لقد اهتم المشرع الجزائري بمكافحة الفساد في سياسته الجنائية، وذلك بتجريم غالبية صوره ومظاهره والتي تشكل تهديدا كبيرا على سير وعمل الإدارة العامة، وذلك بموجب القانون رقم 06-01 المعدل والمتمم، والمتضمن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته والذي خصص فصلا كاملا للأحكام الموضوعية للتجريم ومكافحة الفساد الإداري، كما دعم المشرع أيضا آليات مكافحة هذه الظاهرة بأحكام إجرائية وقمعية، حيث بين بدقة إجراءات المتابعة القضائية لأفعال الفساد الإداري المجرمة على المستوى الوطني، وكذا على المستوى الدولي من خلال آليات التعاون الدولي واسترداد الموجودات، كما أفرد سياسة عقابية للحد من الفساد الإداري وردع مرتكبيه.

ورغم إلغاء المشرع أغلب الجرائم الوظيفية من قانون العقوبات واستبدالها أو نقلها إلى قانون مستقل هو قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، إلا أن سياسته في مجال مكافحة هذه الظاهرة في ظل هذا الأخير اختلفت جذريا، وقد تراوحت في حدها الأدنى إلى إعادة صياغة جرائم الفساد الإدارية، وفي حدها المتوسط إلى توسيع نطاق بعض أفعال الفساد الإداري التقليدية، أما في حدها الأقصى فقد وصلت إلى حد استحداث جرائم فساد إداري جديدة مثل: جريمة تلقي الهدايا والإثراء غير المشروع وتعارض المصالح.

وفي هذا السياق يمكن طرح الإشكال القانوني التالي: إلى مدى وفق المشرع في مكافحة الفساد والوقاية منه؟ وإلى أي حد نجح في تسطير سياسية جنائية لمواجهة جرائم الفساد؟

وللإجابة على هذا الإشكال اعتمدنا في دراستنا على المنهج الوصفي والتحليلي، حيث قمنا بتحديد الإطار المفاهيمي للفساد وأنواعه ومظاهره، وتحليل نصوص القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ونصوص قانونية أخرى متفرقة.

وللتعمق في هذه الدراسة قمنا بتقسيمها على النحو التالي:

الفصل الأول: المدخل إلى قانون الوقاية من الفساد ومكافحته

الفصل الثاني: وسائل مكافحة الفساد

الفصل الثالث: التصدي الجزائي والتعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد