المحاضرة الأخيرة في السداسي الثاني 2019-2020.

طرق تنظيم ممارسة الحريات العامة.

أثر سلطات الضبط الاداري على الحريات العامة.

 

    هناك عدة أساليب ووسائل يتم على أساسها تنظيم ممارسة الحريات العامة و ضبطها من أجل الحفاظ على الصالح العام وفقا لنظام من الأنظمة التي يجيزها القانون:

1-          النظام العقابي

     يقوم هذا النظام على أن الحرية العامة تشكّل القاعدة والتقييد الاداري يشكّل الاستثناء. وعليه فهو نظام يفسح المجال لممارسة الحرية دون شرط أو اجراء مسبق، لذلك يعد النظام الأكثر تحرّراًّ وملائمة لممارسة الحريات العامة، لكن هذا لا يعني أن الحرية مطلقة وأن ممارستها غير خاضعة لأي حد، فالحدود معينة بالقانون ومعلومة مسبقاً و تجاوزها يؤدي الى تسليط عقوبة معينة.

     وتسلط العقوبة عن طريق القضاء أو عن طريق سلطات الضبط الاداري كسحب رخصة قيادة السيارة؛ اذا كان السائق يسير بشكل ينذر بالخطر، أو سحب رخصة مزاولة نشاط تجاري معين ؛اذا كان فيه تهديد للصحة العامة، أو حل حزب سياسي معين أذا أخل بالقيود المفروض الالتزام بها.

     واذا أمعنا النظر في النظام العقابي نجد أن القاضي الجزائي هو المختص بالرقابة وتكون هذه الرقابة بعدية في اطار ممارسة هذا النوع من الحريات؛ ذلك أن الجرائم منصوص عليها سلفا في قانون العقوبات طبقاً لمبدأ الشرعية الجزائية.

2-     النظام الوقائي

 عكس النظام العقابي، يعتبر النظام الوقائي أكثر تضييقا على الحريات العامة؛ فهو يخضع ممارسة الحريات العامة الى ترخيص مسبق يمنح من طرف الادارة ، فهو وقائي لأنه يمنع وقوع التصرفات أو الأفعال الممنوعة قبل وقوعها، .حيث أن السلطات الادارية  تتدخل بموجب هذا النظام للسماح بممارسة الحريات أو منع ذلك حفاظا على النظام العام وذلك عن طريق :

أ/ الترخيص المسبق: حيث لا يجوز ممارسة بعض الحريات الا بعد الحصول على ترخيص مسبق من طرف الادارة مثل الحصول على ترخيص للبناء أو انشاء حزب سياسي أو جريدة ...الخ.

ب/ أسلوب الاخطار: تكمن الحكمة من هذا الأسلوب في اتاحة الفرصة للادارة  لاتخاذ الاجراءات الكفيلة لممارسة هذا النشاط دون المساس بالنظام العام مثل ممارسة حرية الاجتماع أو حق الاضراب.

ج/ أسلوب الحظر: مثل حظر حرية الانتقال في أماكن معينة أو أوقات محددة.

3-          النظام المختلط

   يوصف هذا النظام بأنه وسطي، لأنه يخفف من حدة النوعين السابقين، حيث أنه لايسمح للفرد بممارسة حريته مباشرة كما هو الحال في النظام العقابي، وأنه أكثر حرية من النظام الوقائي لأن ممارسة الفرد حريته لا تتوقف فقط على الخضوع لقرار اداري.

    وبمقتضى هذا النظام لا يترتب على عاتق الفرد تقديم طلي للحصول على ترخيص من طرف الادارة لممارسة حريته، وانما عليه فقط التصريح للادارة بأنه سيمارس حريته وتكتفي هنا الادارة بعملية تسجيل أو تدوين تصريحه فقط .

    كما يسمى هذا النظام بنظام "التصريح الأولي" أو "التصريح التأسيسي" مثلما هو عليه الحال في الجزائر ( القانون رقم 12/06 المؤرخ في 12/01/2012 المتعلق بالجمعيات).

