محاضرات في مقياس منهجية العلوم القانونية  فلسفة القانون السنة الأولى حقوق الدكتور زغو محمد

تمهيد:

يقصد بفلسفة القانون تلك المادة العلمية التي تختص بدراسة مواقف الفلاسفة من الظاهرة القانونية .

تنصب دراسة فلسفة القانون على ثلاثة محاور :

1-أصل القانون : ويتناول فيه إن كان القانون نشأ من ضمير الجماعة بطريقة تلقائية لا دخل للإرادة الإنسانية أم أن للإرادة الإنسانية أثر في إنشاء القانون أم هو تعبير عن إرادة الحاكم ، أم هو تعبير عن إرادة الجماعة أم هو خليط بين هذا وذاك.

2-أساس الالتزام : هو ما يثير التساؤل حول من يعطي القواعد القانونية خاصية الالتزام ويكسبها صفة التشريع ، فهل يرجع الالتزام بإتباع أوامر ونواهي القانون إلى إرادة الحاكم أو إرادة الجماعة .

3-غاية القانون :يقصد بغاية القانون تلك الأهداف والقيم التي يتوجها القانون ويسعى إلى تحقيقها ، فاتفق غالبية الفقهاء على أن غاية القانون هي تحقيق العدل لكنهم اختلفوا حول مفهوم العدل ونوعيته ووسائل تحقيق العدل.

الفصل الأول : المذاهب الشكلية.

هي تلك المذاهب التي تكتفي بالمظهر الخارجي للقاعدة القانونية ، فهي تربط بين السلطة والقانون لاكتساب قوة الالزام ، فقد نادى بهذه المذاهب الشكلية الكثير من الفقهاء والفلاسفة، حيث اتفقوا جميعا من حيث المبدأ أن القانون تعبير عن إرادة الحاكم مع اختلاف يسيره وبسيط في بعض الجزئيات .

المبحث الأول : مذهب الفقيه الانجليزي " أوستين ".

الفيلسوف الإنجليزي أوستين أستاذ في فلسفة القانون بجامعة لندن في النصف الأول من القرن 19 ، استمدّ مذهبه من نظريات فلاسفة اليونان الذين كانوا يرون أن القانون ليس طلبا أو نصيحة وإنما هو أمر صادر عن حاكم .

المطلب الأول :مضمون نظرية " أوستين " .

تلخص نظريته في أن القانون من وضع الدولة تعمل على كفالة احترامه عن طريق إجبار الأفراد على طاعته لما لها من سلطة وسيادة لذلك يعرّف أوستين القانون " أمر ونهي يصدره الحاكم استنادا للسلطة والسيادة ويوجهه إلى المحكومين ويتبعه جزاء" .من التعريف نستخلص أنه لكي يوجد قانون لابد من توفر ثلاث شروط أساسية :

1-الفرع الأول : وجود حاكم سياسي

فالقانون في نظر اوستين لا يقوم إلاّ في مجتمع سياسي يستند في تنظيمه إلى وجود هيئة عليا حاكمة لها سيادة في المجتمع وفئة أخرى محكومة واجب عليها الطاعة ،ولا يهم أن يكون الحاكم السياسي شخصا واحدا أو هيئة أو مستبد.فالقانون وفق أوستين هو تعبير عن إرادة الطبقة الحاكمة التي لها السلطة العليا .

الفرع الثاني : وجود أمر أو نهي .

القانون في منظور أوستين ليست مجرد نصيحة أو إرشاد للأفراد بل أمر ونهي لا يجوز مخالفته .

الفرع الثالث : وجود الجزاء.

لكي يوجد قانون حسب أوستين فلابد أن يقترن الأمر والنهي بالجزاء ،يوقعه الحاكم الذي له السلطة والقوة .

المطلب الثاني :النتائج المترتبة عن قانون أوستن

الفرع الأول :إنكار صفة القانون على قواعد القانون الدولي العام.

لأنه يرى بأن جميع الدول متساوية السيادة ولا توجد في المجتمع الدولي سلطة عليا فوق سلطة الدول توقع الجزاء على الدول التي تخالف القواعد القانونية ، ويعتبر أوستين أن قواعد القانون الدولي مجرد مجاملات أو واجبات أدبية تراعيها الدول في سلوكها فيما بينها.

الفرع الثاني :إنكار صفة القانون على قواعد القانون الدستوري.

لأن قواعد القانون الدستوري هي التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم والسلطات العامة واختصاصاتها والعلاقة فيما بينها ، وبهذا تكون قواعد القانون الدستوري موجهة للحاكم وليس للمحكومين طالما أن الحاكم هو الذي يصدر هذه القواعد بمحض إرادته ، ويستطيع مخالفتها ذلك لأنها ليست صادرة عن سلطة أعلى منه.وغير مقترنة بجزاء ولا يمكن للحاكم أن يوقع الجزاء على نفسه.

الفرع الثالث : التشريع هو المصدر الوحيد للقانون.

باعتباره يتضمن أمرا ونهيا يصدره الحاكم إلى المحكومين لم يعترف أوستين بالمصادر الأخرى للقانون لأنه لا ينشأ قواعد قانونية إلاّ في الحدود التي يسمح بها المشرع السلطة المختصة بوضع القوانين ، أي الحالة التي يبنى فيها المشرع تلك القواعد العرفية ويحولها إلى قواعد تشريعية .

الفرع الرابع :وجوب التقيد بإرادة المشرع وقت وضع النص عند تفسير القواعد القانونية.

المطلب الثالث : نقد نظرية أستين .

الفرع الأول :نظرية أوستين تخلط بين القانون والدولة .

لقد أثبتت الحقائق التاريخية أن القانون ظاهرة اجتماعية قبل أن تكون ظاهرة وضعية سياسية ، حيث نشأت القوانين مع نشوء الجماعة (قواعد عرفية ) وقبل أن يعرف الأفراد والجماعات ظاهرة الدولة ككيان سياسي .

الفرع الثاني :نظرية أوستين تخلط القانون والقوة

لو سلمنا بنظرية أوستين يصبح القانون في خدمة القوة وبالتالي تصبح إرادة الحاكم تفرض على الأفراد من تشاء ممّا يؤدي في النهاية إلى نظام استبدادي و حكم مطلق .

