المحور الأول: مفاهيم أساسية حول البحث العلمي ( المعرفة العلمية، المنهج العلمي، المصادر،.)

أولا- العلم والمعرفة العلمية

1- المعرفة:  هي مفهوم شامل وعام بكل ما يحيط بالإنسان من أحكام وتصورات ومفاهيم ومعتقدات في مختلف مجالات النشاط الإنساني. وهي تعني كذلك " ذلك الرصيد الهائل من المعارف والعلوم والمعلومات التي اكتسبها الإنسان خلال مسيرته الطويلة بحواسه وفكره وعقله." وينظر أيضا إلى المعرفة بأنها " شبكة مفهومية تتضمن كل الأنماط المعرفية في حقبة زمنية معينة." و عليه تشمل المعرفة مجموع المعارف الروحية، الاقتصادية، السياسية، الثقافية والعلمية في الوقت نفسه.

أما المعرفة العلمية: يمكن تعريف المعرفة العلمية على أنها تلك التصورات والأحكام العقلية الموضوعية التي يتوصل إليها الإنسان حول القضايا والظواهر المحيطة به من خلال طرق وأساليب علمية موضوعية.

 2- العلم فهو نوع من المعارف تتسم بالوحدة والتكامل والنسقية، كما يعتمد العلم على مبادئ تميزه عن باقي أنواع المعارف الأخرى، وبتعبير آخر فإن العلم هو " المعرفة المصنفة التي تم الوصول إليها بإتباع قواعد المنهج العلمي الصحيح مصاغة في قوانين عامة للظواهر الفردية المتفرقة."

       وعليه فإن المعرفة أشمل و أوسع من العلم، إذ يبقى العلم يقوم على دراسة و تحليل الظواهر، وهو جزء من المعرفة. بمعنى آخر أن المعرفة شاملة و عامة تتضمن مختلف الجوانب الإنسانية و في شتى المجالات و التخصصات، فإذا استطاع الإنسان في مجال معين و تخصص دقيق أن يحدد ذلك المجال المعرفي بدقة و يقوم بالتجارب العلمية ،و يصل إلى نتائج دقيقة فيما يتعلق بذلك الجانب المعرفي فإنه في هذه الحالة تصبح تلك المعرفة علما قائما بذاته.

3- أنواع المعرفة العلمية:

 3-1- المعرفة الحسية: وتتمثل في كل التفسيرات والحلول التي توصل إليها الإنسان عن طريق الحواس مباشرة، حيث أنها لا تتعدى حدود الإدراك الحسي العادي دون اللجوء إلى التفكير العميق والتحليل لمختلف العلاقات وتبدأ بالملاحظة البسيطة العفوية التي يعقبها تفسير مباشر وعفوي من طرف الإنسان كإدراكه تعاقب الليل والنهار، وتقلب الأحوال الجوية، وترتبط في صحتها وشموليتها وتعقدها بالخصائص العقلية للفرد، أي بحسب مستوى ذكائه وفطنته وسلامة حواسهم وهذه المعرفة لا ترقى إلى مرتبة المعرفة العلمية.

3-2- المعرفة الفلسفية التأملية: هذا النوع من المعرفة مبني على التأمل والتفكير في إشكاليات مثل خلق الكون وهي مشكلات غير مرئية ترتبط بعالم الميتافيزيقي، أي يتوصل إليها الإنسان عن طريق التأمل واستخدام مختلف العمليات العقلية كالإستنتاج والاستنباط والتحليل والقياس المنطقي والبرهان وغيرها، حيث يتم استخلاص أحكام ونتائج جديدة انطلاقا من مقدمات وأحكام سابقة.

3-3- المعرفة العلمية:  تعتبر أرقى وأدق أنواع المعرفة، يتم التوصل إليها من خلال جهد علمي منظم ومرتب وفق منهج علمي معروف، فهي المعرفة التي تعبر عن حقيقة الأشياء بشكل دقيق وموضوعي تميل أكثر إلى استخدام القياس والتعبير الكمي في تصور الحقائق والظواهر ومختلف العلاقات التي تربطها وهي على نوعين  :

- المعرفة العلمية الفكرية: في هذا الإطار تدرس الظواهر الإنسانية والاجتماعية، ويستخدم الباحث هنا أدوات عقلية مثل الاستدلال ويتم التأكد من صحة النتائج عن طريق العقل، وموضوع المعرفة الفكرية العلمية هي دراسة ظواهر مادية يعيشها الإنسان في واقعه مثل: الدولة، القانون، الأمة...إلخ

-المعرفة العلمية التجريبية: وهي مجموعة الحلول والتفسيرات للظواهر الطبيعية والتي توصل إليها الإنسان بدءا بالملاحظة ثم الفرضية ثم التجريب، ويستطيع أي إنسان التأكد من صحة النتائج بإعادة التجربة، وهذه المعرفة توصف بأنها موثوق فيها أكثر من غيرها.

