مقياس اشكالية الهجرة والاندماج للأستاذ قلواز ابراهيم

ماستر1 دراسات أورومتوسطية السداسي الثاني

ملخص مقياس إشكالية الهجرة والاندماج

أولا- مدخل إلى الهجرة والاندماج: 

ينطوي ملف الهجرة والاندماج في منطقة حوض المتوسط على الكثير من الثنائيات المتناقضة، فقد ظل  هاجسا أمنيا يضعف من استقرار أوروبا في مدركات صانع القرار الأوروبي، وفي نفس الوقت عامل قوة إضافي لدعم النمو الاقتصادي وإعادة تنشيط الاقتصادات الأوروبية المصابة برهاب الشيخوخة المبكرة. إلا أن أحداث الربيع العربي كانت لها انعكاسات بالغة الأهمية على العلاقات الأوروبية المتوسطية وان لم تكن تأثيراتها قد أفضت إلى تغييرات جذرية بشكل آني ومباشر؛ فإنها أحدثت حركية واسعة في سلوك الطرف الأوروبي، وأجبرته على تعديل مرتكزات سياساته خاصة ما تعلق بمعالجة الإشكاليات الجديدة التي أفرزتها معضلة الهجرة غير شرعية، أمنيا وسياسيا وهوياتيا واقتصاديا واجتماعيا.

1-مفهوم الهجرة والاندماج والمفاهيم المقاربة: 

تعتبر الهجرة من الظواهر القديمة التي عرفتها البشرية في كل البقاع، وقد ساعدت على بناء الكثير من الحضارات، فالهجرة مرتبطة بالوجود الإنساني باعتبار أن الإنسان مهاجر بطبعه، ومن هنا تعددت أشكال وأنواع الهجرة كما اختلفت مضامينها، فالإنسان لا يهاجر من منطقة إلى أخرى بجسده فقط  بل يهاجر بأفكاره ولغته وقيمه وتقاليده ومعتقداته ودينه وهويته وطموحاته المستقبلية، وهكذا تتجاوز الهجرة المكان لترتبط بكل تحولات الزمان وتفاعلاته، وهو ما أخرجها أي الهجرة من كونها ظاهرة مكانية جغرافية الى فضاءات أوسع، تتدارسها مختلف التخصصات باعتبارها ظاهرة سياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية وفكرية علمية أيضا، وهذا ما يجعل مفهوم الهجرة يتداخل مع الكثير من المفاهيم كالاندماج والمواطنة والهوية، الديمقراطية، التعدد الثقافي، وحقوق الإنسان وحوارات الثقافة والأديان. 

داخل مفهوم الهجرة نميز بين مفهوم الهجرة النظامية باعتبارها ظاهرة طبيعية ولها قوانينها ونظمها التي تضبطها دوليا وإقليميا وثنائيا بين مختلف الدول، ولها مواثيقها الخاصة وبروتوكولاتها التنظيمية، ومصطلح الهجرة غير الشرعية أو غير النظامية أو السرية والذي يشير الى انتقال غير شرعي وغير مقبول للأفراد من إقليم الى آخر، ينتهك فيه القوانين والتنظيمات السارية المفعول مما يضعها أي الهجرة غير شرعية في خانة الفعل الاجرامي الذي تعاقب عليه مختلف التشريعات الوطنية والدولية.

يتداخل مفهوم الهجرة مع مفاهيم اللجوء والنزوح، فمصطلح الهجرة يشير إلى انتقال الناس بشكل فردي أو جماعي، إرادي أو قصري من موطنهم الأصلي الى مكان اخر والاستقرار فيه، بشكل دائم أو مؤقت.أما اللجوء فهو وجود الافراد خارج بلد الاقامة بسبب التعرض للاضطهاد والعنصرية الدينية والقومية والانتماء الطائفي او السياسي مما يعرض خياته للخطر في بلد اقامته الاصلي ويجبره على المغادرة واللجوء الى بلد اقامة ثاني، اما النزوح فهو التعرض للاضطهاد والتهجير داخل حدود الدولة محل الاقامة بسبب التعرض لأخطار وتهديدات تمس حياتهم.

2-أسباب ودوافع الهجرة: تتعد الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى هجرة الأفراد من بلد إلى آخر لكنها تقع في مجملها ضمن سياقين:

-الأول وهو سياق العوامل الدافعة: وهي الأسباب والدوافع التي تدفع بالفرد إلى مغادرة بلده من أسباب سياسية وأمنية واقتصادية.

-والسياق الثاني وهو عوامل الجذب وهو ما يتعلق بالامتيازات والعوامل التي تتمتع بها الدول المستقبلة للمهاجرين أو تلك التي هي محل مقصد طالبي الهجرة. ومن هذه الأسباب نجد:

-أسباب اقتصادية: تتعلق بارتفاع مستوى البطالة والفقر وتدني مستويات المعيشة ومختلف الخدمات ، وغياب فرص العمل والدعم الاجتماعي، تدني مستوى الإنفاق والدخل وتدني الأجور.

