الفصل الرابع : استراتيجيات إدارة التغيير في منظمات الأعمال

             يقدم لنا Fred Nickols في ورقة  بحثية بعنوان"Four Strategies for Managing Change" أربع استراتيجيات أساسية تستخدم لإدارة التغيير في منظمات الأعمال ، ثلاثة منها لـ Neth Benne and Robert Chin ،

1.     الإستراتيجية العقلاني التجريبية ( التطبيقية )

2.     الإستراتيجية المعيارية ( التثقيف الموجهة )

3.     إستراتيجية السلطة القسرية

4.     إستراتيجية البيئية التكيفية

           فلإصدارات "الكلاسيكية" لخصت الثلاثة الأولى من عمل Neth Benne and Robert Chin[1]. الرابع هو من صنع المؤلف نفسه ." Fred Nickols خلال نحو 30 عاما من البناء والتكييف مع التغيرات في منظمات الأعمال ومحيطها .

    معظم جهود التغيير الناجحة تتطلب مزيج من بعض الاستراتيجيات الأربع. و نادرا ما نكتفي بإستراتيجية واحدة. ويقدم . Fred Nickols بعض العوامل المساعدة في اختيار إستراتيجية أو صياغة مزيج من الاستراتيجيات.

III.1- الإستراتيجية العقلانية التطبيقية :

الافتراضات الأساسية. : تقوم على أن الأشخاص عقلانيون وسوف يقبلون بالتغيير إذا كان سينعكس عليهم بشكل إيجابي ويقدم لهم مزايا ويحقق مصالحهم.

   ويرى الكثير من المفكرين، أن هذا التفكير معقول جدا . ينبغي تحفيز العاملين لتحسين أدائهم المهني عن طريق الوعود الإيجابية والحوافز المادية والمعنوية أو ما يعرف بسياسية “الجزرة”٬ باعتبارها أفضل من الوعيد والأساليب العقابية والترهيبية أو ما يعرف بسياسة “العصا”.

         وكانت الأبحاث السابقة قد أشارت إلى أن عنصر “المكافأة” أو “العقاب” سلاحان لمراقبة الموظفين والعاملين٬ غير أن سياسة التحفيز تعد الأفضل من أجل الحصول على نتائج مهنية.

    وكان العلماء قد أجروا أبحاثهم على مجموعة من العاملين تم معاملتهم بصورتين منفصلتين٬ حيث تم تحفيز أفراد المجموعة الأولى بحوافز مادية ومعنوية في حال إنجازهم للمهام الموكلة إليهم في أسرع وقت٬ في مقابل “الوعيد” والتحذير من التراخي في إنجاز هذه المهام بين أفراد المجموعة الثانية. وأشارت الدراسة إلى أن أفراد المجموعة الأولى نجحوا في إنجاز المهمة المهنية الموكلة إليهم بصورة أسرع وأكثر كفاءة مقارنة بأفراد المجموعة الثانية الذين تم تهديدهم في حالة عدم إتمام المهام الموكلة إليهم في الوقت المحدد.رع وأكثر كفاءة

-          اختيار العوامل : تغيير إستراتيجية هنا يتركز على ميزان الحوافز وإدارة المخاطر.

     من الصعب نشر وتطبيق وتبني هذه الإستراتيجية تطبيقية-في ظل وحود مستوى ادني من حجم الحوافز المتاحة  . إذ لا يمكن قبول المغامرة بمواجهة أخطار مستقبل غامض  ، تكون عوائده وحوافزه لا يزيد في  أفضل حال عن حوافر الحاضر المتواضعة .ويتأكد صحة هذا عندما  بشكل خاص عند أفراد المنظمة  عندما يكون الوضع الحالي جيد جدا.

      ومن الرشادة القيادية هنا هو استخدام الذكاء التغييري بان نلقي بضلال الشك على جدوى الحالة الراهنة لحاضر المنظمة. وإقناعهم بأن الوضع الراهن لديه صلاحية قصيرة.

III.2-الإستراتيجية المعيارية التثقيفية الموجهة :

الافتراضات الأساسية : تستند على الجانب القيمي والثقافي للفــرد حيث ترى أنه محرك رئيسي لا يقل أهمية عن الجانب الفكري.

