إن تاريخ العلاقات الدولية وحاضرها، إذا كان قد شهد العديد من الحروب، فإنه شهد أيضا العديد من الاتفاقيات الدولية والمؤتمرات التي تهدف إلى إرساء وتطور التعاون فيما بين الدول، كذلك فإن ظاهرة التنظيم الدولي التي ولدت لتكرس التعاون ما بين الدول، أصبحت من المعالم المميزة للمجتمع الدولي المعاصر.

 كما أن التاريخ السياسي مثلما شهد حالات صراع وحروب، شهد أيضا حالات تعاون وتنسيق ما بين الدول، فلا يمكن القول بأن النزاع والصراع هو الأصل والتعاون هو الاستثناء، بل إن ميزة المجتمع الدولي المعاصر أيضا هي التنسيق والتعاون الذي تبلورت معالمه في مع بدايات عصر التنظيم الدولي.  

بدأ ظهور هذه الحركيات السياسية مع بداية تشكل الدولة القومية ذات السيادة في أوروبا؛ فبعد تفكك الإمبراطورية الجرمانية المقدسة، وما نتج عنها من قيام حرب الثلاثين عامًا (1618- 1648)، والتي اشتركت فيها أغلبية الدول الأوروبية، انتهت هذه الحرب بإبرام معاهدة وستفاليا 1648، التي أعادت تجميع وتركيز سلطة الدولة بعد مصادرتها من الإقطاعيين.

ومنذ ذلك الوقت اتخذت العلاقات الدولية نمطًا وطابعًا جديدًا، حيث أصبحت قائمة على أساسا التساوي في السيادة بين الدول، ومن أجل الحفاظ على التوازن السياسي والعسكري( حالة السلم)بين الدول الأوروبية، جاءت فكرة إنشاء منتدى أوروبي، يعالج فيه القادة السياسيون المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فنشأت المؤتمرات الأوروبية خلال القرن 18، والتي تعتبر بمثابة الامتداد الطبيعي لبروز فكرة التنظيم الدولي الدائم، حيث تم لاحقاً تعويض المؤتمرات المؤقتة بالمنظمات الدولية والإقليمية الدائمة. وقد مرت عملية بروز هذه الكيانات السياسية الجديدة (المنظمات الدولية والإقليمية) بعدة مراحل.