-أسباب سياسية: الدكتاتوريات والأنظمة التسلطية حيث تنخفض مستويات حرية الرأي والتعبير، وتوسع التضييق على حريات الأفراد والجماعات وممارسة نشاطاتهم السياسية ونضالاتهم مايدفعهم للهجرة الى بلدان ترتفع فيها مستويات الحرية.

-أسباب أمنية: تتعلق بالنزاعات والحروب العرقية والقبلية والصراعات المسلحة على السلطة وانتشار التنظيمات الإرهابية والمليشيات في مناطق وأقاليم جغرافية بأكملها. 

أسباب بيئية: تتعلق بالكوارث البيئية والتغيرات المناخية من المناطق التي تتعرض للجفاف والقحط، ولا تساعد على العيش وتدفع بساكنيها الى مغادرتها والبحث عن مناطق قابلة للحياة، ومساعدة على حياة أفضل.

حاولت الدول المتوسطية مواجهة هذه المعضلة بشكل فردي أو ثنائي أو من خلال الجهود الجماعية، خصوصا في ظل تزايد الاهتمام بتأثير التهديدات اللاتماثلية على الأمن المجتمعي والهوياتي للدول، وفي ظل توسع مفاهيم الأمن، وموقع ظاهرة الهجرة غير شرعية من مدركات التهديد والمخاطر الأمنية في الفضاء المتوسطي على وجه الخصوص، ولم تكن القضية مقتصرة حكرا على الدول المتوسطية، فقد سارعت الهيئات والمؤسسات الدولية إلى إيلاء الاهتمام الأكبر للظاهرة؛ باعتبارها أحد أشكال المشكلات الكونية، التي تعني المجتمع الدولي ومصير الأمن والاستقرار العالميين، في عالم ما بعد الحرب الباردة.

ثانيا-السياسات الاوروبية تجاه الهجرة في المتوسط:

انتهجت الدول الأوروبية منفردة أو مجتمعة مجموعة من السياسات والمقاربات لمواجهة هذه الاشكاليات الجديدة، والتي توازن بين استغلال قضية الهجرة غير الشرعية كهاجس امني للضغط على الدول المغاربية، وابتزازها ودفعها إلى القبول بدور القوة الحارسة للإقليم، هذا من جهة، ومن ناحية أخرى انتهاج سياسة الاستقطاب الايجابي للكفاءات العالية والمؤهلة، وسياسة الانتقاء المدروس لأصحاب الوظائف والشهادات، وكوطة التخصصات التي تتطلبها سوق الشغل الأوروبية وتحتاج إلى سد الثغرات.

1-المقاربات التنظيمية:

-اتفاقية شنجن لعام 1985: أعداها في البداية خمس دول وهي ألماينا، هولندا، لكسمبورغ، فرنسا وبلجيكا، وأمضي على بروتوكولها الاضافي في 1990، ودخلت حيز التنفيذ 1995 و تم التوقيع عليها من قبل 30 دولة معظمها دول في الاتحاد الأوروبي، وتوجب هذه الاتفاقية أن تتبادل الدول الأعضاء في الاتفاقية المعلومات الشخصية والأمنية مع بعضها عبر ما يسمي بنظام شنجن المعلوماتي، وهو ما يعني سهولة القبض علي أي شخص غير مرغوب فيه في أي دولة ما دامت المعلومات المتوفرة تقول ذلك.

-ميثاق الهجرة الأوروبي: تم توقيعه في 2008 وتم فيه الاتفاق على إعداد بطاقية أوروبية للهجرة عرفت بالبطاقة الزرقاء، والاتفاق على تشديد الرقابة على هذا الملف ودعم المنظور الذي قدمه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي القائم على دعم من تحتاجهم أوروبا فقط، وتشديد الرقابة على من يحتاجون أوروبا لكي لا يصلوا إليها ويتحولوا الى أعباء فيما بعد. اعتمد الاتحاد الأوروبي وفي فترة الرئاسة الفرنسية للاتحاد سنة 2008 "الاتفاق الأوروبي للهجرة"، ويفرض هذا الاتفاق غير الملزم رقابة شديدة على المهاجرين وتجميعهم ومن ثم طردهم وتزويدهم بالمال الكافي حتى يعودوا إلى بلدانهم، كما يتم الدخول في اتفاقيات مع دول المصدر لإبعاد المهاجرين، وفي هذا الصدد تم إبرام 40 إتفاقية لطرد المهاجرين وإعادة ترحيلهم الى مواطنهم الأصلية بموجب هذه الاتفاقيات.

2-المقاربات الأمنية: وتتضمن هذه المقاربات أنظمة المراقبة المادية المختلفة من أجهزة شرطة ووكالات مكافحة الهجرة.

-الوكالة الاوروبية لإدارة الحدود (فرونتاكس) : بدايته التأسيسية كانت باتفاقية ديبان1 وديبان2 (2001-2002) التي أقرت المسؤؤولية المشتركة بين الاطراف الاوروبية في اللجوء، وفي 2002 أقر المجلس الاوروبي مشروع التسيير المشترك لوفود الهجرة وتم تخصيص الامكانيات اللازمة للوكالة، حيث تم تزويدها بطائرات مروحية وباخرات وأجهزة الرادار والرصد وكاميرات مراقبة حرارية.