4- خصائص المعرفة العلمية: تتميز المعرفة العلمية بمجموعة من الخصائص أهمها:

4-1- دقة الصياغة: تعني التعبير الدقيق عن الأحداث والقضايا المدروسة،  وهذا لكون أن الباحث يعبر عن أفكاره ونتائج بحثه بلغة كمية ذات صياغة رياضية دقيقة، إذ تتميز هذه اللغة  باعتمادها على القياس الكمي، فقد أصبحت العلوم الاجتماعية والإنسانية تعتمد على لغة الأرقام في كثير من الأبحاث مثل استخدام الجداول البيانية، والنسب المئوية والإحصائيات وغيرها من الأدوات الرياضية.

4-2- التعميم: يقصد بالتعميم الانتقال من الحكم الجزئي إلى الحكم الكلي بحيث يدرس العلم الظواهر من خلال عينة، وعند الوصول إلى نتيجة يتم تعميمها على المجتمع الأصلي أو الظاهرة وهذا نظرا  لتعذر دراسة كامل المجتمع الأصلي.

4-3- إمكانية اختبار الصدق: تتميز المعارف بأنها قابلة للاختبار، وذلك للتأكد من صدقها، من خلال إخضاعها أو إخضاع القضايا المرتبطة بها للتحقيق بالاستناد على حقائق من الواقع.

4-4- الموضوعية: وتعني الموضوعية أن تكون خطوات البحث العلمي كافة قد تم تنفيذها بشكل موضوعي وليس شخصي متحيز، ومن ثم يتحتم على الباحث أن لا يترك مشاعره وآراءه الشخصية تؤثر على النتائج التي يمكن التوصل إليها بعد تنفيذ مختلف المراحل والخطوات المقررة للبحث العلمي .

4-5- التحليل: تتصف المعرفة العلمية بتعبيرها الدقيق التحليلي للقضايا العلمية وذلك بوصف جزيئات الظواهر ومختلف العلاقات التي تربط فيما بينها أو تربط بينها وبين الكل، وهذا يساعد في وصف الظاهرة والتعرف على أسبابها وكيفية التعامل معها.

4-6- اتصال وتكامل المعارف: تتصف المعرفة العلمية في إطار العلم الواحد وحتى بين العلوم الأخرى بالتكامل والاتصال فيما بينها، وهذا نتيجة أن الباحث يبدأ بحثه دائما من حيث انتهى الآخرون، وعندما ينتهي هو يبدأ الآخرون.

4-7- التسليم ببعض المبادئ: لابد على الباحث التسليم ببعض المبادئ كبديهيات حتى يستطيع القيام ببحثه كمبدأ الحتمية، السببية......الخ.

4-8- البناء النسقي للحقائق العلمية: ونعني أن الحقائق ترتبط ببعضها البعض في بناء نسقي، فالعلم ليس مجموعة مفككة بل هو مجموعة معارف منتظمة ومكملة لبعضها البعض.

5- أهداف العلم: يهدف العلم إلى الوصف والتصنيف والتفسير والفهم.

5-1- الوصف:  إن هدف العلم هو وصف الواقع بطريقة صادقة، وإعطاء وصف دقيق للظاهرة المدروسة وبيان خصائصها، فالوصف إذن هو تمثيل مفصل وصادق لموضوع أو ظاهرة ما.

5-2- التصنيف: لا يكتفي العلم بوصف الظواهر، بل يقوم بتصنيفها، والتصنيف هو تجميع أشياء أو ظواهر انطلاقا من مقياس واحد أو عدة مقاييس، ومثال ذلك في مجال علم الاجتماع في حالة وضع نماذج للمجتمعات.

5-3- التفسير: لا يتوقف العلم عند عملية الوصف أو التصنيف، بل يقوم بتفسير الظواهر، والتفسير هو الكشف عن علاقات تصف ظاهرة أو عدة ظواهر، لهذا يمثل التفسير القلب النابض للمسعى العلمي، ذلك لأن العلم يريد أن يكشف عن طريق الملاحظة العلاقات القائمة بين الظواهر، والعلاقة التي يبحث عنها أكثر هي بطبيعة الحال علاقة سببية، بمعنى دراسة ما إذا كانت هذه الظاهرة سببا في وجود تلك الظاهرة.

5-4- الفهم: إن الفهم هو اكتشاف طبيعة ظاهرة إنسانية مع أخذ بعين الاعتبار المعاني المعطاة من طرف الأشخاص المبحوثين.

ثانيا: البحث العلمي

1- تعريف البحث العلمي: البحث في اللغة هو التفتيش والتقصي لحقيقة من الحقائق أما العلم فقد عرفناه سابقا .

والبحث العلمي من الجانب الاصطلاحي له عده تعاريف نأخذ من بينها هذه التعاريف:

1-1- البحث العلمي هو التقصي المنظم بإتباع أساليب ومناهج علمية محددة للحقائق العلمية قصد التأكد من صحتها أو تعديلها وإضافة الجديد لها .

1-2- البحث العلمي هو وسيلة للاستعلام والاستقصاء المنظم والدقيق الذي يقوم به الباحث بغرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة، على أن يتبع في هذا الفحص والاستعلام الدقيق خطوات منهج البحث العلمي واختيار الطريقة للبحث وجمع البيانات.

