استراتيجيات إدارة التغيير في منظمات الأعمال
يقدم لنا Fred Nickols في ورقة بحثية بعنوان"Four Strategies for Managing Change" أربع استراتيجيات أساسية تستخدم لإدارة التغيير في منظمات الأعمال ، ثلاثة منها لـ Neth Benne and Robert Chin ،
1. الإستراتيجية العقلاني التجريبية ( التطبيقية )
2. الإستراتيجية المعيارية ( التثقيف الموجهة )
3. إستراتيجية السلطة القسرية
4. إستراتيجية البيئية التكيفية
فلإصدارات "الكلاسيكية" لخصت الثلاثة الأولى من عمل Neth Benne and Robert Chin[1]. الرابع هو من صنع المؤلف نفسه ." Fred Nickols خلال نحو 30 عاما من البناء والتكييف مع التغيرات في منظمات الأعمال ومحيطها .
معظم جهود التغيير الناجحة تتطلب مزيج من بعض الاستراتيجيات الأربع. و نادرا ما نكتفي بإستراتيجية واحدة. ويقدم . Fred Nickols بعض العوامل المساعدة في اختيار إستراتيجية أو صياغة مزيج من الاستراتيجيات.
III.1- الإستراتيجية العقلانية التطبيقية :
- الافتراضات الأساسية. : تقوم على أن الأشخاص عقلانيون وسوف يقبلون بالتغيير إذا كان سينعكس عليهم بشكل إيجابي ويقدم لهم مزايا ويحقق مصالحهم.
ويرى الكثير من المفكرين، أن هذا التفكير معقول جدا . ينبغي تحفيز العاملين لتحسين أدائهم المهني عن طريق الوعود الإيجابية والحوافز المادية والمعنوية أو ما يعرف بسياسية “الجزرة”٬ باعتبارها أفضل من الوعيد والأساليب العقابية والترهيبية أو ما يعرف بسياسة “العصا”.
وكانت الأبحاث السابقة قد أشارت إلى أن عنصر “المكافأة” أو “العقاب” سلاحان لمراقبة الموظفين والعاملين٬ غير أن سياسة التحفيز تعد الأفضل من أجل الحصول على نتائج مهنية.
وكان العلماء قد أجروا أبحاثهم على مجموعة من العاملين تم معاملتهم بصورتين منفصلتين٬ حيث تم تحفيز أفراد المجموعة الأولى بحوافز مادية ومعنوية في حال إنجازهم للمهام الموكلة إليهم في أسرع وقت٬ في مقابل “الوعيد” والتحذير من التراخي في إنجاز هذه المهام بين أفراد المجموعة الثانية. وأشارت الدراسة إلى أن أفراد المجموعة الأولى نجحوا في إنجاز المهمة المهنية الموكلة إليهم بصورة أسرع وأكثر كفاءة مقارنة بأفراد المجموعة الثانية الذين تم تهديدهم في حالة عدم إتمام المهام الموكلة إليهم في الوقت المحدد.رع وأكثر كفاءة
- اختيار العوامل : تغيير إستراتيجية هنا يتركز على ميزان الحوافز وإدارة المخاطر.
من الصعب نشر وتطبيق وتبني هذه الإستراتيجية تطبيقية-في ظل وحود مستوى ادني من حجم الحوافز المتاحة . إذ لا يمكن قبول المغامرة بمواجهة أخطار مستقبل غامض ، تكون عوائده وحوافزه لا يزيد في أفضل حال عن حوافر الحاضر المتواضعة .ويتأكد صحة هذا عندما بشكل خاص عند أفراد المنظمة عندما يكون الوضع الحالي جيد جدا.
ومن الرشادة القيادية هنا هو استخدام الذكاء التغييري بان نلقي بضلال الشك على جدوى الحالة الراهنة لحاضر المنظمة. وإقناعهم بأن الوضع الراهن لديه صلاحية قصيرة.
III.2-الإستراتيجية المعيارية التثقيفية الموجهة :
الافتراضات الأساسية : تستند على الجانب القيمي والثقافي للفــرد حيث ترى أنه محرك رئيسي لا يقل أهمية عن الجانب الفكري.
تستخدم الحقائق والمعرفة الخاصة والحجج المنطقية لإحداث التغيير. تفترض الإستراتيجية أن الفرد العقلاني الرشيد سيقرر دعم ومساندة التغيير من عدمه مستنداً على سلامة تفكيره ومصلحته الذاتية. لذلك لا بد من قيام وسيط التغيير بحشد قدراته لإقناع الآخرين بأن التغيير سيجعلهم أفضل من السابق.
اختيار العوامل : يتم التركيز بشكل مباشر مباشر على ثقافة ومعتقدات الأفراد ، والعمال أنفسهم وتوجيه الطرائق المهنية في المنظمة التي يتصرف بها الأفراد لتكون متسقة مع هذه المعتقدات.
وعادة، لا تتغير ثقافة الإفراد بسرعة، وبالتأكيد ليس بين عشية وضحاها. وعليه تصبح هذه الإستراتيجية غير مجدية واتي ينصح بعدم اختيارها في حالة وجود تحول وظيفي وهيكلي على مهل زمنية قصيرة وبطيئة .
وعلاوة على ذلك، فثقافة المنظمة هي مدخل متغير يخرج عن طوع المنظمة في ظل وجود مقاومة للتغيير على خلاف الالتزام الإجباري بالتنظيم الرسمي.
لهذا السبب، تعمل الإستراتيجية المعيارية التثقيفية بشكل وديو على أفضل وجه في ظل وجود تناغم بين العلاقات الرسمية والتنظيم غير الرسمي على الأقل ودية ومتناغمة . ما يسمح بتجاوز الخلافات مع بعضهم البعض،.
ومع ذلك، ليس هناك وسيلة أو اثنين مفتوحة هنا. تقريبا كل جهود التغيير تكرس على المدى الطويل وكذلك الأهداف على المدى القصير إلى حد ما، أي على المدى الطويل إستراتيجية التغيير يجب أن تتضمن بعض جوانب التثقيفية من تجنيد وإشراك القادة للمنظمة و إبقائها شريكا في تحقيق هدا التوجه ، إذ يجب أن يوضع في الاعتبار أن المنظمات الرسمية وغير الرسمية ان هناك -في كثير من الأحيان- تتداخل في تبني شكل من الأفراد الذين يقودون أو يؤثرون على الدوائر الكبرى أو المهمة والذين يشغلون مناصب قوية أيضا .
III.3- إستراتيجية السلطة القسرية
- الافتراضات الأساسية : ترتكز على أن التغيير هو إذعان من هم أقل سلطة لمن هم أقوى سلطة.وتستخدم طرائق المشاركة في اتخاذ القرار والتوكيد على القيم المشتركة لخلق التغيير. إنها تستلزم تمكين وإشراك الأفراد الذين يتأثرون بالتغيير بصدق وفاعلية في التخطيط واتخاذ القرار الرئيس المتعلق بالتغيير.