     تستخدم الحقائق والمعرفة الخاصة والحجج المنطقية لإحداث التغيير. تفترض الإستراتيجية أن الفرد العقلاني الرشيد سيقرر دعم ومساندة التغيير من عدمه مستنداً على سلامة تفكيره ومصلحته الذاتية. لذلك لا بد من قيام وسيط التغيير بحشد قدراته لإقناع الآخرين بأن التغيير سيجعلهم أفضل من السابق.

 اختيار العوامل :  يتم التركيز بشكل مباشر مباشر على ثقافة ومعتقدات الأفراد ، والعمال أنفسهم وتوجيه الطرائق المهنية في المنظمة التي يتصرف بها الأفراد لتكون متسقة مع هذه المعتقدات.

   وعادة، لا تتغير ثقافة الإفراد بسرعة، وبالتأكيد ليس بين عشية وضحاها. وعليه تصبح هذه الإستراتيجية غير مجدية واتي ينصح بعدم اختيارها في حالة وجود تحول وظيفي وهيكلي على مهل زمنية قصيرة وبطيئة .

     وعلاوة على ذلك، فثقافة المنظمة هي مدخل متغير  يخرج عن طوع المنظمة في ظل وجود مقاومة للتغيير على خلاف الالتزام الإجباري بالتنظيم  الرسمي.

       لهذا السبب، تعمل الإستراتيجية المعيارية التثقيفية بشكل وديو على أفضل وجه  في ظل وجود تناغم بين العلاقات الرسمية والتنظيم غير الرسمي على الأقل ودية ومتناغمة . ما يسمح بتجاوز الخلافات  مع بعضهم البعض،.

     ومع ذلك، ليس هناك وسيلة أو اثنين مفتوحة هنا. تقريبا كل جهود التغيير تكرس  على المدى الطويل وكذلك الأهداف على المدى القصير إلى حد ما، أي على المدى الطويل إستراتيجية التغيير يجب أن تتضمن بعض جوانب التثقيفية من تجنيد وإشراك القادة للمنظمة و إبقائها شريكا في تحقيق هدا التوجه ، إذ يجب أن يوضع في الاعتبار أن المنظمات الرسمية وغير الرسمية ان هناك -في كثير من الأحيان- تتداخل في تبني  شكل من الأفراد الذين يقودون  أو يؤثرون على الدوائر الكبرى أو المهمة والذين يشغلون مناصب قوية أيضا .

III.3- إستراتيجية السلطة القسرية

-  الافتراضات الأساسية :  ترتكز على أن التغيير هو إذعان من هم أقل سلطة لمن هم أقوى سلطة.وتستخدم طرائق المشاركة في اتخاذ القرار والتوكيد على القيم المشتركة لخلق التغيير. إنها تستلزم تمكين وإشراك الأفراد الذين يتأثرون بالتغيير بصدق وفاعلية في التخطيط واتخاذ القرار الرئيس المتعلق بالتغيير.

     يتطلب تطبيق هذه الإستراتيجية تنمية اتجاهات الدعم والإسناد للتغيير من خلال المشاركة أو التمكين والتي تستند بدورها على بناء القيم الشخصية ومعايير الجماعة والأهداف المشتركة لكي يظهر الدعم والإسناد طبيعياً .

    يهدف مبدأ "طريقي أو الطريق السريع" بشكل أساسي على  تقليل الخيارات لا زيادتها. و في كثير من الحالات، تقبل بسهولة هده  الإستراتيجية بين القوى الفاعلة في المنظمة ، عندما تعرف  القلة فقط ما يجب القيام به. هذه الإستراتيجية هي "العصا" من جانب إدارة الجزرة والعصا.

- اختيار العوامل : تؤثر اثنين من العوامل الرئيسية التي في اختيار الإستراتيجية القسرية بين القوى هي الوقت وخطورة التهديد الذي واجهته.

         وفقا لهذه الإستراتيجية فأنه يتم استخدام كافة الأساليب والوسائل في إحداث التغيير،فالتغيير يفرض على الجهات المعنية بالقوة ،ويتم التغلب على كافة أشكال المقاومة باستخدام العقوبات والجزاءات لكل من يخالف.وهذه الإستراتيجية قد فعالة في بعض الظروف وفي بعض الحالات الطارئة ولكنها غير فعالة على المدى البعيد لأنها لا تضمن ولاء الأفراد ودعمهم للتغيير.

