ملخص:

إن العملية التعليمية التعلمية تتطلب الإحاطة بجميع مكوناتها، من علوم التربية والبيداغوجيا والديداكتيك، ولعل هذا الأخير يكتسي أهمية بالغة، نظرا لارتباطه بالجانب التطبيقي، فهو يشكل ضرورة ملحة بالنسبة لعملية التدريس، ويساهم في تمكين الأطر التربوية من أداء أدوارها بشكل فعال، من خلال التوفيق بين المناهج والبرامج الدراسية مع وضعيات التدريس المختلفة. ويساهم كذلك في ضبط الإجراءات والآليات المناسبة لتدريس المادة الدراسية، فهو تصور يوضح فلسفة المنهاج، ويساعد على استنتاج مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة.

أضحت الفلسفة اليوم مطالبة ببناء طريقة تعليمية جديدة يتم فيها التركيز على المتعلم أكثر من التركيز على خطاب المدرس، وباعتبار خصوصية مادة الفلسفة يمكن اخضاعها إلى أنشطة مدرسة في وضعيات ديداكتيكية خاصة، فإنها لا ترمي إلى الاكتفاء بنقل المعارف التاريخية الفلسفية اعتمادا على طرق تقليدية قائمة على الحشو والاستظهار، بل بجعل المتعلم يطلع على بينة تامة من تاريخ الفلسفة والسعي به نحو استيعاب مضامينها، وتمثلها كسلوك في حياته اليومية.

وانطلاقا من أن الدرس الفلسفي هدفه تحقيق تمثل سلوك المتعلم الخاص بتنمية جملة من القدرات والكفايات، وهو ما يجب تأصيلها وترسيخها في البنيات المعرفية الذهنية والمنطقية للمتعلمين، وذلك من خلال توعيتهم بخلفياتها والدفع بهم إلى تفكيك الواقع ، وبهذا فإن تدريس الفلسفة يجب أن يرتكز على تعلم التفكير الذاتي بهدف تعويد وتدريب العقل على الممارسة النقدية.

1. مقدمة


إن العملية التعليمية التعلمية تتطلب الإحاطة بجميع مكوناتها، وكل ما يحيط بها من علوم التربية والبيداغوجيا والديداكتيك، ولعل هذا الأخير يكتسي أهمية بالغة، إذا اعتبرنا أنه مرتبط بالجانب التطبيقي من العملية التعليمية التعلمية، وبالتالي يمكن القول بأن الديداكتيك يشكل ضرورة ملحة بالنسبة لعملية التدريس، باعتباره يساهم في تمكين الأطر التربوية من أداء أدوارها بشكل فعال، وذلك من خلال التوفيق بين المناهج والبرامج الدراسية مع وضعيات التدريس المختلفة. ويساهم الديداكتيك  كذلك في ضبط الإجراءات والآليات المناسبة لتدريس المادة الدراسية، بالإضافة إلى التخطيط الذي يساعد في تحقيق الأهداف والكفايات. كما يمكن اعتبار الديداكتيك بمثابة تصور يوضح فلسفة المنهاج، ويساعد على استنتاج مجموعة من الاستراتيجيات الفعالة في العملية التعليمية التعلمية.

وانطلاقا من أن الدرس الفلسفي أساسا هدفه تحقيق تمثل سلوك المتعلم الخاص بتنمية جملة من القدرات والكفايات، (القدرة على النقد وعلى التحليل والتركيب...)، وهو ما يجب على المدرسين انطلاقا من وظيفتهم الديداكتيكية، تأصيلها وترسيخها في البنيات المعرفية الذهنية والمنطقية للمتعلمين، تحقيقا لما هو مراهن عليها في الدرس الفلسفي كاختيار استراتيجي في التوجيهات الرسمية، وذلك من خلال توعيتهم بخلفياتها والدفع بهم إلى استبصار قيمها النبيلة وأبعادها المنهجية في تفكيك الواقع ومحاولة الارتقاء به نحو الأفضل، وبهذا فإن تدريس الفلسفة يجب أن يرتكز على تعلم التفكير الذاتي بهدف تعويد وتدريب العقل على الممارسة النقدية.

كيف يمكن إخضاع الأنشطة الفلسفية إلى وضعيات ديداكتيكية؟

2. مفهوم الديداكتيك

يعتبر الديداكتيك من المفاهيم الشائعة في المجال التعليمي التربوي، وله تسميات عديدة، كالتربية الخاصة، وفن التدريس، ومنهجية التدريس.

وقد عرف هذا المصطلح جدلا واسعا لدى علماء التربية حول تحديد تعريف دقيق لهذا المفهوم، فهو يختلف من عالم لآخر.

  إن الديداكتيك  يحيل إلى المنهج المتبع في تقديم التعلمات من المعلم إلى المتعلم. وما يستدعيه ذلك من فهم وعمق ودراية بالمادة المقدمة وطبيعة المتعلمين وسياقات أخرى كثيرة تراعى عند التخطيط للتعلمات. ويطلق عليه البعض كذلك  فن التدريس أو التدريسية أو التعليمية. كما اعتبره البعض الآخر شقا من البيداغوجية موضوعه التدريس .

والديداكتيك هي بالأساس، تفكير في المادة الدراسية بغية تدريسها حيث تتعلق بالمادة وبنيتها ومنطقها.كما تعني الديداكتيك الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم التي يعيشها المتعلم لبلوغ هدف عقلي أو وجداني أو حسي-حركي و يمكن أن نتعرف عليه كذلك من خلال معنيين :

2. 1 المعنى اللغوي للديداكتيك

تعني كل ما يهم التدريس والتعليم، ويقابله في الترجمة إلى العربية عدة مفردات؛ كعلم التدريس أو فن التدريس أو منهجية التدريس، والتدريسية أو علم التعليم أو التعليمية، والتربية الخاصة أو الديداكتيك أو الديداكتيكا.

كلمة الديداكتيك، في اللغات الغربية مشتقة من الكلمة اليونانية "didaktikos" وتعني: فلنتعلم؛ أي: يُعلِّم بعضُنا بعضًا، والمشتقة أساسًا من الكلمة الإغريقية " didaskein" ومعناها التعلُّم، وقد استخدمت هذه الكلمة أول مرة في التربية مرادفة لفن التعليم، وقد استخدمها "Comenius " والذي يعدُّ الأب الروحي للبيداغوجيا منذ سنة 1657 في كتابه "الديداكتيك الكبرى"؛ حيث يعرفها بأنها: الفن العام للتعليم في مختلف المواد التعليمية، ولا يعتبرها فنًّا للتعليم فقط؛ بل للتربية أيضًا، إن كلمة حسب Comenius تدل على تبليغ وإيصال المعارف لجميع الناس، فنجد في اللغة العربية مجموعةً من المصطلحات تقابل مصطلح " didactique " تعليمية، علم التدريس، علم التعليم، التدريسية. (الدريج, 2012).

