إن التطور الكبير الذي وصلت إليه البشرية والذي مس جميع المجالات الحيوية في المجتمع لم يكن ليتحقق لولا البحوث والدراسات التي قام مختلف الباحثين والأخصائيين ، والذي كرسوا حياتهم و أبحاثهم لخدمة الجنس البشري أينما على وجه المعمورة ، وذلك من يقينهم التام على كون البحث العلمي هو عماد تطور البشرية والمحرك الأساسي لعجلة التنمية في المجتمعات بصفة عامة ، فأي مجتمع يريد تحقيق الرخاء الاقتصادي ومن ثم فرض نفسه كقوة يحسب لها ألف حساب ما عليه إلا التركيز على تطوير البحوث العلمية وتشجيعها لتقوم بتحقيق الوثبة المراد تحقيقها ، إذن فمكانة البحث العلمي في حياة الأمم والشعوب لا جدال فيها في ظل الحاجة الملحة له خاصة بعدما أصبحت قوة الدول تقاس بمدى التقدم والتطور الذي وصلت إليه هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن البحث العلمي يفترض وجود مجموعة من الإجراءات والقواعد التي يجب الاعتماد عليها ليحقق الغايات والأهداف المرسومة ، فالتقيد الصارم والدقيق بمنهجية محددة هي الكفيل الوحيد الذي يضمن لنا الوصول إلى نتائج دقيقة وذات فائدة تنعكس إيجابا على أفراد المجتمع .

      وعلى الرغم من الفائدة الكبيرة التي يكتسيها البحوث العلمية في حياة الأفراد والأمم فإنه لا يمكننا أن نتجاهل دور المنهجية في كونها أحد أهم الأدوات الفعالة في إنجاح البحوث العلمية ، لذا زاد الاهتمام بها كعلم وجب التمكن من أبجدياته ومواضيعه المختلفة للقائم بالبحث العلمي وفي مختلف العلوم مهما كون نوعها ، وذلك بغرض تزويد الباحثين بجملة من القواعد و الإجراءات التي تعد القاعدة الأولى التي تمكنهم من إنجاز أبحاث تتميز بالدقة والنزاهة والموضوعية .

     وتأتي أهمية تعلم المنهجية البحث في العلوم المختلفة بما فيها العلوم القانونية في تمكين الباحث القانوني من أهم الأطر الموضوعية والشكلية التي عليه الالتزام بها عند إقباله على القيام بالبحث بما يحفظ للإنتاج العلمي ـــ بحثا كان أم رسالة أم أطروحة ـــ الشكل المناسب والملائم الذي لا بد أن يظهر به في صيغته النهائية ، باعتبار أن البحث القانوني لا بد أن تتوفر فيها جملة من الشروط الضرورية والتي ينبغي للطالب أن يتحكم فيها جيد ليستطيع فيما بعد من إنجاز بحثه في صورة تليق به ، ومن ثم لا يمكننا أبدا الحديث عن وجود بحث علمي دون إتباع الخطوات والمراحل اللازمة في إعداد البحوث العلمية ، انطلاقا من تحديد المشكلة البحثية وصياغة العنوان ومرورا بتحضير الوعاء المرجعي الملائم وتقسيم الخطة و الاتصال بالمكتبة ثم وصولا إلى النتائج المتوصل إليها وذكر المراجع وتصنيف الملاحق و إعداد الفهرس ثم الاستعداد للمناقشة ، ورغم أن مقياس المنهجية ليس بالمادة الغريبة على طالب الماستر باعتبار أنه سبق له التطرق لها في مرحلة الليسانس إلا أنه وجب دائما تذكير الطالب نظرا لحاجته الملحة في طور الماستر بغية التزود بأكبر عدد من المعلومات المتعلقة بالإطار التنظيمي والشكلي لمذكرة التخرج ، وكذلك بكل مراحل البحث العلمي وخطواته وتقنياته ليصل في النهاية إلى إعداد مذكرة تراعي الأصول العلمية والقواعد المنهجية السليمة والعلمية ، خاصة بعد الصعوبات الكبيرة التي يواجهها طلبة الحقوق بصفة خاصة في استيعاب وفهم الكثير من المفاهيم المتعلقة بالمنهجية وإعداد البحوث العلمية بمختلف مستوياتها ، لذا جاءت هذه المحاضرات لتذليل الصعوبات و إماطة اللبس والغموض الذي يكتنف الكثير من الإجراءات والقواعد المتبعة في إعداد المذكرات ومن ثم مساعدتهم على إخراجها في صيغتها النهائية .