الفرع الثالث :أخذ نظرية أوستين للتشريع كمصدر وحيد للقانون أمر يخالف الواقع ،إذا كان التشريع في الدولة الحديثة المصدر الأساسي للقانون إلاّ أنه ليس بالمصدر الوحيد ، حيث توجد إلى جانبه مصادر أخرى كالعرف ، بل إن بريطانيا التي عاش فيها أوستين يقوم النظام القانوني فيها أساسا على العرف.

الفرع الرابع : إنكار القانون الدولي لعدم وجود سلطة عليا في المجتمع الدولي.

إن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة ، فالفقهاء يرون أن القانون الدولي العام يتوفر على عنصر الالزام ،حيث يوجد في المجتمع الدولي سلطة عليا توقع الجزاء هي الأمم المتحدة بكل هياكلها و بمنظماتها المختلفة ،مجلس الأمن ، الجمعية العامة ، محكمة العدل الدولية.

الفرع الخامس : إنكار القانون الدستوري وتجريده من صفة قانونية .

من المسلّم به في العصر الحديث أن الأمة والشعب مصدر السلطات وهي تعتبر أعلى من سلطة الحاكم وهي التي نصبته حاكما ، وبالتالي لها الحق في توقيع الجزاء إذا خالف القانون ، هناك الكثير من الدول تنصب في تشريعاتها على كيفية محاكمة رئيس الدولة وكبار الموظفين كما هو الحال بالنسبة للجزائر التي نص دستورها في المادة 183 على تشكيل محكمة عليا للدولة لمحاكمة الرئيس فيما يتعلق بالجرائم التي توصف بالخيانة العظمى وكذا الوزراء في الجنايات والجنح وإن كانت هذه المحكمة لم تنشأ حتى الآن منذ 1996.

المبحث الثاني : مدرسة الشرح على المتون.

ظهرت في فرنسا على يد مجموعة من الفقهاء الفرنسيين الذين قاموا بتجميع حكام القانوني المدني الفرنسي في مجموعة واحدة أطلق عليها تقنين نابليون ،حيث أكد الدستور الفرنسي لعام 1791 على ضرورة توحيد قوانين البلاد، أدى إلى انبهار الفقهاء بهذا التقنين واعتقدوا بأنه شامل وصالح لكل زمان ومكان ، فقاموا بشرحه متنا متنا ، وهي الطريقة المعروفة في تفسير الكتب المقدسة ولقد أطلقوا على عملية الشرح مدرسة إلتزام النص.

المطلب الأول : مضمون النظرية .

الفرع الأول :اعتبار التشريع المصدر الوحيد للقانون.

يرى أنصار هذه المدرسة أن القانون ينحصر فقط في النصوص المكتوبة التي يسنها المشرع ، فالمشرع وحده الذي ينشأ القواعد القانونية وهي تعبر عن إرادته .

الفرع الثاني : تقديس النصوص التشريعية .

باعتبارها تتضمن الحلول لجميع القضايا التي يمكن أن يعرفها الواقع ،ولعلّ السبب في تقديس النصوص يرجع  إلى حالة التشتت التشريعي حيث  كان الشمال الفرنسي يخضع لنظام قانوني مستمد أساسا من قواعد العرف ،أما الجنوب فيخضع لنظام قانوني مستمد من القانون الروماني ،وكانت أمنية رجال الثورة الفرنسية ومن ورائهم الشعب الفرنسي توحيد القانون في مختلف أرجاء فرنسا ، الأمر الذي لم يتحقق إلاّ في عهد نابليون .

المطلب الثاني : النتائح المترتبة عن النظرية.

الفرع الأول : القاضي ملزم بتطبيق النص لا نقده

حيث عليه أن يلتزم بأحكام النص لا يقيمه أو يدعى وجود عيب أو قصور في الحلول التي تقضي بها هذه النصوص،فمهمة القاضي هي الحكم بمقتضى القانون وليس الحكم على القانون.

الفرع الثاني :تفسير النصوص وشرحها يكون من داخل النصوص أو من خلال السياق العام.

إذا كان النص غير واضح وجب البحث عن روح التشريع واقتفاء جوهر الحكم في الأعمال التحضيرية أو الرجوع للظروف المحيطة بنشأة النص ،أمّا إذا عجز المفسرون أو الشراح فقيها أو قاضيا عن استخلاص قاعدة ما من نصوص التشريع فإن اللوم يقع عليه وليس على المشرع.

الفرع الثالث : عند تفسير النص يجب البحث عن نية المشرع .

يقصد بالنية تلك النية التي يمكن استخلاصها بوضوح للنصوص القانونية ، ويستدل عليها من واقع النص ومعانيه أو عباراته أو بالرجوع إلى المذكرة الإيضاحية أو المذكرة الشارحة للقانون.

المطلب الثالث : تقدير مدرسة الشرح على المتون.

قبل التعرّف للانتقادات التي وجهت إلى النظرية لابأس أن نذكر المزايا.

1-تحقيق النظرية الثبات والاستقرار وهذا عكس العرف.

2-اقتصار دور القاضي على تطبيق النص يمنعه من الانحراف عن السلطة .

3-تقيد القاضي بإرادة المشرع يؤدي إلى توحيد الحلول التشريعية للقضايا المطروحة على القضاء ،

 أمّا الانتقادات نذكر منها :

الفرع الأول : الاقتصار على التشريع كمصدر وحيد للقانون أمر يخالف للواقع.

رغم أن التشريع في الدولة الحديثة أصبح المصدر الرسمي للقانون إلاّ أنه ليس الوحيد ، حيث توجد إلى جانبه مصادر أخرى كمبادئ الشريعة الإسلامية بالنسبة للدول الإسلامية ، العرف ، مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة التي يتعين على القاضي الرجوع إليها.

الفرع الثاني : تقديس النصوص يؤدي إلى جمود القانون.

تقديس النص يؤدي إلى العبودية لإرادة المشرع ويؤدي ذلك إلى إهمال الظروف الاجتماعية وعدم احترام إرادة الشعب التي تتغير باستمرار.