يتطلب تطبيق هذه الإستراتيجية تنمية اتجاهات الدعم والإسناد للتغيير من خلال المشاركة أو التمكين والتي تستند بدورها على بناء القيم الشخصية ومعايير الجماعة والأهداف المشتركة لكي يظهر الدعم والإسناد طبيعياً .
يهدف مبدأ "طريقي أو الطريق السريع" بشكل أساسي على تقليل الخيارات لا زيادتها. و في كثير من الحالات، تقبل بسهولة هده الإستراتيجية بين القوى الفاعلة في المنظمة ، عندما تعرف القلة فقط ما يجب القيام به. هذه الإستراتيجية هي "العصا" من جانب إدارة الجزرة والعصا.
- اختيار العوامل : تؤثر اثنين من العوامل الرئيسية التي في اختيار الإستراتيجية القسرية بين القوى هي الوقت وخطورة التهديد الذي واجهته.
وفقا لهذه الإستراتيجية فأنه يتم استخدام كافة الأساليب والوسائل في إحداث التغيير،فالتغيير يفرض على الجهات المعنية بالقوة ،ويتم التغلب على كافة أشكال المقاومة باستخدام العقوبات والجزاءات لكل من يخالف.وهذه الإستراتيجية قد فعالة في بعض الظروف وفي بعض الحالات الطارئة ولكنها غير فعالة على المدى البعيد لأنها لا تضمن ولاء الأفراد ودعمهم للتغيير.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد إستراتيجية واحدة مثلى يمكن استخدامها لإحداث التغيير بفعالية لأن طبيعة الموقف والظروف هي التي تحدد ذلك الاأن الزج بين الإستراتيجية العقلانية الميدانية وإستراتيجية التثقيف والتوعية الموجهة قد يكون هو الأمثل.وهذ لا يعني عدم استخدام إستراتيجية القوة القسرية فهنا كل الظروف تستدعي استخدام القوة للتغلب على مقاومة التغيير.
III.4- الإستراتيجية البيئية التكيفية
الافتراضات الأساسية : الافراد يعارضون عدم وضوح الرؤية لكنها تتكيف بسهولة مع الظروف الجديدة. ويستند التغيير على بناء منظمة جديدة وتدريجيا تنقل أفراد المنظمة من الوصع القديم إلى أخر جديد.
تشكل التحولات في هذه الإستراتيجية عبء للتغيير من إدارة وتنظيم للافراد ، يستغل طبيعة التكيف الطبيعية ويتم تجنب العديد من المضاعفات المرتبطة بمحاولة تغيير الأفراد أو ثقافتهم.
إن القادة الذين يمتلكون خصائص ومقدرات عالية لديهم قدرة أكبر في العمل مع البيئات المضطربة وجعل المنظمة تعمل بتماسك واعتمادية عالية، فضلاً عن مقدرتهم الإدراكية التحليلية في التكيف مع البيئة الخارجية كما أن القادة الذين يمتلكون خصائص محدودة يمكن إن يكونوا قادة ناجحين في البيئات المستقرة وإن القادة الذين يمتلكون خصائص معقده تمكنهم من العمل في البيئات الديناميكية والتكيف مع الحالات المتناقضة.
وتهتم الإستراتيجية البيئية التكيفية بعملية التحليل البيئي وأثرها في اختيار اإستراتيجية التكيف التنظيمي، فالمنظمات التي تستطيع تحقيق مستوى مقبول من حالة التكيف التنظيمي مع حالات البيئة المتغيرة والاستمرار والنجاح فإنها تتبع استراتيجيات قوية تمكنها من مواجهة الظروف البيئية .
اختيار العوامل : الاعتبار الرئيسي هنا هو مدى التغيير. فالاستراتيجية التكيف البيئي هي الأنسب لحالات حيث يسمى التغيير جذرياو تحولي لتغيير تدريجي أو تراكمي. كما أن الأطر الزمنية ليست عاملا محددا . هذه الاستراتيجية يمكن أن تعمل تحت أطر زمنية قصيرة أو أطول. ومع ذلك في ظل فترات زمنية قصيرة، فإن القضية الرئيسية هي أن الإدارة لا يمكن أن يكون نمو الهائل في التنظيم الجديد، اد يتم العمل على مزج ثقافة المنظمة الجديدة مع الثقافة القديمة للحصول على أحسن تكيف تنظيمي .
III.5- اعتبارات صياغة الإستراتيجية الممزوجة :
ليس هناك إستراتيجية مثلى لإدارة التغيير. يمكن أن تتبنى إستراتيجية عامة أو كبرى ولكن يتم مزيج من بعض الاستراتيجيات الأربع. و نادرا ما نكتفي بإستراتيجية واحدة لأي مبادرة معينة لان هناك دائما مبادرات متعددة تصب في أكثر من نموذج تغييري ، ولهدا يتم مزيج بعض من الاستراتيجيات المتاحة . وللحصول على مزيج أفضل لصياغة الإستراتيجية الممزوجة يجب أن تؤخذ في الحسبان الاعتبارات التالية :
أولا- رؤية إستراتيجية : ، فإدارة التغيير يجب أن ترتبط بالرؤية والأهداف الإستراتيجية لمنظمة ، فعملية التغيير في ظل غياب الإستراتيجية تشبه الحلم الذي يستحيل تحقيقه ، فهي أداة لتحقيق الرؤية والرسالة . والخطط الإستراتيجية عبارة عن خطط الطريق التي تحتاجها الرؤية وتستلزم القيادة الفعالة القدرة على البناء والالتزام لتنفيذ استراتيجيات عقلانية للأعمال على ضوء احتمالات مستقبلية لاحتياجات المنظمة . و لكي يكون التغيير ناجحاً، يجب أن يتم ربطه بشكل واضح بالمواضيع الإستراتيجية للمنظمة، ويجب أن تلامس الرؤية بعض النقاط الأساسية :
1. العقلانية - لوصف لماذا نحتاج للرؤية، أو لماذا نحتاج للتغيير .
2. أصحاب المصالح - مناقشة أصحاب المصالح في المنظمة ، وماذا سيقدم لهم التغيير .
3. أهداف الأداء- تحديد القيم والمعتقدات الأساسية التي تدفع المنظمة للتغيير .
4. العمليات والبناء التنظيمي - كيف سيكون البناء التنظيمي للمنظمة ، أو كيفية العمل لتحقيق الرؤية .
5. أسلوب التشغيل - المناقشة لتحديد بعض العناصر لكيفية أداء الأفراد للعمل وكيفية تفاعلهم مع بعضهم البعض .
وتستلزم الإستراتيجية الفعالة للتغيير إيجاد تحالف مع مجموعة من الأفراد وإعطائهم سلطة لقيادة التغيير والعمل بصورة جماعية كفريق عمل .وقد ركز Kotter أيضا على الحاجة لاستخدام كل الوسائل الممكنة لإيصال وشرح الرؤية الجديدة والإستراتيجية والتأكيد على أهمية إيجاد أداة تشكل نموذج لتوجيه السلوك المتوقع لجميع العاملين .