 

أثر سلطات الضبط الاداري على الحريات العامة

 

بما أن الادارة هي المسؤولة على المحافظة على النظام العام في المجتمع، فانه بمقدورها أن تنظم ممارسة أي حرية، حيث تتدخل للتوفيق بين الحريات العامة فيما بينها، والوفيق بينها وبين مستلزمات النظام العام، وتختلف سلطات الضبط الاداري باختلاف الظروف كونها عادية أو استثنائية.

1-          سلطات الضبط الاداري في الظروف العادية

يتعين على الادارة العامة أن تقف عند حدود وأحكام النصوص القانونية في الظروف العادية، ولا يمكنها تجاوزها؛ لأن الحريات العامة منظمة ومحدّدة وإن هي تجاوزت هذه الحدود كانت اجراءاتها باطلة وغير مشروعة، ويمكن الغاؤها ممن له مصلحة في ذلك .

إن اتخاذ الادارة العامة لبعض الاجراءات الضبطية مرتبط بشروط يجب توافرها، وفي نفس الوقت هناك قيود واردة على سلطات الضبط في الحالات العادية.

أما فيما يخص الشروط الواجب توافرها في الاجراء الضبطي المتعلق بالحريات العامة العامة في الحالات العادية نذكر ما يلي:

أ/ أن يكون الاجراء الضبطي ضروري، أي هو الوسيلة التي من خلالها يتم القضاء على الاخلال بالنظام العام .

ب/ أن يكون الاجراء الضبطي فعّال و مؤثر، بمعنى أن يكون كافيا لمنع الخلل والاضطراب الذي يهدد النظام العام .

ج/ أن يكون الاجراء الضبطي متناسبا مع جسامة الخلل، أي أن يكون معقولاً.

وفيما يتعلّق بالقيود الواردة على سلطة الضبط الماسة بالحرية العامة، فان القضاء الاداري صاغ ضوابط وطبقها والمتمثلة أساسا في:

·  عدم مشروعية الخطر المطلق للحرية، بمعنى الحظر المطلق غير جائز.

·  حرية الافراد في اختيار وسيلة احترام النظام العام .

·  التناسب العكسي بين الاجراء الضبطي والقيمة القانونية للحرية.

·  احترام حق الدفاع اذا كان الاجراء الضبطي يتضمن عقوبة .

 

 

2-          سلطات الضبط الاداري في الظروف الاستثنائية

 

الظروف الاستثنائية هي تلك الحالة التي تهدد أمن وكيان الدولة، فهي تعني وجود خطر خارجي أو داخلي وشيك أو مفاجيء  يمكن أن يهدد سلامة الدولة ومؤسساتها.

      وفي ظل هذه الأوضاع تصبح قرارات الادارة الغير المشروعة في الظروف العادية مشروعة في الظروف الاستثنائية، وبالتالي يمكن أن تفرض قيود على الحريات ولها امكانية تعطيل بعض الضمانات المقرّرة لحماية تلك الحريات.

  لكن هذا لا يعني ان تكون سلطة الادارة مطلقة بل هناك ضوابط تفرض على الادارة عند تقرير هذه الحالة .

 وما يجب الاشارة اليه أن هناك ضوابط قضائية لحماية الحريات العامة  في الظروف الاشتثنائية وهي:

-         زوال القرارات المتخذة لمواجهة هذه الظروف بزوال الظروف الاستثنائية .

-         امكانية التظلم من هذه القرارات أمام الادارة.

-         التعويض للمضرور عن بعض الأضرار التي وقعت له بسبب هذه الظروف الاستثنائية  بشرط أن تكون الأضرار جسيمة، وأن لا تكون عامة بل خاصة به.

-         وقف النصوص القانونية مؤقتاً.

أما بخصوص الضمانات الدستورية لحماية الحريات العامة في الظروف الاستثنائية فنجد أن الدستور هو الذي يحدد حالات اعلان الحالة الاستثنائية، هذه الأخيرة لا تعلن إلا في حالة ظرف خطير  يهدد كيان الدولة، مع وجوب عرض الحالة على البرلمان ليقرر بشأنها، كما يحدد الدستور حصراً الحريات والحقوق المقيدة أثناء الحالة.