1-3- البحث العلمي هو الدراسة الموضوعية التي يقوم بها الباحث في أحد الاختصاصات الطبيعية أو الإنسانية والتي تهدف إلى معرفة واقعية ومعلومات تفصيلية عن مشكلة معينة يعاني منها المجتمع والإنسان سواء كانت هذه المشكلة تتعلق بالجانب المادي أو الجانب الحضاري للمجتمع. والدراسة الموضوعية للجوانب الطبيعية أو الاجتماعية قد تكون دراسة مختبرية أو تجريبية أو دراسة إجرائية أو دراسة ميدانية إحصائية أو دراسة مكتسبة ، تعتمد على المصادر والكتب والمجلات العلمية التي يستعملها الباحث في جميع الحقائق والمعلومات عن المشكلة المزمع دراستها ووصفها وتحليلها .

1-4- البحث العلمي هو عمليات التقصي والملاحظة المدروسة والمنظمة للظواهر وتحديد العلاقات التي تحكمها والوقوف على الأسباب والعوامل المؤدية أو المؤثرة في توجيه مساراتها والتوصل إلى فرضيات وقواعد عامة والتحقق من هذه الفروض واختبارها والوصول إلى القوانين التي تحكمها.

إذن من خلال التعاريف السابقة، يمكن القول أن الهدف الأساسي للبحث العلمي هو التحري عن حقيقة الأشياء ومكوناتها وأبعادها ومساعدة الأفراد والمؤسسات على معرفة محتوى ومضمون الظواهر التي تمثل أهمية لديهم أو لديها، مما يساعدهم على حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأكثر إلحاحا وذلك باستخدام الأساليب العلمية والمنطقية.

    من خلال كل ذلك يمكن أن نعرف البحث العلمي بأنه الوسيلة الاستقصائية المنظمة التي يقوم بها الباحث في ميدان العلوم الإنسانية والاجتماعية أو في ميدان العلوم الطبيعية والتقنية، وذلك بإتباع أدوات بحث معينة ووفق خطوات بحث معينة وذلك من أجل الكشف عن الحقيقة العلمية بشأن المشكلة محل الدراسة والتحليل.

وعليه البحث العلمي هو وسيلة يستخدمها الباحث من أجل:

- البحث عن حقائق وعلاقات وقوانين جديدة.

- تصحيح أو تطوير حقائق وعلاقات موجودة.

- اختبار صحة حقائق وعلاقات موجودة والتحقق منها.

وهذت بغرض:

- فهم وتفسير الظواهر من حيث أسباب وطريقة الحدوث والوقوع.

- معرفة طريقة وكيفية التطور أو التغير وشروطه.

- معرفة مكونات الظاهرة والعلاقات التي تربطها مع الظواهر الأخرى.

- تحديد وقياس سلوك الظواهر.

- معرفة القوانين والعلاقات التي تحكم الظواهر.

2- خصائص البحث العلمي: يمكن أن نستنتج خصائص البحث العلمي من خلال التعاريف السابقة، وهي كما يلي :

- البحث العلمي بحث موضوعي.

البحث العلمي بحث تفسيري لأنه يهتم بتفسير الظواهر والأشياء بواسطة مجموعة متسلسلة ومترابطة من المفاهيم تدعى النظريات.

- البحث العلمي يتميز بالعمومية في دراسة وتحليل الظواهر معتمدا في ذلك على العينات.

البحث العلمي بحث منظم ومضبوط لأنه يقوم على المنهجية العلمية بمفهومها الضيق والواسع، الأمر الذي يجعل البحث العلمي أمر موثوق به في خطواته ونتائجه.

3- خطوات البحث العلمي: إن عملية تحليل وتفسير وفهم الظواهر يمر بمجموعة من الخطوات، تبدأ من تحديد دقيق لمشكلة البحث وصولا إلى استنتاجات تفسر وتوضح الظواهر المدروسة، ويمكن عرض تلك الخطوات على النحو التالي:

3-1- تحديد المشكلة: حيث يتطلب ذلك فهم المشكلة وتحديد أبعادها وجوانبها، إضافة إلى فهم الظاهرة المدروسة حتى يتسنى للباحث بلورة إشكاليته في شكل سؤال.

3-2- استنتاج وصياغة الفروض: بعد تحديد إشكالية البحث تأتي خطوة صياغة الفروض، إذ تمثل إجابات مبدئية للإشكالية المطروحة في انتظار إثبات صحتها أو نفيها.

3-3- اختيار منهج البحث: وهي خطوة مهمة في البحث، فاختيار المنهج المناسب له أثر على صحة ودقة وموضوعية النتائج المتوصل إليها.

3-4- تحديد البيانات وطرق جمعها وتبويبها: حيث تتطلب مهارات من الباحث إضافة إلى مجهودات فكرية وبدنية ومالية، وعلى الباحث أن يختار البيانات المناسبة والطرق الملائمة لجمعها، حيث يشترط أن تتصف بما يلي:

- الارتباط العضوي بموضوع البحث أو الظاهرة المدروسة.

- التكامل بين المعلومات وكفايتها.

- صدق المعلومات ودقتها وتوثيقها.