       وعلى الرغم من أنه لا يوجد إستراتيجية واحدة مثلى يمكن استخدامها لإحداث التغيير بفعالية لأن طبيعة الموقف والظروف هي التي تحدد ذلك الاأن الزج بين الإستراتيجية العقلانية الميدانية وإستراتيجية التثقيف والتوعية الموجهة قد يكون هو الأمثل.وهذ لا يعني عدم استخدام إستراتيجية القوة القسرية فهنا كل الظروف تستدعي استخدام القوة للتغلب على مقاومة التغيير.

 

III.4- الإستراتيجية البيئية التكيفية

الافتراضات الأساسية :  الافراد يعارضون عدم وضوح الرؤية  لكنها تتكيف بسهولة مع الظروف الجديدة. ويستند التغيير على بناء منظمة جديدة وتدريجيا تنقل أفراد المنظمة من الوصع القديم إلى أخر جديد.

        تشكل التحولات في هذه الإستراتيجية عبء للتغيير من إدارة وتنظيم للافراد ، يستغل طبيعة التكيف الطبيعية ويتم تجنب العديد من المضاعفات المرتبطة بمحاولة تغيير الأفراد أو ثقافتهم.

       إن القادة الذين يمتلكون خصائص ومقدرات عالية لديهم قدرة أكبر في العمل مع البيئات المضطربة وجعل المنظمة تعمل بتماسك واعتمادية عالية، فضلاً عن مقدرتهم الإدراكية التحليلية في التكيف مع البيئة الخارجية كما أن القادة الذين يمتلكون خصائص محدودة يمكن إن يكونوا قادة ناجحين في البيئات المستقرة وإن القادة الذين يمتلكون خصائص معقده تمكنهم من العمل في البيئات الديناميكية والتكيف مع الحالات المتناقضة.

          وتهتم الإستراتيجية البيئية التكيفية  بعملية التحليل البيئي وأثرها في اختيار اإستراتيجية التكيف التنظيمي، فالمنظمات التي تستطيع تحقيق مستوى مقبول من حالة التكيف التنظيمي مع حالات البيئة المتغيرة والاستمرار والنجاح فإنها تتبع استراتيجيات قوية تمكنها من مواجهة الظروف البيئية .

اختيار العوامل :  الاعتبار الرئيسي هنا هو مدى التغيير. فالاستراتيجية التكيف البيئي هي الأنسب لحالات حيث يسمى التغيير جذرياو تحولي لتغيير تدريجي أو تراكمي. كما أن الأطر الزمنية ليست عاملا محددا . هذه الاستراتيجية يمكن أن تعمل تحت أطر زمنية قصيرة أو أطول. ومع ذلك في ظل فترات زمنية قصيرة، فإن القضية الرئيسية هي أن الإدارة لا يمكن أن يكون نمو الهائل في التنظيم الجديد، اد يتم العمل على مزج ثقافة المنظمة الجديدة مع الثقافة القديمة للحصول على أحسن تكيف تنظيمي .

 

III.5-  اعتبارات صياغة الإستراتيجية الممزوجة :

        ليس هناك إستراتيجية مثلى لإدارة التغيير. يمكن أن تتبنى إستراتيجية عامة أو كبرى ولكن يتم مزيج من بعض الاستراتيجيات الأربع. و نادرا ما نكتفي بإستراتيجية واحدة لأي مبادرة معينة لان هناك دائما مبادرات متعددة تصب في أكثر من نموذج تغييري ، ولهدا يتم  مزيج بعض من الاستراتيجيات المتاحة . وللحصول على مزيج أفضل لصياغة الإستراتيجية الممزوجة يجب أن تؤخذ في الحسبان الاعتبارات التالية :

أولا- رؤية إستراتيجية : ، فإدارة التغيير يجب أن ترتبط بالرؤية والأهداف الإستراتيجية لمنظمة ، فعملية التغيير في ظل غياب الإستراتيجية تشبه الحلم الذي يستحيل تحقيقه ، فهي أداة لتحقيق الرؤية والرسالة . والخطط الإستراتيجية عبارة عن خطط الطريق التي تحتاجها الرؤية  وتستلزم القيادة الفعالة القدرة على البناء والالتزام لتنفيذ استراتيجيات عقلانية للأعمال على ضوء احتمالات مستقبلية لاحتياجات المنظمة . و لكي يكون التغيير ناجحاً، يجب أن يتم ربطه بشكل واضح بالمواضيع الإستراتيجية للمنظمة، ويجب أن تلامس الرؤية بعض النقاط الأساسية :

1.     العقلانية - لوصف لماذا نحتاج للرؤية، أو لماذا نحتاج للتغيير .

