تتمة لما سبق نضع بين يدي الطالب كيفية تطبيق ما جاء في الدرس السابق (المنظور) على النص السردي


حصة تطبيق: المنظور في الدراسات السردية               الأستاذ: إسماعيل زغودة

المستوى الثالث تخصص: أدب عربي

 

ـ التّبئير الصّفر :لا يأخذ فيه الرّاوي بزاويّة رؤية محدّدة ، فيتقدّم في روايته كلّي الحضور ،له حريّة واسعة في تناول الأحداث والشّخصيّات ،لا يعترضه أيّ حاجز في رؤية الوقائع وخلفيّاتها، ما قد يحدّ من تناولها أو بلورتها ، مطلق،لا يلتزم بداخل أو خارج،حتى يكاد يصبح الحديث فيه عن تبئير صعباً[1]، فيقال إنّه غائب أو معدوم (صفر)، والرّاوي في هذه الرّؤية  لا يتموقع خلف شخصيّاته ولكنّه فوقهم كإلـه دائم الحضور،وهذه الرّؤية المطلقة يستحيل أن تتمّ بواسطة شخصيّة معيّنة[2].

 تطبيق :

جاء في رواية "الطيب صالح" (موسم الهجرة إلى الشمال ) ما يلي :

«فوجيء الرجل قليلا ، وخيّل إليّ أنّ ما بين عينيه قد تعكّر ، لكنه بسرعة ومهارة عاد إلى هدوئه ، وقال لي وهو يتعمّد أن يبتسم :... »الرواية ص 35.

 فالراوي في هذا المقطع علِم أن محدّثه فوجيء ، كما علم أنّه يتعمّد الابتسام وكأنه عالم بما يدور في نفسيته ، فنحن هنا أمام راو يعلم كلّ شيء عن شخصياته وهو ما يسمى بالتبئير الصفر . وجاء في رواية "القاهرة الجديدة" لِ "نجيب محفوظ" هذا المقطع في الصفحة 71.

« وقال لنفسه راضيا : إنّ اللبيب بالإشارة يفهم ؛ وحسبه ذلك الآن . أما عن المستقبل فقلبه يحدثه بأنّ هذه الفتاة لن تذهب من حياته كأنها شيء لم يكن .» البطل تحدّث مع نفسه وقلبه في هذا المقطع ، فمن أين علم الراوي بذلك ؟ إننا هنا أمام تبئير منعدم ، فالراوي يعلم ما ظهر وما خفي ، لذلك يصعب الحديث عن تبئير .                                   

ـ التّبئير الدّاخلي: هو الذي يأتي تعبيرا عن وجهة نظر شخصيّة فرديّة ثابتة أو متحرِّكة،وتكون معرفة الرّاوي هنا على قدر معرفة الشّخصيّة الحكائيّة، فلا يقدِّم لنا أيّ معلومات أو تفسيرات إلاّ بعد أن تكون الشّخصيّة نفسها قد توصّلت إليها.

تطبيق :

جاء في الرواية :

« كنت أتدحرج يوما بعد آخر نحو هاوية حبّك ، أصطدم بالحجارة والصخور ، وكل ما في طريقي من مستحيلات . ولكنني كنت أحبك.» الرواية ص 140.

في هذا المقطع يتعرف القارئ على مشاعر الشخصية الحكائية من خلال ما باحت به من مشاعر الحب .فالتبئير هنا داخلي ، مما باحت به الشخصية عن حالتها النفسية .

ـ التّبئير الخارجي: هو التّبئير الذي يتيح التّعبير عمّا يحدث من وقائع ،وما يتمّ من تصرّفات، تقع جميعا في نطاق المشاهدة العيانيّة الخارجيّة[3]، والرّاوي يعتمد فيه كثيرا على الوصف الخارجي ولا يعرف ما يدور في خلد الأبطال، فيكون فيه الرّاوي بمثابة ملاحظ خارجي أو آلة تسجيل.وما تجدر الإشارة إليه هو أنّه من النّادر أن يلتزم الرّاوي في قصّة واحدة برؤيّة سرديّة أحاديّة ،ففي الغالب ما تتنوّع الرّؤى السّرديّة داخل الخطاب القصصي الواحد[4].

تطبيق:

جاء في الرواية :

«وقبل أن تصلني كلماتك ..كان نظري قد توقف عند ذلك السّوار الذي يزيّن معصمك العاري الممدود نحوي . كان إحدى الحلي القسنطينية التي تعرف من ذهبها الأصفر المضفور ، ومن نقشتها المميزة .» الرواية . ص 52.

المبئِّر في هذا المقطع خالد ، والمُبَأَّر : السّوار الذي كان بمعصم "أحلام" ، والتبئير تمّ بالعين المجرّة ، بما رآه ، فهو تبئير خارجي .

 

 

 

 



[1] - سامي ،سويدان: نفسه . ص183.

[2] Pour lire le récit : P107-

[3] - حميد ،الحمداني : نفسه.ص48.

[4] Pour lire le récit: P111.