- الوضوح.

- الجدية والحداثة.

3-5- تحليل وتفسير البيانات: بعد جمع المعلومات وتبويبها على الباحث أن يعمل على تحليلها وتفسيرها بالاعتماد على أساليب وأدوات التحليل المنطقي والاستنباط، فالبيانات دون تحليل وتفسير لا تعطي أي فهم للظاهرة المدروسة.

3-6- اختبار الفروض: في ضوء التحليل والتفسير الذي قام به الباحث يتم اختبار صحة الفروض.

3-7- التوصل إلى نتائج وتعميمات محددة: يتم التوصل إلى نتائج وقوانين تفسر الظاهرة، ويتم تعميمها على كافة الحالات المشابهة والتي لم يتم دراستها، حيث تمكن تلك القوانين والأحكام الموصل إليها من فهم الظاهرة والتنبؤ بسلوكها المستقبلي.

3-8- التوصيات:إذ على الباحث في الأخير أن يقدم حلولا وتوصيات تبين كيفية حل المشكلة محل الدراسة والتعامل معها، وتقديم اقتراحات لكيفية معالجة الظاهرة والتحكم فيها.

 

4- أهمية البحث العلمي:

يفتح البحث العلمي آفاقا واسعة أمام الباحث لاكتشاف الظواهر المختلفة.

- البحث العلمي هو وسيلة تستطيع المجتمعات بواسطتها التخطيط للمستقبل وتفادي العقبات، فالدول تبني الخطط الاقتصادية المستقبلية بناءا على قوانين اقتصادية تم التوصل إليها من خلال البحث العلمي.

- يمكن الإنسان من إشباع حاجة حب المعرفة والاطلاع.

- يعتبر وسيلة مهمة لإنتاج المعرفة العلمية، فهو أداة لإحداث التقدم والتطور العلمي والتكنولوجي.

- ساهم في اكتشاف المشكلات التي تواجه الإنسان وإيجاد الحلول المناسبة لها، وبذلك فهو وسيلة مهمة لتكييف الإنسان مع البيئة والسيطرة عليها.

4- أهداف البحث العلمي:

- تحقيق الفهم الصحيح والموضوعي والدقيق للظواهر المدروسة من حيث طبيعة الظاهرة، أسباب وظروف زهورها وتطورها وشروطها، إضافة إلى فهم قوانين الطبيعة وتوجيهها لخدمة الإنسان.

- التنبؤ وهو من أهم أهداف العلم والبحث العلمي، فالتنبؤ هو عملية الاستنتاج التي يقوم بها الباحث بناءا على معرفته السابقة بظاهرة معينة تمكنه من فهم وتحديد سلوكها ومسارها المستقبلي.

- الضبط والتحكم في الظواهر، أي السيطرة على الظواهر والتدخل لحجب ظواهر غير مرغوب فيها وإنتاج ظواهر مرغوب فيها، وهذا من أهم أهداف التخطيط المبني على البحث العلمي الصحيح.

- إيجاد الحلول المناسبة للمشكلات المختلفة التي تواجه الإنسان في تعامله مع البيئة التي يعيش فيها.

- تطوير المعرفة الإنسانية في البيئة المحيطة بكافة أبعادها وجوانبها.

ثالثا: مناهج البحث العلمي

1- تعريف المنهج: يقصد بالمنهج الطريق أو المسلك ( في مجال اللغة ). وفي الاصطلاح، عرف المنهج تعريفات مختلفة نذكر أهمها على النحو الآتي:

- عرف ابن خلدون وابن تيمية المنهج بأنه: "عبارة عن مجموعة من القواعد المصوغة التي يعتمدها الباحث بغية الوصول إلى الحقيقة العلمية بشأن الظاهرة أو المشكلة موضوع الدراسة والتحليل".

ويعرف عبد الرحمان بدوي المنهج بأنه: " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة ".

ويعرف جابر عصفور المنهج بأنه " يهدف إلى الكشف عن الحقيقة من حيث أنه يساعدنا على التحديد الدقيق والصحيح لمختلف المشكلات التي يمكن معالجتها بطريقة علمية ويمكننا من الحصول على البيانات والنتائج بشأنها".

- يعرف أيضا على أنه:" مجموعة منتظمة من المبادئ العامة والطرق الفعلية التي يستعين بها الباحث في حل مشكلات بحثه مستهدفا بذلك الكشف عن جوهر الحقيقة، فهو أسلوب للتفكير المنظم في حل مشكلة ما، أي تلك الجهود الذهنية والعلمية التي يبذلها الباحث من أجل الوصول إلى هدف بحثه.

- ويعرف أيضا المنهج على أنه:" تلك الطريقة العلمية التي ينتهجها أي باحث في دراسته وتحليله لظاهرة معينة أو لمعالجته لمشكلة معينة وفق خطوات بحث محددة من أجل الوصول إلى المعرفة اليقينية بشأن موضوع الدراسة والتحليل".