وتعني حسب قاموس روبير الصغير Le petit Robert ، درس أو علّم enseigner ويقصد بها كل ما يهدف إلى التثقيف وكل ماله علاقة بالتعليم. (أحسنات، 2008).

ظهر مصطلح الديداكتيك  في النصف الثاني من القرن العشرين. ومن خلال التعاريف التي وضعت له في القواميس؛ كان معناه: فن التدريس أو فن التعليم. ومنذ ذلك الوقت أصبح مصطلح الديداكتيك  مرتبطا بالتعليم، دون تحديد دقيق لوظيفته. (أوزي، 2006).

وفي سنة 1988 اعتبره أندري لالاند André Lalande فرعا من فروع البيداغوجيا، موضوعه التدريس. (الفارابي، 1994).

2. 2. المعنى الاصطلاحي للديداكتيك

أول من استخدم كلمة الديداكتيك  في التربية كمرادف لفن التعلّم، هو كومينوس أو كامينسكي أو Comenus ، الذي يعد الأب الروحي للبيداغوجيا وذلك سنة 1657، في كتابه الديداكتيكا الكبرى، حيث يعرفها بالفن العام للتعلّم في مختلف المواد التعليمية، ويضيف بأنّها ليست فنا للتعلّم فقط بل للتربية أيضا، إن كلمة ديداكتيك حسب كومينيوس تدلّ على تبليغ وإيصال المعارف لجميع النّاس. (الدريج، 2011)

وترتبط  الديداكتيك  بمنهجيات تدريس مادة أو تخصُّص معين، كما يفيد التفاعلات التي قد تتحقق في وضعية تعلمية تعليمية بين معرفة محددة ومدرس تلك المعرفة. (اللحية، 2008).

وتهتم  الديداكتيك بالوضعيات التدريسية، والتي يلعب فيها المتعلم دورًا أساسيًّا، وينحصر دور المدرس في تسهيل عملية التعلُّم، بتصنيف المادة الدراسية تصنيفًا يتلاءم مع حاجات هذا المتعلِّم وتحديد الطريقة الملائمة لتعلُّمه وتنظيم فضاء ومجال التعلم.

فنجد أن هناك من يعتبر الديداكتيك  بمثابة علم مساعد للبيداغوجيا، وتسند إليها مهمات تربوية عامة من أجل إنجاز تفاصيلها. وهناك أيضا من يعتبرها بمثابة تأمل وتفكير في طبيعة المادة الدراسية، وغايات تدريسها، بالإضافة إلى صياغة فرضيات خاصة انطلاقا من المعطيات المتجددة والمتنوعة باستمرار، كما أنها دراسة نظرية تطبيقية للفعل البيداغوجي المتعلق بتدريس تلك المادة. ومن خلال ذلك نستنتج أن الديداكتيك تتمحور حول المتعلم والمادة الدراسية والمدرس، وموضوعها هو سيرورة التعلم والفعل البيداغوجي، وتستمد مرجعياتها من علم النفس وعلم الاجتماع ونظريات التعلم، أما حقلها النظري فهو البيداغوجيا، وتتمثل مهمتها في التأمل في طبيعة المادة الدراسية وغايات تدريسها، بالإضافة إلى صوغ فرضيات، وحل مشكلات التعلم.وغالبًا ما يستعمل لفظ الديداكتيك كمرادف للبيداغوجيا، بيد أنه إذا استبعدنا بعض الاستعمالات الأسلوبية، فإن اللفظ يوحي بمعانٍ أخرى، تعبر عن مقاربة خاصة لمشكلات التعليم، وقد ارتبطت الديداكتيك في دراستها بعلم النفس ونظريات التعلُّم والسوسيولوجيا، واستعارت مفاهيمها من علوم ومجالات معرفية أخرى، وكانت حسب "أبليهنس" علمًا مساعدًا للبيداغوجيا، كما أسند إليها دور بناء الاستراتيجيات البيداغوجية المساعدة على بلوغ الأهداف، أما حديثًا فقد تطوَّرت الديداكتيك نحو بناء مفهومها الخاص بفعل تطور البحوث الأساسية والعلمية، وبدأت تكسب استقلالها عن هيمنة العلوم الأخرى.

3.2 .المثلث الديداكتيكي وأقطاب المثلث التعليمي

هو ذلك المثلث المعبِّر عن الوضعية التعليمية باعتبارها نسقًا يجمع بين ثلاثة أقطاب غير متكافئة هي: تلميذ، ومدرس، ومعرفة، وما يحدث من تفاعلات بين كل قطب من هذه الأقطاب في علاقته بالقطبين الآخرين.

 أقطاب المثلث التعليمي: يتكون المثلث التّعليمي من ثلاثة أطراف مهمة المعلّم والمتعلّم والمعرفة، وهذه الثلاثية تتفاعل فيما بينها، لتنتج تعلّما قائما على التكامل وهي كالآتي:

المعلّم: يمثل المعلّم الركيزة الأساسية التي تساهم في نجاح العملية التعليمية لأنّه يعتبر موجها ومرشدا ومالكا للمعرفة والكفايات التي تجعله مؤهلا لتبليغ الرسالة، ويعتبر منشأ ومحفزا ومنظّما يدفع طلابه إلى الابتكار، فهو بهذا تحول من محور التعلّم إلى موجه ومنشط للتعلّم، والمعلّم باعتباره قطبا من أقطاب هذه العملية لابد أن تتوفّر فيه خصائص معرفية وشخصية وهذا ما نوه إليه عبد العليم إبراهيم بقوله: "المقومات الأساسية للتّدريس إنّما هي تلك المهارة التي تبدو في موقف المدرس وحسن اتصاله بالتلاميذ وحديثه إليهم واستماعه لهم وتصرفه في إجاباتهم وبراعته في استهوائهم والنفاذ إلى قلوبهم إلى غير ذلك من مظاهر العملية التّعليمية الناجحة. (إبراهيم، 1991).

المتعلّم: يعد المتعلّم محور العملية التّعليمية، فهو في سعي دائم لاكتساب مختلف المعارف والخبرات والمهارات اللغوية من خلال الإسهام الفعال في بناء هذه العملية، فإذا في التّعليم التقليدي لا يملك أي دور في العملية التّعليمية باستثناء تلقيه للمعلومات التي تملى عليه ليحفظها بهدف استرجاعها وقت الامتحان، فإن المقاربة الجديدة للمناهج تعمل على إشراكه مسؤولية القيادة وتنفيذ عملية التعلّم من خلال تحفيز بعض أجزاء المادة الدراسية وشرحها، كما تتيح له الفرصة لبناء معارف بإدماج المعطيات والحلول الجديدة في المكتسبات السابقة. (الفتلاوي، 2010).