ثانيا- الاتصال : يعتبر الاتصال احد العناصر الرئيسة لنجاح تنفيذ التغيير حيث تحتاج المنظمة التي تمر بعملية تحول لعملية الاتصال لإيضاح الوضع المستقبلي فيما يتعلق بكل ما هو وثيق الصلة باحتياجات ومتطلبات العاملين في مختلف المستويات الإدارية ..
إن أهم المهام الأساسية للقادة صياغة رؤية جديدة لقيادة المنظمة للمستقبل المأمول ، وهناك حاجة للتأكد بأنة تم الاتصال بأسلوب فعال لإيصال الرؤية لكي يتم تحويلها لتصرفات من قبل جميع الأفراد في المنظمة ، حيث لابد للقائد أن يهيئ نفسه بحيث يقرن أقوالة بأفعاله ، وان يتصرف بأسلوب يتطابق مع الرسالة التي تحتويها الرؤية .
ولا يمكن تجاهل أهمية دور القيادات في الاتصال خلال تنفيذ المراحل المختلفة للتغيير لمختلف المستويات الإدارية ، حيث تشكل قناعة الموظفين خلال المراحل الأولية للتغير أساس لتقبلهم للتغيرات اللاحقة، ويعتمد ذلك بصورة جوهرية على قدرة القيادات على تبني إستراتيجية الاتصال الفعال والمستمر مع أصحاب المصالح داخل المنظمة وخارجها .. أن الفشل في تبنى إستراتيجية للاتصال يقلل الفرصة في تسهيل تفسير الأفراد للتغيير ومن ثم يضعف الفرصة لتقبل التغيير. ولكي يكون الاتصال فعالاً، لا بد من توافر عناصر أساسية، حددها فيما يلي :
1. البساطة والبعد عن المصطلحات الفنية المعقدة .
2. استخدام البلاغة والمثال و التركيز على استخدام الصور اللفظية في عملية الاتصال .
3. تنوع الطرح والنقاش
4. التكرار .
5. القدوة الحسنة وإظهار المصداقية .
6. التغذية العكسية .
ثالثا- التزام وقناعة القيادة : يتوقف نجاح التغيير على مدى التزام وقناعة القيادة الإدارية في المنظمة بضرورة الحاجة لتبني برنامج للتغيير، من أجل تحسين الوضع التنافسي للمنظمة ، وهذه القناعة يجب أن تترجم في شكل دعم ومؤازرة فعالة من خلال توضيح الرؤية وإيصالها لجميع العاملين في المنظمة ، والحصول على ولاء والتزام المديرين في المستويات الوسطي لتنفيذ التغيير .
فالتغيير الفعال يتطلب الاستثمار في الموارد فيما يتعلق بالوقت والجهد والمال، حيث أن تحقيق التغيير بشكل فعال يتطلب الأعداد وبذل الإمكانيات المادية والبشرية لدعم التغيير وان أهمية تحديد وتوفير الموارد البشرية والمادية وعملية التدريب والتطوير خلال مختلف مراحل التغيير . وأحد أهم الأدوار للقيادات خلال عملية التغيير تتمثل في مساعدة المتأثرين بالتغيير للتكيف مع بيئة وظروف عدم التأكد التي يخلقها التغيير، ويتحتم على القيادات في نفس الوقت العمل على التأكد أن التغيير يسير حسب الخطة ، وأن أسباب فشل العديد من مبادرات التغيير يرجع لمقاومة التغيير ، لذا يبرز دور القيادات في تخفيف حدة مقاومة التغيير .
رابعا ـ التحفيز والإلهام : يعمل القائد الفعال على تحفيز والهام التابعين لإنجاز العمل ... وفى أي عملية تغيير ، يجب أن يكون قائد التغيير ذو مصداقية ، فهي تأتى من الشعور بأمانة وكفاءة القائد ومن قدرتة على الإلهام .. وينشأ التحفيز والإلهام من خلال ربط أهداف المنظمة باحتياجات الأفراد وقيمهم واهتماماتهم والاحتكام للغة أقناع ايجابية ، وينشأ التحفيز كذلك من خلال تحقيق انتصارات على المدى القصير ...
ويستلزم تحقيق الانتصارات الاعتراف بشكل واضح ومكافآت الأفراد الذين جعلوا تحقيق الانتصارات ممكنناً وأحد مظاهر القيادة التحويلية تتمثل في القدرة على تحفيز والهام التابعين . كما يجب التركيز على أهمية مساعدة العاملين خلال مرحلة التغيير عن طريق التقدير والاعتراف ومكافأة المشاركين في التغيير . وهناك العديد من الأسباب لفشل المكافآت في تحقيق التأثير السلوكي المأمول ، ومن تلك الأسباب الاعتماد بشكل رئيس على المكافآت المالية، وغياب التقدير والاعتراف، ومكافأة أصحاب الأداء الضعيف .
خامسا ـ تمكين العاملين : أحد السمات الجوهرية للقيادة التحويلية التمكين .. والافتراض الرئيس في فكرة التمكين أن سلطة اتخاذ القرار يجب أن يتم تفويضها للموظفين في الصفوف الأمامية لكي يمكن تمكينهم للاستجابة بصورة مباشرة لطلبات العملاء ومشاكلهم واحتياجاتهم ، ويتضح أن فكرة التمكين تتطلب التخلي عن النموذج التقليدي للقيادة الذي يركز على التوجيه إلى قيادة تؤمن بالمشاركة والتشاور ، وهذا بدورة يتطلب تغيير جذري في أدوار العمل ومن ثم العلاقة بين المدير والمرؤوسين ..
بالنسبة لدور المدير يتطلب التحول من التحكم والتوجيه إلى الثقة والتفويض، أما بالنسبة لدور المرؤوسين فيتطلب التحول من أتباع التعليمات والقواعد إلى المشاركة في اتخاذ القرارات ، ويبرز دور القيادة التحويلية حيث يمثل تمكين العاملين أحد الخصائص التي تميز القيادة التحويلية عن القيادة التبادلية ، حيث يتميز القيادة التحويلية بأتباع أساليب وسلوكيات تشجع على تمكين العاملين كتفويض المسؤوليات، تعزيز قدرات المرؤوسين على التفكير بمفردهم، وتشجيعهم لطرح أفكار جديدة وإبداعية و أن القائد العظيم يعمل على تمكين الآخرين لمساعدتهم على تحويل رؤيتهم إلى حقيقة المحافظة عليها حيث يؤكد الكاتبان أن القادة الذين يتمتعون بسلوك تحويلي لديهم القدرة على إمداد مرؤ وسيهم بالطاقة والإلهام لتمكينهم من التصرف عن طريق إمدادهم برؤية للمستقبل بدلاً من الاعتماد على أسلوب العقاب والمكافآت ..