 بناءا على التعاريف المذكورة يمكن تعريف المنهج على أنه:" طريقة وأسلوب لاختيار وانتقاء وتنظيم واستخدام أدوات وعمليات وإجراءات البحث العلمي بما يمكن الباحث من جمع الحقائق وتحليلها والوصول إلى فهم وتفسير الظواهر والمشكلات التي يدرسها بأكبر دقة وموضوعية ممكنة، بحيث تختلف تلك الطرق والأساليب بحسب اختلاف المشكلات والموضوعات المدروسة مما يشكل عدة مناهج.

2- تعريف المنهجية: هناك من يجعل مفهوم المنهج مرادف لمفهوم المنهجية فهل المنهج هو المنهجية؟

إن المنهجية يقابلها في اللغة الفرنسية" Méthodologie"  وهذا المفهوم مركب من كلمتين:"Méthode وتعني المنهج، و"Logie"  وتعني علم، وبذلك فالمنهجية هي العلم الذي يهتم بدراسة المناهج فهي علم المناهج. إذن علم المناهج هو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة المناهج المطبقة في البحوث العلمية.

 وبذلك فالمنهجية هي أشمل من المنهج الذي هو جزء منها، ففي البحوث العلمية نستخدم مفهوم المنهجية في حال اعتمادنا على مجموعة من المناهج في إطار التكامل المنهجي، وعليه فالمنهجية هي مجموعة المناهج والتقنيات المستعملة في ميدان معين والتي توجه إعداد البحث وترشد الطريقة العلمية.

3- مناهج البحث العلمي: هناك اختلاف بين الباحثين في تصنيف وتمييز مناهج البحث العلمي، ويرجع هذا الاختلاف إلى اختلاف أسس ومعايير التصنيف، سنحاول استعراض أهم المناهج:

3-1- المنهج الوصفي: وهو المنهج الذي يعمل على دراسة وتحليل الظاهرة وتحديد مكوناتها وخصائصها وظروف نشأتها، أي يصف الظاهرة من حيث كيفية وطريقة تكونها وبنائها وعملها، كما يعمل على وصف طبيعة العلاقات المكونة لها أو تلك التي تربطها بظواهر أخرى، إذ يدرس الظاهرة وهي في حالة سكون دون تغير وتطور أي يفسر الوضع القائم لها وتحليل أبعادها وعلاقاتها ومكوناتها.

3-1-1- خصائص المنهج الوصفي:

- يهتم بدراسة والتعرف على معالم وأبعاد الظاهرة المدروسة وتحديد أسباب تواجدها على صورتها القائمة وإعطاء تفسير منطقي لذلك.

- يعتمد المنهج الوصفي في دراسته على تحليل وتفسير الحقائق القائمة حول الظواهر لأنه يركز على دراسة الظاهرة في زمان ومكان محدد.

- يعتمد على مجموعة من الأدوات والأساليب التي تمكنه من جمع البيانات والحقائق حول الظواهر المدروسة، ومن بين تلك الأدوات نجد دراسة الحالات والدراسة الميدانية

- كل المناهج العلمية خلال مراحل تطبيقها تقوم بدراسة وصفية للظواهر كمرحلة ضرورية من أجل التعريف بالظاهرة المدروسة وتوضيح جوهرها، ولهذا نجد أن معظم الدراسات تضطر إلى استخدام المنهج الوصفي كمرحلة من مراحل القيام بالدراسة.

3-1-2- خطوات تطبيق المنهج الوصفي:

- تحديد الظاهرة أو المشكلة المدروسة.

- التعرف على خصائص الظاهرة حتى يمكن للباحث التمييز بين الظواهر التي يقوم بدراستها.

- تحديد متغيرات وأبعاد الظاهرة وطبيعة العلاقات بينها وطرق وأساليب قياسها، وطبيعة البيانات والمعلومات الضرورية لدراستها وطرق وأساليب جمعها.

- جمع الحقائق والبيانات الضرورية للدراسة وتنظيمها وتبويبها.

- تحليل وتفسير البيانات والحقائق المتحصل عليها.

- التوصل إلى نتائج تخص العوامل المؤثرة في الظاهرة وظروفها وأبعادها وخصائصها من خلال تفسير الوضع القائم للظاهرة ومختلف العلاقات المكونة لها.

- تحديد أساليب التعامل من الظاهرة والتأثير فيها وتوضيح مدى الحاجة لاستكمال دراسات مرتبطة بها.

3-2- المنهج التطوري: وهو المنهج الذي يدرس الظواهر أثناء تغيرها وتطورها من فترة زمني إلى أخرى، أي يدرس كيفية تطور وتغير الظاهرة بغرض تحديد أسباب وعوامل نمو الظاهرة. ويعمل المنهج التطوري على ربط اتجاهات ومعدلات تغيرها مع فترات السلسلة الزمنية وبخصائص البيئة المحيطة بها.

3-2-1- خصائص المنهج التطوري:

- يركز على تتبع حياة الظاهرة وتطورها عبر فترات زمنية.

- يطبق في الحالات التي تعنى بدراسة الظواهر والمشكلات التي تتميز بالتطور والتغير عبر الزمن.

- يدرس اتجاه ومعدل تغير الظاهرة وربط ذلك بفترة السلسلة والظروف البيئية السائدة بغرض إيجاد تفسير لنمط وشدة تأثير العوامل البيئية على الظاهرة.