-الشرطة الاوروبية Europol (أوروبوليس): تتكفل الشرطة الاوروبية بعديد المهام الامنية في مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية في الفضاء المتوسطي ويتلخص دورها فيما يلي:

تقديم الدعم الاستخباراتي، جمع المعلومات وتحليلها أمنيا، رصد وتقييم التهديدات، إعداد تقارير الحالة، إعداد فرق التنسيق المحلية والتعاون الشرطي بينها وبين المركز.

-أوروجيست (العدالة الأوروبي): اختصاصها يشمل كل أنواع الاجرام مثل الارهاب المتاجرة بالبشر، التهريب تبيض الاموال الاجرام المعلوماتي وتهدف الى خلق جماعة أورومتوسطية في القضاء ةالعدالة للوصول الى الاحترافية في معالجة كل ما يرتبط بمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية وارتباطاتها الوظيفية، والاستحدام الامثل للتقنيات العالية والعمل على نقل التجربة والخبرات الاوروبية في المكافحة متوسطيا.

-السيبول(كلية الشرطة الاوروبية) وهي وكالة تم تأسيسها في 2005 ومقرها في برامشيل ببريطانيا  تابعة للاتحاد الأوروبي تجمع كبار الضباط للتنسيق على أعلى المستويات في كل ما يتعلق بالخطط والمقاربات الأمنية.

-قوات الاوروفورس: في ماي1995 قررت الدول الاوروبية المتوسطية تشكيل هذه القوات حتى يمكنها التدخل بريا وبحريا وجويا لاعتبارات أمنية وانسانية وضمت في البداية كل من فرنسا اسبانيا ايطاليا والبرتغال وهي تطبيق لمشروع الدفاع الأوروبي المشترك.

3- أنظمة المراقبة الافتراضية: أولت الأطراف الاوروبية منذ أحداث 11 سبتمبر أهمية كبرى لدور التقنيات والآليات التكنولوجيا والأنظمة المعلوماتية لدمجها في مراقبة حركة الهجرة وتأمين الحدود ومكافحة الجرائم المرتبطة بالهجرة السرية.

-نظام شنغن للمعلومات  sis( shenghen imfo-sist ): وظيفته جمع وتحديث المعلومات باستمرار، فهو نظام بيومتري للتشاور الكترونيا، يمكن العودة اليه للتأكد من أي مشبوه ومراقبته، ومتابعة حركة العبور عبر الحدود البرية والبحرية والمطارات.

-النظام المتكامل للمراقبة الخارجية: vis( visa info-sist ) 

وهو نظام بيومتري موضوع على مستوى القنصليات والسفارات ونقاط العبور يعمل بالتنسيق والتشاور من أجل مراقبة حركة المهاجرين وطالبي التأشيرات للدخول الى الفضاء الاوروبي، ويوفر هذ النظام المعلوماتي المشترك خزانا من المعلومات والبيانات المحدثة باستمرار والتي يمكن تحليلها ورصد أي تهديدات محتملة واتخاذ الخطوات الوقائية المناسبة لها مسبقا.

4-المقاربات السياسية: حيث تعمل الاطراف الاوروبية بشكل فردي وبشكل جماعي على وضع ترتيبات واتفاقيات وحلول سياسية مع دول الجنوب لحل مشكلة الهجرة وترحيل المهاجرين غير شرعيين واعادتهم الى بلدانهم والتفاهم علة الحلول السياسية المناسبة لمشكلة المهاجرين من منطقة الساحل الإفريقي الذين يستحيل إعادتهم الى أوطانهم وصعوبة منحهم الإقامة بالدول الاوروبية.

5-المقاربات الاجتماعية والإنسانية: وتهدف هذه المقاربة الى التكفل النفسي والاجتماعي والصحي بالمهاجرين ومراعاة ظروفهم ودراسة حالاتهم حالة بحالة، ومنح أولوية المعالجة والاهتمام للأكثر تضررا والتكفل بالحالات المتعذر إعادتها الى موطنها الاصلي.

6-المقاربات الاقتصادية: وهي المقاربات المغيبة ضمن هذه الجهود والسياسات باعتبارها الاكثر نجاعة والأكثر طلبا ضمن جهود التعاون الدولية والاقليمية مع دول الجنوب والقائمة على دعم مختلف المبادرات وسياسات التنمية ومشاريع الاستثمار في الجنوب وإقامة شراكات حقيقية لتوظيف الشباب وزيادة فرص العمل في الجنوب لمواجهة ظاهرة الهجرة في منبعها.