فالقيادات التي تملك الرؤية يمكن أن تخلق مناخ المشاركة وتهيؤ الظروف المساعدة للتمكين التي عن طريقها يستطيع الموظفين أن يأخذوا على عاتقهم السلطة لاتخاذ القرارات التي تعمل على تحقيق الرؤية . وبجانب إمداد الموظفين بالرؤية، فالقيادة التحويلية تتميز بقدرتها على خلق السلوك الإلهامي الذي يعزز الفاعلية الذاتية للعاملين للوصول إلى الهدف ، وتتميز القيادات التي لديها توقعات وطموحات عالية بقدرتها على تعزيز الفاعلية الذاتية للموظفين وتحفيزهم لبناء المبادرة الفردية لتحقيق الهدف .
وكنتيجة يؤكد (jary Hambl) في كتابه "قيادة التغيير الجذري" على ضرورة تبني المفهوم الجديد للاستراتيجيات التغييرية القائمة على اعتبارات صياغة الإستراتيجية الممزوجة [2].
فوظيفة الإدارة العُليا ليست بناء وتطوير الاستراتيجيات، بل بناء مؤسّسة ذات مناخ وثقافة خلاّقة صالحة لرعاية سياق استراتيجي متواصل، وليس مجرّد صِياغة إستراتيجية ذات ألفاظ برّاقة، ومن ثم ينتقد المديرين الذين يحاولون تصميم خطط ورسْم سياسات إستراتيجية وإلزام العاملين بها، وذلك بدلاً من تهْيئة الأحوال المُناسبة التي تجعل العاملين يشقون طرقهم بأنفسهم ويسلكون دروب التطوير والتغيير التّي يرونها، فإنّ المديرين يقضون معظم وقتهم وهم يعملون على تطوير الإستراتيجية، بدلا من العمل على خلق ثقافة ابتكاريه تجعل استراتيجيات النموّ والتميز فعلاً داخليا وتلقائيا لا يقبل الاحتمالات أو الجدل.
ولتحقيق ذلك يجب أنْ يصبح الإبداع إمكانية وقدوة عملية، داخل التنظيم المؤسّسي ولن يحْدث مثل هذا الأمر إلاّ إذا أدرك ـ ليس كل قائد فقط ـ بل كل فرد من أفراد المنظمة الأمور المهمة التالية:
1. أنّ التغيير الــجريء والجذريّ حَتمية إدارية وأنّ التحــسّن المرحليّ والجزئيّ للوضــع القائم لنْ يجدي نفعًا.
2. أنْ يناصر كل فرد في التنظيم التغيير ويدفعه إلى الأمام ويدْفعه بقوة.
3. أنّ التغيير الجذري أو الجزئي يـجب أنْ يستند إلى قواعد واضحة وثابـتة يعرفها كل افراد المنظمة وعلى كل مستوياتها .
ومنه ندرك يقينا أن عمليات إحداث التغيير التنظيمي ليس مجرد عمليّات تجريبيّة تخطئ وتصيب بقدْر ما هي اسْتجابة لواقع جديدٍ ينضبط عبْر منْهج عِلميّ شاملٍ؛ فقد استفادت ميادين عديدة من العلوم الحديثة ولم تبقَ بمنأى عن التخطيط المدروس ممّا مكن القادة القائمين على منظمات الأعمال بفضل تبنيه لهذه المناهج من بلوغ نتائج كانت في السّابق تعتبر ضْرباً من المُستحيلات، فقد انتظمت حياة المنظمات الحديثة بكلّ توجُهاتها تنظيماً علمياً دقيقا، بحيث لم تعد الطرائق العفويّة التي كانت سائدة في زمن ما قبل العلم تجدي نفعا.
إن استراتيجيات التغيير في إدارة المنظمات كان لها الحَظّ الأوْفر في الاستفادة من هذه العلوم حيث قامت باستثمارها وتوظيفها، وقد أصبح التوجّه لإحْداث التغيير عملية مُهمة، ونشاط تتميز به المنظمات المعاصرة الناجحة ومن هنا أصبح التغيير حدثٌ يتكرر كلمّا سنحت الأوضاع الجديدة إليه.
[1] - Chin, R., & Benne, K.D. (1969) General strategies for effecting changes in human systems. In W.G. Bennis, K.D. Benne, & R. Chin (Eds), The planning of change (pp. 32-59). New York: Holt, Rinehart & Winston.
2- Sandy Musser. Radical leadership for Radical Change- an ADOPTION rEFORM Article ;KINDLE Editon,PARIS- 2013
الفصل الخامس : مقاومة التغيير في منظمات الأعمال
تمهيــــد
لا شكّ أنّ إجراء أي عمليّة تغيير داخل المنظمة هي مغامرة تستوجب الحيطة و الحذر مهْما كان حدود هذا التغيير لأنّ نجاح هذه المهمة يرتبط بشكل مباشر بمدى تجاوب الأفراد داخل المنظمة مع هذا الحدث الجديد، والأرجح أن تتعرّض المنظمة لمَوْجة رّفض تتعدّد أسبابها، حينها تظهر قدرة القائد الإداري ومهارته في إدارة المنظمة وتجنيبها المخاطر التنظيمية ، برصد الأقوال والأفعال والموافق المقاومة للتغيير، و التصرف حيالها بأسلوب يجمع بين الحزم والحكمة، حتى يسيطر عليها دون إحداث هزّات داخل المنظمة وهذا يدعونا للبحث في القوى الرّافضة للتغيير تحديد استراتيجيات التعامل معها.
تعد مقاومة التغيير تعبيراً ظاهرياً أو باطنياً لردود الفعل الرافضة للتغيير، وهي ظاهرة طبيعية شأنها شأن التغيير نفسه. مصادر مقاومة التغيير إما أن تكون مصادر مرتبطة بالشخصية مثل الخوف من المجهول وتفضيل الاستقرار والقلق والاضطراب في العلاقات والعادات والممارسات، وهناك مصادر مرتبطة بطريقة إحداث التغيير مثل الوقت والموارد المتوفرة للتكيف واحترام الأفراد والمهارات ومصداقية عامل التغيير.
1.V - مفهوم وطبيعة مقاومة التغيير:
تأخذ مقاومة التغيير أشكال مختلفة، بعضها يكون ظاهراً مثل تكوين تجمعات، المصارحة برفض التغيير أو ترك العمل، والبعض الآخر ضمني أو غير ظاهر كاستغراق فترات أطول في تنفيذ الأعمال، زيادة عدد الأخطاء المرتكبة، وزيادة الغياب, والتغيب
1.V.1- مفهوم مقاومة التغيير
يعبر مقاومة التغيير عن ردّ فعل الأفراد اتجاه التغيير، كما أنها ليست في جميع الأحوال ردّ فعل سلبي، فقد تكون دفعاً للمسؤولين للتفكير ملياً في التغيير أو تكون تحذيراً أو إشارة إلى وجود بعض جوانب القصور، فيما يقومون به وفي هذه الحالة ستستفيد الإدارة من ذلك[1] .
مقاومة التغيير هي عمل مضاد من قبل الأفراد والجماعات يتم اتخاذه عندما يدركون أن التغيير الذي يحدث على أنه تهديد لهم.