- يهتم المنهج التطوري بدراسة نشأة الظاهرة وتطورها خلال سلسلة زمنية قد تغطي كل حياة الظاهرة أو جزء فقط من حياتها.

3-2-2- خطوات تطبيق المنهج التطوري:

- تحديد الظاهرة أو المشكلة محل الدراسة.

- التعرف على نشأة الظاهرة بناءا على تحليل الظروف المحيطة بها والأسباب والعوامل المساهمة في ظهورها.

- دراسة نمط واتجاه تغير الظاهرة وتحليل طبيعة هذا التغير لفترات زمنية.

- تحليل علاقة تطور وتغير الظاهرة من خلال ربطها بفترات السلسلة الزمنية.

- تفسير نمط واتجاه ومعدل تغير الظاهرة وتحديد الأسباب والعوامل الحقيقية الكامنة وراء هذا التغير.

- إيجاد العلاقات السببية بين التغيرات والعوامل المحيطة بالظاهرة وفترات السلسلة الزمنية، وصياغتها في شكل نتائج وقوانين تفسر كيفية وطريقة تغير الظاهرة.

3-3- المنهج التاريخي: وهو المنهج الذي يهتم بدراسة الظواهر والوقائع في سياقها التاريخي، من خلال دراسة نشأة الظاهرة وتطورها والعوامل المساهمة في ذلك، وتحليل ماضي الظواهر من أجل تفسير الوضع القائم لها في الحاضر والتعرف على اتجاهاتها المستقبلية.

3-3-1- خصائص المنهج التاريخي:

- يتعلق المنهج التاريخي بدراسة الظواهر ماضية غائبة عن الباحث، وبالتالي لا تخضع إلى أحكام الحس والتجربة.

- يعتمد على بيانات وحقائق تاريخية يمكن الحصول عليها من خلال تحليل الوثائق والمستندات ومعالم وشهادات موثوق بها.

- يحتاج الباحث إلى تحري وتحليل مدى مصداقية وموضوعية المصادر والوثائق المعتمد عليها في البحث.

- يقوم المنهج التاريخي على فرضية وجود علاقات سببية بين الماضي والحاضر واتجاهات الأحداث والظواهر في المستقبل، فأحداث الحاضر هي نتيجة حتمية لأحداث الماضي، وأحداث المستقبل هي نتيجة حتمية لأحداث الحاضر.

- يعتمد المنهج التاريخي على دراسة وتحليل الوثائق التاريخية ونقدها وتحديد ما يرتبط بها من حقائق وتفسيرها.

3-3-2- خطوات تطبيق المنهج التاريخي:

- تحديد الظاهرة أو المشكلة المراد دراستها.

- تحديد الفترة التاريخية التي سيتم تتبع الظاهرة خلالها.

- تحديد ودراسة الظروف والعوامل المحيطة بالظاهرة والمميزة لها خلال تلك الفترة التاريخية مجال الدراسة.

- جمع الحقائق والبيانات حول الفترة التاريخية والتحقق من مصداقيتها وموضوعيتها.

- دراسة الأحداث والوقائع وتحليل المواقف ذات العلاقة بالظاهرة.

- دراسة وتحليل العلاقات السببية بين ظهور وتطور الظاهرة وما يرتبط بها من نتائج، بما يساعد على تفسير الظاهرة تاريخيا وحاضرا وتحديد اتجاهاتها مستقبلا.

3-4- منهج دراسة الحالة: يركز هذا المنهج على دراسة وتحليل حالة واحدة أو عدد محدود من الحالات أو المفردات، بدلا من دراسة جميع الحالات والمفردات، وهذا لاستحالة أو صعوبة إجرائها فيكتفي الباحث بدراسة وتحليل عدد محدود من الحالات، على أن يقوم بتعميم النتائج والأحكام المتوصل إليها على كافة الحالات الأخرى المشابهة لها.

3-4-1- خصائص منهج دراسة الحالة:

- يمكن أن يطبق منهج دراسة الحالة على الحالة محل الدراسة ككل، كما يمكن تطبيقه على جزء أو جانب منها فقط.

- يمكن أن يغطي منهج دراسة الحالة كل تاريخ الظاهرة منذ نشأتها حتى وقت الدراسة، ما يمكن تطبيقه على جزء محدود من تاريخها، أي يمكن أن يستند على المنهج التطوري أو الوصفي في تطبيق هذا المنهج.

- يرتبط منهج دراسة الحالة بالمنهج الميداني لأنه يركز على الظاهرة في الميدان.

3-4-2- خطوات تطبيق منهج دراسة الحالة:

- تحديد وصياغة إشكالية الدراسة والتعريف الدقيق بالظاهرة المدروسة.

- التعريف الدقيق بالحالة محل الدراسة وتحديد نطاقها من حيث الزمان والمكان وموضوع الدراسة.

- تحديد الأبعاد والجوانب التي سيتم دراستها في الحالة موضع الدراسة.

- تحديد طبيعة ومصادر البيانات والمعلومات المعتمد عليها.