2.     أصحاب المصالح - مناقشة أصحاب المصالح في المنظمة ، وماذا سيقدم لهم التغيير .

3.     أهداف الأداء- تحديد القيم والمعتقدات الأساسية التي تدفع المنظمة للتغيير .

4.     العمليات والبناء التنظيمي - كيف سيكون البناء التنظيمي للمنظمة ، أو كيفية العمل لتحقيق الرؤية .

5.     أسلوب التشغيل - المناقشة لتحديد بعض العناصر لكيفية أداء الأفراد للعمل وكيفية تفاعلهم مع بعضهم البعض .

وتستلزم الإستراتيجية الفعالة للتغيير إيجاد تحالف مع مجموعة من الأفراد وإعطائهم سلطة لقيادة التغيير والعمل بصورة جماعية كفريق عمل .وقد ركز Kotter أيضا على الحاجة لاستخدام كل الوسائل الممكنة لإيصال وشرح الرؤية الجديدة والإستراتيجية والتأكيد على أهمية إيجاد أداة تشكل نموذج لتوجيه السلوك المتوقع لجميع العاملين .

ثانيا- الاتصال : يعتبر الاتصال احد العناصر الرئيسة لنجاح تنفيذ التغيير حيث تحتاج المنظمة التي تمر بعملية تحول لعملية الاتصال لإيضاح الوضع المستقبلي فيما يتعلق بكل ما هو وثيق الصلة باحتياجات ومتطلبات العاملين في مختلف المستويات الإدارية ..

        إن أهم المهام الأساسية للقادة صياغة رؤية جديدة لقيادة المنظمة للمستقبل المأمول ، وهناك حاجة للتأكد بأنة تم الاتصال بأسلوب فعال لإيصال الرؤية لكي يتم تحويلها لتصرفات من قبل جميع الأفراد في المنظمة ، حيث لابد للقائد أن يهيئ نفسه بحيث يقرن أقوالة بأفعاله ، وان يتصرف بأسلوب يتطابق مع الرسالة التي تحتويها الرؤية .

       ولا يمكن تجاهل أهمية دور القيادات في الاتصال خلال تنفيذ المراحل المختلفة للتغيير لمختلف المستويات الإدارية ، حيث تشكل قناعة الموظفين خلال المراحل الأولية للتغير أساس لتقبلهم للتغيرات اللاحقة، ويعتمد ذلك بصورة جوهرية على قدرة القيادات على تبني إستراتيجية الاتصال الفعال والمستمر مع أصحاب المصالح داخل المنظمة وخارجها .. أن الفشل في تبنى إستراتيجية للاتصال يقلل الفرصة في تسهيل تفسير الأفراد للتغيير ومن ثم يضعف الفرصة لتقبل التغيير. ولكي يكون الاتصال فعالاً، لا بد من توافر عناصر أساسية، حددها  فيما يلي :

1.     البساطة والبعد عن المصطلحات الفنية المعقدة .

2.     استخدام البلاغة والمثال و التركيز على استخدام الصور اللفظية في عملية الاتصال .

3.     تنوع الطرح والنقاش

4.     التكرار .

5.     القدوة الحسنة وإظهار المصداقية .

6.     التغذية العكسية .

ثالثا- التزام وقناعة القيادة : يتوقف نجاح التغيير على مدى التزام وقناعة القيادة الإدارية في المنظمة بضرورة الحاجة لتبني برنامج للتغيير، من أجل تحسين الوضع التنافسي للمنظمة ، وهذه القناعة يجب أن تترجم في شكل دعم ومؤازرة فعالة من خلال توضيح الرؤية وإيصالها لجميع العاملين في المنظمة ، والحصول على ولاء والتزام المديرين في المستويات الوسطي لتنفيذ التغيير .

