القانون الجنائي بصفة عامة هو مجموعة القواعد القانونية التي تُحدّد الجرائم والعقوبات المُطبَقة على مُرتكبيها، وكيفيات التحقيق والمُتابعة القضائية. وللتعرف أكثر على حقيقة هذا القانون ينبغي البحث في طبيعة القانون الجنائي، وكيفية نشأته وتطوره، والمقصود بالجرائم والعقوبات التي تُشكل مضمون القانون الجنائي.

لا بد من الإشارة إلى أن المبادئ التي تحكم قانون العقوبات لم تكن وليدة الأيام والساعات، بل احتاجت إلى آلاف السنين لتتلاءم مع مقتضيات العصور التي سادت بها، فما كانت لجريمة أن تقع إلا وكان لها عقاب مقرر لها في المجتمعات القديمة، ولكل جريمة خصائص وأركان تختلف عن غيرها، ولم يكن هناك معيار موحد للجرائم والعقوبات، إلا في حالات معينة في المجتمعات المحددة في الزمان والمكان، كما أن أهمية التشريعات الجنائية جاءت من تاريخه الطويل الذي اقترن بوجود الإنسان الأول على الأرض، وما صاحب هذه التشريعات من تطور إلى أن وصل بالشكل المعروف لنا في العصور الحديثة.

فالقانون هو الصورة الحقيقية لحضارة المجتمع، واستقراره، وأمنه، يشارك جميع أفراد المجتمع في صياغته ووضعه سواء بطريق مباشر (استفتاء) أوعن طريق نواب الشعب، مما يجعل الخضوع إلى القانون وعدم مخالفة أحكامه مسألة أخلاقية لأنه يصبح عقدا بين الجماعة يلزمها بالامتثال لنصوصه. 

فالقانون قيمة عليا يحرص بالدرجة الأولى على حماية حقوق الأفراد دون تمييز بين الموطنين، وهذا أكثر ما ينطبق على القانون الجنائي بقسميه (قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية). وتظهر أهميته في كونه يضع وصفا عاما للجريمة ويسعى للنيل من المجرم وإخضاعه للعقوبة المقررة وتأمين حقوق الضحية لأن الجريمة ظاهرة اجتماعية خطيرة تمس المجتمع في نظامه العام وأمنه واستقراره من جهة وحقوق الأفراد وحرياتهم الفردية من جهة أخرى.

واستنادا إلى ما سبق، سوف نقسم دراستنا هذه إلى أربع فصول، حيث سيتم التطرق إلى المدخل إلى القانون الجنائي العام في (الفصل الأول) ويتم التعرض فيه لماهية القانون الجنائي في (المبحث الأول) ثم تطور القانون الجنائي في (المبحث الثاني). وبعدها سنتناول أركان الجريمة في (الفصل الثاني) حيث يتم التفصيل في الركن الشرعي للجريمة في (المبحث الأول) وذلك بدراسة خضوع الفعل لنص التجريم، وعدم خضوع الفعل لسبب من أسباب الإباحة، ثم نتناول الركن المادي للجريمة في (المبحث الثاني) حيث يتم دراسة الجريمة التامة والشروع أوالمحاولة في الجريمة، ثم نتعرض للمساهمة الجنائية. ثم نتناول الركن المعنوي للجريمة في (المبحث الثالث) وذلك بدراسة كل من القصد الجنائي والخطأ الجنائي. وبعدها نتطرق إلى المجرم في(الفصل الثالث)حيث سنتعرض للمساهمة الجنائية في (المبحث الأول)، ثم للمسؤولية الجزائية في (المبحث الثاني).