- تحديد المفاهيم والمبادئ التي سوف تراعى في دراسة الحالة ووضع الفروض.

- الاستقصاء الدقيق والشامل وجمع البيانات والمعلومات حول الظاهرة المدروسة.

- تحليل البيانات والمعلومات واستخلاص الأحكام والنتائج.

- إعداد التوصيات والاقتراحات وتطبيقها على الحالة مجال الدراسة.

- تعميم النتائج المتوصل إليها على باقي الحالات غير المدروسة.

3-5- منهج الدراسة الميدانية: يكمن منهج الدراسة الميدانية في كونه يدرس الظاهرة أو المشكلة والتعامل معها في مكانها ووضعها الطبيعي، وكما هي عليه في الواقع دون التغيير في ظروفها أو التأثير على العوامل المتحكمة فيها بهدف التعرف على أبعادها وخصائصها وسلوكها في واقعها الطبيعي، وبالتالي فإن نتائج الدراسة تكون أقرب للواقع وأكثر موضوعية ومصداقية في وصف الحقائق المرتبطة بالظاهرة.

3-5-1- خطوات تطبيق منهج الدراسة الميدانية:

- تحديد الظاهرة أو المشكلة محل الدراسة في مكان تواجدها وتحديد الغرض من دراستها والاستفادة المتوقعة منها ومدى إمكانية دراستها في واقعها الطبيعي.

- التعرف على مكونات الظاهرة وتحديد المتغيرات التي سيتم دراستها وكيفية قياسها.

- تحديد نوع وطبيعة مجتمع الدراسة وتوظيف المفردات التي سيتم إخضاعها للدراسة.

- طرح التساؤلات التي يرغب الباحث في إيجاد إجابات لها.

- تحديد وسائل وأدوات جمع البيانات والحقائق حول الظاهرة من الميدان.

- القيام بجمع البيانات والحقائق وتنظيمها وتحليلها.

- تفسير البيانات ودراسة العلاقة بين المتغيرات والتوصل إلى نتائج وتقديم الاقتراحات والتوصيات.

3-6- المنهج التجريبي: يقوم المنهج التجريبي على اختبار العلاقات السببية بين المتغيرات بناء على إحداث تغييرات وتعديلات على الظروف والعوامل المتحكمة في تلك المتغيرات بغرض تحديد وقياس وإحصاء بدقة الأثر بين المتغيرات المدروسة واستبعاد أثر العوامل أو المتغيرات الأخرى.

فالتجربة تتيح إعادة الحادثة بشكل متحكم فيه وموجه من طرف الباحث من حيث الزمان والمكان والطريقة وأسلوب الحدوث والظروف والعوامل المتحكمة في الظاهرة مما يسمح  له بإجراء التغييرات والتعديلات في تلك الظروف بحسب ما تقتضيه طبيعة وهدف الدراسة.

3-6-1- خطوات تطبيق المنهج التجريبي:

- تحديد إشكالية وهدف الدراسة.

- تحديد المتغيرات وتوضيح طبيعتها أي تحديد المتغيرات التابعة والمستقلة.

- التعريف الدقيق بمتغيرات الدراسة وتحديد معايير وطرق وأسس قياسها.

- تحديد واستقراء الظروف والعوامل المتحكمة والمؤثرة في متغيرات الدراسة وشروطها.

- تصميم التجربة وتحديد مكانها إن كانت تجرى في المناخ الطبيعي للظاهرة أو في مختبر.

- تحديد طرق وأساليب إجراء التجربة بغرض تحديد وقياس أثر المتغير المستقل على المتغير التجريبي واستبعاد أثر المتغيرات الأخرى على المتغير التابع.

- القيام بالتجربة من خلال إدخال المتغير التجريبي على المتغير التابع، وإعادة التجربة إن لزم الأمر عدة مرات.

- قياس التغيرات التي تحدث على المتغير التابع والناتجة عن المتغير المستقل.

- استنباط النتائج المحددة لطبيعة العلاقة واتجاهاتها وقوتها بين المتغيرات وظروف وشروط التأثير.

3-7- المنهج المقارن: يقوم هذا المنهج على إجراء مقارنة بين ظاهرتين أو حالتين فما أكثر بغرض كشف أوجه الاختلاف والتشابه، كأن يتم إجراء مقارنة بين عدة دول أو مناطق تظهر اختلافا في صناعة أو زراعة معينة، بغية كشف أسباب وظروف ظهور وتطور وازدهار هذه الصناعة أو الزراعة.

3-7-1- خطوات تطبيق المنهج المقارن:

- تحديد مشكل الدراسة.

- تحديد متغيرات وفروض الدراسة.

- تحديد موضع ومجال المقارنة حيث تجرى الدراسة على نوعين من الظواهر متجانستين أو مختلفتين، كدراسة نظامين اقتصاديين في بلدان مختلفة من حيث درجة التقدم.

- تحديد أدوات المقارنة وفيها يتم الكشف عن عوامل ودرجة التماثل والاختلاف بوسائل منطقية وإحصائية.

- جمع البيانات وتصنيفها وتبويبها.