        فالتغيير الفعال يتطلب الاستثمار في الموارد فيما يتعلق بالوقت والجهد والمال، حيث أن تحقيق التغيير بشكل فعال يتطلب الأعداد وبذل الإمكانيات المادية والبشرية لدعم التغيير وان أهمية تحديد وتوفير الموارد البشرية والمادية وعملية التدريب والتطوير خلال مختلف مراحل التغيير . وأحد أهم الأدوار للقيادات خلال عملية التغيير تتمثل في مساعدة المتأثرين بالتغيير للتكيف مع بيئة وظروف عدم التأكد التي يخلقها التغيير، ويتحتم على القيادات في نفس الوقت العمل على التأكد أن التغيير يسير حسب الخطة ، وأن أسباب فشل العديد من مبادرات التغيير يرجع لمقاومة التغيير ، لذا يبرز دور القيادات في تخفيف حدة مقاومة التغيير .

رابعا ـ التحفيز والإلهام :  يعمل القائد  الفعال  على تحفيز والهام التابعين لإنجاز العمل ... وفى أي عملية تغيير ، يجب أن يكون قائد التغيير ذو مصداقية ، فهي تأتى من الشعور بأمانة وكفاءة القائد ومن قدرتة على الإلهام .. وينشأ التحفيز والإلهام من خلال ربط أهداف المنظمة باحتياجات الأفراد وقيمهم واهتماماتهم والاحتكام للغة أقناع ايجابية ، وينشأ التحفيز كذلك من خلال تحقيق انتصارات على المدى القصير ...

        ويستلزم تحقيق الانتصارات الاعتراف بشكل واضح ومكافآت الأفراد الذين جعلوا تحقيق الانتصارات ممكنناً  وأحد مظاهر القيادة التحويلية تتمثل في القدرة على تحفيز والهام التابعين . كما       يجب التركيز على أهمية مساعدة العاملين خلال مرحلة التغيير عن طريق التقدير والاعتراف ومكافأة المشاركين في التغيير . وهناك العديد من الأسباب لفشل المكافآت في تحقيق التأثير السلوكي المأمول ، ومن تلك الأسباب الاعتماد بشكل رئيس على المكافآت المالية، وغياب التقدير والاعتراف، ومكافأة أصحاب الأداء الضعيف .

خامسا ـ تمكين العاملين : أحد السمات الجوهرية للقيادة التحويلية التمكين .. والافتراض الرئيس في فكرة التمكين أن سلطة اتخاذ القرار يجب أن يتم تفويضها للموظفين في الصفوف الأمامية لكي يمكن تمكينهم للاستجابة بصورة مباشرة لطلبات العملاء ومشاكلهم واحتياجاتهم ، ويتضح أن فكرة التمكين تتطلب التخلي عن النموذج التقليدي للقيادة الذي يركز على التوجيه إلى قيادة تؤمن بالمشاركة والتشاور ، وهذا بدورة يتطلب تغيير جذري في أدوار العمل ومن ثم العلاقة بين المدير والمرؤوسين ..

         بالنسبة لدور المدير يتطلب التحول من التحكم والتوجيه إلى الثقة والتفويض، أما بالنسبة لدور المرؤوسين فيتطلب التحول من أتباع التعليمات والقواعد إلى المشاركة في اتخاذ القرارات ، ويبرز دور القيادة التحويلية حيث يمثل تمكين العاملين أحد الخصائص التي تميز القيادة التحويلية عن القيادة التبادلية ، حيث يتميز القيادة التحويلية بأتباع أساليب وسلوكيات تشجع على تمكين العاملين كتفويض المسؤوليات، تعزيز قدرات المرؤوسين على التفكير بمفردهم، وتشجيعهم لطرح أفكار جديدة وإبداعية  و أن القائد العظيم يعمل على تمكين الآخرين لمساعدتهم على تحويل رؤيتهم إلى حقيقة المحافظة عليها حيث يؤكد الكاتبان أن القادة الذين يتمتعون بسلوك تحويلي لديهم القدرة على إمداد مرؤ وسيهم بالطاقة والإلهام لتمكينهم من التصرف عن طريق إمدادهم برؤية للمستقبل بدلاً من الاعتماد على أسلوب العقاب والمكافآت ..

