يذهب الكثير من الباحثين والدارسين إلى أن الإقليمية في التنظيم الدولي تعتبر فكرة حديثة العهد إذا ما قورنت بنشأة وظهور التنظيم العالمي، في حين يرى البعض الآخر أنه وجدت مجموعة من المنظمات الإقليمية قبل أن يوجد التنظيم الدولي بمعناه العالمي،  لكن يبدو أن الإقليمية لم ع عند البعض بديلا للمنظمة العالمية ، أو مكملة لها في وظائفها من حيث حفظ السلم والأمن الدوليين وكذا المراهنة على النظم الإقليمية ومؤسساتها لتحقيق السلام العالمي.

    عموما ،لقد برزت الإقليمية في إطار الجدل الذي دار بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، بين دعاة الإقليمية والعالمية حول أفضل السبل لحفظ السلام العالمي، وما إذا كان من الممكن تحقيق ذلك عبر التجمعات الإقليمية أو عبر إقامة حكومة عالمية ، فالنموذج الفكري والعملي للدول في مواجهة أية تحديات خارجية يشكل أسلوبا منهجيا عميقا لصد الخطر الخارجي من خلال الرغبة الدولية في وجود التنظيم الدولي الذي تخيل معه البعض توفر فرص السلام الدولية وفق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، إلا أن الواقع الدولي أخفق بعض الشي في معالجة الأمور التي كان لابد من مراجعتها ومعالجتها وفق القانون الدولي وهذا الإخفاق أعاد إلى الأذهان فكرة التنظيم الإقليمي باعتباره الوسيلة الأكثر فعالية في مواجهة أي خطر خارجي قد يصعب على التنظيم الدولي الوقوف بوجهه بسبب المصالح المهيمنة عليه،وهذا ما كانت عليه الحال في الفترة التي سبقت سقوط المعسكر الشرقي، أما في الفترة التالية لسقوطه وفي ظل القطب الواحد ظهر مفهوم جديد تمثل في "الإقليمية الجديدة".

    بشكل عام ،يعتبر مفهوم الإقليمية من المفاهيم الديناميكية أي المتفاعلة مع بيئتها، فكما تمّ الإشارة إليه سابقا فإن التوجه الإقليمي وجد مع بداية التنظيم الدولي ولكن مع نهاية الحرب الباردة وبروز ما اصطلح عليه بالنظام الدولي الجديد، عرف مصطلح الإقليمية تطورا على غرار باقي المفاهيم الأخرى حيث برز ما عرف " بالإقليمية الجديدة"  التي برزت مع ظهور تكتلات إقليمية جديدة في مختلف مناطق العالم وتطور العلاقات عبر الإقليمية بشكل وبأغراض مختلفة عما كانت عليه سابقا.

   لذلك جاء إعداد هذه المطبوعة في محاولة لتحقيق جملة من الأهداف نوجزها فيما يلي:

-         توضيح تطور ومفهوم الإقليمية والنظام الإقليمي.

-         تحديد أهم معايير تعريف النظام الإقليمي

-         توضيح أو الكشف عن علاقة التأثير والتأثر ما بين النظم الإقليمية والنظام العالمي

-         توضيح مفهوم الإقليمية الجديدة ومعرفة الفرق بينها وبين الإقليمية القديمة.

-         التعرف على مضامين الإقليمية الجديدة وتأثيرها على مستقبل النظم الإقليمية.

     لذا انطلقت في تقديم هذه المحاضرات بدءا من الكل إلى الجزء وفق منهجية بسيطة مستعينة بجملة من المراجع باللغتين العربية والأجنبية والهدف إثراء الموضوع الذي تم تقسميه تكييفا مع  المنهج المعد من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالجزائر والموجه لطلبة السنة أولى ماستر، تخصص "دراسات أورومتوسطية"، بقسم العلوم السياسية ، وانطلاقا من الاشكالية التالية :  ما المقصود بالنظم الاقليمية الجديدة وما مضامينها ؟ وفيما يتمثل الاطار النظري المفسر لها؟

للإجابة على هذه الاشكالية تم وضع المحاور التالية تطابقا مع المنهج الوزاري كما يلي:

المحور الأول: تطور النظم الإقليمية في ظل التنظيم الدولي.

المحور الثاني: مفهوم الإقليمية والنظام الإقليمي.

المحور الثالث: معايير تعريف النظام الإقليمي ومستويات تحليل النظم الإقليمية.

المحور الرابع: التحولات الجديدة في النظام العالمي وأثرها على النظم الإقليمية.

المحور الخامس: الإقليمية الجديدة في مقابل الإقليمية القديمة.

المحور السادس: الخصائص الرئيسية للإقليمية الجديدة.

المحور السابع: الإطار النظري للإقليمية الجديدة.