- قياس وتحليل البيانات وكشف دور الفروقات والتماثلات بين الحالات الوضعيات في تكوين الظاهرة وازدهارها على نحو معين.

- استخلاص أثر الظروف والعوامل على الظاهرة وصياغتها في شكل قانون علمي أو علاقة رياضية.

3-8- منهج تحليل المضمون: يقوم هذا المنهج على تحليل البيانات والمعلومات المتضمنة في وثيقة أو تصريح ما من أجل دراسة سلوك الإنسان أو تطور التنظيمات، وهذا بغرض إبراز خصائص ومميزات تلك الوحدات المدروسة انطلاقا من مضمون تلك الوثائق، حيث يتم تطبيق هذا المنهج في مجال الاتصال والصحافة والأدب وعلوم الاجتماع.

وهناك تصنيف آخر وهو المعمول به في مجال البحوث الاقتصادية:

1- المنهج الاستنباطي: وهو المنهج الذي من خلاله ينتقل عقل الباحث من العام إلى الخاص، أي ينطلق من مقدمات عامة يتجه نزولا بغرض تخصيص أحكام وقوانين عامة على حالات خاصة محددة من حيث الزمان، المكان والموضوع.

2- المنهج الاستقرائي: الاستقراء هو عبارة عن استدلال تصاعدي حيث ينطلق عقل الباحث من الخاص إلى العام، أي ينطلق من مقدمات جزئية خاصة بحالات معينة ليصل إلى أحكام وقوانين عامة، يتجه صعودا من أجل تعميم أحكام محددة تخص حالات معينة ليصل إلى قوانين وأحكام عامة.

 

 

 

رابعا: مدارس المنهجية

1- المدرسة التجريبية: والتي تعتمد أساسا على التجربة، فهي تؤكد أن التجربة هي منبع العلوم وتؤمن بقيمة الملاحظة، هذه المدرسة اعتمدت أساسا على التفكير الاستقرائي الذي ينطلق من ملاحظة بعض التجارب للوصول إلى استنتاج قانون عام. وكان من روادها دافيد هيوم"David Hume".

يقول رواد هذه المدرسة أن المعرفة الإنسانية تنشأ عن طريق التجربة، وهي لا تعطى قبليا وأن لا دخل للفطرة في ذلك، فمبادئ الفهم بالنسبة لهذه المدرسة تصدر عن التجربة بالدرجة الأولى ثم يأتي العقل في الدرجة الثانية بعد الطبيعة، وأن الاستقراءات العفوية التي تتولد لدى الإنسان تنتج عن تجارب خارجية وقعت أمامه. مثلا: عندما يمد الإنسان يده ليلمس لهيب النار فإن أصابعه تحترق وبالتالي يعلم عن طريق التجربة أن النار تحرق.

وبالتالي حسب هذه المدرسة، اكتساب المعرفة يكون عن طريق الممارسة والتجربة والملاحظة، بمعنى أن البرهان الوحيد المقبول هو ذلك الذي يرتكز على معطيات قابلة للقياس والملاحظة.

2- المدرسة الوضعية: يعتبر أوغست كونت من أهم ممثليها، وتقتصر عنايتها على الظواهر والوقائع اليقينية مهملة بذلك كل تفكير تجريدي، حيث ترى هذه المدرسة أن كل واقع مدرك من قبل العقل البشري قابل للتحقيق العلمي، بمعنى أن الظواهر والقوانين الطبيعية تستنبط من ملاحظة الحوادث والظواهر.

في رأي كونت العلم لا وجود له إلا إذا كان وضعيا والوضعية تتأسس فقط على وقائع ملاحظة. كما أن النظريات مهما كان نسقها الفكري تهدف إلى التنسيق بين الوقائع الملاحظة. فإيجاد ترابط حقيقي بين الوقائع يمكن تأسيس نظرية موضوعية.

أخيرا، نؤكد أن المدرسة الوضعية تعتمد أساسا على الملاحظة المنتظمة والتنظير وتحديد الوقائع، بمعنى أنها تعتبر أن المعارف تعتمد على قياس الظواهر القابلة للملاحظة.

3- المدرسة التطورية: والتي تطورت بفضل نظريات داروين حول تطور علم الأحياء وبالتالي فهي تبرز أكثر في مجال البيولوجيا.

تعتبر هذه المدرسة الحضارة المعاصرة مرحلة متقدمة في صيرورة متواصلة، تمثل فيها المجتمعات البدائية مراحل معينة ضمن تطور البشرية، وعليه قوانين التحول تستنتج من مقارنة مراحل تطور مختلف الحضارات.

4- المدرسة الثورية: وهي مدرسة حديثة، يمثلها توماس كوهن وتتميز بالتفكير الجدلي الذي يتجه من الاستقرائي إلى الاستنباطي وبالعكس أيضا، وهي لا تعمل على التأكد من صلاحية العلوم بل على نقد تاريخ العلوم. مسلمتها الأساسية أن العلوم لا تتطور بالتراكم  ولكن بالثورات العلمية، حيث ترى هذه المدرسة أن فترات الأزمات التي تمر بها العلوم تولد ثورات علمية تؤدي إلى ظهور نظريات جديدة.