مقدمة مقرر أحكام الميراث

لما كان حفظ المال من المقاصد الضرورية الخمس التي جاءت الشريعة لحمايتها وحفظها، تولّى الله تعالى قسمة المواريث بنفسه، ولم يترك ذلك لملك مقرّب، ولا لنبي مرسل، فبيّن أحكام الميراث أجلى بيان، وأعطى كل وارث حقه ونصيبه، حفظا للمودة وصلة الأرحام، ودرءا للخصومات التي قد تنشأ عن قسمة الميراث، كلّ ذلك بميزان عادل دقيق، يقوم على قواعد معلومة، مبناها درجة القرابة من الميت، وحاجة الوارث إلى المال.

وقد تولّى الفقهاء بيان أحكام الميراث، وشرح مسائله، وحلّ غوامضه، وألّفوا فيه المؤلفات الكثيرة، مطولة ومختصرة، قديما وحديثا. كما أفرد له المشرع الجزائري كتابا مستقلا في قانون الأسرة، وتولّى شراح القانون بيان هذه الأحكام.

ولما كانت أحكام الميراث مقياسا مقرّرا على طلبة الحقوق ماستر تخصص قانون الأسرة، ومن خلال تجربتي في تدريس هذه المادة، وقفت على الصعوبات التي يعانيها الطلبة في هذا المقياس، سيما صعوبة الاستفادة من المراجع العلمية ذات الصلة من جهة، والصعوبة النسبية الناشئة عن طبيعة الموضوع من جهة أخرى، لاحتوائه على المسائل الرياضية، سيما جمع الكسور، وطرحها، وقسمتها، عزمت على وضع مطبوعة علمية في أحكام الميراث، بأسلوب علمي بسيط، يجمع بين أصالة المادة العلمية من خلال مصادرها المعتمدة، وبين سهولة العبارة، وجزالة الأسلوب، مطبوعة تيسّر لهم فهم المقرّر من أقرب طريق، بعيدا عن التعقيد، والحشو، والإملال.

وهذه المطبوعة العلمية تغني الطلبة عن غيرها من مراجع الميراث، من المطولات، والمختصرات، وقد أرجعت المسائل الميراثية إلى أصولها الشرعية، مبينا آراء الفقهاء القدامى والمحدثين من مصادرها الأصلية. متّبعا ما نصّ عليه المشرع الجزائري في المسائل الخلافية، مبيّنا السند الشرعي والقانوني لكل مسألة.

وتيسيرا للموضوع أكثرت من الأمثلة والشواهد، وشرحت المسائل، وختمت كل موضوع بمجموعة من الأسئلة والتمارين، لتدريب الطلبة على حل مسائل الميراث.

كما أنني قمت بتصوير المسائل العلمية تصويرا علميا دقيقا، وذكرت المذاهب الفقهية في كل موضوع، مع عزو كل قول لقائله من مصادره المعتمدة، وتتبعت نصوص قانون الأسرة الجزائري ذات العلاقة، كما ذكرت الاجتهاد القضائي للمحكمة العليا الجزائرية في بعض المسائل.

كما عزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها في المصحف، وخرّجت جميع الأحاديث الموجودة في المطبوعة، وأوردت عددا كبيرا من الأمثلة والمسائل، مذيلة بشرح وافٍ.

وفي سبيل هذا البحث استخدمتُ المنهج الوصفي التحليلي في بسط المسائل وشرحها، والمنهج المقارن في عرض الآراء الفقهية والقانونية ومناقشتها.

وفي الأخير أذكر أعزائي الطلبة بأن الانتظام في الحضور، والتدرّب على حل المسائل والتمارين كفيل بتيسير هذا العلم وحل غوامضه.