الفرع الثالث : الإفراط في الشكلية على حساب المضمون.

إن اعتبار التقنينات منظومات قانونية شاملة يعرّضها إلى مواجهة أوضاع تتجاوزها ويكشف عن ثغرات داخل النظام القانوني.

الفرع الرابع : الاعتماد في التفسير على إرادة المشرع.

إن عدم الاعتراف بالمصادر الأخرى التي يمكن للقاضي أن يلجأ إليها يؤدي بهذا الأخير إلى الانحراف عن وظيفة التفسير إلى وظيفة التشريع.

المبحث الثالث :نظرية هيغل.

هيغل فيلسوف ألماني كان أستاذا في الجامعة الألمانية وله عدد من المؤلفات منها مبادئ فلسفة القانون .

المطلب الأول: مضمون النظرية.

يستمد القانون عند هيغل أساسه وشرعيته الملزمة من صدوره عن الدولة ، بحيث لا يوجد قانون إلاّ إذا كان صادرا عن إرادة الحاكم أو السلطة في الدولة ، فالقانون هو إرادة الدولة في الداخل والخارج.

الفرع الأول : إرادة الدولة على المستوى الداخلي.

يرى هيغلأنه يمكن للمجتمع أن يرقى إلى مرتبة الدولة متى رأى جميع أفراد المجتمع ّأنه ثمة مصلحة عامة ومشتركة يجب تحقيقها فتتحد إرادتهم وحرياتهم ، فتذوب فيها إرادات الأفراد تحت غطاء المصلحة العامة التي تجعلهم يشعرون بأنهم جزء من الدولة ، هذا ما يمكنهم من الانتقال من مجرد جماعات إلى مجتمع سياسي.

فالدولة عند هيغل هي التي تجسد إرادة الإنسان وحريته لأن حرية الإنسان الحقيقة لا تتحقق إلاّ باندماجه في الدولة ، وذلك بخضوع الأفراد للدولة التي تقوم على آرائهم العامة.

يرى هيغل أن سيادة الدولة واحدة لا تتجزأ تذوب فيها الاعتبارات الشخصية  ووجهات النظر وهذه السيادة تتجسد في شخص واحد يملك حق التعبير عن الإرادة العامة التي بني عليها كيان الدولة ومن ثم يكون هذا الشخص صاحب السلطان وتكون إرادته القانون الواجب التطبيق ,

الفرع الثاني :إرادة الدولة على المستوى الخارجي .

يرى هيغل أنه لا توجد سلطة أو إرادة أعلى من الدولة يمكن أن تلزمها بسلوك معين علاقاتها مع الدول الأخرى، باعتبار الدولة سيدة وجميع الدول متساوية في السيادة ولذلك تعتبر الحرب وسيلة الدولة في تنفيذ إرادتها في المجتمع الدولي وأن الحرب تنتهي دائما بحل النزاع لصالح الدولة الأقوى وتفرض وجهة نظرها. .

المطلب الثاني : النتائج المترتبة عن نظرية هيغل.

الفرع الأول :انحصار مصادر القانون في التشريع الذي يعبر عن إرادة الحاكم.

الفرع الثاني :إنكار القانون الدستوري  والقانون الدولي العام .

لا يعترف هيجل على المستوى الداخلي إلا بالارادة المطلقة للحاكم ىدون مراعاة لأية قيود أو حدود وبالتالي فالشعوب تلقى الذي تستحقه ويولى عليها الحكام الذي تكون جديرة به، أما على المستوى الخارجي يعتبر هيجل أن قواعد القانون الدولي عبارة عن مجاملات وهذا يعني أن الدولة الاقوى هي التي تسود. الأمر الذي يجعل القوة وحدها هي السبيل إلى تنفيذ رغبة الحاكم داخل الدولة وخارجها.

المطلب الثالث : نقد النظرية.

الفرع الأول : قيام القانون على مصدر واحد لا أساس له من الصحة.

الفرع الثاني :الجميع بين القوة والقانون يؤدي إلى الاستبداد .

الفرع الثالث :النظرية كانت تدعم حق الشعب الألماني في السيطرة على العالم.

المبحث الرابع : نظرية كالسن

وضع الأستاذ النمساوي كلسن نظريته المعروفة باسم نظرية القانون البحت أو الصافي  ، حيث أن علم القانون البحت يجب أن يقتصر على دراسة السلوك الإنساني من حيث خضوعه للضوابط القانونية وحدها دون غيرها من الضوابط الاقتصادية والاجتماعية .

المطلب الأول : الأسس التي تقوم عليها نظرية كلسن .

تقوم النظرية على أساسين هامين هما :

الفرع الأول : استبعاد العناصر غير قانونية من نطاق القانون.

يرى كلسن أنه يجب استبعاد كافة العوامل غير القانونية من نطاق القانون كالعوامل الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الدينية والأخلاقية والعقائدية ، فالقانون الصافي حسب كلسن هو " عبارة عن أوامر صادرة عن إرادة تملك القوة الإجبار هي إرادة الدولة التي تجعل الأمر واجب الطاعة دون التصدي لتقييم مضمونه أو التعرض إلى أسباب نشأته لأن هذا من اختصاص علم الاجتماع والسياسة والاقتصاد وليس من اختصاص رجل القانون الذي يقتصر دوره في البحث على صحة صدوره من الجهة المختصة دون البحث عن مضمون القانون إذ كان عادلا أو غير عادل متفقا مع مصلحة المجتمع أو مخالفا لها ".

الفرع الثاني : وحدة القانون والدولة .

يعتبر كلسن القانون عبارة عن مجموعة إرادات متسلسلة الدرجات في شكل عمومي تستمد كل منها صلاحياتها من الدرجة الأعلى منها وتمد بها الدرجة الأدنى منها ، وينبثق عن هذه الإرادات قواعد قانونية (نظام قانوني هو الدولة ) ،يذهب كلسن إلى أن الدولة ليست شخصا معنويا وإنما هي مجموع القواعد القانونية بعضها فوق بعض مثل الهرم تبدأ قاعدة الهرم بالا أوامر و الأحكام القضائية وتنتهي قمته بالدستور .