 المعرفة: (المحتوى): هو كل ما يقدم للمتعلم من معلومات ومفاهيم ومهارات وقواعد وقوانين، وما يرجى إكسابه لهم من قيم اتجاهات وميول، فالمحتوى هو تحديد ماذا تدرس؟ ويمكن القول إن المحتوى هو وسيلة تحقيق أهداف المنهج، ويبني، إذن فالمحتوى هو  المحتوى التّعليمي لأي مقرر، (كوجة، 2008) أو وحدة دراسية حول فكرة أساسية كبيرة يراد للتلاميذ أن يتعلّموها الغاية التي يسعى المعلّم إلى إيصالها للمتعلّم، وهو يعب عن حاجات المتعلّم وميولاته في أغلب الأحيان، ويمكن أن نشير هنا أن المحتوى يكون صادقا كلّما كان وثيق الصلة بالأهداف المسطرة، وكذلك كلّما كان متماشيا مع الأفكار الحديثة التي ثبتت صحتها.  (فرحاوي، 2017).

إن كلّ قطب من أقطاب المثلث التّعليمي يعتبر مهما في العملي التّعليمية ولا يمكن الاستغناء عنه مهما يكن.

العلاقة بين رؤوس المثلث التّعليمي: يمكن الكشف عن النسق الديداكتيكي  بمثلث تتكامل فيه أقطاب ثلاثة هي: المعلّم والمتعلّم والمعرفة ( المادة الدراسية )، إلا أن هذا التفاعل يتم التأكيد فيه على علاقة هذه الأقطاب بالمعرفة، أي على ما يمكن تسميته بالأطراف الثلاثة لموضوع الديداكتيك: البعد الإبستمولوجي (العلاقة بين: مدرس ــ معرفة (البعد السيكولوجي) العلاقة بين: متعلم ــ معرفة . (البعد البيداغوجي) العلاقة بين: مدرس ــ متعلم.

المثلث الديداكتيكي الذي يركز على التحليل النسقي للديداكتيك ومختلف العلاقات التفاعلية بين مكونات الفعل الديداكتيكي وهي المدرس والمادة والمتعلّم، والأقطاب الثلاثة هي: (صديقي، 2017). 

- القطب البيداغوجي: ويربط علاقة المدرس بالمتعلّم، ويوثّقها مفهوم التّعاقد الديداكتيكي، ويركّز على الاتفاقات التي تحدد أدوار ومهام المدرس والمتعلّم، والتي تجعل التواصل التربوي الصفي يعرف سبيله للنّجاح، فالحياة مبنية على التّعاقد ورباط الميثاق، والحياة التّربوية أولى بها فغياب التعاقد الديداكتيكي يفضي إلى فوضى وغياب المردودية، وغياب جودة الفعل التّربوي.

- القطب السيكولوجي: ويربط علاقة المتعلّم بالمادة المتعلّمة، وتمثلاته حولها، واستعداده للتّفاعل معها، من خلال استدماج المكتسبات القبلية، بغية بناء معرفة جديدة، وكلّما تم استثمار تمثلات المتعلّم في بناء معارف جديدة، كلّما تفاعل وشارك في بناء تعلّماته والأمر ينعكس.

- القطب الإبستمولوجي: ويركّز على العلاقة بين المدرس والمعرفة، أي الكشف عن الآليات التي يتم تفعيلها داخل العلبة السوداء كما سماها أحد الباحثين، المعرفة للمدرس، وحقول استمداده لها، وهذا جوهر بحث الدراسة، تبرز مهارة المدرس في تجويد فعل النّقل الديداكتيكي من خلال مجموعة العمليات الاستراتيجية التّخطيطية التي يعتمدها المدرس لنقل المعارف من مستواها الأكاديمي العام إلى المستوى المبسط المتعلّم، من خلال التّفاعل الإيجابي بينه وبين المتعلّم في بناء المعرفة من خلال التّوجيه الهادف والتّواصل الصفي البناء بغية استثمار الموارد المدمجة، لتحقيق مرامي المنهاج المدرسي والتّوجهات التّربوية، وتفعيل الأطر المرجعية للمادة قيد الدرس.

4.2. التعاقد الديداكتيكي

بدأ مفهوم التعاقد الديداكتيكي يتبلور في الظهور مع أعمال ودراسات الباحث التربوي بروسوG. Brousseau، وهذا المفهوم يراهن على سلوكيات المدرس المنتظرة من التلاميذ وعلى سلوكيات هؤلاء المنتظرة من المدرس، وعلاقات هؤلاء وأولئك بالمعرفة المستهدفة من قبل عملية التعلُّم. (الأمراني، 2013-2014).

وعليه يمكن القول: إن التعاقد الديداكتيكي هو تلك القواعد التي تتحدد بصورة أقل وضوحًا على ما يتوجب على كل شريك أن يمتثل له ويلتزم به، وهو بمثابة قانون يحدد موقع كل من المدرس والمتمدرس ومستويات المسؤولية الموكولة لكل منهما.

نستخلص أن الديداكتيك مجموع الطرائق والتقنيات والوسائل التي تساعد على تدريس مادة معينة له ثلاث مستويات:

الديداكتيك العامة: وهي التي تسعى إلى تطبيق مبادئها وخلاصة نتائجها على مجموع المواد التعليمية.

الديداكتيك الخاصة: وهي التي تهتم بتخطيط عملية التدريس أو التعلم لمادة دراسية معينة.

الديداكتيك الأساسية: وهي جزء من الديداكتيك يتضمن مجموع النقط النظرية والأسس العامة التي تتعلق بتخطيط الوضعيات البيداغوجية دون اعتبار للممارسات التطبيقية وتعني أيضا الديداكتيك النظرية. (Legendre, 1989).

3. العلاقة التي تربط الديداكتيك بالبيداغوجيا وعلوم التربية

هناك من يميز بين البيداغوجيا والديداكتيك، فالأولى تستند إلى مجموعة من النظريات والمبادئ وتهتم بنقل المفاهيم إلى المتعلمين ومساعدتهم على اكتساب المعارف، أما الديداكتيك فهي فرع من فروع علوم التربية تستهدف جوانب العملية التعليمية لتجديد التعليم والتعلُّم وتطويره، كما تهتمُّ بالتخطيط لأهداف التربية ومراقبتها وتعديلها مع مراعاتها الطرق والوسائل التي تسمح ببلوغ هذه الأهداف. (السبيعي، 2008).

1.3. البيداغوجيا

كلمة البيداغوجيا مصطلح يوناني مكون من شقين؛ الأول "بيدا" ويعني الطفل والثاني "غوجيا" ويعني القيادة والتوجيه، فكان البيداغوجي في تلك الحقبة هو الخادم الذي يرافق الطفل خلال ذهابه إلى المعلمين لتلقي العلم، ونظرًا لوظيفته تلك اعتبر البيداغوجي مربيًا وليس معلمًا، وفي هذا الصدد كتب فارون أنه: "إذا كان المعلم يعلّم فإن البيداغوجي يربي، لأن هذا الأخير هو من يسهر على رعاية الطفل والأخذ بيده، وهو من يختار له المعلم ونوع التعليم الذي يجده مناسبًا للطفل حسب رأيه". فالبيداغوجيا كانت عملية تربوية خارج الإطار المكاني والجغرافي للمدرسة، بينما العملية التعليمية كانت داخل المدرسة، وارتبطت البيداغوجيا بتهذيب الخُلق بالمعنى الشامل والأوسع، بينما التعليم ارتبط بمقدار التحصيل المعرفي بالمعنى الضيق.