في مقابل هذه المقاربات برزت أيضا مقترحات أخرى ومبادرات لمواجهة ظاهرة الهجرة ولقي بعضها ترحيبا واستحسانا بينما تعرضت مقترحات أخرى الى رفض واستهجان دول الجنوب، كمطالب إنشاء "مخيمات عبور" لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين في شمال إفريقيا قبل البت في طلبات ترشحهم للهجرة من طرف السلطات الأوروبية، وإقامة مراكز اعتقال للمهاجرين السريين. في المقابل كانت هناك دعوات لتنظيم الهجرة الشرعية من خلال بعض السياسات مثل "الهجرة المدروسة"بالنسبة لألمانيا التي تفتح الهجرة الشرعية للمهاجرين من ذوي الكفاءات في المجالات التي تحتاج فيها إلى يد عاملة مؤهلة وهو النموذج ذاته الذي نادى به الرئيس نيكولا ساركوزي منذ أن كان وزيرا للداخلية وأسماها بالهجرة الانتقائية، والتي تقوم على أساس فتح مجال الهجرة الشرعية للنخب الصفوة بما يقدم الإضافات النوعية اللازمة للاقتصاديات الأوروبية،وقد لاقت هذه الفكرة رفضا من طرف الجزائر.

ثالثا-الجهود الاسبانية:

تعتبر اسبانيا من أكثر البلدان الاوروبية المتوسطية المهتمة بملف الهجرة باعتبار الاقرب جغرافيا والبوابة الاولى لاستقبال المهاجرين السريين، لذلك قامت بمشاريع عديدة لمواجهة الظاهرة بدعم من الاتحاد الاوروبي، فالمشروع الإسباني الممول من طرف الاتحاد الأوروبي، القاضي ببناء جدار حدودي يصل علوه إلي ستة أمتار. وهو جدار مجهز برادار للمسافات البعيدة وبكاميرات الصور الحرارية، وأجهزة للرؤية في الظلام وبالأشعة تحت الحمراء. وفي الوقت نفسه، قامت إسبانيا بإنشاء مراكز للمراقبة الإلكترونية، مجهزة بوسائل إشعار ليلي ورادارات. بالإضافة إلي مشروع إطلاق قمر صناعي أطلق عليه اسم "شبكة الحصان البحري"، لمراقبة عمليات الهجرة السرية ببوغاز جبل طارق بين إفريقيا وأوروبا، بتكلفة تقدر بأكثر من 3.5 مليون يورو. ومن شأن هذا الإنجاز مساعدة الدوريات العسكرية البحرية، خاصة المغربية والإسبانية، اللتين تشتغلان بشكل مشترك منذ سنة 2003 في إطار التعاون الأمني الأورو - متوسطي، لمحاربة الشبكات المختصة في تهريب البشر، التي تعتمد علي تجهيزات ومعدات لوجيستية جد متطورة.

رابعا-جهود الجزائر للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية:

 تشكل دول شمال إفريقيا ومنها الجزائر مناطق عبور لأفواج كثيرة من المهاجرين غير الشرعيين المتوجهين نحو أوروبا بهدف الاستقرار أو طلبا للجوء، وأمام توجه بعض الدول الأوروبية الجاذبة للاجئين في الاتحاد الأوربي إلى غلق حدودها في وجه المهاجرين، عملت الجزائر على تنظيم عمليات الهجرة الشرعية، و طورت الدولة تشريعاتها الوطنية المتعلقة بالهـجرة ، وأخيرا انتـقلت الجزائر بالنظم القانونية للهـجرة إلى مرحـلة أكثر تطورا، من خلال الالتزام بالنصوص التنظيمية في القانـون الدولي والتنسيق مع المنظـمات الدولية، مثل الأمـم المتحدة و فروعها المتخصصة ، أو المـنظمات ذات العلاقة،تولي عناية بالغة لموضوع الأجانب، حيث اتخذت السلطات العمومية منذ السنوات الأولى من الاستقلال تدابير تشريعية و تنظيمية تخص حركة و إقامة و عمل الأجانب في الجزائر، و تتمثل في :

- الأمر رقم 66-211 و المرسوم التنفيذي 66-212 المؤرخ في 02 ربيع الثاني عام 1386 الموافق 21 يوليو سنة 1966 و المتعلق بوضعية الأجانب في الجزائر.

- القانون رقم 81-10 المؤرخ في09 رمضان عام 1401الموافق 11يوليو سنة 1981و المتعلق بشروط تشغيل العمال الأجانب .

 -المرسوم82-51المؤرخ في 09 ربيع الأول عام 1403 الموافق ل 25- ديسمبر-1982،يحدد كيفيات  منح رخص العمل و الرخص المؤقتة للأجانب .

- مرسوم رقم 86-276المؤرخ في 09 ربيع الأول عام1407 الموافق 11نوفمبر سنة 1986،يحدد شروط توظيف المستخدمين الأجانب في مصالح الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات و الهيئات العمومية .

- القانون المدني : الأحكام المتعلقة بتشغيل العمال الأجانب :المواد 18-19-20-21. 

