مقياس: نظرية النّظم، لطلبة السنة الثانية ماستر، تخصص نقد عربي حديث ومعاصر، وقد أدرج هذا المقياس ضمن المادة البيداغوجية في حقل النقد العربي الحديث والمعاصر، لما له من فائدة جليلة في تعريف طلبتنا بنتائج البحث اللّغوي والنقدي العربيين في تراثنا القديم، أقول "قديم " باعتبار الزمن لا باعتبار الوصف، فهو كما لا يخفى ثري بالعديد من الاكتشافات العلمية التي لا تزال تحقق انتصارات وفتوحات علمية راقية، تضاهي ما توصلت إليه الدراسات الحديثة، التي تتخذ من منهجا الوصف العلمي والموضوعي.
ولا أشك إطلاقا في أن نظرية النظم الجرجانية هي واحدة من منجزات العقل العربي في تحليلها للظواهر اللغوية وإبراز مكنوناتها المعنوية والدلالية، خاصة ان اتخذت النّص القرآني مادة تحليلها، فهو مدعاة للتبصّر وثروة للإقلاع، كما كان العهد مع عبد القاهر الجرجاني، حين انبرى للبحث في مسألة الإعجاز بعد أن لم يقنعه ما قيل قبله من تفسيرات للظاهرة القرآنية في إعجازها.
فجمع ووعى ما كتب قبله في الإعجاز، واستطاع أن يصل بفضل عبقريته أن يكمل ما بدأه القاضي عبد الجبّار والباقلاني وغيره في طرحهم لفكرة النّظم، فحوّلها من مجرد فكرة عابرة، إلى نظرية قائمة بحجج فاصلة، لا تدع مجالا للشك في أن بعض سرّ الإعجاز قد توصّل إلى دلائله التي هي من مقتضيات النّظم في الإعجاز البلاغي.
ينطلق هذا المطبوع من بدايات التفكير البلاغي عند العرب، وأهم القضايا التي تناولها العلماء من قضية الإعجاز إلى قضية اللفظ والمعنى، حتى وصل الدرس البلاغي إلى القرن الخامس للهجرة مع الجرجاني، فاكتملت صورته الوصفية، التي ما لبثت أن تحوّلت إلى معيارية جامدة قيدتها قواعد وضوابط كان العصر في أمسّ الحاجة إليها، لولا أنّها أطفأت جذوة الإبداع.
لينتقل الدرس إلى نظرية النّظم ومؤسسها وأسسها، وبيان القدرة الإبداعية لديه، لتختتم بنماذج تطبيقية تظهر مدى استجابة نظرية النظم للتطبيق إن على مستوى النّص القرآني أو حتى في الإبداع البشري من قصيد شعر او فصيل نثر.