بالمختصر البيداغوجي كان يُطلَق، في الغالب، على الشخص الذي يقود الطفل إلى المدرسة ويحمل لوازمه ويساعده في مذاكرة دروسه وكتابة واجباته المدرسية. ترجع البيداغوجيا إلى المتعلّم وقيادته وتعليمه ومرافقته في تعلّمه، فهي والحال كذلك من أقدم العلوم التربوية.

البيداغوجيا هي  علم التربية، سواء أكانت بدنية أم فكريّة أم أخلاقية قيمية. (Buisson, 1887).

2.3. علوم التربية

هو مصطلح استعمل حديثا للإشارة الى مجموعة من الأبحاث والدراسات المتنوعة الاختصاصات التي تناولت التربية من مختلف الزوايا. ورغم حداثة هذه العلوم فإنها استطاعت أن تراكم عددا هائلا من النظريات والنماذج التفسيرية ،كما أنها تمكنت من تطوير اساليب ومناهج في البحث، جعلتها ترقى الى وضع العلوم "المعترف بها "من طرف المجتمع العلمي الدولي، حتى وان كانت تتداخل مع اختصاصات اخرى لا تهتم مباشرة بالتربية. غير ان ما يضمن وحدتها هو موضوعها المشترك، أي التربية، وهو نفس الموضوع الذي يبرر تنوعها وتعددها، نظرا لأبعادها المتشعبة. رغم هذا التعدد، فان بعض التصنيفات استطاعت أن تستجلي هذه العلوم التربوية.(الدايم، 1967).

هي وسيلةٌ أساسيّةٌ من وسائل البقاء والاستمرار، كما أنها ضرورةٌ اجتماعيّةٌ تهدف لتلبية احتياجات المجتمع والاهتمام بها، كما أنها أيضاً ضرورةٌ فرديّةٌ من ضرورات الإنسان، فهي تكوّن شخصيّته وتصقل قدراته وثقافته ليكون على تفاعل وتناسق مع المجتمع المحيط به ليسهم فيه بفعاليّة، ومن هنا شغلت التّربية الكثير من الباحثين والدّارسين على مر العصور، وكان لها قدرٌ لا يُستهان به من الدراسة والتحليل.

يرتبط علم التعليم ارتباطًا وثيقًا بالتربية وهي عملية التدريس بشكل أكثر تحديداً ، ومع ذلك تعتبر علوم التعليم هي دراسة تحسين العملية التعليمية ، ويمكن أن يشمل مجال العلوم التربوية فحص وبحث أساليب التدريس المختلفة وكيفية تلقي مجموعات من الطلاب لهذه الأساليب وكذلك عملية تحسين منهجيات التدريس. (G.Mialaret, 1984).

تهتم الديداكتيك  بمضامين التعلم وبالتفاعلات التي تربط بين كل من المتعلم والمعرفة قصد تسهيل عملية اكتساب المعرفة من قبل المتعلمين، وتركز على المفاهيم الأساسية التي تؤثر في المادة الدراسية، وتحلل العلاقات بينها، كما تسلط الضوء على الجانب الاجتماعي من عملية التدريس، وذلك عن طريق تدبير كيفية عمل المفاهيم في المجتمع، والممارسات الاجتماعية التي تحيل عليها. كما ينصب اهتمام الديداكتيك على تشخيص وتحليل وضعيات القسم، من أجل استنتاج الطريقة الملائمة لاشتغال هذه الوضعيات، بالإضافة إلى دراسة تمثلات التلاميذ وصيغ تفكيرهم، وتحليل طرائق تدخل المدرس، حتى تتضح الإمكانيات التي ينبغي اقتراحها من أجل تجويد عملية التدريس. وفي نفس السياق يعتبر محمد الدريج بأن الديداكتيك هي الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته ولأشكال تنظيم مواقف التعليم التي يخضع لها المتعلم، قصد بلوغ الأهداف المنشودة، سواء على المستوى العقلي المعرفي أو الوجداني أو الحسي الحركي أو المهاري. كما تتضمن البحث في المسائل التي يطرحها تعليم مختلف المواد، ومن هنا تأتي تسمية "تربية خاصة" أي خاصة بتعليم المواد الدراسية (الديداكتيك الخاص أو ديداكتيك المواد) أو منهجية التدريس، في مقابل التربية العامة (الديداكتيك العام) التي تهتم بمختلف القضايا التربوية.

هكذا نستنتج بأن الديداكتيك يحتل مكانة مهمة في العملية التعليمية التعلمية، نظرا لما ينطوي عليه من طرائق وتقنيات وأساليب تهدف بالأساس إلى تجويد عملية التدريس، وهي العملية التي تركز على المتعلم بالدرجة الأولى، وتجعله مشاركا في بناء التعلمات، بتوجيه من المدرس، وبالاعتماد على مجموعة من المعارف المخصصة لهذا الغرض، وهنا تتجلى أهمية الديداكتيك، هذا الأخير لا يسير بمعزل عن علوم التربية والبيداغوجيا، باعتبارهما يمهدان ويسهلان الطريق أمام ما تستدعيه العملية التربوية بشكل عام. من خلال ذلك، حاولت في هذا المقال تسليط الضوء على مفهوم الديداكتيك، وما يتضمنه من تفاصيل تهم بالأساس عملية التعليم والتعلم. وللإشارة فقد تم إنجاز هذا المقال بالاعتماد على مجموعة من المصادر والمراجع التي تتحدث حول الديداكتيك، كل ذلك من أجل توضيح الغموض الذي يحيط بهذا المفهوم.

وعليه يمكن القول إن العلاقة بين البيداغوجيا والديداكتيك وعلوم التربية هي علاقة تكاملية، يتم فيها استثمار مجموعة من المعطيات التي تروم خدمة العملية التعليمية التعلُّمية.

من خلال كل ما سبق إذن يظهر أن الديداكتيك ليس فن التدريس فحسب؛ بل هو نظرية موضوعها التدريس، وهي علم متشعب بتشعب عملية التدريس؛ لأن هذه العملية هي أخطر الممارسات الإنسانية؛ لأنها موجهة إلى عقول الناشئة من جهة، ومن جهة أخرى لأنها تتعامل مع أقطاب متعددة، مثل: المدرس، والتلاميذ، والمعارف، والمناخ الحضاري، والسياسة التربوية، والقيم المؤسسية. (شبشوب، 1997). 