المطلب الثاني : النتائج المترتبة عن نظرية كلسن.

الفرع الأول : رفع التناقض بين اعتبار القانون إرادة الدولة وبين ضرورة تقيد الدولة بسلطان القانون:

يرى كلسن أن القانون هو إرادة الدولة ، فإذا خالفت الدولة القانون تكون أمام إرادة جديدة أو قانون جديد يعدل القوانين السابقة.

الفرع الثاني : القانون وعدم جواز تقسيمه إلى قانون عام و خاص.

يرى كلسن أن لا داعي إلى تقسيم القانون إلى عام وخاص وإنما يرى أن القانون عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية العامة أو الفردية تستدرج ببعضها فوق بعض في شكل هرمي ، كل درجة منها تحكم العلاقات التي تدخل في نطاقها دون الحاجة إلى تمييز بين تلك القواعد .

المطلب الثالث :نقد النظرية.

الفرع الأول : نظرية كلسن تخفي مشكلة أساس القانون ولم تضع حلا لها.

لم يتمكن كلسن من إسناد القاعدة الدستورية إلى قاعدة أعلى منها ،وتستمد منها الشرعية ، وفي إجابته عن هذا النقد أجاب كلسن أن القاعدة العليا التاريخية صادرة عن ثورة أو انقلاب فأن لم يكن لهذه القاعدة وجود حقيقي فإنه يجب التسليم بوجوده على سبيل الافتراض ، وهذا القول من كلسن سيؤدي في النهاية إلى إسناد الدستور إلى القوة.

الفرع الثاني :استبعاد كلسن للعرف.استبعد كلسن العرف من التدرج الهرمي للقواعد القانونية .

الفرع الثالث : إغفال كلسن قواعد القانون الدولي العام.يؤخذ على النظرية أنها لم تجعل له مكانا في الهرم القانوني .

الفرع الرابع :تجريد القانون من كافة العناصر الغير قانونية.القانون ظاهرة اجتماعية تؤثر في نشأته وتطوره حقائق الحياة الاجتماعية والمثل العليا للمجتمع ومن ثم يجب عند دراسة أساس القانون أن نأخذ بعين الاعتبار الحقائق الفكرية والمادية السائدة في المجتمع..

الفصل الثاني :

المذاهب الموضوعية

الفصل الثاني : المذاهب الموضوعية .

تهتم هذه المذاهب بجوهر القاعدة القانونية أو المادة الأولية المكونة لها ،فتنظر هذه المذاهب إلى القانون كظاهرة اجتماعية ،فهو يربط بين القانون والمجتمع ، فأنصار هذه المذاهب يولون الاهتمام بجوهر القاعدة القانونية ، وهناك مدرستين :

المدرسة المثالية : ترى أن جوهر القانون هو المثل العليا التي يستخلصها الإنسان بعقله.

المدرسة الواقعية :ترى أن جوهر القانون يمثل القواعد الملموسة التي تتمناها المشاهدة والملاحظة وتؤيدها التجربة .

المبحث الأول :المدرسة المثالية تنحصر في مذهب القانون الطبيعي.

المطلب الأول :المفهوم التقليدي لفكرة القانون الطبيعي.

عرّف الفقهاء والفلاسفة منذ القدم فكرة القانون الطبيعي وقرروا بوجود القوانين الوضعية ، ويعتبر أساسا لها ومثل أعلى يجب الاقتداء به عند وضع هذه القوانين والقانون الطبيعي.

يتكون من مجموعة قواعد عامة وتابعة وصالحة لكل زمان وهي ليست من وضع الإنسان بعقله ، فهو قانون عالمي يلزم جميع الناس لأنه يقوم على وحدة الطبيعة الإنسانية ويمكن تعريفه من الطبيعة التي يسلم العقل الإنساني بضرورتها لتنظيم علاقات بين الأفراد في أي مجتمع إنساني والتي لا تتغير عبر الزمان والمكان ، ولهذا سادت فترة زمنية طويلة عرفت قيمة مجدها في القرن 17 و 18 ولا زالت قائمة ليومنا هذا محتفظة بمكانتها الخاصة وباعتبارها مصدرا احتياطيا من مصادر القانون في معظم قوانين الدول الحديثة ، حيث بدأت فكرة القانون الطبيعي لدى فلاسفة اليونان كفكرة فلسفية لما صارت فكرة قانونية لدى الرومان ثم أصبحت لدى رجال الكنيسة في العصور الوسطى فكرة دينية ثم تحولت لدى فلاسفة العصور الحديثة إلى فكرة سياسية .

 

 

الفرع الأول : القانون الطبيعي إلى اليونان .

اعتبر فلاسفة اليونان أن القانون الوضعي يكون عادلا متى كان متفقا مع مبادئ القانون الطبيعي ، حيث ذهب بعضهم إلى وجوب الخضوع للقانون الطبيعي والتحرر من إجبار الدولة لأن القانون الطبيعي يسمو على القانون الوضعي.

الفرع الثاني :القانون الطبيعي عند الرومان .

يرى فلاسفة الرومان القانون الطبيعي قانونا ثابتا خالدا لا يتغير وهو مستمد من الطبيعة وينطبق على كافة الشعوب لأنه مطابق للعقل السليم متفق مع الطبيعة ومعلوم للجميع ثابت على الدول لا يتغير من أثينا الرومان ولا يستطيع لا البرلمان ولا الشعب الخروج عليها.

الفرع الثالث : القانون الطبيعي عند الكنيسة (رجال الكنيسة).

تكونت فكرة القانون الطبيعي كفكرة دينية لدر رجال الكنيسة قرروا ذاته الإلهية بأنه    أدرى وخالد يسمون علو القانون الوضعي لأنه من وضع الله باعتباره خالق الطبيعة وكان الهدف من ذلك تعزيز سلطات الكنيسة وتدعيم سيد كونها وإخضاع الملوك لسلطات البايا وقرروا بأنه لا داعمة للقانون الوضعي معصية القانون الإلهي ، وقد فرق القديس توماس الأكويتي في القرن الثالث عشر بين ثلاثة أنواع من القوانين .

