إن دخول الاستعمار الفرنسي إلى الجزائر عام 1830، وادعائه أن عملية الاحتلال تلك لا تدوم إلى بضعة أشهر فقط، كان مجرد تضليل ليس إلا. غايته تبرير عملية الاحتلال تلك ، بدليل انه وبمجرد سيطرته على العاصمة، اتضحت غايته الأساسية المتمثلة في البقاء في الجزائر وللأبد ولتجسيد ذلك قام المستعمر باستهداف الهوية الوطنية للجزائريين، والمساس بشخصيتهم وعقيدتهم من اجل قتل الروح الوطنية فيهم، فيفقدون بذلك سبل الدفاع عن وطنهم.

حيث قامت الإدارة الاستعمارية منذ البدايات الأولي بالعمل على القضاء اللغة العربية، من خلال الإستراتيجية التي رسمتها على الصعيدين النظري بإصدار القوانين والمراسيم التي تفرض اللغة الفرنسية، وعلى الصعيد التطبيقي بضرب مختلف منابع ومصادر تعليم اللغة العربية ، نذكر في هذا المقام مصادرة أملاك الأوقاف- للإشارة الأوقاف كانت الممول الوحيد للتعليم العربي الإسلامي في الجزائر آنذاك- وجعلا تابعة للخزينة الفرنسية، كما قامت بتشجيع التنصير ونشر المسيحية وعملت في ذات الوقت على محاربة كل ما تعلق بتعليم وممارسة شعائر الدين الإسلامي، فقضت على المساجد وحولت بعضها إلى كنائس .

أمام سياسة المستعمر تلك كان لابد من ردود فعل من قبل الجزائريين لاسترجاع هويتهم وشخصيتهم، خاصة مع مطلع القرن العشرين وبداية انتشار القومية العربية وظهور ما يسمي بالصحوة الإسلامية، حيث تزامن ذلك مع هجرة علماء جزائريين إلى المهجر وعودتهم محملين بأفكار تحررية، فعملوا على إعادة بعث الهوية الجزائرية والتخلص من كل ما هو دخيل مع المحتل فأسسوا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عام 1931 م، التي عملت منذ تأسيسها على مقاومة المستعمر ثقافيا ودينيا بإعادة الاعتبار للغة العربية والدين الإسلامي، كما حرصت على تعليم النشأ تعاليم الدين الصحيح وقيمة الوطن ، ورغم عراقيل الإدارة الاستعمارية إلا أن الجمعية نجحت في إعداد جيل استطاع أن يفجر ثورة ساهمت في طرد فرنسا واسترجاع السيادة الوطنية.