كما اعتمدت في المتابعة الجزائية لكل المخالفات لقواعد دخول التراب الجزائري على الأمر رقم   66 – 211 المؤرخ في 21/07/1966 الخاص بوضعية الأجانب في الجزائر ، و قانون 81 – 10 المؤرخ في 11/07/1981 المتعلق بشروط تشغيل العمال الأجانب ، ليتم في سنة 2008 بعد تنامي

 و استفحال الهجرة بكل صورها  و بأنواع جنسية مرتكبيها ، التصدي بوضع قانون رقم 08/11 المؤرخ في 25 جويلية 2008 المتعلق بشروط دخول الأجانب إلى الجزائر و إقامتهم بها و تنقلهم فيها لسد جزئيا الفراغ الكثيف و التصدي إلى الهجرة الشرعية أو غير الشرعية ، إلا أن ذلك القانون لا يزال ناقصا و عقيما جدا مقارنة بالخطورة و الآثار المترتبة عن الهجرة غير الشرعية من كافة الجوانب ، بالإضافة إلى قانون العقوبات الجزائري الذي أقر في تعديله الأخير سنة 2009 بإقراره المتابعة الجزائية ضد مهربي الأشخاص .

المادة 175 من قانون العقوبات على "معاقبة كل شخص يغادر الإقليم الوطني عبر منافذ أو أماكن غير مراكز الحدود، وبالحبس من شهريين إلى ستة أشهر وبغرامة مالية من 20 ألفا إلى 60 ألف دينار.

كما قدمت الجزائر مقاربة ناجعة لمواجهة ظاهرة الهجرة غير الشرعية في اطار التعاون الاقليمي المشترك في الفضاء المتوسطي سواء في اطار مشاريع الشراكة مع الاتحاد الاوروبي أو في اطار اللجان الثنائية مع الدول الاوروبية أو داخل منتدى خمسة زائد خمسة المتوسطي، وتقوم المقاربة الجزائرية على معالجة الظاهرة من منبعها بدعم مشاريع التنمية في المناطق المحرومة وتأهيل المناطق المتضررة من الصر اعات والنزاعات والتغيرات المناخية من خلال دعم المشاريع التنموية والاستثمارية ودعم الحوار السياسي والقبلي لحل المشكلات السياسية والامنية.

خامسا-إشكاليات الهجرة والاندماج في الفضاء الأورومتوسطي: 

أثارت قضية الهجرة بعمومها سواء النظامية أو السرية العديد من الاشكلات وبالأخص ما تعلق باندماج المهاجرين من المجتمعات العربية والاسلامية في أوروبا داخل المجتمعات الاوروبية المختلفة ثقافيا ودينيا عما يميزه المهاجرين وأبنائهم، فإحدى المسائل المركزية المهمة التي يطرحها الوعي العربي والإسلامي هي العلاقة مع الغرب بكل ما تحمله من تعقيدات الإرث التاريخي، وإكراهات الجوار الجغرافي الفريد، وقد أصبحت هذه العلاقة عموما مصدرا للقلق  الذي طبع الأفكار منذ أن صارت أوروبا مركز الحداثة في العالم.

ويزداد القلق في العالمين العربي والإسلامي أكثر وبشكل معقد؛ بعد أن أصبحت أوروبا مركزا للنور، وقبلة لحركة الهجرة لكل من يرغب في الفرار من واقعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وكل من يبحث عن مخرج لطموحاته خارج دائرة النظم العربية؛ كون تكلفة هذه الحركة تعود في الأخير لتدفعها مجددا الأنظمة العربية، التي تجد نفسها مجددا في وضعية الدفاع أمام الاتهامات الغربية، ومواجهة ابتزازاتها ومشروطيتها، في مقابل تطبيع أي علاقات أخرى قبل تسوية ملفات المهاجرين الغير شرعيين على أراضيها.

تطرح موجات الهجرة إلى أوروبا في ظل عواصف الأزمات في الشرق الأوسط عدة إشكالات أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ونجد على العموم أبرز تلك الإشكاليات مطروحة في النقاط المختصرة التالية: 

-تعتبر الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين أحد أبرز استعصاءات بناء الأمن المتوسطي 

-الرغبة الأزلية لأوروبا في الإبقاء على نقاء النادي المسيحي الأوروبي 

-التوظيف السياسي لقضية المهاجرين واتخاذها أجندة رئيسية للأحزاب المتطرفة في أوروبا في كل الاستحقاقات الانتخابية 

-الإسلاموفوبيا ونشر الرهاب الإسلامي وسط الأوروبيين واستخدام الإعلام العالمي لتزييف الوعي العالمي بخصوص الإسلام والمسلمين باستغلال الإفرازات والتداعيات التي تخلفها ظاهرة الهجرة نحو أوروبا 

نكران التعددية الثقافية تحت ذرائع الهوية الأوروبية الموحدة والمعايير والقيم الاجتماعية للجماعة الأوروبية.