1-القانون الإلهي : ويتمثل في مشيئة الله في الأرض ويصل إلى الإنسان عن طريق الوحي.

2-القانون الطبيعي : ويشمل القواعد التي استطاع الإنسان أن يدركها بعقله من القانون الإلهي.

3-القانون الوضعي : هو من وضع الإنسان سيتلهمه من القانون الطبيعي .

 

 

المطلب الثاني : المفهوم السياسي لفكرة القانون الطبيعي.

لقد كان العقد الاجتماعي " هوبترالوك جون جاك روسو " أساس نشأة الدول ووجود المجتمع السياسي وهو أساس لخضوع الأفراد لحكم القانون ، ولقد استعمل أنصار العقد الاجتماعي هذا العقد كوسيلة للتعبير عن القانون الطبيعي لأن القانون الطبيعي هو الذي فرض إبرام العقد وحدد الشروط ولا دخل للإرادة فيه ، وذلك لضرورة وجود المجتمع السياسي وعجز الأفراد عن الاكتفاء بذواتهم إلاّ أن فكرة العقد الاجتماعي وجهة لها مجموعة من الانتقادات .

1-تقوم على مجرد افتراض ،حيث تفترض أن الأفراد كانوا يعيشون على حالة الفطرة البدائية.

2-يفترض العقل وجود اتفاق وهو ما يؤيده التاريخ .

3-مع افتراض قيام العقد لا يمكن التسليم بأنه يضل يلتجأ لآثاره على مر العصور وتتقيد به الإنسانية منذ نشوء الجماعة إلى الأبد على الرغم من الانتقادات إلاّ أن فكرة العقد الاجتماعي كانت لها مزايا هامة للمجتمع الإنساني ، حيث يرجع لها الفضل في القضاء على الحكومات الاستبدادية وإبراز فكرة سيادة الشعب وإقرار الحقوق والحرمان ،كما كان للنظرية فضل في قيام الثورة الفرنسية التي اخترقت ما ذهب إليه جون جاك روسو ، فنادت الثورة الفرنسية ضمن مبادئها بوجود حقوق طبيعية للأفراد يستمدونها من القانون الطبيعي، حيث لا يجوز للحاكم المساس بها أو الانتقاص منها ،وكان من ضمن ما جاء في إعلان حقوق الإنسان والمواطن ،وهي الوثيقة الشهيرة الصادرة عن الثورة الفرنسية خاصة في المادة الثانية على أن الغاية من كل مجتمع سياسي هي المحافظة على الحقوق الطبيعية الخالدة للإنسان ، وإن هذه الحقوق هي الحرية والملكية والأمن ومقاومة الطغيان.

 

 

الانتقادات الموجهة :المفهوم السياسي لفكرة القانون الطبيعي.

بعد أن بلغت نظرية القانون الطبيعي قمة مجدها في أواخر القرن 18 ومطلع القرن 19 ظهرت نظريات أخرى تهاجم النظرية ووجهوا لها انتقادات منها :

1-أن القانون وليد البيئة الاجتماعية وحدها وهي متغيرة ومتطورة في الزمان والمكان وتبعا لذلك تكون القواعد القانونية متغيرة في الزمان والمكان .

2-إن القول بأن العقل هو الذي يكشف عن قواعد القانون الطبيعي يؤدي حتما إلى اختلاف هذه القواعد تبعا لاختلاف الأشخاص وعقلانياتهم من حيث التفكير والعواطف والمتطلبات والمعتقدات الدينية والسياسية .

3-لا يوجد ما يفرض على الدولة احترام هذه القواعد أو إصدار قوانين وضعية تتعارض مع هذه القواعد ،كما لا يمكن التزام الأفراد باحترام هذه القواعد.

4-إن نظرية القانون الطبيعي اتخذت النزعة الفردية منطلقا ، حيث امتدت الثورة الفرنسية إلى حقوق الإنسان الطبيعية لتدعيم هذه النزعة التي تتعارض مع الفكرة الإسلامية وخصوصيات بعض المجتمعات التي توازن بين المصلحة الفردية والجماعية.

المطلب الثالث : المفهوم الحديث لفكرة القانون الطبيعي.

نادى فقهاء العصر الحديث في مطلع القرن 20 بالعودة إلى الفكرة التقليدية للقانون الطبيعي، حيث يرى هؤلاء أنه يشمل قواعد أبدية ثابتة لا تتغير بالزمان والمكان تسمو عن القوانين الوضعية ، أمّا الذي يتغير هو فكرة العدل وطريقة تحقيقها ، فلكل جماعة تصورها الخاص لفكرة العدل.

حيث استنتج الفقهاء مجموع من القواعد المثالية الخالدة المبنية على فكرة العدل كمبدأ عدم الإضرار بالغير ، مبدأ إعطاء لكل ذي حق حقه.

مبدأ عدم الإثراء على حساب التغير دون سبب مشروع وهي مبادئ مشتركة بين جميع الأمم لا تصلح للتطبيق في الحياة العملية ، لكنها تعتبر عن الجهات المثالية للعدل يستند إليها المشرع في بنية القوانين الوضعية في كل زمان ومكان .

إن القانون الطبيعي في صورته الحديثة لا يضع الحلو لمشاكل الحياة الاجتماعية ، وإنما يقتصر على التوجيه والإلهام ، حيث يستلهم المشرع منها لوضع القوانين ، كما يستلهم منها القاضي عند عدم وجود نص قانوني ، وبهذا يعتبر القانون الطبيعي أساسا للقوانين الوضعية سواء في تكوينها أو تعديلها أو عند وجود تصور أو نقص لتكوينها .

تنبهت الكثير من الدول إلى دور القانون الطبيعي في توجيه القاضي في الحالة التي لا يوجد بها النص التشريعي يحكم بمقتضاه ، وهذا ما نجده صراحة في المادة الأولى من القانون المدني الجزائري.

 

المبحث الثاني : المدرسة الوضعية.

تعتمد هذه المدرسة على الواقع الملموس من حقائق الحياة.

المطلب الأول : المذهب التاريخي .