4. الديداكتيك في الفلسفة

يطرح تدريس الفلسفة أسئلة يشارك فيها الباحث والديداكتيكي، وعالم التربية والبيداغوجي، خاصة وأن الحديث عن الفلسفة بوصفها مادة دراسية، يعني بلوغ هدف تعليم التفلسف والدفع بالمتعلم إلى اكتشاف آليات ذهنية واكتسابها (التحليل، التركيب…)، باعتبارها آليات اشتغال الخطاب الفلسفي وفي نفس الوقت الحصول على معارف تساعده على فهم المسار الذي نهجه كل فيلسوف.

ثم إن الهدف من تأسيس ديداكتيك خاص بمادة الفلسفة، يعني استحضار الأسس العملية التي تجعل المتعلم ينفتح على التفكير الذاتي. ويتجاوز بعض الآراء والأفكار المتداولة، لدى عامة الناس، أي إخراج المتعلم من دائرة الحس المشترك إلى التفكير الذاتي (castillo, 1992) الحر الهادف، ولعل ميزة الديداكتيك هي الانفتاح على الآفاق المنهجية وتجاوز الدرس الإلقائي الذي كان سائدا منذ بداية تدريس الفلسفة. الشيء الذي جعل مدرس الفلسفة مطالبا بالاهتمام بالفلسفة كمادة مدرّسة، وليس فقط علما قائما بذاته، ومتعاليا عن باقي المواد الأخرى، إضافة إلى ذلك لا يمكن للفلسفة أن تبقى بعيدة عن كل التطورات التي عرفتها المواد الأخرى على المستوى الديداكتيكي، بحيث أضحت مطالبة ببناء طريقة تعليمية جديدة يتم فيها التركيز على المتعلم (التعلم) أكثر من التركيز على خطاب المدرس (التعليم)، خاصة تنمية مهارات لدى المتعلم (الأشكلة، المفهمة، الحجاج).

1.4. مقاربة لديداكتيك الفلسفة:

 تطرح علاقة الفلسفة بالديداكتيك جملة من الأسئلة المتعلقة بمدى إمكانية وضع الفلسفة في السياق الديداكتيكي الذي خضعت له مختلف المواد التعليمية، خاصة أن تدريس الفلسفة يواجه صعوبة كونها مادة تتجه إلى ترسيخ أعلى القيم وأكثرها تجريدا وأرقى المهارات وأكثرها عمقا، ولكونها مادة تسعى إلى تربية الاختلاف والحرية. (الخطابي، 2002).

 السؤال المطروح، إذن هو: ما الذي يمكن أن يقدمه الديداكتيك للفلسفة؟.

إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي استحضار اتجاهين مختلفين: الأول يعتبر الفلسفة تمتلك بيداغوجيتها الخاصة، فهي ليست بحاجة إلى ديداكتيك، وليس من الضروري أن يخضع تدريسها للديداكتيك، بل يجب أن تحافظ على مسافة نقدية تجاهها (المنوزي، 2001). واتجاه ثان يرى أن التدخل البيداغوجي والديداكتيكي ضروري من أجل تنظيم نقل المعارف، وتوجيه تفكير المتعلم نحو أهداف محددة مثلها مثل باقي المواد عليها أن تخضع للتطورات التي عرفتها نظريات التربية والتعليم، وهنا نستحضر ميشيل طوزي الذي يرى أن ضرورة قيام ديداكتيك الفلسفة، تنبع من مطلب حقوقي ومن ضرورة واقعية أو حق سياسي، وآخر أخلاقي. الحق في الفلسفة للجميع، بالإضافة إلى الطرح الكانطي القائل بوجوب شعبية الفيلسوف وضرورة عرض نتائجه، التي ينبغي أن تكون في متناول الشعب، وهذا شرط يجعل من الفلسفة تواصلية، والأمر هنا يتعلق بمسألة الحق في الانتماء إلى الفلسفة وشعبويتها بدل نخبويتها. وهي إمكانية تعلم الفلسفة أو بصيغة أخرى تعلم التفلسف عن طريق نقد الأحكام السابقة والجاهزة وممارسة التأمل الحر. (الخطابي، 2002).

2.4. نحو ديداكتيك خاص بمادة الفلسفة

يعني ديداكتيك الفلسفة دراسة وضعيات وسيرورات تعليم وتعلم الفلسفة قصد تطويرها وتحسينها، والتفكير في المشكلات الديداكتيكية التي يثيرها تعليم هذه المادة وتعلمها بداية، فالفلسفة كحقل منطلقها كمادة دراسية تاريخها، مناهجها أهدافها وطبيعة فعل التفلسف وآلياته، وإستراتيجيته وطبيعة المفاهيم الفلسفية، مقارنة مع باقي المفاهيم الأخرى (وآخرون، 1998)، لأن الفلسفة كباقي المواد المدرسية وجدت هي الأخرى مشاكل في تدريسها الشيء الذي تمت معالجته في : L’enseignement » philosophique، cahiers philosophique وكذا تأسيس مجموعة البحث في الفلسفة GREPH بالإضافة إلى مجموعة من الندوات، ندوة سيفر 1981 Sevres وندوة المدرسة والفلسفة 1984 التي اشتغلت على محاولات في المجال البيداغوجي، في GFEN وفي إطار الجامعات الصيفية ومؤسسات البحث البيداغوجي INRP (فرنيو، 2003) بطرح إشكال الديداكتيكي في الحقل الفلسفي واعتبار الديداكتيك مدخلا أساسيا في درس الفلسفة خاصة مع الاشتغال على النصوص كدعامة أساسية بالإضافة إلى الإنشاء الفلسفي الذي يستوجب منهجية مضبوطة (توزي م. , 1989) دون إغفال حقيقة مفادها أن ممارسة التفلسف تعني إقامة علاقة مع النصوص ومحاولة فهمها وإدماجها في التفكير الخاص ومواجهتها مع نصوص أخرى، لأن المتعلمين يجدون صعوبة في قراءة أعمال الفلاسفة، وهذا ما عبرت عنه مختلف الأبحاث التي شخّصت صعوبات القراءة عند المتعلمين (موحى، 1992) والرغبة الأكاديمية في تجاوز الدرس الفلسفي الإلقائي إلى مستوى التعلم الذاتي المبني على الوضعيات الديداكتيكية، فالمدرس يستخدم النصوص لإخراج الفكر المتأمل من صرحه العاجي إلى مستوى بناء المشكلة المعالجة، وإدخال المتعلم في علاقة اتصال مع أفكار الفلاسفة، مع تقديم منهجية الاشتغال على أي مفهوم أو إشكال معين، ومن وجهة نظر ديداكتيكية، تحديد سيرورة المفهمة وأشكال عرض الفكر (الحجاج، الاستدلال)، وكذا “الوعي بالتمثلات المرتبطة بمفهوم ما تساعد على وضع المتعلم أمام صراع سوسيو-معرفي يتم فيه توظيف الحجاج للدفاع على الطرح الذي تبناه. (توزي، 1989).