ومن هنا فإن اندماج المهاجرين من العالم العربي والاسلامي في أوروبا يصطدم بعدة اشكاليات، متعددة الأبعاد والمستويات ترهن حياته السوية والمستقلة وتمتعه بكامل حقوقه وحرياته داخل المجتمعات الأوروبية ومنها:

1-الإشكاليات الأمنية: تطرح قضية المهاجرين الغير شرعيين إشكاليات أمنية حادة، خاصة بالنسبة للأطراف الأوروبية التي تجعل من القضية مركز الحراك السياسي داخليا وخارجيا؛ في تكوين أجندة التفاعلات الأوروبية الأوروبية، والأوروبية المتوسطية، بالرغم من إعلانها الصريح عن حتمية تكفلها بالمهاجرين الفارين من النزاعات طبقا للمواثيق والمعاهدات الدولية، وفي إطار مبادئها لحقوق الإنسان ومعايير بناءها الاجتماعي، لكنها في المقابل تنتهج سياسات الأبواب الموصدة، وتركزا بدلا من ذلك على ظواهر وتحولات سلبية مصاحبة للظاهرة، كمبرر لمخاوفها من تواجد سيل المهاجرين الغير شرعيين. وبالتالي تحاول الدول الأوروبية استخدام أدوت الأمننة الجديدة وإضفاء المنظور الامني على قضايا الهجرة والتحولات المصاحبة لها.

وفي هذا السياق؛ تستدل الدوائر الاوروبية بأحداث وتجاوزات وأعمال عنف وإجرام للمهاجرين الغير شرعيين والتهويل من حجم التهديد الذي يمثله المهاجر الغير شرعي على الأراضي الأوروبية كتهديد للآمن والنظام العام والأطر الاجتماعية والمعايير والقيم الثقافية الأوروبية.

كأحداث الاعتداء على المثليين الجنسيين وحادثة التحرش الجنسي بمناسبة رأس السنة الميلادية بمدينة كولونيا الألمانية من قبل مهاجرين غير شرعيين، حيث ذكرت التقارير الألمانية الأمنيّة إنّ 40% من اللاجئين التونسيين والذين لا يتجاوز عددهم 57 لاجئاً قاموا بارتكاب جنايات مسجلة لدى الشرطة، و40% من الجزائريين والبالغ عددهم 260 لاجئاً.

كما بيّن التقرير أنّ من بين 1111 لاجئاً سورياً مسجلاً في كولونيا، ارتكب 5 أشخاص فقط جنايات مسجّلة لدى الشرطة، أي ما نسبته أقل من 0.5%. وبالنسبة للاجئين من أفغانستان فمن بين 660 لاجئاً ارتكب 4 منهم فقط جنايات مسجلة لدى الشرطة، أي بنسبة 0.6%، ومن بين 789 لاجئاً عراقياً ارتكب 19 شخصاً ما يعادل 2.4%. .

خلفت معضلة الهجرة غير شرعية مخاوف امنية وخلافات سياسية ايضا بين دول الاستقبال ودول المصدر بسبب شكوى الاولى من عدم تعاون الدول الثانية في ترحيل المهاجرين الغير مقبولين في اوروبا والقاضي بترحيلهم نحو بلدانهم، والحالة الالمانية مع البلدان المغاربية ابرز مثال على ذلك:

 فحتى نهاية جويلية 2018، صدر بحق 5500 جزائري ومغربي وتونسي قرارات بالترحيل، إلا أن السلطات لم تتمكن من ترحيل أكثر من 53 فردا منهم إلى أوطانهم في النصف الأول من عام 2015.

واشتكت المانيا من قلة تعاون بلدان المغرب العربي معها من اجل تنظيم ترحيل المهاجرين الغير شرعيين وبذلك تحاول المانيا تحميل الاطراف المغاربية جزءا من مسؤوليتها عن التداعيات الامنية للظاهرة وفي مقابل ذلك استغلت المانيا تلك الضغوط لتقديم مشروطية جديدة تقضي باستقبال الدول المغاربية للمهاجرين المرحلين في مقابل الغاء الدول المغاربية من قائمة الدول الغير آمنة.

كم تربط أطروحات التهديد الذي يمثله المهاجر غير شرعي بين هذا الاخير والاعمال الارهابية واعمال العنف ونشاطات شبكات التهريب والجريمة المنظمة فتلك الاطروحات تربط بين الهجرة الغير شرعية وكافة المخاطر التي تهدد الامن الأوروبي. فهي تجمع بين المهاجر، المتشرد، والجريمة المنظمة، والإرهاب، لذلك أطلق على ما ينتج عنها مصطلح العدو الداخلي.

الآثار السلبية لتدفقات الهجرة غير شرعية في أوروبا تدقق في أرقام ترتفع بشكل مقلق تدعم الارتباط بين المهاجر الغير شرعي ومختل نشاطات الإجرام، من المتورطين في شبكات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين عبر الحدود الأوروبية تزوير الوثائق والاتجار بالمخدرات من سوريا ولبنان 

وتمتد المخاوف الأوروبية الى تزايد التأكيدات الأوروبية على ارتباط المهاجرين الغير شرعيين بشبكات الخلايا والتنظيمات الإرهابية خاصة بعد أحداث شارلي إيبدو، وأحداث باريس بعدها في نوفمبر 2015، وزيادة الارتباط بين تنظيم داعش الإرهابي الذي يحاول تهديد الأمن الأوروبي من خلال توظيف المهاجرين الغير شرعيين على الأراضي الأوروبية

2-الإشكاليات الاقتصادية: ينظر عادة الى مسالة اللجوء بحسبانها مهددا للاقتصادات الوطنية ، فلا يوجد شك حول التكاليف والأعباء الاقتصادية التي تتكبدها الدول نظير الوفاء بالتزاماتها الإنسانية، وعلى هذا النحو ينظر الى اللاجئ على انه  استنزاف حقيقي لنظم الدعم الاقتصادية والاجتماعية

