إنّ من أهمّ خصائص القانون الاجتماعي أنّه قانون حمائي، يكفل الحماية بالخصوص للعامل باعتباره الطرف الضعيف إزاء صاحب العمل، ولعلّ أهمّ مظاهر الحماية التي يحظى بها هو الضمان الاجتماعي، الذي يعدّ حقا من الحقوق الأساسية للعامل المترتب عن عقد العمل، وبالمقابل التزاما من التزامات ربّ العمل، وهذه الحماية كفلها المشرّع الجزائري على غرار باقي المشرعين من خلال قانون الضمان الاجتماعي أو التّأمينات الاجتماعية، الذي أصبح مكمّلا لقانون العمل ويطلق عليهما معا القانون الاجتماعي، أو قانون الحماية المدعمة.

وإنّ الضمان الاجتماعي كفكرة يعتبر قديما جدا، فالحاجة إلى الأمن ومواجهة الأخطار الاجتماعية دعت إليها تيارات فكرية، وأيضاً الرسالات السماوية، ففي الشريعة الإسلامية حثت عليها العديد من الآيات والأحاديث؛ كقوله تعالى: " وتعاونوا على البرّ والتقوى" وقوله أيضاً: "وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم".

ولكنّها كنظام قانوني يتميّز بكونه حديث النّشأة ارتبط بحركة التصنيع في أوروبا التي ظهرت في ظلّ سيادة المبادئ الليبرالية، والتي كان ضحيتها العمّال، ممّا جعلهم يتجمّعون مطالبين بتدخل الدولة لتنظيم علاقة العمل حماية لهم، ونتيجة الضغط من قبلهم، حدث ذلك ووضعت الدولة قواعد سميّت بقانون العمل تضمّنت تنظيم المدة القانونية للعمل، الأجر...

ثمّ امتدت لحماية العامل من المخاطر الاجتماعية عن طريق الضمان الاجتماعي وأصبح يطلق على هذه القواعد التي تنظم العلاقة بين العمّال وأرباب العمل: " القانون الاجتماعي".

 ولم يظهر قانون الضمان الاجتماعي دفعة واحدة بل مرّ على مراحل، إذ سبقته العديد من الوسائل القانونية التي حاولت حماية العامل ضد مخاطر العمل، ولكنّها بقيّت محدودة وقاصرة. ولهذا حاولت بعض الدول وضع نظام قانوني متكامل بهذا الخصوص، منها النظام الألماني، الفرنسي، الأمريكي، والبريطاني، والتي تشكلّ الأنظمة الكبرى باعتبارها تضمّنت مبادئ عامّة استفدت منها الكثير من الدول لوضع أنظمتها في هذا المجال.

         وقد عرف نظام الضمان الاجتماعي الجزائري هو الآخر تطوّرا ملحوظا استفادة من باقي الأنظمة، والنظام الفرنسي خاصة، كما أنّ نظام الضمان الاجتماعي له عدّة جوانب تقنيّة، ويتّسم بشيء من التّعقيد لسعة واختلاف المجالات التي يشملها لكونها تتصّل بالحالة الاقتصاديّة والاجتماعيّة للدولة، كما أنّه يثير عدة منازعات، أصدر المشرع الجزائري لتنظيمها القانون رقم 08-08 المؤرخ  في 23 فيفري 2008، (الجريدة الرسمية، العدد11، الصادرة بتاريخ 02 مارس 2008)، والذي ألغى القانون رقم 83-15 المؤرخ في 02 جويلية  2008 المتعلّقين بالمنازعات في مجال الضمان الاجتماعي.

          ودراستنا لهذا القانون ستتم وفق المحاور التّالية:

المحور الأوّل: المنازعات العامّة في مجال الضمان الاجتماعي

المحور الثاني: المنازعات الطبيّة في مجال الضمان الاجتماعي.

المحور الثالث: المنازعات شبه طبيّة في مجال الضمان الاجتماعي.