الكلمات الرئيسية هنا هي "إدراك" و "تهديد". التهديد ليس من الضروري أن يكون حقيقيا أو كبيرا لحدوث مقاومة. بل يشير في وصف المعتاد للتغيير داخل العديد من منظمات الأعمال، كما نلحظ وجوده أيضا في أماكن أخرى وفي أشكال أخرى. ويمكن للمقاومة أن تتخذ أشكالا كثيرة، إيجابيا أو سلبيا، سرا أو علانية، فردا أو المنظمة، عدوانية أو خجول.
المقاومة هي ما يعادلها من الاعتراضات في المبيعات والخلاف في المناقشات العامة. قد يستغرق مقاومة العديد من الأشكال، بما في ذلك إيجابيا أو سلبيا، سرا أو علانية، فرد أو المنظمة، عدوانية أو خجول[2].
إن المشكلة الحقيقة في برنامج التغيير تكمن في الأشخاص الذين يفترض فيهم أن يتغيروا ولكنهم يقاومون بعنـاد ما يطلبه منهم قـادة التغيير، لذلك يمكننـا إدراك أبعاد المقـاومة على أنها استجابة عاطفية (سلوكية) وطبيعية اتجاه ما يعتبر خطرا حقيقيا أو متوقع يهدد أسلوب عمل حالي.
وهذه المقاومة قد لا تكون سلبية في أحيانا، وتتمثل ايجابيتها في سلبية التغيير بمعنى أن الفوائد المحصلة منه اقل من التكاليف المدفوعة، وعدم الامتثال له يكون في صالح الإدارة. أما سلبية المقاومة فتكمن عندما تكون نتائج التغيير ايجابية و مرددوها على الموظف والمنظمة كبيرين مقارنة بالتكاليف[3] .
فمقـاومة التغيير أمر حتمي، مثلما أن التغيير أمر حتمي ، فالفرد بطبعه يميل إلى مقاومة تغيير الوضع الراهن كونه يرجح الاستقرار، لما يسببه ذلك من إرباك وإزعاج وقلق وتوتر داخلي في نفس الفرد، نظرا لعدم تأكده من النتائج المترتبة عن التغيير والتي قد تكون حسب إدراكه غير مجدية لمعالجة ميوله وحاجاته ورغباته.
ومنه نستنتج أن مقاومة التغيير هي امتناع الأفراد داخل المنظمة عن التغيير أو عدم الامتثال له بالدرجة المناسبة والركون إلى المحافظة على الوضع القائم. وتعد تعبيراً ظاهرياً أو باطنياً لردود الفعل الرافضة للتغيير ويكون والتعبير عن الرفض بمختلف الأشكال كإجراءات مناقضة لعمليات التغيير. أو بروز تيار عكسي داخل المنظمة يرفض هذا التغيير ويعمل على إيقافه . وتعد تعبيراً ظاهرياً أو باطنياً لردود الفعل الرافضة للتغيير.
1.V.2- طبيعة مقاومة التغيير:
تعتبر المقاومة الإنسانية للتغيير أمرا طبيعيا، وجزءا لا يتجزأ من ديناميكية التغيير، فيعتبر هذا النوع ملازما للتغيير ويلاقي أهمية بالغة عند القيام بتنفيذ التغيير على أرض الواقع، وتستطيع هذه المقاومة أن تأخذ عدة جوانب كأن تكون تنظيمية أو فردية أو ثقافية، والشكل التالي يبين لنا المقاومة التنظيمية والفردية والثقافية التي يمكن أن يواجهها التغيير في المنظمة.ويمكن توضيح ردود الفعل البسيكولوجية الكلاسيكية للتغيير على النحو التالي :
الشكل رقم ....: ردود الفعل البسيكولوجية الكلاسيكية للتغيير
Source: Pardo del Val, Manuela & Martínez Fuentes, Clara : RESISTANCE TO CHANGE: a literature review and empirical ; Scientific article, Facultad Economía, Universitat de València, Spain,2015,P :09.بتصرف
من الشكل نجد أن المنظمة من جهتها تواجه التغيير بالمقاومة ويكون ذلك راجع لغياب رؤية واضحة واستعمال أنظمة قياس متناقضة، كما أن الهيكل التنظيمي إذا كان ذو طبيعة "سلمية" تدريجي سوف يدفع بالمنظمة في حدّ ذاتها إلى عدم قبول التغيير.
أما المقاومة الفردية فهي درجات، إما أن تكون قوية أو ضعيفة، وهنا التغيير يصبح كترجمة للفرد أي من وجهة نظر فردية، ففي كل تغيير هناك أفراد سيربحون أو يخسرون بطريقة ما، فإذا كانت ترجمة الفرد لهذا التغيير على أساس أن الخسارة من ورائه أكثر من الربح على مستوى التنظيم سوف يؤدي حتما إلى المقاومة وإلى نشاطات تذمر فردية أو جماعية.
وقد يكون جانب المقاومة ثقافيا، فثقافة المنظمة عامل قوي يحدد ما إذا كان التغيير مرغوبا أو مفروضا، ويرتبط ذلك بالذكريات المرتبطة بالأخطاء السابقة، بالإضافة إلى انعدام روح المبادرة، حيث تصنف من الأسباب الرئيسية للمقاومة1 :
أولا- القوى الرافضة للتغيير
· القوى المعارضة للتغيير: هيَ أشبه بلوبي يبذل كل طاقته من أجل صدّ أيّ أفكارٍ أوْ مُمارسات تُؤدّي إلى عمليّة التغيير بكافة أشكاله، لأنّ اتخاذ قوى التغيير أيّ قرار جديد سيتعارض مع مصالحها، و بالتالي فهي تمثل أكبر عائق في وجه القِوى الطامحة للتغيير بحكم سيطرتها على مواقع النشاط الإداري ممّا يجعلها قادرة على توجيه مسار التغيير.
· القوى الرافضة للتغيير: تمثل مصدر إزْعاج للقيادة لصلابة مواقفها التّي تتميّز بالرفض المُستمر لكل عملية تغيير جديدة. فهي ثقل على المؤسسة و لا يمكن تطْويعها إلاعنْ طريق إغرائها بمواجهة القوى المعارضة لامتصاص قوّتها وإحداث انشقاقات في صفوفها في ذات الوقت.
· قوى التحجيم: هدفها إعْطاء شرْعية وجود لقوى التغيير مع تقزيم دورها بتكبيلها بمجموعة من القوانين والمساطر تجعلها في موقف هش و سهل المنال ولها أشكال ثلاثة:
أ- تسْتخدم أسْلوب المُداراة بأنْ تُفسح المَجال لعمليّة التغيير بالتوسّع إلى الحدّ الذي تُريده ثم تتوقف عن مساندته و تمارس هذه الخطة عادةً إذا كان تيار التغيير قويا يصعب صده فيسعى تيار التحجيم لاستيعابه و امتصاص قِواه على مراحل دون الكشف عن نيته.
ب- عدم السّماح بالتوسّع أو النموّ على ما وصلت إليه قِوى التغيير بالمُؤسّسة والعمل على ترْك الأمور على حالها.
