود الثقافة انطلاقا من مركز صناعة وترويج النماذج الثقافية ذات الطابع الغربي والهوية المؤمركة ، وألغت بالتالي إمكانيات التثاقف كخيار يعني الانفتاح الطوعي على المنظمات الثقافية المختلفة عبر آليات التأثير والتأثر والتفاعل المتبادل لصالح الاستباحة الكاملة للفضاء الثقافي الذي يعزز قيم الغالب ويؤدي إلى استتباع المغلوب واكتساح دفاعاته التقليدية ، وبالتالي لا تترك إمامه من خيارات خارج حدود الانعزال أو الذوبان سوى هوامش محدودة في مواجه تكنولوجيا الإخضاع  وصناعة العقول وهندسة الإدراك لغرض الغلبة الحضارية وكسر

وبشكل عام يمكن اختصار اثار التطور التكنلوجي على اقتصاديات الدول النامية بما يلي

1.  ترسخ ثقافة الاستهلاك فمعظم المواد المستهلكة تندرج ضمن الانتاجات الصناعية للدول الغربية ، وهو ما يعني تحول رؤس الاموال الى مركز القوى العالمية وهذا النمط  لا يشمل الاستهلاك التقليدي . ولكن ايظا يشمل الاستهلاك في التكنلوجيا نفسها شركات الاتصال الانترنيت الخ

2.  ارتفاع نسبة الفقراء في العالم النامي لصالح ارتفاع نسبة الاغنياء في العالم المتقدم .نتيجة تحطم البنى الاقتصادية التقليدية بسبب عدم قدرتها على المنافسة . فالمشاريع والصناعات التقليدي انهارت بسبب عدم قدرتها علي المنافسة

3.  ستظهر في نفس السياق مشاكل عدة بسبب التطور التكنلوجي المستقبلي يؤدي الى فقدان كثير من العمال لوظائفهم ، فعلى سبيل المثال يتوقع ان تنتج سيارات اجرة ذاتية القيادة ونسبة الحوادث فيها لا تتجاوز 1 بالمئة وان تتطور التقنيات في البيع والشراء بشكل مباشر مما يؤدي الى فقدان الكثير لمناصب عملهم .

 

 

 

 

التطورات التكنلوجية واثارها على المنظومة الزراعية

تاريخ التطور الزراعي

ان تاريخ التطور البشري ارتبط ارتباطا وثيقا بالتطور الزراعي ، فمنذ استطاع الانسان توطين الزراعة انتقل الجنس البشري من مرحلة الجمع والالتقاط الى مرحلة الزراعة المستقرة . وكانت هذه بداية لنهوض الحضارة الانسانية ، وابرز دليل على ذلك ان الحضارات القديمة نشأت على ضفاف الانهار مثل حظاره وادي النيل وحضارة  وادي الكنج في الصين وحضارة ما بين النهرين ، فالزراعة المستقرة ارتبطت بشكل كبير بتوفر مصادر المياه  والتي ساعدت هي الاخرى على نمو الحضارة الانسانية .

 

الثورة الصناعية والتطور الزراعي

لقد ساهمت الثورة الصناعية في اوربا بأحداث تغيرات جذرية في كل القطاعات الاقتصادية ومنها الزراعة فقد ساهمت المخترعات الحجيثة وخاصة اكتشاف قوة البخار في تسريع نقل البضائع ةنتعا البضائع الزراعية مما ساهم في تحفيز الانتاج الزراعة ووصول المنتجات الزراعية الى مناطق لم تكن تصل اليها قبل ذلك  وخاصة في المستعمرات في اسيا وافريقيا .كما ساهمت الثورة الصناعية في تطور ملحوظ فب الصناعات التحويلة وخاصة مع ظهور مصانع النسيج والطلب العالي على القطن والصوف .بالإضافة الى تطور الصناعات التحويلية المتعلقة بالحبوب كل هذه الاسباب ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في نمو مساحات الاستثمار الزراعي في العالم .من خلال نشوء مصانع الغزل والنسيج والصناعات التحويلية المتعلقة بالمواد الغذائية وخاصة الحبوب .

 

 

 

واقع الزراعة في العالم المتقدم والعالم النامي

 بالرغم من تطور الزراعة يرتبط بتوفر الاراضي الخصبة ومصادر المياه ، باعتبارها اهم معطيات النجاح الا ان ذلك لا يتضح على ارض الواقع ، فالأراضي الزراعية الشاسعة  فد تكون متوفرة الى حد بعيد في المجتمعات النامية الا ان واقع الانتاج الزراعي لا يتناسب مع حجم الانتاج الزراعي في البلدان المتقدمة . ويمكن ارجاع ذلك لعدة اسباب اهمها .

1. ان الاقتصاد الزراعي في الدول المتقدمة هو اقتصاد زراعي صناعي اي يعتمد على الصناعات التحويلة للمواد الزراعية والحيوانية ، اما في الدول النامية فهو اقتصاد زراعي معاشي بشكل كبير يعتمد على توفير الانتاج الغذائي للمزارعين فقط

2. ان الاراضي الزراعية في الدول المتقدمة تخضع لمستثمرين فيهذا القطاع اي الاستثمار في مساحات شاسعة ، مما يوفر التخصص والكفاءة في الانتاج ، اما في الدول النامية فان الاراضي الزراعية تقسم الى مساحات صغيرة مما يضعف قدرة المنافسة في هذه المجتمعات . وذلك بسبب ارتفاع نسبة العمالة في القطاع الزراعي حيث تبلغ نسبتها في بعض الدول النامية قرابة 40 بالمئة من حجم القوى العاملة

3. الاستخدام الواسع للتقنيات الحديثة في القطاع الزراعي بالاعتماد على مؤسسات بحث متخصصة في انتاج البذور والعلاجات الكيميائية ، اما في الدول النامية ما زالت الاساليب الزراعية شبه تقليدية مما يضعف قدرة الانتاج فيها

 

 

الاشكاليات المستقبلية للقطاع الزراعي في الدول النامية

 

 

من المتوقع ان يواجه القطاع الزراعي في الدول النامية اشكاليات مستقبلية . هذ المشاكل يمكن تلخيصها بما يلي .

1. ضعف قدرة المنافسة بسبب ارتفاع تكلفه الانتاج مما يسبب تبعية هذه المجتمعات للدولة المتقدمة في القطاع الغذائي . وهذا يتضح من خلال سيطرة الدول المتقدمة على قطاع الحبوب في العالم وخاصة الولايات المتحدة الامريكية

2. ضعف استخدام التقنيات الزراعية مما يضعف الانتاج من جانب ويضعف قدرة المنافسة في الصناعات التحويلية من جانب اخر .

3. التبعية الاقتصادية للقطاع الزراعي في الدول النامية  للدول المتقدمة في عدة مجالات اهمها انتاج البذور والادوية والمبيدات الزراعية

4. سيواجه القطاع الزراعي مشكال تتعلق بظاهرة العمالة في هذا القطاع اهمها ظاهرة البطالة المقنعة .وهي تعني ان هنالك عمال او فلاحون في القطاع الزراعي يمارسون عملهم لموسم واح ويبقون في مواسم السنة الاخرى بدون عمل .