ناد به الفقيه الألماني سافيني في أواخر القرن 19 وذلك لمعارضته مدرسة القانون الطبيعي وحاكم فكرة تجميع القوانين التي ظهرت في أوربا .

الفرع الأول : تاريخ ظهور النظرية .

بدأت الظواهر ظهور النظرية في فرنسا ، حيث يقول الفقيه منديسكو "أن القانون يولد ويتطور في ضمير المجتمع ، فهو نتاج التاريخ " ، ثم انتقلت هذه الأفكار إلى ألمانيا ، حيث نادى الفقيه سافيني بمحاربة محاولة تقنين القانون المدني الألماني .

 

الفرع الثاني :أسس النظرية.

1-إنكار وجود القانون الطبيعي لأنه حسب النظرية إذا كان العقل هو الذي يكشف عن هذه القواعد فإنه سيؤدي إلى اختلاف القواعد باختلاف العقليات وتأثر كل واحد منهم بالظروف والآراء والمعتقدات الدينية .

2-اختلاف القانون باختلاف المجتمع.

3-نشأة القانون وتطوره تكون آليا ، حيث ترى النظرية أن القانون ليس من صنع الإرادة الإنسانية ولا من وحي المثل العليا ، ولكن من صنع الزمن.

الفرع الثالث :النتائج المترتبة عن النظرية.

1-تجميع القواعد القانونية يشكل تقنينات عمل ضار لأنه يؤدي إلى جمود القوانين وعدم تطوره .

2-القانون لا ينسقه المشرع وإنما يكون تلقائيا وبطريقة آلية .

3-العرف هو المصدر المثالي للقانون .

الفرع الرابع : نقد النظرية.

1-مبالغة النظرية في ربط القانون بالبيئة الاجتماعية مما يؤدي إلى إنكار دور العقل في إنشاء القانون ، فالإنسان هو الذي يبين الغاية التي يجب أن يعمل القانون على تحقيقها .

كما أن دور المشرع لا يقتصر على مجرد تسجيل مضمون الضمير الجماعي ولا يقتضي تطور الظروف في إصدار القانون.

2-أهملت النظرية دور الأفراد وكفاحهم ضد القوانين الجائرة.

معارضة النظرية لتجميع القوانين لا يوجد له سند من الناحية الواقعية لتقنين مزايا كثيرة منها توحيد القانون في مختلف إقليم الدولة.

مبالغة النظرية في اعتبار العرف المصدر المثالي للقانون رغم أنه في العصر الحديث تعقدت وتعددت حاجات الناس ، ونظرية المصالح مما يتطلب التنظيم والسرعة وتدخل المشرع .

 

المطلب الثاني :نظرية الغاية الاجتماعية.

نادى بها الفقيه الألماني ألمرج الذي هاجم النظرية التاريخية ، ومن مؤلفاته الغاية من القانون ، الكفاح من أجل القانون .

الفرع الأول : مبادئ النظرية.

تقوم النظرية على أساس أن القانون وسيلة تتّخذها الإرادة البشرية لتحقيق غايته الاجتماعية (حفظ المجتمع ، الأمن ، التقدم) ،وقد تطلب تحقيق هذه الغاية الكفاح من جانب الإنسان ، فالثورات الاجتماعية و حركات التحرر شهدها العالم كانت تقوم دائما دفاعا عن مبادئ قانونية ، وكفاحا من أجل تعديل أوضاع قانونية لم تكن تتفق مع الظروف الاجتماعية ، فالقانون ثمرة الغابة والكفاح .

المطلب الثالث :نظرية التضامن الاجتماعي .

نادى بها الفقيه الفرنسي " دوجي" في أواخر القرن 19.

الفرع الأول : أسس النظرية.

تأثر الفقيه دوجي بالفلسفة العلمية الواقعية التي تعتمد على المشاهدة والتجربة ، وهذا ما ترتب عنه إنكار الفقيه دوجي لفكرة الشخصية المعنوية فكرة السيادة فكرة القانون الطبيعي ، ومن الحقائق العلمية التي استخلصها :

1-وجود مجتمع حقيقي واقعي وملموس يعيش فيه الإنسان مع غيره من الناس .

2-وجود تضامن بين الأفراد في المجتمع وهذا التضامن قد يكون :

أ-التضامن بالاشتراك الثابت : وهذا النوع من التضامن يعود إلى اشتراك الناس في الشعور بحاجات أو رغبات مشتركة يتطلب تحقيقها تضامن الأفراد عن طريق ضم الحدود.

ب-التضامن بتقسيم العمل : يرجع هذا النوع من التضامن إلى اختلاف الأفراد في ميولهم ، مما يستدعي توجيه كل فرد بجهده ونشاطه نحو عمل أو خدمة معينة ثم يتبادل مع غيره ثمرة المجهود ونتاج العمل.

3-يرى دوجي بأنه لا يكفي الشعور بالتضامن الاجتماعي كأساس القاعدة القانونية ،بل يجب أن يكون هناك الشعور بالعدل وهو أساس واقعي مستمد من المشاهدة والتجربة .

الفرع الثاني :نقد النظرية.

1-محاولة دوجي إخضاع القانون للمنهج العلمي الواقعي التجريبي الذي تخضع له العلوم الطبيعية يعدّ إغفالا لطبيعة القانون.

2-أنكر دوجي بأنه إلى جانب حقيقة التضامن يوجد كذلك حقيقة الأنانية وتضارب المصالح.

3-إن حقيقة التضامن لا تقتصر على التضامن في الكثير بل تتمثل في الشر.

4-جعل أساس القانون مجرد شعور شخص للأفراد يؤدي إلى تحكيم الأهواء ، في حين أن القانون يستند إلى حقائق موضوعية .

 

الفصل الثالث : المذاهب المختلطة.

المبحث الأول : مذهب الفقيه الفرنسي " فرونسو جيني ّ

قام جيني بدراسة المذاهب السابقة فتوصل إلى استخلاص مذهب شامل صاغه في مؤلفاته (العلم والبلاغة في القانون الخاص الوضعي) ، وظهر التفسير ومصادر القانون الخاص الوضعي.

