مدخل إلى الأدب الكولونيالي في الجزائر (بداياته ،خصائصه ،منطلقاته الفكرية ومميزاته الفنية)

يمكن القول إن الأدب الكولونيالي بدأ منذ سنوات الاحتلال الأولى للجزائر على يد بعض الضباط وصف الضباط و الجنود ممن كانوا يتمتعون بمواهب أدبية، و نجد أن أقدم عمل في هذا الميدان يعود إلى سنة 1847 حسب ما يذكر " شارل طايار" في كتابه البيبليوغرافي المسمى " الجزائر في الأدب الفرنسي"[1] و هو عبارة عن ديوان شعر بعنوان les étrennes du prince، و هو بقلم صف ضابط يدعى:(أ.أكاري) A.Accary، كما نجد أقدم نص روائي يعود إلى سنة 1856بعنوان " جروة أو ابنة الصحراء" بقلم المدعو سيمون آش simon Ach .[2]

و تشكل النصوص الأدبية التي كتبها و نشرها الكتاب الرحالون رافدا مهما في هذا الأدب، و لعلها تشكل أهم النصوص في هذا الأدب لأنها كتبت بقلم كتاب كبار معروفين، يأتي في مقدمتهم تيوفييل كوتيي الذي كان من أوائل الكتاب الكبار الذين زاروا الجزائر و كتبوا من وحيها العديد من النصوص، وذلك سنة 1845, يأتي بعده " أوجين فرومونتان" سنة 1847و 1853، و ألفونس دوديه سنة 1862، وغي دي موباسان سنة 1880و1884 و أندري جيد في وقت متأخر. و تشكل أعمالهم التي كتبوها عن الجزائر اليوم شهادات حية ذات قيمة أدبية عالية. و قد عرفت أعمالهم باسم "أدب الاغتراب" أو La  littérature exotique .

ظل هذاا النوع من الأدب الاغترابي هو السائد إلى بدايات القرن العشرين حيث بدأت تبرز ملامح أدب استيطاني بقلم كتاب ولدوا في الجزائر و نشؤوا في ظل المجتمع الكولونيالي، و أسهموا في وضع أسس الأيديولوجيا الاستعمارية، و يأتي على رأسهم " لوي برتران" louiss bertrand، الذي سيكون أحد كبار منظري الأيديولوجيا الاستعمارية، بمعية روبير راندوrobert randot. و قد بدؤوا حركتهم برفض الأدب الاغترابي، و أطلقوا عليه اسم" أدب البطاقات البريدية" la littérature des cartes postales. و قالوا عنه إنه لا يعبر عن الجزائر، و لا عن المجتمع الكولونيالي الجديد، و بدأوا بوصف أنفسهم بالكتاب الجزائريين، و كتبوا أدبا أرادوه أن يكون من " داخل الجزائر"، يتمتع باستقلاليته، في مقابل الأدب الذي كتبه " عن الجزائر" كتاب من الخارج"[3]. و قد أكد" ميزات" – و هو أحد أبرز وجوه ذلك الأدب الاستيطاني المستقل-[4]هذه الصفة حتى بالنسبة لبطل قصصه الشهير " كاغايو" حين يسأل " أأنتم فرنسيون؟" فيجيب" لا، نحن جزائريون"[5]

و قد نتج عن التصريحات و المناقشات و الجدال الذي دار منذ بداية القرن و إلى بداية العشرينيات، بين المستوطنين من جهة، و بينهم و بين منابر أدبية في " المتربول "، حول وجود" أدب استيطاني" في الجزائر، ألى بعث ما يشبه" مدرسة أدبية" اتخذت من مجلة " فرنسا الكبرى" و الحياة"، و "ميركور دو فرانس"، و " مجلة العالمين"، و إلى حد ما"جريدة " الوقت" ( لوتان)، منبرا لنشر أفكارها، و هي الأفكار التي تبلورت شيئا فشيئا، لتعرف فيما بعد بحركة " الجزأرة": (algérianismeL ).[6]

و في هذا السياق أصدر المسوطنون سنة1906" مختارات من الشعر الجزائري"[7] لم يكن من بين شعرائها في الواقع اسما واحدا جزائريا فعلا، أي من أبناء البلد الأصليين، و تكرر نشر مثل هذه المختارات الشعرية سنة 1920، و القصصية سنة 1925[8]، و في هذه المرة الأخيرة ، و تحت تأثير التغيير الذي جاءت به قوانين 4 فبراير 1919، خرج ناشروا " المختارات" عن التقليد المعمول به من قبل، ليضموا على احتشام اسما واحدا من " الأهالي" هو اسم عبد القادر حاج حمو[9]، و لكن دون أن يتخلوا عن طروحاتهم الاستعمارية المعتادة، حيث نجد لويس برتران- الأب الروحي للكتاب المستوطنين- يعلن بكل سرور في المقدمة أنه (( تحقق في هذه " المختارات" ما كان يأمله منذ خمسة و عشرين عاما، و هو ميلاد إفريقيا اللاتينية)).[10]

و تكريسا لهذا الاتجاه الاستيطاني في الأدب، أنشأ الكتاب المستوطنون هياكل تنظيمية تسنده، و تقاليد تعطيه شخصيته المتميزة، و استقلاليته عن " المتروبول" فأسسوا في سنة 1921 جمعية أدبية أطلقوا عليها اسم " جمعية الكتاب الجزائريين"، و مجلة تنطق باسم الجمعية سموها " إفريقيا" [11]

هوامش المحاضرة :

1- Charles tailliart «l’algérie dans la littérature française »librairie ancienne edouard champion. paris 1295, p 11.                 

2- Ibid , p 28 .                                                              

3- Jean déjeux « la littérature algérienne contemporaine », p p 11-12 .                                                                  

4- هو" أوغيست روبيني: Auguste robinet" المشهور ب " ميزات: musette"، من مواليد الجزائر (1862-1930)، نشر على مدى عشرين سنة سلسلة من قصص " المغامرات"، تصور مشاهد و مواقف" فكاهية" من حياة بطله" كاغايو"، الذي يقدمه الكاتب كنموذج يعكس عقلية مجتمع المستوطنين الجدد، و يتصف بالقوة الجسدية، و حب النساء، و هو (( مشاكس و عنصري و ديماغوجي)) راجع:- jean déjeux «  la littérature algérienne contemporaine », p 23 .   

5- Fadhila yahiaoui «  roman et société coloniale, dans l’Algérie de l’entre deux – guerres… »ed .ENAL-Gam, Alger-bruxelles. 1985. P 17.                                                               

6- Fadhila yahiaoui «  roman et société coloniale, dans l’Algérie de l’entre deux – guerres… »p 61-62.                            

7- Jean déjeux « la littérature algérienne contemporaine » p 26.

8- Ibid . p 27-28.                                                         

9- صاحب رواية " زهراء امرأة المنجمي" التي أصدرها سنة 1925، و تعد أول رواية يكتبها جزائري باللغة الفرنسية.

10-       Jean déjeux « la littérature algérienne contemporaine »p 29

11-       و أنشأوا بعدها عدة مجلات أخرى، منها مجلة" الجزائر: Algéria " و المجلة اللاتينية"، " و مجلة افريقيا الشمالية". راجع:

Fadhila yahiaoui : roman et societé coloniale ; p 24.