يرى طوزي أن إخضاع الدرس الفلسفي للديداكتيك، هو توسّط لبلوغ التفلسف، وهنا وضع طوزي فرضية ديداكتيك للتفلسف قائمة على التمييز بين التفلسف أمام المتعلم، وتعليمه التفلسف. والهدف هو الوصول إلى التفلسف الذاتي (الخطابي، 2002) لأن الفلسفة مادة مدرسة كباقي المواد وبالتالي فالممارسة الديداكتيكية تفرض ذاتها، بالتركيز على تعلم مهارات أساسية تتلخص في الأشكلة، والمفهمة والحجاج، ليبقى خطاب المدرس شكلا من أشكال التوسّطات الممكنة وسيط ديداكتيكي.

 

إن الانفتاح على تأسيس ديداكتيك خاص بمادة الفلسفة يعني إمكانية للحوار بين الفلسفة والحقول الأخرى، (علوم التربية…)، لتصبح مجالا لتبادل الأفكار بين علوم مختلفة، وصولا إلى التداخل والتكامل بين المواد الدراسية، وخاصة الاستفـــــــــــادة مـــــــــــن ديداكتيك الفرنسية (توزي م.، 1989). وفي هذه الحالة يستعمل مدرس الفلسفة النصوص ويقوم بالتعليق عليها وتأويلها، أما المتعلمون فهم مدعوون لقراءة النصوص، وفهم الطريقة التي يكتب بها الفيلسوف، مع استحضار الخصوصية الديداكتيكية للنص الفلسفي.

ارتباطا بما سبق وجدت الفلسفة نفسها أمام المطلب الحقوقي: الحق في الفلسفة والضرورة الواقعية والمؤسساتية التي جعلتها تنخرط في بناء ديداكتيكي خاص، وهنا نتساءل: هل هدفنا تعليم المتعلم التفلسف من خلال امتلاك قدرات وكفايات محددة (الفهم، التحليل، التركيب)، أم أن الهدف هو الحصول على معارف فلسفية خاصة بتاريخ الفلسفة وبالنظريات الكبرى في تاريخ الفلاسفة، وهل الهدف من الدرس الفلسفي قيمي وجداني أم هو معرفي حس حركي؟.

3.4.التحويل الديداكتيكي في مادة الفلسفة

مع غياب نماذج سابقة تخصّ التحويل الديداكتيكي في مادة الفلسفة، سنحاول الانفتاح على نماذج في بعض المواد مع مراعاة خصوصية المادة، بإتباع الخطوات التالية:

التحويل الديداكتيكي من المعرفة العلمية إلى المعرفة المدرسية (من كتابات الفلاسفة إلى نصوص مدرسة).

مجال التحويل الديداكتيكي (المفهوم الفلسفي).

وظيفة المدرس في التحويل الديداكتيكي (تحويل المتن الفلسفي إلى معرفة فلسفية قابلة للتدريس).

إنه تحويل يتجاوز التأويل إلى مستوى الحفاظ على المتن الخاص بالفيلسوف، بحيث يكون مدرس الفلسفة في هذه المرحلة ناقلا ديداكتيكيا للمعرفة العالمة إلى معرفة مدرسة (فلسفة قابلة للتعلم)، وسيطا ديداكتيكيا بين الفيلسوف والمتعلم.

إذا كان ديداكتيك الفلسفة لم يصل بعد إلى المستوى الذي حققته بعض المواد في تطبيق الديداكتيك (الفرنسية، الرياضيات)، فإن مختلف الباحثين والمختصين في مجال ديداكتيك الفلسفة قد انفتحوا على ديداكتيك باقي المواد (مثلا ميشيل طوزي: الانفتاح على ديداكتيك الفرنسية)، من أجل بناء درس بشروطه المعرفية والديداكتيكية كما تمّ تصورها (مثلا التقويم،…..)، ولعل انفتاح الدرس الفلسفي على الديداكتيك العامة وديداكتيك باقي المواد هو إضافة نوعية إلى أداء الممارسين في المجال، هذا ما دفعنا للاشتغال على التحويل الديداكتيكي في الدرس الفلسفي من المتن إلى الدرس، لأن الفلسفة كمادة مدرسية تخفي أزمة التحويل الديداكتيكي كما تم التنظير له، بحيث يقتصر على نزع النصوص من سياق معين وإرفاقها بأسئلة تفتقر في بعض الأحيان إلى الترتيب المنهجي ولحضور الأفعال السلوكية المعبرة عن المرحلة المدرسية.

وبهذا سيكون موضوع هذه المقاربة هو الانفتاح على تحويل ديداكتيكي مبنيّ على شروط عملية ووفق مرجعية معرفية، ومنهجية، بالخضوع لسيرورة “التحويل الديداكتيكي، الشيء الذي سيفتح الآفاق أمام رصد علاقة كل فاعل مع المعرفة ” وإبراز حدود العلاقة مع المعرفة ودور كل واحد في مسار التحويل.

إنّ ديداكتيك  الفلسفة، يطمح إلى تحويل بعض النتاج الفلسفيّ  إلى مادّة تعليميّة متحدّدة معرفيًّا ومهاريًّا، يشكّل في الواقع العين الفاحصة التي تنظر في آنٍ معًا في مضامين وأهداف المنهاج من جهة أولى، وفي الممارسات والاستراتيجيات  الملائمة لتحويل ما يُسطّره المنهاج إلى أهداف تعلّميّة وإلى لحظات أو إجراءات صفّيّة مناسبة من جهة ثانية. ففي ديداكتيك  الفلسفة تشابك بين طرفَين: المنهاج الرسميّ بما يمثّله من سلطة مؤسّسيّة، والتخطيطات والممارسات الصفّيّة؛ أي وضعيّات التنفيذ التي يقوم بها الجسم التعليميّ.

والمعلوم أنّ الديداكتيك، الذي يسعى إلى تحليل المعارف المسطّرة في المناهج وتحويلها إلى تعلّمات، لا يحظى بسمعة طيّبة لدى الفلاسفة نظرًا لما يشكّله من خطورة على الطبيعة النقديّة للتفلسف. مع ذلك، فإنّ تعليم الفلسفة قد استطاع أن ينتج ديداكتيكه الخاصّ.

وذلك بتنوير أساتذة المادّة إلى كيفيّة إدماج العلوم التربويّة والشروط الديداكتيكيّة مع مقتضيات التفلسف بالشكل الذي يساعدهم في عمليّة انتقاء الأدوات والتقنيّات التعلّميّة وفي عمليّة تحديد الأهداف الإجرائيّة والتعلّمات المطلوبة في الدرس الفلسفيّ. إنّه إذًا تنوير يجعل أستاذ المادّة في وضعيّة المتفحّص للآمال والمخاوف الناتجة عن تطبيقات الديداكتيك في الدرس الفلسفيّ، بحيث لا يكون متطرّفًا للجانب الديداكتيكيّ البحت، بل يحاول باستمرار أن يحيله إلى ما يناسب أصول التفلسف وخصوصيّته.