لقد اعتمد منهجا علميا سماه منهج البحث القانوني الحرّ

المطلب الأول : الأسس التي يقوم عليها مذهب جيني

استخلص جيني أن القاعدة القانونية تتكون من عنصرين هما :

العلم والسياغة .

1-عنصر العلم :يقصد جيني بعنصر العلم كل معرفة تقوم على التأمل والتفكير العقلي ومعرفة الواقع الممكن ملاحظته والتحقق منه ، فجمع بين الفلسفة المثالية والفلسفة الواقعية.

2-عنصر العلم يشتمل على حقائق وهي :

-الحقائق الواقعية أو الطبيعية وتتمثل فيما يحيط الجماعة من واقع جغرافي واقتصادي واجتماعي و سياسي.

-الحقائق التاريخية : وهي ما مرت به الجماعة من تطورات وأحداث تاريخية وثقافية ، ولأنها تستند إلى تجارب وخبرة الأجيال السابقة ، ممّا يجعل أخذها بعين الاعتبار في إنشاء القواعد القانونية حتى يكفل لها نوعا من الاستقرار.

-الحقائق المثالية :وهي الاتجاهات والعقائد والتيارات الفكرية التي تسود الجماعة وتهدف عادة إلى الكمال .

-الحقائق العقلية :وهي عملية بلورة مختلف الحقائق لتشكل عنصرا يصلح أن يكون أساسا ومادة أولية لقواعد قانونية .

فيستخلص العقل من الحقائق السابقة حقائق معقولة وفقا لما تبرزه ظروف الجماعة فتسمى حقائق عقلية.

الفرع الثاني : عنصر الصياغة .

ويتعلق بالفن التشريعي أي تحويل الحقائق السابقة التي تكون منها القانون إلى قواعد عامة ومجردة صالحة للتطبيق.

 

المطلب الثاني: تقدير المذهب.

نجح الفقيه جيني في تفادي الانتقادات التي وجهت إلى كل من المذهب الشكلي والمذهب الموضوعي ، حيث اهتم بالجوهر والشكل معا.

رغم ذلك لم يسلم جيني من الانتقادات ، حيث يأخذ عليه أن الحقائق المكونة لعنصر العالم لا تعدّ كلها حقائق علمية ، إذ لا يمكن اعتبار الحقائق العقلية والمثالية من قبيل الحقائق العلمية ،لأنها لا تتولد عن الواقع الملموس ، وثبت بالمشاهدة والتجربة .

 

المبحث الثاني :الاتجاهات الحديثة للسياسة التشريعية .

السياسة التشريعية :

شاهدت العقود الأخيرة اتجاهات قانونية عالمية التي فرضت على دول العالم تطوير التشريعات حتى يتلاءم مع الاتجاهات الحديثة ، وتأتي الحاجة إلى تطوير الشريعة في كون القانون يتجلى في صور أخرى غير مكتوبة كالعرف والقانون الطبيعي وقواعد العدالة.

المطلب الأول : معايير صناعة الشريع.

يميز علماء فلسفة القانون بين وجود التشريع وفعاليته ، فوجود التشريع يتمثل في صدوره شكلا من السلطة المختصة ، أمّا فعالية التشريع فلا تكون إلاّ بكفالة التغلغل الاجتماعي لأحكامه في نسيج المجتمع ، ولضمان ذلك وتهيئة المناخ لنجاح التشريع في تحقيق غايته وجب على المشرع مراعاة المعايير التالية:

1-التشريع ليس مجرد أداة جبر التي تمثل القوة ولكنه وسيلة لتحقيق المصلحة يشيع فيها العدل .

2-التشريع ظالم مصيره التجاهل وذكران مهم اشتد الجزاء ، ومن ثم يجب مراعاة اقتناع الجماعة بلزوم القاعدة القانونية .

3-تبصير المخاطبين بتشريع وسلطات تطبيقه بأهدافه ومراميه وعدالة أحكامه والاهتمام باستطلاع الآراء قبل اتّخاذ إجراءات إصداره لتحقيق الاقتناع الذاتي .

4-إن التشريع الذي لا يمتزج بأعراف المخاطبين به لا يحضى بقناعتهم أو يرضي المسؤولين عن تطبيقه يتحول إلى نصوص فارغة لا وجود لها في الواقع .

5-يجب على المشرّع مراعاة القواعد الأخلاقية والمبادئ الدينية والمعطيات الثقافية المستقرة في ضمير الجماعة .

6-جوهر التشريع الرشيد يقوم على الموازنة بين المصالح بما يحقق التوفيق بينها.

7-أن يكون التشريع يتّسم بالجدية والرشد والعقلانية من خلال إيجاد بدائل مشروعة متاحة تهيئ إمكانية اعتراض التشريع.

8-يجب على المشرع اعتناق فلسفة واسعة في تشريع تستهدف الجميع لا مجرد مصالح جماعات.

9-يجب ألاّ تكون التشريعات رد فعل تنظيمي لأحداث معيشية يمكن معالجتها بوسائل أخرى سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو إدارية .

10-التفاوت والانسجام بين دستور وتشريع لتحقيق الاستقرار القانوني .

 

المطلب الثاني : مقومات نجاح سلطات التشريع .

تعتبر الديمقراطية شرطا رئيسيا لكفاءة التشريع ورسوخه في البيئة الاجتماعية وتحقيق فاعليته ، ومن ثم يجب :

1-أن يكون المجلس التشريعي منتخبا بطريقة ديمقراطية ، وأن يكون عملية وضع التشريع ومناقشته داخل المجلس بأسلوب ديمقراطي .

2-أن لا تكون السلطة التنفيذية وحدها المهيمنة على العمل التشريعي .

3-أن توفر السلطة التشريعية لأعضائها الأجهزة الفنية التي تعينهم على مباشرة حقهم في اقتراح التشريعات .

4-مهمة أعضاء السلطة التشريعية ليست أداة الخدمات الفردية للمواطنين دوائرهم ، وإنما سياغة التشريع والرقابة على أعمال الحكومة.