جـ - السّعي إلى استهداف المكتسبات الـتي حققتها قوى التغيير مما يؤدي إلى تقويض مشْروع التغيير و إصابته بالشلل التام، ويتم تنفيذ هذا الأسلوب حينما تقع قوى التغيير تحت تأثير انقسامات داخلـية فيعطي هـذا الفرصـة لقوى التحجيم لتُمارس أهْدافها الرّامية إلى إعَادة الأوضاع إلى ما كانت علـيه قبـْل التغيير
· قَوى المحافظة على القديم: و تُمثلها فئة من المُوَظّفين المتقدمين في السنّ و هم في الغالب يعيشون على أمْجاد الماضي، و يتشبثون بالقديم الذي كان يُمثل مراحل شبابهم و قوّتهم، مماّ يجعلهم عبئاً على قوى التغيير التي ستسعى جاهدة الى إغرائهم و استمالتهم و ذلك بالرفع من مكاسبهم وصلاحياتهم.
· القوى المنغلقة: هي قِوى صعْبة الانقياد مُتقوقعة على ذاتها لا ترى في التطْوير أيّ بعد إيجابي، لِذا فهْي تفضّل الجمود و العُزلة ، و تحْمل ثقافة بالية لا تُشجّع على الانفتاح و التعامل مع الآخر.
· قوى اللامبالاة و السلبية:ِهي ِقوى مسْلوبة الإرادة، تعيش على هامش الأحداث، لاتهتمّ بما يدور حولها أو تنفعل له، وهي تدور في فلك التيّار السّائد وتُداريه، وهْيَ بهذه السّياسة تعْمل علىَ إحلال حالات مرَضية داخل المؤسّسة بإطلاقها للشائعات الكاذبة، و الأخبار الزّائفة، مُولــّدة بذلك حالة من الاضطرابات وعدم الاستقرار،تسعى بها إلى تدمير المكاسب الجديدة.
ثانيا- أسباب مقاومة التغيير
إن مُقاومة العُمّال للتغيير أمْرًا طبيعيًّا و مشروعًا، بحكم أنّ عواقبه غير مأمونة. فالتغيير يُسّبب حالات من التوتر و القلق النفسِيّ والخوْف منَ المُسْتقبل رَغم ما يحمله مِنْ آمال ومنافع للمنظمة. فتعوّد المُوَظفين على نمط العمل يجعلهم يُؤمنون أكثر بالقدرة على أدائه بكفاءة و يبقى هنا على الإدارة أن تدرك أسباب هذه المقاومة ودوافعها، و أنْ تنتقي أسْلوبا رشيدا في التعامل معها بما يحقق الفائدة و المصلحة للجانبين،
"إن الفرد يرى سريعًا الأشياء التي تبدو أنّها تُساعده و تعاونه على إشباع حاجاته. بعكس الصعوبات و المشاكل التي طالما كانت بعيدة عن تهديده فإنه يراها أيضا و بسرعة، لكنه ينكرها أمام نفسه كأنه لم يكن قد رآها بتاتا. و يعتقد الناس أنهم يحمون أنفسهم و لكن حين تهدّدهم هذه العقبات و المشاكل بدرجة خطيرة و مُباشرة فإنهم يلقون الغمام على أنظارهم ويواجهون الحقائق التي لا مفرّ منها، و لذلك فإنّ تجاهل الإدارة لاختلاف إدراك الأفراد، هو تجاهل مؤقت و مُوجّه أساسًا لسلوكهم في المؤسّسة "[4] .
إذن فلا بدّ أن نعْترف بوجود أسباب متعددة للمقاومة، ونؤكد منها على :
1- الخوف من فقدان بعض المميزات: التغيير قد يصاحبه تخوف العاملين من فقدان مصادر قوتهم فالعامل الذي ظل يعمل لسنوات بأسلوب تقليدي يخشى أنه سيصبح متعلما مثل العامل الذي التحق بالخدمة حديثا. وعندما تحاول تطبيق أساليب العمل الإلكتروني يخشى بعض المديرين من إتاحة المعلومات التي كانت ملكا لهم ولا يطلعون عليها إلا من أرادوا. قد يصل الأمر إلى خوف فقدان الوظائف أو نقصان الحوافز المادية نتيجة للتغيير. وهناك جانب اجتماعي وهو الخوف من إعادة توزيع العمالة وهو ما قد يؤدي بالعامل للانتقال إلى مجموعة عمل جديدة والبعد عن المجموعة الحالية التي ارتبط بها بعلاقات قوية.
2- محاولة تجنب المخاطرة: أي تغيير يحمل جانبا من المخاطرة ولذلك فإن الكثير من المديرين يفضل ألا يغير شيئا خوفا من فشل التغيير. فهؤلاء يحاولون تصوير أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان لكي لا يضطروا لمواجهة المخاطرة.
3- عدم رؤية المميزات: أي تغيير يكون له جوانب سلبية وأخرى إيجابية ولكن علينا إحداث التغييرات التي تكون جوانبها الإيجابية أكبر من جوانبها السلبية. ولكن البعض يركز على الجوانب السلبية فيبدأ يَعُد لك المشاكل والمخاطر ولا يلتفت إلى الفوائد التي ستحدث من جراء هذا التغيير. فمن ضمن المشاكل المعتادة أن العاملين اعتادوا على الوضع الحالي، أن هناك تكلفة ومجهود مطلوبان للقيام بالتغيير، أن هذا يستلزم تدريب العاملين مرة أخرى. ويمكن صياغة هذه النقطة بطريقة أخرى وهي عدم رؤية الحاجة للتغيير وهو ما قد يعني عدم رؤية المشاكل الحالية التي تستلزم التغيير.
4- التركيز على التكلفة: عندما تحاول تحسين مستوى الخدمة أو القيام بأمور من شأنها تحفيز العاملين فإن بعض المديرين لا يرى فائدة لذلك لأنه يريد تقييم ذلك بشكل مادي مباشر. فهذا المدير لا يستطيع أن يتفهم العلاقة بين رضاء العميل وتحفز العامل وبين الربحية. صحيح انك لا تسطيع تحديد ذلك بأرقام محددة ولكن العلاقة واضحة تماما. فالتركيز على أرقام التكلفة قد يجعل بعض المديرين لا يرى فائدة من التغييرات ذات التأثير غير المباشر.
5- فقدان الإحساس بالمشاركة: عدم استشارة العاملين الذين سيتأثرون بالتغيير يجعلهم يقاومون هذا التغيير لإحساسهم بأنهم لم يشاركوا فيه. وعلى العكس تماما فإن مشاركة العاملين والمديرين في التغيير يجعلهم يبذلون ما في وسعهم للتغلب على الصعاب في سبيل نجاح هذا التغيير.
6- عدم توفر الموارد المناسبة للتغيير: مقاومة التغيير قد تنبع من عدم توفر الوارد المادية اللازمة للتغيير أو عدم توفر الأدوات أو العمالة اللازمة أو توقع عدم توفير ذلك مستقبلا.