وبالتالي، فإنّ المنطلق الحقيقيّ لكلّ مداخلة ديداكيتكيّة ناجعة يفترض به الانطلاق من الواقع التعليميّ ومشكلاته، أي من دراسة حاجات تتركّز على ما يواجه تعليم المادّة من معوّقات مختلفة.

 هذه الدراسة التي تقدّم تنظيرًا لديداكتيك  الفلسفة مع تطبيقات ديداكتيكيّة  جديرة بأن تُقرَأ قراءةً منهجيّةً وتربويّةً لما لها من آثار مثمرة على صعيد الدرس الفلسفيّ تعلّمًا وتعليمًا، علّها تكون مدماكًا في بناء الإنسان من خلال بناء مفاهيمه وفلسفته بنحو استقلاليّ، مرتكز على المباني العلميّة الدقيقة لتكون النتائج كما المقدّمات دقيقةً.

وهذا يجعلنا نتنبّه من كثير من الأفكار، فالفلسفة ليست كلّ تفكير وكيفما كان، ولا أيّ نتيجة يمكن وصفها بالفلسفيّة. وهنا تكمن مسؤوليّة المعلّمين في توجيه المتعلّمين والأخذ بأيديهم حذرًا من الانحراف العقائديّ والدينيّ السلوكيّ وهذه مسألة بالغة الخطورة؛ لأنّنا لا نريد بناء أيّ فلسفة، بل بناء فلسفة حقّة تهدف للوصول إلى الحقيقة الصافية، وتحفظ إيمان المؤمن وعقائده وأخلاقه.

ديداكتيك الفلسفة هو دراسة وضعيات وسيرورات تعليم وتعلم الفلسفة قصد تطويرها وتحسينها، والتفكير في المشكلات الديداكتيكية التي يثيرها تعليم هذه المادة وتعلمها. وتشتغل ديداكتيك الفلسفة انطلاقا من حقول معرفية عديدة ومتنوعة من أهمها:

1.       حقل المادة الدراسية ذاتها: ذلك أن التفكير الديداكتيكي في الفلسفة لا بد وأن يتخذ منطلقا له الفلسفة ذاتها من حيث هي مادة دراسية: تاريخها، مناهجها، أهدافها، طرائق إنتاج الفلسفة (التفلسف)، وطبيعة فعل التفلسف وآلياته واستراتيجياته، طبيعة المفاهيم الفلسفية مقارنة مع مفاهيم العلوم الطبيعية مثلا، نوعية المعارف التي ينبغي تدريسها وكيفية انتقائها ومعايير هذا الانتقاء، طبيعة الفلسفة ذاتها هل هي معرفة أم مجرد موقف من المعرفة.

2.       حقل البيداغوجيا: ويتعلق الأمر بالتفكير في نوعية طرائق التدريس الأكثر ملاءمة لطبيعة الفلسفة والأهداف من تعليمها وتعلمها: هل ينبغي أن تستمد هذه الطرائق من داخل الفلسفة ذاتها أم يتوجب الاستفادة من طرائق عامة. ويندرج في إطار حقل البيداغوجيا التساؤل حول أهداف درس الفلسفة وأغراضه وعلاقتها بطرائق التدريس من جهة وبخصوصيات دراسة الفلسفة من جهة ثانية.

3.       حقل السيكولوجيا: تثار في إطار هذا الحقل العديد من الأسئلة ذات البعد الديداكتيكي الواضح يتعلق أغلبها بالمتعلم وخصوصياته، العوائق السوسيووجدانية والابستمولوجية التي تحول دون تفوقه في تعلم الفلسفة، كيفية اكساب المتعلم المفاهيم الفلسفية.

توجد نقطة الانطلاق النظرية للقضايا المطروحة من قبل المتخصصين في ديدكتيك  الفلسفة في مفهوم  الهدف النواة  المقتبس من ديداكتيك العلوم التجريبية. ويعرفه م. توزي بوصفه:" التوافق  الديدكتيكي بين ما ينبغي تدريسه باعتباره ما هو أساسي في الفلسفة (منطق محتوى المواد الدراسية)، وما يمكن للمتعلمين استيعابه (منطق استيعاب المتعلمين) ". (TOZZI, 1989-1990). لذلك ينبغي تحديد ما هو أساسي في الفلسفة، وهنا تكمن الصعوبة، لأن  التوافق الفلسفي بين الفلاسفة حول ما هي الفلسفة متعذر، إذا أخذنا بعين الاعتبار التعدد التاريخي للمذاهب التي تدعي كل واحدة منها المشروعية.  ومن حسن الحظ أن  توافقا ديدكتيكيا (TOZZI, 1992)  سوف يحل محل التوافق الفلسفي المفتقد: إذا كان بالفعل  التوافق صعبا حين يتعلق الأمر بالفلسفة باعتبارها نتاجا للفكر، فإن هذا التوافق ممكن حين يتعلق  الأمر بالفلسفة كسيرورات في التفكير.  وهكذا يمكن استخراج ثلاثة أهداف تشكل المثلث الديدكتيكي للتفلسف:

        القدرة على المفهمة الفلسفية لمفهوم أولي.

        القدرة على الأشكلة الفلسفية لسؤال أو مفهوم أولي.

        القدرة على المحاجة الفلسفية لأطروحة. (TOZZI, 1992).

إذا كان يتعين على ديدكتيك  الفلسفة أن يحدد لنفسه أهدافا فلسفية حقيقية، وإذا لم يكن بإمكانه أن يحققها إلا من خلال تدريب التلميذ على التفلسف من خلال خصوصية هذه النصوص التي يتحقق بداخلها ما هو كوني في الفلسفة، وإذا كان هذا التدريب يفترض هو بدوره خصوصية وساطة العرض الإلقائي، فينبغي بالأولى التفكير فيه كفن لا كمنهج. فهذا الأخير يتميز عن الأول بالقابلية لتصور نظام للوسائل استنادا إلى مبادئ وعرضه بكيفية سابقة على التنفيذ بحيث تكون سلسلة الإجراءات التي ينبغي القيام بها لبلوغ الهدف محددة مسبقا.

والحال، وكما يرى مؤلفو تعلم التفلسف، عن حق  أن تعليم الفلسفة، على عكس المواد الأخرى، لا يفرض بتاتا مسارا متدرجا خطيا ملازما له، فالنظام الوحيد الملازم له يترتب احتمالا عن الفلسفة الشخصية للمدرس. (TOZZI, 1992). ونستخلص من هذا، أن ديدكتيكا  الفلسفة لا يكون ممكنا إلا إذا أخذ بعين اعتباره الدور الحاسم لوساطة العرض الإلقائي وعدم قابلية تدريس الفلسفة لأن يختزل إلى اكتساب آليات. يتحدد ديدكتيك الفلسفة كفن ويتحدد المدرس كحرفي لا كتقني.