         فالقيادات التي تملك الرؤية يمكن أن تخلق مناخ المشاركة وتهيؤ الظروف المساعدة للتمكين التي عن طريقها يستطيع الموظفين أن يأخذوا على عاتقهم السلطة لاتخاذ القرارات التي تعمل على تحقيق الرؤية . وبجانب إمداد الموظفين بالرؤية، فالقيادة التحويلية تتميز بقدرتها على خلق السلوك الإلهامي الذي يعزز الفاعلية الذاتية للعاملين للوصول إلى الهدف ، وتتميز القيادات التي لديها توقعات وطموحات عالية بقدرتها على تعزيز الفاعلية الذاتية للموظفين وتحفيزهم لبناء المبادرة الفردية لتحقيق الهدف .

وكنتيجة يؤكد (jary Hambl) في كتابه "قيادة التغيير الجذري" على ضرورة تبني المفهوم الجديد للاستراتيجيات التغييرية القائمة على اعتبارات صياغة الإستراتيجية الممزوجة [2].

      فوظيفة الإدارة العُليا ليست بناء وتطوير الاستراتيجيات، بل بناء مؤسّسة ذات مناخ وثقافة خلاّقة صالحة لرعاية سياق استراتيجي متواصل، وليس مجرّد صِياغة إستراتيجية ذات ألفاظ برّاقة، ومن ثم ينتقد المديرين الذين يحاولون تصميم خطط ورسْم سياسات إستراتيجية وإلزام العاملين بها، وذلك بدلاً من تهْيئة الأحوال المُناسبة التي تجعل العاملين يشقون طرقهم بأنفسهم ويسلكون دروب التطوير والتغيير التّي يرونها، فإنّ المديرين يقضون معظم وقتهم وهم يعملون على تطوير الإستراتيجية، بدلا من العمل على خلق ثقافة ابتكاريه تجعل استراتيجيات النموّ والتميز فعلاً داخليا وتلقائيا لا يقبل الاحتمالات أو الجدل.

     ولتحقيق ذلك يجب أنْ يصبح الإبداع إمكانية وقدوة عملية، داخل التنظيم المؤسّسي ولن يحْدث مثل هذا الأمر إلاّ إذا أدرك ـ ليس كل قائد فقط ـ بل كل فرد من أفراد المنظمة الأمور المهمة التالية:

1.       أنّ التغيير الــجريء والجذريّ  حَتمية إدارية وأنّ التحــسّن المرحليّ والجزئيّ للوضــع القائم لنْ يجدي نفعًا.

2.       أنْ يناصر كل فرد في التنظيم التغيير ويدفعه إلى الأمام ويدْفعه بقوة.

3.   أنّ التغيير الجذري أو الجزئي يـجب أنْ يستند إلى قواعد واضحة وثابـتة يعرفها كل افراد المنظمة وعلى كل مستوياتها .

ومنه ندرك يقينا أن عمليات إحداث التغيير التنظيمي ليس مجرد عمليّات تجريبيّة تخطئ وتصيب بقدْر ما هي اسْتجابة لواقع جديدٍ ينضبط عبْر منْهج عِلميّ شاملٍ؛ فقد استفادت ميادين عديدة من العلوم الحديثة ولم تبقَ بمنأى عن التخطيط المدروس ممّا مكن القادة القائمين على منظمات الأعمال  بفضل تبنيه لهذه المناهج من بلوغ نتائج كانت في السّابق تعتبر ضْرباً من المُستحيلات، فقد انتظمت حياة المنظمات الحديثة بكلّ توجُهاتها تنظيماً علمياً دقيقا، بحيث لم تعد الطرائق العفويّة التي كانت سائدة في زمن ما قبل العلم تجدي نفعا.

      إن استراتيجيات التغيير في إدارة المنظمات كان لها الحَظّ الأوْفر في الاستفادة من هذه العلوم حيث قامت باستثمارها وتوظيفها، وقد أصبح التوجّه لإحْداث التغيير عملية مُهمة، ونشاط تتميز به المنظمات المعاصرة الناجحة ومن هنا أصبح التغيير حدثٌ يتكرر كلمّا سنحت الأوضاع الجديدة إليه.

 

 [1] - Chin, R., & Benne, K.D. (1969) General strategies for effecting changes in human systems. In W.G. Bennis, K.D. Benne, & R. Chin (Eds), The planning of change (pp. 32-59). New York: Holt, Rinehart & Winston.

2- Sandy Musser. Radical leadership for Radical Change- an ADOPTION rEFORM Article ;KINDLE Editon,PARIS- 2013