5-يتعين على عضو السلطة التشريعية عدم مناقشة أو الاقتصار على مشروعات القوانين التي تتعلق بالدائرة الانتخابية فقط ،وإنما يجب الإسهام في دراسة كافة المشاريع.

6-يتعين على الدولة إنجاز قاعدة بيانات تشريعية للارتقاء لمستوى المعرفة القانونية وحتى لا يتزعزع الأساس الذي تقوم عليه المادة60 من الدستور الجزائري لا يعطر بجهل القانون.

 

تفسير القواعد القانونية :

تعددت النظريات العقلية في تفسير القانون ، ويمكن إيجاز أهداف التفسير كما يلي :

1-تحديد معنى القاعدة القانونية التي ورد بها لفظ غامض .

2-التوفيق بين قاعدتين متناقضتين أو ترجيح إحداهما عن الأخرى.

3-شرح كيفية تطبيق القواعد القانونية على الواقع.

الفرع الأول : أنواع التفسير.

1-التفسير التشريعي :يصدر المشرع ما يسمى بالتشريع التفسيري بقانون عادي أو يخول السلطات الإدارية تفسير التشريعات.

2-التفسير القضائي : ويسمى الاجتهاد وهي المبادئ العامة التي استقرت في المحاكم على الأخذ بها.

3-التفسير الفقهي :الفقه هو مجموع الآراء التي يقرّها علماء القانون في مؤلفاتهم وأبحاثهم

من تأهيل التنظيم والشرح لاستنباط أحكام القانون يتوجه المشرع ويسترشد القاضي.

الفرع الثاني : حالات وقواعد التفسير .

يجد القاضي نفسه أمام ثلاث حالات عندما يعرض         عليه نزاع :

يجد نفسه أمام :

1-إمّا نص سليم .

2-إمّا نصا فيه عيب.

3-إمّا أنه لا يجد نصا .

ففي حالة النص السليم والمبدأ هو لا اجتهاد مع النص.

فيحضر دور القاضي في استخلاص المعنى من النص.

 

1-المعنى التفسيري لعبارة النص السليم .

التفسير اللفظي :

إذا كان لبعض الألفاظ معنى لغويا والآخر اصطلاحيا يعمل بالمعنى الاصطلاحي .

المعنى المستفاد من روح النص : أي الحالة التي لا يكتفي فيها بالمعنى الاصطلاحي بل يهدف التفسير إلى تقصي جميع المعاني ، ويميز الفقهاء بين نوعين من التفسير هما :

 

التفسير الضيّق : ويعتمد في النصوص القانونية ذات الصفة الاستثنائية ، فلا ينبغي التوسع في تفسير القوانين الجزائية .

ـأمّا التفسير الواسع : ويقصد به كيفية الوصول إلى روح النص وهناك ثلاث طرق يعتمدها الفقهاء:

1-المعنى المستخلص من إشارة النص : وهو المعنى الذي يأتي كنتيجة لازمة للمعنى المستفاد لعبارة النص.

2-المعنى المستخلص من دلالة النص :ويقصد بهذا المعنى ما نفهمه من روحه ومقصده ، ويمكن الاستدلال على هذا المعنى عن طريقين :

أ-الاستقلال عن طريق مفهوم الموافقة (القياس) :

عند وجود نص يفهم من عباراته معنى معين ينطبق على حالة معينة مثلا : تحريم الخمر بعملية الإسكار مقياسا كل لكل مسكر حرام .

ويعني القياس : إخضاع المراكز الواقعية المتشابهة لقاعدة قانونية واحدة.

ب-الاستدلال عن طريق مفهوم المخالفة (المفهوم العكسي) :

يقصد بذلك إعطاء حكم لحالة لم ينص عليها المشرع ،وذلك باختلاف العلّة في الحالتين.

3-المعنى المستخلص من اقتضاء النص المراد بدلالة اقتضاء النص المعني الذي لا يستقيم إلاّ بتقديره مثلا : قال الله تعالى :" حرمت عليكم الميتة" يفهم مقتضى النص حرّم عليكم أكل الميتة .

2-في حالة النص المعيب:

من طرق فسير النص المعيب :

1-حالات الإعابة الممكنة ، ومن أبرز حالاته :

أ-الأخطاء : قد يكون الخطأ ماديا ويشمل الخطأ الطبيعي خاصة في الحالات المستعجلة أو عدم التدقيق اللغوي ،كما قد يكون الخطأ في الترجمة ، حيث يتعين على المفسر أن يصححها دون التغيير من قصد المشرع.

ب-حالة النقص : يكون النقص بإغفال نص عن نص لا يستقيم الحكم بدونه .

ج-غموض النص :يكون الغموض بتحميل أحد ألفاظ النص أكثر من معنى واحد مقال : لفظ الليل.

د-التعارض :حالة اصطدام نص مع نص آخر ، المبدأ أن يغلب التشريع الأقوى وفي حالة التساوي يغلب التشريع اللاحق .

طرق تفسير النص المعيب :

أ-تقريب النصوص : وذلك بربط النصوص ببعضها البعض .

ب-الرجوع إلى النص الفرنسي .

ج-الاستعانة بالأعمال التحضيرية ويقصد بها المناقشات التي دارت تحت قبة البرلمان .

د-الرجوع إلى المصادر التاريخية :فالنص المأخوذ من الشريعة الإسلامية يرجع فهم معناه إلى الفقه الإسلامي والنصوص المأخوذة من القانون الفرنسي يستعان بالقضاء والفقه الفرنسي.

حكمة التشريع :

يستعين المشرّع في فهم المقصود بنص حكمة التشريع أي المصلحة الاقتصادية او الاجتماعية أو السياسية التي يقصد المشرع تحقيقها.

الفرع الثالث : في حالة عدم وجود نص.

أ-في المواد الجزائية : في هذه الحالة يحكم بالبراءة وفقا لمبدأ شريعة الجرائم ، لا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص تشريعي.

ب-المواد المدنية :

القاعدة أنه لا يجوز للقاضي تحت طائلة اعتباره مستنكف عن إحقاق الحق " أن بمنتهى الحكم بحجة انقضاء النص" .

لذا عليه أن يجتهد باللجوء إلى استنباط القواعد القانونية.