لكن تبقى الفلسفة محافظة على كيانها وطبيعتها وخصوصيتها، مما يجعل تدريسها يتطلب أسلوبا حواريا ومنهجا سقراطيا، يقول جيل دولوز: "إن الفلسفة هي فن تشكيل المفاهيم واختراعها، أو صنعها، وأن الفيلسوف صديق للمفهوم، بل إن الفلسفة ليست مجرد فن لتشكيل وصناعة المفاهيم، لأن المفاهيم ليست بالضرورة أشكالا أو ما نعثر عليه، أو ننتجه، أن الفلسفة بصفة واضحة ومضبوطة، هي مادة معرفية تلح على إبداع المفاهيم" فهي إذن إنتاج مفاهيمي جديدة بشكل مستمر ودائم. وأن موضوعها هو الآخر لا يخرج عن دائرة إبداع المفاهيم. ونفس الشيء ذهب إليه نيتش عندما قال: "يتوجب على الفلاسفة أن لا يعولوا على تقبل المفاهيم التي تعطى لهم لغسلها، وتنقيتها، وإعادة استعمالها، ولكن يجب أن يشرعوا في صناعتها وإبداعها، ووصفها وإقناع الناس باللجوء إليها، ويجب على الفيلسوف أن يحدر من المفاهيم حدرا كبيرا، خصوصا إذا كان غير صانع لها بنفسه. (Guattari, 1991).

5. خاتمة

إن تدريس الفلسفة يتمّ وفق البراد يغم الاتكالي المتمثل في المقاربات الديداكتيكية: مقاربة النظرية التربوية والمقاربة الحوارية/التداولية والمقاربة الجدلية ومقاربة بواسطة الكفايات. تقوم مقاربة النظرية التربوية في تدريس الفلسفة لدفع المتعلمين  إلى فهم المشكلات الفلسفية والحلول المقترحة لها ضمن تاريخ الفلسفة؛ وذلك من خلال قراءة نصوص كبار الفلاسفة. فالفلسفة هي في المقام الأول تكوين للروح من خلال الاطلاع على النصوص الفلسفية. والمقاربة الحوارية/التداولية تقوم على أساس أن تدريس الفلسفة تدريساً حوارياً لضرورة مفهوميّة، وذلك من خلال فتح حوار حول النص، مع إثارة الأسئلة وإعادة صياغة الأطروحات الرئيسية واستشكالها. أمّا المقاربة الجدلية فهي تجمع بين المقاربة التربوية والحوارية/التداولية، إذ تتمثل فكرتها الأساسية في تعليم التفلسف من خلال تعليم المتعلم كيفية نقد المواقف والحجج الفلسفية. ثم مقاربة بواسطة الكفايات التي تدفع المتعلم إلى حلّ المشكلات الفلسفية، ومعالجة المفاهيم، عبر الأسئلة التالية: ما الهدف من التعلم والتعليم؟ وكيف نُمكّن المتعلم من مهارات ومعارف استراتيجية كبرى؟.

- المصادر والمراجع:

1-  محمد الدريج؛ عودة إلى تعريف الديداكتيك: دراسة جديدة، الموقع الإلكتروني: صحيفة الأستاذ، 13 أكتوبر 2012. https://www.profvb.com/vb/t99561.html.

2-   بعيسى أحسنات، حول مقاربة المنهاج الدراسي في مجال التربية والتعليم، (من البيداغوجيا والديداكتيك  إلى المنهاج الدراسي)، جريدة الحوار المتمدن، العدد 2342) ،14/07/2008.

3-    أحمد أوزي، المعجم الموسوعي لعلوم التربية، الرباط. مجلة علوم التربية. 2006.

4- عبد اللطيف الفارابي وآخرون، معجم علوم التربية ـ مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، سلسلة علوم التربية، عدد 9 و10. مطبعة النجاح الجديدة. طبعة 1994.

5-    محمد الدريج، العودة إلى تعريف الديداكتيك أو علم التدريس كعلم مستقل، مجلة علوم التربية، العدد 47، مارس 2011.

6-   الحسن اللحية؛ دليل المدرس التكويني المهني، دار الحرف للنشر والتوزيع، ط 1، 2008م، ص249.

7- محمد الصدوقي، المفيد في التربية؛  د ط،  دت.

 8-  عبد العليم إبراهيم، الموجه الفني لمدرسي اللّغة العربية، ط14 ، القاهرة، دار المعارف.

9-   ليلى بن ميسية، تعليمية اللغة العربية من خلال النشاط المدرسي غير الصفي، رسالة ماجستير، جامعة فرحات عباس، سطيف، الجزائر، 2010 .

   10- كوثر حسين كوجة، تنويع التّدريس في الفصل ــ دليل المعلم لتحسين طرق التعليم والتعلم في مدارس الوطن العربي، مكتبة اليونسكو الإقليمي، بيروت، لبنان، 2008.

   11- لخضر لكحل وكمال فرحاوي، أساسيات التّخطيط التّربوي، النّظرية والتّطبيقية، وزارة التربية الوطنية، الحراش،  الجزائر، 2009.

   12- عبد الوهاب صديقي،  النّحو الوظيفي وديداكتيك  اللّغة العربية نحو منهجية تدريس وظيفي، دار أمجد للنّشر والتّوزيع، الأردن، ط 1، 2017.

   13- عبدالعزيز الأمراني؛ مدونة علوم التربية، عرض حول موضوع مدخل عام إلى الديداكتيك، 2013-2014.

   14- روني أوبير ترجمة عبد الله عبد الدايم. التربية العامة، دار العلم للملايين، بيروت، ط.1، 1967.

   15- أحمد شبشوب، مدخل الى الديداكتيك الديداكتيك العامة،  دفاتر التربية،  عدد 4 ، رمسيس الرباط،  يونيو 1997.

16- G.Mialaret,  Les sciences de l’éducation, Q.S.J,  1984.

17-Renald Legendre. Larousse, Zita De Koninck, Numéro 73, Paris, mars 1989.

18-Michel TOZZI, Petit glossaire in, Enseigner la philosophie aujourd’hui, CRAP –Cahiers pédagogiques Séminaire 1989-1990, Université de Montpellier III.

19-Michel TOZZI, Introduction à la problématique d’une didactique de l’apprentissage du philosopher in Didactique de l’apprentissage du philosopher, Université de Montpellier III, Décembre 1992.

20-Deleuze Felix. Guattari : qu’est ce que la philosophie ? Collection les éditions de minuit, 1991.

محمد جعرير، (السنة 2021)، عنوان المقال، الديداكتيك والفلسفة، مجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية، المجلد ...، العدد ....، جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف، الجزائر، 10.