لكن بعض القراءات الأوروبية تقدما منظورا آخر لواقع الهجرة في أوروبا،حيث أن  تعطيل القنبلة الديموغرافية الموقوتة وسيناريو تباطؤ النمو الديمغرافي يهدد أوروبا باكتساح الشيخوخة للمجتمع الاوروبي وتآكل متدرج للاقتصاد على يد هذه الفئة الهشة الأداء، والقليلة الإبداع، والميتتة التفاني والسرعة والمهارة 

ووتتوقع التقديرات بلوغ نسبة الشيوخ في سن الستين حوالي 47 بالمائة العام 2020 ونسبة 70 بالمائة العام 2050 مما جعل المفوضية الاوروبية تتوقع تراجع النمو من 2 بالمائة إلى الواحد والربع العام 2040

فلا قبل لأوروبا بوقف سيول المهاجرين الغير شرعيين وفي مقابل الحاجة الماسة لمزيد من العمالة المؤهلة والماهرة يجب تطوير مزيد من الاغراءات الايجابية لاجتذابهم، في ظل فشل اصلاح انظمة التقاعد والتحفيزات الاجتماعية والضريبية لتحقيق حياة عمل اطول وفشل سياسات رفع سن التقاعد والمردود السلبي لهذه السلبيات تقدم حلول أخرى لإنقاذ أوروبا من ورطتها الديموغرافية ويتمثل ذلك في التوجه نحو دعم سياسة الهجرة المراقبة  برفع الحظر عن الهجرة الاقتصادية.

كما أن الاقتصاد المزدهر ونظام الرعاية الاجتماعية الفعال لا يضمنان استيعاب المهاجرين أو الأقليات العرقية في ظل موجات العداء اليمينية المستشرية في الأوساط الأوروبية، لهذا نرى تخبط أوروبي كبير بين الأولويات السياسية والأمنية والضرورات الاقتصادية والتي أنتجت مفارقات وتباينات في الرؤية الأوروبية لمعالجة الظاهرة، كما لم تتمكن الأطراف الأوروبية من التوصل إلى إتباع سياسة أوروبية موحدة اتجاه الظاهرة وزيادة الانشقاق في الصف الأوروبي في ظل تناقضات تيارات التشاؤم والتفاؤل وتيارات الملتزمة بالتضامن وتقاسم حصص اللاجئين وتحمل التكلفة المترتبة عن معالجة الظاهرة وتيار آخر يحاول التنصل من تلك الالتزامات ويهدد بالخروج من شنغن أو التجميد المؤقت للاتفاقية.

إن حقيقة التهديدات ومبررات المخاوف الأوروبية  يمكن ترصدها من خلال ملاحظة وتتبع السياسات الأوروبية والاستراتيجيات المطبقة للقضاء على الهجرة الغير شرعية، والتي تفيد  بأن تلك المحاولات وسياسات غلق الأبواب والتشديد على المهاجرين عادة ما تؤدي إلى كوارث وحوادث مأساوية حولت البحر الأبيض المتوسط إلى بحر موت والى مقبرة المتوسط ومن ثمة: لا سبيل لوقف نهائي للهجرة الغير شرعية لكن يجب التركيز على احتواءها والتعاون الشامل للتحكم في الحدود.

لذلك فان الخطاب السياسي والأمني الأوروبي الذي يطرح إشكاليات متجددة حول أطروحة التهديد القادم من الجنوب ليس خطابا واقعيا ولا يستند إلى تبريرات حقيقية بل تبريرات متناقضة جدا، وبالتالي فهو خطاب بناء أيديولوجي  لإثبات الذات وتميزها عن الآخر في ظل التحديات والرهانات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في مساراته واستحقاقاته القادمة.

استنتاجات عامة:

 تجد أوروبا الموحدة في العالمين العربي والإسلامي المشتتين والمفككين فرصة مواتية للعب على أوتار التناقضات، والاختلاف العربي والإسلامي بين مختلف الطوائف والمذاهب، وتوظيف ذلك الاختلاف والتناقض لصلحها لتيسيير أجنداتها فيما بتعلق بتنسيق السياستين الخارجية والأمنية لأوروبا الموحدة، وهما عماد تحصين القلعة الأوروبية الموحدة، وخاتمة بناء البراديغم الأوروبي المعاصر، لإعداد قرن أوروبا القادم، وإعادة بناء الحضور الأوروبي العالمي الذي افتقدته لصالح قوى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي عقب نهاية الحرب العالمية الثانية.

إن نكسة جمود المسار الأوروبي عقب فشل التصويت على الدستور الأوروبي خلقت حالة من الارتباك والتوتر، وحفزت مبررات القلق لدى الأوروبيين صناع القرار حول مستقبل الاتحاد، ومساراته ومآلاته، عقب هذه الخطوة، واحتمالات ارتداد العملية الوحدوية، مع توالي الأزمات المالية وتهديد دول بالخروج من البيت الأوروبي،  وتبين أرقام استطلاعات الرأي تراجع التأييد الأوروبي للوحدة الأوروبية كل ذلك خلق تخوفات لدى الأوروبيين بارتداد العملية الوحدوية وتفكك البنيان الأوروبي وتزايد محفزات الانشقاق. 

