المنظمة الدولية هي مقتضى جوهر التنظيم الدولي، ومع ذلك أن المنظمة الدولية ليست غاية في حد ذاتها بقدر ما هي وسيلة لتحقيق التنظيم الدولي، إلا أنه لا يتصور من ظروف عالم اليوم تحقيق هذا التنظيم الدولي بدون وجود منظمة أو منظمات متعددة، من حيث التكوين والأهداف والمبادئ والنشاط. والتنظيم الدولي ليس إلا ثمرة لجهود فكرية وسياسية وقانونية متباينة ومتعددة بذلها المفكرون والفقهاء ورجال السياسة والقانون منذ بداية المجتمع الدولي للإدراك الإنساني لأهمية وفائدة المنظمات الدولية، كما أن المنظمات الدولية تهدف أساسا إلى تحقيق التعاون الدولية بين الدول، خاصة المنظمات أو الوكالات الدولية المتخصصة، وهذا التعاون يفترض وجود التعايش السلمي بين المجتمع الدولي وهو أساس موضوع القانون الدولي التقليدي الذي يقوم على مجموعة من المبادئ الأساسية التي وردت في ميثاق الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية، مثل  عدم جواز استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية إلا لمصلحة المجتمع الدولي، وحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية، ومبدأ المساواة بين الدول في الحقوق والواجبات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والثقافي، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. والواقع أن القرن العشرين قد شهد تطورا سريعا وعميقا في مجال العلاقات الدولية، جعل من المنظمات الدولية ظاهرة أساسية من ظواهر الحياة الإنسانية المعاصرة، بحيث أصبح من السمات الأساسية المميزة للمجتمع الدولي في وضعه الراهن انتشار المنظمات الدولية، بحيث يشمل نشاطها كافة مجالات المجتمع الدولي. لقد ساد في المجتمع الدولي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ظاهرتين هامتين وهما: استمرار الدولة ذات السيادة، والتحولات الجوهرية المتتالية، وذلك نتيجة لظهور الثورات على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة في الفترة ما بين  الحربين الأولى والثانية، وقد اتسع نطاق المجتمع الدولي وأصبح أكثر ترابطا واتصالا بسبب التطور والتقدم الهائل في وسائل الاتصال والنقل، مما دفع بالدول التي أيقنت بالحاجة الملحة لتطوير قواعد القانون الدولي وتطويع المبادئ التقليدية لهذا القانون المرتبطة بفكرة السيادة المطلقة للدولة، وقد كانت الخطوة الأولى نحو فكرة التنظيم الدولي وبعبارة أدق المنظمات الدولية هي الاعتراف للدول الكبرى بسلطة حل المسائل ذات الطابع العالمي، وهو ما يعني تفضيل هذه الدول على غيرها من الدول الأخرى، وهو مبدأ يتنافي مع فكرة المفهوم التقليدي لمبدأ المساواة في السيادة في القانون الدولي، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ونتيجة للضغط الاقتصادي والتحول السياسي والاجتماعي اتضحت أهمية المنظمات الدولية لدى الدول، مع احتفاظ الدول الكبرى بالهيمنة على حل المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالمية. ولقد نشأت شبه حكومة عالمية بين كل من إنجلترا والنمسا وبروسيا وألمانيا وروسيا وفرنسا، في عهد لويس الثامن عشر بموجب معاهدة أكس عام 1818، وبمقتضى مؤتمر لندن عام 1831، احتكرت هذه الدول سلطة تمثيل المجتمع الدولي إن جاز القول آنذاك. أما في القرن التاسع عشر قد تمثلت الخطوة نحو تحقيق هذا الهدف في عقد المؤتمرات الدولية بصورة دورية منتظمة، وتعد المؤتمرات الدولية وسيلة للتلاقي والتفاوض المباشر بين الدول لمواجهة المشاكل والأزمات القائمة والعالقة بينها، كما أن هذه المؤتمرات تختلف عن المنظمة الدولية وذلك لعدم وجود مقر دائم لها وعدم وجود ميثاق منشئ ولا أجهزة دائمة، والمؤتمر ينعقد لفترة زمنية محددة ثم ينتهي بعدها، مثل مؤتمر الوفاق الأوروبي ومؤتمر برلين عام 1885، ومؤتمري لاهاي عامي 1899- 1907.


 تشمل المطبوعة إلى الفصول التالية:

الفصل الأول: الإطار المفاهيمي للمنظمات الدولية

الفصل الثاني: منظمة الأمم المتحدة نموذجا