وهناك عوامل تزكي مقاومة التغيير ولذلك فإن نفس التغيير قد يلقى قبولا في المنظمة ويبقى مقاومة في أخرى. من هذه العوامل:
1- حالات التغيير الفاشلة من قبل: عندما تمر بعدة محاولات فاشلة للتغيير في نفس المؤسسة فإن خوفك من التغيير يزداد وإحساسك بالمخاطر يتعاظم.
2- ضعف الثقة بين الإدارة والعاملين: ثقة العالمين في الإدارة تقلل من الخوف من التغيير وتجعلهم أكثر قبولا لوجهة نظر الإدارة في الحاجة للتغيير. وعلى العكس تماما فإن ضعف الثقة يصاحبه مقاومة لأي تغيير وافتراضا لسوء النية وتكذيبا لنوايا الإدارة من التغيير.
3- ضعف أسلوب التقييم: عندما يكون أسلوب التقييم يأخذ في الاعتبار ما يقوم به المدير أو الموظف من تطوير وإبداع فإن الموظف يجد حافزا للتغيير ولكن عندما يكون التقييم يتم بناء على الأداء النمطي فقط فإن الموظف لن يجد حافزا للمخاطرة بالتغيير.
4- ثقافة عدم قبول أي خطأ: ثقافة المؤسسة قد تشجع على التغيير وقد تعوق التغيير. فبعض المديرين لا يقبل حدوث خطأ ولا يتفهم أن تجربة أسلوب عمل جديد قد يصاحبه فترة من التعلم الطبيعية. هذه الثقافة تجعل العاملين لا يحاولون تغيير أي شيء فهم يحاولون تجنب اللوم أو العقاب.
ثالثا- كيف نتغلب على مقاومة التغيير؟
إنّ القِيادة المسئولة عنْ إحداث التّغيير داخل المُؤسّسة، لها دور أساسيّ في توجيه هذه العملية المهمة، و تمريرها بطريقة تحصل منْها الفائدة لجميع العناصر المقاومة للتغيير والقابلة له وذلك بإشراك كل القوى و الطاقات في العملية و جعلها محلّ استشارة حتّى تضمن تأييدها وتقحمها في العملية بسلاسة دون إثارة أيّ نزعَاتٍ مشبوهةٍ أو إزعاج داخلَ المُؤسسة وأقسامها وذلك بإقناعها بأهميّة التغيير و فوَائِده، و تمْهيدها للتكيّف مَع بيئةٍ جديدةٍ أكثر حَداثة و أوْسع أفقاً.
ولا ُبدّ من وضْع خطة تقوم عليها فكرة التغلّب على مُقاومة التغيير، يُمكن ترتيبها على الشّكل التالي:
1. إعلام المُوظفين بعَملِية التغيير: لِتجنّب المُفاجآت يجبُ إشْعار المُوظفين بنِيّة ما سَتقوم به المؤسّسة من توجّهات جديدة، و أنّ ما تعتزم القيادة فِعله يصبّ في مصلحة المؤسّسة و المُوظفين فيها على حدّ سواء. وهنا تُحاول قيادة التغيير توْفيرالاستعداد النفسي، لتقبـّل هذا التغييرو إقناع الطاقات الفاعلة بايجابياته و ذلك عن طريق الاجتماعات و المناقشات، و محاولة التقلـيل من تأثير التيــّار السّلبي كما أنّها تعْمل على تثقيف الموظفين و تدريبهم للقيام بعمليةِ التغيير على الوجه الأكمل.
2. تقديم الحوافز لتقبل التغيير: تقومُ قيادة التغيير، بإقناع المُوَظفين بأنّ مِنْ وراء التغيير مكاسبَ لا يُمكن أنْ تتحققَ إلا من خلاله، فتطبيق عمليّة التغيير يحقق فوائد للمؤسسة و للعاملين فيها، ولا تلحق الضّرر. فالمقاومة تصبح شرْعية في حال جاءَ التغيير بالخسائِر.
3. الاشتراك قادة و موظفين في عملية التغيير: إن إشراك المُوظفين في عملية التغيير منذ البداية وإشعارهم بأهمية أدوارهم الجديدة يجعلهم أكثر وفاء والتزاما وبذلا من أجل تحقيق برنامج التغيير لأن من طبع الإنسان قبول ما استشير فيه كما انه يرفض ما فرض عليه.
4. استمع أكثر مما تتكلّم: إنّ على قادة التغيير أنْ يعوا أنّ فنّ الاستماع للموظفين و تفهّم مطالبهم يمنحهم القدرة أكثر على إحداث التغييرباقل التكاليف و الجهود، كما انه يعطي فرصة للموظف لإبراز وجوده و دوره على سَاحة العمل مما يشعره بنوْع من الثقة المُتبادلة و الراحة النفسية و أنه شريك فعلي في عملية التغيير.
5. وضع هدف محوري من أجْل الوصول إليه: وضْع هـدف مـحْوريّ أو رؤيـة مستقبلية يلتـف حولها الـموظفون مع قادة التغيير، والتعريف بها من اجل تحقيقها، ممّا يسهم في ربط القوى العاملة بمَشروع التغيير.
6. استمالة قوى الرفض: إنّ قوى الرفض تبقى دوْماً هي نقطة الضّعف داخل إطار عمليّة التغيير فنجدُها تكثر من الشكوى، أو تتراخى في عملية الإنتاج بسبب ظروف العمل الجديدة أو تتجنب مُمارسة التدريب في هذا الوضع الصعب تبرز مهارة الإداري و حكمته في استيعاب هذه القوى و استمالتها بأساليب مُرَغبة و جليّة. و سَتجنِي المؤسّسة من ذلك عدّة فوائد أهمها:
ا- تقارب وجهات النظر: ما دام هناك رفض للتغيير يعني أنّ هناك إشكالية وُضوح رُؤية لمشروع التغيير، فبلقاء الطرفين ستتضح كل العوائق التي سيتم تذليلها، و التعامل معها.
ب - غرس الثقة في الموظفين: بتشجيعهم على أنهم أهل للتغيير، و أنّهم يمتلكون القدرة الكافية للقيام بذلك، و ذلك عن طريق تأقلمهم مع كل المستجدات و تحميلهم مسْؤولية إنجاح التغيير.
رابعا- طرائق تقليل مقاومة التغيير:
طالما عرفنا أسباب المقاومة فإن تقليل المقاومة يكمن في إزالة تلك الأسباب أو على الأقل تقليص حجمها. من خلال:
1. اتفاق التغيير مع احتياجات المستخدم : كلما كان التغيير يحل مشكلة المستخدم سواء كان موظفا أو عميلا فإن مقاومة التغيير تقل نظرا لأن المستخدم يُدرك الفائدة التي تعود عليه. قد نأتي بأفكار رائعة ومنتجات متطورة ولكنها لا تحقق مصلحة المستخدم فيقاومها. من المهم أن تشعر بالمشاكل الحقيقة التي تحتاج للتغيير وتستمع للعملاء سواء كانوا عملاء داخليين أي موظفين أو عملاء خارجيين. لا تفترض أنهم يفكرون مثلك فكل إنسان له احتياجاته وله أسلوبه. وهذه مسألة ليست هينة لأن معرفة حقيقة احتياجات الموظف أو العميل ليست مسألة حسابية أو سؤال تعرف إجابته بمجرد سؤال عميل واحد أو عدة عملاء.