وتأتي العمليات الإرهابية التي ضربت أوروبا وألصقت بالمسلمين المهاجرين على الأراضي الأوروبية؛ في سياق حركة أوروبية كبيرة وكثيفة تسابق الزمن لإعادة اللحمة الأوروبية، وبلورة منظورات أوروبية جديدة من اجل المستقبل، واستغلال استحضار التهديد الإسلامي، وخطر الحركات الإرهابية، لإعادة شحن طبقات الوعي الأوروبي وربط المخيال الأوروبي الجماعي بفرضية التهديد القادم من الجنوب، والناتج مما كل ما هو إسلامي والمتولد عن التحجرات الفكرية والدينية لدى الأخر المتطرف، مع ما يستدعيه ضرورات صد تلك المخاطر من قوة توحد واجتماع، للتغلب على احتمالات الضعف التي تولدها حالة التردد والارتداد عن المسار الوحدوي، لتبقى بروكسل البيت الذي أطعمهم من جوع واكسبهم الحصانة الاقتصادية القوية، وتتويج ذلك بحصانة أمنية لتكون القلعة الأوروبية الأمنية انطلاقا من بروكسل البيت الذي يؤمنهم من خوف أيضا.

النظر إلى المسلم على انه خطر عقائدي وثقافي وفكري، وأيضا خطر ديموغرافي؛ فهو ليس محملا فقط بالأفكار والعقائد المتطرفة والثقافة المتحجرة التي لا يمكن إفراغها منه، وليس فقط خطرا محملا بأي نوع محتمل من الأسلحة التي لا يمكن انتزاعها منه، وليس فقط أيضا خطرا على الهوية العلمانية ونمط الحياة والتي يحملها في أكله الحلال ومساجده والحجاب، و التي لا يمكن انتزاعها منه أيضا ، ولكنه أيضا محملا بخصوبة عالية تجعل منه القوة الديموغرافية الأولى، وترجيح كفة الأغلبية في كل النظم لصالح التيارات المهاجرة الإسلامية، إلى درجة الحديث عن أسلمة الدولة والمجتمع في أوروبا، وهنا أمام هذه الإشكالية الديموغرافية تختفي تماما كل الاشكالات الأخرى،  وتخف قيمتها التهديدية أمام هذا التهديد الذي يعيد أنتاج كل تلك السلوكيات السابقة، والعوامل المنتجة لمصادر التهديد السابقة الذكر، وتماما في هذه الحالة؛ يصعب انتزاع الخصوبة الديموغرافية من هذا المهاجر المسلم في ظل تسلحه بعقائده وأفكاره وقيمه التي تحرم عليه تحديد النسل.

خاتمة:

لم يعد ينظر للمهاجرين على أنها تلك الفيروسات القاتلة المحملة بكل الأمراض القادمة من الجنوب، بل هناك فرصة كبيرة يقدمها هؤولاء للاقتصادات الغربية المتهالكة والمنهارة، والمتعطشة إلى أيدي عاملة شابة وحيوية ونشطة، ومتعطشة لبيئة حريات تمنحها فرصا لإبراز قدراتها وإبداعاتها، فالهجرة تتحول تدريجيا من منظر مقرف لحشود غريبة، إلى ثروة خلاقة ومبدعة وطاقة حيوية مستدامة، ورأسمال بشري إضافي ومجاني أيضا، فتلك القوارب لم تعد قوارب الأموات والفطريات التي تضيف أعباء للأوروبيين، بل أصبحت تدريجيا تتحول إلى استثمارات خلاقة تقدم رؤى بديلة وثمينة للتجارب الأوروبية، ومكسب لا يستهان به ولا يرفض ايضا، فهناك أبواب تفتح على طرق جديدة تغير النظرة اتجاه المهاجر القادم من الجنوب.

الهجرة غير شرعية لا تحتاج فقط إلى ترسانة قانونية ومواثيق واتفاقيات أمنية، وقوى تجنيد للحراسة لكنها قبل كل شيء تحتاج إلى حوار جماعي فاعل، يأخذ بعد نظر كل الأطراف، ولا يستند فقط على الرؤية الأحادية المقتصرة على هواجس طرف دون الطرف الآخر، وتبني مفاهيم وإشكالات تجعل من الطرف الأول جزء من المشكلة، دون أن يكون طرفا في الحل، ولا في هندسة مقاربات الحل وعلاجات الظاهرة.

المقاربات التنموية تظل هي الأساس لعلاج الظاهرة بشكل جذري لاستاصالها وفق ما يخدم الطرفين ويحقق مصالحهما المشتركة، وفي هذا السياق تظل المقاربة الجزائرية لمعالجة الظاهرة واحدة من المقاربات التي ينبغي الاستثمار فيها والاسترشاد بها وبحلولها السلمية والتنموية والتشاركية أيضا.