2. الاتصالات: وجود قنوات اتصال قوية تساعدك على توضيح وجهة نظرك للموظفين مثلا وتمكنك من إمدادهم بمعلومات كافية عن التغيير. هذا يساعد الموظف على رؤية مميزات التغيير وبالتالي يبدأ في الميل إلى التغيير. ضعف الاتصالات يفتح المجال للإشاعات ولافتراض سوء النية. ربما تظن أنك لن تتعرض لمثل هذه الإشاعات ولكنك قد تفاجأ بأن التطوير الذي تقوم به قد افترض له آخرون أهدافا لم تخطر لك على بال. لذلك فاجعل هناك اتصالات دائمة وبشكل بناء فلا تفتح باب مكتبك لكل من يريد أن يناقش التغيير ثم توبخ كل من يأتيك.
3. التدريب: التدريب يقلل من خوف الناس من فشلهم في استخدام التكنولوجيا الجديدة أو المنتج الجديد أو أسلوب العمل الجديد وبالتالي فهو يقلل من مقاومتهم للتغيير. والتدريب في نفس الوقت يساعد على نجاح التغيير لأنه يقلل من فترة التعلم التي تصاحب بداية التغيير. وهو في نفس الوقت من ضمن وسائل الاتصال بالمستخدمين فهو يفتح المجال لتبادل وجهات النظر. ويمكنك أيضا من تطوير التغيير نفسه من خلال استماعك للمتدربين. فالتدريب هو وسيلة عظيمة متعددة الفوائد.
4. المشاركة في التغيير: الإحساس بالمشاركة يجعلك جزءا من التغيير فتسانده لأنك اشتركت بشكل ما في التمهيد له. لذلك فإنه عليك أن تُشرك أكبر قدر من المستخدمين فتستشيرهم وتستمع لوجهة نظرهم. ومن المفيد أن تستمر العلاقة فتوضح لهم المقترحات التي تم تنفيذها وتلك التي من الصعب تنفيذها وتلك التي قد تنفذ لاحقا. هذا يشعرهم بصدقك وجديتك في إشراكهم في التغيير ويجعلهم أكثر استعدادا للمشاركة في التغيير وإبداء آرائهم.
5. وجود قوة مساندة للتغيير: نعم التغيير قد ينتج عنه فقدان بعض مميزات لبعض الأفراد وقد يحتاج لبذل مجهود في التعلم والتأقلم. لذلك فإنه من المطلوب وجود قوة داعمة للتغيير للتغلب على هذه المقاومة. هذه القوة هي مساندة الإدارة العليا. وعلى الرغم من أهمية مساندة الإدارة العليا فإنه ينبغي عدم الاغترار بها واعتبار أنها تغني عن كل ما سبق ذكره من اتصالات وتدريب ومشاركة لأنه في كثير من الأحيان يمكن أن يتم التغيير بشكل مظهري لمجرد إرضاء الإدارة العليا.
6. المكافأة على تطبيق التغيير: كما وأن البعض قد يتأثر سلبا بالتغيير فيمكننا أن نجعل كل من يلتزم بالتغيير يتلقى نوعا ما من التقدير. فيمكن للإدارة أن تمنح المساهمين في التغيير جوائز تشجيعية أو تجعل الترقي مرتبطا بالمشاركة الجادة في التغيير أو تمنح فرص للتدريب في الخارج للمشاركين وهكذا. وقد تكون المكافآت معنوية مثل كلمة شكر أو شهادة تقدير.
a. خلق جو يساعد على التغيير: الثقة: ثقة العاملين في الإدارة هي عامل مثبُّط للمقاومة فعندما تثق في إدارة المؤسسة فإنك تتوقع أن أي تغيير يقترحونه يهدف لمصلحة المؤسسة لا لمصلحة شخصية. وبناء الثقة ليس أمرا ستقوم به عند التغيير ولكنه أمر مستمر والمحافظة عليه أسهل بكثير من بنائه بعد فقدانه.
b. منظمة التعلم: خلق جو للتعلم يجعل الموظفين متقبلين للتغيير عند الحاجة فهم توَّاقون للتعلم ولتطبيق أحدث الأساليب. شجع الإبداع ورحب بالأفكار الجديدة وتبادل الزيارات مع مؤسسات أخرى واجعل الأفكار تنتقل بين قطاعات الشركة المختلفة. حارب ثقافة الانغلاق واهدم الإحساس الغرور. اخلق ثقافة تبحث عن التطوير وتسعد بالسعي إليه. هذه المؤسسة ستكون أكثر تقبلا للتغيير من المؤسسات ذات الفكر التقليدي.
ومن خلال هذه المعطيات يستشهد الباحث بمنهج كوتر و شليزنجر، للتغلب على المقاومة.
الشكل :.....منهج كوتر و شلزنجر للتغلب على المقاومة
القسر |
التلاعب |
اتجاه زيادة بروز القوة |
* وجود قسر ظاهر أو ضمني * سلوك قائم على التهديد * انتهاء التعاقد عند الفشل |
* استخدام قوة المنصب * توليفة من التهديدات الفعلية |
*استكشاف مناطق المقاومة
* الإغراء من أجل الالتزام بالتغيير.
* اتجاهات التيسير و تغيير السلوك |
* انخراط أفراد الجماعة المتأثرين بالتغيير * المشاركة في صنع القرار سواء كان رئيسيا أو هامشيا * الحصول على درجة للالتزام نحو عملية التغيير |
* تقديم المعلومات عن التغيير. * عرض مقترحات التغيير. * الإعلام . * تحدي التفسيرات الخاطئة لعملية التغيير |
* مفاوضات رسمية أو غير رسمية للتغلب على لمقاومة * إمكانية استخدام طرف ثالث
|
التفاوض
|
التسيـير
|
المشاركة
|
الاتصال
|
المصدر: نيجل كنج، نيل أندرسون ترجمة حسني محمود حسن، إدارة أنشطة الابتكار والتغيير دليل
انتقادي للمنظمات.الرياض دار المريخ 2004م ص 308
[1]- Jean Marie Ducreux, Maurice Marchand-Tonel, Stratégie « les clés du succès concurrentiel »,Ed d’organisation, Paris, 2004, p 286.
[2] - Paul R. Lawrence : How to Deal With Resistance to Change ; 1first ed. Business Bookshelf ; Harvard Business Review (HBR Classic) , 1969,P: 124 .
[3]- زيد منير عبوي، إدارة التغيير والتطوير، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، 2006، ص 41.
1 - Jean Marie Ducreux, Maurice Marchand-Tonel,op cit, p 286
[4] - Essentials of Organization Theory and Design, R. Daft, 2nd edition, South-Western, 2000 ,P: 119
- معلم: MEZRIG Achour